الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدّمة في علم أصول التّفسير
مفهوم القرآن الكريم:
القرآن في الأصل مصدر قرأ؛ يقرأ؛ وقرآنا؛ وقرأ: جمع، وقراءة: ضمّ الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في التّرتيل؛ وليس يقال ذلك لكلّ جمع، فلا يقال قرأت القوم إذا جمعتهم، ولقد خصّ القرآن بالكتاب المنزّل على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم فصار كالعلم بالنسبة له. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به.
والقرآن الكريم: هو الكتاب المنزّل على سيّدنا محمّد النبيّ الرّسول صلى الله عليه وسلم وحيا من الله عز وجل، بلسان عربيّ مبين، والّذي نقله إلينا بين دفّتي المصحف خلف عن سلف عدول ثقات يمنع جمعهم وكثرتهم وحالهم تواطأهم على كذب أو اختلاف، فقد نقل نقلا متواترا بالتلاوة والكتابة، بالشّفاه والأقلام، محفوظا بالسّطور والصّدور، بالسّماع والرّسم المخطوط الموقوف؛ فأخذته الآذان سماعا ورواية، وتلقّته الأذهان وعيا وحفظا ونطقت به الألسن تلاوة وإسماعا.
نزل القرآن على النبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم مفرّقا في مدة ثلاث وعشرين سنة. وكان نزوله على أنحاء شتّى، تارة بتتابع، وتارة بتراخي. وإنما نزل منجّما ولم ينزل دفعة واحدة لحكمة ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم:{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ}
(1)
أي كذلك انزل مفرّقا لنقوّي بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه. وقال تعالى {وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً}
(2)
أي قرآنا جعلنا نزوله مفرّقا منجّما على مكث، أي على مهل
(1)
الفرقان 32/.
(2)
الإسراء 106/.
وتؤدّة وتثبّت، نزلناه تنزيلا حسب الحوادث. فمن أجل تثبيت فؤاد الرسول، ومن أجل قراءته على الناس على مكث وتؤدّة، ومن أجل أن ينزل حسب الحوادث وجوابات السائلين نزل منجّما مفرّقا في ثلاث وعشرين سنة.
وكان القرآن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر بحفظه في الصّدور، وكتابته في الرّقاع، من جلد أو ورق أو كاغد، وفي الأكتاف والعسب واللّخاف، أي على العظم العريض وعسب النّخل والحجارة الرقيقة، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه؛ لمّا أمّره أبو بكر الصديق رضي الله عنه في جمع المصحف، قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللّخاف وصدور الرجال
(1)
.
وكان إذا نزلت الآيات أمر بوضعها موضعها من السّورة فيقول ألحقوا هذه الآية في سورة كذا بعد آية كذا، فيضعونها موضعها من السورة. قال ابن حجر العسقلاني: وأوضح من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن الثلاثة وصححه الحاكم وغيره حديث ابن عباس عن عثمان رضي الله عنهم جميعا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الآيات فيقول: [ضعوها في السّورة الّتي يذكر فيها كذا]
(2)
وهكذا حتى نزل القرآن كله والتحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى بعد أن كمل نزول القرآن. ولذلك كان ترتيب آيات كلّ سورة على ما هي عليه الآن في المصحف توقيفا من النبيّ صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله تعالى فهو ترتيب توقيفي من الله تعالى.
وعلى ذلك وكما قرأ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلته الأمة ولا خلاف في ذلك مطلقا. وهذا الترتيب للآيات في سورها على الشكل الذي نراه الآن، هو نفسه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نفسه الذي كان مكتوبا بالرّقاع والأكتاف والعسب واللّخاف ومحفوظا في الصّدور. وعليه فإن ترتيب الآيات في سورها قطعيّ أنه توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن الله سبحانه تعالى.
(1)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب فضائل القرآن: باب جمع القرآن: الحديث (4986) وكتاب التفسير: باب لقد جاءكم رسول: الحديث (4679).والترمذي في الجامع الصحيح: أبواب تفسير القرآن: الحديث (3103).والامام أحمد في المسند: ج 1 ص 10 وج 5 ص 188.
(2)
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ج 9 ص 10:شرح الحديث (4983).
وأما ترتيب السّور بالنسبة لبعضها فإنه كان باجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم، فقد جاء من حديث ابن عبّاس قالوا [قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرّحمن الرّحيم ووضعتموها في السّبع الطّوال؟ فقال عثمان رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما تنزل عليه السّورة ذات العدد، فإذا نزل عليه شيء -يعني منها-دعا بعض من كان يكتب فيقول [ضعوا هؤلاء الآيات في السّورة الّتي يذكر فيها كذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن وكانت قصّتها شبيهة بها فظننت أنّها منها. فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبيّن لنا أنّها منها]
(1)
.وعن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال [كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السّورة حتّى ينزل عليه بسم الله الرّحمن الرّحيم]
(2)
وعن ابن عباس قال: [كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السّورة حتّى تنزل بسم الله الرّحمن الرّحيم، فإذا نزلت بسم الله الرّحمن الرّحيم، علموا أنّ السّورة قد انقضت]
(3)
.
(1)
أخرجه الإمام أحمد في المسند: ج 1 ص 57 و 69؛ عن يزيد الفارسي عن ابن عباس قال: قلت لعثمان
…
الحديث. وأبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب من جهر بها: الحديث (786).والترمذي في الجامع الصحيح: كتاب تفسير القرآن: باب ومن سورة التوبة: الحديث (3086)؛وقال: هذا حديث حسن صحيح؛ لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسي عن ابن عباس؛ ويزيد الفارسي قد روى عن ابن عباس غير حديث، ويقال هو يزيد بن هرمز؛ ويزيد الرّقاشي هو يزيد بن أبان الرّقاشيّ ولم يدرك ابن عباس، وإنما روى عن أنس بن مالك، وكلاهما من أهل البصرة، ويزيد الفارسي أقدم من يزيد الرّقاشيّ. انتهى. والنسائي في السنن الكبرى: كتاب فضائل القرآن: باب [السورة التي يذكر فيها كذا وكذا]:الحديث (1/ 8007).والحاكم في المستدرك على الصحيحين: كتاب التفسير: ج 2 ص 221 وتفسير سورة التوبة: ج 2 ص 330؛وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ وعقب الذهبي وقال: إنه صحيح. وابن حبان في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: كتاب الوحي: باب ذكر ما كان يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتبة القرآن: الحديث (43):ج 1 ص 125.
(2)
رواه أبو داود في السنن: كتاب الصلاة: باب من جهر بها: الحديث (788).والطبراني في المعجم الكبير: الحديث (12544 و 12545 و 12546) بألفاظ؛ قال: [ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف خاتمة السّورة حتّى تنزل عليه بسم الله الرّحمن الرّحيم].وفي مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج 2 ص 109 وج 6 ص 310؛قال الهيثمي: رواه البزار بإسناد رجال أحدهما رجال الصحيح.
(3)
ينظر: المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 1 ص 232،وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(فهذا يدلّ على أن ترتيب الآيات في كلّ سورة كان توقيفيا. ولمّا لم يفصح النبيّ صلى الله عليه وسلم بأمر براءة أضافها عثمان إلى الأنفال اجتهادا منه رضي الله عنه. ونقل صاحب الإقناع أن البسملة لبراءة ثابتة في مصحف ابن مسعود)
(1)
،وروى أن الصحابة كانوا يحتفظون بمصاحف على ترتيب في السور مختلف مع عدم الاختلاف في ترتيب الآيات، فمصحف ابن مسعود على غير تأليف العثماني من حيث ترتيب السور، وكان أوّله الفاتحة ثم البقرة، ثم النساء ثم آل عمران، بعكس العثماني فترتيبه الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم النساء. ولم يكن أيّ منهما على ترتيب النّزول. ويقال إنّ مصحف عليّ كان على ترتيب النّزول أوله (اقرأ) ثم (المدثر) ثم (ن والقلم) ثم (المزمل) ثم (تبت) ثم (التكوير) ثم (سبح،) وهكذا إلى آخر المكّي ثم المدنيّ.
وهذا كله يدلّ على أن ترتيب السّور بالنسبة لبعضها كان باجتهاد من الصحابة
(2)
.ولذلك كان ترتيب السّور في القراءة ليس بواجب في التلاوة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التعليم، بدليل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته في الليل بسورة النساء قبل آل عمران، عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه قال: صلّيت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة؛ فقلت يركع عند المائة، ثمّ مضى؛ فقلت: يصلّي بها في ركعة؛ فمضى. فقلت: يركع بها؛ ثمّ افتتح النّساء، فقرأ ثمّ افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ، ثمّ ركع فجعل يقول:[سبحان ربي العظيم] فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثمّ قال:
(1)
ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري: ج 9 ص 51؛شرح الحديث (4994) من كتاب فضائل القرآن، وفيه:(قال: ولا يؤخذ بها).
(2)
ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري: ج 9 ص 50.قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: ج 2 ص 262:وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة من أحسن الترتيب؛ وهو ترتيب المصحف العثماني، وإن كان مصحف عبد الله بن مسعود قدّمت فيه سورة النساء على آل عمران؛ وترتيب بعضها بعد بعض ليس هو أمرا أوجبه الله، بل أمر راجع إلى اجتهادهم واختيارهم؛ ولهذا كان لكل مصحف ترتيب، ولكن ترتيب المصحف العثماني أكمل.
[سمع الله لمن حمده].ثمّ قام طويلا قريبا ممّا ركع، ثمّ سجد؛ فقال:[سبحان ربي الأعلى] فكان سجوده قريبا من قيامه
(1)
.
وأما ما ورد من النهي عن قراءة القرآن منكوسا فإن المراد قراءة الآيات في السورة الواحدة منكوسة لا قراءة السّور منكوسة. قال موفق الدين بن قدامة: وقد روي عن ابن مسعود أنه سئل عمّن يقرأ القرآن منكوسا قال: ذلك منكوس القلب. وفسّره أبو عبيدة: بأن يقرأ سورة ثم يقرأ بعدها أخرى هي قبلها في النّظم
(2)
.وقال النوويّ في شرح الحديث السابق لحذيفة رضي الله عنه من صحيح مسلم: قال أبو بكر الباقلاني
…
:ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى، وإنما يكره ذلك في ركعة ولمن يتلو في غير صلاة، قال: وقد أباحه بعضهم وتأوّل نهي السلف عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها
(3)
.
ومتأوّل قول السلف على ما يبدو هو ابن بطّال، قال ابن حجر: قال ابن بطال:
لا نعلم أحدا قال بوجوب ترتيب السّور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها، بل يجوز يقرأ الكهف قبل البقرة والحجّ قبل الكهف مثلا، وأما ما جاء عن السّلف من النهي عن قراءة القرآن منكوسا، فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها، وكان جماعة يصنعون ذلك في القصيدة من الشعر مبالغة في حفظها وتذليلا للسانه في سردها، فمنع السلف ذلك في القرآن فهو حرام فيه
(4)
.
وهذا الرأي نقله ابن كثير في فضائل القرآن: بتصرّف؛ قال أي ابن بطّال: وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنّهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا، وقالا: إنما
(1)
رواه مسلم في الصحيح: كتاب صلاة المسافرين: باب استحباب تطويل القراءة: الحديث (772/ 203).
(2)
ينظر: المغني: مسألة: قال: ثم يقرأ في سورة في ابتدائها بسم الله الرحمن الرحيم: الفصل الأخير منها: ج 1 ص 537.
(3)
المنهاج: شرح صحيح مسلم بن الحجاج: ج 5 - 6 ص 308.
(4)
ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري: ج 9 ص 48.
ذلك منكوس القلب؛ فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محظور
(1)
.
وقد كان جبريل يقرأ جميع ما نزل من القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم مرّة في كلّ سنة.
وفي السّنة التي توفّي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ جبريل القرآن كله على الرسول مرّتين.
عن عائشة رضي الله عنها عن فاطمة عليها السلام [أسرّ إليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ جبريل يعارضني بالقرآن كلّ سنة وأنّه عارضني العام مرّتين ولا أراه حضر إلاّ أجلي]
(2)
وعن أبي هريرة قال: [كان يعرض على النّبيّ صلى الله عليه وسلم القرآن كلّ عام مرّة فعرض عليه مرّتين في العام الّذي قبض]
(3)
.
فعرض جبريل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم كلّ عام مرّة معناه عرض ترتيب آياته بالنسبة لبعضها، وترتيب آياته في سورها، لأن عرض الكتاب معناه عرض جمله وكلماته وترتيبه، وعرضه مرّتين في العام الذي توفّي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، معناه كذلك عرض ترتيب آياته بالنسبة لبعضها. وترتيب آياته في سورها ويمكن أن يفهم كذلك من الحديث عرض ترتيب سوره بالنسبة لبعضها.
(1)
فضائل القرآن: ص /42 دار الأندلس/الطبعة الرابعة.
(2)
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشي النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:[مرحبا يا ابنتي] ثم أجلسها عن يمينه ثمّ أسرّ إليها حديثا، فبكت! فقلت لها: لم تبكين؟ ثمّ أسرّ إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت اليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عمّا قال. فقالت:[ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم]،حتّى قبض النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسألتها. فقالت:[أسرّ إليّ أنّ جبريل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرّة، وإنّه عارضني العام مرّتين، ولا أراه إلاّ حضر أجلي، وإنّك أوّل أهل بيتي لحاقا بي] فبكيت. فقال: [أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة! أو نساء المؤمنين!] فضحكت لذلك. رواه البخاري في الصحيح: كتاب المناقب: الحديث (3623 و 3624).وفي الحديث (6285 و 6286) فيه تفصيل.
(3)
عن أبي حصين عن ذكوان عن أبي هريرة قال: كان يعرض على النّبيّ صلى الله عليه وسلم القرآن كلّ عام مرّة، فعرض عليه مرّتين في العام الّذي قبض فيه، وكان يعتكف في كلّ عام عشرا، فاعتكف عشرين في العام الّذي قبض فيه. رواه البخاري في الصحيح: كتاب فضائل القرآن: باب كان جبريل يعرض القرآن: الحديث (4998).
إلا أنه وردت أحاديث صحيحة أخرى صريحة في ترتيب الآيات، فإنّها تنصّ على ترتيب الآيات بالنسبة لبعضها وترتيب الآيات في سورها [ضعوا هذه الآيات في سورة كذا بعد آية كذا][وضعوا هؤلاء الآيات في السّور الّتي ذكر فيها كذا].
وكانت السورة تختم ويبدأ بسورة غيرها بتوقيف من الله بواسطة جبريل. عن ابن عبّاس قال: [كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السّورة حتّى ينزل بسم الله الرّحمن الرّحيم] وفي رواية [فإذا أنزلت بسم الله الرّحمن الرّحيم علموا أنّ السّورة قد انقضت].
فهذا كله يدلّ قطعا على أنّ ترتيب الآيات في سورها وشكل السّور بعدد آياتها ووضعها، كل ذلك توقيفي من الله تعالى. وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيّها صلى الله عليه وسلم وثبت ذلك تواترا.
أما ترتيب السّور بالنسبة لبعضها فإنه وإن كان يمكن أن يفهم من أحاديث عرض القرآن، ولكن يمكن أن يفهم غيره من حديث آخر. عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها إذ جاءها عراقيّ فقال: أيّ الكفن خير؟ قالت: ويحك وما يضرّك؟ قال: يا أمّ المؤمنين أريني مصحفك. قالت: لم؟ قال: لعلّي أؤلّف القرآن عليه، فإنّه يقرأ غير مؤلّف.
قالت: وما يضرّك أيّه قرأت قبل، إنّما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصّل فيها ذكر الجنّة والنّار حتى إذا أثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزّنا أبدا، لقد نزل بمكّة على محمّد صلى الله عليه وسلم وإنّي لجارية العب {بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ}
(1)
.وما نزلت سورة البقرة والنّساء إلاّ وأنا عنده. قال فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السّور]
(2)
.
(1)
القمر 46/.
(2)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب فضائل القرآن: باب تأليف القرآن: الحديث (4993).