المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النّصُّ المحقّقّ بسم الله الرحمن الرحيم وَصَلّى الله على سَيّدنا محمد وعلى - تفسير الكتاب العزيز وإعرابه

[ابن أبي الربيع]

الفصل: ‌ ‌النّصُّ المحقّقّ بسم الله الرحمن الرحيم وَصَلّى الله على سَيّدنا محمد وعلى

‌النّصُّ المحقّقّ

بسم الله الرحمن الرحيم

وَصَلّى الله على سَيّدنا محمد وعلى آلِهِ وصحبه وَسَلّم..

بسم الله الرحمن الرحيم

ذهب البصريون إلى أنّ التقدير: ابتدائي بسم الله، فبسم عندهم خبر مبتدأٍ محذوف 1.

وذهب الكوفيُّون إلى أنه في تقدير: أبدأ بسم الله 2، والفعل الّذي لا يَصلُ إلاّ بحرف الجر يَضْعفُ حَذْفُهُ وقَدْ جاء ولكنَّه قليلٌ 3، وأمَّا جَعْلُ المجِرورِ خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ فكثير.

وقد جاء بعضُ المتأخّرِينَ وذَهَبَ إلى أنَّهُ يجوزُ أن يكون المجِرور مُتعلّقاً بفعلٍ تدلّ عليه الحال، تقديره: أقرأ بهذا (4) 4وأكتب بهذا، على معنى مُسْتعيناً به، وقد يحذف الفعل لدلالة الحال عليه.

وهذا لا يصحّ؟ لأنّ الحالَ لا تدُلُّ على الفِعْلِ حتّى يَصلَ بنفسه، لا تقولُ: بزيد، تريدُ مرّ بزيدٍ، وإن كان معك من الحال ما يدلّ على ذلك، وتقولُ لِمَنْ أشالَ سَوْطاً، أو أشَهَرَ سَيْفاً: زَيْداً، على معنى: اضْرِبْ زيداً. فالحالُ لا تَدُلُّ على الفِعلِ حتّى يكون

1ينظر: إعراب القرآن للنحاس 1/ 126، ومشكل إعراب القرآن 1/ 6، والتبيان في غريب إعراب القرآن 31/1-32، لإملاء ما منّ به الرحمن 4/1.

2ينظر المصادر السابقة، وتفسير الطبري 1/ 114.

3هذا توهن من أبى الربيع لمذهب الكوفيين في المسألة، وترجيح لما قرره البصريون، وقد رد مكى ابن أبى طالب قول البصريين، وقرر ما فصب إليه الكوفيون، فقال: لأنه لا يحسنُ تعليق الباء بالمصدر الذي هو مضمر؛ لأنه داخل في صلته فبقى الابتداء بدون خبر.. ينظر مشكل إعراب القرآن 6/1.

4قريب من هذا القول ما أصرفه الزمخشرى في الكشاف 26/1-27 ويغلب أنه المعني بهذا الرد بدليل ما ورد بعده من تفصيل في بيان متعلق الجار والمجرور في آية النمل (في تسع آيات إلى فرعون) وتوجيه ابن أبى الربيع لذلك.

ص: 377

الفعلُ يَصِلُ بنفسِهِ، وكذلِكَ في باب الاشْتِغالِ لابُدَّ للفعل أنْ يصِلَ بنفسِهِ، لأنَّ حذْفَ الفعلِ الواصِلِ بحرف الجرِّ قليلٌ، لأنَّهُ لَيْسَ بقُوّةِ ما يَصِلُ بنفْسِهِ، ولا يَتصرَّفونَ لا الضّعيفِ تَصَرُّفهم في القويِّ من الإضْمارِ، لأنّهُم يقَولُون: بمَنْ تَمرّ؟ وبمَنْ مَررْتَ؟ فَيقولُ المسؤولُ: بزيدٍ، وهو على تقدير: مررْتُ بزيدٍ، لأنَّ هَذا وإن كانْ محذوفاً كأنَّهُ ظاهر، لأنّهُ مَكْنُونُ في السُّؤالِ، وَلَيْسَ هذا بمنزلة ما اسْتعملته الأحوال، ولا بِمْنزلَةِ ما حُذِفَ ليُفسّرِ.

وأمّا/ قوله تعالى: (فِى تِسْعِ آيَاتٍ إلَى فِرْعَوْنَ) 1 فَقَولُهُ "في تِسْعِ آياتٍ " خبرٌ (3) لمبتدأٍ محذوفٍ، أيْ هذه الآيات في تِسْعِ آياتٍ، فَقدْ نزّلَ منزلة قد أرْسَلْتُ أو تُرْسِلُ، فجازَ حذفُ الفعلِ هُنا وإنْ كانَ لا يَصلُ إلَاّ بحرفِ الجرّ، لأنَّهُ بمنزلة: بمَنْ مَرَرْت؟ فَتَقُولُ: بزيدٍ، ومعَ هذا كُلِّهِ لا يُنكَرُ حذفُ الفعلِ الواصلِ بحرف الجر، لكَنّه قليلٌ ولا يُحملُ عَليه ما قُدِّر على غيرِهِ.

والباء: مَعْناها الإلصاق 2، وكانَ أصْلُها أنْ تكونَ مَفْتُوحةً لكِنّها كُسِرَت ليوافقَ لفظُها عَملَها ووضْعَها، فَعَمَلُها الجرُّ وَوَضْعُها أنْ تكُوَن مَوْصُولَةً، وَكُلَّ حَرْفٍ مَوصُولٍ فَهُو خَافِضٌ، وأمَّا كاف التّشبيه فقد تُوجَدُ اسماً، لَيْسَ من شَرْطِ الاسْمِ أنْ يكُونَ خَافِضاً، فَلَيْسَتِ الكَافُ مُلَازِمةً أن تكُون مِن جِنْس ما تَخفِض..

وأمَّا لَامُ الجرِّ فَكُسِرتْ لِيُفَرّقَ بَيْنَها وبيْنَ لَامِ الابْتِداءِ في أرْبَعَةِ مَواطِنٍ:

أحَدُهَا: الأسماء المبنيان، نحو: لَهذا زيدٌ.

الثاني: الأسماء المقصوراتُ، نحو: لموسى عمرو.

الثالث: الأسماء المنقُوصَاتُ للقاضي زيدٌ.

الرابع: عند الِإضافةِ إلى ياء المتكَلِّم، نحو: لِكأبي عمرو.

1سورة النمل آية: 12.

2ينظر الكتاب 4/ 217.

ص: 378

فَلمّا رَأَوْها مُلْتبِسةً لو بُنِيَتْ على الفتح بلام الابْتدِاءِ كَسَرُوهَا مُطْلَقاً إذا دخَلَتْ عَلى الظّاهِرِ ليجريَ مجرىً واحداً.

اسم: اخْتلَفَ البَصْرِيّون والكُوفيّونَ فيه:

فذَهَبَ البُصْريُّونَ إلى أنَّهُ مِنْ سَما يَسْمو 1، وأن اللامَ فيه مَحُذوفَةٌ، وَهُوَ بمَنْزلَةِ ابن واست، واسْتَدَلُّوا على ذلِكَ بالجمع والتّصْغير، قالُوا في الجمع: أسْماءُ وفيَ الَتّصْغير سُمَيٌّ، وقَالُوا: سَمَّيْت فَرَدوا اللامَ فيها فَدَلَّ ذلِكَ على أنَّ اللّامَ هي المحذوفةُ.

وَذَهَبَ الكُوفِيًّونَ إلى أنَّهُ مِن الْوَسْمِ2، وَهُو العَلامة، وأنَّ فيه تقديماً وتأخيراً، وأمَّا أسماء وسُمِيٌّ فهُوَ مَقْلُوبٌ، وأصْلًهُ: وَسْمٌ ثمَّ أُخّرَتِ الْفَاءُ وَجُعَلِتْ مَكانَ الامِ، فقالوا: أسماءٌ /فقَالُوا: سُمَيّ.... (4)

وَقَوْلُ الكوفِيينٍّ أَقْرَبُ مِن جِهَة الاشْتِقاقِ، وَهُو مع ذلك ضَعِيفٌ من جهَةِ الْقَلْبِ.

وَقَوْلُ البَصْريّينَ أقْرَب، لأنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهم فيه قَلْبٌ والاسْمُ يُظْهرُ مسماة وَيصِير بحيث تَراهُ فالاشتِقاق فيه قَريب وَإنْ كانَ اشْتِقاقُ الكوفيين أقْرَبَ، إلاّ إنًّ هذا القُربَ مِن ادعاءِ القَلْبِ.

وَحَذَفُوا الألَفَ من بِسْمِ اللَّهِ، لأَنَّهُمُ بَنَوْهُ على الاتصال، فَفَعلُوا ذَلِك لِكَثرةِ الاسْتعمال 3، والأصْلُ أنْ تُكْتَبَ الأوائِلُ على حُكْمِ الابْتِدَاءِ، وتُكْتَبُ الأواخِرُ على حُكْمِ الْوَقْفِ، ألا تَرىَ قَوْلُهُ سُبْحانهُ:(سَبِّحِ اسْمَ رَبّكَ، (اقْرَأ باسم رَبّكَ) فهذا كُلُّهُ مَكْتُوبٌ بالألف على الأصْلِ وَلَمْ تُكْتبْ علىَ الاتّصالِ؛ لأنَّهُ لم يَكّثُرَ فيه الاسْتِعمالُ.

1،2 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/ 40، واشتقاق أسماء الله 255، والإنصات 6- ا، والتبيين132/138.

3حذفت الألف من اللفظ لقيام الياء مقامها، أمّا حذفها خطّا فلِلسّبَب الذي أورثه ابن أبى الربيع وغيره. ينظر معاني القرآن للفراء2/1، ومعاني القرآن وإعرابه 39/1-. 4، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 4 1 1، وإعراب ثلاثين سورة 44.

3يعزى هذا القول ليونس والكسائي والفراء وقطرب والأخفش. ينظر: اشتقاق أسماء الله الحسنى 23.

ص: 379

وَمِن الكُتَّابَ مَنْ يَمُدّ الباء، كأنّ تِلْكَ المدَّةَ عِوَضٌ مِن الألِفِ التي يَجِبُ أنْ تُكْتبَ. وَمِنْهُم مَنْ لَمْ يَمُدّ.

"الله، أصله: الإله (1) 1فحذفت الهمزة ليختص الاسم به سُبْحانُهُ؟ فإنَّ لاها يُقالُ في الْحَقِّ والْبَاطِلِ، وَكذلِكَ الإلَه، وأمَّا الله فمختصٌّ به سُبْحانهُ وَهُوَ المعبودُ حقاً.

وَمِنهُم مَنْ ذهَبَ إلى أنَّهُ مِن الْوُلَهِ 2، وَهو التّحّير فالعُقُولُ تَتَحّيرُ عن إدراكه سُبْحانُهُ ثم جُعلِتْ الفاءُ عَيْناً ثُمَّ تَحَّركَتْ وقَبْلَها فتحة انقلبتْ ألفاً.

وَمِنهم مَنْ قال: هُوَ مِن أَلِهَ 3إذا تَحَّيرَ، وَهُوَ أقْرَبُ، لأنّهُ لَيْسَ عِنْدَهُم فيه قَلْبٌ. وُيمكِنُ أنْ يكُونَ مِن (لاهَ) 4 يَلِيهُ إذا اسْتترَ، وقالوا تَأَلّهْ الرّجلُ يَتأَله مُشَتَقٌ مِن هذا، كما قالوا: بَسْمَلَ واسْتعاذ.

وقالوا: يا أللهُ وادْخَلُوا يا على الألفِ واللامِ لأنّهُم اضطرّوا إلى النْداءِ وَلَم يكن إسقاط الألِفِ واللامِ لأنّهما لازِمَتانِ الاسْمَ عوَضٌ من الهمزةِ عِند مَنْ جَعلَ الأصلَ الإله، ولأنَّ هذا الاسْمَ لَا يَخْتصَّ به سُبْحانُهُ إلا مَعَ الألفِ واللامِ.

وَمِن العَرَب- وهُوَ الأكْثرُ- مَنْ يُسْقِطُ حرف النّداءِ ويَجعلُ الميم عَوِضَاً من حرف النداء، فيقول: الّلهُمّ، وَلَم يجئ في القرآن إلَاّ هكذا. (5)

ولا في السُّنةِ إلا هَكَذا، وَهُوَ الأكْثرُ في كَلامِ العرب.

ونظيرُ إسْقَاطِ الهمزةِ وَجَعلِ الألفِ واللامِ عِوَضاً: النّاس، أصْلُهُ أناسٌ، قال امرؤ القيس:

1يعزى هذا القول ليونس والكسائي والفراء وقطرب والأخفش. ينظر: اشتقاق أسماء الله الحسنى 23.

2أنكر الزجاج هذا القول في اشتقاق لفظ الجلالة، وَممَا قاله في رفه: ولا تعرّج على قول مَنْ ذهب إلى أن مُشتق مِن وَلِهَ يوْله.. ينظر تفسير أسماء اللهّ الحسنى: 25.

3، 4 هذا لقول سيبويه كما في الكتاب 59/2، 498/3، قال الزجاجي في اشتقاق أسماء الله: والمذهب الثالث مذهب سيبويه بعد أن وافق الجماعة الأوّلين، قال: وجائز أن يكون أصله: لاه على وزن فعل، ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف، فقيل: الله. ينظر ص 27 من اشتقاق أسماء الله.

ص: 380

كبير أناس في بجادٍ مُزَمَّلِ 1

وَيقلُّ حَذْفُ الهمزة هُنا، لا تَقُول: نَاسَ إلَا قليلاً، فإذا دَخَلَت الألفُ واللامُ قُلتَ: النّاسَ، وَلا تقُلْ الأناس إلا قليلاً، قال الشاعر 2:

إنّ المناياَ يَطَّلِعْـ

ـن على الأناس الأمنينا

وهذا قَليلٌ. الأكْثَرُ في النَّاسِ مع الألفِ واللام سُقُوطُ الهمزة، والأكثر في النَّاسِ

مَعَ عَدمِ الألفِ واللامِ ثبوتُ الهمزة، كأنَّ الألفَ والَلامَ عِوضٌ مِن الهمزةِ في الأكثر.

(الرِّحمن) : اسْمٌ خاصٌ به سُبْحانُهُ لا يَقَعُ على غَيْرِهِ، وفُعْلانُ يأتي عِندَ الامْتِلاءِ، نحو: غِضْبان وسَكْرانَ وَحَيْرانَ وكذلِكَ رحمن..

(الرّحيم) : مبالغةٌ في راحمٍ، والرّحمنُ على هذا أبلغُ مِن الرّحيَّمِ وَلِذلِكَ يُقالُ: رَحْمَنُ الدّنيا والآخرة، وَلَمْ يُقَلْ هذا في الرَّحِيم، وَجَعَلُوا الرّحِيم تابِعاَ للرحمن؛ لأنَّ الرَّحْمَنَ جَرَى مَجْرى الأسماء، والرّحيمُ لَيْسَ كذلِكَ، بل هُوَ باقٍ على صِفتِهِ وَجَرَيانِهِ عَلَى غيرهِ فَلِذَلِكَ قُدِّمَ الرّحْمَنُ على الرَّحيم.

وَجَاءَ أبو القاسِم الزَّمخشريُّ وقال: هُوَ أكْثَرُ حُرُوفاً مِن الرَّحِيمِ، فَهُوَ لذِلِكَ أبْلَغُ فَهُوَ كالشقدفِ وَالشُّقُنْدافِ 3.

4صدره: كأنّ أبانا في أفانينَ وَدق.

البجاد: كِساءُطَ مخطّط. المزَمّل: الملتِففُ. وجاء المزَمّلُ في البيت مجرورا لمجاورته لكلمةٍ مجرورة هي "بجاد" كما قالوا: هذا جحر ضب خربٍ بجر خرب لمجاورته لضب، ومقتضى سوق الكلام أن يكون مزمّل بالرفع لأنه صفة لكبير، وكبير مرفوع لأًنه خبر كأنّ. والبيت في ديوان امرئ القيس 25، والكامل 815/3، وشرح القصائد السبع الطفل الجاهليات 106، والإفصاح 318.

2 هو الملك ذو جدين الحميري كما في المعمرين 33، وخزانة الأدب 287/2، وشرح شواهد الشافية 296. والبيت في مجالس العلماء 7 غير منسوب، والخصَائص 3/ 1 15، وأمالى ابن الشجري ا/ 193/2.

والشاهد إثبات الهمزة في كلمة الأناس مع الألف واللام وهو قليل.

3النص في الكشاف1/41 بتصرف يَسير.. والشقدف مركب مراكب العرب، وهو الحمار، أمّا الشقنداف فليس بعربي. ينظر القاموس ش. دف والمعجم الوسيط 1/ 488

ص: 381

وَهَذا كُلّهُ لَيْسَ مِنْ طَرِيقِ كَلام العَرَب؟ ألا تَرى أنَّ فَعِلٌ، نحو: حَذِر أَبْلَغُ مِن حاذر وَإنْ كانَ أقلَّ مِنهُ حُرُوفاً، وإنَّماَ الأمرُ على ما ذكرت لَكَ- والله أعلم-.

وهذِه الصّفاتُ جَارِيةٌ على اسْمِهِ تَعالَى وَهُوَ اللَّهُ، فهذا هُوَ اسْمُهُ وَمَا عَدَاهُ جارٍ عَلَيْهِ؟ لأَنَّ لَهُ مَعنىً زائداً على الذّاتِ، فالرّحْمنُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، والْعَلِيمُ يَدُلُّ على الْعِلْم والكَرِيمُ يَدُلُّ على الكَرَمَ والعزيز يَدُلُّ على العِزّةِ، والقَاهِرُ يَدُلُّ على القَهْرِ، فهذه صفاتٌ. جارية على الاسْمِ، وهو ما ذَكَرْتُهُ.

(الحمْدُ لِلَّهِ) : قال سيبويه: هذا لا يُستعْمَلُ إلا في حقّه سُبْحانَهُ إذا أَردْتَ العظمَةَ، فإنْ أرَدْتَ بالألف واللام شيئاً مَخْصُوصاً كما تقول: هذا الثّناءُ على فلان إذا سمِعْتَ شَخْصاً يُثْنيَ عَلَيْهِ، فهذا يكَونُ في غيره سبحانَهُ، فإنْ أرَدْت معنى العظمة فهو مختصٌ به ولا يقالَُ في غيره. وما تَجِدْهُ لِبَعض المولِّدِين فَهُوَ تعنّتٌ وإجراءٌ لِلشيءِ على غير ما أجرته العرب.

قال ثعلبٌ: حمدِت الرّجلَ إذا شكرت له صنيعه، وقال سيبويه وقالوا:: حمدِتُهُ جزيْتُهُ وقضَيْتُهُ حقَّهُ.

فهذا يَدُلّ على أنّ الحمْدَ والشّكْرَ معناهُما واحد في أصل اللغة، إلا إن العرف خصّصَ الحمد بالمدْحِ ولا يكونُ إلا باللّسانِ، والشكر خصّصَهُ بالجزاء، فيقال على ثلاثة أوجه:

تقول: شكرت الرّجل إذا شكرته بلسانك.

وتقول: شكرت الرجل إذا خدمته بإعطائك.

وتقول: شكرت الرجل إذا اعتقدت أنه قد أحسن إليك، قال الشاعر1:

أفادتكُمُ النّعماءُ مِنّي ثلاثةً

يَدي وَلِساني والضَّمِيْرَ المُحَجَّبا

1البيت من شواهد الزمخشري في الكشاف 47/1 ولم يعزه، وأورده السمين الحلبي في الدر المصون 36/1

ولم يعزه، والشاهد فيه قوله يدي ولساني والضمير حيث أفادت هذه الكلمات الثلاث معنى الشكر في معانيه الثلاثة، فاليد كناية عن العطاء، ولساني كنّى بها عن الشكر، والضمير كناية عن الاعتقاد.

ص: 382

وقال تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً) 1 فتراه واقعاً على العمَلِ.

فالشّكْرُ على هذا أعَمُّ مِن الحمْدِ، لأنّهُ يكون باللّسانِ وغَيْرِهِ والحمدُ لا يكون إلا باللّسانِ، والحمدُ أَعَمُّ مِن جِهَةٍ أُخْرى، لَأنَّك تحمَدُ على ما فُعِلَ مَعكَ وعلى ما فُعِلَ مَعَ غَيرِكَ، والشُّكرُ إنَّما هُو خاصٌ بما فُعِلَ مَعكَ، لأنَّ شَكَرْتُ بمعنى جازَيْتُ في العرف. وأصلُ الحمد والشّكر في اللّغة أنْ يَكونا لشيءٍ واحدٍ كما ذكرْتُ لك عن سيبويه وثعلب، وهو مُبتدأٌ "لِلَّهِ" هو الخبر، والمجرور إذا وقعَ خبراً أوْ صفةً أوْ صلة تَعلّق بمحذوفٍ لا يَظَهرُ. وسيأتي الكلامُ في قوله تعالى:(فَلَمَّا رآه مُسْتَقِرًّا عِندَهُ) 2 إنْ شَاء الله 3.

والأكثرُ في الحمدِ الرَّفعُ؛ لأنَّه مَعْرفَةٌ، ويَجوزُ النّصبُ، وإذا كانَ نكرةً فالأكْثرُ فيه النّصبُ، وجاء على طريقة الإخبار كأَنًّ الشيّء قد وَقَعَ والمراد به بالإنشاء وهذا مذكورٌ في كتابِ سيبويه، إلَّا أنّ القُراء لم يقرأه إلا بالرفع، لأنّهُ كلّهُ يصحّ.

وهُناك قراءةٌ نقُلَت، وهي شاذة فيها الاتباع، اتباع الدّالِ اللامَ 4، واتباع اللاّم للدّالِ 5، ومنها النصبُ 6في الحمد لِلَّهِ.

"رَبّ العالمين": رَبّ وَزْنُهُ فَعِلٌ بِكَسْرِ الْعَين، وَالأصْلُ: رَببَ ثم أُدْغِمِ وَلَيْسَ أصْلُهُ فَعْلاً بسكُونِ العَين، لأَنّهم قالوا في الجمْعِ أَرْبابُ، وَلَيس الأصْلُ فَعَلا بفتحِ العين؛ إذ لو كان كذلِكَ لم يُدْغم أَلا ترى الطّلَلَ والشّرَرَ لم يًدْغما، وَلَيْسَ الأصْلُ فَعُلَا بضم العن، لأن هذا يَقِلُّ في الصّفاتِ، وفَعِلٌ بكَسْرِ الْعَين يَكْثُرُ فيها، قالوا: حَذِراً وبَطِراً، وأشِراً وعُثِراً، وهو كثيرٌ، ولا ينبغي أن يُحْمَلَ على الأقَلَِّ ما قدرت على الأكْثَرِ.

1سورة سبأ آية: 131.

2 سورة النمل آية: 40.

3 هذا ما كان يأمله ابن أبى الربيع في إكمال هذا التفسير، لكنَّ المنية عاقته قبل إتمامه، فقد وقف به العمل عند آية المائدة -109 يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم.. .

4هي قراءة زيد بن على، والحسن البصري. ينظر المحتسب ا/ 37كل، ومختصر شواذ القراءات: ا.

5قرأ بها إبراهيم بن عبلة، المصدران السابقان، وإعراب شواذ القراءات ق:3.

6قرأ به رؤية كما في شواذ القراآت لابن خالويه:1.

ص: 383

وقَولُ منَ قالَ: إنَّه وَصْفٌ بالمصْدَرِ (1) 1، فيه بُعْدٌ، إذ لو كان كذلك لم يُثنّ ولم يُجْمَعْ، وَمَنْ ثنّى مثل هذا في المصَادر ثنَّاهُ على القياسِ في فعل أفعل، وذلِكَ نحو: كَفٍّ وَأكفَّ، فكونُهُ قَدْ جُمِعَ على أرْباب يَدُلُّ على بُعْدِ هذا القول.

وُيقالُ: رَبّهُ يَرُبّه إذا مَلكهُ، ويقال: رَبَّهُ يَرُبّهُ إذا أصْلُحَه. وًيصْلُحُ في رَبَّ هُنا أنْ يكُون معناه الصّلاح ومعناه الملك، لأنّهُ سُبْحانُهُ الّذي يَمْلِكُ العَالمَ والّذي يُصْلحُ العالم.

وقد نُقِلَ: "لأن يَرُبّني رجُلٌ من قُرَيشٍ خَيرٌ مِنْ أنْ يُرُبَّنِي رَجلٌ من هوازن"2.

فَيُحتَمل الملكُ ويُحتَمَلُ الصّلاح، ويكُونُ صِفةً، وَيَجوزُ أن يَكُونَ بدلاً لأنَّهُ اسْتُعْمِلَ

استِعْمَالَ الأسماء.

والرَّبُّ بالإضافةِ مُختَصٌّ به تَعالى، وَإِذا أطْلَقُوهُ على غيرِهِ أطْلَقُوهُ مُقيّداً، نحو: رَبِّ الدّارِ، وَرَبّ الأرْضِ، وما أشبَهَ ذَلِكَ، وُيطْلَقُ عليه تعالى مُطْلَقاً ومُقيَداً ومضافاً.

/ (العَاَلمِين) : فَاعَل بفتح العين لا يكُونُ في الصّفاتِ وَيَكُونُ في الأسماء قليلاً، وأكثر ما يوجد هذا البناءُ في الفعل إذا أردت أنَّهُ فُعِلَ بكَ مثل ما فعَلْتَهُ به، نحو: ضَارَبَني زيدٌ وضارَبْتُ زيداً، وقاتَلْتُهُ. وَقَدْ يأتي على غَيْرِ ذلك، قالوا: عَافَاكَ اللَّهُ، وَدَاينْت زَيْداً، وهذا قَليلٌ.

وإذا صَحّ ما ذَكْرتُهُ فالْعَالَمُ اسْمٌ لا صِفَةٌ، وَهُوَ اسْمٌ لِكلِّ مَخْلُوقٍ، لأنَّ المخْلُوقَ يَدُلًّ على خالقِهِ، فَقَدْ صارَ عَلامَةً تَدُلُّ عَلَيْهِ سُبْحانُهُ، فاشْتِقاقُهُ مِنْ هَذا (3) 3. وَقَدْ قيلَ: إنَّهُ

1القول للزمخثري كما في الكشاف 1/ 53.

2القائل صفوان بن أمية يوم حنين لأخيه أبى سفيان، حين قال أبو سفيان: غلبت- والله- هوازن.. فأجابه صفوان بفيك الكثك، لأن يربني رَجل.. وقريب من هذا ما قاله ابن عباس في ضأن ابن الزبير وعبد الملك بن مروان: وإن كان لابدّ لأن يَربُّني رَجل من بني عمى أحبّ إلىّ من أن يربّني غيره. ينظر فتح الباري 8/ 326، والمحرر الوجيز 1/ 04 ا-105، وتهذيب اللغة المضعف من حرت الراء15/ 76 ا_8 17.

3يريد أنه مُشتق من العلامة، لأنّ المراد بالعالم جميع ما خلق الله، لظهورهم وظهور أثر الصنعة فيهم. ينظر: اشتقاق أسماء الله 58-59، والمحرر الوجيز 1/ 105، والفريد في إعراب القرآن المجيد 1/ 165.

ص: 384

مُشْتَقٌ مِن العِلْم1، لأنَّ مَنْ نَظَرَ فِيهِ تَحَصَّلَ لَهُ الْعِلمُ بحُدُوثِهِ وافتقاره إلى موجده، والاشتقاق الأوّل أقرب.

وقد قيل: إنّ العالم إنما هو لأهل العلم من الملائِكةِ والثّقلَين: الجن والإنس، والقولُ الأوّل أشهر.

فإن قُلْتَ: فكيفَ جُمعَ بالوَاوِ والنّونِ وليسَ بِعَلمٍ في الأصل وَلا وَصْفٍ؟

قُلْتُ: هو وإنْ لم يَكُنْ وَصْفاً ففيه مَعنى الوصْفِ، ويمكن عندي أن يكون عالمٌ علماً، وتكون عَلَمِيَّتُةُ علميّة الجنس، ثمَّ نُكِّرَ ودَخَلَتْهُ الألف واللام عند الجمع والتثنية، كما قالوا: الزيدان، وجمع بالواو والنون وإن كان فيه مالا يعقل، غَلّبوا مَنْ يَعقلُ على مَنْ لا يعقلُ، وهذا على مَنْ جَعلَهُ اسماً لكلّ مُحدثِ ة وأَمَّا مَنْ جَعلُهُ مختصاً بأهل العلم فلا سؤال فيه.

وقد تقدّمَ أنَّ الأوَّلَ هُو المشهورُ، وهو الوقوعُ على كِّل مُحَدثٍ عاقلا كان أو غَيْرِ عاقل.

(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) : قرأ عاصِمٌ والكسائي (مالِكِ يَوم الدّينِ) . 2فَيمكِنُ أنْ (مَلكِ) بمعنى مالِك، كما قالوا: حَذِرٌ بمعنى حاذِرٌ، ويكوَن مِن المِلْكِ بكسر الميم، ويكونُ قد أضيف إلى يوم الدّين بعد ما انتصب يومَ الدّين نَصْبَ المفعول به على جهة الاتّساع كما قال:

طبَّاخ سَاعاتِ الكَرَى زاد الكَسَلْ 3

1على هذا يكون المقصود ذوى العلم من الملائكة والثقلين. ينظر المصادر السابقة.

2القراء هنا بألف بعد الميم على وزن فاعل، وقول ابن أبى الربيع: ويمكن أن يكوِن "مَلك، بمعنى مالك-. يريد أنه صيغة مبالغة ليسوغ معه نصب المفعول به. ينظر القراءة المذكورة وتوجيهاَ لها في السبعة في القراءات 4 5 1، والحجة لأبى على 1/ 7-5 1، والحجة لابن زنجله 77-79.

3البيت لجبارة بن جزء بن ضرار كما في شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/ 12، ويشرح أبيات الإيضاح لابن برى 168، ونسبه سيبويه في الكتاب 177/1، والمبرد في الكامل للشيخ 1/ 199، وكذا نسب في ديوان الشك 109.

ص: 385

على نصب "زَادَ"، وَأَمَّا/ مَنْ خفض (زادِ الكسل) فَيكونُ سَاعاتُ ظَرْفاً على أصْلِهِ، وَفُصِلَ بين المضافِ والمضافِ إليه في الشّعْرِ، كما قال: 1

............

...

... لِلّهِ دَرُّ الْيَوْمَ مَنْ لامَهَا 2

ويكونُ الأصْلُ: مالِكاً يَوْمَ الدّينِ، أيْ في يَوْم الدّينِ، ثم انتُصِبَ على أنَّهُ مَفْعُولٌ به على الاتِّساع كَما ذَكَرْتُ لَكَ.

وَلا تُتَصَوَّرُ الِإضافَةِ وَهُو باقٍ على أصْلِهِ، لأنَّ الظّرْفَ في تَقْدِيرِ حرف الجرِّ، أَلا تَراهُ إذا أُضْمِرَ عَادَ إليهِ حَرْفُ الجرِّ فكأن حرف الجرِّ مُوُجُودٌ.

ولا يُفصَلُ بين المضاف والمضاف إليه بحرفِ الجزِ إلا باللام خَاصّة في بابين: باب 3النداء وباب النّفي بلا 4.

وُيمكِنُ أنْ يكونَ مَلِكَ من المُلكِ في مالك، لَأن فَعِلَاَ من أَمْثلَة المُبالَغَة.

وُيمكِنُ أن يكونَ مَلِك من المُلكِ ومالكاً مِن المِلك بكسر الميم، فَقيلَ: مِلكِ يوم الدّين والمراد مَلِك أَوْ مالِكَ النّاسِ.

ولا يُتصَوّر أنْ يكون يوْمَ الدّين قد نُصِبَ نَصبَ المفعول به ومَلكَ من المِلْكِ، وإنّما يُتصَوّرُ هذا إذا كان مَلِك مبالغة في مالك ث لأنَّ المفعولَ به تنصبه الصّفاتِ كاسمِ الفاعلِ وَأَمْثِلَة المُبَالَغَةِ، وتكونُ الإِضَافَةُ على تَقْدِيرِ: مَلِك أصْحابَ يوم الدّين والَّذي يَظْهَرُ- والله أعْلَمُ- أنَّ مَلِكَ مُبالغة في مالِك، وَتَكُونُ القراءتان 5متّفقتينِ، واسمُ

1هو عمرو بن قَمِيئة كما في ديوانه 182 والكتاب 1/ 178، وشرح أبيات سيبويه 1/ 368.

2 صدر البيت: لما رأتْ ساتيدَمَ اسْتعْبَرتْ..

2والشاهد قوله: "در اليومَ مَنْ لامها" حيث فصل بالظّرفِ اليوم بين المضاف درّ والمضاف إليه مَنْ، وتركيب الكلام قبل الفصل لله درّ مَنْ لامها.

3وقد استشهد له ببيت النابغة:

قالت بنو عامرِ خالوا بنى أسد

يا يؤس للجهل ضراراً لأقوام

4كقولهم: لا أبا لك. لا أمَ لك.

5في الأصل: القراءتين.

ص: 386

الفاعلِ إذا كان بمعنى الماضي وأُضيف إلى المعرفة تعرّف، وإذا كان بمعنى الحال والاستقبال وأُضيفَ إلى المعرفة كان على وجهين: على التّعريف، وعلى التّخفيف، وتكون هناك الِإضافةُ على التّعريف ة لأنَّهُ جارٍ على المعرفة.

وجَاءَ بَعضُ المتأخِّرينَ وَقَالَ: إنّ اسْمَ الفاعِلِ إذا كان بمعنى الحالِ والاسْتِقْبالِ فلا تكونُ إضَافَتُهُ إلَّا غَيرَ مُعَرّفة، وَتَكُونُ غيرَ مَحْضَة وَإنّما تَكُونُ للتخفيف 1.

وهذا القَوْلُ فاسِدٌ، والصَّحِيحُ ما ذَكَرْتُه أوَّلًا، وهو أنَّ اسمَ الفاعِل إذا كانَ بمعنى الحالِ والاستقبال فَلَهُ إضافتان، إضافة تَعْريفٍ وإضافَةُ تخفيف 2. والّذي يُضافُ وَلا يَتعرّفُ أبداً بالِإضافة الصفةُ المشبهة باسْمِ الفاعلِ خاصّةً وَلا يَتعَرّف إلّا بالألف واللام.

وجًاءَ (مَلِك يوم الدّين) على طريقة: نهارُهُ صائِمٌ وَلَيْلُهُ قائم في الاتِّساع لَمّا كان فيه نُسِبَ إليْهِ إمَّا بالفاعِليّة وإمَّا بالمفعُولِيّة على جِهَةِ الاتِّساعِ.

(الدّين) : الجَزاء، وَوَزنُهُ فِعْلٌ، ويمكن عند سيبويه أَنْ يكُونَ وزْنُهُ فُعلا وَرُدَّت الضّمَةُ كَسْرةً لمكان الْياءِ. يُقالُ: دِنْتُهُ بما صَنَعَ إذا جازيتُهُ، وُيقَالُ: كَما تْدِينُ تُدانُ، وَكَما تُجازِي تُجازَي.

وَلَمْ يُقْرأْ في السَّبْعِ إلَّا بالخفْضِ، وَقَدْ قُرِىء في الشّاذ بالنّصب 3والرَّفْعِ على القَطْع 4، تنصبُهُ بإضمار فِعْلٍ أو تَرْفَعُهُ بإضمار المِبْتَدأ، وَلَا يَظْهَرُ الفِعْلُ ولا المبتدأ،

1ما ذكره ابن أبى الربيع هو ما ذهب إليه الزمخشرى في الكشاف 1/ 5.57، وقد أخذ به كثر المتأخرين،

قال ابن مالك في الخلاصة:

وَإِنْ يُشابهِ المضاف يفعلُ

وصفاً فعن تنكيره لايُعَزلُ

2هذا ما قدره ابن أبى الربيع في البسيط 2/ 40 10، والكافي 1/ 306، وفي الكتاب لسيبويه 1/ 428 ما يدل على ما ذهب إليه ابن أبى الربيع فيما نقل عن الخليل ويونس في الصفات المضافة..

3قرأ بالنصب أبو هريرة، وعمر بن عبد العزيز وبألف بعد الميم "مالِكَ " وبدون ألف "ملك " قراءة أبى حيوة، وَخُرِخت الأولى على النداء، يا مالكَ، وأمّا الثانية فخرجت على إضمار فعل. ينظر مختصر شواذ القرآن لابن خالوية: ا، والمحرر الوجيز 1/ 06 ا-107، والبحر المحيط 1/ 36- 37.

4ينظر المصادر السابقة، وإعراب القراءات الشاذة 1/ 34.

ص: 387

لأنَّ الصفَةَ لِلْمَدْحِ والتّعظيم، وكذلِكَ (الرَّحمنُ الرَّحيم) قُرِىء في الشَّاذِّ بالرّفْع والنصب (1) 1على حَسْبما ذَكَرتُ لَك. وَكَذلِكَ (رَبِّ العالمين) قُرِىء في الشّاذِّ بالرّفع والنّصب، ولم يُقْرَأْ في السّبعِ إلا بالخفض.

وَقد قُرِئ (مَلَك يومَ الدّين) جَعَلَهُ فِعْلا 2. والمعنى في هذا كُلِّهِ مَلكَ الخلْقِ يومَ الدّين، وَمَلَك الأمْرَ يومَ الدّين لَكِنّهُ جَعَلَ الدّين هُو المملُوكً على جِهَةِ الاتِّساعِ.

وَقَدْ يمكنُ أن يكون معنى مَلِك يومَ الدّينِ ومَالِك يوم الدّينِ على مَعَنى أبَرزَهُ وَأَوْجده، والأوَلُ أبْيَنُ.

(إِيّاكَ نَعْبُدُ) : قال سِيْبَويهِ: إيّا هُوَ المُضْمَرُ المنْصُوبُ المنفَصِلُ، وما يَلْحقُهُ حُرُوفٌ تَجرِي مَجْرَى الكَافِ في رُويدَكَ ة إذ الضمير مُسْتَترٌ في جِميعِ الأحْوال، فجرى إيّاكَ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ ضمِيرَ منْصُوبِ مجْرى الضمير المسْتَتر في رُوْيدَكَ لَمَّا احْتِيَجَ إلى بَيَانِهِ بالكافِ وبِالكافِ يَقَعُ الفصلُ بًين المذَكِّر والمؤَنَّثِ والمفْرَدِ والمثنّى والجمْعِ، وكَذلِكَ إيَّا، لماَّ كانَتْ تقع لِلمُذكّرِ والمؤَنَّثِ والمفْرَدِ والمثنى والجمْعِ والغائِب والمتكلّم والمخاطَبِ إذا كان مَنْصُوباً قَرَنوا إيَّا بالكافِ والْهَاءِ والْيَاءِ ليزيل الإشْكًال 3، وفيها هُنا معنى الاختصاص، أَيْ لَا أعْبُدُ غيرَكَ، كما حُكِىَ عنِ العَرَب:

إِيّاكِ أعني واسْمَعي يا جَارَه 4

والمعنى لا أعْنِي غيره.

والتّقْدِيْمُ يكونُ على هذا اْلمعَنى في المبتدأ، قال سُبْحانُهُ:(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ) 5 أيْ لا يُبْدِىءُ غَيْرهُ، ولا يُعيْدُ، أي هُوَ الّذي اخْتَصَّ بهذا.

1ينظر المصادر السابقة، وإعراب القراءات الشاذة 1/ 34.

2 تعزى هذه القراءة لعلى بن أبى طالب، وأنا بن مالك، ويحيى بن يعمر.. ينظر المصادر السابقة.

3هذا توضيح لما أجمله سيبويه في الضمير إيا وليس الكلام هنا هو نص سيبويه كما يفهم من صنيع ابن أبى الربيع في هذا الإسناد، ينظر الكتاب 356/2-. 36.

4هذا توضيح لما أجمله سيبويه في الضمير إيا وليس الكلام هنا هو نص سيبويه كما يفهم من صنيع ابن أبى الربيع في هذا الإسناد، ينظر الكتاب 356/2-. 36.

5سورة البروز آية: 13.

ص: 388

وَقدْ يُحمَلُ التّقديمُ أنْ يكُونَ للتَّعْظِيمِ، وَقَدْ يكُونُ للاعْتناءِ، وقد يَكُون للتّصرّفِ، وبَيانِ قوَّةِ العَامِلِ، وَقَدْ يكُونُ للاختِصاصِ، وهذا المعنى يتمحضّ في النّكِرة، تَقُولُ: شرٌ أَهَرَ ذا نابٍ، أي ما أهَرَّ ذا نابِ إلا شرٌ، وَتَقُولُ: شئ ما جَاءَ بكَ، مَعناهُ ما جاءَ بكَ إلا شيء. والتّقدْيمُ هُنْا لَا يَكونُ إلا على هذا المَعْنىَ، لأنَّ المبَتدأَ نكِرةٌ وَلا يبتدأ بَالنّكِرِة إلا في مَواضِع، مِنْها الاخْتِصاص.

وفي هذا الخروج من الغيبة إلى الخِطَاب، وَلَوْ جَرَى على أوَّلِ الْكَلامِ لَكان أيّاهُ نَعبًدُ وإيَّاهُ نَسْتَعِين، لَكِنّهُ انتقلَ من الغيَبة إلى الخطاب، وهذا من فَصِيحِ كَلامِ العَرَب، قال امْرُؤُ القيسِ:

تَطاوَل ليلك يالإثْمِدِ

وَنامَ الخلِيُّ وَلم ترقدِ 1

فَهذَا عَلى الخِطَابِ، ثُمَّ قال في البيت الثاني:

وباتَ وبَاتَتَ لَهُ لَيْلةٌ

كَلَيْلَة ذي العائر الأرمد

فانتقل من الخطاب إلى الغيبة، ثم قال في البيت الثالث:

وذلِكَ من نبأٍ جاءني

وَخبّرتُهُ عن أبي الأسود 2

/ انتقل إلى المتكلم، وُيسمىَّ هذا الالتفات، وَهُوَ كَثِيرٌ في القرآنِ.

قال تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ في الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بهِم) 3، انتقل من الخطَاب إلى الغيبة، وَهُو كثِير في القرآنِ، وهذا من فصيح كلام العرَب كما ذَكَرْتُ ذَلِكَ، وُيمكِنُ أنْ يَكُونَ على إيَّاكَ يا مَنْ هذه صِفَاتُهُ، أُعبدُ لأِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الصّفات، وَهِي صِفَاتُهُ تعالى لا يشاركُ فيها، قالت بعده: إيَّاكَ يَا مَنْ هذه صِفَاتُهُ أعْبُدُ.

1،2 بيت الشاهد مع ما تلاه في ديوانه 185، والكشاف 64/1، والبحر المحيط 43/1، والدر المصون 57/1-58.

والخلى: مَن خلا باله من الهموم، والعائر: قذى في العين، تمجّهُ العين عند شدة الألم، وربما يكون الرّمد المعروف.. ومراده بالنبأ هو مقتل أبيه

3سورة يونس آية: 22.

ص: 389

وفي "إياك" قراءات، منها:

هيّاك أبدَلَ من الهمزة هاءٌ 1.

ومنها: أيَاك بفتح الهمزة 2.

ومنها: إيَاك، بكسر الهمزة والتّخفيف 3؛ وهذه كلُّها لم يُقرَأ بها في السّبع.

ومعنى نَعْبُدُ: نَتَذَلّلُ، يُقالُ طَرِيْقُ مُعَبَّدة إذا كان يسار عَلَيْها كثيراً، والمعنى: مُذَلّلٌ ثم قالَ جلَّ ذكْرُهُ: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينَ) .

معنى نستعين نَطْلُبُ العَوْنَ على عبادَتِك، وقُدِّمت العبادةُ على الاسْتِعَانة، ِلأنّ الاسْتِعَانَةَ يُتَوَسَّلُ بها إلى العبادة فَهِيَ أَوْلَى بالتّقديم، وَكُلَّ فِعْلٍ مُضارِعٍ أَوَّلَ ماضِيه أَلفِ وَصْلٍ لَك أَنْ تكْسِرَ حرفَ المضارع منه عَدَى الياء فإنها لا تُكسرُ، فتقولُ: أنا إِنطَلِق، وأَنْتَ تِنْطَلِق، وَنحنُ ننْطَلِق، وَلَا تَقولُ هذا في الياء، وكذلِكَ كلّ فعلُ مُضَارِعٍ ماضيه على فَعل لك أن تكسر أَوّلَ المضارع منه عدا الياء، وبيان علة ذلك في العربية 4.

(ونَسْتَعِين) : اعتل لأِن ماضيه قد اعتل بالحمل على الثلاثي، وأصله، "نَسْتَعْوِن" ثم أعل بنقل حركة العين إلى الفاء وانقلبت الواو للكسرة التي قبلها، وهذا الاعتلال مُطّردٌ قياسيٌّ في هذا النّوع وما جرى مجراه، فإنْ جاء صحيحاً فعلى غير قياس، نحو: اسْتنوقْ الجمل، واسْتَسْيَسَت الشّاة، فهذا يحفظ ولا يقاس عليه، وسيأتي الكلام في مصدر نستعين وفي اعتِلاله وفي المحذوف بعد إن شاء الله.

1القراءة لأبى الثوار الغتوى كما في المحتسب 39/1، ومختصر شواذ القراءات: ا، والمحرر الوجيز 117/1.

2قرأ بها الفضل بن زياد الرقاشي. المصادر السابقة.

3هذه القراءة تعزى لعمرو بن فائد في المحتسب 1/ 40، ومختصر شواذ القراءات: ا.

4 العلة في ذلك هي ثقل الابتداء بالياء مكسورة في الفعل المضارع، ومع هذا فقد أورده سيبويه على أنّها لغة، قالوا في حبّ: يحبًّ، حق علم يعلمُ وأكثر ما جاء هذا في المثال الواوي الذي ماضيه على فعِل بكسر العين، نحو: وجع يجع، ووجع يجع، ومنه قول متم بن نويره:

قعيدك ألا تسمعيني ملامة

ولا تنكىء جرح الفوءاد فَييجعا

ينظر الكتاب 4/ 09ا-120، والمصنف 1/ 205 ط 20، وشرح عيون سيبويه 262.

ص: 390

/ قوله (إهْدِنا) : لمّا قال سبحانه (إِيَّاكَ نَعْبُد) والعِبادة تحتاج إلى وجوهٍ أربعة بها تكتمل العبادة:

أحدها: اعتقاد صحيح غير فاسد.

الثاني: أن يكون على مقتضى الشرع، لأن العبادة لا تؤخذ بالعقل.

الثالث: حسن النية فيها فالصدق والِإخلاص، قال تعالى:(مُخْلِصيِنَ لَهُ الدين) .

الرابع: الدوام والبقاء عليها وألّا ينتقل وَيتغْير، وهذه الأربعة لا قدرة لأحدِ عليها إلّا به، فجاء بعد هذا (إياك نستعين) ومعنى "نَسْتعين" نطلبُ عونك على العبادة بهذه الوجوه الأربعة. وهذا إِنَّما يكُونُ بهدايته سُبْحانُهُ،، فَمِنْ أجْل هذا جاء:(اهْدِنَا) بَعْدَ (نَسْتعين)، فعَلى هذا يكُونُ:(اهْدِنَا) بمعنى أرشِدْنا وَبيَّن لنا، ويكُونُ: أو اهْدِنَا! هو بمعنى: ثَبّتْنا. وَقَدْ جَاءَ هَذا وهَذا مَنْقُولَين عَنِ السَّلَفِ، وُيمكِنُ أَنْ يَكُونَ (اهْدِنَا) رَاجعاً لهَا كُلَّهَا، أيْ بَيّن لَنا وأرْشِدْنا، وثَبِّتْنا- والله أَعَلَمُ-.

وهَدَى فِعلٌ يَتَعدَّى إلى وَاحِدٍ بَنِفْسهِ وإلى آخَرَ بحرْفِ الجرِ، وذلِكَ الحرفُ يكُونُ إلى وهو الَأكْثرُ، ويكونُ اللّامُ، قال تعالى:(وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إلى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ)(1) 1، وَقَالَ جلَّ ذِكُره (قلِ الله يَهْدِى لِلْحَقِ)(2) 2، وَقالَ سُبْحانه (إنَّ هذاالقرأن يَهْدِى للتي هي أقْوَمُ)(3) 3 ثُمَّ حُذِفَ حَرفُ الجرّفَظَهرَعَمَلُ الفعل لِأنَّ الفعلَ يَطْلُبُه بالنّصْبِ، لِأنَّهُ جاء بعد عمدتِهِ فَهُوَ فَضْلَةٌ فإِعرابُهُ النَّصبُ لكنَّ النّصبَ لم يَظْهَره لِأجلِ الحرَفِ الطَّالِب بالخفض، لِأنّهُ يَطْلُبُ بالِإضَافَة، والخفض مع الإِضافة، وَكان عَمَلُ الحَرْفِ أوْلَى بالظَّهُورِ، لِأنَّهُ أقربُ إلى الاسْمِ مِن الفِعْلِ، وَلَأنَّ التّعْلِيقَ قد وُجدَ في الأفْعالِ وَوُجدَ في الأسْماءِ قَليلَاَ، وً لمْ يُوجَدْ في الحرْفِ س4، فالمجرُورُ مخفوضٌ في اللَّفْظِ مَنْصُوبٌ

1 سورة الشورى آية: 52.

2 سورة يونس آية: 35.

3 سورة الإسراء آية: 9.

4 لأنّ الحروف لا تُعلَّق عن العمل فيما بَعْدَها

ص: 391

في الموضع، فإذا زال الحرف من اللفظ ظهر عملُ الفعل فجاء "اهدنا الصراط "، والأصل إلى الصّراط، أوْ لِلصّرَاط بِمَنْزِلَةِ أمرتُ الرّجال عَمْراً، وأَمَرْتُ زيداً الخيْرَ.

(الصّرَاط) : هُوَ الطَّرِيْقُ، وُيذَكّرُ وُيؤَنَّثُ، إلا إن التَّذكِيرَ في الصِّراط أشْهَرُ 1، وَلَمْ يجئ في الْقْرآنِ إلا مُذَكّراً، وَهُوَ مِن سرَطْتُ الشيَّء أَسْرُطهُ إذا ابتَلَعْتُهُ لِأنّ الطّرِيق يَبْتَلعُ مَنْ يَسِيرُ فيه، ألا ترَى أنَّهُ قَدْ سُمّي اللَّقم كأنّهُ يَلْتَقِمُ، والسّينُ إذَا وَقِع بَعْدَها الطّاءُ والغَين والقافُ والْخَاءُ، هذه الأرْبَعَةُ خاصة فإنَّها يجوزُ فيها أن تُبْدَلَ صَاداَ؛ لأَنَّ السَّنَ غَيرَ مُطْبَق، والطَّاءَ مُطْبَقةٌ، والسّنَ مَهْمُوسَةٌ والطّاءَ مَجْهُورَةٌ فَلَمَّا تنافَرَتْ أَبْدَلُوا مِن السّينِ حَرْفاً يُوافِقُ السّينَ في الْهَمسِ وُيوافقُ الطّاء في الإِطْباق 2.

وَمِن العَرب مَنْ يُشْربُ الصّادَ صَوتَ الزّاي، ِلأنَّ الطّاءَ مَجْهُورةٌ والصَّادَ مَهْمُوسَة فاشْرَبوها صَوْت لزّاي لأَنَّ الزّايْ مجهورة، وَمنهُم مَنْ يُبْدِلُهَا زاياً خالِصَةً وَذَلِكَ قَليلٌ، وَذَكَرَ سِيَبَوْيهُ الوجْهَين اَلأوَّلَين، وَلم يذكُرْ إبدالها زاياً خالصةً لِقلّةِ ذلِكَ 3.

وَأَمَّا إذا وقَعَ بعد السّين الطّاءِ والضّادِ فَلا تُبْدَلُ صاداً، نصَّ ذلِكَ سيْبَويهُ، والفَرْقُ بينهُمَا بَيّنٌ في الكتاب.4

وَقَدْ قُرِىءَ السِّراطَ بالسِّين، قَرَأَهُ قُنْبُلُ وقَرَأَهُ يَعْقُوبُ 5 أيضاً.

وَقُرِىء بالصَّادِ مُشْرَبةً صَوْتَ الزَّاي، قَرأَهُ حمزة 6، وقُرِىءَ بالصّادِ خالِصَةً، قرأهُ الباقون.7

1التأنيث لغة أهل الحجاز، والتذكير لغة تميم. ينظر إعراب القرآن للنحاس 123/1، والدر المصون 65/1

2ينظر كتاب السبعة في القراءات 107، والحجة لأبى على الفارسي 1/49-50.

3ينظر الكتاب 4/ 476-479.

4ينظر ما سبق في المصدر نفسه.

5ينظر: التذكرة في القراءات 1/ 85، والتيسير: 18، والتبصرة: 55، والكشف 46/1.

6ينظر كتاب السبعة 106، والتذكرة في القراءات 1/ 85، وبقية المصادر السابقة.

7 المصادر السابقة.

ص: 392

أمَّا قَلْبُ الصَّاد زاياً خالِصةً فَلَمْ يُقْرأْ بها في السّبعِ وذلك لَقِلّتِهِ، وقد رُوِىَ في هذا الموضع قراءات شاذة.

منها: صِرَاط المستقيم بالإِضافة.1

ومنها: صِراطاً مستقيما.2

ومنها: بصّرْنا الصّراط.3

وهذهِ كلها خارِجة عِن السَّبعِ فلا يعتني بِها.

وَحُكِيَ في جَمْعِ صِراطٍ صُرُطٌ، وَهُوَ الْقِياسُ في فعالٍ المذكّر، نحو: كِتابٍ وَكُتُبٍ، وَحِمَارٍ وَحُمُرٍ.

ولا يكون فُعَلٌ في المعتل اللام ولا في المضعّف.

/ (اْلمُسْتَقِيمْ) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ انْحِرافٌ، وهو على طَرِيْقَة وَاحِدَةٍ، تقولُ: اسْتَقامَ، اَلأمْر؛ أي لَيْسَ فيه عِوَجٌ، وَأَصْلُة مُسْتَقوم، فأعَلَّوْهُ بنقِلِ حَرَكَةِ الْعَن إلى الْقَافِ فانْقَلَبَتْ الْوَاوُ ياءً، لأنَّ الفِعْلَ هُنا يَعْتَلُّ وهو يَسْتقيم، واعْتُلّ الفِعلُ هنا بالحملِ على غير الزّائِدِ وَهُوَ قامَ.

وهذا يتبَيّنُ في كُتُبِ العَرَبيّة.

(صِرَاطَ الّذِيْنَ) : بَدَلٌ مِنَ الصِّرَاطِ الأَوّلِ، وَأبْدِلَ مِنْهُ لِيُعْلَمَ أنَّ الصِّرَاطَ المسْتَقيمَ لَا يقدرُ عَلَيْهِ إلا مَنْ أنْعَمَ الله عَلَيْهِ، وَمَنْ وُكِلَ إلى نَفْسِهِ لا يمْشِي عَلَيْهِ..

(أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم) : (عليهم) : في موضِع نَصْبِ لـ (أنْعَمْتَ) لأَنّ الْفِعْلَ قَدْ أَخَذَ عمْدَتَهُ، وَجاءَ بعد ذلك فَضْلهُ فَيَلْزَم أنْ يَكون مَنْصُوبَاً.4

(غير المغْضوبِ عَلَيْهِم وَلَا الضّالِين) : اجْمَعَ القُرَّاءُ للسَّبْعُ على خفْضِ الرّاءِ وَلَمْ

1تعزى هذه القراءة لجعفر بن محمد الصادق. ينظر المحرر الوجيز 113/1.

2هذه القراءة تعزى للحسن والضحاك. ينظر المحتسب 1/ 41، والمحرر الوجيز 122/1.

3هي قراءة ثابت بن اسلم البنانى كما في المحرر الوجيز 123/1.

4أورد الناسخ بعد هذا كلاما في الحاشية لم أتبينه للطمْسِ الذي لحق أطراف المخطوط من جراء الرطوبة.

ص: 393

يُقْرَأْ بالْفَتحِ إلا في الشّاذ، 1وَهُوَ نَعْتٌ لِلّذيْنَ على مَعْنَى اْلمَغْضُوب عَلَيْهِم وَلَا الضالين، وَلِذَلِكَ جِيء بلَا في وَلَا الضّالِين كَأنَّها كُرّرَتْ، فَقَدْ صَارَ هذا بمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِرَجُلً لا مُسْلمً وَلَا كَافِرٍ.

والمعنى: إنّ المنْعَمَ عليهِم خَرَجَوا عِن الغَضَب والضّلالِ، فمَنْ غَضِبَ الله عَلَيْهِ فَلَيْسَ بمنعَمٍ عَلَيْهِ، وكذلِكَ مَنْ ضَلَّ لَيْسَ بمُنْعَمٍ عًلَيْهِ، وَلَا إذا دخَلَتْ على الصِّفةِ أو الحال فلابُدَّ فيها مِن التَّكْرار، وَكَأَنَّها جَوابٌَ لمَنْ قالَ: أكذا أم كذا..

فَإذا قُلْتُ: مَررْتُ برجلٍ لا سَاكتٍ وَلا مُتَكَلّمٍ، كأنَّهُ جوابٌ لِمَنْ قالَ: أَساكِتاً كَانَ أَمْ كِّلماً، فَيَقُولُ: لا سَاكِتٌ ولا متكلمٌ، أيْ لَمَ يأْتِ في كَلامِهِ بِفَائِدَةٍ.

وَكَذلِكَ لا مَتى لَزِمَتْ التّكْرارَ إنَّما تَلْزمُ التّكْرارَ على هذا الْوَجْهَ، وَقَدْ يُقالُ غيرُهُ في هذا اْلمَعنى، فتقولُ: مررت برَجُلٍ غيرَ سَاكِتٍ وغيرَ مُتَكلّم، على مَعْنى: لا سَاكِتِ وَلا مُتكلم.2

فإذا صَحَّ أنّ غيرَ في هذا اْلموَطِنِ تَقَعُ مَوْقِعَ لا صَحَّ أَنْ تأتي بغيرٍ وَتَأْتي بلا فتقولَ:، مررت بِرَجًلٍ غَيْرُ سَاكِتٍ وَلا مُتكَلَّمٍ، وَعَلَيْهِ جاء: غيرِ اْلمَغْضُوبَِ عَلَيْهِم وَلا الضَّالِين.

وَقَدْ نُقِلَ في الشَّاذِّ: غير المغضوب عَلَيْهِم وَغير الضَالِين. نقل ذلِكَ عن عمر وعلي وأبيّ 3، وَهِيَ قِرَاءَةٌ جيدة إلا إنّها لَمْ يُقْرَأْ بها في السَّبْعِ.

فإنْ قلتَ: كَيْفَ تكونُ غيرُ نعتاً للمعرفة وهي نكرة، لأنّ إضافتَها لَيْسَتْ للتّعريف؟

قلتُ: غيْرُ هُنا إذا لم تُضفْ إضافَة تعريفٍ تَجرِي على النّكراتِ وعلى المعارِف

1هذه القراءة لابن كثير، قال الخليل: وهى جائزة على وجه الصفة للّذين على القطع من الجر إلى النّصب بفعل مقدر. ينظر السبعة: 112، ومختصر شواذ القراءات: 1، وإعراب القراءات ق:36.

2ينظر معاني القرآن وإعرابه 1/ 54.

3ينظر المحرر الوجيز 1/ 131، وفتح الباري كتاب التفسير 8/ 159.

ص: 394

بالألف واللامِ إذا كان ذلِكَ على طريق الجنس، لأنَّ الجنسَ عامٌ، ولا يتعَينّ ما يقعُ عَليهِ فجرى لذلك مجرى النكرة في هذا.

وذهب الزّجاجُ إلى أنّ (غيرِ المغْضُوب) هم المنْعَمُ عَلَيْهِم. 1 فقد صار على هذا بهذه الملاحظة غير معرفة، أَلا ترى أنَّك إذا قلتَ: رأيتْ الصّالح غيرَ الطَّالح قد تَعَرَّفَ لأنَّه ماعدا الصّالحين، فَلأَجْلِ هذا وَقَعتْ غَيرُ صفةً للمعرفة بالألف واللام، لأِنَّ الثّاني ضِدَّ الأوّل فوقع بذلك التّعريفُ. وذَكَر هذا القولَ ابن عَطِيّة 2عن ابن السَّراجِ،3 وكان الأستاذ أبو علي يَردُّ هذا القولَ، ويقولُ: قَدْ جاء في كِتاب الله عز وجل: (نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ) 4وبلا شَك أنَّ الثّاني ضدّ الأوّلَ، وَقد جرى على النّكِرة فكيف يقول: إنَّ هذا يُوجَدُ للتّعريف؟.

والصّحيحُ ما ذكرتُهُ أوّلاً أنّ تعريف الجنسِ لَيْسَ بالقَوِيّ ة لأنّهُ لَيْسَ بمقصودٍ قصْدَهُ. وَقَد يُعاقِبُ النّكرة فيما وُضِعَ 5 على معنى واحدٍ، ألا ترى أنَّك تَقْولُ: ما يَصْلُحُ بالرّجلِ مِثْلِكَ أَنْ يفعلَ هذا فيكون على معنى مَا يصلُحُ بالرّجلِ الّذي هو مِثلُكُ أنْ يَفْعَلَ هذا، ومعناهما واحد.

وهذا كُلُّهُ إنّما يحتاجُ إليه عند جعل (غير) نعتاً لـ"الّذين" فإنْ جعلتَهُ بدلاً فلا يحتاج إلى هذا، لأنّهُ يجوزُ بدلُ النّكرَة من المعرفة واَلمعرفة من النكرة..

أمَّا النّصبُ وهي قراءة شاذة لم تثبت في السّبعِ 6، والظاهر عندي فيها أنَّها استثناء

1ينظر معاني القرآن وإعرابه 57/1.

2ينظر المحرر الوجيز 1/ 124.

3كلام ابن السراج في المسألة أورد أبو علي في الحجة 143/1 بشيء من البيان والتمثيل والتنظير.

4سورة فاطر آية: 37.

5في الأصل: في مواضع.

6قرأ بها ابن كثير كما في كتاب السبعة في القراءات 112، ومختصر شهاذ القراءات ا، وإعراب القراءات 36، وإعراب القراءات الشواذ ق 7.

ص: 395

منقطع 1، و"لا" في (ولا الضّالِين) زائدة كزيادة لا في قولهم: ليس زيد ولا عمرو.. وذهب بعض المتأَخِّرين إلى الحال.. 2 وفيه عندي بعد؛ لأنّ المعنى أَنعمَتْ عَلَيْهِم في هذهِ الْحَالِ. وهَذا مَعْلُومٌ أَنَّ المنعَمَ عَلَيْهِم لا يكُونُ إلَا في هذه الحالِ، إِلا أَنْ يَقُولَ: هِيَ حَالٌ مُؤكِّدَةٌ.

وَمَنْ ذهَبَ إلى أنه مَنصُوبٌ بإِضمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: أَعْني 3 غَيْرَ المغضوبِ هذا بَعْدُ أبْينُ لا يَحْتاجُ إلى بَيانٍ. مَعْلُومٌ أنَّ المنعَمَ عَلَيْهِم لَيْسُوا مَنْ غَضِبَ الله عَلَيْهِم، وَلَيْسوا مَنْ ضَلَّ، فَكْيفَ يُقالُ: أعني هذا.

وَالأَمْرُ بَيّنٌ أنَّ هذا يعني هذا بعيدٌ وَخارِجٌ عَنْ طَريقِ كَلامِ الْعَرَبِ، وَأَبْينُ عندي مَا فيه أَنْ يكونَ استثناءً منقطعاً، وَعَلَيْهِم في مَوْضِعَ رَفِع، لأِنَّهُ مفعولٌ بمغضُوبِ لم يُذكر فاعله. فَيكُونُ مَرْفوعاً كما تَقُولُ: مُرَّ بزيدٍ والهاءُ والميمُ مِنْ عَلَيْهِم تَعوُدُ إلى الأَلِفَ واللاّم فِيْمَنْ جَعَلَها اسْماً، وَمَنْ جَعَلَها حَرْفاً- وَهُوَ الصّحيحُ، لأنّكَ لا تجَدُ اسماً لا ظاهِراً وَلا مُضمَراً لا مُتّصِلاً وَلا مُنْفَصِلَا علي حَرفٍ وَاحدٍ ساكنٍ - فَيَكُون الضمير عائداً على الذين، لأنَّ معنى اْلمغْضُوبِ الَّذِينَ غضِبَ عَلَيْهِم، وكذلِكَ قالَ أبو عليّ في الإِيْضَاحِ: إذا أخبرتَ عَنْ نَفْسِكَ مِن ضرب زيدٍ بالأَلِفِ واللَاّم قُلْتَ: الضَّارِبُ زيداً أنا، ففي كل واحِدٍ من ضَرَبٍ وَالضَّارِبِ ذِكْرٌ يعوُدُ إلى الذي 4

والمغضُوبُ عَلَيْهِم هُمْ الْيَهُودُ وَمَنْ شَاكَلَهُم في تعنُّتِهِم وتبديلهم الحقّ مَعَ مَعْرِفَتِهِ،

1هذا هو الإِعراب الأول لأبي الحسن الأخفش كما في كتابه معاني القرآن 18/1، والسبعة في القراءات 112، وبقية المصادر السابقة.

2هذا هو الإِعراب الثاني للأخفش. ينظر المصادر السابقة، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 125. وذهب إليه الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 53/1، وابن السهل فيما نقل عنه أبو على في الحجة 42/1 ا-143، وبه قال الزمخشرى في الكشاف 1/ 71، وهو المعنى في قول ابن أبى الربيع: وذهب بعض المتأخرين.. ويبدو أن ابن أبى الربيع أيقف على إعراب الأخفش، أو لم يثبت عنده، وبعيد أن يكون قصده ببعض المتأخرين الأخفش.

3 ينظر مشكل إعراب القرآن 13/1، والتبيان في غريب إعراب القرآن 1/ 40، والفريد في إعراب القرآن المجيد 176/1.

4ينظر الإيضاح 58/1.

ص: 396

قال تعالى: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفونَ أَبْنَاءَهُمْ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ/ لَيَكْتُمُونَ ألْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون)1..

والضالُون: هُمُ النّصارى، لأِنّهم ضَلُّوا بنظَرِهِم الفاسد، قال تعالى:(لا تَغْلُوا في دينِكُمْ غَيْرَ الحق وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضًلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلًّوا عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ)2.

لأِنّ عِيْسى عليه السلام حيِنَ تكَلّمَ أخَذَوا في الكَلام فيه، فَمِنْهُمْ مَنْ قالَ: هُوَ ابن الله، وَمِنْهم مَنْ قالَ هُوَ الله، وهذا كَلُّهُ فسادٌ في النَّظَرِ- وَالله أعلم- وهو عبد مكرمُ من عبيد الله المكرمين.

وفي (الضالين) ضَمِيرٌ يَعوُدُ على الألفِ وَاللام عَلى مَنْ جَعَلها اسماً، وَمن لم يَجْعَلْهَا اسْماً أعَادَ الضميرَ عَلى الّذيْنَ المَفْهُومِ مِن و (لا الضَّالِيْن) على حَسْبما تَقَدَّمَ في (المغْضُوبِ عَلَيْهِم) .

وُيقال: ضَلَلْتُ وَضَلِلْتُ بفتح اللام وكسرها، والفتح أفصحُ وبه جاء القرآن.

وَقُرِىءَ في الشّاذِّ و (لَا الضّألِينَ) 3 بَفتح الهمزة، لأِنَّهم كَرِهُوا التِقاء الساكنين. وَحُكِي: دَأبّه وشَأبّه 4على هذا.

وَقرأَ ابن كثير: (عَلَيْهُم) ، و"بهُم "، و"لهُم "، و"إليْهُم "، و"لديهُمْ " وما أشبه ذلك بضمير الجمع مخاطباً كان أو غائباً بضَم الهاء والكاف موصولة 5 بالواو. ما لَم يكُنْ قبل الهاء ياء أو كسرة، فإن كان قبل الهاء ياء ساكنة أو كسرة، كسر الهاء اتباعاً لما قبلها وإبقاء الميم على أصْلِها ولم يتبعها الهاءَ، لأنْ كسرةَ الهاءِ عارضةٌ.

1 سورة البقرة آية: 146.

2 سورة المائدة آية: 77.

3 قرأ بها أبو أيوب السجّستانى كما في المحتسب 37/39، والمحرر الوجيز1/126 وإعراب القراءات لابن خالويه ق 38، وإعراب القراءات الشواذ للعكبرى ق 7.

4 ينظر المحتسب 47/1، والخصائص 3/ 45، والمحرر الوجيز 132/1.

5 ينظر السبعة في القراءات 108، والحجة لأبى على الفارسي 37/1، والتذكرة في القراءات 1/ 85.

ص: 397

وقرأ الباقون بسكون الميم وضم الهاء ما لم يكن قبلها ياءٌ ساكنةٌ أو كسرةٌ، إلا حمزةَ فإنه ضمَّ الهاءَ من (عَليهم) و"لديهم "، "إليهم " خاصة 1.

وقرأ ورش بضمِّ الميم إذا لقيتها همزة القطع 2 وسَكّن فيما عدا ذلك، وإنما فعل ذلك ليتمكّنَ من النّطْقِ بالهمزةِ لثقلِها، والأصل في هذه الهاء الضّمُّ لأنّهُ المطّردُ والكَسْرُ إنّما هو حيث يَكُونُ قَبْلَها ياءٌ سَاكِنَةٌ أوْ كَسْرَةٌ فعَلِمْنا أنَّ المطَّرِدَ هُوَ الأصْلُ وأنَّ المكْسُورَ إنَّما جَاءَ تابعاًِ لما قَبْلَهُ، وَلأِنَّكَ لَوْ ادَّعَيْتَ أنَّ الكَسْرَ كانَ الأَصْلَ لم تَجدْ لِلكَسْرِ مُوجباً، وإذَا ادَّعَيْت أنّ الضَمَّ هُوَ الأَصْلُ وَجَدْت لِلكَسْرِ مُوجباً.

وحَكَى سِيْبَوْيه عَن بعضِ العَرَبِ: مِنْهِم3 بكسر الْهَاءِ وَلَمْ يُعْتَدّ بالسّكوُنِ، وَهذا لا يَكادُ يُعَرَف لِقِلّة المتكلمين به.

وكذلك الميم أصْلُها الضمّ والكسر اتباع، لأنَّ الضمَّ مُطّردٌ والكسرُ غيرُ مُطّرِدٍ، وَلأَنّكَ إذا ادَّعيتَ أنّ الأصلَ الضمَّ وجدت أن للكَسْرِ موجَبَاً هو الاتباع، وَلَوْ جَعل الكَسْرَ هُوَ الأصْلُ لم تجد للضَّمّ موجباً، وكذلك الضمَّ في الميم والإتيان بالواو بعدها هو الأصلُ، وحذفُ المدّةِ وسكونُ الميم كان ثانياً 4، لأنّكَ إذا ادّعيت أنّ السُّكون هو الأصل لم تجد للحركة والمدَّةِ مُوجِباً، وإذا ادّعَيْتَ أنّ الأَصْلَ هُوَ الحَرَكَةُ والمدّةُ وَجَدْتَ لِلسُّكُونِ مُوجباً، وَذَلِكَ أنَّ العَرَبَ تَسْتَثْقِلُ توَالي خمس متحركات ألا ترى أنَّها لا تُوجد في أَوْزانِ الشعر، فسكنوا مثل ضَرَبَهم لتوالي 5 خمس متحركات، ثم جرى غيرهُ مجراه ليجرى على مثالٍ 6، ولأنَّ المؤنث والمثنى بعد الهاء فيهما حرفان، فيجبُ للمذكّر أنْ يَجْرِىَ على حُكْمِهما.

1ينظر المصادر السابقة، والكشف 1/37، 39، والمحرر الوجيز 1/ 126.

2ينظر التيسير 9 1، والكشف 1/ 39، والتذكرة 1/ 86، والإقناع في القراءات السبع 2/ 5 59.

3هذه لغة لقوم من ربيعة يتبعون الهاء الميم ولا يعتدون بالون الساكنة بينهما، لأنّ الساكن حبر غيرُ حصين عندهم، وهى لغة رديئة عند سيبويه. ينظر الكتاب 96/4 ا-197.

4 في الأصل: ثانٍ، وهو هنا خبر لكان والمنقوص في النصب يعرب بحركة ظاهرة على يائه. لا يحذفها والتنوين، فلعل هذا من غفلة الناسخ.

5في الأصل: ولتولّى.

6 في الأصل: فال، وهو تحريف.

ص: 398

وإذا سُكّنت الميم ولقيهَا ساكنٌ من كلمة أُخْرى وَالهاء قبلها مكسورة، فقرأ أبو عمرو بكسر الميم، نحو:(عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ)(وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) ، 2.

وقَرأَ حمزةُ والكسائي بضم الهاء والميم ة ضَمَّا الميمَ 3، لأنَّ الضمَّ فيها هو الأصلُ فلمّا اضطرَّا 4إلى التّحريكِ حَرَّكا 5 بحركَةِ الأصْلِ واتْبَعا 6 الهاء الميم.

وقرأَ الباقون بكسر الهاء وَضَمّ الميم 7، نحو: عَلَيْهِمُ الّذّلَّةُ، حَرّكوا الميم عند الاضْطِرارِ إلى التّحرِيْكِ بحركة الأصْلِ، ولم يُتْبِعوا الهاءَ الميمَ، لأنَّ الحركة في الميم، عَرضتْ لالتقاء السَّاكنين فلا يُعْتدُّ بها.

وهذا كلّهُ جائزٌ إذا كان قَبلَ الهاءِ ياءٌ سَاكِنةٌ أوْ كَسْرَةٌ وَإِذا كانَ قَبْلَ الْهاءِ غَيرُ ما ذَكَرْتهُ فَلابُدَّ مِنَ ضَمِّ الْهَاءِ واْلميم، نحو:(جَآءتهم البينات) 8 و (لَهُمُ الدَّرَجَاتُ) 9 (وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبي) 10 لا خِلَافَ في هَذا. وكَأَنَّ قِرَاءَةُ أبي عمرو- والله أعلمُ- مِمّنْ يَقُولُ: (عَلَيْهُمُ) إذا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهَا سَاكنٌ. وَقَدْ تَكُونُ قراءةُ أَبي عَمرو مِمَّنْ سَكّن الميمَ مِن "هُم" فَلَمَّا اضطّرَّ إلى التحرِيْكَ حَرَّكَ اتْباعاً لِلْهاءِ، وَكانَ هذا أَنْسَب؛

لأَنّهُ لم يُنْقلْ عَنهُ عليهم إذا لم يكن بَعدَهُ سَاكِنٌ.

وَأماَّ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ: (عَلَيْهُم) وَ"إِلَيْهُم" وَ"لَدَيْهُم " بضَمِّ الْهَاءِ هذه الثّلاثةَ خاصّةً، فَوَجْهُ ذلِكَ أنَّ الَأصْلَ هِي الأَلِفُ على وَلَدَى وَإلى، والانقلاب إنَّما دَخلَ عند الضّمير، فالانقِلابُ عَارِضٌ فَلَمْ يُعْتَدّ بهِ وَتَرْكُهَا مَضْمُومَةٌ كَما كَانَتْ تكون مع الألِفِ.

1سورة البقرة آية: 61.

2سورة غافر آية: 9.

3في الأصل: ضموا.

4 في الأصل: اضطروا.

6،5 في الأصل: حركوا واتبعوا.

7ينظر الحجة لابن زنجلة 82، والتذكرة في القراءات 87/1.

8سورة البقرة آية: 213.

9 سورة طه آية: 75

10 سورة التوبة آية: 61

ص: 399

وَقِراءَةُ حمزةَ والكِسَائي في (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) 1 كما اضطَّرَّ إلى تحريْكِ اْلمِيمِ حَرّكَاهَا بحَرَكة الأَصْلِ ثُمَّ اتْبَعا الهاء الميم وإنْ كانت حَركتهُما عَارِضةً لأِنّهما كَرِها الخرُوُجَ مِن كَسْرِ الْهاءِ إلى ضَمِّ اْلمِيمَ، لأنَّهُما مُتَلَازِمتان.

وهذا الفصَلُ إنَّما يتبيّنُ مُكَمَّلاً في كُتب العَرَبيَّة، وَفيها تَتَبينُّ لُغَاتُها 2 مُكَمَّلاً إنْ شَاء.

وفي الشَّاذِّ قِرَاءاتٌ لا يَلِيقُ ذِكْرُها هنا.

(آمينَ) : رُوِيَ أنّ جِبْريل صلى الله عليه وسلم قال لِرسُول الله صلى الله عليه وسلم قلْ آمِينْ 3 بعد قراءته أمّ القُرْآن، وَهِيَ اسمُ فعل، وأسماء الأَفْعالِ مَبْنِيّةٌ؛ لأِنَّ مُوجبَ الإِعراب لَيْسَ فيها، وبُنيَت على الفتح لالتقاء السَّاكِنَيْن، وفيها لُغتانِ: تُمَدّ وَتُقْصَرْ، ذكَرهمَا ثعلب 4، ومعناها اسْتَجِب وأجب يا رَبّ.

وَقَد نُقِلَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّ معناها: أفعلُ.5

1 سورة غافر آية: 9.

2 ينظر الكتاب 4/195-198.

3ينظر الموطأ 1/ 1 8 1، وسنن الترمذي 28/2- ا 3، وفتح الباري 59/8 1، والمحرر الوجيز 133/1 والحديث بألفاظ مختلفة عما هنا

4ينظر فصيح ثعلب 6 8ـ 87.

5لم أقف على الحديث بهذا اللفظ.

ص: 400