الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهمِّيَّةُ الكتابِ ومزاياه
إن الحديث عن طرق الفهم والإفهام منتشر في كتب العربية دون إشراعٍ لهذا المقصد.
إذ يبيِّنُ الصرفيُّ مدلول المشتق ومعناه، ويبيِّنُ النحْويُّ طرقَ التراكيب، والعواملَ والمعمولات، ويظهرُ البلاغيّ وأهل الأدب والبيان مدلولات السياقات وما تحويه من خفي الأغراض بنحو التقديم والتأخير، والبسط والإيجاز، والحذف والحصر، والفصل والوصل
…
إلى غير ذلك.
كما توجهت غاية الأصوليين لبيان تفاوت النص في القطعية الدلالية، واحتماله لتعدد المعاني، والحديث عن إشاراته واقتضاءاته وإيماءاته، وخروجه عن معناه الأصلي للعلاقات والقرائن، وهو يشترك بذلك في كثير من الأبحاث التي تعنا بها علوم العربية.
لا نبالغ إن قلنا: كل هذه العلوم كان غرضها الأساس خدمة النص بفهم معناه ومراده.
وبالطبع لم يكن غرض العلامة الطحلاوي الحديث عن هذه الجزئيات التي يجب على طالب العلم تحصيلها وإتقانها، إنما كانت العناية متوجهة لبيان الخطوط العامة لفهم أي عبارة قد يستشكلها قارئها للوهلة الأولى، هذا البيان كان ضمن إلماعات سريعة، حاول الشارح
إيضاح أكبر قدْر ممكن منها، بتفسير غامضها وضبط خفيِّها، وذكر بعض العلل والأدلة، مع المحافظة على وجازة النص وبهائه.
ثم لا يخفى أن فهم العبارة ومراد قائلها منها شيء، وصحتَها أو خطأها شيء آخر، فليس المراد من فهم العبائر تصحيح معانيها، فقد تردُّ العبارة لأنها غير مستقيمة على قواعد الفهم والإفهام، وقد تقبل ويفهم معناها، ثم يُردُّ هذا المعنى لدلالات خارجة عنها.
فالردُّ الوارد في هذه الرسالة إنما هو من النوع الأول، ذاك الذي تردُّه قواعد الفهم المذكورة فيها.
كما تبرز أهمية هذه الرسالة كذلك:
بتعرضها لهذا البحث الذي يمكننا أن ندعيَ قلَّة التصنيف فيه مفرداً على هذه الطريقة الفذَّة.
وبوجازته التي تعين على تصور أصول مسائله، وقد قال مصنف " المتن ":(وليس غرضنا بيان جميع الأنواع، ولا جميع الآداب).
وبذلك الشرح الماتع الذي ألقى بظلاله العلامة المحقق الأمير الكبير، المعروف بنكاته العلمية، ونفاسة فوائده التي لا يُخلي كعادته تصنيفاً من تصانيفه منها.
فكان هذا الشرح لـ " غاية الإحكام " مادة علمية آلية لكل علم من العلوم.
فهو أشبه أن يكون علماً رياضياًّ بنظرته الشاملة، ومن هنا تبرز علاقته
بشتى العلوم، وعلى رأسها العربية والمنطق، والشارح إمام في هذا كلِّه.
ولعل هذه الرسالة بشرحها تكون محفِّزاً لأولئك الذين تسبق عقولَهم ألسنتُهم لكي يقبضوا لجام اللسان في الإسراع بالقول، ويتحرَّوا جاهدين بوارق الحقائق في ثنايا العبائر، ويدركوا أن لكلِّ نفْسٍ حدّاً ومبلغاً من العلم، وما أحاط باللغة ومدلولها إلا نبي، ورحم الله من جعل ما لم يفهمه من جملة مجهولاته وكم هي كثيرة، أو ما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:«فربَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع» ؟! (1)
وكم من عائب قولاً صحيحاً
…
وآفته من الفهم السقيم
إن الذين يحاكمون أقوال جبال العلم والأئمة الصالحين إلا قوالب أفكارهم، فما ناغاها .. طبعوها بالقبول، وما قصرت أفهامهم عنها .. ردُّوها شرَّ ردٍّ.
فجعلوا اللغة سككاً ضيقة، وساوَوا بين الإمام والمأموم، حريٌّ بهم أن يتمهلوا طويلاً، وأن ينظروا في أمثال كتابنا هذا وغيره الكثير من كتبِ العربية وعلى رأسها كتبُ البلاغة، وكتب المنطق وآداب البحث، وأن يعلموا أنَّ النص وحدَه أصل لا غناء عنه، ما يحيدُ عنه إلا جاهل أحمق، ولكنه لعربي النسب عجمي الفهم واللسان قد يكون مزلة قدم وهو لا يشعر، ولا بدَّ له من المرور في قنطرة أهل العلم حتى ينال من درر النص وحِكَمِه.
(1) البخاري (1741).
هذه هي خلاصه الرسالة التي تؤديها هذه الرسالة:
الوقوف بأدب أمام النص، وإمراره على قواعد الفهم والإفهام، ليجدَ المرء نفسه في غالب الأحايين هي بعجزها قد كانت قاصرة محتاجة لمن يبصِّرُها المراد، فيحفظ بذلك لأهل العلم حرمتهم وحقهم.
أما إن استعجم المراد بعد أداء فرائض الفهم ونوافله .. فلا بدَّ من الرد، حفظاً لحرمة العلم أن تلوى عنقه بغير علم.