الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعمال يوم النحر
اليوم العاشر من ذي الحجة يوم عطيم مبارك، هو يوم الحج الأكبر، وفيه يَكْثُر التقرب إلى الله تعالى بإراقة دماء الهدى والأضاحي، ويرمي الحجاج جمرة العقبة، ويحلقون رؤوسهم، ويطوفون طواف الإفاضة لحجهم. والحج الأكبر هو الحج المعروف، الذي يقابل العمرة، ووصف بالأكبر لتمييزه عن العمرة، التي تسمى بالحج الأصغر.
إن هذا اليوم يوم عظيم، فيه خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبته الشهيرة، والتي بين فيها تحريم الدماء والأموال والأعراض، ففي الصحيحين، من حديث أبى بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، فقال:
"الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ
وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ.
ثم قال عليه الصلاة والسلام:"أيها الناس: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالاً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".
وفي هذا اليوم ينهي حجاج بيت الله الحرام معظم أعمال الحج، وذلك أنهم إذا صلوا فجر هذا اليوم بمزدلفة، ووقفوا عند المشعر الحرام، وذكروا الله
تعالى حتى يسفروا جداً، انصرفوا- بعد ذلك- إلى منى قبل طلوع الشمس امتثالاً لقوله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198- 199] .
فإذا وصل الحاج إلى منى رمى جمرة العقبة، ووقت الرمي من طلوع الشمس إلى زوالها يوم النحر. ثم بعد الرمي ينحر أو يذبح هديه، ثم يحلق رأسه، وهو أفضل من التقصير، لأن الله تعالى بدأ به في قوله جل شأنه:{مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] .
ولأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين واحدة، فإذا رمى جمرة العقبة وحلق رأسه أبيح له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء،
ويسمى هذا بالتحلل الأول، ويسن له بعد هذا التحلل أن يتطيب، ويتوجه إلى البيت ليطوف طواف الإفاضة، وهو ركن الحج، ويسمى طواف الزيارة، ولا يتم الحج إلا به، وهو المراد بقوله تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] .
ويسعى لحجه أيضاً إن كان متمتعاً، وهذا السعي لحجه، والسعي الأول لعمرته، وأما القارن أو المفرِد، فإن كان قد سعى بعد طواف القدوم أول دخوله مكة كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الإفاضة.
ثم اعلم أيها الحاج الكريم: أن الأفضل في أعمال الحج يوم النحر أن ترتبها كما يلي: ترمى جمرة العقبة أولا، ثم تذبح أو تنحر هديك، ثم تحلق أو تقصر رأسك، ثم تطوف طواف الإفاضة بالبيت.
وهذا هو السنة، فإن قَدَّم الحاج بعض هذه الأعمال على بعض، أجزأه ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل
في هذا اليوم عن شيء قدم ولا أُخِّرَ إلا قال: " افعل ولا حرج" متفق عليه.
وذلك تيسير وتسهيل منه عليه الصلاة والسلام على أمته.
وفي الحج تحللان: التحلل الأول، والتحلل الثاني، فإذا رمى الحاج جمرة العقبة يوم العيد، وحلق رأسه أو قصره حل التحلل الأول، وحل له كل شيء كان محرماً عليه بالإحرام إلا الجماع فإنه لا يحل له بذلك، ويبقى محرماً عليه حتى يطوف طواف الإفاضة، ويسعى بين الصفا والمروة، فإذا فعل ذلك حل التحلل الثاني، وأبيح له كل شيء حتى النساء.
فإذا طاف الحاج وسعى، عاد بعد ذلك إلى منى، ليبيت بها ثلاثة أيام بلياليها، يرمي فيها الجمار الثلاث، فالمبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر من واجبات الحج، وكذا ليلة الثالث عشر للمتأخر، وهو أفضل من التعجل وأعظم أجراً؛ فإن الله تعالى قال: {وَاذْكُرُوا
اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى..} [البقرة: 203]
ولأن ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يتعجل، وبقى ومنى، ورمى اليوم الثالث عشر، ولا يفعل إلا ما هو الأفضل.
ومن لم يذبح هديه في اليوم الأول ذبحه في أي يوم من أيام التشريق، فكلها محل للذبح، لقوله عليه الصلاة والسلام:"وفي كل أيام التشريق ذبح "، وإذا لم يجد المتمتع ولا القارن هدياً، وجب عليه صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا عاد إلى بلده، وذلك لقوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] .
وهو مخيّر في صيام الأيام الثلاثة، إن شاء صامها قبل يوم العيد، وإن شاء صامها أيام التشريق الثلاثة،
وهذه الأيام الثلاثة يحرم صيامها إلا لمن كان هذا حاله، لما ورد عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قالا:"لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْنُ إلا لمن لم يجد الهدي " رواه البخاري.
ثم إذا عاد إلى أهله صام الأيام السبعة الباقية، وهو بالخيار إن شاء صامها متتابعة، وإن شاء فرّقها.