المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الحرية مقدمة حرية الفكر لا حرية الكفر] - تلبيس مردود في قضايا حية

[صالح بن حميد]

الفصل: ‌[الحرية مقدمة حرية الفكر لا حرية الكفر]

الناس ما يحسنه ويقوم به من عمل صالح وجهد طيِّب في طاعة الله واتِّباع أمره، وهو ما يصطلح في الشريعة (التقوى)، وفي النصِّ القرآني:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] الحجرات 13 ويقرِّر ذلك نبيُّ الإسلام محمِّد صلى الله عليه وسلم بقوله: «أيُّها الناس، إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحد، كلّكم لآدم وآدم من تراب، إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربيٍّ على عجميٍّ ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمر على أبيض ولا أبيض على أحمر فضل إلَاّ بالتقوى. . .» أخرجه أحمد والترمذي عن أبي نضرة، وقال الهيثميُّ: رجاله رجال الصحيح.

وقد «سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ ، قال: " أنفع الناس للناس» أخرجه الطبرانيُّ وغيره بألفاظ متقاربة، وهذا لفظ الطبراني من حديث ابن عمر (1) ".

[الحرية مقدِّمة حرية الفكر لا حرية الكفر]

مقدِّمة حرية الفكر لا حرية الكفر

(1) انظر: المقاصد الحسنة " ص 200 - 201.

ص: 19

الحرية سوف يكون الكلام في هذا المقام من عدة جوانب:

1 -

لا إكراه في الدين.

2 -

الحرية الدينيَّة لغير المسلمين في بلاد الإسلام.

3 -

حكم الردَّة.

4 -

الرق.

مقدِّمة حرية الفكر لا حرية الكفر جاء في صيغة السؤال حول الحرية العبارة التالية: " كيف يمكن التوفيق بين حرية التفكير والاعتقاد التي منحها الله للإنسان. . . إلخ ".

ص: 21

والذي نقوله: إنَّ حرية التفكير مكفولة، وقد منح الله الإنسان الحواسَّ من السمع والبصر والفؤاد؛ ليفكِّر ويعقل ويصل إلى الحقِّ، وهو مسئول عن التفكير الجادِّ السليم، ومسئول عن إهمال حواسِّه وتعطيلها، كما أنَّه مسئول عن استخدامها فيما يضرُّ.

أمَّا حرية الاعتقاد، فلم يمنحْها الله سبحانه مطلقةً بحيث يعتقد كلُّ إنسان كما يشاء، بل الله سبحانه يلزم العقلاء البالغين من البشر باعتقاد ربوبيَّته وألوهيَّته، وطاعته والخضوع له وحده، ولا يقبل منهم غير ذلك.

برهان ذلك: أنَّ هذا العالم الرحب الذي نعيش فيه لم تُبنَ جنباتُه كيفما اتَّفق، ولم تُركَم موادُّه بعضُها فوق بعض بطريق الجزاف، بل هو مخلوق

ص: 22

مصنوع وفقَ نظام محكَم وقانون دقيق، فما يطير في الجوِّ انخفاضَاَ وارتفاعًا محكومٌ بقانون، وما يُلقى في الماء من أجسام غوصًا وطفوًا وسبحًا مضبوطٌ بقانون، وما ينبت في الأرض من نبات فيختلف طعمه ولونه وثمره خاضع لقانون، فكلُّ ما في السماء وما في الأرض قد خُلق مقرونًا بالحقِّ، وما على من يَنشد الحقَّ والحقيقة إلَاّ أن يتصفَّح صفحات هذا الكون الفسيح؛ ليعرف من حقائقه ما يزيده بالخالق إيمانًا، وبصنع هذا العالم دقَّة وإتقانًا.

والإنسان لا يولَد عالمًا ولا عارفًا، ولكنَّه يولَد مزوَّدًا بوسائل العلم والمعرفة، عقلًا وسمعًا وبصرًا، خُلق ليعرف الحقَّ ويستدِلَّ له ويستدلَّ عليه، لا ليعيش على الباطل ويسير في مسالكه

ص: 23

المعوجَّة.

والحرية في هذا الميدان مطلقة ما دام أنَّها في الكون وآياته، وفيما تناوله وسائل الإنسان وقدراته.

وبهذا الضابط نقول: إنَّ حرية الفكر والتفكير مكفولة مطلقة، ولكن حرية الشهوة مقيَّدة، فمِن غير المقبول في العقول الاندفاع وراء الرغبات والغرائز؛ لأنَّ طاقة الإنسان محدودة، فإذا استُنفِذت في اللهو والعبث والمجون، لم يبق فيها ما يدفعها إلى الطريق الجادِّ ويدلها على مسلك الحقِّ والخير.

وبناءً عليه فإنَّ ما يُرى في عالمنا المعاصر وحضارته المادِّية من إيجابيات خيّرة، فهي مِن حسن استخدام حرية الفكر والنظر، وما يرى من أضرار وانتكاسات وقلاقل نفسية

ص: 24