المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تاريخ نشوء التفسير وأسبابه: - تفسير الحداد المطبوع خطأ باسم التفسير الكبير للطبراني - جـ ١

[أبو بكر الحداد]

فهرس الكتاب

- ‌استهلال

- ‌مقدّمةفيعلم أصول التّفسيرإعداد المحقّقهشام البدرانيّ الموصليّ

- ‌مفهوم القرآن الكريم:

- ‌جمع القرآن:

- ‌رسم المصحف:

- ‌فصل منه: أنّ الرّسول محمّدا صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتب:

- ‌إعجاز القرآن:

- ‌التفسير والتّأويل:

- ‌تاريخ نشوء التّفسير وأسبابه:

- ‌أسلوب المفسّرين في التفسير:

- ‌مصادر التفسير:

- ‌حاجة الأمّة اليوم إلى مفسّرين:

- ‌أوّلا-عرض واقع القرآن:

- ‌ثانيا-موضوع القرآن الكريم:

- ‌ترجمة المصنّف

- ‌اسم المصنّف ومولده ونسبه:

- ‌شيوخه وتلاميذه:

- ‌سعة علم المصنّف وأقوال العلماء فيه:

- ‌وفاته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌توصيف المخطوط ونسبته إلى مؤلّفه:

- ‌نسبة المخطوط إلى مؤلّفه:

- ‌مذهب الإمام الطّبرانيّ وعقيدته:

- ‌منهج الإمام الطّبرانيّ في التّفسير:

- ‌منهج تحقيق التّفسير والعمل فيه

- ‌السّيرة الذّاتيّة والعلميّة للمحقّق

- ‌الاسم والكنية والإجازة العلمية:

- ‌المؤلفات والتحقيقات:

- ‌في مجال التّأليف:

- ‌في مجال التّحقيق:

- ‌شكر وتقدير

- ‌تفسير البسملة

- ‌سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

الفصل: ‌تاريخ نشوء التفسير وأسبابه:

العلم بالأحكام الشرعية العمليّة المستنبطة من أدلّتها التفصيلية

(1)

.وبهذا يظهر الفرق بين دلالتي التفسير والتأويل. وحقيقة المفسر هو الذي يهتم بدلالة الألفاظ على الواقع فكريا، ولا يغفل الناحية العملية، أي التأويل للنص في مجال القول والعمل.

‌تاريخ نشوء التّفسير وأسبابه:

نزل القرآن باللغة العربية، فألفاظه عربية، حتى الألفاظ التي أصلها أعجميّة مثل استبرق، فإنّها عرّبت على أصول العربية، وأصبحت من الألفاظ العربية.

وأساليبه هي أساليب العرب في كلامهم، قال تعالى:{قُرْآناً عَرَبِيًّا}

(2)

وقد كان العرب يقرءونه ويدركون قوّة بلاغته ويفهمون معانيه، إلا أنّ القرآن لم يكن جميعه في متناول العرب جميعا يستطيعون أن يفهموه إجمالا وتفصيلا بمجرّد أن يسمعوه، لأن نزول القرآن بلغة العرب لا يقتضي أن العرب كلّهم يفهمونه من مفرداته وتراكيبه. إذ ليس كلّ كتاب مؤلّف بلغة يستطيع أهل تلك اللغة أن يفهموه. لأن فهم الكتاب لا يتطلّب اللغة وحدها، وإنما يتطلب درجة عقلية من الفهم والإدراك تتفق ودرجة الكتاب في رقيّه، أي أن يكون القارئ بمستوى فهم النص علما. وواقع العرب حين نزل القرآن أنّهم لم يكونوا كلّهم يفهمونه كلّه إجمالا وتفصيلا، وإنما كانوا يختلفون في فهمه حسب رقيّهم العقلي. ومن أجل ذلك تفاوتت مقدرة الصحابة في تفسير القرآن وفهمه، لتفاوت معرفتهم باللغة العربية، وتفاوت ذكائهم وإدراكهم أي بحسب تفاوت قدراتهم العلمية التي يحتاجها الفهم الدقيق للنص الشرعي.

على أن ألفاظ القرآن نفسها لم يكن العرب كلهم يفهمون معناها. فقد روي عن أنس قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه {عَبَسَ وَتَوَلّى} فلما أتى على هذه الآية {وَفاكِهَةً وَأَبًّا} قال: قد عرفنا ما الفاكهة! فما الأبّ؟ فقال: لعمرك يا ابن

(1)

ينظر: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن قيم الجوزية: ج 1 ص 175 - 206، والرسالة التدمرية مجمل اعتقاد السلف: ص 60.والبرهان في علوم القرآن للزركشي: ج 1 ص 13 وما بعدها.

(2)

يوسف 2/،وطه 113/،والزمر 28/،وفصلت 3/،والشورى 7/،والزخرف 3/.

ص: 42

الخطاب، إن هذا لهو التكلّف

(1)

وروي عن عمر أيضا أنّه كان على المنبر فقرأ {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} ثمّ سأل عن معنى التّخوّف؟ فقال له رجل من هذيل: التّخوّف عندنا التّنقّص

(2)

.

وفوق ذلك ففي القرآن آيات كثيرة لا يكفي في تفهّمها معرفة ألفاظ اللغة وأساليبها، وإنما تحتاج إلى معلومات عن بعض ألفاظها، لأنّ هذه الألفاظ تشير إلى مدلولات معيّنة مثل قوله تعالى:{وَالذّارِياتِ ذَرْواً}

(3)

{وَالْعادِياتِ ضَبْحاً}

(4)

{إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}

(5)

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ}

(6)

إلى غير ذلك من الآيات التي تشير إلى معاني معهودة. وهناك آيات يحتاج فهمها إلى معرفة أسباب النّزول.

وفي القرآن آيات محكمة واضحة المعنى، وهي الآيات التي تتعلق بأصول الدّين من العقائد وخاصّة الآيات المكية غالبا، والآيات التي تتعلّق بأصول الأحكام

(1)

الآية 31 من سورة عبس. رواه ابن جرير في التفسير: الرقم (28187)،قال ابن كثير: إسناده صحيح. ولفظه عند السيوطي في الدر المنثور: قال: مه نهينا عن التكلّف، أو ما كلّفنا هذا أو ما أمرنا بهذا. وقال: أخرجه عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه. ينظر: الدر المنثور في التفسير المأثور: ج 8 ص 422.والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ج 19 ص 223.

(2)

الآية 47 من سورة النحل. والأثر وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد: الرقم (16334)،أو أنه عن عمر رضي الله عنه، فإنه روي عنه بإسناد مجهول: جامع البيان للطبري: الرقم (16331)،وروي من طريق سعيد بن المسيب: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر، قال: يا أيّها الناس، ما تقولون في قول الله عز وجل: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فسكت الناس؛ فقال شيخ من بني هذيل: هي لغتنا يا أمير المؤمنين؛ التخوّف التنقّص. فخرج فقال: يا فلان ما فعل دينك؟ قال: تخوّفته؛ أي تنقّصته؛ فرجع فأخبر عمر فقال عمر: أتعرف العرب ذلك في أشعارهم، فأنشد الشعر. فقال عمر: يا أيّها الناس عليكم بديوان شعر الجاهلية. فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم. ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ج 10 ص 110 - 111.وفتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر: ج 8 ص 492:شرح الباب (16) من سورة النحل.

(3)

الذاريات 1/.

(4)

العاديات 1/.

(5)

القدر 1/.

(6)

الفجر 1/-2.

ص: 43

وهي الآيات المدنيّة غالبا، وخاصّة ما يتعلق منها بالمعاملات والعقوبات والبيّنات. كما أنّ في القرآن آيات متشابهة تشتبه معانيها على كثير من الناس، وخاصّة الآيات التي تحتمل عدّة معاني، أو يتحتّم صرفها عن المعنى الظاهر لها إلى معنى آخر لتناقضه مع العقيدة التّنزيهيّة، أي فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أو مسائل القدر.

ومع أنّ الصحابة رضوان الله عليهم هم أقدر الناس على فهم القرآن لأنّهم من أعلم الناس بالعربية، ولأنّهم شاهدوا الظروف والوقائع التي نزل فيها القرآن، إلا أنّهم اختلفوا في الفهم وتفاوتوا في القدرة على تفسير القرآن حسب تفاوتهم في درجة اطّلاعهم على العربية، وحسب تفاوتهم في ملازمة الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان من أشهر المفسّرين من الصحابة رضي الله عنهم جميعا عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب، وهؤلاء الأربعة أكثر من غذى التفسير في الأمصار الإسلامية المختلفة. والذي مكّن هؤلاء من التبحّر في التفسير قوّتهم في اللغة العربية وإحاطتهم بمناحيها وأساليبها ومخالطتهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم وملازمتهم له ملازمة مكّنتهم من معرفة الحوادث التي نزلت فيها آيات القرآن وقوّة عقلهم وذكائهم قوة مكّنتهم من ربط المعاني ببعضها أحسن ربط، والخروج بالنتائج الصائبة. ولذلك لم يتحرّجوا عن الاجتهاد في فهم القرآن حسب ما يقتضيه عقلهم، بل اجتهدوا في التفسير، وقالوا فيه برأيهم، وقرّروا ما أدّاهم إليه فهمهم واجتهادهم. ولذلك يعتبر تفسير هؤلاء من أعلى أنواع التفسير. إلا أنه قد كذب عليهم كثيرا، وأدخلت على تفسيرهم أقوال لم يقولوها، ولذلك تجد في تفسيرهم الكثير من الموضوع، وما صحّ عن هؤلاء من التّفاسير برواية الثّقات هو من أقوى التّفاسير. أما ما عداه من الموضوعات فلا يجوز أن يؤخذ إذا لم يثبت أنّهم قالوه. إلا أنه ليس معنى التحذير من أخذ تفسير هؤلاء الأربعة الموضوع هو التحذير من قراءة تفاسيرهم، بل هو تحذير من أخذها والعمل بها باعتبار أنّ هذه الموضوعات لهم. أما قراءتها وتحكيم الفهم الصحيح لغة وشرعا وعقلا بما جاء بها فهو أمر مفيد، لأن في هذه الروايات الموضوعة تفاسير قيّمة من حيث الفهم، وإن كانت ضعيفة السّند من حيث نسبته إلى الصحابة.

ص: 44

وقد جاء بعد الصحابة التابعون، واشتهر بعضهم في الرواية عن الصحابة، عن الأربعة المذكورين وعن غيرهم، ومن أشهر هؤلاء التابعين مجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وسعيد بن جبير.

وقد اختلف العلماء في مقدار الثقة بهؤلاء المفسّرين من التابعين. فمجاهد أوثقهم وإن كان أقلّهم رواية، ويعتمد على تفسيره بعض الأئمة والمحدّثين، كالشافعيّ والبخاري. إلا أن بعضهم كان يرى أن مجاهدا يسأل أهل الكتاب، ومن هذه الناحية يتريّثون في أخذ أقواله، وإن كانوا متّفقين على صدقه. وكان كلّ من عطاء وسعيد ثقة صادقا لم يطعن أحد على أيّ منهما. أما عكرمة فإن أكثر العلماء يوثّقه ويصدّقه، والبخاري يروي له، ويرى آخرون أنه جرؤ على التفسير ويزعم أنه يعلم كلّ شيء في القرآن، وذلك لكثرة ما يرويه من التفسير للقرآن عن الصحابة.

وكان هؤلاء الأربعة أكثر من يروي عن ابن عبّاس، وهناك من يروي عن بقية الصحابة كمسروق بن الأجدع تلميذ عبد الله بن مسعود، وكان يروي عنه التفسير.

واشتهر كذلك في التفسير من التابعين قتادة بن دعامة السّدوس الأكمه

(1)

، وكان واسع الاطلاع في اللغة العربية ضليعا في الشّعر العربي وأيام العرب وأنسابهم.

وبعد أن انتهى عصر التابعين أخذ العلماء يؤلّفون كتب التفسير على طريقة خاصّة هي ذكر الآية ونقل ما روي في تفسيرها عن الصحابة والتابعين بالسند. وأشهر من قام بذلك سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وعبد الرزاق وغيرهم، إلا أن تفاسير هؤلاء العلماء لم تصل إلينا كاملة، وإنما وصل منها أقوال وردت في بعض كتب التفسير كتفسير الطبريّ. ثم جاء بعدهم الفرّاء ثم جاء الطبري، ثم تتابع علماء التفسير في كل عصر حتى عصرنا هذا.

(1)

قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سدوس. أبو الخطّاب السّدوسي البصريّ ولد أكمه. ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب: الرقم (5706).

ص: 45