المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عناية ابن أبي الربيع بالقراءات - تفسير الكتاب العزيز وإعرابه

[ابن أبي الربيع]

الفصل: ‌عناية ابن أبي الربيع بالقراءات

ولم يرتض ابن أبي الربيع هذا الإعراب، بل رَدّهُ بقوله:

(ورأَيتُ بعضَ المتأخّرينَ يذهبُ إلى أنّ (وَمَنْ كَفَرَ) معطوفٌ على (ومَنْ آمن) 1، وحقُّ المعْطُوفِ أنْ يكونَ مُشَرّكاً في العامِلِ، والتّشريك هُنا مُمْتْنعٌ؛ لأنَّ الأوَّل دعاءٌ، والثاني إخبارٌ عن الأصل2. (98) .

1 ينظر الكشاف 1/ 310.

2 ينظر البحر المحيط 603/1 فقد ردّ بارد به ابن أبى الربيع هنا، وزاد في البيان وتوجيه المعنى على مقتضى الإعراب.

ص: 356

المبحث السابع

‌عناية ابن أبي الربيع بالقراءات

أورد ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسيره قراءات مختلفة، فيها المتواترة، والشاذة، وقد تناول الكثير من هذه القراءات بشيء من البيان والتوجيه على مقتضى قواعد العربية، ونبّه على ما خرج من القراءات الشاذة عن أصول العربية والقياس الصحيح.

ومنهجه في الاحتجاج بالقراءات يقوم على تقديم المتواتر والتعويل عليه، وتَوْجيه القراءات الشاذة غالباً على الأوجه المحتملة في العربية، فإذا لم يجد لها وجهاً في العربية خرجها على قاعدة الاتساع.

وتارة يورد القراءات متواترة كانت أو شاذة دون أن يتبعها بتوجيه أو بيان، كقوله: لم يقرأ في السبع إلاّ بالتخفيف3، وأمّا في غير السّبع فقد حكى فيه قراءات (4) 4، وقد قرىء في غير السبع (5) 5، ومن أمثلة القراءات الموجه ما يلي:

3ص 33 من تفسير ابن أبى الربيع.

4ص 47 من تفسير ابن أبى الربيع.

5ص 64 من تفسير ابن أبى الربيع.

ص: 356

قال في توجيه القراءة الشاذة في قوله تعالى: (أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ) قُرىءَ في الشّاذّ (أنذرتهم) وهو على حذف همزة الاستفهام، اسْتغنوا عنها بأم، لأنَّ أم طالبة بالاسْتفهام، ثم ثَقُلَ اجتماع الهمزتين، وهذا لا يَكادُ يُعْرَفُ، ولم يجئ في السبع1. وقال في توجيه قراءة (غِشَاوَة) من قوله تعالى:(عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) 2 (.. لم يقرأ هذا في السّبع إلَاّ بالرّفع، وقُرِىءَ في غير السبع بنصب "غَشِاوَة " ورُوِيَ ذلك عن عاصم في روايته المشهورة عنه لها وجه، وهو أن يكون منصوباً بإضمار فعل دَلّ عليه (وخَتَمَ) 3، لأنَّ الختم في القلب وَالسّمع نظير جعل الغشاوة على العين، فيكون هذا بمنزلة قول امرئ القيس:

...

...

يُحَلّين ياقوتاً وشذراً مُفَقَّرا

وَرَيَحَ سَناً في حِقِّهِ حِمَيريةٍ

...

...

المعنى: وُ يضَمّخْنَ ريح سنا، وحذف يضمخْن؛ لأنَّ ما قبله وهو يُحَيّن يَدُلُّ عليه.

وجاء في غير السّبع "غَشْوَةٌ " والمعنى تغطية، وهو مصدر. و"غُشاوة" يضم العين، وبالعين غير المعجمة. والواو في عشاوة أصل، لأنّهم قالوا: عشا يعشو، قال:

متى تأته تعشو إلى ضَوْءِ نارِه

تجد.

وأمَّا مَنْ قَرَأَهُ بالغَيْنِ فالواو مُنْقلبةٌ عَنْ يَاءٍ، لأنّهم قالوا: الغشيان. وقالوا: غَشيَة وقُرىءَ "غِشْوَةَ "بكسرِ الغين والواو منقلبة عَنْ ياء، وهذه قراءاتٌ لم تثبت في السبع، والثابت في السَّبع (غِشاوة) بكسر الغين وفتح الواو ورفع التاء. وفِعالة بكسر أوّله يأتي في المصادر إذا كان فيها ولاية، نحو الإِمارة، والحياكة، والكتابة، لأنَّ في هذه كلّها شبهاً بالولاية.29- 30.

1ص 33 من تفسير ابن أبى الربيع.

2 سورة البقرة آية: 7.

3ينظر التذكرة في القراءات لابن غليون 309/2، والمحرر الوجيز 1/ 155-156

ص: 357

تضعيفُ القراءةِ الشَّاذًةِ أو تخريجها على وجه الاتساع

وتارةً يُورِدُ القراءةَ الشّاذة ويخرجها على مقتضى الصنعة الإعرابية ليظهر وجه الضعف فيها، من ذلك ما أورده في توجيه قراءة الرفعِ لكلمة (بَعُوضَةً) من قوله عز وجل:(إِنَّ اللَّهَ لَا يستحي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضةً فَمَا فَوْقَهَا) قال توجيه رفع (بَعُوضة) :

(.. لم يَقْرَأُ السبعة إلاّ بنصب "بَعُوضةً"، وَقرِىء في غير السّبع بالرّفع ولَيْسَ بالقويّ، لأنَّ (ما) هنا بمعنى الّذي وَصِلَتُها "بعوضة " ولابدَّ مِن ضميرٍ محذوف تقديره: الّذي هُوَ بعوضة، وهذا الضّمير يَقِلُّ حذفُهُ، وإنّما هُوَ في الأفْصَح ظاهرِّ كما قال تعالى:(وَرَاوَدتْهُ الَّتِى هُوَ فِي بَيْتِهَا)1.

وكذا وجه الرفع في كلمة (أحَسّنُ) من قوله تعالى: (تَمَاماً عَلَى الذي أَحْسَنَ)2.

ومِمّا قال هنا: ".. قرىء في الشاذ بالرفع وهو على تقدير: الّذي هو أحسنُ، وحذف الضمير العائد من الصّلة إلى الموصول إذ كان مُبتدأً ضعيفٌ إلا في أَيِّ، وقد حَسُنَ بعض حُسْنٍ إذا طال الكلام. (121) .

وقال عن توجيه قراءتي الرفع والنصب في كلمة (مُصَدِّقٌ) من الآية الكريمة:

(ولمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ منْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ)3.

(.. لم يقرأ (مُصَدِّقٌ) في السبع إلاّ بالرفع، وهو صفة للكتاب، وقُرىءَ في غير السبع (مصدقاً) بالنّصب، وهُو عِندي حالٌ من الضمير الّذي في (من عندِ اللَّهِ) ، لأنه نائب مناب مُسْتَقِرٌّ، فيكون المعنى: وَلمَّا جاءَهُم اسْتقر من عند الله في حال أنه مصدق بالتوراة؛ أيْ موافقاً لما في التَّوْراة. (233) .

1سورة يوسف آية: 23.

2سورة الأنعام آية: 154.

3 سورة البقرة آية: 89.

ص: 358

ومما خرج فيه ابن أبي الربيع القراءة السبعية على خلاف القياس والقراءة غير السبعية على مقتضى القياس كلمة (مَثُّوبة) من قوله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّهمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ منْ عِندِ الله خَيْرٌ لوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) 1، قال في بيان القياس في (مَثوبةٌ)

(.. يقالُ مثوبة، ومعناهُ الثَّواب، وكان القياسُ في مثوبة مثابة، ولم يقرأ به في السّبع، وقُرِىء في غيرِ السّبع، لأنَّ الفعل معتل فينبغي أن يكون المصدرُ كذلِكَ، مثل المنابة والمقامة والمقالة والمثابة، لكنّهُ جاء مصححاً على الأصل كما جاء القُصْوَى والقَود. (261-262) .

وتارة يوجّه المعنى وَفْق القراءة الواردة في الآية، كقوله في كلمة (تسأل) من الآية الكريمة (إِنّا أرْسَلْنَاكَ بالحق بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَا تُسْألُ عَنْ أَصْحَابِ الجحيم)2.

قُرِىء (تسْأل) بالجزم، ولا نَهْيٌ، وقُرىء (ولا تسألُ) بالرَّفعِ وبناء الفعل للمفعول.

فمنْ قرأَهُ بالرفع عطفةُ على (بشيراً) والمعنى: إنَّا أرْسلناك مبشراً ونذيراً وغيرَ سائل عن أصحاب الجحيم، أيْ مَنْ كَفَرَ لا تسأل عن كفره.

ومَنْ قرأ "ولا تسألْ " بالجزم، ففيه تعظيم الجهة، أي: لا تسأل عن هؤلاء، أي إنَّ أمْرَهُم أكبر من ذلك. (283) .

وتارة يخرج القراءة على قاعدة الاتساع، كقوله في توجيه قراءة الضم في (وُقُودها) من الآية الكريمة:(فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ التي وَقُودُهَا الناس والحجارة..) .3

(.. وقرأ جماعة في الشاذ: (وُقُودُها) بضم الواو، والوُقود بضم الواو المصدر فالإخبار عنه بالنَّاس والحجارة فيه اتساع مِنْ وَجْهَين:

1سورة البقرة آية: 103.

2سورة البقرة آية: 119.

3سورة البقرة الآية: 24.

ص: 359