المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني - أسلوب الإنكار: - جهود أئمة الدعوة السلفية بنجد في التصدي للعنف والإرهاب من خلال الدعوة إلى فقه إنكار المنكر

[صالح بن عبد الله الفريح]

الفصل: ‌المطلب الثاني - أسلوب الإنكار:

‌المطلب الثاني - أسلوب الإنكار:

لا شك أن أسلوب إنكار المنكر مهم جدًا في قبول المخاطب لهذا الإنكار، إذ إن النفوس البشرية تميل إلى القول اللطيف والتعامل الحسن، ولذا جاء في كتاب الله تعالى الأمر بالإحسان عمومًا والإحسان في القول خصوصًا:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (1) ، {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (2) ، ومن أراد أن يغير المنكر بلفظ جاف وأسلوب غليظ؛ فإن احتمال نجاحه ضعيف للغاية، وليس سببًا مقبولًا أن يُعتذر بالمعصية على الغلظة إذ إن الإنكار للإصلاح وليس للعقاب.

ولقد بذل أئمة الدعوة السلفية بنجد جهودًا مباركة في بذل النصح والتوجيه للوصول إلى تطبيق أساليب الإنكار وفق ما جاءت به الشريعة، كما كان لهم دور كبير وفاعل في التصدي للانحرافات عن المنهج الرباني في ذلك، ولعل جهودهم تبرز من خلال ما يأتي:

1) تصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تدفع إلى استخدام الغلظة والعنف في الإنكار، ومن أبرزها:

أ - ارتكاب فاعل المنكر لما حرم الله، وصواب قول المُنْكِر.

ب - ظن بعضهم أن التلطف واللين من المداهنة في دين الله.

ج - اعتقاد أن الغلظة هي الأصل وبيان الأصل في الدعوة والحث عليه.

(1) سورة البقرة: آية (195) .

(2)

سورة البقرة: آية (83) .

ص: 46

وتفصيل ذلك في ما يأتي:

أ - قد يفهم بعض من تجاوزت الغيرة على محارم الله لديهم الحد المراد شرعًا، أن مجرد وقوع فاعل المنكر في معصية، وارتكابه للمنكر، وصواب ما يذهب إليه هو، مما يبيح له أن يعالج هذا الخطأ بأي شكل، ولو كان بالتعدي على فاعل المنكر بالسب أو الشتم أو الضرب، وهذا فهم خاطئ، لذلك نجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب يشير في معالجته لمثل هذا الأمر بقوله:". . . بعض أهل الدين ينكر منكرًا وهو مصيب؛ لكن يخطئ في تغليظ الأمر إلى شيء يوقع الفرقة بين الإخوان. . . "(1)، ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ عن فاعل المنكر:". . . ينبغي هجره وكراهته فهذا هو الذي يفعله المسلمون معه من غير تعنيف ولا سب ولا ضرب ويكفي في حقه إظهار الإنكار عليه وإنكار فعله. . . "(2) .

ب - ومن الخلل الذي عالجه أئمة الدعوة السلفية في هذه القضية ظن بعضهم أن التلطف والرفق بفاعل المنكر من المداهنة في دين الله وتقديم رضى الخلق على رضى الخالق جل وعلا، ولا شك أن هذا الفهم السقيم يدل على جهل صاحبه ويدفعه إلى انتهاج الغلظة والعنف مع كل عاصٍ ثم يصبح طبعًا له حتى مع كل مسلم.

(1) رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 25) .

(2)

رسالة له، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية:(4 / 409) .

ص: 47

ولقد كان لأئمة الدعوة السلفية دورهم ومخاطباتهم في معالجة هذا الفهم الخاطئ وتصويبه، من ذلك كلام نفيس للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ في بيان الفرق بين المداراة والمداهنة حيث يقول:" أما الفرق بين المداراة والمداهنة: فالمداهنة: ترك ما يجب لله من الغيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتغافل عن ذلك لغرض دنيوي وهوى نفساني. . . وأما المداراة: فهي درء الشر المفسد بالقول اللين وترك الغلظة. أو الإعراض عنه إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس. . . "(1) ، وبهذا يتجلى عن الفهم الخلل الملابس لهذه القضية.

(1) رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 35، 36) .

ص: 48

ج - ومن الخطأ في الفهم الظن بأن الغلظة هي الأصل وأنها كانت ديدنًا للرسول صلى الله عليه وسلم أخذًا من قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (1)، ويوضح هذا المعنى الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ بقوله:". . . فإن هذا يصار إليه إذا تعينت الغلظة ولم يجد اللين كما هو ظاهر مستبين، كما قيل آخر الطب الكي، وهو أيضًا مع القدرة ويشترط أن لا يترتب عليه مفسدة. . . ثم إن الآية آية الغلظة مدنية بعد تمكن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الجهاد باليد وظهور الاستمرار على الكفر من أعدائهم فوقعت الغلظة في مركزها حيث لم ينفع اللين "(2)، ويقول واصفًا حال الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته للمشركين:". . . فمكث على ذلك يدعو ويذكر ويعظ وينذر مع غاية اللطف واللين فتارة يكني المخاطبين، وطورًا يأتي نادي المتقدمين أو المترأسين، وحينًا يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. وناهيك بخلق مدحه القرآن وأثنى على حلمه في الدعوة البيان. . . "(3) ، ويؤكد هذا المعنى بضرب مثال في عصر الصحابة لرجل منهم كان له أكبر الأثر في دعوة الناس وهدايتهم وهو من

(1) سورة التوبة: آية (73) .

(2)

رسالة له، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية:(3 / 187) .

(3)

رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 187) .

ص: 49

ألطف الناس أسلوبًا وأرقهم عبارة وهو الصديق رضي الله عنه وفي مقابله ما لقيه بعض الصحابة من عتب الرسول صلى الله عليه وسلم لما شقوا على الناس، ومقصدهم حسن ونيتهم صالحة فيقول:". . . وكان الصديق أكمل الناس ولذلك أسلم على يده وانتفع به أمم كثير بخلاف غيره فقد قيل لبعضهم إن منكم منفرين. . . "(1) ، ويعد الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ أن الجهاد بالحجة والبيان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان (2) .

والمتأمل للغاية من الدعوة ومقاصد الشريعة يدرك أن القصد هو تحصيل المصالح ودرء المفاسد، وهذا يحتاج إلى نظر وتحقق للوصول إليها بالوسائل الصحيحة، ومن أهمل ذلك أو ضيعه فجنايته على الناس وعلى الشرع أعظم جناية (3) .

2) بيان الانحرافات في أساليب إنكار المنكرات التي وقع فيها بعض الناس والتحذير منها:

(1) رسالة له، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية:(3 / 188) .

(2)

انظر: رسالة له، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية:(3 / 128) .

(3)

انظر: رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 32) .

ص: 50

تغيير المنكر والنهي عنه لا بد أن يتقيد بالشرع ولا يتجاوزه بحال؛ لأن المتجاوز لما شرع الله يشرع لنفسه وهذا أمر محرم، بل يجب على المسلم أن يكون وقافًا عند حدود الله لا يتعداها:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (1) ، وأساليب إنكار المنكر جاءت وفق قواعد عامة وضحها أئمة الدعوة السلفية بنجد فلا يجوز بحال مخالفتها وإلا كان ضرر الفعل عظيمًا، يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ في بيان ذلك والتحذير من تجاوزه:". . . والقصد من التشريع والأوامر تحصيل المصالح ودرء المفاسد حسب الإمكان وقد لا يمكن إلا مع ارتكاب أخف الضررين أو تفويت أدنى المصلحتين واعتبار الأشخاص والأزمان والأحوال أصل كبير فمن أهمله وضيعه فجنايته على الشرع والناس أعظم جناية. وقد قرر العلماء هذه الكليات والجزئيات وفصلوا الآداب الشرعيات فمن أراد أن ينصب نفسه في مقام الدعوة فليتعلم أولًا وليزاحم ركب العلماء قبل أن يرأس فيدعو بحجة ودليل ويدري كيف السير في ذلك السبيل، فإن الصبابة لا يعرفها إلا من يعانيها والعلوم لا يدريها إلا من أخذها عن أهلها وصحب راويها. . . "(2) .

(1) سورة البقرة: آية (229) .

(2)

رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 188) .

ص: 51

ولم يكتف أئمة الدعوة السلفية بنجد بتأصيل هذه القضية؛ بل كانوا يتابعون ما يقع على الساحة الدعوية فينبهون على الأخطاء، ويحذرون من الزلات، ويوضحون منهج السلف الصالح في الدعوة والإنكار، ولعل من أبرز توجيهاتهم في التصدي للعنف والإرهاب في أساليب الإنكار ما يأتي:

أ) تصديهم للتجاوز في استخدام أسلوب الهجر: والمراد من الهجر هو هجر فاعل المنكر وعدم الحديث معه والسلام عليه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك (1) .

(1) صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري:(3 / 151) ، كتاب المغازي (64) ، باب حديث كعب بن مالك (80) ، د ط، دار الفكر.

ص: 52

ولقد كان أئمة الدعوة السلفية يؤكدون أن هذا الأسلوب ليس كما يعتقده بعضهم أمرًا هينًا؛ فيهجر من خالفه بالرأي، أولم يقبل منه، إذ هو يحتاج إلى فقه وبصيرة وفي ذلك يقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ:" وهجران أهل المعاصي يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يستقيم إلا بالبصيرة والمعرفة التامة. . . "(1)، ويوضحون أن الهجر شرع لحكمة عظيمة وهي التأديب والتعزير وفي ذلك يقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ عبد الله العنقري:". . . والهجر إنما شرع تأديبًا وتعزيرًا بترك السلام عليه وعدم تعليمه حتى يتراجع عن معصيته. . . "(2) .

(1) رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 41) .

(2)

رسالة لهما، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 299) .

ص: 53

ومن الأمور المهمة في هذا الباب التي كان أئمة الدعوة السلفية يؤكدون عليها الموازنة بين مصلحة الهجر ومفسدته فيقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: " والهجر إنما شرع لما فيه من المصلحة وردع المبطل، فإذا انتفى ذلك وصار فيه مفسدة راجحة فلا يشرع. . . "(1) . ويقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ عبد الله العنقري: ". . . المجاهر بالمعاصي يشرع هجره سواء كان من أهل البادية أو الحاضرة إذا كان فيه مصلحة راجحة ولم يترتب عليه مفسدة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح "(2) .

والهجر إذا طبق من غير فقه ولا بصيرة فقد تكون مفسدته أعظم وأكبر، يقول الشيخ عمر بن سليم في هذا:". . . ومن الأمور التي أدخلها الشيطان على بعض الناس - لينال بها مقصوده من إغوائهم وتفريق كلمتهم وإلقاء البغضاء بينهم التي هي الحالقة أي حالقة الدين- ما حملهم عليه من التهاجر على غير سبب يوجب ذلك؛ بل بمجرد الرأي المخالف للكتاب والسنة وهذا ينافي ما عقده الله بين المسلمين من الأخوة الإسلامية التي توجب التواصل والتراحم والتواد والتعاطف. . . "(3) .

(1) رسالة له، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية:(3 / 128) .

(2)

رسالة لهما، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 396) .

(3)

رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 316) .

ص: 54

ب) التشنيع على ولاة الأمر في المجالس والمجامع حيث يعده من يفعله من الإنكار، ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى تأمل ونظر، وقد تصدّى أئمة الدعوة السلفية لهذا الأسلوب الخاطئ، وبينوا أن التشنيع على ولاة الأمور في المجالس ومجامع الناس واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد مخالف لما كان عليه السلف الصالح، وهذا الفعل ظاهر البطلان من آثاره المترتبة عليه، فهو لا يزيل منكرًا، ولكنه يؤجج الكره والبغض في قلوب العامة لولاة أمرهم، وفي قلوب الولاة على من فعله أو وافق عليه، ويوضحون في مقابل هذا المنهج والطريق الصحيح للإنكار وفي ذلك يقول الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ: ". . . وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش وجهل ظاهر لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا كما يعرف ذلك من نور الله قلبه، وعرف طريقة

ص: 55

السلف الصالح وأئمة الدين. . . " (1) ، ويوضح الشيخ محمد بن عبد الوهاب المنهج الصحيح في الإنكار على ولاة الأمر تفصيلًا حتى لا يدع مجالًا لدخول المفسدين في ذلك حيث يقول: ". . . والجامع لهذا كله أنه إذا صدر المنكر من أمير أو غيره؛ أن يُنصح برفق خُفية ما يشرف عليه أحد، فإن وافق وإلا استلحق عليه رجالًا يقبل منهم بخُفية، فإن ما فعل فيمكن الإنكار ظاهرًا إلا إن كان على أمير نصحه ولا وافق، واستلحق عليه ولا وافق، فيرفع الأمر إلينا خفية، وهذا الكتاب كل أهل بلد ينسخون منه نسخة ويجعلونها عندهم. . . " (2) .

ج) ومن الأساليب المنحرفة في هذا الباب ما يستخدمه بعضهم من الاجتماع لأجل الإنكار بشكل ظاهر ودون خفاء، وهذا مخالف لما كان عليه السلف الصالح يقول الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل (3) :". . . وإعمال المطى بين الإخوان واجتماعهم لأجل إنكار المنكر ظاهرًا مخالف لما كان عليه أهل السنة والجماعة من العلماء ولما كان عليه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. . . "(4) ، وهذا لا شك أنه نهج محدث يقع منه ضرر كبير قد يكون بداية لفتنة عمياء ولأجل ذلك جاء التحذير منه.

(1) رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 290) .

(2)

رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 25، 26) .

(3)

هو الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن سعود، استطاع أن يسترد حكم آبائه عام تسعة عشر وثلاثمائة وألف للهجرة، وبه عاد للدعوة السلفية قوتها ومجدها، توفي رحمه الله عام ثلاثة وسبعين وثلاثمائة وألف للهجرة. نجد وملحقاتها وسيرة الملك عبد العزيز، أمين الريحاني:(105) ، ط4، 1972م، دار الريحاني، بيروت.

(4)

رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 307) .

ص: 56

د) استعمال العنف سواء باللفظ كالسب والشتم، أو بالفعل كالضرب، وقد جاءت التوجيهات متوالية من أئمة الدعوة السلفية؛ في بيان المنهج الصحيح في الإنكار والتصدي لهذا النهج والتحذير منه، لما له من آثار مفسدة من أهمها الفرقة التي يحدثها بين الإخوان، يقول الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب:". . . بعض أهل الدين ينكر منكرًا وهو مصيب لكن يخطئ في تغليظ الأمر إلى شيء يوقع الفرقة بين الإخوان. . . "(1) .

(1) رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 25) .

ص: 57

والأصل أن لا يكون الإنكار بشيء من العنف أو السب أو الشتم أو الضرب بل يكفي إظهار الإنكار عليه، والمعصية إذا وجدت أُنكرت على من فعلها أو رضيها إذا اطلع عليها (1)، يقول الشيخ سعد بن حمد بن عتيق في التحذير مما وقع فيه بعض المتشددين:". . . ومن ذلك ما التزموه وألزموا به غيرهم من أعراب المسلمين من ترك سكنى البادية والتزام الحضر وإنشاء العمران والبنيان، والتشديد في أمر العمائم والعدوان على كثير من أهل الإسلام والتوحيد بالضرب الشديد والهجر والتهديد إلى غير ذلك من الأمور التي خرجوا بها عن حكم العقل والعدل والإنصاف، وانتظموا بها في سلك أهل الجهل والظلم والاعتساف، وهم مع ذلك يحسبون أنهم مهتدون ويزعمون أنهم مصلحون. . . "(2)، ويقول الشيخ عمر بن سليم في هذا: ". . . ومن كيد الشيطان ما زينه لبعض الناس من الاستطالة على الناس بالضرب والتعنيف والكلام السيئ والتوعد للناس، وتعيير الناس وعيبهم، والطعن عليهم، وأدخل عليهم أن ذلك من باب الأمر بالمعروف وإنكار المنكر، وهذه الأفعال من أعظم المنكرات، واستحلالها واعتقاد أنها من الدين أكبر من فعلها، وهؤلاء لم يفهموا إنكار المنكر الذي جاءت به الشريعة فإن

(1) انظر: رسالة للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية:(4 / 409) .

(2)

رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 302) .

ص: 58

إنكار المنكر إزالة المنكر لا ضرب فاعله. . . " (1) .

3) التأكيد المتكرر من أئمة الدعوة السلفية على وجوب الرفق في إنكار المنكر والدعوة إلى الله عمومًا، وأن هذا هو النهج الأمثل والأصوب الذي سار عليه السلف الصالح، حيث يؤكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على أن الإنكار لا بد أن يكون برفق ولطف وبصورة خفية بين فاعل المنكر والمنكر عليه (2)، ويؤكد على ذلك الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ في رسالة إلى بعض طلبة العلم حيث يوصيهم بالدعوة إلى الله - تعالى - مؤكدًا على استخدام اللطف واللين مع المدعوين فيقول:". . . والذي أرى لكم في هذه الخلطة الصبر على مقام الدعوة والتلطف بالإبلاغ عن نبيكم. . . "(3)، وهذا منهج عام في الدعوة لديهم فهذا الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ يرسخه لدى الدعاة والناس في وقته فيقول:". . . ينبغي لمن قصده الخير والدعوة إلى الله تعالى التوقع في الأمور والتثبت وعدم الطيش والعجلة والحرص على الرفق والملاطفة في الدعوة فإن في ذلك خيرًا كثيرًا. . . "(4) .

(1) رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 317) .

(2)

رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 25) .

(3)

رسالة له، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية:(3 / 185) .

(4)

رسالة له، ضمن الدرر السنية في الأجوبة النجدية:(7 / 41) .

ص: 59