المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل القرآن كلام الله - تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد للعثيمين

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌فصل القرآن كلام الله

‌فصل القرآن كلام الله

[26]

ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم وهو كتاب الله المبين وحبله المتين، وصراطه المستقيم وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

[27]

وهو سور محكمات، وآيات بينات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه، فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلوُّ بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] . وقوله تعالى: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88] .

= قلت: وأيضًا من حديث ابن عباس عند مسلم "2229"، وأحمد "218/1" والترمذي "3277" وأيضًا: حديث النواس بن سمعان الذي أشار إليه الشيخ العثيمين وهو عند البيهقي في الأسماء والصفات ص "263، 264" والطبراني كما في المجمع "94/7، 95" وقال الهيثمي: "رواه الطبراني عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح وقد وثق وتكلم فيه من لم يسم بغير قادح معين وبقية رجاله ثقات أ. هـ.

ص: 77

الشرح....

القول في القرآن:

القرآن الكريم من كلام الله تعالى منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود فهو كلام الله حروفه ومعانيه. دليل أنه من كلام الله قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] . يعني القرآن.

ودليل أنه مُنَزَّلٌ قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] .

ودليل أنه غير مخلوق قوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54] .

فجعل الأمر غير الخلق والقرآن من الأمر لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52] .

{ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} [الطلاق: 5] .

ولأن كلام الله صفة من صفاته وصفاته غير مخلوقة.

ودليل أنه منه بدأ، أن الله أضافه إليه ولا يضاف الكلام إلا إلى من قاله مبتدئًا.

ص: 78

ودليل أنه إليه يعود أنه ورد في بعض الآثار "أنه يرفع من المصاحف والصدور في آخر الزمان43.

[28]

وهذا هو الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ: 31] .

وقال بعضهم:

{إِنْ هَذَا إِلَاّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] .

فقال الله سبحانه:

{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26] .

وقال بعضهم: هو شعر، فقال الله تعالى:

{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69] .

فلما نفى الله عنه أنه شعر وأثبته قرآنا لم يبق شبهة لذى لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات وحروف وآيات؛ لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر.

43 وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كما في حديث حذيفة مرفوعًا: "

وليسري على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية...." الحديث. رواه ابن ماجه "4049" والحاكم "473/4" وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال الألباني في الصحيحة "87": وهو كما قالا.

وكذا صح موقوفا من حديث أبي هريرة وابن مسعود وراجع لذلك: العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص "173، 174".

ص: 79

[33]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فأعربه، فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة". حديث صحيح44.

[34]

وقال عليه الصلاة والسلام: "اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه"45.

44 حديث ضعيف جدًا: أخرجه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد "163/7" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعربوا القرآن، فإن من قرأ القرآن فأعربه، فله عشر حسنات، وكفارة عشر سيئات، ورفع عشر درجات" وقال الهيثمي وفيه نهشل وهو متروك. ونهشل هو ابن سعيد بن وردان الورداني متروك، وقد كذبه إسحاق بن راهويه.

وكذا أورد الحديث ابن قدامة في البرهان ص "38، 39" ثم قال: حديث صحيح!!

والحق أنه حديث ضعيف جدًا. وقد ورد في فضل قراءة القرآن عن ابن مسعود حديث آخر قريب من هذا بلفظ: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولا أقوال الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" أخرجه الترمذي "290" مرفوعًا وصوب الأخ الكريم عبد الله بن يوسف وقفه على ابن مسعود في بحث فريد في تذيله على كتاب الرد على من يقول "الم" حرف لابن منده فجزاه الله خيرًا.

45 حديث صحيح: أخرجه أحمد "338/5" وأبو داود "831" وابن حبان "1876 - موارد" وفي إسناده ضعف، ففيه وفاء بن شريح الصدفي مقبول -كما في التقريب- يعني حيث يتابع وإلا فلين الحديث.

إلا أن الحديث له شواهد يتقوى بها: منها حديث جابر بن عبد الله عند أحمد "397/3" وأبو داود "830" وإسناده صحيح كمال قال الألباني في الصحيحة "259".

والحديث أورده ابن قدامة في البرهان ص "35، 36" من حديث سهل بن سعد.

*الترقوه: الحلقوم.

ص: 81

[35]

وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه"46.

[36]

وقال علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله47.

[37]

واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه.

[38]

ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفًا متفقا عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف.

.... الشرح....

46 أثر ضعيف جدًا: أخرجه ابن الأنباري في الوقف والابتداء "20/1" بلفظ: لبعض إعراب القرآن أعجب إلينا من حفظ بعض حروفه، وإسناده ضعيف جدا فيه ضعف وانقطاع، فيه جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف وكذا شريك القاضي صدوق يخطئ كثيرا وتغير حفظه، وانقطاع بين أبي بكر وعمر وبين الراوي عنهما. عن تعليق بدر البدر على اللمعة ص "19".

وأورده ابن قدامة في البرهان ص "44".

47 أخرجه ابن أبي شيبة "513/10، 514" وابن جرير في تفسيره "56" من طريق شعيب بن الحبحاب قال: كان أبو العالية إذا قرأ عنده رجل لم يقل: ليس كما يقرأ، وإنما يقول: أما أنا فأقرأ كذا وكذا، قال فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: أرى صاحبك قد سمع: "أن من كفر بحرف منه، فقد كفر به كله" وإسناده صحيح.

وقد أورده ابن قدامة في البرهان ص "45" وأورد أثرا آخر عن علي أنه سئل عن الجنب، هل يقرأ القرآن؟ قال:"ولا حرفًا".

قلت: هو عند ابن أبي شيبة في مصنفه "102/1".

ص: 82

القرآن حروف وكلمات:

القرآن حروف وكلمات وقد ذكر المؤلف رحمه الله لذلك أدلة ثمانية:

1-

أن الكفار قالوا:إنه شعر ولا يمكن أن يوصف بذلك إلا ما هو حروف وكلمات48.

2-

أن الله تحدى المكذبين به أن يأتوا بمثله ولو لم يكن حروفاً وكلمات لكان التحدي غير مقبول إذ لا يمكن التحدي إلا بشيء معلوم يدرى ما هو.

3-

أن الله أخبر بأن القرآن يتلى عليهم {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس: 15] .

ولا يتلى إلا ما هو حروف وكلمات.

4-

أن الله أخبر بأنه محفوظ في صدور أهل العلم ومكتوب في اللوح المحفوظ {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] .

{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ، لا يَمَسُّهُ إِلَاّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 77-79] .

48 قال ابن قدامة في البرهان ص "27": (ومن المعلوم أنما عنوا هذا النظم؛ لأن الشعر كلام موزون، فلا يسمى به معنى، ولا ماليس بكلام، فسماه الله تبارك وتعالى ذكراً وقرآنًا مبينًا". أ. هـ.

وراجع الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على أن القرآن حروف وكلمات في البرهان في بيان القرآن لابن قدامة ص "26: 83".

ص: 83

ولا يحفظ ويكتب إلا ما هو حروف وكلمات.

5-

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة"، صححه المؤلف ولم يعزه ولم أجد من خرجه49.

6-

قول أبي بكر وعمر: "إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.

7-

قول علي رضي الله عنه: "من كفر بحرف منه فقد كفر به كله".

8-

إجماع المسلمين -كما نقله المؤلف- على أن من جحد منه سورة أو آية أو كلمة أو حرفًا متفقًا عليه فهو كافر50.

وعدد سور القرآن "114" منها "29" افتتحت بالحروف المقطعة.

أوصاف القرآن:

وصف الله القرآن الكريم بأوصاف عظيمة كثيرة ذكر المؤلف منها ما يلي:

1-

أنه كتاب الله المبين أي: المفصح عما تضمنه من أحكام وأخبار.

2-

أنه حبل الله المتين أي: العهد القوي الذي جعله الله سبباً للوصول إليه والفوز بكرامته.

3-

أنه سور محكمات أي: مفصل السور كل سورة منفردة عن الأخرى والمحكمات المتقنات المحفوظات من الخلل والتناقض.

4-

أنه آيات بينات أي: علامات ظاهرات على توحيد الله وكمال صفاته وحسن تشريعاته.

49 وقد تقدم أنه غير صحيح وأنه حديث ضعيف جدا عزاه الهيثمي في المجمع للطبراني في الأوسط وفيه نهشل بن سعيد متروك.

50 راجع: البرهان لابن قدامة ص "49- 51" ونقل ابن قدامة الإجماع على ذلك وفي أمور كثيرة تتعلق بذلك.

ص: 84

5-

أن فيه محكمًا ومتشابهًا، فالمحكم ما كان معناه واضحاً والمتشابه ما كان معناه خفيًا ولا يعارض هذا ما سبق برقم "3" لأن الإحكام هناك بمعنى الإتقان والحفظ من الخلل والتناقض، وهنا بمعنى وضوح المعنى، وإذا رددنا المتشابه هنا إلى المحكم صار الجميع محكمًا.

6-

أنه حق لا يمكن أن يأتيه الباطل من أي جهة: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] .

7-

أنه بريء مما وصفه به المكذبون به من قولهم إنه شعر:

{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69] .

وقول بعضهم:

{إِنْ هَذَا إِلَاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر: 24] .

{إِنْ هَذَا إِلَاّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] .

فقال الله متوعدا هذا القائل:

{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26] .

8-

أنه معجز لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله وإن عاونه غيره:

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88] .

ص: 85