المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الآداب ونحوها - ثمر الثمام شرح «غاية الإحكام في آداب الفهم والإفهام»

[محمد السنباوي الأمير]

الفصل: ‌باب الآداب ونحوها

‌بَابُ الْآدَابِ وَنَحْوِهَا

اِعْلَمْ: أَنَّ فَهْمَ الْمَعَانِي الَّتِي تَحْتَ الْأَلْفَاظِ يَتَوَقَّفُ عَلَى:

مَعْرِفَةِ مَوْضُوعَاتِ الْمُفْرَدَاتِ؟ لُغَةً، وَشَرْعاً، وَاصْطِلاحاً.

وَمَعْرِفَةِ الْعَامِلِ، وَكَمْ لَهُ مِنَ الْمَعْمُولَاتِ.

فَإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ كَلامٍ .. فَانْظُرْ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْ حَيْثُ: مَعْنَاهَا، وَكَوْنُهَا عَامِلَةً أَوْ مَعْمُولَةً.

فَإِنْ كَانَتْ عَامِلَةً .. بَحَثْتَ عَنْ مَعْمُولِهَا، فَإِنْ كَانَ مَحْذُوفاً .. نَظَرْتَ إِلَى الْحَالِ، فَهُوَ بِحَسَبِهِ.

وَقَدْ يُفْصَلُ بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ بِاعْتِرَاضٍ، أَوْ بِتَقْدِيمِ (1) الْمَعْفُولِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَزِيدِ التَأَمُّلِ.

وَقَدْ يَتِمُّ الْكَلَامُ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى، فَيُنْظَرُ:

(1) في نسخة الشارح (ص 110)(يتقدم) بدل (بتقديم).

ص: 63

فَإِنْ كَانَ فَسَادُهُ لَازِماً .. رُدَّ.

وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ كَلِمَةٍ أَوْ أَكْثَرَ .. قُدِّرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا.

وَإِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ أَكْثَرَ مِنْ مَعْنىً، وَبَعْضُهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ دُونَ غَيْرِهِ .. فَمَا لَا يَحْتَاجُ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ إِلَى أَقَلَّ مِنْ غَيْرِهِ.

وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكاً .. نَظَرْتَ لِمَعْنَاهُ وَاحِداً وَاحِداً، فَمَا كَانَ مُنَاسِباً لِلْمَعْنَى .. حَمَلْتَهُ عَلَيْهِ.

وَإذَا كَانَ كُلِّي (1)، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ جَمِيعَ الْأَفْرَادِ الْمَوْجُودَةِ فَقَطْ، أَوِ الْمَوْجُودَةِ وَالْمُقَدَّرَةِ، أَوْ فَرْداً غَيْرَ مُعَيَّنٍ .. فَلَا إِشْكَالَ.

وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ فَرْداً مَخْصُوصاً .. تُؤُمِّلَ الْمَعْنَى لِيَظْهَرَ، فَيُنْظَرُ فِي الْأَفْرَادِ فَرْداً فَرْداً، فَمَا يَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى .. فُسِّرَ اللَّفْظُ بِهِ.

(1) انظر (ص 113).

ص: 64

وَاعْلَمْ: أَنَّ التَّفْسِيرَ:

إِمَّا بِالْمُطَابِقِ، وَإِمَّا بِاللَاّزِمِ، وَإِمَّا بِالْمِثَالِ (1).

وَقَدْ يَفْسُدُ الْمَعْنَى بِبَعْضِ الْأَلْفَاظِ، لِاعْتِقَادِ كَوْنِهِ أَصْلِيّاً.

فَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ صِحَّتِهِ أَوْ فَسَادِهِ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَا يَأْتِي زَائِداً أَصْلاً .. فَالْمَعْنَى لَازِمُ الْفَسَادِ، وَإِلَاّ (2) .. فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ وَاللَّفْظُ زَائِدٌ.

وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ مَجَازاً .. نُظِرَ فِي هَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ مَعَانِي ذَلِكَ اللَّفْظِ، لِيُعْلَمَ الْمَعْنَى الْمُتَجَوَّزُ عَنْهُ، فَقَدْ يَكُونُ الْمُتَجَوَّزُ مَعْنَى حَقِيقِيّاً (3)، وَقَدْ يَكُونُ مَجَازِيّاً، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ كُلٌّ مِنَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ، وَقَدْ لَا يَتَعَيَّنُ.

وَالتَّعَيُّنُ إِمَّا: لِقَرِينَةٍ، أَوِ اتِّحَادِ الْمَعْنَى.

وَإِذَا كَانَ تَوَابِعُ .. فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَتْبُوعِهَا، وَلَا بُدَّ

(1) في نسخة الشارح (ص 114)(المثال) دون الباء.

(2)

في نسخة الشارح (ص 115)(أولا) بدل (وإلا).

(3)

في نسخة الشارح (ص 115)(فقد يكون المتجوز معنى حقيقيا).

ص: 65

مِنَ النَّظَرِ فِي كُلِّ جُمْلَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ فِي الْمُفْرَدَاتِ، لِيُعْلَمَ: أَيُّ الْجُمَلِ هِيَ.

وَقَدْ يَصْعُبُ فَهْمُ الْكَلامِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي اخْتِصَارِهِ، فَالَّذِي يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ مُطَالَعَةُ الْمَبْسُوطَاتِ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى مُطَالَعَةِ مُصَنَّفٍ أَوْ مُصَنَّفَيْنِ مَثَلاً، فَقَدْ يُهْمِلُ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ قُيُودَ الْمَسَائِلِ، فَلا بُدَّ مِنَ الْإِكثَارِ مِنْ مُطَالَعَةِ الْمُصَنَّفَاتِ الَّتِي لَا يَجْتَمِعُ مِثْلُهَا لِكَثْرَتِهَا عَلَى تَرْكِ شَىْءٍ مِنَ الْقُيُودِ، فَمَنِ اسْتَعْمَلَ هَذَا كُلَّهُ حِينَ الْمُطَالَعَةِ .. خَرَجَتْ لَهُ الْمَعَانِي الَّتِي تَحْتَ الْأَلفَاظِ طَائِعَةً.

وَأَمَّا إِخْرَاجُ النِّكَاتِ وَالدَّقَائِقِ الَّتِي يَتَنَافَسُ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، وَيَتَفَاوَتُ فِيهَا الْأَذْكِيَاءُ، وَيَتَسَابَقُ فِيهَا الْفُرْسَانُ، وَيُتَغَالَبُ بِهَا فِي الْمَيْدَانِ .. فَطَرِيقُهُ بَعْدَ الاِعْتِمَادِ عَلَى فَضْلِ اللهِ تَعَالَى: أَنْ يُكَرِّرَ إِخْطَارَ الْمَعْنَى فِي ذِهْنِهِ حَتَّى يَأْلَفَهُ، وَيُحَرِّكَ ذِهْنَهُ فِي الْمَعَانِي الْمُنَاسِبَةِ، وَيَنْظُرَ إِلَى السِّيَاقِ، وإِلَى مَجْمُوعِ الْجُمَلِ، وَصِفَاتِ الْمَعَانِي، كَالْإِبْهَامِ، وَتَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ، وَحَذْفِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَهُ الْعُلَمَاءُ.

ص: 66

وَإِذَا رَأَى كَلَامَيْنِ فِي مَسْأَلةٍ .. نَظَرَ: هَلْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ أَوْ لَا؟

وَرُبَّمَا كَانَ مَوْضُوعُ الْكَلَامَيْنَ مُخْتَلِفًا، لَكِنْ بَيْنَهُمَا قُرْبٌ، فَيَظُنُّ اتِّحَادَهُمَا، فَيَعْتَقِدُ تَنَافِيَ الْكَلَامَيْنِ (1).

وَرُبَّمَا اخْتَلَفَ مَسْأَلَتَانِ فِي الْوَاقِعِ مَوْضُوعاً وَحُكْماً، لَكِنْ بَيْنَ مَوْضُوعِهِمَا قُرْبٌ، فَيُعْتَقَدُ اتِّحَادُهُمَا فَيُشْرَكَانِ فِي الْحُكْمِ.

وَكَثْرَةُ إِخْطَارِ الْمَعْنَى بَعْدَ ظُهُورِهِ سَبَبٌ فِي سُرْعَةِ حُضُورِهِ بَعْدَ غَيْبَتِهِ عِنْدَ حُضُورِ مَا يُلَائِمُهُ أَوْ يُنَافِرُهُ.

وَإِذَا اشْتَرَكَ مَوْضُوعَانِ فِي جَامِعٍ وَاخْتَلَفَاَ فِي الْحُكْمِ .. نَظَرْتَ لِيَظْهَرَ لَكَ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا.

وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى فَهْمِ صَعْبِ الْمَسَائِلِ .. اِسْتِحْضَارُ الْأُصُولِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ مِنْهَا (2).

وَمِنْ عَادَةِ شَيْخِنَا - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى - إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَرِّرَ

(1) هذه العبارة ليست عند الشارح.

(2)

هذه العبارة ليست عند الشارح.

ص: 67

كَلَاماً صَعْباً أَنْ يَقُولَ: (أُقَدِّمُ لَكُمْ مُقَدِّمَةً) أَوْ: (هَذَا الْكَلَامُ لَا يَتَبَيَّنُ إِلَاّ بِتَقْدِيمِ مُقَدِّمَةٍ).

فَإِذَا فَهِمْتَ الْمَعَانِيَ وَأَرَدْتَ تَفْهِيمَ غَيْرِكَ:

فَآدَابُ ذَلِكَ أَنْ تُبيِّنَ الْمَعَانِيَ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ الْأَلْفَاظِ، ثُمَّ الْمَعَانِيَ الدَّقِيقَةَ بِمَا عَرَفْتَهُ مِنَ الآدَابِ، وَلَا تَتَّبِعَ الْأَقْوَالَ، فَمَنْ تَتَبَّعَهَا .. لَمْ يَأْتِ مِنْهُ فَائِدَةٌ.

وَأَمَّا أَنْوَاعُ الشُّرُوحِ:

فَأَحْسَنُهَا: مَا يَشْتَمِلُ عَلَى تَفْسِيرِ كُلِّ كَلِمَةٍ خَفِيَّةٍ عَقِبَهَا، وَضَبْطِ مَا يَخْفَى أَمْرُهُ، وَتَقْدِيرِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي مَكَانِهِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى سَبَبِهِ، وَإِعْرَابِ مَا يَخْفَى إِعْرَابُهُ، وَذِكْرِ الْعِلَلِ وَالْأَدِلَّةِ.

وَالتَّعْبِيرِ عَنِ الْمَعْنَى بِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ مِنَ الْمَشْرُوحِ، مُصدَّرَةً بِـ (نَحْوِ) وَ (الْمَعْنَى كَذَا) أَوْ (كَأَنَّهُ قَالَ كَذَا).

وَذِكْرِ الْإِيرَادَاتِ بِأَجْوِبَتِهَا إِنْ كَانَتْ، وَبَيَانِ الرَّاجِحِ أَوِ الأَرْجَحِ مِنَ الْقَوْلِ، أَوْ تَسَاوِيهَا (1).

(1) قوله: (من الأقوال

) ليست عند الشارح.

ص: 68

وَمِنْهَا: مَا لَا يَتَعَرَّضُ لِلْمَشْرُوحِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ (1) قَوْلَةً قَوْلَةً، وَيَأْتِي بَعْدَ كُلِّ قَوْلَةٍ بِكَلامٍ مُسْتَقِلٍّ يَفْهَمُ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ مَعْنَاهَا.

وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ، وَلَيْسَ غَرَضُنَا بَيَانَ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ وَلَا جَمِيعِ الآدَابِ.

وَلَكِنْ جُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ آدَابَ الْفَهْمِ: التَّدَبُّرُ وَالتَّأَمُّلُ، وَآدَابَ التَّفْهِيمِ: التَّفْكِيرُ وَالتَّذْكِيرُ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (2) الْآيَةَ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ بِقَلْبٍ وَاعٍ .. عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ، كَدَقَائِقِ الْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ، وَمَحَاسِنِ الآدَابِ وَالْأَخْلَاقِ، الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَاّ الْعَالِمُ بِكُلِّ طَوِيَّةٍ وَخَفِيَّةٍ، وَالْإِنْبَاءِ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ، وَكَبَلَاغَتِهِ وَنَظْمِهِ الْغَرِيبِ الْمُخَالِفِ لِسَائِرِ أَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي أَعْجَزَ الْفُصَحَاءَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، وَعَدَمِ اخْتِلَافِهِ مَعَ طُولِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

(1) في نسخة الشارح (يذكره) بدل (يذكر).

(2)

في نسخة الشارح (أفلا يتدبرون) فقط.

ص: 69

فَيُسْتَفَادُ بِالْقِيَاسِ: أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ تُدُبِّرَ وَتُؤُمِّلَ: اسْتُفِيدَ مِنْهُ عَلَى حَسَبِ التَّدَبُّرِ وَالتَّأَمُّلِ (1) وَالْكَلَامِ، فَلَيْسَ كَلَامُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَكَلَامِ اللهِ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ.

وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

(1) ليست كلمة (التأمل) عند الشارح

ص: 70

وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَتْنِ الْمُفِيدِ صُبْحَ يَوْمِ عَرَفَةَ تِسْعَةً مِنْ شَهرِ ذِي الحِجَّةِ خِتَامَ سَنَةِ (1179 هـ) أَلْفٍ وَمِئَةٍ وَتِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ.

غَفَرَ اللهُ تَعَالَى ذَنْبَ مُؤَلِّفِهِ وَمَشَايِخِهِ وَوَالِدَيْهِ، وَلِمَنْ قَرَأَهُ وَتَأَمَّلَهُ، وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِكَاتِبِهِ، بِجَاهِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.

وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

نُسِخَتْ فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ افْتِتَاحَ سَنَةِ (1180 هـ).

نُسْخَةٌ عَلَى يَدِ أَفْقَرِ الْعِبَادِ مُصْطَفَى سَلَامَةَ الْكَاتِبِ الْعَطَّارِ.

***

ص: 71