الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملحق الثَّانِي حول حَدِيث إِنَّهَا لَيست بِنَجس إِنَّهَا من الطوافين أوالطوافات
من كتاب الْبَدْر الْمُنِير فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الشَّرْح الْكَبِير للمؤلف حَيْثُ أَشَارَ إِلَيْهِ، ولنفاسة كَلَام الْمُؤلف فِي الْبَدْر الْمُنِير ننقله بحرفه، ونعلق عَلَى بعض الْمَوَاضِع مِنْهُ.
قَالَ (1/66/1 - 69 - 1) هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَشْهُور رَوَاهُ الْأَئِمَّة الْأَعْلَام حفاظ الْإِسْلَام مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد والدارمي فِي مسانيدهم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحهمَا وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن والمعرفة من رِوَايَة أبي قَتَادَة رضي الله عنه.
وَليكن كلامنا عَلَى هَذَا الحَدِيث مُلَخصا فِي ثَلَاثَة فُصُول:
الأول: فِيمَن صَححهُ وشبهة من أعله
.
قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ: إِنَّه حَدِيث حسن صَحِيح وَإنَّهُ أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب، وَإِن مَالِكًا جود إِسْنَاده عَن إِسْحَاق بن عبد الله، وَإِن أحدا لم يَأْتِ بِهِ أتم مِنْهُ، وَسَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ؟ فَقَالَ: جوده مَالك بن أنس، وَرِوَايَته أصح من رِوَايَة غَيره.
وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، عَلَى أَنَّهُمَا قد استشهدا جَمِيعًا بِمَالك بن أنس، وَأَنه الحكم فِي حَدِيث الْمَدَنِيين، وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا صَححهُ مَالك وَاحْتج بِهِ فِي الْمُوَطَّأ، وَمَعَ هَذَا فَلهُ شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح.
حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُوسَى القَاضِي ببخارى ثَنَا مُحَمَّد بن أَيُّوب أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ ثَنَا سُلَيْمَان بن سافع بن شيبَة الحَجبي قَالَ: سَمِعت مَنْصُور بن صَفِيَّة بنت شيبَة يحدث عَن أمه صَفِيَّة عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: «إِنَّهَا لَيست بِنَجس، هِيَ كبعض أهل الْبَيْت» يَعْنِي الْهِرَّة.
وَهَذَا الشَّاهِد الَّذِي اسْتشْهد بِهِ الْحَاكِم أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَلَفظه «هِيَ كبعض مَتَاع الْبَيْت» يَعْنِي الْهِرَّة.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ سُلَيْمَان بن أبي مسافع.
قلت: ذكره الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء، وَقَالَ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر فِي كِتَابه معرفَة السّنَن والْآثَار فِي حَدِيث أبي قَتَادَة: إِسْنَاده صَحِيح، والإعتماد عَلَيْهِ.
وَصَححهُ أَيْضا الإمامان أَبُو بكر بن خُزَيْمَة وَأَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُمَا أَخْرجَاهُ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَمَا قدمْنَاهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت.
وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله طرقه ثمَّ قَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفا.
قَالَ: وَرَفعه صَحِيح.
قَالَ: وَلَعَلَّ من وَقفه لم يسْأَل أَبَا قَتَادَة: هَل عِنْده عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ فِيهِ أثر أم لَا؟ لأَنهم حملُوا فعل أبي قَتَادَة حَيْثُ قَالَ: وأحسنها إِسْنَادًا، وَأما رِوَايَة مَالك عَن إِسْحَاق عَن امْرَأَته عَن أمهَا عَن أبي قَتَادَة وَحفظ أَسمَاء النسْوَة وأنسابهم وجود ذَلِك، وَرَفعه إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ.
وَخَالف الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ بعد أَن أخرجه من رِوَايَة مَالك فِي الْمُوَطَّأ، ثمَّ ذكر اخْتِلَاف رواياته: أم يَحْيَى اسْمهَا حميدة، وخالتها هِيَ كَبْشَة، وَلَا يعرف لَهما رِوَايَة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، ومحلهما مَحل الْجَهَالَة، وَلَا يثبت هَذَا الْخَبَر بِوَجْه من الْوُجُوه، وسبيله سَبِيل الْمَعْلُول.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي شرح الْإِلْمَام: جَرَى ابْن مَنْدَه عَلَى مَا اشْتهر عَن أهل الحَدِيث أَنه من لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول.
قَالَ: وَلَعَلَّ من صَححهُ اعْتمد عَلَى كَون مَالك رَوَاهُ وَأخرجه مَعَ مَا علم من تشدده وتجرئه فِي الرِّجَال، وَأَن كل من رَوَى عَنهُ فَهُوَ ثِقَة كَمَا صَحَّ عَنهُ، ونقلناه فِي مُقَدمَات هَذَا الْكتاب.
قَالَ: فَإِن سلكت هَذَا الطَّرِيق فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث أَعنِي عَلَى تَخْرِيج مَالك لَهُ، وَإِلَّا فَالْقَوْل مَا قَالَ ابْن مَنْدَه.
وَقد ترك الشَّيْخَانِ إِخْرَاجه فِي صَحِيحَيْهِمَا.
وَقَالَ فِي الإِمَام: إِذا لم تعرف لحميدة وكبشة رِوَايَة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث فَلَعَلَّ طَرِيق من صَححهُ أَن يكون اعْتمد عَلَى إِخْرَاج مَالك لروايتهما مَعَ شهرته بالتشدد.
وَقَالَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي: بَقِي عَلَى ابْن مَنْدَه أَن يَقُول: وَلم تعرف حَالهمَا من خَارج، فكثير من رُوَاة الْأَحَادِيث مقبولون.
قلت: هَذَا لَا بُد مِنْهُ، وَأَنا أستبعد كل الْبعد توارد الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين عَلَى تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث مَعَ جهالتهم بِحَال حميدة وكبشة، فَإِن الْإِقْدَام عَلَى التَّصْحِيح وَالْحَالة هَذِه لَا يحل بِإِجْمَاع الْمُسلمين، فلعلهم اطلعوا عَلَى حَالهمَا وخفي علينا.
قَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله فِي كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد: وَهَذَا الحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد حسن، وَلَيْسَ فِيهِ سَبَب مُحَقّق لضَعْفه.
قلت: وَقد ظهر أَن جَمِيع مَا علل بِهِ ابْن مَنْدَه وتوبع عَلَيْهِ فِيهِ نظر.
أما قَوْله: إِن حميدة لَا تعرف لَهَا رِوَايَة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث فخطأ، فلهَا ثَلَاثَة أَحَادِيث:
أَحدهَا: هَذَا.
وَثَانِيها: حَدِيث تشميت الْعَاطِس، أخرجه أَبُو دَاوُد مُصَرحًا باسمها، وَالتِّرْمِذِيّ مُشِيرا إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: عَن عمر بن إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة عَن أمه عَن أَبِيهَا، وَحسنه التِّرْمِذِيّ عَلَى مَا نَقله ابْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه.
وَالَّذِي رَأَيْته فِيهِ: حَدِيث غَرِيب، وَإِسْنَاده مَجْهُول.
وَثَالِثهَا: حَدِيث «رهان الْخَيل طلق» رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة من حَدِيث يَحْيَى بن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أمه عَن أَبِيهَا مَرْفُوعا بِهِ.
وَأما قَوْله فِي كَبْشَة فَكَمَا قَالَ: فَلم أر لَهَا حَدِيثا آخر، وَلَا يَضرهَا، فَإِنَّهَا ثِقَة كَمَا سَيَأْتِي.
وَأما قَوْله: إِن مَحلهمَا الْجَهَالَة فخطأ، أما حميدة فقد رَوَى عَنْهَا إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة رَاوِي حَدِيث الْهِرَّة، وَابْنه يَحْيَى فِي حَدِيث تشميت الْعَاطِس من طَرِيق أبي دَاوُد، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَفِي طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَن الرَّاوِي عَنْهَا ابْنهَا عمر بن إِسْحَاق، فَإِن لم يكن غَلطا فَهُوَ ثَالِث، وَهُوَ أَخُو يَحْيَى.
وَذكرهَا ابْن حبَان فِي ثقاته.
فقد زَالَت عَنْهَا الْجَهَالَة العينية والحالية.
وَأما كَبْشَة فَلم يعلم رَوَى عَنْهَا غير حميدة، لَكِن ذكرهَا ابْن حبَان فِي الثِّقَات.
وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان: إِن الرَّاوِي إِذا وثق زَالَت جهالته وَإِن لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد، وإعلامي هَذَا أَنَّهَا صحابية، كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي ثقاته، وَكَذَا نَقله أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ عَن جَعْفَر.
وَأما قَوْله: وَلَا يثبت هَذَا الْخَبَر بِوَجْه من الْوُجُوه فخطأ.
فقد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد فَقَالَ:
حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون، ثَنَا عمر بن الْهَيْثَم بن أَيُّوب الطَّالقَانِي، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن أسيد بن أبي أسيد عَن أَبِيه أَن أَبَا قَتَادَة كَانَ يصغي الإِناء للهرة فَتَشرب مِنْهُ، ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلها، فَقيل لَهُ: أتتوضأ بفضلها؟ فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ قَالَ: «إِنَّهَا لَيست بِنَجس، إِنَّمَا هِيَ من الطوافين عَلَيْكُم» .
فَهَذِهِ مُتَابعَة لكبشة، وَهَذَا سَنَد لَا أعلم بِهِ بَأْسا.
فقد اتَّضَح وَجه تَصْحِيح الْأَئِمَّة لهَذَا الحَدِيث، وَخطأ معلله، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق، فاستفده فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات.