الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الثَّالِث: فِي الْكَلَام عَلَى شَيْء من إِسْنَاده ومفرداته
قَالَ الإِمام أَبُو عمر بن عبد الْبر: رَوَى هَذَا الحَدِيث يَحْيَى بن يَحْيَى عَن مَالك عَن إِسْحَاق عَن حميدة ابْنة أبي عُبَيْدَة بن فَرْوَة عَن خَالَتهَا كَبْشَة الحَدِيث.
هَكَذَا قَالَ يَحْيَى: عَن حميدة بنت أبي عُبَيْدَة [بن فَرْوَة] ، وَلم يُتَابِعه عَلَى قَوْله ذَلِك أحد، وَهُوَ غلط [مِنْهُ]، وَأما سَائِر رُوَاة الْمُوَطَّأ فَيَقُولُونَ: حميدة ابْنة عبيد بن رِفَاعَة، إِلَّا أَن زيد بن الْحباب قَالَ فِيهِ عَن مَالك: حميدة بنت عُبَيْدَة بن رَافع] رَافع، وَالصَّوَاب رِفَاعَة [وَهُوَ رِفَاعَة] بن رَافع الْأنْصَارِيّ.
قلت: وَهُوَ فِي صَحِيح ابْن حبَان من رِوَايَة القعْنبِي عَن مَالك: حميدة بنت عبيد بن رِفَاعَة.
ثمَّ قَالَ: وَانْفَرَدَ يَحْيَى بقوله «عَن خَالَتهَا» وَسَائِر رُوَاة الْمُوَطَّأ يَقُولُونَ: «عَن كَبْشَة» لَا يذكرُونَ «خَالَتهَا» . وَاخْتلف فِي رفع الْحَاء ونصبها من «حميدة» وَأَشَارَ إِلَى أَن الْأَكْثَر ضمهَا، وتكنى حميدة أم يَحْيَى، وَهِي امْرَأَة إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، ذكر ذَلِك يَحْيَى الْقطَّان فِي هَذَا الحَدِيث عَن مَالك، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ ابْن الْمُبَارك عَن مَالك إِلَّا أَنه
قَالَ: كَبْشَة امْرَأَة أبي قَتَادَة، وَهَذَا وهم، وَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَة [ابْن] أبي قَتَادَة.
وَنقل النَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد أَنه وَقع فِي رِوَايَة مَالك وَالتِّرْمِذِيّ تَحت أبي قَتَادَة.
وَقَالَ: هُوَ مجَاز مَحْمُول عَلَى الرِّوَايَة الْمَشْهُور تَحت ابْنه.
وَرَأَيْت من وهم النَّوَوِيّ فِي نَقله ذَلِك عَن الْمُوَطَّأ، وَوهم هُوَ فِي ذَلِك، يَكْفِي بالنووي أَن يُوَافق نَقله مَا نَقله ابْن الْمُبَارك، لَكِن الْمَشْهُور من رِوَايَة مَالك فِي الْمُوَطَّأ تَحت ابْن أبي قَتَادَة، وَكَذَلِكَ هُوَ مَوْجُود فِي الملخص للقابسي فَافْهَم ذَلِك.
وَأما لَفْظَة «أَو الطوافات» فَقَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَصَاحب الْمطَالع: يحْتَمل أَن يكون عَلَى مَعْنَى الشَّك من الرَّاوِي، وَيحْتَمل أَن يكون النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ قَالَ ذَلِك، قَالَ ذَلِك يُرِيد أَن هَذَا الْحَيَوَان لَا يَخْلُو أَن يكون من جملَة الذُّكُور الطوافين أَو الْإِنَاث.
وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب هَذَا عَن صَاحب الْمطَالع وَحده، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَه مُحْتَمل.
قَالَ: و [هُوَ] الْأَظْهر، لِأَنَّهُ للنوعين كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَات الْوَاو.
قَالَ أهل اللُّغَة: الطوافون الخدم والمماليك، وَقيل: هم الَّذين يخدمون بِرِفْق وعناية، وَإِنَّمَا جمع الْهِرَّة بِالْيَاءِ وَالنُّون مَعَ أَنَّهَا لَا تعقل، لِأَن المُرَاد أَنَّهَا من جنس الطوافين أَو الطوافات.
وَمَعْنى الحَدِيث أَن الطوافين من الخدم وَالصغَار الَّذين سقط فِي حَقهم الْحجاب والإستئذان فِي غير الْأَوْقَات الثَّلَاث الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا سقط فِي حَقهم دون غَيرهم للضَّرُورَة وَكَثْرَة مداخلتهم بِخِلَاف
الْأَحْرَار الْبَالِغين، فَإِذا يُعْفَى عَن الْهِرَّة للْحَاجة.
فقد أَشَارَ إِلَى نَحْو هَذَا الْمَعْنى أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه «الأحوذي» فِي شرح التِّرْمِذِيّ.
وَذكر الْخطابِيّ أَن هَذَا الحَدِيث مؤول عَلَى وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَنه شبهها بخدم الْبَيْت وَمن يطوف عَلَى أَهله للْحَدِيث.
وَالثَّانِي: شبهها بِمن يطوف للْحَاجة.
قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا الثَّانِي قد يأباه سِيَاق قَوْله عليه الصلاة والسلام إِنَّهَا لَيست بِنَجس وَهُوَ كَمَا قَالَ.
بل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي شرح الْإِلْمَام: إِنَّه غَرِيب بعيد.
فَإِن قلت: فالخدم وَالْعَبِيد لَا يُعْفَى عَن نَجَاسَة أَفْوَاههم.
فَالْجَوَاب: أَن نَجَاسَة أفواهها ينْدر، وَلَا يشق الِاحْتِرَاز، وَفِي هَذَا الْخلاف.
وَقَوْلها: فَسَكَبت لَهُ وضوء هُوَ بِفَتْح الْوَاو، وَهُوَ اسْم للْمَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ، وَالْوُضُوء بِالضَّمِّ اسْم للْفِعْل.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هَذِه اللُّغَة هِيَ قَول الْأَكْثَرين من أهل اللُّغَة.
وَقَوله عليه الصلاة والسلام «إِنَّهَا لَيست بِنَجس» هُوَ بِفَتْح الْجِيم، كَذَا قيد غير وَاحِد مِنْهُم الْمُنْذِرِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن، وَالنَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى أبي دَاوُد وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي شرح الإِلمام وَغَيرهم.
قَالَ الله تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس) .
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفَوَائِد المستنبطة مَا لَا يسعنا ذكر بعضه هُنَا لِئَلَّا يطول الْكتاب وَيخرج عَن مَوْضُوعه، وَهَذَا الْقدر كَاف.
وَبَقِي أَمر مُهِمّ وَرَاء هَذَا كُله، وَهُوَ أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ وَقع لَهُ فِي هَذَا الحَدِيث ثَلَاثَة [أُمُور] غَرِيبَة وَهُوَ أَنه جعل الصِّيَغ للإِناء للهرة هُوَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَتبع فِي ذَلِك الْمُتَوَلِي من أَصْحَابنَا فَإِنَّهُ ذكر ذَلِك فِي تتمته، وَالْمَعْرُوف أَنه أَبُو قَتَادَة.
فَقَالَ مَا نَصه: سُؤْر الْهِرَّة طَاهِر، لِأَنَّهَا طَاهِرَة الْعين، وَمَا هُوَ طَاهِر الْعين فَهُوَ طَاهِر السؤر، وَلذَلِك لَا يعْجبُونَ من إصغاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ الْإِنَاء للهرة، قَالَ:«إِنَّهَا لَيست بنجسة إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم» جعل طَهَارَة الْعين عِلّة طَهَارَة السؤر انْتَهَى.
فَذكرت أَنا الحَدِيث بِاللَّفْظِ الْمَعْرُوف، فَافْهَم ذَلِك.
نعم فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن أبي قَتَادَة وَقَالَ: كَانَ أَبُو قَتَادَة يصغي الْإِنَاء للهرة فَتَشرب، ثمَّ يتَوَضَّأ بِهِ، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك؟ فَقَالَ: مَا صنعت إِلَّا مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ يصنع.
فقد يَقْتَضِي ظَاهر هَذَا مُوَافقَة مَا أوردهُ المُصَنّف انْتَهَى.