الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - عوامل التربية:
يقصد بعوامل التربية كلَّ المؤثرات التي تؤثر في النشأة والنمو، من النواحي الجسمية والعقلية والخلقية والدينية.
ويُعنَى الباحثون في التربية بتصنيف هذه العوامل وتعدادها، إلا أنه يمكن رَجْعُها إلى طائفتين اثنتين:
(الطائفة الأولى): عوامل التربية المقصودة، وهي الوسائل المدبَّرة التي يقوم بها الكبار حيال الصغار للتأثير في أجسامهم وعقولهم وأخلاقهم، لإعدادهم للحياة المستقبلة. وأهم مواطن هذا النوع من التربية: الأسرة (البيت) والمدرسة. ولما كانت المساجد تقوم بوظيفة المدرسة قبل إنشائها ، فإننا نضيف هذا العامل الهام وهو المسجد ، وكذلك المنهج الدراسي الذي يقوم بوظيفة كبرى في تقديم ما ينبغي للأبناء في دراستهم.
(الطائفة الثانية): عوامل التربية غير المقصودة، وهي العوامل التي تؤثر في نشأة الأطفال والمراهقين ونموهم دون أن يكون للكبار دخل في توجيهها نحو هذه الغاية، ولا في أدائها هذه الوظائف. وتنقسم هذه الطائفة إلى أقسام كثيرة، أهمها ما يلي:
أ- عوامل طبيعية، كالوراثة والبيئة والجغرافية.
ب- الأمور التي يقوم بها الطفل مدفوعًا إليها بعامل ميوله الفطرية، ومن أظهر هذه العوامل: الألعاب الحرة والتقليد.
ج - عوامل اجتماعية، كحضارة الأمة المنبثقة عن معتقداتها، وما إلى ذلك مما تشمله البيئة الاجتماعية العامة، ويندرج فيها ما يكوِّن الرأي العام، كوسائل الإعلام ونحوها
(1)
.
فأهم عوامل التربية هي: الأسرة، والمدرسة، والمسجد، الوراثة، والبيئة الجغرافية، واللعب والتقليد، والبيئة الاجتماعية العامة، ووسائل الإعلام. و العامل الأول فيها هو أهم هذه العوامل وأكثرها تأثيرًا وصلة بموضوع هذا الكتاب، فيحسن أن نخصّه بالتنويه وبشيء من التفصيل.
دور الأسرة في التربية:
الأسرة هي الخلية الاجتماعية الأولى في المجتمع، وعلى صلاحها وقوَّتها واستقامتها يتوقف صلاح المجتمع وقوَّته وتماسكه، فالمرأة والرجل هما عماد الأسرة؛ إذا صلح كلٌّ منهما استطاع أن يكوِّن بيتًا نموذجيًا على القواعد التي وضعها الإسلام، وقد وضع الإسلام قواعد هذا البيت فأحكم وضعها، فقد أرشد الزوجين إلى حسن الاختيار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تنكح المرأة لأربع: لدينها ولمالها ولحسبها ولجمالها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»
(2)
.
(1)
انظر: عوامل التربية، د. علي عبد الواحد وافي، ص (3) وما بعدها.
(2)
أخرجه البخاري في النكاح برقم (5090) ومسلم في الرضاع برقم (1466).
وبيَّن الطريق الفطري في لقاء الرجل بالمرأة، فقال الله سبحانه وتعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
وحدَّد الحقوق والواجبات على كل من الطرفين، وما يتميز به كل واحد منهما، فقال الله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228].
وأوجب على الطرفين رعاية ثمرات الزواج (الأطفال) حتى تينع وتنضج في غير عبث ولا إهمال، فقال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
وقال الله سبحانه و تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233].
وعالج ما يعترض هذه الحياة الزوجية من مشكلات أدقَّ علاج، واختط في كل نظراته طريقًا وسطًا، لا إفراط فيه ولا تفريط، فقال الله تعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 128].
والإسلام يعتبر نظام الأسرة هو النظام الطبيعي الفطري المنبثق من أصل التكوين الإنساني، بل من أصل الأشياء كلِّها في الكون الذي يقوم على قاعدة الزوجية.
والأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يتولى حماية الناشئة ورعايتها وتنمية أجسادها وعقولها وأرواحها، وفي ظله تتلقى مشاعر الحب والرحمة والتكافل، وتنطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هديه ونوره تتفتح للحياة وتتعامل معها
(1)
.
والأسرة منذ القديم كانت تقوم بوظائف اجتماعية كثيرة، ثم بدأت هذه الوظائف تتطور سعة وشمولاً، وتضييقًا وتحديدًا، حيث أصبحت كثير من المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والثقافية تنازع الأسرة هذه الوظائف الاجتماعية والتربوية إلا أنها لازالت ــ وستبقى ــ عاملاً من
(1)
في ظلال القرآن: 2/ 235.
أهم عوامل التربية على الإطلاق، وترجح على بقية العوامل
الأخرى مجتمعة
(1)
.
تأثير الأسرة في العوامل التربوية:
والأسرة تؤثر في العملية التربوية من ناحيتين اثنتين:
(الأولى) تأثيرها في عوامل التربية الأخرى، فإن للمنزل آثارًا بليغة في مختلف عوامل التربية الأخرى المقصودة وغير المقصودة.
و (الثانية) آثارها التربوية الخاصة بها. فالطفل الإنساني هو أطول الأحياء طفولة، ومن ثم كانت حاجته لملازمة أبويه أشدَّ من حاجة أي طفل لحيوان أخر، وكانت الأسرة المستقرة الهادئة ألزم للنظام الإنساني وألصق بفطرة الإنسان وتكوينه ودوره في هذه الحياة، وعلى المنزل يقع قسط كبير من واجب التربية الخُلُقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل الطفولة، بل في المراحل التالية لها كذلك؛ ففي المنزل تشيد أسس العقيدة و العبادة والأخلاق، فإن كان الأساس متينًا كان البناء قويًا متينًا، وإلا انهار البناء.
(1)
انظر عوامل التربية ص 5 - 7، الأسرة والمجتمع ص 16 - 21 كلاهما للدكتور علي عبد الواحد وافي.