الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر:29،30) .
وقد سبق الترغيب من السنة وما فيه من الثواب على التلاوة. وبعد أن علمنا المقاصد التي يستصحبها المترجم نذكر جهود المترجمين المسلمين خلال القرن الهجري الماضي،
تعد ترجمة الدكتور عبد الحكيم خان والتي طُبعت بلكنو بالهند عام 1905 م (1323 هـ) أول ترجمة قام بها مسلم إلى اللغة الإنجليزية. وهناك ما يقرب من حوالي سبع عشرة ترجمة كاملة أو مختارات قام بنقلها مسلمون إلي اللغة الانجليزية هي ترجمة محمد ماديوك بيكتهال، والتي ظهرت في لندن عام 1930 م (1349 هـ) وكذلك ترجمة الأستاذ عبد الله يوسف وهي ترجمة معروفة ومنتشرة في أوساط المثقفين المسلمين وغير المسلمين، وقد قامت بطبعها رابطة العالم الإسلامي.
أما أول طبعة لهذه الترجمة فقد صدرت في عام 1935 م (1354 هـ) ، ثم تولى طبعها الأستاذ خليل الرواف في أمريكا عام 1946م – 1366 هـ تخليداً لذكرى وصول الوفد السعودي إلى أمريكا، ثم طبعتها الرابطة في عام 1963م (1383 هـ) .
(ب) – القرآن الكريم يوافق العلم ولا يعارضه
إذا تكلم القرآن على شيء من فنون الطب والصناعة والزراعة فإنما يريد أن يوجه الإنسان إلى الإيمان بوجود خالق مبدع لكل الكائنات وإلى ما فيها من خواص طبيعية وقوانين علمية وترتيبات سببية ويريد أن يحيا معها ضمن عقيدة سليمة وتفكير قويم وأن يستخدمها في أسلوب صحيح وأخلاق سامية.
وهذه آيات قرآنية لها مساس بعلم الطب، تضيء الإيمان في جنبات النفس فيستنير الفكر بإشاعات اليقين بالخالق المبدع جل في علاه.وهي في ذاته الوقت توضح الحقائق التي توصل إليها العلم الحديث وذلك يبث في أعماق النفوس معجزة القرآن المتفجرة في كل آن الخالدة على مر الزمان فكما أن العصر الأول وجد فيه البلاغة في صدق دعواه فإن الناس اليوم يجدون فيه سلسلة لا نهاية لها من الإعجاز سواء في النظام الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أو منهجه التربوي والخلقي أو في إشاراته العلمية للكون والخالق مع التنبيه على أن القرآن لم يكن كتاباً في الطب أو في أي فرع من العلوم وإنما هو منهج هداية ضرب الله فيه للإنسان من كل شيء {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} (الكهف: 54)
فحث القرآن المسلم على التعلم والبحث والتأمل حتى غدت آيات القرآن الكريم معلماً في طريق العلم تمده في مسار صحيح ليؤدي وظيفته في حياة البشر.
ولنعلم أن شقاء البشرية رغم التقدم التكنولوجي الكبير يعود إلى اندفاعها في ركب العلم على غير هدى وبدون أية ضوابط أخلاقية أو إنسانية.
ولم يفد الدول المتقدمة تكنولوجياً علومها عن مضار الخمر والمخدرات والزنى في الحد من ويلاتها المدمرة كما لا نستغرب إذ نسمع أن معدلات العمر الوسطي للبدء في التدخين في الدول الاسكندنافية (السويد والدانمرك والنرويج) هو ثمان سنوات. وهذه هوة واسعة بين علم الإنسان وواقعه، لا توجد بين تعاليم القرآن وواقع المسلم الحق وإنما نجد إيماناً صادقاً يطابقه عمل صالح.فكان لا بد من الإشارة عن هذا التقدم القرآني عبر الإنترنت
جذباً للقلوب لتتشوق إلى معرفة القرآن مع ملاحظة عدم تحميل آيات القرآن أكثر مما تحمل، وتجنب تطويعها للمعطيات العلمية. ولا تفسر بما وصل إليه العلم الحديث إلا بعد أن تكون المعطيات العلمية حقائق ثابتة. حتى نصل إلى أن القرآن بهذا السبق معجز حين طرق فروع الطب ابتداء بعلم الأجنة ومروراً بعلم التشريح الوصفي والنسيجي وعلم الطفيليات والجراثيم وانتهاءً بدراسة الأمراض الجهازية المختلفة.
كيف كانت دهشة الأطباء حينما تعرض القرآن لأهم مشكلات العلوم الحديثة الغامضة التي استعضلت على علماء الاختصاص كتعرضه لمسألة بدء الخلق وعملية تمايز أعضاء الجنين المختلفة ونعرض نموذجاً على ذلك
أطوار التخلق الإنساني (1)
قال تعالى في سورة نوح {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} (نوح: 13-14) . يبين تبارك وتعالى أن تخلق الإنسان إنما يتم على أطوار متتالية، ثم يشير في سورة المؤمنين إلى أهم هذه الأطوار حيث يقول:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون:15:12) .
إن الناظر اليوم،في هذه الآيات البينات وهو يضع في جعبته حقائق القرن العشرين عن علم الأجنة Embryology يشعر بأن الله تبارك وتعالى إنما
(1) مع الطب في القرآن الكريم للدكتور / عبد الحميد دياب، د/ أحمد قرقوز مؤسسة علوم القرآن دمشق ص 80 وما بعدها.
خَصَّه هو بهذه الآيات،وإن كانت قد نزلت منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، لأنها تخاطبه باللغة التي يتباهى بها اليوم!!
فهذه الآيات تحوي على إيجازها أهم أطوار تخلق الجنين في بطن أمه وهي "النطفة، والعلقة، والمضغة، ومرحلة تخلق الأجهزة، ثم الخلق الآخر" هذه الأطوار التي استخدم لها القرآن ألفاظاً لم يستطع العلم الحديث إلا أن يستخدمها، وبذلك نجد أن الآيات القرآنية قد جاءت إضافة لإعجازها العلمي بإعجاز بلاغي فريد ومدهش.والآن لنسر مع آيات القرآن في تلك الأطوار التي أشارت إليها:
ـ من النطفة إلى العلقة: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} (المؤمنون: 14) ما إن يتم التحام النطفة بالبيضة، حتى تباشر البيضة الملقحة بالانقسام إلى خليتين، فأربع، فثمانٍ، وهكذا دون زيادة في حجم مجموع هذه الخلايا عن حجم البيضة الملقحة، وتتم عملية الانقسام هذه والبيضة في طريقها إلى الرحم، تدفعها حركة أهداب البوق، والتقلصات العضلية المنتظمة لعضلات جدار البوق. حتى إذا وصلت إلى الرحم كانت كتلة من الخلايا الصغيرة الضلعة، يطلق عليها اسم التوته Marula حيث تشبه ثمرة التوت بتقسيمها الخارجي، ثم لاتلبث الخلايا السطحية لهذه الكتلة ان تفترق عن الخلايا الداخلية، وتصبح بشكل خلايا أسطوانية، ومهمة هذه الخلايا تأمين الغذاء وتسمى بالخلايا المغذية – Troph blast وبذلك يصبح محصول الحمل قابلاً للتعشيش، فتغرس الخلايا المغذية استطالاتها في مخاطبة الرحم،وتستمر عملية العلوق مدة (24) أربع وعشرين ساعة، وبذلك تنتهي مرحلة تشكل العلقة. وقد لا يدرك روعة التصوير القرآني لهذه المرحلة بالعلقة إلا من شاهد تلك الكتلة الخلوية
وهي عالقة علوقاً - وليس التصاقاً - بواسطة تلك الاستطالات التي غرستها في مخاطبة الرحم، وما أجدرنا هنا أن نُعِّرج على هذه الآيات التي تذكر الإنسان بتلك اللحظات التي كان فيها مجموعة خلوية عالقة بجدار رحم الأم، تستمد منها الدفء والغذاء والسكن، فيقول في أول سورة نزلت من القرآن، وأسماها الحق تبارك وتعالى بالعلق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خلق الإنسان من علقٍ} (العلق:1-2)
ـ من العلقة إلى المضغة: {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} (المؤمنون:14) .
بعد عملية العلوق تبدأ مرحلة المضغة في الأسبوع الثالث، بتشكل اللوحة المضغية، وذلك ابتداءً من الخلايا المضغية Embryoblast،وهي الخلايا التي بقيت بعد انفصال الخلايا المغذية.واللوحة المضغية هي عبارة عن قرص مؤلف في البدء من وريقتين: خارجية Ectoderm،وداخلية Endoderm،ثم تتشكل بينهما وريقة ثالثة هي الوريقة المتوسطة ’Mesoderm،وحتى نهاية الأسبوع الرابع لايكون هناك أي تمايز لأي عضو أو جهاز،ويمكن أن نسمي هذه المرحلة بالمضغة غير المخلقة. ثم يمر الحمل في أدق مراحله وأصعبها، حيث يطرأ على اللوحة المضغية المؤلفة من الوريقات الثلاث جملة تغيرات نسيجية هادفة ومدهشة ابتداء من الأسبوع الخامس، وتسمى بعملية التمايز Defferention،أو كما أسماها القرآن (التخلق) ،فكل زمرة من خلايا هذه الوريقات تأخذ على عاتقها تشكيلاً واحداً من أجهزة الجسم أو أعضائه، وذلك في إطار من التكامل والتنسيق بين هذه الأجهزة،وهي تنمو وتتطور، ليكون الإنسان في أحسن تقويم،وتنتهي عملية التخلق في نهاية الشهر الثالث تقريباً، ويكون طول الجنين عندها (10) سم،ويزن حوالي (55) ج.ويمكن
تسمية هذه المرحلة بمرحلة المضغة المخلقة. فطور المضغة يمر إذاً بمرحلتين: المرحلة الأولى حيث لم يتشكل فيها أي عضو أو جهاز وأسميناها مرحلة المضغة المخلقة وهكذا يتضح جلياً إعجاز القرآن الكريم في وصفه لطور المضغة بقوله: {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} (الحج:5) .
اللغز المحير: لا بد أن يستوقفنا ونحن نتكلم على عملية التخلق سؤال هام، وهو: كيف يمكن للخلايا المضغية Embryoblast المتماثلة تماماً في بنائها أن تعطي هذه الوريقات الثلاث (الداخلية والخارجية والمتوسطة) المختلفة بعضها عن بعض؟، ثم كيف يمكن للخلايا المتماثلة في كل وريقة على حدة أن تعطي الأجهزة المختلفة في بنائها ووظائفها وخصائصها؟ (1)
…
فالوريقة الخارجية مثلاًيتشكل منها:الدماغ،والأعصاب،وبشرة الجلد ولواحقه من الغدد والأشعار والأغشية المخاطية بالفم والأنف.والوريقة المتوسطة يتشكل منها: القلب والأوعية الدموية، والدم، والعظام، والعضلات، والكليتين، وأدمغة الجلد،وقسم من الغدد الصماء أما الوريقة الداخلية،فيتشكل منها: مخاطية الجهاز التنفسي،والطريق الهضمي، والغدة الدرقية،والغدة جار الدرقية، والكبد،والبنكرياس. أجل،كيف تم ذلك؟ ومن الذى دفع هذه الخلايا المتماثلة الضعيفة لتعطي كل هذا من مراكز التفكير والشعور والإبداع؟ وكل هذا من مصانع الدم والسكاكر والبروتين؟ وكل هذا من أجهزة التكيف والراحة ومن وسائل الوقاية والحماية والأمن في الجسم؟ إنه اللغز الذي حير وما زال يحير كل علماء الدنيا حتى يعلموا أن المبدع والموجه في هذه الحياة،هو الله
…
ويوم يَصِلون إلى حل هذا اللغز فسيوقنون أكثر أنه
ويتمالكنا العجب ونحن نرى أن القرآن قد أشار لهذا اللغز. في آيات تعد منارات هداية على طريق العلم، وبواعث تدفع للبحث والتحليل باستمرار، وقال تعالى في سورة الحج {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} ، ثم يؤكد هذه الناحية حيث يقول في سورة المؤمنون {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً} فهذه الآية لا تشير فقط إلى بدء تشكل العظام قبل تشكل اللحم (العضلات) ، كما لا تقتصر على الإبداع التعبيري الواقعي في تصوير علاقة العضلات بالعظام على علاقة كساء. ومن يدرس التشريح يعلم تماماً كيف تحيط العضلات بالعظام كأنها كساؤها أجل لا تقتصر الآية على ذلك فقط،وإنما تشير في تقديرنا إلى عملية التمايز والتخلق التي تبتدئ من تلك المضغة الصغيرة:{فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً} .
ثم أنشأناه خلقاً آخر (طور الجنين)
يميل محصول الحمل نحو الزيادة في الوزن بعد الشهر الثالث، وتسعى الأجهزة التي تشكلت نحو التكامل، حتى إن بعض الأجهزة تبدأ عملها أثناء الحياة الجنينية، كالقلب وجهاز الهضم، ويقوم نقي العظام بتكوين عناصر الدم.
وبشكل عام فإن أهم ما يطرأ على الجنين بعد الشهر الثالث هو: الحركة، ونبضان القلب واستقلاله، وتسعى الأجهزة التي تشكلت نحو التكامل، حتى إن بعض الأجهزة تبدأ عملها أثناء الحياة الجنينية، كالقلب وجهاز الهضم، ويقوم نقي العظام بتكوين عناصر الدم ....
وبشكل عام فإن أهم ما يطرأ على الجنين بعد الشهر الثالث هو: الحركة، ونبضات القلب واستقلال فراز المشيمة الغدي، والنمو المتسارع في حجم الجنين وتكامل شكله الخارجي.
أما الحركة فتبدأ في آخر الشهر الثالث وابتداء الرابع حيث تتم عملية إتصال الجهاز العصبي بالأجهزة، والعضلات، وتشعر الحامل بحركات حنينها الفاعلة في الشهر الرابع، أو قبل ذلك في المولودات. أما نبضات القلب، فتبدأ بعد بداية الشهر الرابع، ويمكن سماعها أيضاً، وتكون واضحة في الشهر الخامس تذكر الدكتورة فلك الجعفري:(أن أحد الأساتذة المصريين أراد تسجيل أول دقة للقلب، وعندما ابتدأ مشعر المسجل بالحركة، قال هنا الله أي هنا قدرة الله) .
وبالنسبة لاستقلال المشيمة الغدي، فهو مباشرتها بإفراز الهرمونات اللازمة لاستمرار الحمل بعد أن أصبحت الكميات التي يفرزها المبيض غير كافية، ولأن متطلبات الحمل من هذه الهرمونات تصبح أكبر بكثير من كفاءة المبيض.
أما نمو الجنين فيكون سريعاً في هذه المرحلة، فبعد أن كان وزنه في نهاية الشهر الثالث (55) غ، وطوله (10) سم، يصبح وزنه عند تمام الحمل حوالي (3250) غ، وطوله (50) سم وخلال هذه الفترة، يتكامل شكله الخارجي، فيصبح لون الجلد أحمر، وتنبسط تجعداته، وتسقط عنه الأوبار، وتنفتح الجفون، وتتكامل الأظافر ....
وبهذا الاستعراض السريع لأهم ميزات هذه المرحلة نجد أن تلك المضغة قد أخذت بعداً آخر، اكتسبت فيه قدرة على الحركة، وابتدأ بها القلب
بالنبضان بلا توقف، ولهذا أشار القرآن بعد عرضه لسلسلة أطوار تخلق الجنين، حيث قال:{ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} . ولعل أكثر الناس شعوراً بهذا البعد ليس الطبيب وإنما الأم الحامل التي ما إن تشعر بحركات جنينها حتى تحس بشيء لم تعهده من قبل،إنها تحس أن روحاً أخرى تدب في أعماقها، فتظهر علامات الارتياح على ملامحها، وتعلو البسمة محياها،وإذا ما غابت عنها تلك الحركات مدة بسيطة، قلقت وتأرقت.
وأبعد من هذا فقد وجد العلماء أن الجنين يبدأ في آخر الحمل بالسماع، ومما يسترعي سمعه وهو في بطن أمه،ذلك الصوت الحنون الخالد الذي لا يعرف إلا الحب والحنان والعطاء إنه صوت خفقان القلب الكبير قلب أمه،وهكذا تنشأ صلات الحب والمسؤلية بين الأم ووليدها، في الوقت الذي تعاني فيه الأم من الوهن والعذاب ما لا يحتمله غيرها، ولذلك قال تعالى في سورة لقمان:{وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14)
وبعد أن وقفنا على أطوار خلقنا البديعة المدهشة، هل لنا أن نقدر الله حق قدره؟، هل لنا أن نرجو لله وقاراً؟ .... {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} (نوح:13-14)
ـ تشخيص الحمل اليقيني والعدة:
إن الشعور بحركة الجنين، وسماع نبضات القلب،هما العلامتان اليقينيتان لتشخيص الحمل، وكل العلامات التي تسبقها كانقطاع الطمث، وأعراض الوحام، وحتى إيجابية تفاعل الحمل الحيوي، لا تعد علامات يقينية نستطيع
على أساسها القطع بحصول الحمل، فهناك حالات مرضية، يمكن أن تعطي نفس الأعراض، كالرحى العدارية، والورم الكوريوني البشري، والحمل الهستريائي.
وكما لاحظنا أن هاتين العلامتين: شعور الحامل بحركة جنينها،وسماع الطبيب لدقات قلب الجنين، يحصلان بعد الشهر الرابع، وهذا ما بينه القرآن الكريم منذ ألف وأربع مئة عام، حيث قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} (البقرة:234)
إن وجه الإعجاز في هذه الآية الكريمة ظاهر بلا شك، وهي تقرر ما يسمى بعدة المرأة التي توفي زوجها، حيث حددت وبالضبط المدة التي يصبح عندها أو بعدها تشخيص الحمل يقينياً.
أما عن الحكمة في هذه العدة فيعلمها الأطباء الشرعيون، إذ يجب أن يعرف ما إذا كان الحمل من الزوج المتوفى أم لا، وحتى لا تنسب المرأة حملاً حملته سفاحاً لزوجها المتوفى، وحتى لاينكر أهل الزوج المتوفى بنوة الجنين الجديد لأبيه بغية التخلص من ميراثه، ويتهمون الأم البريئة بأن حملها هذا سفاحاً أو من زوجها الجديد وإلى آخر ما هنالك من المشكلات أو المظالم التي قد تقع.
وأحب ألا أنتهي من هذا الموضوع حتى أنبهك إلى شيء آخر جدير بالنظر والتقدير: وهو أن القرآن الكريم في طريقة عرضه للهداية والإعجاز على الخلق قد حاكم الناس إلى عقولهم، وفتح عيونهم إلى الكون وما في سماء وأرض، وبر وبحر وحيوان ونبات، وظواهر؛ ونواميس وسنن.وكان القرآن في طريقة عرضه هذه موفقاً كل التوفيق، بل كان معجزاً أبهر الإعجاز؛ لأن حديثه عن تلك الكونيات كان حديث العليم بأسرارها، الخبير بدقائقها،
المحيط بعلومها ومعارفها، على حين أن هذا الذي جاء بالقرآن رجل أمي، نشأ في أمة أمية جاهلة، لا صلة لها بتلك العلوم وتدوينها ولا إلمام لها بكتبها ومباحثها. بل إن بعض تلك العلوم لم ينشأ إلا بعد عهد النبوة ومهبط الوحي بقرون وأجيال. فأنى يكون لرجل أمي كمحمد ذلك السجل الجامع لتلك المعارف كلها إن لم يكن تلقاه من لدن حكيم عليم؟ قال سبحانه مقرراً الإعجاز العلمي:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} .
فانظر إلى قوله في سورة القيامة مبيناً ومقرراً اقتداره على إعادة الإنسان وبعثه بعد موته: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} . أرجو أن تقف قليلا عند تخصيصه (البنان) بالتسوية في هذا المقام. ثم تستمع بعد ذلك إلى هذا العلم الوليد (علم تحقيق الشخصية) في عصرنا الأخير، وهو يقرر أن أدق شيء وأبدعه في بناء جسم الإنسان، هو تسوية البنان، حتى إنه لا يمكن أن تجد بناناً لأحد يشبه آخر بحال من الأحوال. وقد انتهوا من هذا القرار إلى أن حكَّموا البنان في كثير من القضايا (والحوادث فتبارك الله أحسن الخالقين) ! ولا أريد أن أطيل عليك في هذا الموضوع؛ فمعجزات القرآن العلمية لها ميدان آخر. إنما هي نظرة خاطفة نوضح بها المراد بعلوم القرآن والله وحده هو المحيط بأسرار كتابه. ولا يزال الكون وما يحدث في الكون من علوم وفنون وشؤون لا يزال كل أولئك يشرح القرآن ويفسره، ويميط اللثام عن نواح كثيرة من أسراره وإعجازه، مصداقاً لقوله جلَّ ذكره {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} . {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} .