الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3. أسلوب ضرب الأمثال
ضرب المثل عبارة عن إيقاعه وبيانه لإيضاح حال من الأحوال بذكر ما يناسبه ويشابهه ويظهر حسنه أو قبحه ما كان خفياً.واختير له لفظ (الضرب) لأنه يأتي عند إرادة التأثير وهيج الانفعال، كأن ضارب المثل يقرع به أذن السامع قرعاً ينفذ أثره إلى قلبه وينتهي إلى أعماق نفسه.وإذا كان الغرض التأثير فالبلاغة تقضي بأن تضرب الأمثال لما يراد تحقيره والتنفير عنه بحال الأشياء التي جرى العرف وتحقيره واعتادت النفوس النفور منها. (1)
فيشبه ما يراد تحقيره بالأشياء التي عرفت حقارتها كتشبيه معبودات المشركين وأوليائهم ببيت العنكبوت {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت: 41)
ولكن بعض المنافقين والمشركين لم يروا في القرآن شيئاً يعاب فتمحلوا بنحو قولهم: إنه لا يليق بالله ضرب المثل بالذباب والعنكبوت ولذا رد الله عليهم بقوله {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (البقرة: 26)
وليست الأمثال مجرد عمل فني يقصد من ورائه الرونق البلاغي فحسب بل إن لها غايات تعليمية.
1-
تقريب المعنى إلى الأفهام {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} الرعد: 17)
(1) تفسير القرآن الحكيم /167 ط المنار
فالباطل يضمحل كالزبد الذي يحمله السيل وإن علا في بعض الأوقات كما يعلو الزبد،والحق ثابت باق يمكث في القلب فينتفع به المؤمن فيثمر عملاً صالحاً كما يمكث الماء في الأرض المنبتة فيثمر عشباً وزرعاً وأعناباً ونخيلاً.
2ـ إثارة الانفعالات عند ورود المعنى تاركاً أثره في أعماق النفوس بالكراهية لكل معاني الشرك والكفر،وإثارة الرضا بالإيمان والإسلام مع الركون إلى القوة التي لا تضعف والعز الذي لا يزول {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 73) .
3ـ تربية العقل على التفكير الصحيح والقياس المنطقي السليم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً} (البقرة:264) .
من هنا فينبغي للمعلِّم أن يستعين بأسلوب ضرب المثل قال الماوردي: (من أعظم علم القرآن علم أمثاله والناس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال وإغفالهم الممثلات)(1) .
فإن الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص لأنها أثبتت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس، ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي، والغائب بالمشاهد. وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت
(1) انظر السيوطي، الإتقان ج 2 ص 167 ط عيسى الحلبي
الأجر، وعلى المدح والذم وعلى الثواب والعقاب وعلى تفخيم الأمر وتحقيره وعلى تحقيق أمر أو إبطاله قال تعالى:{وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} إبراهيم: 45)