الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ الْآدَابِ وَنَحْوِهَا)
ـ[اِعْلَمْ: أَنَّ فَهْمَ الْمَعَانِي الَّتِي تَحْتَ الأَلْفَاظِ يَتَوَقَّفُ عَلَى: مَعْرِفَةِ مَوْضُوعَاتِ الْمُفْرَدَاتِ، لُغَة، وَشَرْعاً، وَاصْطِلَاحاً. وَمَعْرِفَةِ الْعَامِلِ، وَكَمْ لَهُ مِنَ الْمَعْمُولَاتِ.]ـ
(اعلمْ: أن فَهْمَ المعاني التي تحتَ الألفاظِ) يعني: معانيَ الكلام التركيبيَّة (يَتوقَّفُ على معرفَةِ) هذا معَ تعبيرِه أولاً بالفهْمِ تفنُّنٌ (مَوْضُوعاتِ المُفْرَدَاتِ) جمعُ موضوعٍ، فإنَّ وصفَ غير العاقلِ يَنْقاسُ بالألفِ والتاء كما مرَّ (1).
وأصلُه من الحذفِ والإيصال، أي: الموضوعُ له، وظاهرٌ توقُّفُ الكل على أجزائه.
(لُغةً، وشرعاً، واصطِلاحاً) تمييزٌ لنسبةِ الوضعِ، أو بنزعِ الخافضِ، و (الواوُ) بِمعنى (أو)، فإنَّ التوقُّفَ على الواحدِ المقصود الفهم فيه، وأرادَ بِـ (الاصطلاحِ) ما عدا الشرع.
(و) يتوقَّفُ أيضاً على (معرفَةِ العاملِ و) معرفةِ جوابِ (كَمْ له مِن المعمولاتِ).
(1) انظر (ص 102).
ـ[فَإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ كَلَامٍ .. فَانْظُرْ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْ حَيْثُ: مَعْنَاهَا، وَكَوْنُهَا عَامِلَةً أَوْ مَعْمُولَةً.]ـ
(فإذا أردْتَ فَهْمَ) معنى (كلامٍ .. فانظُر في كلِّ كلمةٍ مِنْ حيثُ: معناها) في اصطلاحِ هذا المتكلِّم، إنْ نحْوِياً، وإنْ شرعياً، فإنْ لم يدُلَّكَ دليلٌ على اصطلاحٍ .. فاللُّغَةُ.
(وكونُها عاملةً أو معمولةً) لعاملٍ لفظي أو معنوي، وقد يجتمعُ كونها عاملةً ومعمولة، وقد ينفرِدُ كونها معمولةً أو عاملة.
الأولُ: كالمُبْتدإ، بناءً على أنه عاملُ الخبرِ.
والثاني: كالخبر في نحوِ: هذا غلام.
والثالث: نحو {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} بناءً على الصحيحِ من أنَّ أسماءَ الأفعال عاملة غير معمولة، لا أنها مُبتدأٌ أغنى مرفوعُها عن الخبر، ولا مفاعيلُ مُطلقة مُقَدَّرٌ لها عاملٌ مِن معناها (1).
وقد تكون لا عاملةً ولا معمولة كـ (سوفَ).
(1) انظرا " الدر المصون "(8/ 341).
ـ[فَإِنْ كَانَتْ عَامِلَةً .. بَحَثْتَ عَنْ مَعْمُولِهَا، فَإِنْ كَانَ مَحْذُوفاً .. نَظَرْتَ إلَى الْحَالِ، فَهُوَ بِحَسَبِهِ.]ـ
(فإن كانت عاملةً .. بَحَثْتَ عَن معمولها) إنْ قلتَ: هذا دَورٌ، فإنَّ معرفةَ كونها عاملةً .. بعد معرفةِ المعمولِ.
قلتُ: ذاك كونها عاملةً بالفعل، وإنما أرادَ إنْ كانَ شأنُها العملُ ولَم تَقُمْ قرينةُ قطعِ النظرِ عن المعمولِ والتنزيل منزلة اللازم.
(فإنْ كانَ محذوفاً .. نظرْتَ إلى الحالِ، فهوَ) مقدَّرٌ (بحَسَبهِ) إنْ عامّاً أو خاصّاً.
وأما قولهم: (حذفُ المعمولِ يُؤْذِنُ بالعموم) .. فليسَ كُلِّيّاً، وقد يُعكسُ فيُحذَفُ العاملُ ويبقى المعمولُ، وقد يُحْذفان معاً، نحو:{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} أي: لَرأيْتَ أمراً فَظيعاً.
ـ[وَقَدْ يُفْصَلُ بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ بِاعْتِرَاضٍ، أَوْ يَتَقَدَّمُ الْمَعْمُولُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَزِيدِ التَأَمُّلِ.]ـ
(وَقَدْ يُفصَلُ بينَ العاملِ ومَعمولِهِ باعتراضٍ) أي: بكلامٍ مُعْتَرِضٍ بينهما، كقوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ
أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} فإنَّ قولهم (1): {أَنْ يُؤْتَى} معمولٌ لـ {تُؤْمِنُوا} أي: لا تُقِرُّوا بإيتاءِ أحدٍ كتاباً مثلكم إلا لمن لا يفارقُ دينكم، أو كراهة إيتاءِ أحدٍ شهرةَ دين كدينكم، وجملةُ {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} اعتراضٌ.
(أو يتقدَّمُ المعمولُ) نَحوَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} و، (فلا بدَّ مِنْ مزيدِ التأمُّلِ) لئلا يتوهَّمَ حذف المعمولِ حينئذٍ، أو يُظنّ ما ليس معمولاً معمولاً.
ـ[وَقَدْ يَتِمُّ الْكَلَامُ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى، فَيُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ فَسَادُهُ لَازِماً .. رُدَّ.
وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ كَلِمَةٍ أَوْ أَكْثَرَ .. قُدِّرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا.]ـ
(وَقَدْ يَتِمُّ الكلامُ) بأنْ تأخذَ العواملُ معمولاتِها والإسنادُ أركانَهُ (ولا يستقيمُ المعنى، فَيُنْظَرُ: فإنْ كانَ فساده لازِماً) لا يُمكن التخلُّصُ منه .. (رُدَّ) الكلامُ، ولا يصحُّ له مثالٌ في كلامٍ مُعْتبَر.
(وَإنْ كانَ) فسادُه الظاهري (لِعدمِ كلمةٍ أوْ أكثر .. قُدِّرَ بِحَسَبِ
(1) الضمير في قوله: (فإن قولهم) عائدٌ للطائفة المذكورة في الآية قبلها: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} على خلاف في ذلك. انظر " المحرر الوجيز "(1/ 454).
الحاجةِ، ولا يُزادُ عليها) فإنَّ الحذْفَ تكلُّفٌ ينبغي تقليلُهُ مهما أمكنَ، فيقال في قوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} التقدير: واسألْ أهلَ القريةِ، لا أهلَ تلكَ القرية.
ـ[وَإِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَىً، وَبَعْضُهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ دُونَ غَيْرِهِ .. فَمَا لَا يَحْتَاجُ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ إلَى أَقَلَّ مِنْ غَيْرِهِ.]ـ
(وَإذا احتمَلَ اللفظُ أكثرَ منْ معنىً، وبعضُهُ) أي: بعض ما ذكرَ من الأكثر من معنى (يحتاجُ) يعني: اللفظ إذا حُمِلَ عليه (إلا تقديرٍ دونَ غيرِهِ .. فما لا يحتاجُ أَوْلَى) ظاهرُهُ: ولو كانَ معنىً مجازياً، كَكونِ القريةِ عبارة عن أهلها، فيكون مارّاً، على أنَّ المجازَ المُرْسَلَ أَولى مِن المجازِ بالحذفِ.
(وكذلك ما يحتاجُ إلى) تقديرٍ (أقل مِنْ غيرِهِ) أي: أَولى مما يحتاجُ لأكثر.
ـ[وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكاً .. نَظَرْتَ لِمَعْنَاهُ وَاحِداً وَاحِداً، فَمَا كَانَ مُنَاسِباً لِلْمَعْنَى .. حَمَلْتَهُ عَلَيْهِ.]ـ
(وإذا كانَ اللفظُ مُشْترَكاً) اشتراكاً لفظياً، كما هو المرادُ عند
الإطلاق .. (نظرْتَ لمعناهُ) الإضافةُ للجنسِ، يعني: لمعانيه (واحداً واحداً) هو على حَدِّ: باباً باباً، أي: واحداً فواحداً (فما كانَ مناسِباً) من معانيهِ (للمعنى) الذي سيقَ له الكلامُ، أو لأَنْ يكونَ مَعنياً من اللفظِ (حَمَلْتَهُ عليهِ).
وأشارَ للمشترَك المعنوي بقوله:
ـ[وَإِذَا كَانَ كُلِّي، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ جَمِيعَ الأَفْرَادِ الْمَوْجُودَةِ فَقَطْ، أَوِ الْمَوْجُودَةِ وَالْمُقَدَّرَةِ، أَوْ فَرْداً غَيْرَ مُعَيَّنٍ .. فَلَا إِشْكَالَ.
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ فَرْداً مَخْصُوصاً .. تُؤُمِّلَ الْمَعْنَى لِيَظْهَرَ، فَيُنْظَرُ فِي الأَفْرَادِ فَرْداً فَرْداً، فَمَا يَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى .. فُسِّرَ اللَّفْظُ بِهِ.]ـ
(وإذا كان كُلي) هكذا مرسومٌ بلا ألفٍ، على لُغةِ ربيعة، فإنهم يُجيزون تسكينَ المنصوبِ وَقْفاً، أو أنه فاعل (1) (فإنْ كانَ المرادُ منه
(1) أي: لكان التامة، فلا نصب حينئذٍ.
والوقف على المنون تنوين نصب وغيره بحذفه وسكون الآخر مطلقاً نسبه الإمام ابنُ مالك لربيعة القبيلة المشهورة، كما قال ذلك في " شرح الكافية الشافية "(4/ 1980).
قال العلامة الصبان في " حاشيته على سْرح الأشموني "(4/ 204): (قال: ابن عقيل: والظاهر أن هذا غير لازم في لغة ربيعة، ففي أشعارهم كثيراً الوقف على المنصوب المنون بالألف، فكأن الذي اختصوا به جواز الإبدال).
جميعَ الأفرادِ الموجودةِ فقطْ، أو الموجودةِ والمُقَدَّرَةِ، أو فرداً غيرَ مُعَيَّنٍ .. فلا إشكالَ) حيثُ دلَّ الدليلُ على المرادِ من ذلك.
(وإنْ كانَ المرادُ فرداً مخصوصاً .. تُؤُمِّلَ المعنى) المَسُوقُ له الكلام (ليظهرَ) ذلك المخصوص (فيُنظرُ) بعد معرفةِ ما سيقَ له الكلام (في الأفراد فرداً فرداً، فما يقتضيهِ المعنى .. فسِّرَ اللفظُ بهِ) وقد يتَّضِحُ الدليلُ على تعيينِ المخصوص المراد ابتداءً، فلا إشكال.
ـ[وَاعْلَمْ: أَنَّ التَّفْسِيرَ:
إِمَّا بِالْمُطَابِقِ، وَإِمَّا بِاللَاّزِمِ، وَإِمَّا الْمِثَالِ.
وَقَدْ يَفْسُدُ الْمَعْنَى بِبَعْضِ الأَلْفَاظِ، لِاعْتِقَادِ كَوْنِهِ أَصْلِيّاً. فَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ صِحَّتِهِ أَوْ فَسَادِهِ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَا يَأْتِي زَائِداً أَصْلاً .. فَالْمَعْنَى لَازِمُ الْفَسَادِ، أَوْ لَا .. فَالْمَعْنَى
صَحِيح وَاللَّفْظُ زَائِدٌ.]ـ
(واعلمْ: أنَّ التفسيرَ: إمَّا بالمُطابِقِ) وهو: ما وُضِعَ له اللفظُ.
(وإمَّا باللازمِ) لما وُضِعَ له، وكأنه أدرجَ التفسيرَ بالجزءِ، كتفسير الإنسانِ بالناطقِ في هذا، فإنَّ الجزءَ لازمٌ للكلِّ.
(وَإما المثال) جُزئياً كان، نحو:(الإنسان كزيدٍ)، أو مبايناً مشابهاً، نحو:(العلم كالنورِ).
(وَقدْ يَفْسُدُ المعنى) أي: يُعتقد فسادُهُ (ببعضِ الألفاظِ، لاعتقادِ كونِهِ أصلياً. فطريقُ معرفةِ صحتِهِ) في نفس الأمر (أو فسادِهِ: أنَّهُ إنْ كانَ) ذلك اللفظ (لا يأتي .. زائداً أصلاً .. فالمعنى لازمُ الفسادِ) ولا يقعُ ممَّن به اعتداد، وأراد المعنى الذي يقتضيه الكلام، فلا يقال: جاز صحة المعنى وفساد اللفظ باستعمال ما لم يسمع زائداً .. زائدٌ.
(أو لا) بأن كان يأتي زائداً .. (فالمعنى صحيح واللفظُ زائدٌ) كالكافِ في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وإلا .. فسدَ بثبوتِ المِثلِ، وقيل، مثل بمعنى وَصف وشأن، وقيل: من باب: مثلك لا يبخل، أي: فأوْلى هو، وقيل: يلزمُ من نفي مِثْلِ مثلِه نفيُ مثلٍ له، وإلا .. كان هو مثلاً لمثلِه، لأنه معلومُ التحقُّق، والغرضُ أنه لا مِثْلَ لمثلِه، فهو على حَدِّ: ليس لأخِ زيدٍ أخٌ، أي: لا أخَ لزيد.
ـ[وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ مَجَازاً .. نُظِرَ فِي هَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ مَعَانِي ذَلِكَ اللَّفْظِ، لِيُعْلَمَ الْمَعْنَى الْمُتَجَوَّزُ عَنْهُ، فَقَدْ يَكُونُ الْمُتَجَوَّزُ مَعْنَى حَقِيقِيّاً، وَقَدْ يَكُونُ مَجَازِيّاً، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ كُلٌّ مِنَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ، وَقَدْ لَا يَتَعَيَّنُ.]ـ
(وإذا كان اللفظُ مجازاً .. نُظِرَ في هذا المعنى المجازيِّ) أشارَ له لأنه في ضمنِ اللفظ (وغيرِهِ من معاني ذلكَ اللفظِ) التي يُسْتعمَلُ فيها،
وإنْ كان غيرَ موضوعٍ لها (لِيُعْلَمَ المعنى المُتَجَوَّزُ عنهُ) منها.
إنْ قلنا: هذا غيرُ محتاج للنظر في المعنى المجازي نفسِهِ .. قلتُ: بل يُحتاجُ له لتحقيقِ العلاقةِ بينهما (فقد يكونُ المُتَجَوَّزُ معنىً حقيقياً، وقدْ يكونُ مجازياً) بناءً على جوازِ المجازِ على المجاز (1)، حيثُ قَرَّ اللفظُ على المعنى بالعلاقةِ لا على منعه، بناءً على أنه أخْذُ الشيءِ من غير مالكه.
(وقدْ يتعيَّنُ كلٌّ مِنَ المعنى المجازيِّ) الآن، وهو المُتَبادَرُ من قوله سابقاً:" نظر في هذا المعنى المجازي "(والمُتَجَوَّزِ عنهُ) ولو مجازاً أوِّلَ كما علمتَ (وقدْ لا يتعيَّنُ) بأن يصلُح لأحد معنيين فأكثَر.
ـ[وَالتَّعَيُّنُ إِمَّا: لِقَرِينَةٍ، أَوِ اتِّحَادِ ألْمَعْنَى.
وَإِذَا كَانَ تَوَابِعُ .. فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَتْبُوعِهَا، وَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي كُلِّ جُمْلَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ فِي الْمُفْرَدَاتِ، لِيُعْلَمَ: أَيُّ الْجُمَلِ هِيَ.]ـ
(والتعينُ إما: لقرينةٍ، أو اتحادِ المعنى) لكن اتحاد المعنى المجازي عزيز حيثُ اكتُفيَ بسماع نوعِ العلاقة.
(وإذا كان) في الكلام (توابعُ .. فلا بُدَّ مِنْ معرفةِ مَتبُوعِها) وتدقيقِ
(1) أي: إن كان المتجوَّز عنه مجازياً.
النظرِ فيما يلتبسُ منها، كالبدلِ وعطفِ البيان.
(ولا بُدَّ مِنَ النظرِ في كلِّ جُملةٍ) إنْ تعدَّدَتِ الجُمَلُ (بَعْدَ النَّظرِ في المُفْرَدَاتِ، لِيُعْلَمَ) جواب (أيُّ الجُمَلِ هيَ) ألَها محلٌّ مِن الإعرابِ أو لا، وعلى كلٍّ، فَمن أيِّ نوعٍ، كالصفةِ والصِّلَةِ.
ـ[وَقَدْ يَصْعُبُ فَهْمُ الْكَلَامِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي اخْتِصَارِهِ، فَالَّذِي يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ مُطالَعَةُ الْمَبْسُوطَاتِ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى مُطَالَعَةِ مُصَنَّفٍ أَوْ مُصَنَّفَيْنِ مَثَلاً، فَقَدْ يُهْمِلُ بَعْضُ ألْمُصَنِّفِينَ قُيُوْدَ الْمَسَائِلِ.]ـ
(وَقدْ يصعُبُ فهمُ الكلامِ منَ المُبالَغةِ في اختصارِهِ، فالذي يُعينُ على فهمِهِ مُطالعةُ المَبْسُوطاتِ) ويدخلُ فيها شروحُهُ.
(ولا يقتَصِرُ على مطالعةِ مُصَنَّفٍ أو مُصَنَّفَيْنِ مثلاً) ومِن هذا القبيل: لا يقتصرُ على شيخٍ أو شيخين، أو عِلْمٍ أو عِلْمَين، ورُبَّ شيخٍ إذا اجتمعَ طالبُهُ بغيرِهِ. تغيَّرَ عليه، فإنا للهِ وإنا إليه راجعون!!
نعم، لا يُقصد إلا أهلُ الفضل العارفون.
(فقد يُهْمِلُ بعضُ المُصَنِّفِينَ قُيُودَ المسائلِ) أو يُخطىءُ فيها، فيسلِّم الآخر.
ـ[فَلَا بُدَّ مِنَ الإِكْثَارِ مِنْ مُطَالَعَةِ الْمُصَنَّفَاتِ الَّتِي لَا يَجْتَمِعُ مِثْلُهَا لِكَثْرَتِهَا عَلَى تَرْكِ شَىْءٍ مِنَ الْقُيُودِ، فَمَنِ اسْتَعْمَلَ هَذَا كُلَّهُ حِينَ الْمُطَالَعَةِ .. خَرَجَتْ لَهُ الْمَعَانِي الَّتِي تَحْتَ الألفَاظِ طَائِعَةً.]ـ
(فلا بُدَّ مِن الإكثارِ مِنْ مطالعةِ المصنَّفاتِ التي لا يجتمعُ مثلُها لكثرتِها على ترْكِ شيءً مِنَ القُيُودِ، فَمنِ استَعملَ هذا كلَّهُ) كلَّ شيءٍ في محلِّه (حينَ المُطالعةِ .. خرجَتْ) أي: ظهرتْ (لهُ المعاني التي تحتَ الألفاظِ طائعةً).
ـ[وَأَمَّا إِخْرَاجُ النِّكَاتِ وَالدَّقَائِقِ الَّتِي يَتَنَافَسُ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، وَيَتَفَاوَتُ فِيهَا الأَذْكِيَاءُ، وَيَتَسَابَقُ فِيهَا الْفُرْسَانُ، وَيُتَغَالَبُ بِهَا فِي الْمَيْدَانِ .. فَطَرِيقُهُ بَعْدَ الِاعْتِمَادِ عَلَى فَضْلِ اللهِ تَعَالَى:]ـ
(وأمَّا إخراجُ النِّكاتِ) جمع: نُكْتَهٍ، وهي: البحثُ في الأرضِ بعودٍ ونحوه، أو لون صغيرٍ بين مُتَّسِعٍ مخالفٍ له (1) وشأنه يُسْتَحْسَنُ،
(1) كسوادٍ قليل في بياض كثير، أو عكسه.
كالخالِ، أُطلق على المعنى لأن الفكر فيه يصاحبُ الأول، أو لمشابهته الثاني في الحُسْنِ.
(والدَّقائقِ) عطفٌ عامٌّ من وجهٍ، فقد تكون النكتةُ غيرَ دقيقةٍ، كما أن الدقيقَ يكون غيرَ نكتةٍ، كالاعتراضِ.
(التي يتنافسُ) أي: يتغالب، فإنَّ المُغالِبَ يبذلُ النفيسَ لتحصيلِ مُرادِه (فيها العلماءُ، ويتفاوتُ فيها الأذكياءُ، ويتسابقُ فيها الفُرْسانُ (استعارَهُم للنُّظَّارِ (ويتغالبُ بها في الميدانِ) الباءُ بمعنى (في)، ولم يُعبِّر بـ (في) بعداً عن تعلُّقِ حرفينِ مُتَّحِدَيْن بعاملٍ (1)، أو أنه شبَّهها بالسلاحِ أو الخيلِ، ولا يخلو الكلامُ عن تَكرارٍ للتأكيد.
(فطريقُهُ بَعدَ الاعتمادِ على فضلِ اللهِ تعالى) خصَّ هذا بهذا لمزيدِ الاعتناء، وإلَاّ .. فلا بُدَّ من الاعتمادِ عليه في كلِّ شي؟.
ـ[أَنْ يُكَرِّرَ إِخْطَارَ الْمَعْنَى فِي ذِهْنِهِ حَتَّى يَأْلَفَهُ، وَيُحَرِّكَ ذِهْنَهُ فِي الْمَعَانِي الْمُنَاسِبَةِ، وَيَنْظُرَ إِلَى السِّيَاقِ، وإِلَى مَجْمُوعِ الْجُمَلِ، وَصِفَاتِ الْمَعَانِي، كَالإِبْهَامِ، وَتَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ، وَحَذْفِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَهُ الْعُلَمَاءُ.]ـ
(أن يُكرِّرَ) مُريدُ ذلك (إخطارَ المعنى في ذهنِهِ) أراد بالتكرار
(1) أي: لكيلا يكرر (في) مرتين في سياق واحد فيقول: (ويتغالب فيها في الميدان).
ما يشمل الإطالةَ في المرةِ الواحدة (حتى يألفَهُ، ويُحرِّكَ ذهنَهُ في المعاني المناسبةِ) لذلك المعنى. (وينظرَ إلى السياقِ، وإلى مجموعِ الجُمَلِ، وصفاتِ المعاني، كالإبهامِ، وتقديمِ المعمولِ، وحذفِه، ونحوِ ذلك مما بيَّنَه العلماءُ) ودوَّنوا له فنّاً مُسْتقلاً سَمَّوْهُ علم المعاني، ذكروا فيه ثمرة كلِّ ذلك وأمثلَته، وهو فنٌّ مهمٌّ جداً، فَلْيُطْلَبْ.
ـ[وَإِذَا رَأَى كَلَامَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ .. نَظَرَ: هَلْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ أَوْ لَا؟]ـ
(وإذا رأى) أي: علِمَ مِن كتابٍ أو شيخٍ (كلامينِ في مسألةٍ .. نظرَ) جوابٌ (هل بينَهُما موافقةٌ) فإذا وجدهما متَّفِقَيْن .. فَلْيَنْظُرْ في موجَبِ التَّغايُرِ، فيعقِلُ ذهنه، ويتأسَّى بأحسَنِهِما مَساقاً (أَوْ لا) فَيُحرِّرُ أيَّهما الصواب بقوةِ المدرك أو صحةِ النقلِ.
أُتِيَ لـ (هل) بمعادلٍ، وهو خلافُ الأفصح، لا أنه لحن، وقد بيَّن ذلك شُرَّاحُ " المغني "(1).
ـ[وَرُبَّمَا اخْتَلَفَ مَسْأَلتَانِ فِي الْوَاقِعِ مَوْضُوعاً وَحُكْماً، لَكِنْ بَيْنَ مَوْضُوعِهِمَا قُرْبٌ، فَيُعْتَقَدُ اتِّحَادُهُمَا فَيُشْرَكَانِ فِي الْحُكْمِ.]ـ
(1) ومن جملتهم المصنف رحمه الله تعالى، انظر " حاشيته على مغني اللبيب "(1/ 14).
(ورُبَّما اختلفَ مسألتانِ في الواقعِ موضوعاً وحُكْماً، لكنْ بينَ موضوعِهِما) جعلَ الإضافة للجنس فأغناهُ ذلك عن تثنيةِ المضاف (قُرْبٌ، فيُعتقدُ) لعدمِ التأمُّلِ (اتِّحادُهُما) موضوعاً (فَيُشْرَكَانِ في الحُكم) بأن يثبتَ حكمُ كل للأُخرى مع حكمِها، فيقعُ الخطأُ، فلا بُدَّ من مزيدِ التأمُّلِ، لتحصل السلامة من مثل ذلك.
ـ[وَكَثْرَةُ إِخْطَارِ الْمَعْنَى بَعْدَ ظُهُورِهِ سَبَبٌ فِي سُرْعَةِ حُضُورِهِ بَعْدَ غَيْبَتِهِ عِنْدَ حُضَورِ مَا يُلَائِمُهُ أَوْ يُنَافِرُهُ.
وَإِذَا اشْتَرَكَ مَوْضُوعَانِ فِي جَامِعٍ وَاخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ .. نَظَرْتَ لِيَظْهَرَ لَكَ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا.]ـ
(وكَثرةُ إخطارِ) أي: إحضار (المعنى بعدَ ظهورِهِ سببٌ في سرعةِ حضورِهِ) وسهولة إحضاره (بعدَ غَيْبَتِهِ عندَ حضورِ ما يُلائمُهُ أو ينافرُهُ).
(وإذا اشتركَ موضوعانِ في جامعٍ واختلفا في الحكمِ .. نظرتَ ليظهرَ لكَ فرقٌ بينَهُما) فإن لم يظهر فرق .. فالحكمان متقابلان، يُطلَبُ ترجيحُ أحدِهما بما مرَّ.
***
ـ[وَمِنْ عَادَةِ شَيْخِنَا - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى - إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَرِّرَ كَلَاماً صَعْباً أَنْ يَقُولَ: (أُقَدِّمُ لَكُمْ مُقَدِّمَةً) أَوْ: (هَذَا الْكَلَامُ لَا يَتَبَيَّنُ إِلَاّ بِتَقْدِيمِ مُقَدِّمَةٍ).]ـ
(ومِنْ عادةِ شيخِنا - حفظَهُ اللهُ تعالى - إذا أرادَ أنْ يُقَرِّرَ كلاماً صعْباً أنْ يقولَ: " أُقَدِّمُ لكمْ مُقَدِّمةً، أو: " هذا الكلامُ لا يَتَبَيَّنُ إلا بتقديمِ مُقَدِّمَةٍ ") تنويعٌ في التعبيرِ بحسبِ ما يقع من الشيخِ، وهو نورُ الدين، أبو الحسن، عليُّ بنُ أحمد بنِ مكرم الله الصعيديُّ العَدَويُّ، نِسبةً لـ (بني عديّ)، مِن قُرى (الصعيد)(1)، ويقالُ: المَنسفيسي، لأن أصوله من (منسفيس)، بلدة من أعمال مصر، وكان ولادتُهُ على ما أخبرني هو به عامَ اثني عشرَ ومئةٍ وألفٍ، وأخذ على عدةِ مشايخ، منهم:
في أول الأمر: الشيخُ عبد الوهاب المَلَّوي، والشيخ جلبي البُرُلُسِي (2)،
(1) كذا هو اسم هذه القرية (بني عدي)، والنسبة إليها:(العَدَوي) بفتحتين، وهي ليست (عِدْوة) اسم لثلاث قرىً في مصر، والنسبة إليها:(العِدْوي) بكسرة فسكون، وإليها ينسب الشيخ حسن العِدْوي الحمزاوي. انظر " الخطط التوفيقية "(9/ 248) و (14/ 119).
(2)
الإمام العلامة محمد صلاح الدين البُرُلُّسي المالكي، الشهير بـ (جلبي) أو (شلبي)، أخذ عن الشيخ أحمد النفراوي، والشيخ عبد الباقي القليني، والشيخ منصور المنوفي، توفي سنة (1154 هـ).
انظر " عجائب الآثار "(2/ 30)، " شجرة النور الزكية "(2/ 291).
والشيخ سالم النَّفْرَاوي (1)، والشيخُ عبد الله المغربي، والشيخ محمد السَّلَمُوني (2)، كلاهما من تلامذة الخَرَشِي (3) وأقرانه، والشيخ محمد الصغير (4)، والشيخ إبراهيم الفَيُّومِي (5)، قال: وبشَّرني بالعلم حين قبَّلْتُ يده وأنا صغير، وسيدي محمد بن زَكريِّ المغربي (6)، والشيخ
(1) العلامة المفتي سالم بن أحمد النفراوي المالكي الأزهري المصري الضرير، أخذ عن شارح " المواهب " - الحافظ الزرقاني - وغيره، وانتهت إليه رئاسة المالكية بمصر، وبها توفي سنة (1168 هـ).
انظر " عجائب الآثار "(2/ 88)، " فهرس الفهارس "(2/ 978)، " شجرة النور الزكية ".
(2)
العلامة الفاضل محمد بن عبد الرحيم بن محمد السلموني الأزهري المالكي، كان حيّاً سنة (1173 هـ)، من آثاره:" شرح غزيرة المعاني "، فرغ منه في السنة المذكورة.
انظر " شجرة النور الزكية "(2/ 248)، " معجم المؤلفين "(3/ 406).
(3)
الفقيه العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي، شيخ المالكية، إليه انتهت الرئاسة بمصر، أخذ عن والده والبرهان اللقاني والنور الأجهوري، وأخذ عنه محمد النفراوي ومحمد السلموني، له شيرح كبير على " المختصر "، توفي سنة (1101 هـ).
انظر " عجائب الآثار "(1/ 166)، " شجرة النور الزكية "(2/ 245).
(4)
العالم الفاضل محمد بن أحمد الورزازي المصري، المعروف بالصغير، كان فقيهاً مالكياً، توفي سنة (1137 هـ) ودفن بمقابر المالكية بمصر.
انظر " عجائب الآثار "(1/ 186)، " فهرس الفهارس "(2/ 1110).
(5)
العالم الفقيه الفاضل شيخ الأزهر، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الفيومي، تفقه بالشيخ الخرشي، وأخذ عن الزرقاني والشبراملسي، والأجهوري والبرماوي، له شرح على " العزية " في مجلدين، توفي سنة (1137 هـ).
انظر " عجائب الآثار "(1/ 219)، " شجرة النور الزكية "(2/ 247).
(6)
الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن زكري - وأصله: زكريا - الماسي، محدث مسند وصوفي مشارك، أخذ عن الشيخ عبد القادر الفاسي، وميارة الصغير، وله مؤلفات منها:" شرح فريدة السيوطي "، و"شرح الحكم العطائية "، و " حواشٍ على البخاري "، توفي سنة (1144 هـ).
انظر " شجرة النور الزكية "(2/ 284)، " معجم المؤلفين "(3/ 393).
محمد السِّجِّيني (1)، والشيخ أحمد المَلَّوي (2)، والشيخ عيد النُّمْرُسي (3)، والشيخ أحمد الدَّيَرْبِي (4)، والشيخ مصطفى العَزِيزي (5)، والشيخ محمد العَشْماوي (6)، والشيخ محمد بن سيف، والشيخ أحمد
(1) الإمام العلامة محمد السجيني الشافعي الضرير، أخذ عن الشيخ الشرنبابلي ولازمه طويلاً، والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ مطاوع السجيني، كان فقيهاً نحوياً أصولياً منطقياً، توفي سنة (1158 هـ).
انظر " عجائب الآثار "(2/ 27).
(2)
الإمام العلامة المتقن المعمر، مسند الوقت وشيخ الشيوخ، أحمد بن عبد الفتاح الملوي الشافعي الأزهري، أخذ عن كبار علماء عصره، كالمنوفي والبشبيشي والنمرسي، له شروح كثيرة، منها: شرحان على " متن السلم " وآخران على " السمرقندية "، توفي سنة (1181 هـ) وعند الكتاني سنة (1182 هـ).
انظر " عجائب الآثار "(2/ 252)، " فهرس الفهارس "(2/ 559).
(3)
الشيخ المحقق النحرير عيد بن علي المرسي القاهري الشافعي، أخذ عن الجمال البصري والشرنبابلي والزرقاني، وجاور في أخريات حياته المدينة المنورة ودرَّس بالحرم الشريف، توفي سنة (1140 هـ).
انظر " سلك الدرر "(3/ 273)، " فهرس الفهارس "(2/ 805).
(4)
الإمام العلامة أحمد بن عمر الدَّيربي الشافعي الأزهري، أخذ عن عمه الشيخ علي الديربي، وعن القليوبي والشنشوري والنفراوي وغيرهم، من مؤلفاته:" غاية المرام فيما يتعلق بأنكحة الأنام " و " غاية المراد لمن قصرت همته من العباد "، توفي سنة (1151 هـ).
انظر " سلك الدرر "(4/ 200)، " عجائب الآثار "(2/ 34)، " فهرس الفهارس ".
(5)
الشيخ الإمام مصطفى بن أحمد المصري الشافعي الشهير بالعزيزي نسبة إلى قرية تسمى بالعزيزية، أخذ عن الشيخ عبد ربه الديوي والشمس الشرنبابلي الشافعي، وبرع واشتهر بالفضل والذكاء، توفي في حدود سنة (1160 هـ).
انظر " سلك الدرر "(4/ 178)، " عجائب الآثار "(2/ 36).
(6)
العلامة الفقيه محمد بن أحمد بن حجازي الأزهري الشافعي الشهير بالعشماوي، محدث محقق مدقق، أخذ عن العلامة الصبان وغيره، توفي سنة (1167 هـ).
انظر " سلك الدرر "(4/ 32)، " عجائب الآثار "(2/ 87).
الأَسْقاطي (1)، والشيخ أحمد البَقَري (2)، والشيخ أحمد العَماوي (3) والسيد علي الحنفي، والشيخ حسن المَدابِغي (4)، والشيخ محمد الدَّفري (5)، والسيد محمد البُلَيْدِي (6)، والشيخ محمد الحَفْناوي (7)، وغيرهم.
(1) الشيخ العالم أحمد بن عمر القاهري الحنفي الشهير بالأسقاطي، أخذ عن الشيخ عبد الحي الشرنبلالي، والشيخ الزرقاني والمنوفي وغيرهمِ، توفي سنة (1159 هـ).
انظر " سلك الدرر "(1/ 149)، " عجائب الآثار "(2/ 41).
(2)
الإمام الفاضل أحمد بن رجب البقري الشافعي المقرىء، حضر على المدابغي والحفني، واشتهر بالعلم والصلاح والولاية، توفي سنة (1189 هـ) وهو متوجه إلى الحج.
انظر " عجائب الآثار "(3/ 119)، " هدية العارفين "(1/ 179).
(3)
الإمام العالم أحمد بن أحمد العماوي المالكي، أخذ عن العلامة الزرقاني والشبراملسي، وتصدر للإقراء بعد وفاة العلامة الشبراملسي، توفي سنة (1155 هـ).
انظر " عجائب الآثار "(2/ 30)، " شجرة النور الزكية "(2/ 292)، " فهرس الفهارس "(2/ 830).
(4)
الشيخ الإمام حسن بن علي بن أحمد الشافعي الأزهري المنطاوي الشهير بالمدابغي، أخذ عن الشيخ عيد النمرسي ومحمد الورزازي والتنبكتي، له حاشية على شرح الخطيب على " أبي شجاع "، توفي سنة (1170 هـ).
انظر " عجائب الآثار"(2/ 123)، " هدية العارفين "(1/ 268).
(5)
العلامة الثبت محمد الدفري الشافعي، أخذ العلم عن الأشياخ من الطبقة الأولى، وانتفع به فضلاء كثيرون، منهم العلامة الشيخ محمد المصيلحي والشيخ عبد الباسط السنديوني وغيرهما، توفي سنة (1161 هـ).
انظر " عجائب الآثار "(2/ 44).
(6)
خاتمة المحققين محمد بن أحمد الحسني المغربي المالكي الشهير بالبليدي، نزيل مصر، أخذ عن العلامة البقري والبشيشي والديوي والنفراوي، من مؤلفاته: حاشية على " تفسير البيضاوي "، وحاشية على " شرح الأشموني على الألفية "، توفي سنة (1176 هـ).
انظر " سلك الدرر "(4/ 110)، " شجرة النور الزكية "(2/ 295).
(7)
الشيخ الفقيه المحدث، محمد بن سالم الحفناوي، ويقال له: الحفني، ولد بحفنة، قرية قريبة من بلبيس، انتفع به أخوه يوسف كثيرا، من مؤلفاته:" حاشية على شرح الهمزية "، توفي سنة (1181 هـ).
انظر " سلك الدرر "(4/ 49).
وقد باركَ الله تعالى في أصحابه طبقةً بعد طبقة كما هو مشاهد.
وله مؤلفات كثيرة، منها:
" حاشية ابن تركي "، و " حاشية الزُّرْقاني على العِزِّيَّة). و " حاشية أبي الحسن على الرسالة " في مجلدين ضخمين. و " حاشية الخرشي " وهو مشتغلٌ بها الآن، أتمَّها اللهُ تعالى بخير، و " حاشية الزرقانى على المختصر " (1).
و" حاشية الهدهدي على الصغرى "، و " حاشيتان على الشيخ عبد السلام على الجوهرة " كبرى وصغرى (2).
و" حاشية الأخضري على السلم "(3)، و" حاشية ابن عبد الحق على بسملة شيخ الإسلام "، و " حاشية شيخ الإسلام على ألفية العراقي في مصطلح الحديث "(4).
قال: طالما كنتُ أبيتُ بالجوعِ في مبدإِ اشتغالي بالعلم، وكنتُ لا أقدِرُ على ثمنِ الورق، ومع ذلك إذا وجدتُ شيئاً .. تصدقتُ.
وقد تكرَّرَتْ له بِشاراتٌ حسنة، مناماً ويقظة، كان إذا حكى لنا شيئاً من ذلك .. قال: هكذا كان الإمام مالكٌ يُخبرُ أصحابَه بالرؤيا ويقول: (الرؤيا تُسرُّ ولا تغر).
(1) وكلها في الفقه المالكي.
(2)
وهذه الحواشي في علم التوحيد.
(3)
في علم المنطق.
(4)
عجائب الآثار (3/ 116 - 119)، وفيه كلمة (على) بعد ذكر كل حاشية.
منها: ما وقع للشيخ محمود الكردي (1) من صلحاءِ أصحاب البدر الحفني (2) قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول: علي الصعيدي خليفتي، فلما انتبهتُ وخطرَ ببالي الشيخُ .. قلت: علي الصعيدي غيرُه كثير، فنمتُ، فرأيته ثانيةً يقول: علي الصعيدي هذا ويُشيرُ للشيخ.
ورأى بعضُ الصلحاءِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام في محراب الأزهر، والطلبةُ تعرِضُ عليه تقاييد الأشياخِ، فلما رأى ما قُيِّدَ عن الشيخِ .. صار يقول بِذُلٍّ وانكسارٍ: يا علي، ويُكرِّرُها.
ورآه الشيخُ نفسُهُ في المنام وقال له: أجزني، فقال: أجزتك. وأمثالُ ذلك كثير.
ورأى غيرُ واحدٍ من الصُّلحاءِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام يأمرُهم بالحضورِ عليه.
وآخرُ رأى مالكاً والشافعيَّ في مجلِسِ تدريسِهِ.
ويشهد له بالمعرفةِ والصلاحِ مَنْ أنصَفَ من أهل عصرِه، وكثيراً ما يُوصينا مَن اجتمعنا عليه من الصالحين بملازمتِهِ مع الاعتناء، ولقد
(1) الإمام العلامة محمود بن محمد بن يزيد الكوراني الكردي الخلوتي، أخذ العهد عن الشمس الحفني المذكور، ونزل القاهرة وتوفي بها سنة (1195 هـ).
انظر " عجائب الآثار "(3/ 238)، " هدية العارفين "(2/ 417).
(2)
شمس الدين محمد بن سالم الحفني المتقدم ترجمته.
سمعتُ سيدي عبد الوهَّاب العفيفي (1) في مرضِ موته يقول: الشيخُ ناجٍ، والذي يحضره ناجٍ، أو كلاماً هذا معناه (2).
…
(1) الإمام المعمر العلامة عبد الوهاب بن عبد السلام العفيفي المالكي البرهاني، يعود نسبه للعلامة مرزوق الكفافي، توفي سنة (1172 هـ).
انظر " عجائب الآثار "(2/ 141).
(2)
انظر ترجمة العلامة العدوي في " سلك الدرر "(3/ 206)، " عجائب الآثار "(3/ 116 - 119)، " فهرس الفهارس "(2/ 713)، " هدية العارفين "(1/ 409)، " شجرة النور الزكية "(2/ 301).
قال عنه العلامة الأمير الشارح في مقدمة رسالة " مطلع النيرين "(ص 2): (إنسان عين التحقيق وعين إنسانه، أفضل من جمع درر المعاني في صدف الألفاظ ببيانه، ونشر مسك المداد على كافور الصحائف ببنانه، محيي العلوم بعد أن درست، ومنوِّر أقمار الفهوم بعد أن كسفت، ملحق الأواخر بالأوائل، وموضح كل كمين بكشف الشبهات وشرح الدلائل، شيخنا ومربينا وشيخ مشايخنا ومربيهم).
ولما فرغَ مِن آدابِ الفهم .. شرعَ يذكرُ آدابَ الإفهام، وأنها بأنْ يسلكَ بمن يُفهِّمُهُ فيما تقدم، فقال:
ـ[فَإِذَا فَهِمْتَ الْمَعَانِيَ وَأَرَدْتَ تَفْهِيمَ غَيْرِكَ:
فَآدَابُ ذَلِكَ أَنْ تُبيِّنَ الْمَعَانِيَ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ الألفَاظِ، ثُمَّ الْمَعَانِيَ الدَّقِيقَةَ بِمَا عَرَفْتَهُ مِنَ الآدَابِ، وَلَا تَتَبَّعِ الأَقْوَالَ، فَمَنْ تَتبَّعَهَا .. لَمْ يَأْتِ مِنْهُ فَائِدَةٌ.]ـ
(فإذا فهمتَ المعانيَ) بما تقدَّم (وأرَدْتَ تفهيمَ غيرِك .. فآدابُ ذلكَ) التفهيمِ (أنْ تُبَيِّنَ) له (المعانيَ الداخلةَ تحتَ الألفاظِ) مُفْرَدةً مركَّبَةً (ثُمَّ المعانيَ الدقيقةَ) والنكات (بما عرفتَهُ من الآدابِ، ولا تَتَبَّعِ الأقوالَ) قبل تفهيمِ ما أنت فيه (فَمَنْ تتبَّعَها) وجعلَهَا جُلَّ قصدِه قبلَ أنْ يفهمَ ما هو فيه، ولم يعلم المُعَوَّلَ عليه منها .. (لم يأتِ منهُ فائدةٌ).
ـ[وَأَمَّا أَنْوَاعُ الشُّرُوحِ:
فَأَحْسَنُهَا: مَا يَشْتَمِلُ عَلَى تَفْسِيرِ كُلِّ كَلِمَةٍ خَفِيَّةٍ عَقِبَهَا، وَضَبْطِ مَا يَخْفَى أَمْرُهُ، وَتَقْدِيرِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي مَكَانِهِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى سَبَبِهِ، وَإِعْرَابِ مَا يَخْفَى إِعْرَابُهُ، وَذِكْرِ الْعِلَلِ وَالأَدِلَّةِ.]ـ
(وأمَّا أنواعُ الشُّرُوحِ .. فأحسنُها: ما يشتملُ على تفسيرِ كلِّ كلمةٍ خَفِيَّةٍ عَقِبَها، وضبْطِ ما يخفى أمْرُهُ، وتقديرِ ما يُحتاجُ إليهِ في مكانِهِ، والتنبيهِ على سببِهِ، وإعرابِ ما يخفى إعرابُهُ، وذكرِ العللِ والأدلَّةِ) للأحكام، والظاهرُ أنَّ العطفَ مرادفٌ.
ـ[وَالتَّعْبِيرِ عَنِ الْمَعْنَى بِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ مِنَ الْمَشْرُوحِ، مُصَدَّرَةً بِـ (نَحْوِ) وَ (الْمَعْنَى كَذَا) أَوْ (كَأَنَّهُ قَالَ كَذَا).]ـ
(والتعبيرِ عن المعنى بعبارةٍ) مِنْ عبَرَ المكانَ: دخلَهُ، لأنَّ اللفظَ كالمكان الذي يدخلُ فيه للمعنى، أو من تعبيرِ الرؤيا ونحوها: تفسيرها، فإنها تدلُّ على المعنى.
(أوضحَ من المشروحِ مُصَدَّرةً بـ " نحو " و " المعنى كذا " أو " كأنَّهُ (أي: صاحبُ المشروح (قالَ كذا ") وهذا إنما يُحْتاجُ له ويَحْسُنُ في المقامِ الصَّعْبِ.
ـ[وَذِكْرِ الإِيرَادَاتِ بِأَجْوِبَتِهَا إِنْ كَانَتْ، وَبَيَانِ الرَّاجِحِ أَوِ الأَرْجَحِ.]ـ
(وذكرِ الإيراداتِ) أي: الاعتراضاتِ المُوْرَدَة (بأجوبتِها) الباءُ بمعنى: " معَ "(إنْ كانتْ، وبيانِ الراجحِ) ومقابلُهُ مرْجوحٌ (أوِ الأرْجَحِ) ومقابلُهُ راجحٌ لا يُساويهِ.
وأراد بالرُّجْحانِ: ما يشملُ المشهوريَّة، أو كونه معمولاً به.
وأصل الرُّجحان: قُوةُ المدرك، ويقابلها الضعيف.
والمشهوريةُ: كثرةُ القائل، وهي مُقَدَّمةٌ عند المقلِّدين، لأن الأكثر إنما يعدلُ لأمرٍ وإن لم نطَّلع عليه، وما به العمل مُقَدَّمٌ على الجميع، وفي جوازِ العمل بالضعيفِ خلافٌ (1).
ـ[وَمِنْهَا: مَا لَا يَتَعَرَّضُ لِلْمَشْرُوحِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ قَوْلَةً قَوْلَةً، وَيَأْتِي بَعْدَ كُلِّ قَوْلَةٍ بِكَلَامٍ مُسْتَقِل يَفْهَمُ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ مَعْنَاهَا.]ـ
(ومنها) أي: الشروح (ما لا يتعرَّضُ للمشروحِ بشيءٍ مِنْ ذلكَ، وإنَّما يذكرُ) من المشروحِ (قولَةً) بعد (قولة، ويأتي بعدَ كلِّ قولةٍ بكلامٍ مُسْتَقِلٍّ يَفهَمُ مَنْ وقفَ عليهِ معناها).
ثم منهم: مَنْ يرجع بعد ذلك لكلامِ المتن، فَيُنْزِلُهُ على ما ذكره.
(1) هذا بشأن الأقوال المجتهدة، لا بشأن النقول المأثورة، فتلك لها ضوابط خاصة.
وهل للشارحِ تغييرُ إعرابِ المتن (1)؟ ثالثها: إنْ كانَ مزجاً، والأظهرُ إن اضْطُرَّ له في أمر يُعْتَدُّ به.
وهل يكفيهِ في الجوابِ عن الإيرادِ المرادُ؟ ثالثها: الأظهرُ إن قامتْ قرينة، وبقدْرِ ظهورها يقوى دفع الإيراد.
والمتنُ أصلُه، الظهر، والأرض الصَّلْبَة، وبيضة الجَدْي، فشبَّهَ المشروحَ بالظهر الذي تُحملُ عليهِ الأشياءُ، فإنَّ الشرحَ كأنه محمولٌ عليه، أو بالصلبةِ في الصُّعوبَةِ، أو بالبيضةِ التي يُشَقُّ عنها الجلد لإظهارها (2).
وسُمِّيَ الشرْحُ شرحاً لأنه أوسعُ منه، وشَرْحُ الصَّدْرِ: توسيعُهُ.
ـ[وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ، وَلَيْسَ غَرَضُنَا بَيَانَ جَمِيعِ الأَنْوَاعِ وَلَا جَمِيعِ الآدَابِ.]ـ
(وهذا القدرُ كافٍ) حُسْنُ اختتامٍ بتوريةٍ، أي: هذا القدر المحتوي عليه بعضُ الشروح الذي يذكر قولةً بعد قولةٍ .. كافٍ في الشرح، أو هذا القدر الذي ذكرناه في هذه الرسالة .. كافٍ في مقصودنا.
(1) كما صنع المصنف قبل قليل حين قال: (قولة بعد قولةٍ) على سبيل المزج.
(2)
يقال: مَتَن الكبشَ، إذ شقَّ صفْنَه واستخرج بيْضَهُ بعروقها.
(وليسَ غرضُنا بيانَ جميعِ الأنواعِ) للشروح (ولا جميعِ الآدابِ) للفهم والتفهيمِ، إذْ مثل ذلك مُتَعذِّرٌ أو مُتَعَسِّرٌ.
وأما المتون: فأحسنُ أنواعها: المختصرُ المفيدُ بلا تعقيد، والحواشي من قبيل الشروح.
ومما ينبغي التحرُّزُ عنه: التعمُّقُ في المناقشة اللفظية التي لا تعود بنفع في أصل المراد، كما يرتكبُهُ مَن زعمَ أنه تحقيقٌ، ولَعَمْري، إنه حقيقٌ بما قيل: تحقيقٌ حُذِفَتْ تاؤه وحاؤه (1).
وإذا أراد أن يُقَيِّد شيئاً خصوصاً بالطُرَّةِ (2) .. فَلْيَتَحَرَّ الاختصارَ بقدر الحاجه، وانسجام الكلام.
ولا يكن ممن (3) يكتبُ كلَّ ما سمعَ غثّاً أو سميناً، وربما ساقَ الشيخُ معنى الشرح بقالبٍ آخرَ، أو ارتكبَ شيئاً تسمُّحاً في التدريس، أو تقريباً للقاصرين، أو تمريناً للمُبْتَدِئين، فيكتبه بعضُ الناسِ كما هو، ويحسبون أنهم على شيءٍ، ورُبَّما نَفَقَتْ هذه البضائعُ المُزْجاةُ عند مَن اتَّخَذ علمَهُ هواه، والأمرُ كلُّهُ لله (4).
(1) فعاد (قيقاً)، يشير به إلى طول فاحش مذموم.
(2)
أي: أراد كتابة ملحق أو حاشية أو قيْدٍ ونحو ذلك، والله أعلم.
(3)
في النسخ: (مما).
(4)
فينبغي عند كتْبِ الفوائد والتقاييد عن أهل العلم: مراعاةُ مراد العالم من الكلمة التي صدرت عنه، فلا يكتب كلَّ ما يقول من الكلام، بل ينتخب منه الغالي النفيس.
ـ[وَلَكِنْ جُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ آدَابَ الفَهْمِ: التَّدَبُّرُ وَالتّاَمُّلُ، وَآدَابَ التفْهِيمِ: التَّفْكِيرُ وَالتَّذْكِيرُ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ} والآيَةَ.]ـ
(ولكنْ جُمْلَةُ القولِ) أي: القول المُجمل الجامع لما تفرَّقَ:
(أنَّ آدابَ الفهمِ) يجمعها: (التدَبُّرُ والتأمُّلُ) عطف تفسير.
(وآدابَ التفهيمِ) وهو: ثمرة الشروح أيضاً: (التفكيرُ والتذكيرُ. قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ} يتأمَّلون، والاستفهامُ: للتوبيخِ، والفاءُ: عاطفة على محذوفٍ، أي: أَعَمُوا فلا يتدبَّرون؟ أو أنَّ الفاءَ مُزحلَقةٌ، لعراقةِ الهمزةِ في الصدارةِ، والأصلُ: فألا يتأمَّلُ هؤلاءِ الكفارُ {الْقُرْآنَ} بالهمزِ، وقرأَ ابنُ كثيرٍ (1) بنقلِ حركتِه لما قبله وحذفه (2)، من القرْءِ، وهو: الجمع، لجمعه المعاني، أي: مُهمها وأصولها، أو كلُّها بالنسبةِ لما يفهمه الراسخون، أو اختصَّ به تعالى.
(الآيةَ) مفعولٌ لمحذوفٍ، أو بدل كلٍّ مِن بعضٍ، أو مِن كلّ، على
(1) الإمام المقرىء، عبد الله بن كثير بن عمر المكي الكناني، توفي سنة (120 هـ). انظر " أحسن الأخبار "(ص 40).
(2)
الضمير عائد على الهمز، فابن كثير حذف الهمز ونقل حركته - وهي الفتح - إلى الحرف الذي قبله، فقرأ:(القُرَان).
التجوُّزِ من الجملةِ قبله (1)، على حدِّ ما يُقال في:[من الخفيف]
رَحِمَ اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوها
…
بِسِجِسْتانَ طَلْحَةِ الطَّلَحاتِ (2)
إن قلتَ: إنما يقولون ذلك إذا تعلَّقَ الغرضُ بآخر الآية.
قلتُ: هنا كذلك، فإنَّ تمامها {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ} أيّا كان، من أساطير الأولين، أو كهانة، أو تقوُّلٍ .. {لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} تناقضاً في معانيه، وتبايُناً في نظمه، فإنَّ ما فيه من المعاني البديعة، والسياقاتِ الرفيعة لو سلكها غيرُ القادرِ على كلِّ شيءٍ مَعَ الطولِ وكثرة التكرار .. لوقع في الاضطراب، وخرج عن حدِّ البلاغة رغماً عنه، وقد جاء هو مع ذلك في الطرف الأَعلى منها كما يشهد به التأمُّلُ، فكان ذلك أتمَّ دليلٍ لهم، وأقوى باعثٍ على الإيمان، لكنهم لم يعملوا بمقتضاه، فكفروا واستغنى الله.
(1) فكأنه جعل ذكر بعضها كذكرها كاملة، فصار بدل كل من كل.
(2)
اليت لعبيد الله بن قيس الرقيات، كما في " ديوانه "(ص 20)، وفيه:(نضَّرَ) بدل (رحم).
والشاهد فيه هنا: على رواية النصب في (طلحة)، فهو إما منصوب بفعل مضمر تقديره:(أعني) على سبيل المدح، أو هو بدل كل من بعض، إذ أعْظُم طلحة بعض طلحة، أو بدل كل من كل بجعل أعْظُم من قبيل ذكر البعض وإرادة الكل، وهذا الأخير ما صححه أبو حيان.
أما على رواية الخفض .. فهو على تقدير محذوف مضاف، أي: أعظمَ طلحةِ، أو مضاف لسجستان على الحقيقة، لأنه كان والياً عليها. انظر ذلك كلَّه في " خزانة الأدب "(8/ 14 - 15).
ـ[فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ بِقَلْبٍ وَاعٍ .. عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهِ الإِعْجَازِ، كَدَقَائِقِ الْعُلُومِ الإِلَهِيَّةِ، وَمَحَاسِنِ الآدَابِ وَالأَخْلَاقِ، الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَاّ الْعَالِمُ بِكُلِّ طَوِيَّةٍ وَخَفِيَّةٍ، وَالإِنْبَاءِ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ، وَكَبَلَاغَتِهِ وَنَظْمِهِ الْغَرِيبِ الْمُخَالِفِ لِسَائِرِ أَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي أَعْجَزَ الْفُصَحَاءَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، وَعَدَمِ اخْتِلَافِهِ مَعَ طُولهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.]ـ
(فإنُّه) أي: قوله تعالى السابق (يدلُّ) كما علمتَ (على أنَّ مَنْ تدبَّر القرآنَ بقلبٍ) أي: عقلٍ (واعٍ) حافظٍ مُتقِنٍ .. (علمَ) بسبب ذلك (أنَّهُ) أي: القرآن (مِنْ عندِ اللهِ تعالى) عند هنا للمكان المجازي، أي: أنَّ الله هو الذي قاله، بمعنى: تولى نظمه مِن غيرِ كسبِ أحدٍ في أصل نظمه، أو أنَّ المرادَ منها: لا مِن عندِ غيرِه؟ كما يقولون: وجوده لذاته، أي: لا من غيره، لا أنَّ الذاتَ أثَّرَتْ في نفسها.
(لِما اشتملَ) القرآنُ (عليهِ مِنْ وجوهِ الإعجازِ) أي: الطرق والأمور التي أعجزَ بها الفصحاءَ البلغاءَ من العرب العرباءِ وغيرهم، حيثُ طُلِبُوا أنْ يأتوا بمثله، أو بعَشْرِ سوَرٍ منه، أو بأقصرِ سورة منه، معَ النكيرِ عليهم، والتشنيعِ بالعجزِ الذي يُثيرُ الحميَّةَ كلَّ الإثارة، معَ سبِّهم
وسبِّ دينهم وآبائهم وألهتهم .. فعجزوا عن ذلك، مع أنهم كانوا يتباهَونَ بالفصاحةِ والمروءة.
ثم منهم مَن حملَهُ ضيقُ هذا المجال إلى أن يُخاطِرَ بِمهْجَتِهِ الأسِنَّةَ وسيوفَ القتالِ، ومنهم مَن هذى بما صيَّرَه ضُحْكةً كمُسَيْلِمة.
ومثَّلَ لوجوهِ الإعجازِ بقوله: (كدقائقِ العلوم الإلهيَّةِ) ويندرجُ فيها نِكات البلاغة (ومحاسنِ الآدابِ) إضافة بيانيَّة، أَو من إضافةِ الصِّفَةِ، أو بمعنى: مِنْ، أي: أحسنها، وهو عطفٌ خاصٌّ، أو أراد بالدقائقِ ما عداها.
(والأخلاقِ) جمعُ خُلُقٍ بالضمِّ: الصفة (التي لا يُحيطُ بها إلا) اللهُ تعالى (العالمُ بكلِّ طويّهٍ وخفيّهٍ) عطف تفسيرٍ، فإن الطويَّةَ فعيلة بمعنى مفعولةٍ، أي: مطويةٌ مخبَّأة (والإنباءِ) أي: الإخبار (عنِ المُغَيَّباتِ) مما مضى وما هو آتٍ.
(وكبلاغتِهِ) أي: مُطابقته لمُقْتضياتِ الأحوال مع فصاحته (ونَظْمِهِ) أي: تركيبه (الغريبِ المخالفِ لسائرِ أساليبِ) أي: طُرُق (كلامِ العربِ) فإنَّه ليس على قانون بحرٍ مِن بُحورِ النَّظْمِ، ولا على دأبِ السَّجع المحضِ بينهم (الذي أعجزَ الفصحاءَ عَنْ معارضتِهِ) كما تقدَّمَ (وعدمِ اختلافِهِ مع طولِهِ، وغيرِ ذلكَ) مما يُدرَك بالتبيانِ أو الوِجْدانِ، وقد سمع أعرابيٌّ قولَهُ تعالى:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} فسجد، وقال:(سجدتُ لِحُسْنِ هذا الكلامِ)(1).
(1) انظر " سبل الهدى والرشاد "(9/ 578).
ثم رجعَ لأصلِ الغرضِ فقال:
ـ[فَيُسْتَفَادُ بِالْقِيَاسِ: أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ تُدُبِّرَ وَتُؤُمِّلَ: اسْتُفِيدَ مِنْهُ عَلَى حَسَبِ التّدَبُّرِ وَالْكَلَامِ، فَلَيْسَ كَلَامُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَكَلَامِ اللهِ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا
الْقِيَاسِ.]ـ
(فيُسْتَفادُ بالقياسِ: أنَّ كلَّ كلامٍ تُدُبِّرَ وتُؤُمِّلَ .. اسْتُفِيدَ منهُ على حسَبِ التدبُّرِ والكلامِ) قوة وضعفا، وحذف المستفاد، أي: ما يفتح اللهُ به.
وفرَّعَ على قوله: (والكلام) قولَهُ:
(فليسَ كلامُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولو حديثاً قُدسِيّاً (ككَلامِ اللهِ تعالى، وعلى هذا القياسُ) مُبْتدأٌ وخبرٌ، أو القياسُ بدل من هذا، أو مفعول لمحذوف، أي: وأجْرِ على هذا القياسَ، أو وَقِسِ القياسَ على هذا الذي ذكرتُهُ، فليس كلامُ العلماءِ ككلامِ الرسول، ولا كلامُ المحققينَ ككلامِ غيرهم.
والله تعالى أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تمَّ الشرْحُ صبيحةَ الجُمُعةِ الأولى مِن جمادى الأُولى
سنةَ ثمانينَ ومئةٍ وألْفٍ
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله
اللهم اغفر لكاتبه والمسلمين (1)
…
(1) جاء في خاتمة النسخة (أ): وقد وافق فراغه ليلةَ الأحد المبارك، الذي هو السادسُ والعشرون من شهر رجب الأصبِّ الأصمِّ على يد كاتبه الفقير إلى الملك الرحمن، محمد بن الرُّوبي رمضان، غفر الله له ولوالدِيه، وإخوانه ومحبيه.
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، آمين آمين
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم
وجاء في خاتمة النسخة (ب): وكان الفراغ من نسخه على يد العبد الفقير إلى الله تعالى، الشيخ رضوان بن السيد عثمان بن السيد عثمان، يوم الأحد المبارك اثني عشر من جمادى الأول من سنة (1272 هـ)، ألف ومئتين واثنين وسبعين من هجرة من له كمال العز والشرف.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم