المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلمة الحق في التفسير النظري الفلسفي: - تفسير ابن عربي للقرآن حقيقته وخطره

[محمد حسين الذهبي]

الفصل: ‌كلمة الحق في التفسير النظري الفلسفي:

إلا بي، فإن عرفك عرفني، وأنا لا أعرف فأنت لا تعرف، فإذا دخلت جنته دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غزير المعرفة التي عرضا حين عرفت ربك بمعرفتك إياها، فتكون صاحب معرفتين معرفة به من حيث أنت، ومعرفة به بك من حيث هو لا من حيث أنت، فأنت عبد رأيت ربا، وأنت رب لمن فيه أنت عبد، وأنت رب وأنت عبد لمن له في الخطاب عهد"1.

1 الفصوص ج1 ص 191-193.

ص: 10

‌كلمة الحق في التفسير النظري الفلسفي:

بعد هذه الأمثلة التي سقناها، نستطيع أن نقرر في صراحة واطمئنان. أن التفسير الصوفي النظري تفسير يخرج بالقرآن عن هدفه الذي يرمى إليه: يقصد القرآن هدفا معينا بنصوصه وآياته، ويقصد الصوفي هدفا آخر معينا بأبحاثه ونظرياته، وقد يكون بين الهدفين تنافر وتضاد، فيأبى الصوفي إلا أن يحول القرآن عن هدفه ومقصده إلى ما يقصده هو ويرمى إليه، وغرضه بهذا كله: أن يروج لتصوفه على حساب القرآن الكريم، وأن يقيم أبحاثه ونظرياته على أساس من كتاب الله، وبهذا الصنيع يكون الصوفي قد خدم فلسفته الصوفية ولم يعمل للقرآن شيئا، اللهم إلا هذا التأويل الذي كله شر على الدين، وإلحاد نص آيات الله!!.

رأينا ابن عربي يميل ببعض الآيات إلى مذهبه القائل بوحدة الوجود، ووحدة الوجود- عنده وعند من يقول بها- معناها: أنه ليس هناك إلا وجود واحد، كل العالم مظاهر ومجال له، فالله- سبحانه- هو الموجود الحق، وكل ما عداه ظواهر وأوهام، ولا توصف بالوجود إلا بضرب من التوسع والمجاز. وهذه النظرية سرت إلى بعض المتصوفة عن

ص: 10

طريق الفلاسفة، وعن طريق الإسماعيلية الباطنية الذين خالطوهم وأخذوا عنهم مذهبهم القائل بحلول الإله في أئمتهم، وصوروه- أعني الصوفية، بصورة أخرى تتفق مع مذهب الباطنية في الحقيقة، وإن اختلفت في الاصطلاح والألفاظ...."1.

هذا المذهب الذي، خول لمثل الحلاج أن يقول: أنا الله ولمثل ابن عربي أن يقول: إن عجل بنى إسرائيل أحد المظاهر التي اتخذها الله وحل فيها، والذي جرّه فيما بعد إلى القول بوحدة الأديان لا فرق بين سماوي وغير سماوي، إذ الكل يعبدون الإله الواحد المتجلي في صورهم وصور جميع المعبودات.. هذا المذهب الذي يذهب بالدين من أساسه، هل يكون سائغا ومقبولا أن نجعله أصلا نبنى عليه أفهامنا لآيات القرآن الكريم؟.

وهل يليق بهذا الصوفي الذي وضعه مريدوه في القمة أن يتأثر بمذهبه في وحدة الوجود فيقول في شرحه لقوله تعالى في الآية (23) من سورة الإسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} ما نصه:".. فعلماء الرسوم يحملون لفظ قضى على الأمر ونحن نحمله على الحكم كشفا، وهو الصحيح، فإنهم اعترفوا أنهم ما يعبدون هذه الأشياء إلا لتقربهم إلى الله زلفى، فأنزلهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم وما ثم صورة إلا الألوهية فنسبوها إليهم، ولهذا يقضي الحق حوائجهم إذا توسلوا بها إليه غيرة منه على المقام أن يهتضم وإن أخطئوا في النسبة فما أخطئوا في المقام، ولهذا قال: "إن هي إلا أسماء

1 وحدة الوجود ليست هي نظرية الحلول، غاية الأمر أن أصحاب القول بوحدة الوجود ينقسمون إلى فريقين: فريق يقول بالحلول، وفريق لا يقول به- انظر الفلسفة الإسلامية للدكتور محمد البهي ص 47.

ص: 11

سميتموها" أي أنتم قلتم عنها آلهة.. وإلا فسموهم فلو سموهم لقالوا: هذا حجر، أو شجر، أو ما كان فتتميز عندهم بالاسمية، إذ ما كل حجر عبد ولا اتخذ إلها ولا كل شجر ولا كل جسم منير، ولا كل حيوان، فلله الحجة البالغة عليهم بقوله: "قل سموهم"1.

وأصرح من هذا أنه لما عرض لقوله تعالى في الآية (163) من سورة البقرة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد} قال ما نصه.

".. إن الله تعالى خاطب في هذه الآية المسلمين والذين عبدوا غير الله قربة إلى الله فما عبدوا إلا الله، فلما قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فأكدوا ذكر العلة، فقال الله لنا: إن إلهكم والإله الذي يطلب المشرك القربة إليه بعبادة هذا الذي أشرك به واحد، كأنكم ما اختلفتم في أحديته.. فقال: وإلهكم، فجمعنا وإياهم إله واحد، فما أشركوا إلا بسببه فيما أعطاهم نظرهم، ومن قصد عن أجل أمر فذلك الأمر على الحقيقة هو المقصود لا من ظهر أنه قصد، كما يقال: من صحبك لأمر، أو حبك لأمر ولى بانقضائه، ولهذا ذكر الله: أنهم يتبرءون منهم يوم القيامة وما أخذوا إلا من كونهم فعلوا ذلك من نفوسهم، لا أنهم جهلوا قدر الله في ذلك، ألا ترى الحق لما علم هذا منهم كيف قال: وإلهكم إله واحد؟ ونبههم فقال: "قل سموهم" فيذكرونهم بأسمائهم المخالفة أسماء الله، ثم وصفهم بأنهم في شركهم قد ضلوا ضلالا بعيدا أو مبينا، لأنهم أوقعوا أنفسهم في الحيرة، لكونهم عبدوا ما نحتوا بأيدهم وعلموا أنه لا يسمع ولا يبصرو لا يغنى عنهم من الله شيئا".

ويستطرد ابن عربي في الحديث إلى أن يقول: "فإذا علمت هذا وتقرر لديك، علمت أن الله إله واحد في كل شرع عينا، وكثير صورة

1 الفتوحات المكية ج3 ص 117.

ص: 12