الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمكن أن يكون مِن ذرأ يذرأ إذا خَلَقَ، ويكون الأصْلُ ذُرْئِيّة بهمزةٍ ثم أبْدِلَتْ الهمزة ياءً للتسهيل، كما قالوا: في النّبىء، والنّبيّ، فجاء فُرّية فأدغمت الياء في الياء الأخيرة، وهذا الأخير عندي أبعدُ الثلاثة ة لأنّهُ قضى فيه! بالهمزة، ولو كان من الهمزة لنطق به، ففي هذا زيادة على فعيل. (286-287) .
1 ينظر الكتاب 4/268.
المبحث السَّادس
موقف ابن أبي الربيع من النحويين البصريين والكوفيين وبعض المتأخرين
أورد ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه أقوالا لبعض أئمة النحو المتقدمين كالخليل، ويونس وسيبويه والكسائي والأخفش والفراء، والمازني، وغيرهم ممن وصفهم بالمتأخرين كالزمخشري، وقد تبينّ من مناقشاته ونقده لبعض الأقوال التي أوردها أنَّ له منهجاً وأسلوباً في المراجعة والترجيح والاختيار ينفرد به، ولا يمنع أن يكون في كثير مما رجّحَ واختار قد تأثر بمذهب أئمة البصريين، وبخاصة سيبويه، فكثيراً ما نراه يُغلّب قول سيبويه ويقدمه في الترجيح والاختيار في مقابل أقوال الأخفش الذي يقف في كثيرٍ من آرائه موقف المعارض للبصريين أو المخالف، فضلاً عن أقوال الكوفيين التي تقف في مقابل أقوال منافسيهم من البصريين.
وأما بعض المتأخرين الذين لم يصرح بأسمائهم إلَّا في موضع واحد، وهو الزمخشري
فقد كان نقده له شديداً، وحجته في أكثر المآخذ التي أخذها عليه دامغة، وإن شابه في بعض المآخذ تَعسُّفٌ لا يحمدُ، وتحمّلٌ لا يقبل في ميزان النقد العلمي، وفيما يلي تفصيلٌ لما أجملته هذه التوطئة:
أولاً: ما خالف فيه سيبويه الأخفش وغيره من النحويين.
تناول ابن أبي الربيع طائفة من المسائل جرى فيها الخلاف بين النحويين سيبويه والأخفش، وغيرهما، وقد كان موقف ابن أبي الربيع إلى جانب سيبويه، وبالأخص في المسائل التي كان طرف الخلاف فيها الأخفش، فقد رجح مذهب سيبويه مبيناً سبب الترجيح غالباً، وضعف مذهب الأخفش مبيناً سبب الضعف وجهته، ومن أمثلة ذلك: أولاً: الخلاف في تسهيل الهمزة في "مُسْتهزئِون" الواردة في قوله تعالى: (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)
أورد ابن أبي الربيع ثلاثة أقوال في هذه الهمزة، هي: إبدالها ياءً، وجعلها بين الهمزة والياء، وبين الهمزة والواو، ثم رجح ما قرره سيبويه في المسألة، ومما قاله في المسألة:
(ونقل عن الأخفش أنه يبدلُ الهمزة ياءَ عند التسهيل، فيقول: "مُسْتَهزِيون " 2وهذا ليس من كلام العرب) .
وأمّا سيبويه فجعلها بين الهمزة والواو3
ومنهم مَنْ جعلها بين الهمزة والياء4، وهذا منقول عن العرب، وعلى مذهب سيبويه أكثر النحويين (65) .
ثانياً: الخلافُ في مَوضعِ الضّميرِ المضافِ إليه بعد اسم الفاعل.
اختلف النَّحويّونَ في موضع الضمير المضاف إليه بعد الوصف في قوله تعالى:
(قَالَ إني جَاعِلُكَ للنَّاسِ إمَاماً..) 5وكذا ما شابهه من كل وصف أضيف إلى معموله الضمير المتصل، وأظهر صور الخلاف وأقدمها ما كان بين سيبويه والأخفش،
1 سورة البقرة آية: 14 1
2 ينظر معاني القرآن للأخفش1/44، والمقتضب 1/264، والحجة لأبى على الفارسي 1/358- ا 36.
3 ينظر الكتاب3/543-544.
4 المصادر السابقة.
5 سورة البقرة آية: 124.
التي أوردها ابن أبي الربيع بشيء من الِإيجاز في كلامه على الآية السابقة، وقد رَجّح ما ذهب إليه سيبويه، ولم يبين وجّه الضعف لا مذهب الأخفش في المسألة. ومما قاله- رحمه الله:
(.. والكاف مِن ْ (إنّي جَاعِلكَ) مخفُوضَة بالإضافة، والأخفش جعلها مُفّعُولة 1. وسيبويه اعْتَدّها بالظّاهر العاري عن الألفِ واللام2وهو الصواب إن شاء الله. (285) .
قياس ما يُجَمعُ عليه فَعَل جمع تكسير:
تناولت في كلامه على قوله تعالى: (.. فَاتَّقُوا النَّارَ التي وَقُودُهَا الناس وَالْحِجَارَةُ..) 3ما يجمع عليه فَعَل بفتح الفاء والعين، نحو جمل، وحجر، وجبل، وقرر أن القياس فيه أن يجمع على فعال، لأنَّ هذا الجمع هو الَّذي رجحه سيبويه، ومما أورده في المسألة: (.. والحجارة جاءت بالتاء على تأنيث الكلمة، والأكثرُ والأقيس في فَعَلٍ أنْ يُجمع على فعال بغير تاءٍ، قال سيبويه: وقد جاءت حجارة قليلاً، وجاء في الشعر ضرورة، وأنشد:
كأنها من حجار النيل ألَبَسها
…
مضارِبُ الماء لَوْن الطَّحْلب اللزب 4
ورأيتُ بعض المتأخرين يقول: إنَّ حجارة بغير تاء لم يأت إلَاّ في الشّعر للضّرورة، وقال سيبويه ما ذكرته أنها جاءت في القليل من الكلام (ْ4) ، وهو بلا شك أعرف، لأنه ناشد العرب وعلم مِن كلامها ما لم يَعلَمه غيره. (107) .
1ينظر معاني القرآن للأخفش1/83 ـ 87
2ينظر الكتاب1/187.
3سورة البقرة آية: 24.
4ينظر الكتاب 3/ 570-572.
5 رجح سيبويه أن ما جاء على فعل كجمل وجبل وحجر وذكر أن يجمع على فعال فيقال: جمال، وجبال، وحجار، ثم ذكر أنهم يلحقونه الهاء، نحو جمل: جمالة، وحجر: حجارة، وذكر ذكاره وذلك قليل، والقياس ما ذكر أولا. المصدر السابق بتصرف.
ثانياً: حذف حرف الجرو بقاء عمله:
اختلف النحويون في موضع أنّ المشدة وما دخلت عليه في قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ..)(1) 1بعد سقوط حرف الجر، فمنهم ذهب إلى أن موضع أنّ وما دخلت عليه النصب، ومنهم ذهب إلى أن الموضع جر، وهو سيبويه، وقد رجح ابن أبي الربيع ما ذهب إليه سيبويه ولم يذكر أصحاب القول المعارض لقول سيبويه، وقد ذكر سيبويه أنّه قول الخليل، ومما قاله ابن أبي الربيع في المسألة: (.. اختلف النحويّون في أنَّ إذا سَقَطَ حرف الجر أتكون في موضع نصب؟ أو تكون في موضع جر؟.
فذهب سيبويه إلى أنَّها في موضع جر، وأن حرف الجر وإنْ حُذِف بقى عمله، كما بقي عمل "رُبَّ " بعد حذفها، وحمله على هذا الحكم تقولُ العربُ لأنكَ فاضلٌ أتيتُ، ولا تقول: لأنك فاضلٌ عَرَفْتُ، لأنَّ المفتوحة لابدَّ أنْ تعتمد على ما قبلها فاعتمادها على (أنَّ) هنا على حَرْفِ الجر وإنْ حُذفَ دليلٌ على أنّه في حكم الموجود، وإذا كان كذلك فعمله باقٍ2.
ومنهم من ذهب إلى أنَّ حرف الجر إذا حذف صار الموضعُ موضع نصب (3) 3وبكون بِمَنْزلة: أمرتك الخير.
وكلاهما له وجه، وما ذكر سيبويه عندي أَقْوى- والله أعلم-.
1سورة البقرة آية: 25
2ينظر الكتاب 28/3 1، والبسيط لابن أبى الربيع 2/1048، والكافي 1ق 313-4 31.
3هذأ القول للخليل بن أحمد كما في الكتاب 127/3، وقد اضطرب نقل العلماء لهذه المسألة، حتى قال في ذلك بن هشام في المغنى 282: وأمّا نقل جماعة منهم ابن مالك أن الخليل يرى أن الموضع جر، وأنَ سيبويه يرى أنّه نصب فهو سهو.. ومما وقع فيه الإِضطراب نقلُ أبو حيان في البحر 1/ 181 فعزا إلى الخليل والكسائي أن موضع "أنَّ لهم جنات "جر، وعزا إلى سيبويه والفراء أنّ موضعه نصب، لكنه في النهر 112/1 عزا النصب إلى الخليل فقال: قوله: "أن لهم جنات " وحذف منه الحرف، وهوفي موضع نصب على مذهب الخليل خلافاً لمن قال: مذهب الخليل أنه في موضع جر، وهو أبن مالك، قاله في التسهيل: وهو كان قليل إلمام بكتاب سيبويه
…
وتكرر هذا التوجيه في أن المصدرية الناصبة للمضارع في قوله تعالى: (وإنَّ الله لا يستحي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً) فقال:
(.. إنّ "يَضْرِبَ " على إسقاط حرف الجر، وأصله إنَّ لا يَسْتحي من أن يَضْرِبَ، ثم حُذفت مِنْ، وقد تقدم أن حذفها في هذا الموطن قياسٌ، واختلف الناس في بقاء عمله وزواله، كما اختلفوا في أنْ، وكلا القولين له وجه. والأظهر عندي أن يبقى العمل فيما حذفه كثير، ويجرى مجرى ربّ، فإنها حذفتْ وبقى عملها (120) .
ثانياً: تصغير كلمة " ناس "
عرض ابن أبي الربيع لتصغير بعض الأسماء والأعلام التي جرى فيها خلاف بين أئمة النحو المتقدّمين وقد رَجّح ما ذهب إليه سيبويه، لأن عليه أكثر النحويين، ومن أمثلة ذلك تصغير كلمة النّاس الواردة في قوله عز وجل:(وَمِنَ النَّاس مَن يَقُولُ آمَنَّا بالله..) 1قال في تصغيرها:
(.. يقالُ: ناسٌ قليلاً بغيرِ هَمْزةٍ، ويقالُ في تَصْغِيرِهِ نُوَيْسْ، ولا تُرَدُّ الهمزةُ للتصغير؛ لأنَّ بناء التصغير يقومُ مِمَّا بقي من الحروف، فإن لم يكن بناءُ التصغير يقومُ مِمَّا بقيَ من الحرُوفِ رُدَّ المحذوفَ، كقوله: دُمَيٌّ وُيدَيٌّ هذا هو مذهب سيبويه والخليل. ويونُسُ يذهبُ إلى رَدِّ المحذوفِ من المكَبّرِ سَواء كان بناءُ التصغير يقومُ مِمَّا بقي فن الحروف أو لا يقومُ، فيقولُ في هار: هُوَيْئِرٌ، فيلزم أنْ يقولَ في ناسٍ: أنيسٍ، وعلى مذهب سيبويه أكثرُ النحويين، وهو أصح، وبيانُ هذا في كُتُبهم2 (43) .
1سورة البقرة آية: 8.
2ينظر الكتاب 3/ 456، والأصول لابن السهل 3/ 61، وشرح السيرافي 627/2! 62، وشرح الشافية 224/1، والملخص 2/153.
تصغير إبراهيم وإسماعيل
أورد ابن أبي الربيع في تصغير إبراهيم، وإسماعيل خلافاً بين المتقدمين ورجح ما قَرَّرَهُ سيبويه في تصغيرهما مُبّيناً وجه الترجيح، ومما قاله في تفسيره للآية الكريمة:(واتخذوا مِن مَّقَام إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إلَى إِبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعيلَ أَن طَهِّرَا بيتي لِلطَّائِفِينَ والعاكفين والرُّكَّعِ السجود)1.
(.. حُكي في تَصْغيرِ إبراهيم وإسماعيل: بُرَيْهٍ وسُمَيْعٍ، ذكر ذلك سيبويه2، فالهمزُة والميمُ زائِدتانِ، وكذلك إسماعيلُ الهمزُة واللامُ زائدتان. وتصغير الّترخيمِ هُوَ على حذف الزائد، فَلَوْ صَغّرتَهُ على غير الّترخيم لقلت: بُرَيْهيم وسُمَيعيل 3 وحذفت الهمزة. وقال المبُرِّدُ: أبَيْرِه واُسَيْمِع4، والأول أدلُّ على المكُبّرِة لأنه يمكن أنْ يكونَ أُبَيْرِه واسيْمع تصغير إبْره واسمع، وبالقول الَأوّلِ قال سيبويه وعليه أكثرُ النّحويين لما ذكرتُهُ مِن الدّلالَةِ على المكَبَّرِ. أ،.
موقفه من الفراء
أورد ابن أبي الربيع توجيهاً للفراء لكلمة (مَثَلًا ما بعُوضةً) هو الواردة في قوله عز وجل: (إِنَّ اْللَّهِ لَا يستحي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَما فَوْقَهَا..) 5 وَرَدّ ما استدّل به؛ لأنه دليلُ يدخله الاحتمال مِمّا يقتضي بُطْلان الاسْتِدْلال به، ومما قاله في رده. (وأما ما ذهب إليه الفراء، وهو أنَّ المعنى: ما بين بَعُوضَةً فما فوقها خارِجٌ عن طريق كلام العرب؛ لأنَّ الظّرفَ لا يُحذَفُ وُيقامُ مَقامهُ مخفوضُهُ، لا تقول: جلستُ زَيداً تريد جَلَسْتُ عند زيدٍ، هذا ليس من كلامِ العرب، واستدلا له بقول العرب: له عشرون
1سورة البقرة آية: 125.
2ينظر الكتاب 3/ 476، وشرح السيرافي 668/2.
3المصدر السابق 3/ 446، وشرح السيرافي 2/ 610.
4ينظر شرح السيرافي 2/ 0 1 6، وشرح الشافية 263/1، وارتشاف الضرب 1/1 19.
5 سورة البقرة آية: 26.
ما ناقةً فجملاً (1) 1استدلالا ضعيفٌ، فإنّ ما هنا زائدة، والأصل له عشرون ناقةً فجملاً، والفاءُ جاءتْ لِترتْيب الأخبار، وإلَاّ فكيْفَ تأتي الفاء مع بينَ؟ لا تقل جَلَسْتُ بَيْنَ زيد فعمروٌ، ولا يقولُ أحدٌ جَلَسْتُ القومَ زيدٍ جَلستُ بين القوم، فإذا بَطَلَ هذا كلّهُ بطَلَ قوله. ولا يَصِحُّ الاستدلال على القواعد إلَاّ بغير مُحتَمَل، ومتى احتملَ بطل الاستِدْلال (121) .
موقفه في المازني
تناول ابن أبي الربيع علة البناء في تابع أيّ المقترنة بأل في النداء عند كلامه على الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدوا رَبَّكُمُ..) 2وتطرق به الحديث إلى رأْيِ المازني في المسألة، وردّهُ لعدم الدليل على القياس الذي صَوَّغ له ما ذهب إليه، ومما قاله ابن أبي الربيع في المسألة في الرد على المازني
…
(.. يا التي للنداء إذا وقع بعدها اسم مبني على الضم على أنه معرفة فهي مع ضمتها كالألف واللام يفهم ضمنها التعريف، إلى أن يقول:
فإذا قلت: يا أيَّها الرجلُ، فأىَّ هنا هي الرّجلُ، وإذا قلت: يا أيها الناس، فأيّ واقعة على شيء مبهم يَتَبَيّن بما يجرى عليها، وأي مفردة بنيت على الضم؛ لذلك يكون المبين لها مرفوعاً ولم يسمع فيه النصب، لأن المنادى بالحقيقة إنما هو الاسم الذي فيه الألف واللام التابع لها، وأنت لو ناديت ذلك الاسم لم يكن إلاّ مبنياً على الضم، فلم تكن أي وتابعها إلَا مرفوعين.
وأجاز أبو عثمان المازني النصب في أي تابع3، ولم ينقله وإنما أجازه قياساً.
وبما ذكرته يمتنع القياس، لأنك إذا قلت، يازيدُ الظريف، فزيد المقصود بالنداء
1ينظر معاني القرآن 22/1-23.
2سورة البقرة آية: 21.
3 ينظر المقتصد 2/778، وارتشاف الضّرب 3/127.
لا الظريف، وإذا قلت: يا أيّها الرجلُ، فالرجل هو المقصود بالنداء، وأيّ صلة1. (189)
موقِفُهُ مِن الزَّمَخْشَريّ
وقف ابن أبي الربيع على كتاب الكشاف لجار الله الزمخشري، وأفاد منه، وترسم نهجه في المناقشة واستجلاء المعاني البلاغيّة والصّور البيانية، لكنَّ إفادته من كشاف الزمخشري لم تكن مانعتُهُ من الأخذ عليه والنقد لبعض أقواله التي نثرها في كتاب الكشاف، وأكثر المسائل التي تناولها ابن أبي الربيع في اللغة والنحو والتصريف، ولم يصرح باسم الزمخشري إلا في مواضع قليلة من هذا السفر في تفسير الكتاب، وإنما ورد نقده له تحت قوله: بعض المتأخرين، ولمّا عُرِضَتْ الأقوال موضع الملاحظة على مواطنها في كتاب الكشاف تبيّن أنه المقصود بذلك، فالأقوال أقوال الزمخشري إن لم تكن بلفظها فهي بلفظ مقارب، أما المعنى فواحد، ونورد فيما يلي أهم المسائل التي تناولها ابن أبي الرّبيع في تعقبه على الزمخشري:
لم كان الرّحمن أبلغ من الرّحيم؟
قال ابن أبي الربيع في بيان السَّبب الذي صار به الرحمن أبلغ من الرحيم في قول الله عز وجل: (الرحمن الرَّحِيمِ) :
(.. (الرّحَمنِ) اسم خاص به سُبْحانه لا يقعُ على غيره وفعلان يأتي عند الامتلاء، نحو غضبان، وسكران، وحيران، وكذلك الرّحمن.
والرّحيمُ مبالغةٌ في رَاحمٍ، والرّحمنُ على هَذا أبْلَغُ مِن الرَّحيم، ولذلك يُقالُ رَحمن الدُّنْيا والآخرة، وَلمْ يُقلْ في الرحيم،لأنَّ الرحمن جرِى مجرى الأسماء، والرَّحيم ليس كذلك، بل هو باقٍ على الصِّفة وجريانه على غيره، فلذلك قدِّم على الرَّحيم.
1نفس المصدر السابق.
وجاء أبو القاسم الزّمخشري وقال: هو اكثر حروفاً من الرّحيم، فهو لذلك أبلغ كالشقدف والشّقُنْداف1.
وهذا كلام ليس مِن طريق كلام العرب، ألا ترى فَعِلاً، نحو: حَذِر أبلَغُ من حاذِرٍ، وإن كان أقلَّ مِنهُ حروفاً، وإنّما الأمرُ على ما ذكرت لك. (5) .
رَدّ ابن أبي الرَّبيع القول بأنّ "رَبّ " وصفٌ بالمصْدَرِ
وَممّا رَدّ به على الزَّمخشري ولم يُصَرّح باسْمِهِ قوله في تَصْرِيف "ربّ " من "رَبّ العالمين ": رَبّ وَزْنُهُ فَعِلٌ بكسر العين، والأصل رَببَ ثُمَّ أُدغم، وليس أصلهُ فعْلاً بسكون العين؛ لأنَّهم قالوا في الجمع: أرْبَابٌ.. إلىَ أن يقول:
وقولُ من قال: إنّه وصفٌ بالمصدَرِ2 فيه بُعدٌ، إذّ لو كان كذلك لم يثنَّ ولم يجمع، ومَنْ ثنَّى مثل هذا في المصادر ثنّاهُ على القياس في فعلِ أفعل، وذلك نحو: كَفٍّ، وَأَكُف، فكونُه قد جُمِعَ على أرباب يَدُلُّ على بعد هذا القول. (7) .
إضافة اسم الفاعل إلى معموله في "مالك يوم الدين "
ذهب ابن أبي الربيع إلى أن إضافة اسم الفاعل في قوله تعالى: (مَالِكِ يَوْم الدِّينِ) إضافةً محضة واسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال، وأنَّ هذه الإضافة إلىَ معرفة تفيد التعريف، لأنّ اسم الفاعل إذ أضيف إلى معرفة كان على وجهين: على التعريف وعلى التخفيف، وردَّ قول الزمخشري في جعله الإِضافة هنا غير محضة وأنّها لمجرد التخفيف، ومما أورده في تقرير المسألة والرد على الزمخشري قوله:
واسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي وأضيف إلى المعرفة تعرّف، وإذا كان بمعنى
1ينظر الكشاف 1/42.
2المصدر السابق 1/53.
الحال والاستقبال وأضيف إلى المعرفة كان على وجهين: على التّعريف وعلى التخفيف، وتكون هنا الإضافة على التعريف، لأنّه جارٍ على المعرفة.
وجاء بعض المتأخرين، وقال: إنّ اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال فلا تكون إضافته إلَاّ غير معرفة، وتكون غير محضة، وإنما تكون للتخفيف1.
وهذا القول فاسد، والصحيح ما ذكرته أولاً، وهو أن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال فله إضافتان: إضافة تعريف وإضافة تخفيف، والذي يضاف ولا يتعرف أبداً بالإِضافة الصفة المشبهة باسم الفاعل خاصة ولا يتعرف إلَاّ بالألف والّلام. وجاء (مالِكِ يوم الدّين) على طريقة نهارُه صائم وليله قائم في الاتّساع لمّا كان فيه نُسِبَ إليه إمّا بالفاعلية وإمّا بالمفعولية. على جِهةِ الاتِساع. (10) .
إعراب كلمة "سواء" وجملة " أأنذرتهم "
أورد ابن أبي الربيع إعراباً لكلمة "سواء" وجملة "أأنذرتهم " من الآية الكريمة: (سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) لم يعزه إلى قائله بل طوى ذكره لَعلّه تكَرّه التشهير به وآثر توجيه النقد إلى فحوى القول ومنطوقه، وهو نهج التزمه كثيراً في نقده وتعقباته على بعض العلماء. ومما قاله هنا بعد إيراده الإعراب الذي ارتضاه:
(ومَنْ قال: إنّ (أأنذرتهم) في موضع المبتدأ و (سواء) خبر فقد قال مالا نظير له. وكذلك مَنْ قال إنّ (أأنذرتهم) فاعل (سواء) و (سواء) خبر إنّ مقدم فقد أخطأ (2) 2؛ لأنَّ الجملة لا تقع موقع الفاعل فليس في هذا إلّا ما ذكرته، من جعل الخبر
1ينظر الكشاف ا/57-58.
2والقولان هنا لأبى القاسم الزمخشرى، قال في الكشاف: وسواء بمعنى الاستواء.. وارتفاعه على أنه خبر لإِنّ، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم في موضع المرتفع به على الفاعلية، أو يكون أأنذرتهم في موضع الابتداء، وسواء خبر مقدم. بمعنى سواء عليهم الإنذار وعدم الإنذار.. بتصرف من الكشاف 1/ 1هـ ا-152، وينظر التبيان في غريب إعراب القرآن 1/ 50، وإملاء ما منّ به الرحمن 1/ 20، والدر المصون 1/105.
مبتدأ والمخبر عنه خبراً على جهة الاتِّساع، فيكون بمنزلة: إنَّ خيراً منك زيدٌ، وإنّ مثلك عمرو. (36) .
مجيء مِنْ لبيان الجنس عند الزمخشري وَردّ ابن أبي الربيع ذلك
ذهب الزمخشري إلى أنّ "مِنْ " في قوله تعالى: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّماء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ) 1 تُفِيدُ التّبعْيض، وقد تكُونُ لِلْبَيان، كَقَوْلِكَ: أنفقت مِن الدَّراهم ألفاً2.
ولم يرتض ابن أبي الربيع معنى البيان في "مِنْ " وأثبت لها معنى التبعيض، وزاد ابتداء الغاية، واستند فيما ذهب إليه في ابتداء الغاية إلى سيبويه وأبي علي الفارسي، ومما قاله في المسألة:
(.. وجاء بعض المتأخرين وقال في "مِنْ " هنا إنها للبيان، واسْتَدَلَّ بقولهم: أنفقت من الدَّراهم ألفاً، لا فرق بينه وبين الآية.
التبعيض فيها هو البيّن، ولم يذكر سيبويه ولا أبو علي في "مِنْ " أَنَّها توجد لِلْبيان، وإنما هي موجودة لابتداء الغاية أو للتبعيض3، ومَنْ قال: إنّها تكون للبيان اسْتَدَلّ بقوله سبحانه: (فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ) 4وهذا التبعيض فيه بينّ، لأنَّ الوثن لا يجتنب فيه إلاّ العبادة والتعظيم وهذا هو الرّجس، وأمّا أَنْ يؤخذ الوثن إذا كان ذهباً أو فضة فيعمل به ما يجوز أن يعمل فلا يجتنب، وهذا ليس برجس. 5 (95) .
1 سورة البقرة آية: 22
2ينظر الكشاف 1/ 235.
3 ينظر الكتاب 4/ 224-225، والإيضاح 251.
4 سورة الحج آية: 30.
5 هذا التخريج الذي أورده ابن أبى الربيع لا يمنع مجيء من لبيان الجنس، وكون سيبويه أيقل به لا يلزم منه النفي لهذا المعنى فقد ذهب إليه غير واحد من العلماء كالهروي في الأزهية 233، وابن مالك في شرح التسهيل 3/134.\
إعراب " رِزْقاً " مفعولٌ من أجله
أعرْبَ الزمخشريُّ كلمة (رِزْقاً) من الآية الكريمة: (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ) مفعولاً من أجله، ومِن الجارّة للتَّبعْيضِ، ولم يَرْتض ابن أبي الربيع هذا الإعراب و"مِن " للتبعيض، وإنمّا خرجه على أنّه مفعول به؛ لأنه الأظهر في الصورة والأقرب في البيان، قال في تعقبه على إعراب الزمخشري:
(.. ورأيتُ بعضَ المتأخرين قال: وإنْ كانت "مِنْ " مِن قوله سبحانه "من الثّمراتِ " للتّبعيضِ فيكونُ "رِزْقاً" مفعولاً من أجله1؛ ولا أدْرِي ما حَمَلُه على هذا؟ وإلاّ فقد يقولُ: أكَلْتُ مِن الرَّغيف ثلثه، وأخرجت من النّاسِ زيداً، وَزَيدٌ مفعولٌ به ولا يُتَصَوَّرُ أنْ يكونَ مُفْعُولاً من أجْلهِ. وجَعَلُ الرّزَق هنا مفعولاً مِن أجله إنَّما يكونُ بعد جعل الرّزْقَ مَصْدَراً، وشرطُ المصْدرِ إذا كانَ مفعولًا من أجله ألَاّ يُنصبَ حتّى يكُونَ فاعلاً لِفاعِلِ الفعل المعلل ومع الفعل المعلّل في زمانٍ واحدٍ، نحو: جئتك ابتغاء الخير، فأنا الجائي، وأنا المبتغي والزّمانُ واحد، فالرّزق على هذا هو من الله تعالى، والإخراج منه سبحانه إلاّ إنّ الزّمان مختلف، إلاّ أن يكون المعنى: إعداداً لرِزْقكم، وفيه اتساع.
وقال: وإنّ جعلت ((مِن)) للبيان كان "رِزْقاً " مفعول به، وقد جعل "من " للبيان وجعل الرزق مفعولاً به، و"من " للتبعيض أبين من جعله مفعوًلا مع من التي للبيان عند من يثبت ذلك. (96) .
رَدّ ابن أبي الربيع إعراب كلمة "لكم " مفعولاً لأجله
خرج ابن أبي الربيع كلمة (لكم) الواردة في الآية الكريمة: (خَلَقَ لَكُم مَّا في الأَرْضِ جَميعاً) على أن اللام لتعدية الفعل قبلها، فهي بمنزلة: جئت لك، فجاء تتعدى بالَلام وليست على معنى جئت لأجلك؛ لأنه لا يعلم الذي جيءَ لأجْلِه، وكذلك (خلق لكم) تتعدى باللاّم، ولَيْسَ المعنى لأجلكم. وبعد أن قرر هذا الوجه
1ينظر الكشاف 1/ 135.
عرض لقول الزمخشري في المسألة دون أنْ يصرح باسمه أو يعزو إلى المصدر، فقال:(.. ورأيت بعض المتأخرين ذهب إلى أن "لكم " مفعولاً لأجله1، وهذا ليس بصحيح لما ذكرته..) .
وما ذهب إليه الزمخشري هو الأظهر في كلمة (لكم) لما فيه من معنى السبب، وقد أخذ به غيرُ واحد من معربي القرآن2، حتى قال أبو حيان إن (الأحسن حمله على السبب فيكون مفعولاً من أجله؛ لأنه بما يا الأرض يحصلُ الانتفاع الديني والدنيوي3. أعرب الزمخشري في (سبع سماوات) الواردة في الآية الكريمة:(فسواهن سَبْعَ سَمَواتٍ..) 4 علما أنها تفسير للضمير المبهم "هُنَّ " وأمّا ابن أبي الربيع فقد خَرّجها على وجهين هما: البدلية والحالية، ثم رد قول الزمخشري، وممّا قاله في المسألة:
(.. وسَبْعَ بدلٌ من "هُنَّ " والتقدير: فَسَوّى سَبْعَ سموات، ويمكن أنْ يكون حالاً على تقدير: مقدراً أن يكون سبع سماوات، كما قال سبحانه: (وجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) أي مقدراً أن يكون سَكناً، وهذا بمنزلة قول العرب: مررت برجلٍ معه صقرٌ صائد به غداً، أي مقدرا به الصّيدِ غداً، والبدل عندي أحسن. ورأيت بعض المتأخرين يذهب في (سبع سموات) إلى أنه بمنزلة: ربه رجلاً، أضمر على شريطة التفسير (5)5. وهذا قولٌ لا يُعَوّل! عليه ث لأنَّ الضمير على شريطة التفسير يحفظ ولا يقاس عليه، ولا يقال منه إلّا ما قالت العرب ة لأنه خارجٌ عن القياس، والأصل في الضمير الغائب أنه يأتي بعد الظاهر لفظاً أو مرتبةً، أما إتيانُه قبل الظاهر المفسِّر له لفظاً ومَرّتَبةً فَلَمْ يَقَعْ إلّا في أرْبعةِ أبواب، وبَيانُها في كُتُب العربية، وليس هذا مِنْهَا. (131) .
1ينظر الكشاف 1/ 270.
2 ينظر الفريد في إعراب القرآن المجيد 262/1.
2ينظر البحر المحيط 215/1.
2سورة البقرة آية: 29.
3ينظر البحر المحيط 215/1.
4سورة البقرة آية: 29.
5ينظر الكشاف 1/ 270، والفريد في إعراب القرآن المجيد 263/1، والبحر المحيط 18/1 2، وقد رجح أبو حيان فيه البدلية على التفسير، وبقية الإعرابات التي أوردها.
خرج الزّمَخْشرِيُّ كلمة "أعْلَم " من قوله تعالى: (وَأعْلَمُ مَالَا تَعْلَمُونَ) 1على معنى التفضيل، أمَّا ابن أبي الربيع فجعل "اعلَمُ " هنا فعل مضارع واسْتَبْعَدَ ما ذهب إليه الزمخشري، ومما قاله:
(.. "اعْلَمُ " هُنا فِعْلٌ مضارعٌ يُراد به الحالُ المسْتَمِرّة و"ما" مفعول بأعْلَمُ، والتقدير: بما تَعْمَلون أبداً، ودخلَتْ لا هنا لنفي المستقبل، وقدْ قِيلَ في هذا أقوالٌ أحسَنهُا عندي ما ذكرته.
وجاءَ بعضُ المتأخّرينَ وذهبَ إلى أنَّ "اعلمُ " هُنا أفعلَ تفْضيلٍ2، وهُوَ شيءٌ بعيدٌ، مقصُودُه مُتَعَذّر. (135) .
أعربَ الزمخشريّ كلِمة "وَمِنْ ذُرِّيّتي " من الآية الكريمة: (قَالَ إِنّىِ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً، قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى..) وهو معطُوفةً على الكاف من "جاعِلُك" كأنه قال: جاعلٌ بَعْضَ ذُرِّيّتي..
وقد ردّ ابن أبي الربيع هذا التوجيه بمقتضى الصِّناعة الإِعرابية، والقاعدة النحوية، فقال:
(.. وذهبَ بعضُ المتأخّرِين إلى أنّه، أيْ (وَمِنْ ذُرِّيتي..) مَعْطُوفٌ على الكافِ مِن (جاعِلُكَ)3. ولَيْسَ هذا بالبيّنَ؛ إذْ لو كانَ (وَمِنْ ذُرِّيَّتي) منصوباً لكانَ وَذُرِّيّتي، لأن الكاف مفعولُهُ فهو يصلُ إليها بنفسه، (وَمِنْ ذُرِّيَّتي) مجرور فكيف يُعطفُ المجرورُ على المنصوب. (256) .
أعرب الزمخشريّ (ومَنْ كَفَر) معطوفة على (مَنْ آمن) في قوله تعالى: (وَإذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْم الآَخِرِ، قَال وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً..)4.
1 سورة البقرة آية: 30.
2 ينظر الكشاف 1/271.
3 المصدر نفسه 309.
4 سورة البقرة آية: 126.