المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - وسائل التربية: - تحفة المودود بأحكام المولود - ط عطاءات العلم - المقدمة

[ابن القيم]

الفصل: ‌3 - وسائل التربية:

‌3 - وسائل التربية:

أ ـ الوسيلة الأولى: القدوة الحسنة، وهي الوسيلة الفعالة في التربية، ولها التأثير الكبير فيها بجميع نواحيها، إذْ لا بد للطفل في البيت أو الطالب في المدرسة من مثل أعلى يقتدي به ويترسم خطاه، فلنقدم له القدوة الحسنة متمثلة برسول الله صلى الله عليه وسلم:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21 [، ومتمثلة بالجيل الأول من الصحابة، ومن أبطال الإسلام وقادته على مرِّ العصور.

والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يربِّي أصحابه بالكلام يديره على لسانه، وإنما كان يربيهم بأفعاله، فقد كان -عليه الصلاة و السلام- قرآنًا يمشي على الأرض، و «كان خلقه القرآن»؛ لذا مدحه الله تعالى فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

والمسلم يربِّي بسلوكه و عمله قبل أن يربي بلسانه وكلامه. والإسلام انتشر في كثير من بقاع العالم بواسطة التجار المسلمين الذين كانوا أمثلة طيبة وقدوة صالحة.

ولذلك نجد الطفل الذي يرى أبويه يقفان في جوف الليل، يناجيان الله تعالى بالعبادة والصلاة والدعاء

يتعلم السموّ الروحي عمليًّا منهما .. ولن يتعلم الفضيلة طفل يرى أبويه أو أحدهما منغمسًا في الرذيلة والشهوات؛ لأنهما قدوة له، وهو يتأثر بهما، ولن يتعلم

ص: 18

الإنسانية والخلق السامي طفل يجد صدر أبيه ممتلئًا حقدًا أو بغضًا وحسدًا وضغينة على الآخرين.

ب ـ والوسيلة الثانية: هي التربية بالموعظة، وذلك كي تتفتَّح النفس ويتذكر القلب، بعد أن يكون قد شرد عن الله وغفل عنه لسبب من الأسباب التي تصرف الإنسان وتبعده عن الله وعن منهجه وعن دينه، وفي القرآن الكريم نماذج كثيرة رائعة للتربية بالموعظة منها موعظة لقمان لابنه، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)

} إلى آخر الآيات] لقمان: 13 - 19].

وما أكثر مواعظ الرسول ^؛ وما أشدَّ تأثيرها في النفوس! فمواعظه تتفتّح لها القلوب والعقول وتذرف لها العيون. وقد كان عليه الصلاة والسلام يتخوَّل أصحابه بالموعظة بين الحين والآخر، ومن ذلك حديث العرباض بن سارية:«وعظنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم موعظة وَجِلَت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودِّع فأوْصِنا. قال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة .. »

(1)

.

(1)

رواه أبو داود: 7/ 11، والترمذي: 7/ 438. وقال: «هذا حديث حسن صحيح».

ص: 19

وكان عليه الصلاة والسلام يعظ أصحابه عند ما يشاهد خطأ، وينبِّه إليه بطريقة تربوية فذة، حيث يصعد المنبر ويقول:«ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، أو ما بال أقوام يتنزهون عن كذا»

(1)

.. أو «لينتهينَّ أقوام عن كذا .. »

(2)

جـ ـ والقصة هي الوسيلة الثالثة: وهي وسيلة فعالة، لأن الإنسان يتطلع دائمًا ويتشوق إلى معرفة المجهول، ويتطلع إلى المفاجآت، والقصة تحتوي على كل هذه العناصر المشوقة، ومن هنا كان تأثيرها الكبير في النفس، حتى إن القرآن الكريم قد ذكر كثيراً من القصص بهدف التربية وأخذ العبرة والعظة {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:111].

وقد أخضع القرآنُ الكريم القصةَ بجميع أنواعها للغرض الديني التربوي. فليكن هذا حافزًا لاستعمال القصص الناجحة الموجهة في تربيتنا لأولادنا وطلابنا.

د ـ التربية بالأحداث والوقائع: وهي وسيلة بارزة، حيث يستطيع المربي الماهر أن يتلقف كل حادث يقع ليغرس في أعقابه مباشرة ما يريد

(1)

كما في صحيح البخاري، كتاب الاعتصام: 13/ 276، و صحيح مسلم في الفضائل: 4/ 1829.

(2)

كما في صحيح مسلم، كتاب الجمعة: 2/ 512.

ص: 20

من المُثل والأخلاق والأحكام في نفوس من يعلِّمهم ويربيهم؛ لأن النفس في أعقاب الحادثة تكون مستعدة لتلقى الدرس، كما فعل القرآن الكريم في تربية الجيل الأول، ونجد أمثلة لذلك في الآيات التي تنزلت في أعقاب غزوة بدر وأحد وحنين .. إلخ، ونجد لهذا أمثلة رائعة في السيرة النبوية كما في موعظة النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار عقب توزيع غنائم هوازن

هـ ـ ونأتي أخيرًا إلى العقوبة والمثوبة ومكانهما في التربية، فإن المثوبة أو الجزاء الطيب على العمل الطيب والتشجيع عليه بكل طريقة، وسيلة ناجحة تحمل على السعي الحثيث نحو الخير والفضيلة، وما أكثر الآيات القرآنية التي يرغِّبنا الله تعالى فيها بجنته وثوابه.

والعقوبة أيضًا تقابل المثوبة وتسير معها، فليست كل نفس تنفع فيها المثوبة أو الموعظة، وعندئذ نلجأ إلى العقوبة وسيلةً أخيرة في التربية، وهي تتدرج من النظرة إلى الكلمة الطيبة ثم الكلمة العنيفة القاسية حتى إنها لتصل أحيانًا إلى الضرب .. وخيرُ عقوبةٍ هو الحرمان من المثوبة والجزاء.

وغنيٌّ عن البيان أن كُلًّا من المثوبة والعقوبة تتنوع إلى مادية وأدبية، ولكل منهما تأثير في النفوس. وحسبنا هذه الإشارات السريعة، و للتفصيل مجال آخر

(1)

.

(1)

انظر بالتفصيل: منهج التربية الإسلامية: 1/ 180 وما بعدها.

ص: 21