الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب "فَعِلت بكسر العين
"
قوله: «قَضِمَتِ الدَّابةُ شعيرَها تَقْضَمُهُ»
قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي معناه: أكَلَتْهُ، وكذا ما أشبه الشعير في اليبس. قال: وأصل القَضْمِ: الدَّقُّ، وفي الحديث:(فأعطانيه- يعني: السواك- فَقَضِمتُه)، أي: كسرته، قال: والكسر لا يكون إلا في الأشياء الصلبة، قال: ومعنى خَضِمت: أكلت الرطب.
قال أبو جعفر: ما ذكره عبد الحق من الفرق بين القَضم والخَضم، واختصاص القَضم بأكل اليابس، والخضم بأكل الرطب، قد قاله غير واحدٍ.
قال محمد بن أبان في كتابه العالم، وابن سيدة في كتبه،
وابن جني، وابن درستويه، وغيرهم: القضم لليابس، والخضم للرَّطْب.
وحكى أيضاً محمد بن أَبان، وابن سيده، وكراع في المنظم: أن القَضْمَ الأكل بأطراف الأسنان، والخضَم بالفم كلِّه.
قال أبو جعفر: وهذا راجع إلى القول الأول في المعنى؛ لأنَ الإنسان ما يأكل بأطراف أسنانه إلا الأشياء الصُّلْبة، ويأكل بجميع فمه / الأشياء الَّلَّينة فكأنَّه في المعنى أيل إلى أنّ القضم أكل اليابس، والخضم أكل الرَّطْب.
وكذا قال مكِّي في شرحه، قال: إذا كان القضم أكل الشيء بأطراف الأسنان فكأنه أكل الشيء القليل، والخضم أكل الشيء بالفم كلِّه فكأنه أكل الشيء الكثير، وأنشد:
تَبَّلغ بأخلاقِ الثِّيابِ جَدِيدَهَا
…
وبالقَضمْ حَتْى تُدْرِكَ الخَضْمَ بِالقَضْمِ
قال أبو جعفر: وحكى صاحب الواعي عن الكسائي: أنّ الخضم
للإنسان بمنزلة القضم للدَّابَّة.
وجاء ابن جنيٍّ في الخصائص وأبدى بزعمه حكمة في استعمالهم القضم لليابس والخضم للرَّطْب، وقال: اختاروا الخاء لرخاوتها للرَّطْب، والقاف لصلابتها لليابس، وذكر أشياء من هذا النَّحو ممَّا حاكت فيه المعاني ما بالألفاظ.
فقال [أبو] محمد بن السيِّد: لعَمْرِي إنَّ العرب رُبَّما حاكت المعنى باللَّفظ الذي هو عبارة عنه في بعض المواضع، ويوجد تارة ذلك في صيغة الكلمة، وتارة في إعرابها، فأمَّا في الصِّيغة فقولهم للعظيم الرَّقَبة: رَقبانُّي، والقياس رَقَبِيَّ، وللعظيم اللِّحية: لحيانيَّ، والقياس لحييَّ، وللعظيم الجمة: جماني، فزادوا في الألفاظ على ما كان ينبغي أن تكون عليه، كما زادت المعاني الواقعة تحتها.
وكذلك يقولون: صرَّ الجُنْدِب: إذا صوَّت صوتاً لا تكرير فيه، فإذا كثَّر الصوت قيل: صَرصَر.
وأمَّا محاكاتهم المعنى بإعراب الكلمة دون صيغتها فإنا وجدناهم يقولون: صعد زيد في الجبل، وضرب زيد بكراً، فيرفعون اللفظ كما ارتفع/ المعنى الواقع تحته.
قال أبو محمد: ولكن هذا قياس غير مُطَّرد، ألا تراهم قالوا:
أسد وعنكبوت، فجعلوا اللفظين مخالفين للمعنيين. وقالوا: زيد مضروب، فرفعوه لفظاً وهو منصوب معنًى، وقالوا: مات زيد، وأمات الله زيدا، وأحدهما فاعل على الحقيقة، والآخر فاعل على المجاز.
فإذا كان الأمر على هذا السبيل، كان التشاغل بما تشاغل به ابن جني عناءً لا فائدة فيه.
قال أبو جعفر: ويقال: قَضَمْتُ وقضِمْتُ، وخَضَمْتٌ وخَضِمْتُ، بالفتح والكسر فيهما، حكى ذلك ثابت في لحنه، ولم أر أحداً حكى الفتح في قضمتُ إلا ابن طلحة. وأما خضمت بالفتح أيضاً فقد حكاه أبو مسحل، وابن القطاع.
وقوله:"وكذلك بَلِعتُ الشيء أَبلَعُه".
قال أبو جعفر: البلع: [هو] إرسال الطعام في الحلق من غير مضغ، عن الزمخشري وابن الدهان. قال الزمخشري ويقال: البلع يكون للطعام والشراب، والدليل عليه قوله تعالى:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي} .
وقال: والبلاعُ اسم لما يُبلع من طعام، أو شراب، كما تقول: طعام لما يطعم، وشرابٌ لما يشرب.
قال ابن التياني، وابن سيدة: وبلِعَ الماء: جرعَهُ. قالا: وبلع الرجل الشيء وابتلعه. وزاد ابن سيدة: وتبلعه، حكاه [عن] ابن الأعرابي. وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة: وكل شراب بلوع، ورجل بُلَع، وامرأة بُلَعَة: كثير الأكل. قال وفي الموعب: والبلعةُ من الماء بفتح الباء كالجَرْعَة.
قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: وإنما ذكر ثعلب بَلِعت لأن العامة تفتح ماضيه، وهو خطأ، إنما ماضيه بالكسر لا غير.
قال أبو جعفر: الفتح في بلعت ليس بخطأ كما قاله ابن درستويه،
وحكى صاحب الموعب عن الفراء أنه قال: بلَعتُ الشيء وبلِعْتُهُ لغتان، والكسر أجود من الفتح، قال: ويَبْلَع بالفتح باللغتين جميعاً.
قال أبو جعفر: وحكى الفتح أيضاً في بلعت يعقوب في كتابه فعَلْتُ وأَفْعَلْتُ.
قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: وسُميت البالوعة على فاعُولةٍ، والبَلُّوعة على فعولةٍ؛ لأنها تبلع المياه، / وهي البواليع، والبلاليع.
وقال المطرز فى شرحه ويقال لها أيضاً: البَلُّوقة، وجمعها بَلَالِيق، قال: وقد جاءت البلاعة والبلاقة على وزن علَاّمة.
قال ابن درستويه: وقد يستعار في غير ذلك، فيقال: اَبلعني رِيْقِي، أي: امهلني حتى أقول وأفعل.
وقال ابن سيدة في المحكم: والمبلعُ، والبُلْعوم، والبلْعُمُ، كله مجرى الطعام.
وقوله:"وسَرِطْتُهُ أَسْرَطُهُ".
قال أبو جعفر: سرطاً، وسرطاناً، عن الزمخشري في شرحه. ومعناه: بلعته بسرعة، عن مكيٍّ في شرحه.
وقال الجوهري: سرطتُ الشيء، واسترطتُهُ: بلعته.
وكذا قال ابن درستويه، إلا أنه قال: لا يكون إلَاّ في الطعام الليِّن خاصة، ولا يقال في الشراب، وكلٌ ما نزل في الحلق بسرعة وسهولة وبُلع كله لمرة واحدة، قال: ومنه قيل للفالوذ: سرطْراَط؛ لسرعته وجريه في الحلق، ويقال في المثل:"الأخذ سُريطى، والقضاء ضُرَّيطَى"يعني به: سهولة الأكل على المستدين بدينه، وصعوبة قضاء الدين عليه.
وقال الجوهري: وفي المثل:"لا تكن حلواً فَتُسْتَرطَ، ولا مُراً فتُعقى، من قولهم: أعقيتُ الشيء: إذا أزلته من فيك لمرارته، كما يقال: أشكيت الرجل: إذا أزلته عما يشكوه.
قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: /"الأخذ سُرَّيط، والقضاء ضُرَّيط"حكاه غير واحد.
وحكى اللحياني في نوادره: رجل سَرْطَمٌ، وسرْطمٌ؛ للذي يبتلع كلَّ شيءٍ.
وقال ابن درستويه: إنما ذكر ثعلب سرطته؛ لأن العامة تقول: سرطتُهُ، بفتح الراء، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: قد حكى يعقوب بن السِّكِّيت في كتابه فعلت وأفعلت عن الفرَّاء أنَّه يقال: سَرَطَ وسرِطَ، بالفتح والكسر في الماضي. وفي مستقبل المفتوح: يَسرُطُ بالضَّمِّ. وحكى ابن طلحة أيضاً: سرطْتُهُ بالكسر، وسرطته بالفتح، وسرطتُهُ بالفتح وتشديد الراء. قال صاحب الواعي: ومسرطُ الإنسان هو مجرى الطَّعام.
وقوله:"وزردتُهُ أَزْردُه".
قال ابو جعفر: زرْداً، وزَرَداناً، عن الزمخشري.
قال ابن درستويه: هو بمعنى سرطته، وهو سرعة البلغ، إلا أنَّه دونه.
وقال ابن سيده في المحكم: معناه بلعْتُهُ.
قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب: لأنَ العامة تقول: زردتهُ بالفتح في الماضي، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى ابن دريد في الجمهرة، وابن سيده في المحكم: زرد الشيء وزرده، بالكسر والفتح، وازدرده: إذا ابتلعه. وحكى اللغتين أيضا - أعني زرد، وزرد - ابن القطاع.
وقال أبو عمر المطرز في كتاب غريب أسماء الشعراء: تقول: زرِد فلان الشَّيء زَرَداً، وزَرْداً بالتحريك والإسكان، وازدَرَدَه، ومن العرب من يقول: ازدار بمعنى ازدَرَدَ.
وقوله:"ولقمْتُ الشَّيء أَلْقَمُ".
قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: هو وضع الُّلقمَة في الفم خاصَّة دون البلع.
قال الزمخشري: وأصل اللَّقم السدُّ، فالمُلتقم كأنه يسد خرزة فيه أو حلقه بما يتناوله من الطعام، واللقمة: اسم ما يلتقم دفعة واحدة، قليلاً كان أو كثيراً.
/ قال ابن درستويه: ويقال: تلقَّمْتُهُ، والتَقَمْتُه، ولقمت غيري. قال: وإنما ذكره ثعلب؛ لأن العامة تقول: لقمت، بفتح الماضي، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: ويقال: لَقِمْتُ اللقمة، وزردْتها، وبَلعتُها،
وسرِطْتُها، وسَلِجْتُها بكسر اللام، بمعنى واحدِ، عن يعقوب في الإصلاح.
[قال الشيخ أبو جعفر: ما حكيناه في هذه الألفاظ التي تقدمت من فعِلت وافتعلت،"كـ"بلعت وابتلعت وسرِطت واشترطت، ولقمِت والتقمت، كأن في افتعل من هذه الأبنية في هذا الباب زيادة تكلف] وقال ابن درستويه: وهذا الباب كله على وزن واحد، ومعنى واحدٍ. ومصدره كله على فعل، ساكن العين مفتوح الفاء. كالبلع، واللقم، والزرد، والسرط: لأنه كله متعد.
وقوله: "وجَرِعْتُ الماء أَجْرَعُهُ".
قال أبو جعفر: معناه بلعته، قاله ابن درستويه، قال ومنه قيل: تجرعته: إذا بلعت منه شيئاً بعد شيء بشدة، قال الله تبارك وتعالى:{يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} ومنه قيل: تجرع الغيظ، وجرعته الهم، ونحوه.
وقال صاحب الموعب: الجرع في الناس والحافر كله والظلف، وهو شرب في عجلة.
قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: وإنَّما ذكره ثعلب؛ لأن العامة تقول فيه: جَرَعْتُهُ، بفتح الماضي، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى أبو عبيد في الغريب المصنف عن الكسائي، وابن قتيبة. وابن سيدة في المحكم، وصاحب الواعي، وابن التيانى، ومحمد بن أبان، أنه يقال: جرع الماء، وجرعَ، بالكسر والفتح.
قال صاحب الواعي: وكل ما كان على مثل هذا فهو على فعل بكسر العيد إلا هذا الحرف، يقال: بلعته، وعضضته، وسففته، وجَرِعْته وجَرَعْته.
قال أبو جعفر /: كل ما ذكره عبد الحق يجوز فيه الوجهان، وسنذكر جميعه إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى.
وقال صاحب الواعي أيضاً، وابن التياني ويقال: تجرع الماء، واجترعه.
وقال ابن درستويه: والجرعة بالضم: مقدار ما يتجرع منه،
والجرعة بالفتح: المرة الواحدة.
وحكى هذا أيضاً ابن سيدة في المحكم، وصاحب الواعي - أعني الفرق بين الجُرْعَة والجَرْعَة - وزاد ابن سيدة فقال ويقال: الجُرْعَة والجَرْعَة: الاسم.
قال أبو جعفر: وحكى هذا أيضاً يعقوب في الإصلاح في باب"فَعْلَة وفُعْلَة"بمعنى واحد، فقال يقال: جُرْعَة وجَرْعَة.
وحكاه أيضا ابن التياني عن اللحياني. قال عبد الحق، وابن التياني العرب تقول:"الجَرْعُ أروى، والرشِيف أشرَب".
قال أبو جعفر: وذكر هذا المثل أيضا ابن درستويه، وفسره، فقال: أي بلع الماء أسرع للري، وترشفه أدوم للشرب، قال: يُضرب ذلك للنفقة والإسراف والقصد.
قال أبو جعفر: وحكى صاحب الموعب في مصدر جرعَ: جرعاً، وجُرَعاً، وجُرْعةً مثل: ظُلْمَةٍ وظُلَم.
وقوله:"ومًسِستُ أمسُّ".
قال أبو جعفر: إذا لمستهُ بيدك لتعلم لينه من خشونته.
قال ابن درستويه: العامة تقول: مسستُه بفتح الماضي، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى الجوهري في الصحاح، وابن القطاع عن أبي عبيدة، والمطرز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي، وثابت في لحنه، ويعقوب في إصلاحه، أنه يقال: مَسسْتُ بالكسر، ومسستُ بالفتح، والأفصح مسستُ بالكسر.
قال عبد الحق: ويقال: ماسستُه أيضاً.
قال أبو جعفر: وقال الجوهري: وربما قالوا: مِستُ الشيء، يحذفون منه السين الأولى ويحولون / كسرتها إلى الميم، ومنهم من لا يحول ويترك الميم على حالها مفتوحة، قال: وهو مثل قوله تبارك وتعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} يكسر ويفتح، وأصله ظللتم. وهو من شواذ التخفيف. وأنشد:
مَسِنا السَّماء فَنِلْنَاها وطَالَهُمُ
…
حَتَّى رَأوا أُحُداً يَهْوِي وثهْلاناً
قال أبو جعفر: فإذا أردت المستقبل من قولهم ظلتُ، ومستُ، رددته إلى الأصل؛ لأنَّ المستقبل قاعدة التصريف، وعليه مدار الأفعال، فلا يحل بالقواعد. فنقول في الأمر منه: امسس على الأصل، وإن شئت قلت:
مَسِّ، ومَسَّ. قال: وأمسَستُه الشيء فمسَّهُ.
قال أبو جعفر: وحكاه أيضاً يونسُ في نوادره، فقال يقال: ما مَسِتُهُ، ومسستُهُ.
قال أبو جعفر: وفي مصدر مسستُ عن صاحب الواعي: مُماسة، ومساس، قال الله جل ثناؤه:{فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ} أي: لا مُماسَّة.
قال: ومن العرب من يقول: لا مساس، بفتح الميم وكسر السين، يجعله مثل: نزال، ودراك.
قال أبو جعفر: وحكاه أيضاً سيبويه، وفسَّره مكي فقال: أيْ: لا تمسُّني ولا أمسك، أي: لا اختلاط بيننا.
قال صاحب الواعى: ويكنى بالمساس عن الجماع، ومنه قوله
تبارك وتعالى: {مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} .
قال أبو جعفر: ويقال في مصدر مسستُ: المَس، والمَسيسُ، قاله يعقوب في الإصلاح، وابن درستويه وغيرهما. وزاد الفراء في المصادر: وممَساً.
وقوله: "وشَممتُ أَشَمُّ".
قال أبو جعفر: الشمُّ معناه استنشاق الرائحة، عن ابن درستويه، قال: وقد يستعار في غير/ ذلك، في كل ما قارب شيئاً أو دنا منه، فيقال: قد شامهُ وشمَّهُ، وفي الحديث أنه قال للخافضة:"أَشمِّيه، ولا تنهكيه"وفيه أيضاً: "إنَّ الأرواح عند الله جل ثناؤه تشام كما تشامُّ الخيلُ الشمسُ". قال: ومنه أخذ النحويون إشمام الحرف الحركة.
قال أبو جعفر: والمشموم: المسك، غلبت عليه هذه الصفة غلبة الاسم، كالشذو والشذا: وهو المسك، وإنما خصُّوا المسك باسم المشموم - وإن كان كل طيبٍ مشموماً - لأنَّ المسك أرفعُ أنواع الطيب، كما غلب العود على هذا الخشب المبخر به، وإن كأن كل خشب عوداً، وله نظائر كثيرة، قاله ابن سيدة في العويص.
والفاعل من شمَّ ومَسَّ: شامٌّ وماس ُّ، وإن شئتَ قلت: شام ومَاس، على أصل التخفيف، كقوله: جرف هار، وهو قياس شائع في المضاعف عن الفراء، وأنشد لعبد المُطلب في ابنه العبَّاس:
أرجو لعبَّاس إذا ما ابني كبِر
…
أن يَسقى الحاجَ إذا الحاج ُكتر
أراد الحاج فخفف.
قال ابن درستويه: والعامَّة تقول: شممتُ بفتح الماضي، ويقولون في المستقبل: أشُمُّ، بضم الشِّين، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: الفتح في شممت ليس بخطأ، قال المطرز في شرحة: أخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفراء، وعن ابن الأعرابي قالا: يقال:
شَمِمت أشم، وشَمَمت اشُمُّ، والأولى أفصح.
وحكاها أيضاً يعقوب في الإصلاح، وابن سيده في العويص، وابن القطاع في أفعاله، وثابت في لحنه، وابن جني في شرح شعر المتنبي.
[والمصدر الشّمّ والشَّميم، قال الزمخشري: وقد جاء مصدره شميمى على فعيلى، كالخطيبى والخليفى. قال ابن جني: وتشمَّمته أتشمَّمه تشمُّماً. واشتممته أيضاً عن المرزوقي].
وقوله: "وعَضِضْتُ أَعَضُّ".
قال أبو جعفر: العض الشدُّ / بالأسنان على الشيء، قاله ابن سيدة. قال: وكذلك عضةُ الحية، ولا يقال للعقرب؛ لأن لدغها إنما هو [بزُنَاباها] وشولَتها.
قال: والعض بالأسنان، واللسان: أن يتناول الناس بما لا ينبغي، والفعل كالفعل، وكذلك المصدر.
قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: والعامة تفتح الماضي، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: ليس بخطأ، وحكى أبو حاتم في تقويم المفسد: عضضت بفتح الضاد. وحكاه أيضاً ابن القطاع، وأبو زيد في الغرائز، ويعقوب في كتابه فعل وأفعل، وقال: وعضضت بالفتح لغة فاشية. [وحكاها أيضاً ثابت في لحنه عن أبي عبيدة].
وحكى صاحب الموعب عن أبي زيد أن تميماً تقول: عضضتُ بالفتح. وكذا قال ابن سيده في المحكم يقال: عضِضْتُه، وعضضتُه تميمية، ولم يسمع لها بآتٍ على لغتهم.
وكذلك حكى صاحب الواعي في الماضي أيضاً، قال فيه لغتان: عَضِضتُ بكسر الضَّاد، وعَضَضتُ، والكسر أعرف، قال: وهذه لغة حكاها الكسائي.
وحكى ابن التياني أيضاً عن قطرب: أن بني تميم تفتح هذا المكسور كله من المضاعف.
وحكاها أيضاً الجوهري عن أبي عبيدة، وقال عنه: الفتحُ لغة في الرباب.
قال أبو جعفر: وفي المصدر عن صاحب الواعي، وعن ابن التياني، وأبي حاتم في الفرق: عضُّ، وعضيضٌ. وزاد ابن سيدة في المحكم:"عِضاضٌ". وحكى الجوهري، وابن القطاع، وأبو حاتم في فرقه،
وأبو زيد في الغرائز، أنَّه يقال: عضَّهٌ، وعَضَّ به، وعضَّ عليه. قال الجوهرى: وهما يتعاضان: إذا عض كل واحد منهما صاحبه.
وقال ابن درستويه: إنما يدخل فيه"على"فيعدَّى به إذا أريد معنى / المبالغة في العضِّ، أو لأنه عضُّ من فوق الشيء، قال: وقد تُعَدِّى بالباء وبمن إذا عُني به عضَّ بعض الشيء دون بعض، فيقال:(؟؟؟) به، وعضضتُ منه، فإذا لم يعن من ذلك شيء عُديَ الفعل بنفسه، فقيل: عضضته، كما قال جل ثناؤه:{عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} . قال: ويستعار فى غير ذلك، فيقال: قد عضَّه الأمر: إذا اشتد عليه، وعض القتب ظهر البعير: إذا عقره.
وقال أبن التياني ويقال: ما لنا عضاض بالفتح، أي: ما نعض عليه قال ويقال:"أبرأ إليك من العضَاض والعَضيض"وقال عن ابن دريد: العِضَاض: مصدر تعاضَّا عضاضاً. وقال عن صاحب العين: [العظُّ]: الشدة في الحرب، وقد عظَّته الحرب في معنى عضته، وقال بعضهم: هو من عضِّ الحرب إياَّه، ولكن فُرق بينهما كما
يفرق بين الدَّعث و [الدَّعظ] لاختلاف الوضعين.
وقوله: "وغَصِصْتُ أَغَصُّ".
قال أبو جعفر: أيْ اختنقت، وأيضاً اغتممت، عن ابن القُوطية، قال: وغصصتُه أنا: خنقته، وأيضاً غممتُهُ.
وقال صاحب الواعي: الغَصصُ بالماء، وقال عن ابن دريد، يقال: غصَّ: شرق بالماء وغيره.
وقال المطرز حاكياً عن ابن الأعرابي: الغصصُ يكون في الطعام، والشراب، والكلام، والريق.
قال الزمخشري: والشرق لا يكون إلا في الشراب. وأنشد المطرز:
لو بِغَيْرِ الماءِ حَلْقيِ شَرِق
…
كُنتُ كالغَصَّان بالماء اعتِصَاري.
قال: والغصص، والجأرُ، والجأزُ، والحَروةُ، كلُّه بمعنًى واحد.
قال أبو جعفر: وقال صاحب المُبَرز يقال: جَئِزَ بالماء، وغص َّبالطعام، وشَجِي بالعظم والعود، / قال الراجز:
* يَسْقِي العِدَى غيظاً طَويلَ الجأزِ *
قال ويقال: الجأَزُ والجازُ: وهو الغصص بالماء، بالسكون والتحريك.
قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: غصِصتْ بالكسر كما حكاه ثعلب، وغصصتُ بالفتح لغة في الرباب، حكى ذلك يعقوب في الإصلاح عن أبي عبيدة، وابن القطاع في أفعاله. وحكاه أيضاً ابن التياني، وقال: الكسر أجود.
ويقال في الصفة: غاصٌّ، وغصانُ، والمرأة غَصِّى، كعطشانَ وعطشى، عن صاحب الواعي، وعن ابن التياني.
قال المطرز: ويجمع غصَّان: غصاصَى، كما يجمع سكران:
سكارى، وغُصَاصى: كسُكَارى.
قال أبو جعفر: والمصدر: الغص، والغصِيص، عن مكي في شرحه. وغصصَ، عن عبد الحق.
وقوله:"ومَصِصْتُ، أَمَصُّ".
قال أبو جعفر: معناه شربتُه شرباً رفيقاً، عن ابن طَريف في أفعاله، وعن ابن القطاع.
وقال ابن درستويه: هو معروف المعنى، كمص الرَّجل الماء [بشفتيه] عند شربه، والحمار بِجَحْفَلته، والطير لا تمَصٌّ ولا السِّباع؛ لقصر شفاهها.
قال أبو جعفر: وكان شيخنا الأستاذ أبو علي الشَّلوبين يقول لنا وقت القراءة عليه، وكان ينسبه لشيخه أبي إسحاق بن ملكون: المص هو اجتذاب بالشفتين مع صوتٍ يحدث ليس بالشديد.
قال أبو جعفر: وفي الحديث:"مصوا الماء مصاً،، ولا تًعُبُّوه عباً، فإن الكُباد من العب"الكُبَاد: وجع الكبد.
قال أبو جعفر: وقال ابن درستويه: والعامة تقول مصصتُ بفتح الماضي، وتقول أمص بضم المستقبل، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكي المطرز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي/ أنه يقال: مَصصِت أمصُّ، ومصَصتُ أمص.
وحكاه أيضاً ابن طريف في أفعاله، وابن القطاع في أفعاله أيضاً.
وقال أبو عبد الله القزاز: ويقال أيضاً: امتَصَصْتَهُ امتصَاصاً.
قال أبو جعفر: ويقال في الصِّفة: رجل ماصِّ ومَصانُ، وامرأة ماصَّة ومَصَانة، عن مكي في شرحه، قال: والعامة تقول: [ماصان]، وأنشد:
فإِنْ تَكُنِ المُوسَى جَرَتْ فوقَ بَظْرِها
…
فما خُتِنَتْ إلا ومصَّانُ قاعِدُ
وقوله: "وسَفِفْتُ الدواء أسَفُّهُ".
قال أبو جعفر: قال التدميري: أي شربته غباراً. وقال ابن درستويه: هو أن يُلقَى من الرَّاحة في الفم، ولا يقال ذلك إلا في شيءٍ مطحونٍ أو مدقوقٍ، أوحبٍّ صغار كالسمسم ونحوه إذا كان يابساً، وكذلك يقال للطائر إذا لقط، وللإبل إذا لقطت اليابس، كمال قال عنترة:
ما رَاعَني إلاّ حَمُولةُ أَهْلها
…
وَسْطَ الدِّيار تَسَفُّ حَبَّ الحُمْحُمِ
قال أبو جعفر: قد استعمل سففت في غير المطحون والمدقوق والحبِّ وفي غير الغبار، حكى صاحب الواعي عن أبي عبيد، وابن القطاع أنه يقال: سففت الماء أسَفُّهُ سفاً، وسفتُّهُ أسفته سفتاً: إذا أكثر منه وهو في ذلك لا يروى.
قال صاحب الواعي: وسَفِهتُ الماء أسفَهُهُ سفهاً مثله، قال: ويقال: سففتُ السويق وما أشبهَهُ.
قال أبو جعفر: هذا الذي نقلناه خلاف لما حكاه ابن درستويه والتدميري قبلُ، من أنه لا يقال: سففتُ إلا فيما كان / مطحوناً أو حباً صغاراً كالسمسم يابِساً، أو غباراً كما قاله التُّدمِيريُّ، وأرَيْنا له أنه يستعمل في خلافه.
قال أبو جعفر: قال اليزيديٌّ في نوادره وتقول: سفِفْتُ السَّويق، والدَّواء، وشبه ذلك سَفاً وسفُوفاً، والاسم السفوف بالفتح.
ويقال: سففت الدواء، وسفته، حكاه عبد الحق عن الرياشي، قال ويقال: أسففت الجرحَ الدواء، قال: ولا يقال من الدواء إلا سَففته. وأما في الخُوص ففيه لغتان: سففتُ الحصير، وأسففته، بمعنى نسجْتُه.
قال أبو جعفر: قال ابن درستويه ويقال: قد أسففتُ الرجلُ والطائر ذلك، بالألف، فسفه، واستَفَّهُ.
قال أبو جعفر: قال أبو عبيد في الغريب المصنف عن الكسائي أنه قال: سَفِفتُ الدواء بالكسر لا غير.
قال أبو جعفر: قد حكى ابن طلحة الإشبيليُّ في شرحه أنَّه يقال: سَفِفتُ وسففت، بالكسر والفتح.
قال أبو جعفر: والدَّواء من قوله: "سففْتُ الدَّواء"هو أحد الأدوية، وهو ممدود. قال الجوهري والدواء بالكسر لغة فيه. قال: وهذا البيت ينشد على هذه اللغة:
يقولون مخمورُ وهذا دِواؤهُ
…
عليَّ إذاً مَشْي إلى البيتِ واجِبُ
أي: قالوا إنَّ الجلد والتعزير دواؤه، قال: وعليَّ حجة ماشياً إن كنتُ
شربتها. قال: ويقال: الدواء بالكسر إنما هو مصدر داويتُه مُداواةً ودِاءً.
وقوله: "وزكنْتُ الأمر أَزَكنُهُ".
قال أبو جعفر: اختلف اللغويون في معنى زكنتُ على أقوال، وإن كان ابن طلحة الإشبيليّ/ قد قال في شرحه: إنَّه بمعنى ظننتُ وتوهمتُ، وأنكر أن يكون بمعنى: علمت وتبع في ذلك ابن درستويه فإنه قال: معنى زكنتُ: حزرتُ وخَمَّنت، قال: وأهل اللغة يقولون معناه: علمتُ، ويستشهدون عليه ببيت قعنب ابن أم صاحب وهو
ولن يُراجِعَ قلبي ودُهَّم أبداً
…
زِكْنتُ من أمرهم مِثل الذي زَكِنُوا
قال: وليس لهم فيه دليل على تفسيرهم، إنما معناه: خمنتُ على مثل ما خمنوا عليه مني من سوء الظنِّ، وحزرتُ منهم على مثل ما حزروا عليه مني.
قال أبو جعفر: أمَّا إنكارُ ابن درستويه أن زكِنتُ لا تكون بمعنى علمتُ فغلط، على ما سنبينه إن شاء الله تعالى.
ومن قال إن معنى زَكِنت: علمت، وأخذه من هذا البيت، فالحق ما قاله ابن درستويه: من أنه ليس فيه دليل لاحتماله، وإن كان ابن درستويه قد قصر معنى زكنت في البيت على الحرز والتخمين، وحصر ذلك بقوله:(إنَّما)، وهو باطل، بل هو محتمل للحرز والتخمين وللعلم.
وعلى أنه بمعنى العلم فسره ابن قتيبة في الأدب، وأبو مسحل في نوادره، وأبو حاتم في لحنه، والقزاز في الجامع، وابن فارس في المجمل، وغيرهم من اللغويين.
لكن الحق أن يقال: إنَّ زكنتُ في البيت محتمل كما قدمته، فإذا كان محتملاً فلا يسوغ أن يقال: إنه بمعنى العلم كما قاله القتبي والقزاز في الجامع وابن فارس وغيرهم، ولا إنه بمعنى: الحزرِ والتخمين كما قاله ابن درستويه ومن كان على مذهبه.
وإنما يؤخذ أن معنى زكن: حزر وخمن، أو / معناها: علم، أو هي مشتركة بين الأمرين، من أقوال أئمة اللغة لا من البيت، هذا هو الحق، فإذا ترتب هذا فلنذكر ما قاله أئمة اللغويين في ذلك:
قال أبو حاتم في لحنه عن أبي زيد: زكنت الشيء: علمته،
وأزكنتُك الأمر: أعلمتك، وليس في معنى الظن، والعامة يخطئون فيجعلونه في معنى ظننت.
وكذا قال أبو عبد الله محمد بن جعفر القزاز في كتابه الجامع فقال يقال: زكنت الشيء: إذا علمته، قال: والعامة تجعل زكنته بمعنى: ظننته وتوهَّمْتُهُ.
وقال ابن سيدة في المخصص وغيره من كتبه: زكنت الخبر، وأزكنته: علمته، وكذلك أزكنته غيري.
وقال المطرز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي: زكنت أزكن، أي: علمت وفطنت.
وقال ابن طريف في أفعاله: زكن، وأزكن: علم.
وقال ابن فارس في كتابه المجمل: زكنت منك كذا، أي: علمته. وقال أبو عمرو الشيباني في نوادره: زكنت فلاناً بكذا وكذا، وزكنت منه كذا وكذا: علمته منه.
قال أبو جعفر: فهذا نصُّ من أئمة اللغويين على أن زكنت بمعنى: علمت.
وإذ قد ذكرنا من قال فيه إنَّه بمعنى عَلِمت، فلنذكر من قال فيه إنه بمعنى ظننت، حكى صاحب الواعي عن أبي عبيدة: زكنْتُ وأزكنْتُ: ظننت.
قال أبو جعفر: وحكاه أيضاً ابن الأعرابي في نوادره، وابن فارس في المجمل، وأبو عبيد في المصنف، وثابت في لحنه.
قال أبو جعفر: ومن اللغويين من فرق بين زكنَ وأزكنَ فقال: زكن الشيء: علمه، وأزكنه: ظنه حكاه ابن سيدة في المحكم عن ابن الأعرابي. فتبين بما ذكرناه عن أئمة اللغة أن زكنت تقال بمعنى: علمت، وبمعنى: ظننت، / فمن قصرها على معنى واحدٍ من معانيها وقال: إنها لا تقال إلا بهذا المعنى، وعين معنى واحداً من معانيهافقد أخطأ.
قال أبو جعفر ويقال: زَكِنَ وزَكَنَ، بالكسر والفتح، عن صاحب الواعي، وعن مكي. قال ابن فارس: ولا يقال منه: أزكنت، على أنَّ الخليل قد ذُكر عنه.
قال أبو جعفر: وحكى هذا القزاز عن الخليل أيضاً.
وقوله: "وَنَهِكَهُ المرضُ".
قال أبو جعفر: أي أضعفه، وأجهده، وأنحله، عن ابن سيده في العويص، وعن غيره.
وقال القزاز: أصله النقص، وهو أن ينقص من لحمه، يقال بدت في فلان نهكه المرض، أي: هزاله، وهذا مرض ناهك، أي: قد أهزل المريض.
قال أبو جعفر: حكى عبد الحقِّ في الواعي عن الكراع أنَّه قال: النُّهُوك، والنُّكُوه مقلوب: هو الضَّعف، والنَّهْكُ: المبالغة في كل شيء، وقد نهِكَ الشَّراب نَهْكًا: إذا أفناه.
قال أبو جعفر: وفي الحديث: "انْهكُوا وجوه القوم" أي: أبْلُغُوا جهدكم في قتالهم، يقال نهكته الحمى: إذا بلغت منه، وأثرت فيه، وبدت فيه نهكتها، قاله الهروي. وفي الحديث أيضا:"إنَّ قريشا قد نهِكَتْهُمُ الحرب" أي: أضرت بهم، وبلغت منهم، عن عبد الحق.
قال أبو جعفر: والنَّهك من الأضداد؛ لأنه يقال في الضعف كما قدمناه، ويقال في القوة.
قال القَزَّاز يقال: أسَدُّ نَهِيكٌ، أي: قويٌ شديد، وهذا سيف نهيك: إذا كان قاطعا، ويقال: قد نَهُكَ الرَّجُل نَهَاكَةٌ: إِذا قوي واشتد، فهو نهيك، قال: ولذلك/قيل للشُّجاع: نهيك، فقيل هو مأخوذ من قول العرب:"أَنْهِكْ من هذا الطَّعام" أي: بالغ فيه، فقيل للشجاع نهيك؛ لأنه يَنْهَك عدوّه، أي: يبالغ فيه. وحَكَى أنَّ النَّهِيك من الإبل: هو الذي يَصُول على النَّاس، وقد نَهُكَ البعير، فيجوز أن يكون الشجاع من هذا.
قال أبو جعفر: ومنه سُمِّي المنهوك من الشعر: وهو الذي بُولغ في حذف أجزائه حتى بقي على أقلها، كقول الشاعر:
يَا ليتنِي فيها جّذّعْ
أحَبُّ فيها وأَضَعْ
قال أبو جعفر: قال ابن دَرَستويه: وَإِنَّما ذكره ثعلب لأنَّ العامة تقول
نَهَكَهُ المرض وغيره، بفتح الهاء، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى الجوهريّ في الصِّحاح، وابن القطَّاع في الأفعال، والزَّمخشريّ في شرحه، ومكِّي في الشّرح: نَهَكَتْهُ الحمَّى، بالفتح.
وحكاها أيضا أبو حاتم في تقويم المفسد عن أبي زيد.
ويقال في الصِّفة: رجل منهوك ونهيك، وفي الفاعل: ناهك، عن ابن دّرّستويه.
ويقال في المصدر: نَهْكَ ونَهَكٌ، بإسكان الهاء وتحريكها، ونَهَاكَةٌ، عن ابن سيدة، ونُهُوكَةٌ عن ابن دّرَستويه، واليزيديِّ في نوادره، ونُهُوكٌ عن ابن سيدة في العويص، وعن اليزيديِّ، وسيبويه، ونَهْكَةٌ عن الجوهريِّ، والهرويِّ واليزيديِّ، وابن القطَّاع، ويعقوب في الإصلاح.
وقوله: "وأنْهَكَهُ عقوبة"
قال أبو جعفر: الذي ثبت في معظم النُّسخ انْهَكْهُ بألف موصولة على الأمر، وثبت في بعضها وأنْهَكَه السلطان عقوبة على الخبر، وكذا رواه ابن القَطَّاع/ في أفعاله عن ثعلب على الخبر.
فرد عليٌّ بن حمزة البصريُّ رواية الخبر، وقال: إنِّما يقال: نَهِكَهُ المرض، ونَهِكَهُ السُّلطان عقوبةٌ، ونَهِكْتُ الثُّوب لُبساً، والمال إنفاقاً، والدَّلبة سيراً، كلُّه سواء بغير ألف.
قال أبو جعفر: معنى اعتراض ابن حمزة أن نهكه لم يستعمل إلا ثُلاثياً، واستعمله ثعلبٌ رباعياً، هذا على رواية الخبر، وينفصل عنه بأنْ يقال: أنْهَكَهُ عقوبة منقولٌ بالهمزة من نَهِكَهُ عقوبةً، والنَّقل بالهمزة لا يفتقر إلى السَّماع عند أكثر النَّحويِّين.
قال أبو جعفر: وبعد هذا الانفصال يَرِدُ اعتراض ابن دّرّستويه، وهو أنَّه قال: قول ثعلبٍ: "أَنْهَكَ السُّلطان عقوبة" ليس من الباب، لأنَّه على أَفْعَلَ، بالألف، وليس هذا موضعه، قال: وإنْ كان راجعا إلى معنى نَهِكَهُ المرض، إلَّا أنَّه منقول من فاعله إلى فاعلٍ آخر.
قال أبو جعفر: ويجاب عن هذا بأن يقال: ذكره على معنى التَّتميم بالفرق بينه وبين ما اشترك معه في اللَّفظ، كذا كان يجيب الأستاذ أبو عليِّ شيخُنا وقت القراءة عليه.
وقوله: "وبَرِئْتُ من المرض، وبَرَاتُ".
قال أبو جعفر: معناه سلمت من السُّقَم، عن الفزَّاز، وابن التَّيِّانيِّ.
قال أبو جعفر: وَبَرِئْتُ من المرض هي لغة بني تميم، وبَرَأتُ من المرض هي لغة أهل الحجاز، قال ذلك ابن التُّيِّانيِّ، واليزيديُّ في نوادره، والجوهريُّ، والِّحياني في نوادره، وقاسم في الدِّلائل، قال: وعليها جاء في الحديث: " كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بارئا".
قال أبو جعفر: ويقال في/ الماضي أيضاً: بَرُؤَ، بضمِّ الراء مثل: بَرُعَ، عن أبي "عبد" الله القَزَّاز، وعن ابن سيده في المحكم، وعن
ابن القطَّاع في أفعاله، وعن ابن التِّيِّانيِّ، وعن ابن السِّيد في مثله، وعن ابن خالويه حكاه عن المازنيُّ.
قال أبو جعفر: وزاد أبو عبد الله القَزَّاز: بَرَى يَبْرَى، بكسر الرَّاء في الماضي دون همزٍ، قال: ومنه إنشادهم:
لَعَلَّ عينيك تَبْرِى مِنْ قَذَّى فِيها
قال أبو جعفر: وحكاه أيضا ابن يونس في مُبِرِّزِه عن أبي زيد، وابن القطِّاع في أفعاله.
قال أبو جعفر: ويقال بَرَا يَبْرُو، بضمِّ الراء وبغير همز، حكى ذلك صاحب المبرِّز عن ابن خالويه.
ويقال في مستقبل بَرِأ المهموز المفتوح الرَّاء التي هي لغة أهل
الحجاز: يَبْرَأُ، ويَبْرُؤ، بفتح الرَّاء وضمِّها والهمز، عن القزَّاز، وعن ابن التيِّانيِّ، وعن أبي حاتم، وعن صاحب المبرِّز، وزاد ابن التَّيِّانيِّ: أّبرُؤ، قال عنها: إنِّها لغة قبيحة لم يوجد غيرها.
ويقال في مستقبل بَرِئ المكسور الرَّاء: أَبْرَأ، بفتح الرَّاء والهمز، عنهم أيضا، وزاد صاحب المِّبَرِّز، واللِّحيانيُّ في نوادره: وإِبْرأ، بكسر الهمزة وفتح الراء، وقال صاحب المبَرِّز عن أبي حاتم/ وأبْرُو، بفتح الهمزة وضمِّ الراء، قال: وهي قبيحة.
وحَكى عن محمد بن سلام أنِّه قال: سألت يونس عن قول بشار:
نَفَرَ الحَيُّ مِنْ بُكَائِي وَقَالُوا
…
فُزْ بِصَبْر لَعَلَّ عَيْنَيك تَبْرُو
مَسَّهُ مِنْ صُدُودِ عَبْدَةَ ضُرٌ
…
"فَبَنَاتُ الفُؤادِ مَا تَسْتَقِرُّ.
فقال يقولونه في المرض وحده، يقال: برا من مرضه يَبْرُو بغير همزٍ. وحكى بإسناد له عن المازِنيِّ قال: لغة للعرب أبروُّ من المرض، قال/ فعلى هذا قول بشَّارٍ يكون صحيحا.
وقال صاحب المُبَرِّز أيضاً: ويُخرجُ بيت بشَّارٍ على غير اللُّغة، وذلك أن يكون على لغة من قال: أَبْرُؤُ، ثمَّ ترك الهمز.
قال: ويقال في مستقبل بَرِيَ المكسور الرَّاء دون همز: يّبرَى، بفتح الرَّاء دون همز، عن القزاز، وعن صاحب المبرِّز حكاه عن أبي زيد.
ويقال في مستقبل بَرَا المفتوحة الرَّاء دون همز يَبْرُو، بضم الرَّاء دون همز، حكاه صاحب المبرِّز عن ابن خالويه، وقد تقدم.
ويقال: بَرُؤْت المضمومة الراء المهموزة: أبْرؤُ بالضمِّ أيضا وبالهمز على القياس.
قال أبو جعفر: ويقال في الصِّفة من المرض: بَارئ، عن ابن
…
قال: ومن غير المرض بَرِئٌ.
قال أبو جعفر: وكان الأستاذ أبو علي يقول وقت القراءة: إن اسم الفاعل في ذلك كله بارِئ، قال: ولم يُسمَع بَرئٌ.
قال أبو جعفر: قد سُمع برئ، حكى اللحيانيُّ في نوادره: أصبح فلان بَارِئاً من مرضه، وبريئا من قوم براءٍ، كقولك: صحيح وصحاح.
قال عبد الحقِّ: ويقال في مصدر بَرَأَ، وبرئَ، على لغة أهل الحجاز وبني تميم: البُرء فيهما جميعا، عن القزاز، وابن الأنباري في الزَّاهر.
وزاد ابن الأنباري: وبَرْءًا، بفتح الباء، وزاد صاحب المُوعِب، واللحيانيَّ في نوادره، وبروءا مثل:(بُرُوعاً).
قال أبو جعفر: ذكر هذين المصدرين أيضا ل"بَرَأتُ" المفتوحة أبو زيج في كتاب الهمز له، فقال: تقول: بَرَاتُ من المرض، فأنا أَبْرُؤُ بُرْءًا،
وبُروءا "فعولا" قال: وَبَرِئْتُ أبْرَأ بُرْءاً.
ويقال في مصدر بري المكسورة الراء التي هي غير مهموزة: بَرْيا، عن صاحب المُبرز.
ويقال في مصدر برؤ على مثال برع: برءا، عن ابن التياني.
قال أبو جعفر: وكان الوجه أن يذكر برئت وبرأت في باب ما يقال بلغتين، وهو الأليق بهما، ولا يذكرهما في هذا الباب.
ويقال: أبرأه الله من المرض. وأنشد صاحب المبرز للعجاج:
صَمّاءُ لا يُبْرِئُها من الصَّمَمْ
تقادم العهد ولا طُولُ القِدْمْ
وقوله: "وَبَريتُ القلم وغيره، غير مهموز، أَبْرِيه بَرْيًا "
قال أبو جعفر: وفي الحديث: كنت أبْري النَّبلّ، وأرِيشُها".
قال اللحياني في نوادره: بريت العود، وكل شيٍ نَحَتُّهُ.
قال ابن عديس ومن خطه: وابتراه كبراه، وأنشد لِطَرفَةَ:
من خطُوبٍ حدثت "أمْثَالُها
…
تَبْتَري عُودَ القَوِيِّ المُسْتَمِرْ
قال أبو جعفر: قال ابن دريد في الجمهرة، والقزاز في الجامع، وابن القطاع في أفعاله، وابن جني، وابن سيدة في العويص: بَرَوْتُ العود والقلم بَرْوًا، وبَرَيْتُهُ بَرْيًا.
قال القزاز: والياء أعلى. قال: والبراية: النحاتة، وبراية كل شيء: ما تبريه منه. وقال مكي/ في شرحه: وقد يسمى القلم نفسه براية.
وقال الكراع في المنظم: والبراء: ما بريت من العود، ذكره في حرف الهمزة، وحكى في المجرد: حصرمت القلم بريته.
قال ابن النحاس في الاشتقاق له: بريت القلم مشتق من البرا، وهو الترقيق والإرهاف؟. قال: ومنه برت العلة جسم فلان، أي: أنحلته وأرقته.
قال ألو جعفر: كان حق ثعلب أن لا يذكر بريت القلم في هذا الباب؛ لأن هذا الباب إنما هو باب فعلت بكسر العين، وبريت بالفتح، فقيل إنما
ذكره هنا للمشاركة اللفظية التي بينه وبين برِيت من الرجل، قاله ابن درستويه.
وقوله:"وبَريْتُ من الرَّجل، والدين، براءة".
قال أبو جعفر: وبُرءاً، عن الفراء في مصادره.
وقال ابن طريف في أفعاله: بريَّ من الشيء: تركه.
وقال القزاز ويقال: برَّأت الرجل من حقي عليه، وأبرأتُهُ، بمعنى واحد قال الله عز وجل {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} وحكى هذا أيضاً ابن التياني، وصاحب المبرز. وزاد ابن التياني: وتبرأت إليك من حقك.
وقال صاحب المبرز عن الكسائي [يقال]: براءة الله من ذمه، وبراء الله من دمه، أي: أنا بريء من دمه، وقال عن اللحياني: وأهل الحجاز يقولون: أنا منك براء، وغيرهم يقولون: أنا منك بريء، قال الله عز وجل في لغة أهل الحجاز:{إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} وفي غير موضع في القرآن: {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ} وهي لغة تميم / وغيرها من العرب. فمن قال: أنا منك براءُ، لم يثن ولم يجمع، ولم يؤنث، وكان على
[لفظ] واحد. وقال بعضهم: نحن البراءُ والخلاء من هذا .. ومن قال: بريء، قال في الإثنين: بريئان، وفي الجمع: بريئون، وبراءُ مثل: بُرعاءَ وبُراءُ بلا إجراء.
وقال عن غير اللحياني: وبراء، بإجراء، وبراء، وأنشد للحطيئة:
وإنَّ أبَاهُمُ الأدنَى أَبُوكم
…
وإنَّ صُدورَهُم لكُم براَءُ
قال"وقال اللحيانى: وامرأة بريئةُ، وهما منك بريئتان وهن بريئات وبَرًايا. قالت أم البهلول في الواحدة:
بِكُلٍّ سَتُرْمَى وهي منها بَرِيْئَةً
…
وغيرُ الألى يَرْمُون لَيلَى حَسيِبْهُا
أي: الله حسيبها لاهُم.
قال أبو جعفر: ما ذكره صاحب المبرز عن اللحياني وجدته في نوادره، وقال يقال: برئِت إليك منْ حقك براءةً وبراءً، قال: وكذا في الدينِ والدِّين يقال: بَرِئتُ إليك لا غَيرُ، والمصدرُ كما تقدم.
وقوله:"وضننتُ بالشَّيء أَضَنُّ به".
قال أبو جعفر: معناه بخلت به، عن عبد الحق، وعن غيره. وقرئ قوله تبارك وتعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} أي: ببخيل يكتم ما أوحي إليه، ومن قرأها بالظاء، أراد وما هو بمتهم على ما أوحي إليه، عنه أيضاً.
قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: ضننت بالفتح، عن المطرز في شرحه حكاه عن ابن الأعرابي، وقال: الفصيحه هي الأولى.
وحكاه أيضاً أبو عبيد في مصنفه، ويعقوب في إصلاحه، والدِّينوريُّ في إصلاحه أيضاً.
ويقال في المصدر: ضننت ضنا، / وضنة، ومضنةً، عن مكي في شرحه.
وأنشد ابن سيدة في العويص:
حاشا أبي ثروان إنَّ به
…
ضِنَّا على الملحاة والشتم
وقال يعقوب في إصلاحه: وضنانةً.
قال أبو جعفر: وأما الظنُّ، بالظاء فمصدر ظننت الشيء: إذا
شككت وإذا تيقنتَ، وهو من الأضداد، عن مكي، وعن كراع في المجرد.
وحكاه أيضاً ابن سيدة في المخصص عن أبي عبيد، قال: ويقال: ظننت الشيء، وأَظْنَنْتُه، واظَّنَنْتُه، وتظنيتُه على التحويل.
وقوله:"وشملهُمُ الأمرُ يَشْملُهُم".
قال أبو جعفر: معناه عمَّهم، عن يعقوب في إصلاحه، وعن غيره.
وقال صاحب الواعي ويقال: جمع الله شمل فلان: إذا دُعيَّ له بتأليف أموره وجمعها. وفي دعائه عليه الصلاة والسلام:"أسألك رحمة تجمع بها شملى"أي: تجمع بها ما افترق من أموري.
قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: شملهم بالفتح، عن اللحياني في نوادره، وقال: هي لغة قليلة. وحكاها أيضاً المطرز في شرحه وقال عن ابن الأعرابي: والأولى أفصح. وحكاها أيضاً يعقوب في الإصلاح، وأبو زيد في كتاب المصادر. قال يعقوب: وليس يعرفها الأصمعيُّ، وأنشد:
كَيْفَ نومِي على الفِراشِ ولمَّا
…
تَشْمَلِ الشامَ غارةٌ شعواء
وحكى القزاز عن أبي عمرو: أشملهم الخوفُ، وشملَهُم.
قال أبو جعفر: وقال اليزيدي في نوادره يقال. شملهُم الأمر شملاً، وشمولاً، قال: وشملهم، بالفتح أيضاً.
وفرق بعض اللغويين بين شمِلهم بالكسر وشمَلهم بالفتح، / فروى الجهضميُّ عن الفراء: شَمِلَهُم بالكسر في الشَّرِّ، وشملهم بالفتح
في الخير، ذكر هذه التفرقة ابن الدهان اللغوي.
وقوله: "ودهمَتْهُم الخيل تدهمُهُم".
قال أبو جعفر: معناه فجِئتهم وكثرت عليهم، عن ابن درستويه، وعن المُطرز في شرحه. وأصله من الدهم، وهو العدد الكثير، ومنه قيل للجمع الكثير: الدهماء.
قال ابن درستويه: وكذلك الأدهم من الدواب و [هو] الذي عمَّ شعره كله السوادُ.
وحكى أبو سليمان الخطابي والمطرز في شرحه عن أبي المكارم: أن بعض العرب سبق الناس إلى عرفات فقال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس.
قال ابن درستويه والعامة تقول: دهمتهم، بالفتح، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى أبو عبيد في مصنفه، والمطرز في شرحه عن ثعلب عن أبي نصر عن ألأصمعي، وابن القطاع في أفعاله،
ويعقوب في إصلاحه عن أبي عبيدة، دهِمتهمُ ودهمَتهمُ، بكسر الهاء وفتحها. قال المطرز: والأولى أفصح.
وقوله:"وقد شلَّت يده تشلُّ".
قال أبو جعفر: الشلل: بطلان [في] اليد أو الرجل من آفةٍ تعتريها، عن الأعلم، قال: وليس معناه قُطِعت كما قاله ابن درستويه.
وقال الزمخشري: إذا استرخت، وقال كراع في المجرد: الشلل: تقبض الكف. وأنشد اللحياني في نوادره:
فشَلَّتْ يَمِيني يومَ أعلُو ابن جعفر
…
وشلَّ بنَاناَها وشَّل الخناصر
قال أبو جعفر: وأصله شللتُ على فعلت بكسر العين. حكى القزاز: قد شلَلِت بعدي يا رجل، وبدليل مجيء مستقبله على تَشَلُّ بفتح الشين، ولو [كان] أصله فعلتُ / بالفتح لجاء تَشِلُّ بكسر الشين، فلما اجتمع
حرفان متجانسان أدغموا اللَاّم في اللَاّم، ولذلك أدخله ثعلبً في هذا الباب.
وكذلك كل ما كان على مثاله فحقُه أن يُدغم، إلا أحرفاً جاءت نوادرَ، وهي لححتْ عينه: إذا التزقت، وألل السقاء، وضبب البلد، وصككتْ، ومششت الدابة.
وحكى ابن خالويه في شرحه عن أبي زيد أنه قال في مثلٍ:"عَيِيَّ أياسُ شرٌّ من شللٍ"قال: وأصل ذلك أن امرأة خطبها رجلان، أحدهما: جميل عَييُّ، والآخر: أَشلُ اليد عاقل، فقالوا لها: اختاري أيهما شئت، فقالت"عَيِيٌّ أيأس شرُّ من شللٍ"فتزوجت الأشل.
وقال ابن درستويه والعامة تقول: شُلت يُدهُ، بالضم، يعنُون أنَّه بمعنى قُطعت، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: ما قاله ابن درستويه من أنه لا يقال: شُلت، بضم الشين، هو الذي عليه كلام اللغويين. وقال اللحياني ني في نوادره: ومنهم
من يقول شُلت، وهو قليل.
قال ابن خالويه في كتابه ليس: ليس أحد يقول: شُلت يدُه، بالضمِّ، إنما هي أُشِلتُ: لأنّا نقول: شلَّتْ يُده، وأشلَّها الله، فلما لم يسمَّ الفاعل قلنا: أُشِلت إلا اللحيانيِّ فإنَّه أجأز شُلت، وأُشِلَّت.
وحكى المطرز في شرحه [عن ثعلب] عن ابن الأعرابي أنه لا يقال: كيف تَرُدُّه في لغة رديئة، قال: وسأل ثعلبًا أبو موسى الحامض فقال له: كيف تَرُدُّه إلى ما لم يُسمَّ فاعله؟ قال أقول: أُشلَّت يدُه.
قال أبو جعفر: ما أجاب به ثعلب صحيح، لأنه بنى أُشِلَّت من أشلّ، يقال: أشَلَّ الله يده إشلالاً.
وقد حكى ثعلب في كلب أيمان العرب له: أشَلَّ الله عَشرهُ، وأُشِلَّتْ عشره. وحكى ابن سيدة في العويص: أشللتُ يدهُ، بالألف.
ويقال على ما حكيناه عن / اللِّحيانيِّ وعن المطرِّز: شُلَّت يدُه، ويكون
فعله المبنيّ للفاعل شَلّ.
حكى ثعلب في كتاب أيمان العرب والدَّواهي له فقال: يقال: شُلَّ وسُلَّ، وغُلَّ وآلَّ، [سُلَّ] من السُّل، وغُلَّ: جُنَّ حتَّى يُشدَّ، وأل طُعِن بالآلة فقتل، وهي الحربَة.
فقال أبو الحسن الأخفش [راوية] الكتاب: المعروف عند جميع العلماء ولا أعلم فيه اختلافا أنَّه يقال: شَلَّت يدُهُ، وأُشِلَّت، وحكى ثعلبٌ شُلَّ، وأحسبه جرى على هذا لمزاوجة الكلام: لأن بعده وسُلَّ، وكذلك الذي يليه.
وقوله:"ولا تَشْلَلْ يَدُك"
قال أبو جعفر: هو دعاء له بالسلامة من الشَّلل، أنشد ابن الأعرابي في نوادره:
فلا تَشْلَلْ يدَ فَتَكتْ بِعَمروٍ
…
فإنَّك لن تَذِلَّ ولن تُلَامَا
وقال القزاز: يقال: لا ثَشللْ يدُك، ولا تَشَل عشركُ، أي: أصابِعُك. قال: وتقول لمن أجاد الطَّعن والرَّمْيَ: لا شلال، ولا شلل ولا عمى.
وقوله:"ونفذ الشيءُ يَنْفدُ"
قال أبو جعفر: معناه فني، حكاه المطرز عن ابن الأعرابي. قال الله تبارك وتعالى:{مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ} وقال جل ثناؤه {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} .
قال القزاز يقال: أنفدْتُ الشيء: إذا أفنيته، وأَنفَد القوم: إذا ذهب ما عندهم، كذلك استنفد القوم ما عندهم: إذا أذهبوه، وانتفد الرجل من القوم: تنحى عنهم، وفي الحديث:" [فأكلها] حتى نفدها" أي: أتى عليها.
وقال ابن القطاع: نقد الشيء: فني، وأنفد كذلك.
وقال المطرز في شرحه: ونفدَ: إذا خرج، قال ويقال: رجل مُنافدُ:
إذا كان مخاصماً فلا يزال كذلك حتي / يُنفدَ حُجَّةَ خصمنه، وأنشد:
وهو إذا ما قِيل هَلْ مِنْ واحدٍ
…
أو رَجُلٍ عَنْ حَقِّكُمْ مُنَافِدِ
يكونُ للغائبِ مثلَ الشَّاهِدِ
ويقال: نَفِدَ الشِّيء يَنْفَدَ نفاداً، ونفوداً، ونفادةً، عن الفرَّاء في المصادر. الزمخشري: ونفدا، ً قال: ويقال: نفد الشيء نافداً على المصدر وفاعل لا يكاد يجيء بمعنى المصدر إلاّ ما جاء في شعر الهذلي.
* إذا هَبَّت لقارِئِها الرَّياحُ *
قالوا: وهو مصدر قرأت الريح: إذا جاءت لوقتها.
[قال المرزوقي: والصفة نفد ونافد]
وقوله:"ولَجِجْتَ تَلَجُّ".
قال أبو جعفر: أي صممت على مذهبك تُصمم، أي: أبيت أنَّ تأتى إلاّ مأ اشتهيت، عن التدميري.
ويقال في الماضي أيضاً: لججتَ بالفتح، عن القزاز، وعن يعقوب في فعلت وأفعلت، وعن الزمخشري. وقال: الكسر أجود، وعن الجوهري، وعن مكي في شرحه.
قال الجوهري: ويقال: رجل لجُوج، ولجُوجة، الهاء للمبالغة، ولُججَة.
ويقال في المصدر: لجج، ولَجَاجّ، ولجَاجَةُ، عن ابن عديس في كتاب الصَّواب ومن خَطَّه نقلته. وأنشد صاحب الجامع:
* وقد لَجِجْنَا في هَوَاكِ لَجَجَا *
قال: وأصله لَجَاجٌ.
وقوله:"وخطفَ الشَّيء يَخْطَفُهُ".
قال أبو جعفر: الخطفُ: الأخذ بسرعة واستلابٍ، عن صاحب الجامع، وغيره. قال: ويقال: هذا سيف يخطف الرأس، وبرق خاطف: يخطفُ نور البصر، والشياطين تخْتطِفُ السمع، أي: تسترقُ منه الخطفة كما قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} .
قال أبو جعفر: قال الهروي: أي استرق السمع بسرعة.
وقال صاحب الواعي: وجاء في الحديث:"وعلى جَنَبتي الصراط خطاطيفُ، وكلاليب تَخطف الناس بأعمالهم". قال: يريد تأخذهم/ وتستلمهم بسرعة على قدر ذنوبهم، وجرائمهم.
قال أبو جعفر: ومنه الخطيف، قال الهروي: الخطيفة: أن
يأخذ لُبينة ويَذُرَّ عليها دقيقاً ثم يَطْبَخُها، فيلعقُها الناس ويختطفونها. وقال: الخطيفة: الكبولا.
وقال المطرز في شرحه: قال سويد بن غفلة: دخلت عَلَى علِي رضي الله عنه يوم عيد وبين يديه خوانٌ عليه خبزُ السمراء وخطيفة ومِلْبنةٌ، فقلت: يا أمير المؤمنين خطيفة ومِلبنة يوم عيد! فقال: كُل ما حضر، إنما هو عيد لمن غفر له.
قال أبو جعفر: ويًقال في الماضي أيضا: خطفه بالفتح، حكاه الجوهري عن الأخفش، وقال عنها: هي قليلة رديئة لا تكاد تعرف، قال: وقد قرأ بها يونس في قوله عز وجل: {يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} قال: واختطقه، وتخطفه، كله بمعنى واحدٍ.
قال أبو جعفر: وحكى الفتح أيضاً في خطف القزاز في الجامع، والمطرز [عن ثعلب، وقالا]: والكسر أفصح. وحكى الفتح أيضاً ابن القطاع.
وقوله:"ووددتُ أن ذاك كان: إذا تَمَنَّيْتَهُ".
قال أبو جعفر: [قد] تولى تفسيره.
قال الزمخشري عن الفراء: العرب تتلقى ودِدتُ بلو مرة، وبأن أخرى، فيقولون: وددت لو كان ذاك، ووددت أن كان ذاك: إذا تمنيتَهُ.
ويقال في الماضي أيضاً: وددت بالفتح، عن الفراء، حكى ذلك القزاز عنه، وقال اليزيدي / في نوادره: ليس في شيء من العربية وددت مفتوحة.
قال القزاز: والمستقبل من وددت بمعنى تمنيتُ، ومن التي هي بمعنى أحببتُ: أوَدُّ، لا اختلاف فيه.
قال القزاز ويقال في المصدر: الوَدُّ والوِدُّ والوُدُّ، بالفتح والكسر والضم، والوِداد والوَدَاد، وأنشد:
[تَمَّنَّانِيِ لِيَلقَانِي قُيَيْسّ
…
وَدِدت وَأينما مِني وِدَادي]
قال: ويروى ودادي بفتح الواو وكسرها، قال: والكسر أكثر، قال: والوَدادة، والوِدادة بالكسر والفتح أيضاً وأنشد:
وددت ودادةً لوْ أنَّ حَظِّي
…
من الخُلان أن لا تَصْرِميني
قال أبو جعفر: قال ابن الأنباري، ومكِّي في شرحه: ومودةً.
وقوله:"وودتُ الرَّجُلَ إذا: أحْببْتَهُ".
قال أبو جعفر: قال الزمخشري قال الكسائيُّ وحده: ودِدتُ
الرَّجل: إذا أحببته، ووددْتُهُ، ولم يرو الفتح فيه غيره.
قال القزاز ويقال في الحُب: الوَدُّ، والوُدُّ، والوِدُّ، بالأوجه الثلاثة، والمودَّةُ والمَوددة في معنى الود، وأنشد:
إنَّ بَنِيَّ للِئَامٌ زَهَدَهْ
…
مَا لِيَ في صُدُورهم مِنْ مَوْدَدَه
قال: وهذا من ضرورة الشعر، ليس مما يجوز في الكلام.
قال أبو جعفر: وقال أبو زيد في نوادره: ويقال في الحب: وداد، بكسر الواو. وزاد ابن السيد في مثلثه:"ووداد ووداد"بالفتح والضَّمِّ.
قال عبد الدائم القيرواني بسنده عن المطرِّز: ووددت موددةً، بكسر
الدَّال، هو أحد ما جاء على مثال: فعلته مفعلة، قال: ولم يأت على هذا المثال إلا هذا وقولهم: حَمِيْتُ عليه محمية أي: غضبت، وحمدت محمدة، وحسبت محسبة وأنشد البيت:
*مَالِيَ في صُدُورهم من مَوْدِدَه*
بالكسر
قال أبو جعفر: وقال أبو زيد في نوادره: وودَادَةٌ، بفتح الواو، وأنشد في الوِدَادِ بكسر الواو:
فلم تَر عُصْبَةً ممَّن يَلِيْنَا
…
من الأحياء من قَارٍ وَبَادِ
/ أشَدَّ بَسَالَة منا إذا ما
…
أَرَدْنَاهُ وأليَنَ في الوِدَادِ
وقال ابن السيد في المثلث: ووِدَادَةٌ، بكسر الواو.
قال أبو جعفر: قال سيبويه: ورجل ودود، ورجال ودداء، شبهوه بفعيل؛ لأنه مثله في الزِّنة والزِّيادة، ولم يتقوا التضعيف لأن هذا اللفظ في كلامهم نحو: خششاء.
وقال القزاز ويقال: فلان ودِك، ووَديدك، كما يقولون: حِبُّك وحَبِيْبُك. وقال مكي في شرحه: وودك أيضاً، كلها بمعنى حبيب.
وقال القزاز: وقرئ: {سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً} "وَدَا". قال: وجمع وُدِّ: أَوَدٌّ. والأوِداءُ جمع الوديد، كما تقول: حبيت وأحباء، ورجل واد، وقوم وداد.
قال أبو جعفر: وفي حديث الحسن: "آخه وأحبه، وادده".
قال صاحب الواعي: هو من الوُدِّ، ردَّه إلى الأصل فأظهر الدَّالين من وَدِدَ يَوْدَدُ.
وفي الحديث: "تعلموا العربية، فإنها تدل على المروءة، وتزيد في المودة". قال الخطابي: بقيت زمانًا أقول ما معنى زيادتها في المودة؟ حتى وقع لي أنه يريد مودة المشاكلة؛ وذلك أنَّ لمعرفة بكل صناعة تجمع بين أهلها.
قال أبو جعفر: ويقال: حَبَبْتُ الرجل وحَبِبْتُهُ، بفتح الباء وكسرها، وأحْبَبْتُهُ، ثلاثُ لغات.
ورجل حَبِيْبٌ وحُبَابٌ بمعنى، عن كراعٍ في المجرَّد، قال: والحِبَابُ الحُبُّ.
وقال محمد بن أبَان في كتابه العالم يقال: أحببت الرَّجلُ، ووَددِتُهُ، وصادقته، وخاللته، وهو خليلي، وخلتي، وخلصاني، وحواريى، وصفي، وشجيري، وسجيري، [ولفيفي] ودُخْلَلِي ودُخْلُلِي، بفتح اللام وضمها. قال: وقال ثعلب: السجير بالسين غير معجمة: خاصتي، والتشجير بالشِّين مُعجمة: الغَريب.
قال محمد بن أبَان ويقال: حَبَبْتُهُ أحِبُّهُ، / وإحِبُّهُ. بفتح الهمزة وكسرها، وكسرها نادر، حُباً. وحكى أبو عمرو: حبِاً، بكسر الحاء.
قال أبو جعفر: ويقال: ألقى عليه رَخْمَتَهُ، ومحبته، وجنته، ومقته، وحبه، وخلته، ومودته، وبشره، وملقه، وبشاشته،
وهشاشته، وشراشره، ولبلبته، وإشباله، وعلقه، وشغفه، وهواه، وحنانه، ورئمانه، حكى ذلك المطرز في الياقوت. وقال أبو نصر في ألفاظه: وأما العشق فهو في النساء خاصة، قال: وفلان حُبَّةُ نفسي، [وحمة] نفسي، وأحبه حُباً صردًا، وحنبريتًا، وسُماقًا.
وقوله: "ورَضِعَ المولود يَرْضَعُ"
قال أبو جعفر: معناه معروف، وهو مصُّ الثدي، قاله غير واحد. [وقيل معناه: إذا امتصّ اللبن من ثَدْي أمّه] قال ابن طريف [ويقال]: رضع الصغير من كل شيء.
وقال المطرز في شرحه ويقال: امرأة مُرْضِع: إذا كانت تُرضِع ولدها
ساعة وهي تمشي، وامرأة مرضعة: إذا كان ثديها في فم ولدها.
قال ثعلب: فمن ها هنا جاء القرآن {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} لأن من كان ثديها في فم وَلَدِها فهي أشفق ممن لم يكن صبيها يَرْضَعُها، فإذا ذهلت هذه لهول ذلك اليوم فغيرها أشد ذهولاً.
قال أبو جعفر: وقال ابن التيتاني: قال الحربي عن الفراء: المرضعة الأم، والمُرضعُ التي معها صبي ترضعه.
قال أبو جعفر: ويقال للمولود: رَصيعٌ ورَاضِعُ، قال الخطابيُّ
ويقال أيضًا: رَضِعٌ، كما قالوا: خاشع وخشع.
قال ابن التيانيِّ: [جمع راضع: رضاع]، ورضع، كما جاء
في الحديث: "لولا بهائمُ رُتَّعٌ، وصبيان رَضَّعٌ". قال: ورُضُع مثل: طُنُبٍ، وراضِعُون، ونساء مَرَاضِيعٌ.
[قال الشيخ أبو جعفر]: ويقال في الماضي: رَضِعَ يرْضَعُ، ورَضَعَ، بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل. وبالفتح في الماضي/ والكسر في المستقبل، عن أبي عبيد في المصنف، وعن يعقوب في الإصلاح، وقالا عن الأصمعي: إن عيسى بن عمر أخبره أنه سمع العرب تُنشد هذا البيت:
وذَمُّوا لنا الدُّنيا وهم يَرْضِعُونَهَا
…
أفَاوِيقَ حتَّى مَا يَدُرُّ لَهَا تُعْلُ
وحكى اللغتين أيضًا يونس في نوادره، وابن دريد في الجمهرة، والمطرِّز عن ابن الأعرابيِّ قال: والكسر أفسح. وحكاها أيضًا اليزيدي في نوادره، وقال عنها: لغة رديئة. وحكاها أيضًا أبو حاتٍم في "فَرْقِهِ" وقال: ولم نسمع رَضَعَ يَرْضَعُ بالفتح فيهما.
قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: رَضْعٌ، ورَضَعٌ، ورَضِعٌ، ورَضَاعٌ، ورِضَاعٌ، ورَضَاعَةٌ ورِضَاعَةٌ، حكى ذلك صاحب الواعي، والفرَّاء في المصادر، وابن سيدة، وابن التَّيَّانيِّ. وقال صاحب الواعي: والرَّضَاعَةُ بفتح الراء لا غير عند الفُصَحَاء، وحكى قوم الرِّضَاعَةُ بالكسر.
قال أبو جعفر: وقال المطرز: الرِّضَاعَة بالكسر عن الكِسَائيِّ، أدخل الكسرة مع التاء، ولا يقوله غيره.
قال أبو جعفر: وقد حكاها أيضًا اليزيديُّ في نوادره.
وقوله: "وفَرِكَتْ المرأةُ زَوجَها تَفْرَكُهُ فَرْكًا: إذا أبغضته"
قال أبو جعفر: الْفِرْكُ بكسر الفاء: بغضُ المرأةِ زوجَها، عن صاحب الواعي، وغَيرهِ.
وقال اليزيدي في نوادره: وهذا رجل مُفَرَّك، بيِّن التَّفْريِك: إذا أبغضته النساء. وحكى ابن جنّيّ في شرح شعر المتنبي عن أبي زيد: رجل فَارِكٌ، وامرأة فَارِكٌ.
قال صاحب الواعي: ويقال: فَارَكَ فلانٌ صاحبه: إذا فارقه وتاركه، وحكى عن أبي عبيد أنه قال: هذا حرف مخصوصٌ به المرأةُ والزوج، لم اسمعه في غير ذلك.
قال أبو جعفر: قد جاء ما يقتضي/ استعمال الفِركْ في غير المرأة والزوج، وفي الحديث:"الحُبُّ من الله، والفِرْكُ من الشيطان".
وقد استعاره رؤبةُ في غير نوع الإنسان، فقال:
*ولم يُضِعْهَا بَيْنَ فِرْكٍ وعَشَقْ*
قال ابن سيدة في العويص: الفِرْكُ والعِشْقُ إنما هما في نوع الإنسان، فاستعارهما رؤبة للعَيْرِ والأُتُنِ، قال: ومعنى البيت: لم يُضِعِ الحمارُ أُتُنَهُ في حالٍ من الأحوال، في بُغْضه لها ولا في عِشْقه، قال: والأكثر في
بِغْضَة المرأةِ الرجل الفِرْك، والأكثر في بِغْضَةِ الرجل المرأة الإصلاف، يقال: صَلِفَتْ المرأةُ: إذا لم تحظ عند بعلها، وأَصْلَفَهَا بَعْلُها: أبْغَضها.
قال أبو جعفر: وأنشد ابن خالويه:
إنّي أُوَاصِلُ من أردتُ وِصَاَلهُ
…
بحبالِ لا صَلِفٍ ولا لَوَّامِ
قال: وصَلِفَ الرجل المرأة، أي: أبغضها.
قال صاحب الواعي: فهو صَلِفٌ، وصَلِفٌ. وقال ابن طريف: والمرأة صلفة، والجمع: صلائف، وصلفات.
قال أبو جعفر: وحكى ابن الأنباري في الزاهر عن أبي عبيدة قال: خرج أعرابي، وكانت امرأته تَفْرَكُهُ وكان يصلفها، فاتبعته نواة فقالت: شطَّ نواك ونأى سفركُ، ثم اتبعته روثة وقالت: رثيتك وراث خبرك، ثم أتبعته حصاةً وقالت: حاص رزقك وحص أثرك.
قال: تَفْرَكُهُ: تبغِضُه: ويصلفها: يبغضها، وشطَّتْ: بعدت، ونأى: بعد، وارث: أبطأ، وحاص: حاد، وحص: محي.
قال أبو جعفر: ويقال فَرِكَتْ المرأةُ وفَرَكَتْ، بالكسر والفتح، عن اللحياني في نوادره، وعن الفراء في كتابه البهي، وقال: وفَرِكَتْهُ بالكسر أجودُ.
وحكى الفتح في فرَكَتْهُ أيضًا النَّضْرُ بن شميل في كتابه في صفات النِّساء. وحكاها/ أيضًا صاحب الواعي عن الخليل. وحكاها أيضًا المطرِّزُ في شرحه عن ابن الأعرابي، وابن القطَّاع وعبدُ الحقِّ.
ويقال: هي فَارِكٌ، وفَرُوك، والجمع فَوَارِك، عن المطرز، وزاد المطرز "وفُرَّكٌ". وأنشد الجوهري:
لها رَوضٌة في القلب لم ترعَ مثلَها
…
فَرُوكٌ ولا المُسْتَعْبِرَاتُ الصلَّائِفُ
قال أبو جعفر: ويقال في مصدر فَرِكَتْ بالكسر: فِرْكٌ بالكسر، وفي
مصدر فَرَكَتْهُ بالفتح: فُرُوكٌ، عن اللحياني في نوادره، وعن المُطرِّز. وزاد المطرز في مصدر المفتوح: وفَرْكٌ.
وقال اليزيدي في نوادره: فَرِكَتِ المرأة زوجها فِرْكًا، بكسر الفاء وفتحها، وفُرُوكاً.
وقوله: "وشَرِكْتُ الرَّجل في الشَّيء"
قال أبو جعفر: يعني إذا صِرْتَ شريكَه فيه وقال صاحب الواعي: الشِّرْك يكون بمعنى الشَّرِيك، ويكون بمعنى النصيب، ويكون مصدّر شَرِكْتُ الرَّجُلَ في ماله قال: وكلُّ شيء فيه لقوم سهم فهو مُشْتَرَكٌ، ولذلك قالوا: الطريق مشترك، والحديث مشترك، أي: يشترك فيه من سمعه فيتساوون فيه.
والشَّريك والمشارك من له معك شِرْك، قال: وقد اشترك الرًّجلان في معنى تشاركا.
قال أبو جعفر: ويقال: شَركْتُ الرَّجُلَ، وأَشْرَكْتُهُ، وشَرَكْتُهُ،
كله بمعنى الشِّرْكَةِ، حكاه المُطَرز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي.
وقال صاحب الواعي: ويقال في الصفة: فلان شريك، ومشارك وجمع الشريك: شركاء، وأشراك، وقيل واحد الأشْراك: شِرْكٌ، وهو الشَّرِيك، عن أبي عبيد، وللمرأة شريكي.
قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: شِرْكٌ، وشَرِكَةً، ثم يجوز حذف الحركة/ استخفافاً فتقول: شَرْكَةً، وشِرْكَةً على نقل الحركة، عن مكِّيٍّ.
وقوله: "وصَدَقْتَ يا هذا وبَرِرْتَ".
قال أبو جعفر: قال القزاز يقال: صَدَقْتَ القومَ: قلتُ لهم صدقاً.
قال أبو جعفر: والصِّدق هو: الأخبار عن الشيء على ما هو به.
قال القزاز: ومعنى بَرِرْتُ في يميني: صدقت أيضًا. وقال مكِّيٌّ: بَرَّتْ يمينهُ: إذا لم يحنث فيها.
قال أبو جعفر: قال ابن الأعرابي ونقلته من خطِّ الآمِدِيِّ: العرب تقول: صَدَقْت وبَرِرْت، وبَرَرْتَ، بالكسر والفتح.
قال أبو جعفر: صَدَقْتَ ليس من الباب؛ لأنَّه فعَل بفتح العين، والباب بابُ فعل بكسرها، فكان الأستاذ أبو عليٍّ يقول وقت القراءة عليه: إنَّما أتي بصَدَقتُ وليس من الباب؛ لأنَّ العرب تقولهما معًا، فتقولُ: صَدَقتَ وبَرِرْتَ، كما تقول النُّحاة: نَعَمْ ونُعْمَةَ عينٍ لذلك أيضًا.
قال أبو جعفر: قال ابن طَرِيف في أفعاله: بَرَّ الرَّجلُ يمينَهُ، وأَبَرَّهَا، والمصدر عنه وعن اللِّحيانيَ: بِوُّ، وبُرُورٌ.
وقوله: "وكذلك بَرْرْتُ والِدِي".
قال أبو جعفر: أيْ أكرمتُه، وقمتُ بما يلزمني من حَقِّه.
قال القزاز: تقول العرب: بَرَّ فلان ربَّه: أي أطاعه، ولذلك
قال الشَّاعر:
لَا هُم لولا أنَّ بكراً دونكا
…
يَبَرُّك النَّاسُ ويَفْجُرُونكا
قال: يريد يطيعك النَّاسُ ويَعْصُونَك.
وقال ابن دَرَستويه: بَرِرْتُ والدي أصله بَرِرْتُ بوالدي، ولذلك يقال:
هو بَارٌّ بوالديه، وفي كتاب الله تعالى وجل:{وَبَرّاً بِوَالِدَتِي} ، وكذلك بَرِرْتُ في يميني، وأصلهما أنْ لا يتعدَّيا إلاّ بحرف جرٍّ إلَاّ أن يكثر استعمال أحدهما فيحذف منه الجار ويُعَدَّى/ بنفسه، كقولهم: بَرِرْتُ في يميني ومودَّتي. قال: وإنما ذكرهما ثعلبٌ لأن العامة تفتح الماضي منهما" ولذلك ذكرهما.
قال أبو جعفر: وكذا أنكرهما الزمخشريُّ في شرحه، وابن السيد في الاقتضاب، وقال: أما بَرِرْتُ بوالدي فلا أعرف فيه لغة غير الكسر.
قال أبو جعفر: وحكى ابن سيدة في المحكم أنه يقال: بَرِرْتُ والدك، وبَرَرْتَه، بكسر الماضي وفتحه.
وقوله: "ورجل بَارٌّ، وبَرٌّ".
قال أبو جعفر: بَارٌّ فاعل من البِرِّ، وهو فِعْل الخَيْر، ووزنه فاعل، وأصله بَارِرٌ، ثُمَّ أُسكِنت الرَّاء الأولى وأُدغمت في الثانية استثقالاً للجمع بين مِثْلَين، وجمعه بَرَرَةٌ مثل: كافرٍ وكَفَرة، ولم يدغموا في بَرَرَةٍ لخفَّة الفتحة.
وزن بَرٍّ: فَعِلٌ: وأصله بَرِرٌ، ثم أدركه الإدغام لما قلناه في بَارٍّ، وجمعه أبرار، مثل: فَخِذ وأفخاذ. وقد يمكن أنْ يكون أبرار جمع بَارٍّ، كما قالوا: صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد.
وبَرٌّ أبلغ في الصِّفة من بارٍّ، وكذلك ما كان على مثاله، فإن حذف الألف يوجب مبالغة الصفة، كقولهم: رجل ثابت وثبت، وزائر وزور.
وقوله: "وجَشِمْتُ الأمر أجْشَمُهُ"
قال أبو جعفر: أيْ تكلَّفته بمشقَّة، عن غير واحد. قال القزاز: وكذا تَجَشَّمتُهُ،
[قال الشيخ أبو جعفر: وقال المرزوقي: تجشَّمته: إذا زدت له كلفة. قال القزَّاز:] وأجشمني فلان مثل: جَشَّمَنِي، ومعناه: أكرهني عليه.
وحكى المطرز في شرحه: جَسِمْتُهُ بالسِّين غيرَ معجمة: إذا ركبت جَسِيْمَهُ ومُعظمَهُ.
قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: جَشْمٍّ، وجَشَامَةً، عن القزاز.
وقوله: "وسَفِدَ الطَّائر".
قال أبو جعفر: أَيْ جامع، عن ابن خالويه. وقال صاحب الواعي:
هو مثل الجماع للإنسان، ويقال/ في الطائر، زالسِّباع، والتَّيس، والثَّور، وكذلك في البعير.
قال أبو جعفر: حكى كراعُ في المجرد أنه يقال: سَفِدَ الطائر، وزَجَل، وزَحَل، بمعنى واحدٍ.
قال ابن درستويه: والعامة تقول: سَفَدَ يَسْفِدُ، بفتح الماضي وكسر المستقبل.
وقال أبو جعفر: قد حكى سَفَدَ بالفتح يعقوب في الإصلاح عن أبي عبيدة، وكراع في المجرد، وصاحب الواعي، وابن سيدة في المحكم، وابن القَطَّاع.
ويقال في المصدر: السَّفْدُ، والسِّفَادُ، عن صاحب الواعي، وعن ابن سيدة في المحكم وغيرهما.
وقوله: "وفَجِئَنِي الأمرُ يَفْجَؤُنِي".
قال أبو جعفر: إذا نزل به بَغْتَةً، عن القَزَّاز. وقال صاحب المبرز، وأبو زيد في كتاب [الهمز]: فجئته: لقيته وهو لا يشعر بك وأنت لا تشعر به.
وقال صاحب المبرز عن قطرب: نحن نَتَفَجَّأُ فلاناً، أيْ: ننتظره فجاءة، وأتيته فُجْوَاءَ، أي: مُفَاجأة.
وقال ابن خالويه: كانوا يتعوَّذون من الموت الفُجَاءة؛ لأنَّ الرَّجل ربما كان مقيمًا على معصية فإذا مرض أقلع عنها وتاب، وإذا أتاه الموت فُجاءَةً مات على غير توبة.
قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: والعامة تفتح الماضي منه.
قال أبو جعفر: حكى أبو عبيد في المصنف، أنه يقال: فَجَأَني، ويقال أيضًا: فَاجَأَنِي، حكاه يعقوبُ، وأبو زيد في كتاب الهمز، وابن دريد في كتاب الجمهرة، وصاحب المبرز، وغيرهم، وحكاها أيضًا ابن التَّيَّانيِّ فقال يقال: فَجَأَ الأمر، وفَاجَأَ، وفَجِئَ.
قال أبو جعفر: فَاجَأَنِي هو أحد ما جاء على غير قياس؛ لأنَّ قياس المفاعلة أن تكون بين اثنين كالمحاكمة، والمضاربة، والمعانقة. ومما شذَّ من هذا الباب عافاه الله، وعاليت الرَّحْلَ، وطارقت النَّعل.
ورُبَّما/ يترك الهمز كما قال الشَّاعر:
نِعْمَ المُعَانِقُ نَفْجَاهَا وقد جَعَلتْ
…
أخرى اللَّيالي وقد جَمَّتْ لهُ العِلَلُ
ويقال في الصفة: أنت فاجِئٌ، ومُفَاجِئٌ، وهو مَفْجُوءٌ، ومُفَاجَأُ، عن القزاز. وفي المصدر عنه: فَجْأُ، وفُجَاءَةٌ ومُفَاجَأةً.
وحكى المطرز عن ابن الأعرابي أنه يقال: رأيته فُجَاءَةٌ، والتقاطًا وعيناً، وبدَدَاً، وأول صوْكِ وأول بَوْكٍ، أي: رأيته فُجَاءَةٌ بغير
تلبث، وقال اللحياني في نوادره: لقيته أول وَهْلَةٍ، ووَهَلَةٍ، ووَاهِلَةٍ أي: أول كل شيء.
وقال ابن الأعرابي أيضًا: وأول ذي يَدَينِ، وذاتِ يَدَينِ، وقال أيضًا في ألفاظه: ولِقَاطًا، وكِفَاحاً، وصكة عمي، وعين عنة، وصحرة بحرة، وكَفَّةَ كَفَّةَ، وكَفَّةَ لِكَفَّةَ وكَفَّةَ عن كَفَّةَ، وفلاطاً وافتلاطاً، ولقيته أدنى ظلم، وأول عائنة، وأول عوك وأول ذي أول.