المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(أ) ترجمة معاني القرآن الكريم - تقويم أساليب تعليم القرآن الكريم وعلومه في وسائل الإعلام

[محمد سبتان]

الفصل: ‌(أ) ترجمة معاني القرآن الكريم

‌رابعاً برامج خاصة بالإنترنت

(أ) ترجمة معاني القرآن الكريم

تقسم الترجمة إلى حرفية وتفسيرية، فالترجمة الحرفية هي التي تراعى فيها محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، فهي تشبه وضع المرادف مكان مرادفه وبعض الناس يسمي هذه الترجمة لفظية، وبعضهم يسميها مساوية. والترجمة التفسيرية هي التي تراعى فيها تلك المحاكاة، أي محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، بل المهم فيها حسن تصوير المعاني والأغراض كاملة ولهذا تسمى بالترجمة المعنوية وسميت تفسيرية لأن حسن تصوير المعاني والأغراض فيها جعلها تشبه التفسير.

فالمترجم ترجمة حرفية يقصد إلى كل كلمة في الأصل فيفهمها ثم يستبدل بها كلمة تساويها في اللغة الأخرى مع وضعها موضعها وإحلالها محلها، ويؤدي ذلك إلى خفاء المعنى المراد من الأصل بسبب اختلاف اللغتين في مواقع استعمال الكلام في المعاني المرادة إلفاً واستحسانا.

أما المترجم ترجمة تفسيرية، فإنه يعمد إلى المعنى الذي يدل عليه تركيب الأصل فيفهمه، ثم يصبه في قالب يؤديه من اللغة الأخرى، موافقا لمراد صاحب الأصل، من غير أن يكلف نفسه عناء الوقوف عند كل مفرد ولا استبدال غيره به في موضعه.

ولنضرب مثالا للترجمة بنوعيها على فرض إمكانها في آية من الكتاب الكريم: قال الله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (الإسراء: 29) فإنك إذا أردت ترجمتها ترجمة حرفية، أتيت بكلام من

ص: 50

لغة الترجمة؛ يدل على النهي عن ربط اليد في العنق وعن مدها غاية المد، مع رعاية ترتيب الأصل ونظامه بأن تأتي بأداة النهي أولا، يليها الفعل المنهي عنه متصلاً بمفعول ومضمرٌفيه فاعله، وهكذا. ولكن هذا التعبير الجديد قد يخرج في أسلوب غير معروف ولا مألوف في تفهيم المترجم لهم ما يرمي إليه الأصل من النهي عن التقتير والتبذير. بل قد يستنكر المترجم لهم هذا الوضع الذي صيغ به هذا النهي ويقولون: ما باله ينهي عن ربط اليد بالعنق وعن مدها غاية المد؟! وقد يلصقون هذا العيب بالأصل ظلما، وما العيب إلا فيما يزعمونه ترجمة للقرآن من هذا النوع.

أما إذا أردت ترجمة هذا النظم الكريم ترجمة تفسيرية، فإنك بعد أن تفهم المراد وهو النهي عن التقتير والتبذير في أبشع صورة منفرة، منها تعمد إلى هذه الترجمة فتأتي منها بعبارة تدل على هذا النهي المراد، في أسلوب يترك في نفس المترجم لهم أكبر الأثر في استبشاع التقتير والتبذير ولا عليك من عدم رعاية الأصل في نظمه وترتيبه اللفظي.

والترجمة لابد أن تفي بمقاصد القرآن الثلاثة: ـ

أن يكون هداية للثقلين، وأن يقوم آية لتأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يتعبد الله خلقه بتلاوة هذا الطراز الأعلى من كلامه المقدس.

هداية القرآن:

وهداية القرآن تمتاز بأنها عامة، وتامة، وواضحة.

أما عمومها فلأنها تنتظم الإنس والجن في كل عصر ومصر، وفي كل زمان ومكان.قال الله سبحانه:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام: 19) وقال جلت حكمته: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ

ص: 51

الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} (الأنعام: 92)، وقال عز اسمه:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} (الأعراف: 158) وقال عمت رحمته: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الأحقاف: 29-32) .

وأما تمام هذه الهداية فلأنها احتوت أرقى وأوفى ما عرفت البشرية وعرف التاريخ من هدايات الله والناس، وانتظمت كل ما يحتاج إليه الخلق في العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات على اختلاف أنواعها وجمعت بين مصالح البشر في العاجلة والآجلة، ونظمت علاقة الإنسان بربه وبالكون الذي يعيش فيه، ووفقت بطريقة حكيمة بين مطالب الروح والجسد.

وقال جل جلاله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13) وقال عز من قائل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة: 172) وقال تعالت حكمته {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة: 10) .

إلى غير ذلك من آيات. كثيرة.

ص: 52

وأما وضوح هذه الهداية: فلعرضها عرضا رائعا مؤثراً توافرت فيه كل وسائل الإيضاح وعوامل الإقناع: أسلوب فذ معجز في بلاغته وبيانه. واستدلال بسيط عميق يستمد بساطته من كتاب الكون الناطق وأمثال خلابة تخرج أدق المعقولات في صورة أجلى الملموسات. وحكم بالغات تبهر الألباب بمحاسن الإسلام وجلال التشريع. وقصص حكيم مختار يقوي الإيمان واليقين ويهذب النفوس والغرائز ويصقل الأفكار والعواطف، ويدفع الإنسان دفعا إلى التضحية والنهضة ويصور له مستقبل الأبرار والفجار، تصويراً يجعله كأنه حاضر تراه الأبصار في رابعة النهار، والأمثلة على ذلك كثيرة في القرآن، يخرجنا استعراضها عما نحن بسبيله الآن.

والمهم أن نعلم في هذا المقام أن الهدايات القرآنية الكريمة منها ما استفيد من معاني القرآن الأصلية، ومنها ما استفيد من معانيه التابعة، أما القسم الأول فواضح لا يحتاج إلى تمثيل، وهو موضوع اتفاق بين الجميع. وأما القسم الثاني ففيه دقة جعلت بعض الباحثين يجادل فيه وإنا نوضحه لك بأمثلة نستمدها من فاتحة الكتاب العزيز:

منها استفادة أدب الابتداء بالبسملة في كل أمر ذي بال، أخذا من ابتداء الله كتابه بها، ومن افتتاحة كل سورة من سوره بها عدا سورة التوبة.

ومنها: استفادة أن الاستعانة في أي شيء لا تستمد إلا من اسم الله وحده، أخذا من إضافة الاسم إلى لفظ الجلالة موصوفا بالرحمن الرحيم، ومن القصر المفهوم من البسملة على تقدير عامل الجار والمجرور متأخراً، ومن تقدير هذا العامل عاما لا خاصا.

ص: 53

ومنها: استفادة الاستدلال على أن الحمد مستحق لله بأمور ثلاثة: تربيته تعالى للعوالم كلها، ورحمته الواسعة التي ظهرت آثارها وتأصل اتصافه تعالى بها، وتصرفه وحده بالجزاء العادل في يوم الجزاء. وذلك أخذاً من جريان هذه الأوصاف على اسم الجلالة في مقام حمده بقوله سبحانه:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}

ومنها استفادة التوحيد بنوعيه توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية من القصر الماثل في قوله سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

ومنها: استفادة دليل هذا التوحيد من الآيات السابقة عليه ووقوعه هو في سياقها عقيبها كما تقع النتيجة عقب مقدماتها.

ومنها: استفادة أن الهداية إلى الصراط المستقيم هي المطمع الأسمى الذي يجب أن يرمي إليه الناس ويتنافس فيه المتنافسون. يدل على ذلك اختيارها والاقتصار على طلبها والدعاء بها ثم انتهاء سورة الفاتحة بها كما تنتهي البدايات بمقاصدها.

ومنها: استفادة أن الهداية لا يرجى فيها إلا الله وحده، لأنها انتظمت مع آيات التوحيد قبلها قي سمط واحد

ومنها: استفادة أدب من الآداب، هو أن يقدم الداعي ثناء الله على دعائه، استنتاجا من ترتيب هذه الآيات الكريمة، حيث تقدم فيها ما يتصل بحمد الله وتمجيده، وتوحيده، على ما يتصل بدعائه واستهدائه.

هذه أمثلة اقتبسناها من سورة الفاتحة ونحن لا نظن أن أحدا يخاصم فيها.

فحسبنا في هذا الموضوع بيان دلالة نظم القرآن الكريم باعتباردلالة معانيه الثانوية على هدايات متنوعة من عقائد وأحكام وآداب وأدلة ولطائف،

ص: 54

دقيقة الطرق، لطيفة المسالك. ومن شأن القرآن الكريم على هداياته باعتبار معانيه الأصلية فإنها واضحة قل أن يقع فيها تفاوت أو خلاف، لأن هذه المعاني – كما قررنا يستوي فيها العربي والعجمي، والحضري والبدوي.

إعجاز القرآن:

المقصد الثاني من نزول القرآن الكريم، أن يقوم في فم الدنيا آية شاهدة برسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يبقى على جبهة الدهر معجزة خالدة تنطق بالهدى ودين الحق ظاهراً على الدين كله! إن بلاغته العليا وجه بارز من هذه الوجوه. بل هي أبرز وجوهه وجوداً وأعظمها أفرادا، لأن كل مقدار ثلاث آيات قصار معجز، ولو كان هذا المقدار من آية واحدة طويلة فقد تحدى الله أئمة البيان أن يأتوا بسورة من مثله، وأقصر سور هي سورة الكوثر، وآياتها ثلاث قصار. وإذا كان أئمة البيان في عصر ازدهاره والنبوغ فيه، قد عجزوا فسائر الخلق أشد عجزا. ولقد فرغنا من أن بلاغة القرآن منوطة بما اشتمل عليه من الخصوصيات والاعتبارات الزائدة وأنت خبير بأنها سارية فيه سريان الماء في العود الأخضر أو سريان الروح في الجسم الحي وأن نظم القرآن الكريم مصدر لهدايته كلها سواء منها ما كان طريقه النظم وما كان طريقه تلك الخصوصيات الزائدة عليه.

التعبد بتلاوة القرآن.

المقصد الثالث من نزول القرآن أن يتعبد الله خلقه بتلاوته، ويقربهم إليه ويأجرهم على مجرد ترديد لفظه ولو من غير فهمه، فإذا ضموا إلى التلاوة فهما زادوا أجر على أجراً، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ

ص: 55