المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1. أسلوب الحوار: - تقويم أساليب تعليم القرآن الكريم وعلومه في وسائل الإعلام

[محمد سبتان]

الفصل: ‌1. أسلوب الحوار:

‌الباب الثاني

‌أولا: الأسس العامة لتقويم أسلوب التعليم من القرآن الكريم

1. أسلوب الحوار:

الباب الثاني أولاً: الأسس العامة لتقويم أسلوب التعليم من القرآن الكريم

لكل مشروع أو إنجاز يراد تحقيقه وسائل تناسبه وتحقق أهدافه. وإن المعلم مهما بلغت فصاحته وبلاغته لن يجد أسلوباً أرقى من أسلوب القرآن الكريم حيث الأسلوب المؤثر البليغ الذي ربى النفوس وشحذ الهمم على مر القرون والدهور. وهاك الأسس التي اعتمد عليها القرآن الكريم في توجيه الأجيال لتحقيق هدف الأمة الأسمى لنكون خير أمة أخرجت للناس.

1.

أسلوب الحوار:

وهو أن يتناول الحديث طرفان أو أكثر عن طريق السؤال والجواب والمداخلة الواعية مع اشتراط وحدة الموضوع وقد اعتمد عليه القرآن كثيرا ومثله:

أ- حوار الله لملائكته المكرمين {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ

} (البقرة:30)

ب- حوار بين الله وأنبيائه عليهم السلام {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} . (المائدة: 109)

ج- حوار بين الرسل وأقوامهم {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قَالَ

ص: 21

الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ أو عجبتم أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً عَمِينَ} . (الأعراف: 59 - 64)

د- حوار بين أهل النار {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} . (غافر: 47،48)

فيأخذ السامع من ذلك العبرة، ويكون لنفسه موقفاً مؤثراً فيتتبع الموضوع بشغف واهتمام وذلك لأسباب كثيرة أهمها:-

أ) عرض الموضوع عرضاً حيوياً: إذ يتناوله الخصمان بالأخذ والرد مما لا يدع مجالاً للملل بل يدفع المشاهد إلى الاهتمام والتتبع لما يتوقعه من جديد لم يكن عنده علم فيتمكن في نفسه أيما تمكن، لاسيما إذا كان حواراً بين خصمين فيتطلع إلى معرفة انتصار أحد الخصمين.

ب) إغراء القارئ أو السامع بالمتابعة لمعرفة النتيجة.

جـ) إيقاظ العواطف والانفعالات مما يساعد على تربيتها وتوجيهها نحو المثل الأعلى، وتأصيل الفكرة في النفس وعمقها.

د) عرض الموضوع الذي تتبناه الفئة المؤمنة تدافع عنه وتقص علينا أثره في سلوكها وحياتها.

أنواع الحوار منها: ـ

الأول: الحوار التعبدي: بأن يوجه القرآن سؤالاً فيجيب العبد المؤمن.

ص: 22

روى أبو داود والبيهقي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (القيامة: 40) قال سبحانك،فبلى (1) .

وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على تلبية هذه الأسئلة.

روى الحاكم عن جابر قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: مالي أراكم سكوتاً؟ الجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت عليهم هذه الآية {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} الرحمن: 13) إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد (2) .

إن القرآن يربي نفوس المتعلمين بهذا الحوار التعبدي على عدة أمور: ـ

التجاوب مع أسئلة القرآن واستحضار القارئ والمستمع لها بقلبه، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ذلك تعليماً عملياً.

فعن حذيفة بن اليمان: " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى يصلي بها إلى أن قال ثم افتتح بآل عمران يقرأ متر سلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ"(3)

2-

استجابة السلوك وذلك نتيجة طبيعة للقناعة الفكرية الناشئة عن أسلوب الحوار فالذي يستجيب لسؤال ربه ووعده ووعيده حري بأن يستجيب بسلوكه.

(1) رواه أبو داود ك الصلاة رقم 750 وأحمد 7086

(2)

رواه الحاكم في المستدرك ج 2 ص 515 وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

(3)

رواه النسائي في المجتبى ج 3 ص 225 والبيهقي ج 1 ص 433

ص: 23

3-

إشعار المتعلم والقارئ للقرآن الكريم بمكانته عند الله حتى خاطبهم به. فلما نزل قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 91) في آيات تحريم الخمر قالوا: انتهينا يا رب.

الثاني: حوار الخطاب التذكيري

بتذكير المتعلم بما يجب عليه أقتبس من القرآن الكريم تذكيره لنبي إسرائيل بالنعم {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} (البقرة: 40) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المائدة: 11) وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} (الشرح: 1،2) ..

وهذا الحوار له أثر نفسي عميق فهو يوقظ في النفس عاطفة العرفان بالجميل المترتب عليه عاطفة الخضوع والانقياد لأوامر الله عز وجل على أن تكون دافعة له إلى التطبيق.

الثالث: حوار الخطاب التنبيهي

فقد يرد التساؤل ويعقبه الجواب للفت الأنظار إلى أمر هام ثم يُشرح هذا الأمر تاركاً أعظم العبر كقوله تعالى {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} (القارعة: 1-3) وقد اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب في قوله صلى الله عليه وسلم "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال كلا بل المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات مثل الجبال ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا

ص: 24

فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته

" الخ (4) وإذا كانت المدرسة الحديثة تستخدم طريق الاستجواب لتثبت المعلومة فإن الإسلام قد وضع هذا الأسلوب منذ خمسة عشر قرناً من الزمان وشتان ما بينهما فالمدرسة الحديثة الاستجواب فيها مقصور على أمور علمية جافة بظن أو يقين لكن الحوار القرآني والنبوي يجدد أفكار السامعين بأمور يقينية جديدة موجهاً لهم الأخذ بخيرها وترك شرها.

الرابع: حوار الخطاب العاطفي

وهو خطاب أو استفهام يعتمد على استثارة العواطف الإنسانية والانفعالات الوجدانية حتى تترك أثراً في تغيير ما كان عليه إلى السلوك الصالح والعمل الطيب مثل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} الصف: 2،3)

ومثل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} التوبة: 38) .

وهذا الأسلوب يؤدي إلى الاستعداد الوجداني كلما تكررت المناسبة أو الموضوع الذي أثار الانفعال كاستعداد المؤمن للحماسة من أجل العقيدة الخالصة، ولتحقيق أوامر الله عز وجل، والغضب لله، والدعوة إلى دينه. والعاطفة الفعالة تؤدي بصاحبها إلى سلوك يرضيها ويحقق غايتها.

(4) رواه مسلم 4 / 1997 والترمذي 4/ 613 ومسند أحمد 2/ 303 وابن حبان 10/ 259

ص: 25