الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا الحديث يدل على أن القرآن لم يكن مجموعا فإذا أضيف إلى ذلك اختلاف ترتيب مصاحف الصحابة، دلّ على أن ترتيب السّور بالنسبة لبعضها كان باتفاق من الصحابة.
جمع القرآن:
لقد ثبت بالدليل اليقينيّ الجازم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حين التحق بالرفيق الأعلى كان القرآن كله مكتوبا في الرّقاع والأكتاف والعسب واللّخاف، وكان كله محفوظا في صدور الصحابة رضوان الله عليهم. فقد كانت تنزل الآية أو الآيات فيأمر حالا بكتابتها بين يديه، وكان لا يمنع المسلمين من كتابة القرآن غير ما كان يمليه على كتّاب الوحي.
عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [لا تكتبوا عنّي، من كتب عنّي غير القرآن فليمحه، وحدّثوا عنّي ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار]
(1)
.
وكان ما يكتبه كتّاب الوحي مجموعا في صحف قال تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً}
(2)
أي يقرأ قراطيس مطهّرة من الباطل فيها مكتوبات مستقيمة قاطعة بالحقّ والعدل، وقال الله تعالى:{كَلاّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ}
(3)
أي إنّ هذه التذكرة مثبتة في صحف مكرّمة عند الله مرفوعة المقدار منزّهة عن أيدي الشياطين، قد كتبت بأيدي كتبة أتقياء.
(1)
رواه مسلم في الصحيح: كتاب الزهد: باب التثبت في الحديث وحكم كتاب العلم: الحديث (3004/ 72).والإمام أحمد في المسند: ج 3 ص 56 وبلفظ [سوى القرآن]:ج 3 ص 21 و 39.والدارمي في السنن: باب من لم ير كتابة الحديث من المقدمة: الحديث (450) بلفظ [إلاّ القرآن].
(2)
البيّنة 2/.
(3)
عبس 11/-15.
وقد ترك صلى الله عليه وسلم جميع ما بين دفّتي المصحف مكتوبا قد كتب بين يديه، عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشدّاد بن معقل على ابن عبّاس رضي الله عنهما فقال له شدّاد بن معقل: أترك النبيّ صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفّتين.
قال: ودخلت على محمّد بن الحنفية فسألناه فقال: [ما ترك إلاّ ما بين الدفّتين]
(1)
فالإجماع منعقد على أن جميع آيات القرآن في سورها قد كتبت بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان ينزل بها الوحي مباشرة، وأنّها كتبت في صحف. وتوفّي الرسول الأعظم وهو قرير العين على القرآن معجزته الكبرى التي قامت حجّة على العرب وعلى العالم. ولم يكن يخشى على آيات القرآن الضياع لأن الله حفظ القرآن بنصّ صريح {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ}
(2)
ولأنه كان قد ثبّت هذه الآيات كتابة بين يديه وحفظا في صدور الصحابة وأذن للمسلمين أن يكتبوا القرآن.
ولذلك لم يشعر الصحابة بعد وفاة الرسول أنّهم في حاجة لجمع القرآن في كتاب واحد أو في حاجة إلى كتابته، حتى كثر القتل في الحفّاظ في حروب الرّدّة، فخشي عمر من ذلك على ضياع بعض الصّحف وموت القرّاء، فتضيع بعض الآيات، ففكّر في جمع الصّحف المكتوبة، وعرض الفكرة على أبي بكر وحصل جمع القرآن.
عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: [أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطّاب عنده. قال أبو بكر رضي الله عنه إنّ عمر أتاني فقال: إنّ القتل قد استحر يوم اليمامة بقرّاء القرآن وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنّك رجل شاب عاقل لا نتّهمك، وكنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبّع القرآن
(1)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب فضائل القرآن: باب من قال: لم يترك النبي إلا ما بين الدفتين: الحديث (5019).والإمام أحمد في المسند: ج 1 ص 220 بلفظ: [إلاّ ما بين هذين اللّوحين] وإسناده صحيح.
(2)
الحجر 9/.
فاجمعه. فو الله لو كانوا كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ ممّا أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو بكر: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للّذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللّخاف وصدور الرّجال حتّى وجدت آخر سورة التّوبة مع أبي خزيمة الأنصاري ولم أجدها مع أحد غيره. {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ} حتى خاتمة براءة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفّاه الله ثمّ عند عمر حياته ثمّ عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما]
(1)
.
ولم يكن جمع زيد للقرآن كتابة له من الحفّاظ، وإنما كان جمعه له جمعا لما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يضع صحيفة مع صحيفة أخرى ليجمعها إلا بعد أن يشهد لهذه الصحيفة التي تعرض عليه شاهدان يشهدان أن هذه الصحيفة كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان فوق ذلك لا يأخذ الصحيفة إلاّ إذا توفّر فيها أمران:
أحدهما: أن توجد مكتوبة مع أحد من الصحابة.
والثّاني: أن تكون محفوظة من قبل أحد الصحابة، فإذا طابق المكتوب والمحفوظ للصحيفة التي يراد جمعها أخذها وإلاّ فلا. ولذلك توقّف عن أخذ آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبة عند أبي خزيمة فأخذها؛ لأن شهادة ابن خزيمة بشهادة رجلين، مع أن زيدا كان يستحضرها هو ومن ذكر معه.
(1)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب تفسير القرآن: سورة (9) التوبة: باب لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ: الحديث (4679).وكتاب فضائل القرآن: باب جمع القرآن: الحديث (4986). وباب كان النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث (4989) وكتاب الأحكام: باب يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا: الحديث (7191).والترمذي في الجامع: كتاب تفسير القرآن: باب تفسير سورة التوبة: الحديث (3102).والنسائي في السنن الكبرى: كتاب التفسير: الحديث (7995) والإمام أحمد في المسند: ج 1 ص 10.
روي من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قام عمر فقال: من كان تلقّى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به، وكانوا يكتبون ذلك في الصّحف والألواح والعسب، قال: وكان لا يقبل من أحد شيئا حتّى يشهد شاهدان
(1)
.
قال ابن حجر: (هذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرّد وجدانه مكتوبا حتى يشهد من تلقّاه سماعا مع كون زيد كان يحفظه وكان يفعل ذلك مبالغة بالاحتياط)
(2)
.
فالجمع لم يكن إلاّ جمع الصّحف التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب واحد بين دفّتين، فقد كان القرآن مكتوبا في الصّحف، لكن كانت مفرّقة فجمعها أبو بكر في مكان واحد. وعلى ذلك لم يكن أمر أبي بكر في جمع القرآن أمرا بكتابته في مصحف واحد بل أمرا بجمع الصّحف التي كتبت بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم مع بعضها في مكان واحد والتأكّد من أنّها هي بذاتها بتأييدها بشهادة شاهدين على أنّها كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تكون مكتوبة مع الصحابة ومحفوظة من قبلهم. وظلّت هذه الصّحف محفوظة عند أبي بكر حياته، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر أمّ المؤمنين حسب وصيّة عمر.
ومن هذا يتبين أن جمع أبي بكر للقرآن إنما كان جمعا للصّحف التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس جمعا للقرآن وإنّ الحفظ إنّما كان لهذه الصّحف أي للرّقاع التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس حفظا للقرآن. ولم يكن جمع الرّقاع والمحافظة عليها إلاّ من قبيل الاحتياط والمبالغة في تحرّي الحفظ لعين ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما القرآن نفسه فإنه كان محفوظا في صدور الصحابة ومجموعا في حفظهم، والاعتماد في الحفظ كان على جمهرتهم لأن الذين كانوا يحفظونه كليّا وجزئيا كثيرون.
هذا بالنسبة لجمع أبي بكر، أما بالنسبة لجمع عثمان فإنه في السّنة الثالثة أو الثانية من خلافة عثمان، أي في سنة خمس وعشرين للهجرة قدم حذيفة ابن اليمان
(1)
أخرجه ابن أبي داود السجستاني في كتاب المصاحف: ص 17.
(2)
قاله ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري: ج 9 ص 17.
على عثمان في المدينة وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينيّة وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في قراءة القرآن.
فإنه رأى أهل الشام يقرءون بقراءة أبيّ بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، ورأى أهل العراق يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفّر بعضهم بعضا. وأن اثنين اختلفا في آية من سورة البقرة، قرأ هذا:
{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ،} وقرأ هذا: وأتمّوا الحجّ والعمرة للبيت فغضب حذيفة واحمرّت عيناه، وروي عن حذيفة قال: يقول أهل الكوفة قراءة ابن مسعود ويقول أهل البصرة قراءة أبي موسى، والله لئن قدمت على أمير المؤمنين لآمرنّه أن يجعلها قراءة واحدة، فركب إلى عثمان
(1)
.
وقد حدّث ابن شهاب أن أنس بن مالك حدّثه [أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشّام في فتح ارمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنّصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصّحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردّها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزّبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرّهط القرشيّين الثلاثة:
إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء ما من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّما نزل بلسانهم ففعلوا. حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق]
(2)
وقد كان عدد النّسخ التي نسخت سبع نسخ، فقد
(1)
أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف: اتفاق الناس مع عثمان على جمع المصاحف: ص 18 ونقله ابن حجر العسقلاني في الفتح عن ابن أبي داود من كتاب (المصاحف).ينظر: فتح الباري: ج 9 ص 21 - /22 الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية.
(2)
أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب فضائل القرآن: باب جمع القرآن: الحديث (4987) والسنن الكبرى للنسائي: كتاب فضائل القرآن: الحديث (7988).
كتبت سبعة مصاحف إلى مكّة وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحد.
قال ابن حجر: (واختلفوا في عدّة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق؛ فالمشهور أنّها خمسة؛ وأخرج ابن أبي داود في (كتاب المصاحف) من طريق حمزة الزيات قال: أرسل عثمان أربعة مصاحف وبعث منها إلى الكوفة بمصحف فوقع عند رجل من مراد، فبقي حتى كتبت مصحفي عليه.
قال ابن أبي داود: سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: كتبت سبعة مصاحف إلى مكة وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا. وأخرج بإسناد صحيح إلى إبراهيم النخعي قال: قال لي رجل من أهل الشام مصحفنا ومصحف أهل البصرة اضبط من مصحف أهل الكوفة؛ قلت: لم؟ قال:
لأنّ عثمان بعث إلى الكوفة لما بلغه من اختلافهم بمصحف قبل أن يعرض، وبقي مصحفنا ومصحف أهل البصرة حتى عرض)
(1)
.
وفي فضائل القرآن لابن كثير القرشي الدمشقي: قال: (وأما المصاحف العثمانية الأئمة، فأشهرها اليوم الذي بجامع دمشق عند الرّكن، شرقي المقصورة بذكر الله، ولقد كان قديما بمدينة طبرية، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثماني عشرة وخمسمائة، ولقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخطّ حسن مبين قوي بحبر محكم، في رقّ أظنه من جلود الإبل، والله أعلم؛ زاده الله تشريفا وتعظيما وتكريما)
(2)
.
وعلى هذا لم يكن عمل عثمان جمعا للقرآن وإنما هو نسخ ونقل لعين ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو. فإنه لم يصنع شيئا سوى نسخ سبع نسخ عن النسخة المحفوظة عند حفصة أمّ المؤمنين، وجمع الناس على هذا الخطّ وحده ومنع أيّ خط أو إملاء غيرها. واستقرّ الأمر على هذه النسخة خطا وإملاء، وهي عين الخط والإملاء الذي كتبت به الصّحف التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل الوحي بها،
(1)
فتح الباري: ج 9 ص 24.
(2)
ينظر منه ص /26 طبعة دار الأندلس/الطبعة الرابعة.
وهي عينها النسخة التي كان جمعها أبو بكر. ثم أخذ المسلمون ينسخون عن هذه النّسخ ليس غير، ولم يبق إلاّ مصحف عثمان برسمه. ولمّا وجدت المطابع صار يطبع المصحف عن هذه النسخة بنفس الخطّ والإملاء.
والفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته، لأنه وإن كان مكتوبا في صحف ولكنه لم يكن مجموعا في موضع واحد ككتاب واحد، فجمعه في صحائف. وجمع عثمان كان لمّا كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرأه بلغاتهم على اتّساع اللّغات فأدّى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي من تفاقم الأمر فنسخ تلك الصّحف في مصحف واحد.
فالمصحف الذي بين أيدينا هو عينه الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عينه الذي كان مكتوبا في الصّحف التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عينه الذي جمعه أبو بكر حين جمع الصّحف في مكان واحد، وهو عينه الذي نسخ عنه عثمان النّسخ السبعة وأمر أن يحرق ما عداها، وهو عينه القرآن الكريم في ترتيب آياته بالنسبة لبعضها وترتيبها في سورها وفي رسمه وإملائه. وأما النسخة التي أملاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوحي وجمعت صحفها وجرى النسخ عنها، فإنّها ظلّت محفوظة عند حفصة أمّ المؤمنين إلى أن كان مروان واليا على المدينة فمزّقها، إذ لم يعد لها لزوم على حدّ تقديره بعد أن انتشرت نسخ المصاحف في كلّ مكان. عن ابن شهاب قال:
أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر قال: [كان مروان يرسل إلى حفصة-يعني حين كان أمير المدينة من جهة معاوية-يسألها الصّحف الّتي كتب منها القرآن فتأبى أن تعطيه، قال سالم فلمّا توفيّت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلنّ إليه تلك الصّحف فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشقّقت، وقال: إنّما فعلت هذا لأنّي خشيت إن طال بالنّاس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصّحف مرتاب]
(1)
.
(1)
أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف: ص 32. ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري: ج 9 ص 24:شرح الحديثين (4987 و 4988) وقد سبق ابن كثير في فضائل القرآن ص 24 فقال: رواه أبو بكر بن أبي داود-أي في كتاب المصاحف-وقال: (إسناده صحيح).