الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: تربية الأولاد
الأسس والعوامل المؤثرة
كانت الكلمة الأولى التي أُنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر اتصال للسماء بالأرض هي كلمة «اقرأ» : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:
1 - 5].
1 -
التربية في مدرسة النبوة:
وتتابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأ صلى الله عليه وسلم يدعو قومه للإسلام، ويقوم بتربية النخبة المختارة من بني البشر، التي أراد الله لها أن تمسك بزمام القيادة العالمية، وأن تكون {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] لتقوم بأعباء الرسالة الخاتمة، التي أعدَّها الله تعالى للقيام بها، فقد ربَّاهم صلى الله عليه وسلم في مدرسة النبوة على الإيمان بالله تعالى وحده، وبعث في نفوسهم العزة والأمل، ربَّاهم في مكة المكرمة أولاً: على الإيمان والصبر والمجاهدة
…
ليتلقوا دعوة الإسلام بكل تكاليفها، ثم تابع صلى الله عليه وسلم المسيرة التربوية: إيمانًا وإخلاصًا وتضحيةً وعبودية لله، ليسموَ بنفوس تلك النخبة الممتازة، من الجيل المثالي الذي تخرَّج على يديه.
منهج متكامل للتربية:
وقد قامت هذه التربية على أساسين عظيمين هما: كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهما المصدران الأساسيان لهذا الدين، وقد حفل كلٌّ منهما بمنهجٍ متكامل للتربية الإسلامية المثالية، يشمل غايات التربية، ومنهجها، ووسائلها، وطرقها، وعواملها.
منهج يتناسق مع جميع مراحل النمو:
و هو منهج يعطي كلَّ مرحلة من مراحل النمو الإنسانيِّ ما يناسبها من التربية المتوازنة الشاملة المتكاملة، إذِ اقتضتْ حكمة الله تعالى: أن يمرَّ الإنسان بمراحل مختلفة، ويتقلَّب في هذه الحياة أطواراً؛ فهو «جَنِين» في بطن أمه، متكامل الخلق، بعد أن كان قبلها «نُطْفَة» ثم «عَلَقة» ثم «مُضْغة» ، كما أشار إلى ذلك سبحانه وتعالى في كتابه الكريم فقال:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)} [الحج: 5].
ثم هو بعد ذلك- بعد مرحلة الجنين- «طفلٌ» ، ثم «نَاشِئ» ،
ينتقل لمرحلة «المُراهَقة» فمرحلة «الفُتُوَّة» فمرحلة «الشَّباب» ،
ثم «الكُهُولَة» و «الشَّيخُوخَة» .
وهو في كلِّ مرحلة من هذه المراحل: يتَّسم بصفات وسِمَاتٍ جسميَّة ونفسيَّة وخُلقيَّة تختلف عن الأخرى، وله في كل مرحلةٍ وطور حاجاتٌ ودوافع، ولكل مرحلة مشكلات خاصة وأساليب في التكيُّف والنموِّ والتربية، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، عند تربية هذا الكائن.
والإسلام ــ دين الله الخالد ــ يضع لكل مرحلة من مراحل عمر الإنسان خطة تربوية فذة، ترتقي بهذا الإنسان إلى مدارج عالية وآفاق سامية، نلمحها في علاقة هذا الإنسان وتعامله مع ربه تبارك وتعالى، ومع نفسه، ومع الآخرين من حوله.
المنهج التربوي المتميز:
واليوم نجد كثيرًا من المثقفين وغير المثقفين يديرون كلمة «التربية» على ألسنتهم صباحَ مساء، وينظرون إلى مناهج التربية في بلاد الغرب على أنها هي التربية المثالية الفذة، التي تجعل من الإنسان نموذجًا مثاليًا يُشار إليه بالبنان
…
و ينسون- وهم في غرة البريق الخادع - أصالةَ دينهم، وشخصيتَهم الإسلامية، ومنهجَهم التربويَّ المتميز
…
فكان من الوفاء لهذا الدِّين ولهذه الأمة وأجيالها المؤمنة: أن نعود بالأمر إلى نصابه، وبالفضل لأهله وذويه، وهذا ما دفعني لكتابة هذه الكلمات في تقديم هذا الكتاب، و الصلة بينهما وثيقة ومتينة.