الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاث مرات حجم المخطوط الذي بين أيدينا، ومهما كان حجم الورقة، وإن أغفله الباحث، ولكن المقدر أنه نفس الحجم المعروف (31*21) سم الذي لمثله يلجأ النسّاخ، وهذا مما يشكك الناظر في توافق المخطوطتين على أنهما تحملان محتوى واحدا.
ثانيا: وعلى هذا فإن الراجح نسبة الكتاب إلى الإمام الطبراني كما هو في أصل المخطوط، حيث إن الآثار تدل على ذاتها، وتنسب الى صفتها، وهذا المخطوط يعزو نفسه الى الإمام الطبراني كما هو مدون عليه، فالأصل أن تبقى هذه النسبة وتعزز بهذا الأثر ما لم يأت دليل مقنع يدحظها، استصحابا للحال المذكور، فيبقى الأصل على ما وثق، والله المستعان. وجزى الله خيرا جميع الباحثين لخدمة هذا الدين في جميع المجالات، وجزى الله خيرا الباحث إبراهيم باجس على ما أثاره من جدل موضوعي حول هذه المخطوطة، ورأينا صواب يحتمل الخطأ، والأمور تقوم بشواهدها، والأخبار تصدق بشهودها، وما نقل إلينا من هذه المخطوطة عن طريق واحد، تدل على نسبة الكتاب للإمام الطبراني.
وعلى هذا يتبين أن نسبة الكتاب إلى الإمام الطبرانيّ من خلال توثيق الناسخ في المخطوطة. ونسأل الله عز وجل أن يعيننا على إثبات نسبته أكثر في طبعات قادمة
(1)
.
مذهب الإمام الطّبرانيّ وعقيدته:
ربما يقع البعض في الخطأ عند ما يقيسون الأمور قياسا عاما، وينظرون إلى كل محدّث على أنه حنبلي المذهب، ومن ذلك نظرتهم لمذهب الإمام الطبراني رحمه الله، حيث نجد أن البعض يدرجه في تراجم الحنابلة وطبقاتهم، فنقف عند هذا الملحظ لنصحح الرأي فيه، مع أن الأمر سيان، حيث إنه لا يؤثر مذهب الفقيه أو المفسر أو المحدّث في التعامل مع فكره في الرأي والفقه، ولكن للضرورة العلمية ومن خلال دراستنا لكتابه التفسير الكبير، نجد أن الإمام الطبراني حنفي المذهب، متوازن الرأي
(1)
لقد أعاننا الله سبحانه وتعالى ووفقنا وأرشدنا إلى ما يدل على صحة نسبة هذا الكتاب لصاحبه وذلك بالحصول على تفسير الغزنوي كما بيّنا سابقا.
منصف للآخر، بل إن الإمام الطبراني فضلا عن وضوح آرائه في الاتجاه الحنفي، فإنه من الناحية التاريخية لم يكن حنبليا أيضا كما تشير الدراسات إلى ذلك وكما يأتي:
1.
أن الإمام الطبراني قضى أكثر من نصف حياته المباركة في أصفهان بلد العلم والعرفان. ومدينة أصفهان (كانت من القرون الأولى الإسلامية مهاجرة العلماء لطلب الحديث، ومحط رحالهم، حتى كانت تضاهي بغداد في العلو والكثرة كما قال السخاوي)
(1)
.ويقول السيد مصلح الدين مهدوي: (إن أصبهان كانت من القرون الأولى الإسلامية مركز العلم والعرفان، ونبغ فيها جماعة من العلماء والعرفاء والحكماء والشعراء والمحدّثين والخطباء والوعاظ، وكانوا يرحلون لأخذ العلم وطلب الحديث من بلد الى بلد، ويحضرون مجلس العلماء والمحدّثين)
(2)
.
وعلى هذا، فإن ذاك الزمان لم يكن الأمر فيه تقصد النسبة للمذهب، والظاهر آنذاك السعي لطلب العلم من غير تحيز.
2.
أن مذهب أهل أصفهان بين الشافعية والحنفية، فبعد فتحها سنة (21) للهجرة وانتشار الإسلام في أهلها، استقام أمرهم على السّنة، وقوي واشتد على ذلك الى أن لجأ إليها الخوارج في عهد بني أمية؛ (ولكن عتاب بن ورقاء واليها من قبل مصعب بن الزبير أخرجهم منها، فلجأوا إلى الأهواز وعادت القوة فيها لأهل السّنة، ويغلب عليهم المذهب الشافعي والحنفي، ويتولى زعامة الشافعية فيها أسرة الخجنديين، وزعامة الأحناف أسرة الصاعديين، واستمر الأمر على هذا، سوى ما كان من ظهور الشيعة والزيدية بين الفينة والفينة)
(3)
.وعلى هذا فإن الرأي العام في أصفهان مستقر بتفاهم الشافعية والأحناف ما لم يكدر عليهم أحد كما حصل
(1)
انظر: طبقات المحدثين بأصبهان والواردين إليها: لأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر المعروف بأبي الشيخ: ج 1 ص 15:دراسة وتحقيق عبد الغفور البلوشي؛ مؤسسة الرسالة. والإعلان التوبيخ: ص 143.
(2)
انظر: تذكرة القبور، مترجم عن الفارسية. نقله البلوشي في مقدمته لكتاب طبقات المحدثين بأصبهان: ج 1 ص 41.
(3)
انظر: اقتصاد شهر أصفهان: ص 200.نقلا عن مقدمة البلوشي لطبقات المحدثين بأصبهان: ج 1 ص 57.
في فتنة المغول حين استغلوا الخلاف بين المذهبين وأضعفوهما
(1)
.
3.
لم يغير أهل أصفهان مذهبهم حتى زمن الشاه إسماعيل، يقول المؤرخ ميرزا حسن الأنصاري:(إن مذهب أهل السنة والجماعة كان هو المذهب الرسمي السائد في أصفهان إلى بدية القرن العاشر الهجري سنة (910)،وإن كان البويهيون قد ادعوا مذهب التشيع
…
ثم قال: في سنة (906) هجرية فتح الشاه إسماعيل الصفوي العراق وجعل أهل السنة شيعة علنا، وارتفع خلاف الشافعية والحنفية منذ ذلك التاريخ، ولكن حل محله اختلاف الفرقة الحيدرية والنعمتية)
(2)
.وعلى هذا كان الإمام الطبراني يعيش أجواء طلب العلم والانفتاح على الرأي الآخر من مذاهب أهل السنة، ويدور فقهيا كغيره في دائرة الشافعية أو الأحناف، ولولا موقفه في التفسير بنسبة الرأي الذي يتبناه إلى الأحناف لما علم مذهبه.
4.
انسجم الإمام الطبراني مع مناخ أصفهان الفكري والفقهي، فنجد عامل أصفهان أبو علي بن أحمد بن محمد بن رستم الذي شغفه حب العلماء يستقبل الطبراني عند قدومه المرة الثانية سنة (310) هجرية (ويسهل له البقاء بأصبهان، فيكرمه بتعيين معونة معلومة يقبضها من دار الخراج، وتستمر حتى حين وفاته بها)
(3)
.
5.
لم يصرح الإمام الطبراني بمذهبه الفقهي كغيره من علماء زمانه، إلا للضرورة البحثية كما في التفسير، فمذهب أصفهان السائد في ذاك الوقت بل في إيران مذهب الشافعية والأحناف من أهل السنة
(4)
،فتبنى مذهب الأحناف على ما يترجح عنده بالدليل، حيث لا نجده يتعصب لرأي، بل يسلك منهج العلماء في
(1)
قاله علي كلباسي في اقتصاد شهر أصفهان: ص 201،ونقله البلوشي في مقدمته: ج 1 ص 57.
(2)
كتاب تاريخ أصفهان: ج 1 ص 38.وأصل العبارة بالفارسية ترجم ألفاظها البلوشي كما في مقدمته: ج 1 ص 58.
(3)
سير أعلام النبلاء: ج 10 ص 66.
(4)
انظر: معجم البلدان: ج 1 ص 609 لياقوت. وكتاب اقتصاد شهر أصفهان: ص 210 للدكتور علي كلباسي. وطبقات المحدثين بأصبهان: ج 1 ص 2.