المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: كلام الله تعالى - تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد للعثيمين

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌فصل: كلام الله تعالى

‌فصل: كلام الله تعالى

[21]

ومن صفات الله تعالى، أنه متكلم بكلام قديم، يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله.

[22]

وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164] .

وقال سبحانه:

{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: 144] .

وقال سبحانه:

{مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه} [البقرة: 253] .

وقال سبحانه:

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] .

وقال سبحانه:

{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى ، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12] .

وقال سبحانه:

{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] .

وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله.

ص: 70

[23]

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إذا تكلم الله بالوحي، سمع صوته أهل السماء" روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[24]

وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة حفاة غرلا بهما، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان". رواه الأئمة واستشهد به البخاري.

[25]

وفي بعض الآثار: أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته ففزع منها، فناداه ربه: يا موسى، فأجاب سريعًا استئناسًا بالصوت، فقال: لبيك لبيك، أسمع صوتك ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك. فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى. قال: كذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع، أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى.

.... الشرح....

الصفة الخامسة عشرة: الكلام:

الكلام صفة من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف.

قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] .

{مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه} [البقرة: 253] .

ص: 71

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي" أخرجه ابن خزيمة وابن جرير وابن أبي حاتم35.

وأجمع السلف على ثبوت الكلام لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وهو كلام حقيقي يليق بالله يتعلق بمشيئته بحروف وأصوات مسموعة.

والدليل على أنه بمشيئته قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] .

فالتكليم حصل بعد مجيء موسى فدل على أنه متعلق بمشيئته تعالى.

المخالفون لأهل السنة في كلام الله تعالى36:

خالف أهل السنة في كلام الله طوائف نذكر منهم طائفتين:

الطائفة الأولى: الجهمية، قالوا ليس الكلام من صفات الله وإنما هو خلق من مخلوقات الله يخلقه الله في الهواء أو في المحل الذي يسمع منه وإضافته إلى الله إضافة خلق أو تشريف مثل: ناقة الله وبيت الله. ونرد عليهم بما يلي:

1-

إنه خلاف إجماع السلف.

2-

خلاف المعقول؛ لأن الكلام صفة للمتكلم وليس شيئا قائما بنفسه منفصلا عن المتكلم.

35 سيأتي تخريجه ص "76".

36 راجع: فصل: كشف تلبيس الجهمية المعتزلة في كلام الله تعالى، وفصل: كشف تلبيس الأشعرية في إثبات صفة الكلام لله تعالى.

من كتاب العقيدة السلفية في كلام رب البرية وكشف أباطيل المبتدعة الردية لأخينا الفاضل عبد الله بن يوسف الجديع -كرمه الله- فقد أجاد فيه وأفاد.

ص: 72

3-

إن موسى سمع الله يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] .

ومحال أن يقول ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى.

الطائفة الثانية: الأشعرية قالوا: كلام الله معنى قائم بنفسه لا يتعلق بمشيئته وهذه الحروف والأصوات المسموعة مخلوقة للتعبير عن المعنى القائم بنفس الله ونرد عليهم بما يلي:

1-

إنه خلاف إجماع السلف.

2-

خلاف الأدلة؛ لأنها تدل على أن كلام الله يسمع ولا يسمع إلا الصوت لا يسمع المعنى القائم بالنفس.

3-

خلاف المعهود؛ لأن الكلام المعهود هو ما ينطق به المتكلم لا ما يضمره في نفسه.

والدليل على أنه حروف قوله تعالى: {يَا مُوسَى ، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12] .

فإن هذه الكلمات حروف وهي كلام الله.

والدليل على أنه بصوت قوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] .

والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت. وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يحشر الله الخلائق فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان". علقه البخاري بصيغة التمريض، قال في الفتح

ص: 73

وأخرجه المصنف في الأدب المفرد وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما وذكر له طريقين آخرين37.

وكلام الله تعالى قديم النوع حادث الآحاد، ومعنى قديم النوع: أن الله لم يزل ولا يزال متكلما ليس الكلام حادثًا منه بعد أن لم يكن، ومعنى حادث الآحاد: أن آحاد كلامه أي: الكلام المعين المخصوص حادث؛ لأنه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم بما شاء كيف شاء.

تعليق على كلام المؤلف في فصل الكلام:

قوله: متكلم بكلام قديم يعني: قديم النوع حادث الآحاد لا يصلح إلا هذا المعنى على مذهب أهل السنة والجماعة، وإن كان ظاهر كلامه أنه قديم النوع والآحاد.

قوله: سمعه موسى من غير واسطة؛ لقوله تعالى:

{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13] .

قوله: وسمعه جبريل، لقوله تعالى:

{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل: 102] .

37 حديث حسن: علقه البخاري في صحيحه في موضعين أحدهما بصيغة الجزم "173/1" وبصيغة التمريض "453/13".

ووصله في كتابه الأدب المفرد "970" وكتابه خلق أفعال العباد "ص 131".

وكذا الإمام أحمد في مسنده "495/3" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "78، 79" وابن أبي عاصم في السنة ص "514" والحاكم في المستدرك "437/2-574/4، 575" وصححه ووافقه الذهبي، وقواه الحافظ في الفتح "174/1" وذكر له أكثر من طريق، وقال عن أحدها: إنه صالح، وراجع التعليق له "353/5". وقال الألباني في تخريج السنة "514":"حديث صحيح".

وأورده ابن قدامة في كتاب البرهان في بيان القرآن ص "86".

ص: 74

قوله: ومن أذن له من ملائكته ورسله، أما الملائكة: فلقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكنَّ ربنا إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش، ثم يسبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُم} [سبأ: 23] فيخبرونهم". الحديث رواه مسلم38، وأما الرسل: فقد ثبت أن الله كلم محمدًا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج39.

قوله: وإنه سبحانه يكلم المؤمنين ويكلمونه، لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يقول الله لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك". الحديث متفق عليه40.

قوله: ويأذن لهم فيزورونه، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة إذا دخلوا فيها نزلوا بفضل أعمالهم ثم يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم

" الحديث رواه ابن ماجه والترمذي وقال: غريب، وضعفه الألباني41.

38 مسلم: كتاب السلام: باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان "2229""124" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

39 كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن مالك بن صعصعة: البخاري "3207"، "3887"، ومسلم "164""264".

40 البخاري: كتاب الرقاق: باب قوله عز وجل: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]"6530".

ومسلم: كتاب الإيمان: باب قوله: يقول الله لآدم: أخرج بعث النار

"222""379". من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

41 حديث ضعيف: جزء من حديث طويل رواه الترمذي "2552" وابن ماجه "4336" وفي إسناده عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين كاتب الأوزاعي، قال في التقريب ص "333": صدوق ربما أخطأ، قال أبو حاتم: كان كاتب ديوان ولم يكن صاحب حديث، ولذا ضعفه الترمذي بقوله: هذا حديث غريب يعني ضعيف.

ص: 75

وقوله: وقال ابن مسعود إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء، وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أثر ابن مسعود، ولم أجده بهذا اللفظ، وذكر ابن خزيمة طرقه في كتاب التوحيد بألفاظ منها: سمع أهل السموات للسموات صلصلة، وأما المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو من حديث النواس بن سمعان مرفوعا "إذا أراد الله أن يوحى بأمره تكلم بالوحي فإذا تكلم أخذت السموات منه رجفة أو قال: رعدة شديدة من خوف الله فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا

" الحديث. رواه ابن خزيمة وابن أبي حاتم42.

42 حديث صحيح: قد ورد عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا:

- أما الموقوف: فعلقه البخاري في صحيحه "453/13 - فتح" وقد وصله ابن خزيمة في التوحيد ص "146، 147" وابن جرير "90/22" وعبد الله بن أحمد في السنة "537" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "201" وغيرهم من طريق أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله به موقوفًا بلفظ: "إن الله إذا تكلم بالوحي، سمع أهل السموات للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون

" وسنده صحيح وفي لفظ آخر عند عبد الله بن أحمد في السنة "536": "إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع صوته أهل السماء" الحديث. وعزاه ابن قدامة في البرهان في بيان القرآن ص "84، 85" لعبد الله بن أحمد في الرد على الجهمية قال: قلت يا أبت إن الجهمية يزعمون أن الله لا يتكلم بصوت فقال كذبوا إنما يدورون على التعطيل ثم قال: حدثني عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال فذكره وإسناده جيد. وقد عزاه شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل "38/2" للخلال عن يعقوب بن بختان عن أحمد.

- وأما المرفوع: فأخرجه أبو داود "4738" وابن خزيمة في التوحيد "95، 96" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "200" عن أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة".

وقال الألباني في الصحيحة "1293": وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ثم قال: والموقوف وإن كان أصح من المرفوع -ولذلك علقه البخاري في صحيحه- فإنه لا يعل المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر، ثم ذكر له شاهدًا من حديث أبي هريرة عند البخاري "4701""4800".

ص: 76