المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في ان القراءة هي المقروء وان الكتابه هي المكتوب - جزء فيه ذكر اعتقاد السلف في الحروف والأصوات

[النووي]

الفصل: ‌فصل: في ان القراءة هي المقروء وان الكتابه هي المكتوب

ولا يقال إضافة النداء إلى الله بطريق المجاز إذ هو الآمر كما يقال: نادى السلطان والمراد غيره، لأنا نقول: لا يجوز ذلك. لأن غير الله لا يمكنه أن يقول:"أنا الله، أنا الملك، أنا الديان. فيسقط هذا الخيال".

وروي أن الإمام أحمد بن حنبل سئل عن رجل قال: إن الله لا يتكلم بصوت ولم يكلم موسى بصوت.

فقال: هذا جهمي كافر عدو الله وعدو الإسلام أما سمع ما قال ابن مسعود"إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء. وهذا لا يقوله ابن مسعود بالاجتهاد من تلقاء نفسه.

وروي أن" موسى عليه السلام لما مضى بقبس النار، رأى ناراً تفور من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة، وإذا المنادي ينادي: يا موسى يا موسى. فأجاب استئناساً ببشر: لبيك لبيك! من أنت؟ فإني أسمع صوتك ولا أرى مكانك. فقال: يا موسى أنا ربك".

وروي أيضاً، أن بني إسرائيل قالوا لموسى: بم شبهت صوت ربك حين كلمك من هذا الخلق؟ قال شبهت صوته بصوت الرعد حين لا يترجع1.

وروي أن موسى حين رجع من مناجاة ربه استوحش من كلام الآدميين لما وجد من الأنس بكلام الله تعالى.

1 رواه عبد الله بن أحمد في"السنة"(542) و (1098) بإسناد ضعيف.

ص: 58

‌فصل: في ان القراءة هي المقروء وان الكتابه هي المكتوب

وإن كانت طريقتنا هذه التي سلكناها غير مفتقرة إلى شيء من ذلك، لكن إتباع المشايخ أولى

ص: 58

منها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:" من قرأ القرآن فأعربه، فله بكل حرف منه خمسين حسنة أما أني لا أقول: الم حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف "1.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:" لا يعذب الله قلباً وعى القرآن "2 وروي

عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك "3.

وروي عن ابن مسعود أنه قال:" تعاهدوا هذا القرآن فإنه أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقلها "4. وروي عنه أيضاً، أنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آية، فأثبتها في مصحفي، فلما كان الليلة، جئت أقرأها، فلم أقدر على قراءتها، فعدت إلى المصحف فوجدت مكان الآية أبيض، فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أما علمت أنها رفعت البارحة؟ "5.

1لم أقف عليه بهذا اللفظ، والروايات الأخرى بعضها عند الترمذي، والطبراني في"الأوسط" والبيهقي في"شعب الإيمان" ولا يصح منها شيء.

2 رواه البخاري في"خلق أفعال العباد"(ص:87) والدرامي (2319) وابن أبي شيبة (30079) و (34732) من حديث أبي أمامة.

قال الحافظ ابن حجر: وأخرج ابن أبي داود بإسناد صحيح عن أبي أمامة. فذكره."الفتح"(9/79) .

3 رواه أبو نعيم في"الحلية"(4/296) والبيهقي في"الشعب"(2119) وهو ضعيف لانقطاعه قال الحافظ ابن حجر: حديث علي"إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك" رواه أبو نعيم ووقفه ابن ماجه، ورواه أبو مسلم الكجي في"السنن"وأبو نعيم من حديث الوجهين وفي إسناده مندل وهو ضعيف."تلخيص الحبير"(1/70) .

4 رواه البخاري (5032) ومسلم (790) .

5 رواه الطحاوي في" مشكل الآثار"(2/418) .

ص: 59

وعنه أيضاً أنه قال:"اقرءوا القرآن قبل أن لا تقدروا على آية منه". قيل وكيف ذلك يابن مسعود ونحن نعلمه أبنائنا وأبناؤنا يعلمونه أبنائهم. قال: يسري عليه في ليلة واحدة فينسخ من صدور الرجال ومن المصاحف، فيصبح الناس كالبهائم لا يقدرون على آية منه"1.

وعن أبي هريرة أنه قال:"يسري على القرآن في ليلة واحدة، فلا يصبح في الأرض منه آية واحدة".

وفي حديث آخر:"يوشك أن يغضب الله لكتابه، فيسري عليه في ليلة فلا يبقى في قلب ولا ورقة

منه حرف واحد"2

وفي حديث آخر:"ليرفعن القرآن من صدور الرجال ومصاحفهن".

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يعرض نفسه في الموسم ويقول:" هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي "3.

وروي عنه، أنه قال:" لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن يناله

1 رواه البخاري في" خلق أفعال العباد"(367) والدرامي (3341) وابن جرير في"تفسيره"(15/158) وسعيد بن منصور (97) ونعيم في" الفتن"(1609) وابن أبي شيبة (30193) وعبد الرزاق (5980) والبيهقي" الكبرى"(1869) وابن المبارك في" الزهد"(803) والحميدي (368) بأسانيد ضعيفة.

2 رواه الطبراني في" الأوسط"(7541) وابن عساكر في"تاريخ دمشق"(62/44) .

قال الهيثمي: رواه الطبراني في" الأوسط" وفيه عيسى بن ميمون الواسطي وهو متروك وقد وثقه حماد بن سلمة."مجمع

الزوائد" (1/150) .

3 رواه أبو داود (4734) والترمذي (2925) وابن ماجه (201) والدرامي (3354) وأحمد (14770) والنسائي في"الكبرى"(7727) وابن أبي شيبة (8/447)، والطبراني في"الأوسط" (6847) والحاكم (4220) والبيهقي في"الشعب" (168) قال الترمذي: هذا حديث غريب صحيح.

ص: 60

العدو "1.

وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: ولم يذكر حبراً ولا ورقاً.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أدام النظر في المصحف متع في بصره ما بقي في الدنيا، وفضل القراءة في المصحف نظراً على قراءته ظهراً- أي حفظاً- كفضل الفريضة على النافلة ".

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من قرأ القرآن نظراً ختمه غرس الله له به في الجنة " الحديث بطوله.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:" خذوا القرآن عن أبي، وابن أم عبد- يعني: ابن مسعود- ومعاذ، وسالم "2.

وروى عطية بن قيس قال: ما تكلم العباد بكلام أحب إلى الله من كلامه-يعني: القرآن – ولا رفع إلى الله كلام أحب إليه من كلامه.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب "3.

يؤيد ذلك قوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا} [العنكبوت:49] .

فعلم بمجموع ما ذكرناه أن معتقد الصحابة والتابعين ما اعتقدنا ومذهبهم ما ذهبنا إليه ونصرناه.

1 رواه البخاري (2990) ومسلم (1869) .

2 رواه البخاري (3597) و (4713) ومسلم (2464) .

3 رواه الترمذي (2931) وأحمد (1947) والدرامي (3306) والحاكم (2037) وأبو نعيم في" الحلية"(9/232) والبيهقي في"الشعب"(1943) والضياء في"المختارة"(525) و (526) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 61

وقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، أنه قال:" لعن الله المشبهة والمعطلة. فقيل له: من المشبهة؟ قال: الذين يقولون يد كيدي وبصر كبصري".

ونقل عنه: أنه قال: من شبه الله بخلقه فهو كافر بالله العظيم.

وروي عنه أنه قال: مذهبنا بين مذهبين وهدى بين ضلالتين، إثبات الأسماء والصفات، مع نفي التشبيه والأدوات، لا نغالي في الصفات فنجعلها أجساماً فنشبه1 الله بخلقه تعالى عن ذلك علواً كبيراً، ولا نقصر فنمحوا2 عنه ما أثبته لنفسه بل نقول كما سمعنا، ونشهد بما علمنا.

قال النبي صلى الله عليه وسلم:" اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم "3 فالتشبيه زيغ وضلال، والتعطيل كفر وإبطال، والوقوف مع السلامة أسلم.

والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.

وروى يونس بن عبد الأعلى المصري4 عن إمامنا الشافعي رحمه الله، أنه قال: نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن ونثبت الصفات التي جاءت5 بها

1 في الأصل فتشبيه.

2 في الأصل: فيمحو.

3 رواه الدار مي (205) والمروزي في" السنة"(78) ووكيع في"الزهد"(215) والطبراني في" الكبير"(8770) والبيهقي في" الشعب"(2216) وفي" المدخل"(204) وأحمد في" الزهد"(162) وأبو خثيمة في"العلم"(54) موقوفاً. قلت صححه العلامة الألباني رحمه الله.

4 هو: يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص بن حيان، الإمام، شيخ الإسلام، أبو موسى الصدفي، المصري المقرئ الحافظ، أمه فليحة بنت أبان التجيبية، ولد سنة سبعين ومائة في ذي الحجة. قال يحيى بن حسان التنيسي: يونسكم هذا ركن من أركان الإسلام. توفي سنة (264هـ) ." سير أعلام النبلاء"(10/248-249) .

5 ليس بالأصل.

ص: 62

السنة، وننفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه فقال عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] فنحن نصف ولا نشبه. ونثبت ولا نجسم، ونعرف ولا نكيف. مذهبنا بين باطلين، وهدي بين ضلالتين، وسنة بين بدعتين وقد تفرد الله سبحانه وتعالى بحقائق صفاته ومعانيها عن العالم فنحن بها مؤمنون، وبحقائقها موقنون، وبمعرفة كيفيتها جاهلون.

فانظروا – رحمكم الله- إلى لفظ هذين الإمامين وكيف اتحدا واتفقا والتبري ما ورائه أحرى.

اعلم أن القراءة هي المقروء بدليل بحث لغوي مرجعه إلى أرباب اللغة. وقد جعلوهما بمعنى واحد.

قال ابن قتيبة1 في كتاب اللفظ: العرب تسمي القراءة قرآن قال الشاعر:

ضحوا بأشمط عنوان السجود به

يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا

أي: قراءة.

قال أبو عبيدة2: يقال قرأه قراءة وقرآناً بمعنى واحد يجعلهما مصدرين، قال الله تعالى:{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُود اً} [سورةالإسراء:78] وإذاكانتاالقراءة.

1 هو: ابن قتيبة، العلامة الكبير، ذو الفنون، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدنيوري، قيل: المروزي، الكاتب صاحب التصانيف.

نزل بغداد، وصنف وجمع، وبعد.

فمن تصانيفه: غريب القرآن، المعارف، مشكل القرآن، مشكل الحديث، أدب الكاتب. غيرها كثير. توفي سنة (276هـ)"السير"(10/625-626) .

2 هو: أبو عبيدة الإمام العلامة البحر، أبو عبيدة، معمر بن المثنى التيمي، مولاهم البصري، النحوي، صاحب التصانيف.

ولد في سنة عشر ومائة، في الليلة التي توفي فيها الحسن البصري، وتوفي سنة" 209أو210هـ""السير"(8/287) .

ص: 63

والقرآن بمعنى واحد، فيلزم التسليم.

وقد أجمعنا على أن كلام الله هو القرآن.

وأجمعنا على أن كلام الله غير مخلوق.

فيتعين أن تكون القراءة غير مخلوقة، وقد أجمع أهل العلم على أن من حلف: لا يتكلم بكلام الآدميين: فقرأ القرآن، لأنه لا يحنث، ولو علق به طلاق زوجته لا يقع.

وقد أطلق الله تعالى لفظ القرآن وأراد به القراءة في مواضع:

منها: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ} الآية [الإسراء:45]{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل:98] .

{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20]{فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس:94]{الرَّحْمَنُ *عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن:1-2]{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:18]{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:88] .

والمراد بالجميع القراءة.

وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خذوا القرآن عن أبي وعن ابن أم عبد "1.

وقوله صلى الله عليه وسلم:" أن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي "2.

1 تقدم.

2 رواه أبو داود (4734) والترمذي (2925) وابن ماجه (201) والدرامي (3232) وأحمد (14770) والنسائي" الكبرى"(7725) وابن أبي شيبة (8/447) والحاكم (4220) والطبراني" الأوسط"(6847) والبيهقي"الشعب"(168) قال الترمذي: هذا حديث غريب صحيح.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ص: 64

أي القراءة به والتلاوة.

وأما إن الكتابة هي المكتوب، ففي آيات منها قوله تعالى:{وَالطُّورِ*وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور:1-3]{كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً} [الإسراء:58]{كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام:7]{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة:77-78} .

يعني هو الكتابة، كما أخبر في صفة نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال:{يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ} [الأعراف:157] .

والمراد به الكتابة وهي المودوعة في المصاحف إلى يوم القيامة يتوارثها القراطيس وتتضمنها.

وقد ذكر ابن عرفة في" تاريخه" هذه الأبيات عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، يرثي بها النبي صلى الله عليه وسلم:

فقدنا الوحي مذ وليت عن

وودعنا من الله الكلام

سوى ما قد تركت لنا رهيناً

توارثه القراطيس الكرام

اًفقد أورثتنا قرآنمن الرحمن

عليك بها التحية والسلام

في أعلى الجنان صدق

من الفردوس طاب بها المقام

وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى*صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:18-19]{فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} [عبس:13] والمراد به الكتابة.

وروي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال:" إذا"1 سمعت من رجل يقول الاسم غير المسمى فاشهدوا عليه بالزندقة.

1 ليست بالأصل.

ص: 65