المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رأينا في مقالة ابن عربي: - تفسير ابن عربي للقرآن حقيقته وخطره

[محمد حسين الذهبي]

الفصل: ‌رأينا في مقالة ابن عربي:

‌رأينا في مقالة ابن عربي:

ولسنا ننكر على ابن عربي دعواه أن ثم أفهاما يلقيها الله في قلوب أصفيائه وأحبابه، نحصهم بها دون غيرهم على تفاوت بينهم في ذلك بمقدار ما بينهم من تفاوت في درجات السلوك ومراتب الوصول، كما لا ننكر عليه أن تكون هذه الأفهام مرادة لله من كلامه، ولكن بشرط أن تكون داخلة تحت مدلول النص القرآني وأن يكون لها شاهد شرعي يؤيدها كما قلنا، أما أن تكون هذه الأفهام خارجة عن مدلول اللفظ القرآني وليس لها من الشرع ما يؤيدها، فذلك ما لا يمكن أن نقبله على أنه تفسير للآية وبيان لمراد الله منها لأن القرآن عربي قبل كل شيء، والله- سبحانه- يقول في شأنه:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} 1 وحاشا لله أن يلغز في آياته، أو يعمي على عباده طريق النظر في كتابه وهو يقول:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} 2.

يقولون: إنهم يدركون بعض المعاني بعين اليقين، إذا فلابد لمن يريد أن يحكم على القوم حكما صحيحا أن يجتهد في الوصول إلى ما وصلوا إليه بالعيان دون أن يطلبه عن طريق البيان، فإنه طور وراء طور العقل، والشاعر يقول:

علم التصوف علم ليس يعرف

إلا أخو فطنة بالحق معروف

وليس يعرفه من ليس يشهد

وكيف يشهد ضوء الشمس مكفوف3

1الآية (3) من سورة فصلت.

2 الآية (17) من سورة القمر وفي مواضع أخرى من السورة

3 نفسها. "3" كشف الظنون ج1ص 222.

ص: 24

ويقول ابن خلدون "وليس البرهان والدليل بنافع في هذه الطريق ردا وقبولا، إذ هي من قبيل الوجدانيات"1.

ويقول الآلوسي في مقدمة تفسيره: "فالإنصاف كل الإنصاف التسليم للسادة الصوفية الذين هم مراكز الدائرة المحمدية ما هم عليه، واتهام ذهنك السقيم فيما لم يصل- لكثرة العوائق والعلائق- إليه.

وإذا لم تر الهلال فسلم

لأناس رأوه بالأبصار" 2

ويقول الآلوسي أيضا بعد أن نقل عن ابن عربي ما قاله في تفسير الفاتحة في فتوحاته: "فإذا وقع الجدار، وانهدم السور، وامتزجت الأنهار، والتقى البحران، وعدم البرزخ صار العذاب نعيما، وجهنم جنة، ولا عذاب ولا عقاب إلا نعيم وأمان بمشاهدة العيان

الخ ".. يقول الآلوسي بعد نقله لهذا الكلام الغريب: "وهذا وأمثاله محمول على معنى صحيح يعرفه أهل الذوق، ولا ينافي ما وردت به القواطع.. " ثم قال:"وإياك أن تقول بظاهره مع ما أنت عليه، وكلما وجدت مثل هذا لأحد من أهل الله تعالى فسلمه لهم بالمعنى الذي أراده مما لا تعلمه أنت ولا أنا لا بالمعنى الذي ينقدح في عقلك المشوب بالأوهام، فالأمر- والله- وراء ذلك"3.

ومثل هذه الأقوال أشبه ما تكون بالإكراه لنا على قبول وجدانيات القوم وشطحاتهم مهما أوغلت في البعد والغرابة، وتوريط لنا بتسليم كل ما يقولون تحت تأثير مالهم في مجال التصوف والمتصوفة من شهرة علمية، ومكانة دينية، ومهما يكن من شيء فأنا عند رأي وهو: أن هذه التفاسير الإشارية، مزلة قدم لمن لم يعرف مقاصد القوم، وليتهم احتفظوا بها

1 مقدمة ابن خلدون ص 525.

2 تفسير الآلوسي ج1 ص 8.

3 تفسير الآلوسي ج1 ص 142،143

ص: 25