المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ زيارة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم - تسهيل المناسك

[عبد الكريم بن صنيتان العمري]

الفصل: ‌ زيارة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم

خاتمة:‌

‌ زيارة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم

روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" متفق عليه.

بيَّن عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أنه لا يجوز للمسلم أن ينشئ سفراً، ويعزم عليه، ويقصد أيّ مكان على هذه الأرض بقصد العبادة والقربة، إلا لواحد من هذه المساجد، التي ذكرها المصطفى عليه الصلاة والسلام في حديثه، وهي المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة، والمسجد الأقصى.

فزيارة المسجد النبوي سنة، يبتغي بها المسلم الأجر والثواب من الله، وزيادة الحسنات، ورفعة الدرجات، من المتفضل الوهاب، جل في علاه.

وليصلي في مسجد المصطفى عليه الصلاة

ص: 107

والسلام، فينال ثواب المضاعفة، قال صلى الله عليه وسلم:" صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام" متفق عليه.

وليس قصد المدينة لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم بعد الحج، أو في أي وقت من الأوقات، فإن ذلك من البدع المحدثة في الدين، وليس في كلام أهل العلم الذين يعتد بكلامهم، ويستأنس بأقوالهم، سلفاً وخلفاً ما يدل على شرعية الزيارة لا غير، وحَسْب المسلم أن تكون أفعاله وعباداته مستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وأفعال الصحابة رضي الله عنهم، والسلف الصالح، إذ لو كان ذلك من الأفعال المحمودة شرعاً، والمقبولة عند الله تعالى، لكانوا أول الناس امتثالا، وأسرعهم استجابة لذلك.

لكن ليعلم أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لا ارتباط لها بالحج، فليست شرطاً من شروطه، ولا واجباً من واجباته، ولا علاقة لها به، كما يتصور ذلك بعض

ص: 108

العوام، الذين يعتمدون في ذلك على أخبار نسبها الوضاعون إلى سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، ونشروها وروّجوا لها، ولم يثبت شيء منها.

منها: (مَن حج البيت ولم يزرني فقد جفاني)، ومنها:(مَن زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة) ، و (مَنْ زار قبري وجبت له شفاعتي) ، وغير ذلك من الأخبار المكذوبة المختلقة التي لم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم، والتي عدها العلماء المحققون ذوو الاختصاص أنها أحاديث منكرة لا تصح، وقد قال أشرف الورى، وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم:" من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". متفق عليه.

فإذا توقفت زيارة قبره صلى الله عليه وسلم على إنشاء السفر، لم تُجز؛ فإنه عليه الصلاة والسلام لم يدْعُ أمته إلى ذلك، ولم يُرغّب فيه، بل إنه قال:"لا تجعلوا قبري عيداً" رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعْبَد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور

ص: 109

أنبيائهم مساجد" رواه مالك.

فعلى المسلم أن يتحرّى في عباداته لربه، وأن يتوقف عند النصوص الشرعية الثابتة، ويهتدي بما دلت عليه، وأن لا يتجاوزها إلى ما يُخشى منه، إذ قد يكون ذلك سبباً في إيقاعه في الجهالة والضلالة، والخير كل الخير في الإقتداء بنهج المصطفى عليه الصلاة والسلام وما كان عليه سلف الأمة. {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31] .

فزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، تكون تبعاً لزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم، فإذا وصل الزائر لمسجده صلى الله عليه وسلم، استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله، ويدعو بدعاء الدخول، ثم يصلي ركعتين أو ما استطاع، والأولى أن تكون في الروضة الشريفة، فقد قال عليه الصلاة والسلام:"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" متفق عليه.

ص: 110

وبعد الصلاة يستحب له زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، فيأتي إلى مواجهته ويستقبل القبر،! ويستدبر القبلة، ويقف قبالة النافذة الدائرية اليسرى، مبتعداً عنها، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول:

السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، أشهد أنك رسول الله، وانك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبياً عن أمته.

ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً، فيسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويترضّى عنه، ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً- أيضاً- فيسلّم على عمر رضي الله عنه، ويترضّى عنه، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم صيغة معيَّنة في

ص: 111

الصلاة والسلام عليه عند قبره، ويُسن له الإكثار من الصلوات المفروضة والنافلة في المسجد حتى ينال أجر وثواب ذلك.

ولتعلم- أيها المسلم- أن هناك من الناس من يتعمّد الإقامة في المدينة ثمانية أيام حتى يصلى أربعين صلاة، ويعتمد في ذلك على حديث ضعيف روي في هذا، وهو:" من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة، كتبت له براءة من النار، ونجاة من العذاب، وبرئ من النفاق ".

وهذا لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وإنما ورد عنه صلى الله عليه وسلم الحثّ والترغيب على التبكير لحضور جميع الصلوات مع جماعة المسلمين في سائر المساجد، ولم يخص مسجده صلى الله عليه وسلم دون غيره، فقد صحح بعض العلماء أنه صلى الله عليه وسلم قال:" من صلى لله أربعين يوماً في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق" رواه الترمذي.

ص: 112

وليحذر المسلم في زيارته من الوقوع في المخالفات والمحذورات، كالتمسّح بالسياج والحواجز والشبابيك المحيطة بالحجرة النبوية، أو تقبيلها والتزامها، أو الطواف حولها، فإن ذلك من وسائل الشرك، وطريق مفض إلى الوقوع فيه، وكذلك لا يجوز استقبال قبر النبي صلى الله عليه وسلم حال الدعاء، أو رفع اليدين عنده، أو استقباله والتوجه إليه من بُعْدٍ، وتحريك الشفتين بالسلام عليه، ووضع اليدين على الصدر كهيئة الوقوف في الصلاة، فإن ذلك من الأمور المنكرة.

كما لا يجوز رفع الصوت عند القبر، وطول القيام؛ لأن ذلك يُسببُ كثرة الزحام؛ وحصول الأذى، والضرر بالآخرين.

فما أجمل الالتزام بالسنة في كل الأمور، واتباع منهج السلف الصالح، فما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وجب الأخذ به، والتمسك بأصوله وفروعه، وما نهى عنه وجب

ص: 113

اجتنابه، والبعد عنه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 21] .

ص: 114