المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: (ورتب الحمد عليه) أي على النفي لهذه بأن جعله - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٦

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: قوله: (ورتب الحمد عليه) أي على النفي لهذه بأن جعله

قوله: (ورتب الحمد عليه) أي على النفي لهذه بأن جعله محموداً عليه وهو دفع لسؤال كما في الكشاف وهو أنّ الحمد يكون على الجميل الاختياري وبه وما ذكر من الصفات العدمية ليس كذلك فالمقام مقام التنزبه لا مقام الحمد، وقوله: لأنه كامل الذات الخ بيان لدفعه وحاصله أنه يدل على نفي الإمكان المقتضي للاحتياج واثبات أنه الواجب الوجود لذاته الغنيّ عما سواه المحتاج إليه ما عداه فهو الجواد المعطى لكل قابل ما يستحق فهو المستحق للحمد دون غيره، وقيل: نفي هذه الصفات التي هي ذرائع لمنع المعروف لأنّ الولد مبخلة، والشريك مانع من التصرّف كيف شاء والاحتياج إلى المعين أظهر رديف لإثبات أضمدادها على الكناية وهو وجه حسن ولو حمل الكلام على ظاهره لكان له وجه لأنّ قول القائل الحمد لله ينبئ عن أنّ الألوهية تقتضي الحمد، فإذا قلت الحمد لله المنزه عن النقائص مثلا يكون مقويا لمعنى الألوهية المفهومة من الجلالة فيكون وصفاً مؤيداً لاستحقاقه الحمد من غير نظر إلى مدخلية الوصف في الحمد اسنقلالاً وهذا معنى مكشوف لكنهم حاولوا الدلالة على مكان الفائدة الزائدة يعني أنه دال على الاستحقاق الذاتيّ، وأفاد الطيبي رحمه الله أنّ في الآية تقسيما حاصراً لأنّ المانع من الإيتاء إمّا فوقه أو دونه أو مثله فنفى الكل على الترقي، وهو معنى بديع فقول المصنف: لأنه كامل الذات معلوم من الجلالة وكونه لا ولد له ولا معين فهو تنبيه على الاستحقاق الذاتي، وقوله: المنفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق من كونه لا شريك له في الملك فهو الموجد له المتصرّف فيه فكل ما فيه من نعمة ومنعم عليه، فهو له وهو الفياض! المطلق بلا عوض! ولا غرض إذ لا احتياج له وهذا يفهم منه بطريق الكناية، وقد قصد معناه الحقيقي أيضا إذ هي لا تنافيه فهذا إشارة إلى الاستحقاق الثاني، وقوله: مملوك نعمة من إضافة الصفة للموصوف أي ما عداه ناقص لأنه إمّا نفس النعمة المملوكة له المسندة إليه أو منعم عليه، وقوله: ولذلك، أي لكونه كاملاً وما عداه ناقص استحق التكبير أي التعظيم فلذا عطف عليه قوله: وكبره تكبيراً. قوله: (وفيه) أي في قوله: وكبره تكبيراً أمراً له بتعظيم الله أي تعظيما مؤكداً بالمصدر المنكر من غير تعيين لما يعظمه به إشارة إلى أنه مما لا تسعه العبارة، ولا تفي به القوّة البشرية، دمان بالغ في التنزيه بما مرّ والتحميد بحمده، واجتهد في العبادة المفهومة من ذكر الصلاة قبله فلم

يبق إلا الوقوف بأقدام المذلة في حضيض القصور. قوله: (روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ) الآية هي قوله: الحمد دلّه الخ وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهما، وقوله: أفصح أي أنطق لسانه بالكلام وفهم ما يلقى إليه، وقوله: من قرأ الخ حديث موضوع، وقوله: فرق قلبه أي حزن عليهما وتأسف، وقوله: كان له قنطار أي من الثواب، وقوله: والقنطار الخ هو من جملة الحديث، وذكره الواحديّ دون قوله: ومائتا أوقية وفيه الأوقية منها خير من الدنيا وما فيها والله أعلم، تمت السورة بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

سورة‌

‌ الكهف

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (مكية وقيل إلا قوله الخ (وفي الإتقان أنها مدنية من أوّلها إلى قوله: جرزا، وقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} [سورة الكهف، الآية: 28] الآية {وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} إلى آخر السورة، واختار الداني أنها مكية كلها وفي عددها خلاف عند الداني فقيل مائة وعشرة وقيل إحدى عشرة ولما ختم السورة التي قبلها بما هو ظاهر في الحمد الذاتي على ما مر عن صاحب الكشف افتتح هذه بما يدلّ على الحمد واستحقاقه له الغير الذاتيئ تتميماً للاستحقاقين وفسر الكتاب بالقرآن إشارة إلى أن تعريفه للعهد. قوله: (رتب استحقاق الحمد) إشارة إلى أن اللام هنا للاستحقاق وهو أحد معانيها كما ذكره النحاة قاطبة ووجه ترتبه عليه وان كان مؤخراً في الذكر أن الوصف بشيء بعد إثبات حكم يقتضي عليته ويقتضي تقدمه في التصوّر والرتبة وقد مر مثله. قوله: (تنبيهاً على أنه أعظم نعمائه (أعظميته باعتبار ما ذكره من أنه الهادي الخ ولا شيء في معناه أعظم منه

ص: 70

والكلام هنا في إرشاد العباد، وبيان طرق السداد، فاقتضى تخصيصه بالذكر ولكل مقام مقال فلا حاجة بعد ما بين المصنف رحمه الله مراده إلى أن يقال: إن المعنى أنه من أعظم نعمائه أو أنه أفضل من وجه فإنّ إرسال محمد صلى الله عليه وسلم وخلق الاهتداء كذلك والا لزم ترجيح أحد المتساويين أو ترجيح المرجوج، وما قيل إنّ المعنى أنه كذلك في نفسه لا أنه أعظم من غيره من النعم فيتعارض مع ما يترتب على الحمد سواه في السور الأخر وأنّ نعمة الإنزال تتضمن نعمة الإسلام وارسال الرسول صلى الله عليه وسلم من ضيق العطن، وفي ذكره بعنوان العبودية تنبيه على عظمة المنزل والمنزل عليه، كما يدلّ عليه الإضافة الاختصاصية، وقد سبق تحقيقه في سورة الإسراء. قوله: (شيئاً من العوج (أي عوجا ما وهو مأخوذ من وقوع النكرة في سياق النفي، والعوج هنا معنوي وهو إمّا في اللفظ أو في المعنى وعوج اللفظ اختلاله في الإعراب ومخالفة الفصاحة، والمعنى تناقضه وكونه مشتملا على ما ليس بحق أو داعيا لغير الله، وفي تعبيره بالانحراف مبالغة إذ لم ينحرف إليه فضلا عن الاشتمال عليه. قوله: (وهو (أي العوج بكسر العين وفتح الواو لأنه المذكور في النظم الذي فسره وهو مبتدأ خبره قوله: كالعوج أي

بفتحتين ولذا أظهره، وفي المعاني وفي الأعيان حالان أو قوله: في المعاني خبره يعني أنّ المكسور يكون فيما لا يدرك بالبصر بل بالبصيرة والمفتوج فيما يدرك به ولا يرد عليه قوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا} [سورة طه، الآية: 07 ا] أي في الأرض، مع أن عوجها يدرك بالبصر، ولذا ذهب ابن السكيت إلى أنّ المكسور أعم من المفتوج كما سيأتي تفصيله ثمة لأنّ عوج الأرض الواسعة لما كان يعرف بالمساحة كان مدركا بالبصيرة فلذا أطلق عليه. قوله:(مستقيماً) تفسير له بحسب اللغة، وقوله: معتدلاً لا إفراط فيه، ولا تفريط أي في الكتاب الموصوف به وفسره به ليغاير ما قبله إذ معناه لا خلل في لفظه ولا في معناه، وبعد كون معناه حقا صحيحا لا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف حتى يشق على العباد ولا تفريط فيه بإهماله ما يحتاج إليه حتى يحتاج إلى كتاب آخر، كما قال: ما فرّطنا في الكتاب من شيء، ولذا كان آخر الكتب المنزل على خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام وعدل عما في الكشاف من أنه توكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو عن أدنى عوج عند السبر والتصفح لأنه مع كون التأسيس أولى أو رد عليه أنّ ما ذكره إنما يصحح ذكر النفي عقب الإثبات حتى يزيل ما يتوهم من بقاء شيء منه وأمّا على تفسيره فلا حاجة إلى ذكره دون العكس فكان عليه أن يقتصر على أنّ فائدته التوكيد، ودفع بأنّ فائدته أن لا يتوهم أن له عوجا ذاتيا لا بالجعل بأن تنفر عنه الطباع السليمة لصفة ذاتية، ورد بأنه حينئذ يكون تأسيسا لا توكيداً وقال بعض فضلاء العصر أنّ الإيراد ناشئ من عدم فهم المراد، فإن مراد العلامة أنّ نفي العوج وذكر الاستقامة والجمع بينهما وهما كالمترادفين كما يدلّ عليه كلامه عند التأمّل يفيد التاكيد لا أن أحدهما بعينه مفيد له وليس مراده أنّ نفي العوج يؤكد الاستقامة حتى يرد ما ذكر وليس بشيء لأنّ مراده أنّ نفي شيء ما من العوج هو المؤكد للاستقامة المزيل للتوهم فكان ينبغي تأخيره وانكاره مكابرة لكنه مدفوع بما ستراه إن شاء الله تعالى. قوله:(أو قيماً بمصالح العباد الخ (عطف على قوله: مستقيما وأعاد قيما ليظهر تعلق الجار والمجرور المقدر في النظم به، ولم يعده فيما بعده لظهوره، والقيام يتعدى بالباء كقولهم: فلان قيم بهذا الأمر وبعلى كما في قوله: أفمن هو قائم على كل نفس واليهما أشار المصنف في الوجهين ومعنى قيامه بمصالحهم تكفله بها وبيانها لهم لاشتماله على ما ينتظم به المعاس والمعاد فهو وصف له بأنه مكمل لهم بعد وصفه بأنه كامل في نفسه بقوله: ولم يجعل له عوجا على ما مرّ من تفسير. وقوله: أو على الكتب الخ فهو بمعنى شاهد بصحتها، والحاصل أنه ذكر لقيماً ثلاثة معان في الأوّل منها: ليس له متعلق مقدّر وعلى الأخيرين له متعلق مقدّر إمّا بالباء أو بعلى وهو على الكل تأسيس لا تأكيد كما مرّ. قوله: (ثقديره جعله قيماً) على أنه جملة مستأنفة ولم يقدره وجعله بالعطف على ما قبله كما

قيل لأنّ حذف حرف العطف مع المعطوف تكلف وقوله أو على الحال من الضمير في له هذا ما اختاره

ص: 71

أبو البقاء وفيه وجوه أخر مفصلة في الدر المصون ولا يرد عليه ما في الكشف من أنه ركيك إذ المعنى حينئذ ولم يجعل له عوجاً حال كونه مستقيما بناء على ما فسره به المصنف رحمه الله، إذ محصله أنه صانه عن الخلل في اللفظ والمعنى حال كونه لا إفراط فيه ولا تفريط وقس عليه الوجهين الآخرين، نعم: ما في الكشف بناء على ما فسره الزمخشري فدفعه كما في الدر المصون أنه حال مؤكدة كما في قوله: وليتم مدبرين وتبعه بعض المتأخرين، فلا وجه لما قيل إنه لا حاجة إليه، وقد قيل عليه أيضا أن التأكيد يفيد أصل الصحة، وأمّا دفع الركاكة بالكلية فالإنصاف أنه لا يفيده إذ الذوق يشهد بأن قولك:{وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} إسورة الكهف، الآية: ا] حالة كونه مستقيما ركيك والتأكيد لا يكسوه حسنا يليق بالبلاغة القرآنية، وفيه بحث. قوله:(على أنّ الواو في ولم يجعل للحال) يعني على تقدير كونه حالاً من الكتاب لما يلزمه من الفصل بين أبعاض المعطوف عليه بالمعطوف لأنّ الحال على هذا بمنزلة جزء منها، وقريب منه ما قيل إنه عطف على الصلة قبل تمامها وفي المغني أنّ قياس قول الفارسي في الخبر أنه لا يتعدد مختلفا بالإفراد والجملة أن يكون الحال كذلك فعلى هذا ينبغي أن الواو للاعتراض وهو غير وارد إذ ما ذكره الفارسيّ خلاف مذهب الجمهور مع أنه قياس مع الفارق، فلا يسمع وجعل الواو بعضاً منها لأنه قيد لها من متمماتها ولم يقل إبعاض! الصلة كما في الكشاف إشارة إلى عدم الاختصاص بها. قوله:(ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير) من جعله في نية التأخير كالواحدي وابن عطية والطبريّ جعل قوله: ولم يجعل له عوجا اعتراضا لا حالاً كما يوهمه كلام المصنف رحمه الله وارتضاه في البحر، ورواه الطبرفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإن قلت إذا كان هذا منقولاً عن ابن عباس وناهيك به جلالة ومعرفة بدقائق اللسان فما وجهه، قلت: ذكر السمين في غير هذه السورة أن ابن عباس حيث وقعت جملة معترضة في النظم بجعلها مقدمة من تأخير، ووجهه أنها وقعت بين لفظين مرتبطين فهي في قوّة الخروج من بينهما فلما كان قيما يفيد استقامة ذاتية أو تابعة لكونه صفة مشبهة أو صيغة مبالغة وما من شيء كذلك إلا وقد يتوهم فيه أدنى عوج ذكر قوله: ولم يجعل الخ للاحتراس وقدم للاهتمام كما في قوله:

ألا يا أسلمي يا دارميّ على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر

فالدعاء لها بالسلامة من عيب الغيث أو لا أحسن من قوله:

فسقي ديارك غيرمفسدها صوب الحياء وديمة تهمي

كما أفاده العسكريّ من متقدّمي علماء البلاغة، فلا يرد قول الرأزي: ولم يجعل له عوجا يدل على كونه مكملاً في ذاته، وقوله: قيما يدل على كونه مكملاً لغيره فثبت بالبرهان العقلي أنّ الترتيب الصحيح كما ذكره الله تعالى، وان ما ذكروه من التقديم والتأخير فاسد يمتنع العقل

من الذهاب إليه. قوله: (وقرئ قيماً) أي بكسر القاف وفتح الياء المخففة وهي قراءة أبان بن تغلب وقد تقدم تفصيل الكلام فيها، وقوله: فحذف المفعول الأوّل اكتفاء بدلالة القرينة أي بمقابلته بالذين آمنوا، وأورد عليه أنّ مقابلته بالمؤمنين الصالحين يقتضي شموله للعصاة، لكن كون المراد من البأس الشديد العذاب الذي بلغ الغاية يقتضي تخصيصه بالكافرين وتبعه بعض المتأخرين لكنه قال: لا اقتضاء لما ذكر للتخصيص إذ كل عذاب دلّه شديد، وتعقبه بعضهم بأن المراد بالبأس الشديد العذاب البالغ إلى الغاية وهو مخصوصى جالكظ ر وهو مصادرة) وعندي) أنّ هذا من عدم الوقوف على مراده فإنه ليس في كلامه ما يدل على أنه أشد العذاب فالظاهر أن الث! يخين إنما اختارا هذا بناء على أن المهتم من نزول الكتاب هو الإنذار بعذاب الله بقطع النظر عن المنذر وأنه لتحقق عذابه وهلاكه ليس بشيء يذكر، ولذا قال: اقتصاراً دون اختصاراً وأن المراد بالقرينة التصريح بإنذار المشركين المنكرين للكتاب وانزاله كما صرّج به في الكشاف لا ما يقابلهم كما فهموه، فلا يكون تكرارا بل احتباكا بديعا، ولذا حسن عطفه فإن ذكرهم بعد الامتنان بإنزال القرآن يقتضي ذكر من آمن به ومن لم يؤمن تنصيصا وانّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات صفة مادحة لهم فتدبر. قوله:

ص: 72

(صادرا من عنده (إشارة إلى أنه صفة وأن لدن بمعنى عند وان فرق بينهما، وقوله: إسكان الباء من سبع بالنصب على المصدرية أي كإسكان الباء المضمومة من سبع للتخفيف كما يسكن ما كان على فعل كذلك كعضد وهو مطرد. قوله: (مع الإشمام ليدل على أصله) أي مع إشمام الدال فقط ولذا أخره عن المثال فمن قال فيهما لم يصب، وهذا ما قرّره القراء لكن استشكله في الدر المصون وغيره بأنّ الإشمام وهو الإشارة إلى الحركة بضم الشفتين مع انفراج بينهما إنما يتحقق في الوقف على الآخر، كما قرّره النحاة وكونه في الوسط كما هنا لا يتصوّر، ولذا قيل: إنه يؤتى به هنا بعد الوقف على الهاء، ودفع الاعتراض! بأنه لا يدل حينئذ على حركة الدال بأنه متعين إذ ليس في الكلمة ما يصلح أن يشار إلى حركته غيرها ولا يخفى ما فيه والذي يحسم مادة الأشكال ما مر في سورة يوسف من أن الإشمام له معان أربعة: منها تضعيف الصوت بالحركة الفاصلة بين الحرفين فهو إخفاء لها، وقال الداني أنه هو المراد هنا، وهو الصواب وبه صرّج ابن جني في المحتسب، والعجب من المعرب أنه بعد ما نقله ثمة قال هنا ما قال، وهو مراد شراح الشاطبية كالجعبرفي وغيره، فمن قال إنها قراءة متواترة نقلها الجعبري وغيره فلا وجه لإنكارها لم يأت بشيء مع أن التحقيق أن الأداء غير متواتر وهذا مما لا مرية فيه، وبهذا علم ما في كلام المصنف رحمه الله فتدبر. قوله:(وكسر النون) بالجز معطوف على إسكان الدال وكذا ما بعده، والحاصل أنّ أبا بكر عن

عاصم قرأ بسكون الدال والإشمام كما مرّ تحقيقه، والباقون بضم الدال ويسكنون ويضمون الهاء على تواعدهم فيها فابن كثير يصلها بواو وغيره لا يصلها، ووجه قراءة أبي بكر أنه كسر النون لالتقاء شبه الساكنين. قوله:(هو الجنة) إنما فسره بها لقوله: ماكثين فيه ولوقوعه في مقابلة العذاب ولما فيها من ال! نعيم ااصقيم والثواب العظيم، ولكون ذكرها في قوّة ذكره اقتصر عليها ولذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم للإعرابيّ: حولها ندندن فلا- جة إلى ضمه لها كما أنه لا وجه لتفسيره به بناء على ما توهم من أنّ الإيمان يكفي في التبشير بها وقوله في الأجر أي الجنة. قوله: (خصهم بالذكر) الظاهر أن مراده أن ما ذكر عبارة عن مطلق الكفرة الذي قدر مفعولاً للأوّل بقرينة ما بعده من قوله: لعلك الخ لأنّ هؤلاء غير قائلين بالتبني، ووجه التخصيص استعظام كفر هؤلاء، وقيل المراد أنه ذكره مرّة أخرى متعلقا بالمثبتين للولد منهم لا على العموم كما في الأوّل فخصهم بالإندّار بعدما عممه للجميع استعظاماً لكفرهم لكونه تخصيصا بعد تعميم فتدبر. قوله:(أي بالولد الخ) ذكر وجوها في مرجع الضمير المجرور بالباء فالأوّل أنه راجع للولد وقدمه لظهوره ومعنى عدم علمهم به أنه محال ليس مما يعلم، والثاني أنه راجع إلى الاتخاذ الذي في ضمن الفعل كقوله: اعدلوا هو في نسخة بالواو وبدل أو فيكون مع ما قبله وجها واحدا وقوله بالقول المفهوم من قالوا أي ليس قولهم هذا ناشئا عن علم وتفكر ونظر فيما يجوز عليه تعالى وما يمتنع، وقوله: والمعنى أنهم يقولونه الخ ناظر إلى الأوّلين، وقوله: أو تقليد ناظر إلى الثالث، وفي بعض النسخ والمعنى لأنهم يقولونه الخ يعني أنّ مالهم به الخ في معنى التعليل، وعلى الأوّل هو في موضع الحال أي قالوه جاهلين بما ذكر أو باستحالته، وقوله: من غير علم بالمعنى الذي أرادوا به فإنهم كانوا يطلقون الأب والابن بمعنى المؤثر، والأثر وكان ذلك من لغتهم أو جائزاً في شرعهم، وقوله: أو بالله عطف على قوله: بالولد، وفوله: إذ لو علموا الخ تعليل للأخير أو للجميع، وقوله: لما جوّزوا الخ إشارة إلى استحالته وأنه المراد من نفي العلم لا الصورة الذهنية. قوله: (الذين تقوّلوه بمعنى التبني (أي الذين

افتروه مريدين به التبني أي اتخاذه الابن لا أوائلهم الذين عنوا المؤثر والإثر، والتقؤل في كلامه تفعل من القول ماض لا مضارع. قوله:(عظمت مقالتهم الخ (بيان لحاصل المعنى وقوله: لما الخ بيان لوجه عظمها والتشبيه لأنّ الولد يشبه أباه ماهية ونوعا والشريك لأنه لا بد من مشاركته في أكثر أمور أبيه، واحتياجه إلى الولد إعانة وخلفا ظاهر، وزاد فيه الإيهام لأنه ليس بلازم في الولد لذلك فكم من ولد لا يعين ولا يخلف، وغير ذلك كالجسمية والحدوث. قوله: (وكلمة نصب على التمييز) في الكشاف وفيه معنى التعجب كأنه تيل ما أكبرها كلمة

ص: 73

والضمير في كبرت يرجع إلى قوله: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} يعني كما بينه النحاة إن فعل موضوعا على الضم، كظرف أو محوّلاً إليه من فعل أو فعل يلحق بباب نعم وبئس في الأحكام كما هو مذهب الفارسيّ، وكثير من أهل العربية فيثبت له جميع أحكامه كسكون فاعله معرّفا بأل أو مضافا إلى معرف بها أو ضميراً يعود على نكرة هي تمييز وذهب الأخفش والمبرد إلى أنها ملحقة، بباب التعجب فلا يلزم ما ذكر، ويجوز أن يضمر فاعلها على وفق ما قبله فتقول زيد كرم وهند كرمت والزيدان كرما على ما فصله في الارتشاف والبحر، وعلى مذهب الأخفش والمبرد مشى الزمخشريّ كما ينادى عليه تصريحه بمعنى التعجب، وجعل الفاعل ضمير ما قبله فاعتراض الثارح العلامة عليه بأنه لا يتحقق حينثذ فيه الإيهام حتى يكون كلمة تمييزا، وجوابه بأنّ المراد بمرجع الضمير مآله وهو المخصوص بالذمّ وجواب بعض الأفاضل بعدم تسليم عدم الإبهام مستنداً باحتمال أن لا يكون كبرها من حيث إنها كلمة تخرج من أفواههم، لا وجه له لما عرفت ومن لم يتنبه لما فيه قال إنّ هذا الجواب هو الصمواب لكنه ليس من نتائج طبعه بل مأخوذ من كلام الواحدفي، ولا يجوز حمل قول المصنف رحمه الله عظمت مقالتهم على أنه يريد أن الضمير في قوله: كبرت لقولهم: اتخذ الله ولداً بتأويل المقالة ليرجع إلى ما في الكشاف فير-ت القيل والقال ويكون الفرق بين كلاميهما أن عظمها ملزوم الكفر لها عند المصنف، ومن جهة اجترائهم على إخراج تلك الكلمة من أفواههم عند الزمخشري، ومن حيث إنّ قوله تخرج الخ فائدة أو لا بد منه في تمام التمييز كما قيل لآنه لا يصح مع قوله إنه من باب نعم وبئس فإنه مذهب آخر وهو الفارق كما سمعته إلا أن يكون من جملة الممزض وهذا مبنيّ على الفرق بينهما. قوله: (صفة لها الخ (أي للكلمة مفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم لأنّ المعنى كبر خروجها أي عظمت بشاعته وقباحته بمجرّد التفوّه فما بالك باعتقاده ولا ضير في وصف التمييز في باب نعم وبض.

تنبيه: في الارتشاف أنّ فعل المحوّل ذهب الفارسيّ، وأكثر النحويين إلى إلحاقه بباب

نعم وبئس فقط وإجراء أحكامهما عليه وذهب الأخفش والمبرد إلى إلحاقه بباب التعجب، وحكى الأخفش الاستعمالين عن العرب ويجوز فيه ضم العين وتسكينها ونقل حركتها إلى الفاء

اهـ، وظاهره تغاير المذهبين، وفي التسهيل أنه من باب نعم وبئس وفيه معنى التعجب، وهو يقتضي أنه لا تغاير بينهما واليه يميل كلام الشيخين، وقوله: والخارج بالذات هو الهواء، قيل إنه رد على النظام في تمسكه بهذه الآية على أن الكلام جسم لوصفه بالخروج الذي هو من خواص الأجسام، وحاصله أن الخارج حقيقة هو الهواء الحامل له واسناده إلى الكلام الذي هو كيفية مجاز وفيه أن القائل بأنه جسم يقول: هو الهواء المتكيف لا الكيفية فاستدلاله بناء على أنّ الأصل هو الحقيقة والخلاف لفظيئ لا ثمرة له، وفي نسخة بعد قوله: بالرفع على الفاعلية والأوّل أبلغ وأدل فيكون أوقع في النفس يعني لما اشتمل عليه من التفسير بعد الإبهام والنفس لمثله أشوق ولما فيه من الإجمال والتفصيل يكون أبلغ دلالة وأوكد كذا قيل: وأورد بعض فضلاء العصر أنه إيضاح لا تفصيل لأنّ الكلمة عين الضمير وهو على طرف الثمام لأن الكلمة بمعنى الكلام السابق تفصيله مع أنه لا ضير في جعل التفصيل بمعنى التفسير والتعيين. قوله: (وقيل صفة محذوف هو المخصوص بالذم (المعروف حاله في النحو، والأوّل تمييز وكبرت بمعنى بئست، وإنما مرضه لأنه خلاف الظاهر وقوله: بالسكون أي سكون الباء وكون الإشمام في وسط الكلمة مرّ معناه وما فيه، وقوله: إلا كذبا أي قولاً كذبا. قيل: إنه يبطل القول بأن الكذب ما لا يطابق الاعتقاد. قوله تعالى: ( {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} (لعل للترجي وهو الطمع في الوقوع أو الإشفاق منه وهي هنا استعارة أي وصلت إلى حالة يتوقع منك الناس ذلك لما يشاهد من تأسفك على عدم إيمانهم، وباخع فسر بقاتل واختاره لأنه التفسير المروي عن قتادة كما في شرح البخاري ومهلك نفسه غما وهو من بخع الأرض أي ضعفها بالزراعة، فأصله مضعفها حتى يهلكها وسيأتي قول المصنف في الشعراء تبعا للزمخشري أنّ معناه أن يبلغ الذبح البخاع بالباء وهو عرق مستبطن

ص: 74

الفقار وقد رذه ابن الأثير في النهاية وغيره بأنه لم يوجد في شيء من كتب اللغة والشرع لكن الزمخشري ثقة واسع الاطلاع وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وقوله إذا ولوا عن الإيمان فسره به لأن الأثر إنما يكون بعد التولي والذهاب لكنه هنا ذهاب معنوي لا حقيقي بجعل من لم يتبع كالغائب وليس هذا لأجل التعدية كما توهم.

قوله: (شبهه لما يداخله من الوجد (أي الحزن على فوت ما يحب يعني أن قوله: {بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} على آثارهم فيه إشارة إلى أن فيه استعارة تمثيلية بتشبيه حاله معهم وقد تولوا وهو أسف من عدم هدايتهم بحال من فارقته أحبته فهتم بقتل نفسه أو كاد يهلك وجداً فقوله: لما يداخله الخ داخل في المشبه وليس المشبه هو فقط كما توهمه العبارة حتى ينافي التمثيل، وقيل

إن كلامه يحتمل أن يكون إشارة إلى وجه آخر غير المذكور في الكشاف وهو أن لا تكون تمثيلية بلى تشبيهاً لذكر طرفيه وهما النبيّ صلى الله عليه وسلم وباخع وتقديره كباخع نفسك بأن يشبه لشدة تهالكه على الأمر بمن يريد قتل نفسه لفوت أمر وله وجه إلا أنه خلاف الظاهر، وقوله: بمن فارقته الخ يشير إلى أن توقع البخع لعدم إيمانهم في الماضي، وقوله: بهذا القرآن قيل إنه يدل على حدوثه ولو سلم فلا بأس به لأن الألفاظ حادثة عند المصنف، وقوله: للتأسف الخ، يشير إلى أنّ نصبه إما على أنه مفعول لأجله أو حال بتأويله بمتأسفا لأن الأصل في الحال الاشتقاق وقد جوّز فيه أن ينتصب على أنه مصدر فعل مقدر أي تأسف أسفا. قوله: (والأسف فرط الحزن والغضب (قيل إنهم فرقوا بين الأسف والغضب بأنّ الأسف الحزن لفعل يخالفه مع عدم القدرة على الانتقام والغضب ممن يقدر عليه، قال ابن عطية وهو مطرد في استعمال العرب وأورد عليه أنه مخالف لقوله تعالى:{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [سورة الأعراف، الآية: 50 ا] إذ جمع بينهما في شيء واحد فلا يقتضي تخالف معناهما، ودفع بأن كلا منهما بالنسبة إلى بعض من القوم، كهارون وغيره (قلت (ما ذكره المعترض! والمجيب غير مسلم أمّا الأوّل فلأنّ كتب اللغة لا تساعده، وأما الثاني فلأنه لا مجال له في قوله تعالى:{فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [سورة الزخرف، الآية: 55، وقد قال الإمام الراغب وهو قدوة المصنف في اللغة الأسف الحزن والغضب معاً وقد يقال لكل منهما على الانفراد، وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام فمتى كان ذلك على من هو دونه انتشر فصار غضباً ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا ولذلك سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الحزن والغضب فقال مخرجهما واحد واللفظ مختلف اهـ، فقوله: والغضب بالجرّ عطف على الحزن لا مرفوعا عطفا على فرط كما توهم وليس مشتركا حتى يكون من استعمال المشترك في معنييه فلا يغرّنك ما وقع لبعضهم هنا من التطويل بغير طائل، والقراءة المشهورة بأن الشرطية والقراءة بأن المفتوحة المصدرية على تقدير الجار كما ذكره المصنف. قوله: (فلا يجوز إعمال باخع الخ (يعني أنه اسم فاعل وعمله مشروط بكونه للحال أو الاستقبال ولا يعمل وهو للمضي وإن الشرطية تقلب الماضي بواسطة لم وغيره إلى الاستقبال بخلاف أن المصدرية فإنها تدخل على الماضي الباقي على مضيه كما هو مقرّر عندهم، ورد بأنه لا يلزم من مضيئ ما كان عليه الشيء مضيه فكم من حزن مستقبل على أمر ماض سواء استمر أو لا فإذا استمر فهو أولى لأنه أشد نكاية فلا حاجة إلى حمله على حكاية الحال وأما توجيه صاحب الكشف له بأنه إذا كان علة البخع عدم الإيمان فإن كانت العلة مضت فالمعلول كذلك وإن كانت بعد فهو مثلها وفي العدول عن المضيّ إلى الحال دلالة على استحضارها واستمرارها اهـ، فغير مسلم لأنّ هذه ليست علة تامّة حقيقة حتى يلزم ما ذكر، وإنما هي منشأ وباعث فلا يضر تقدمها وكذا اذعاء أنه تفوت الفبالغة حينئذ في وجده على

توليهم لعدم كون البخع عقبه بل بعده بمدة بخلاف ما إذا كان للحكاية فإنه لا وجه له بل المبالغة في هذا أقوى لأنه إذا صدر منه لأمر مضى فكيف لو استمرّ أو تجدد فتدبر. قوله: (زينة لها ولأهلها (ليس المراد تقدير انمضاف بل بيان لأن زينة الأرض شامل لزينة أهلها ودال عليهم بقرينة ضمير لنبلوهم والأمان صلة زينة وليست ثانية تعليلية، وقوله: في تعاطيه أي تناوله وضمير لما عليها. قوله: (وهو (أي الأحسن عملا من زهد وقنع منه بزاد المسافر وبعده

ص: 75

مرتبتان حسن وهو من استكثر من حلاله وصرفه في وجوهه وتبيح وهو من احتطب حلاله وحرامه وأنفقه في شهواته فلا وجه لما قيل إنّ ما ذكره يفيد الحصر ولا لما قيل إنّ الأحسن هنا بمعنى الحسن فإنه من قلة التدبر، وقوله: يزجي به أيامه أي يسوقها والمراد يقطعها به كما قيل:

درّج الأيام تندرج

قوله: (وهو تسكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي نسخة وفيه تسكين أي تسكين لأسفه وحزنه بأنه مختبر لأعمال العباد مجازيهم عليها فكأنه قيل له صلى الله عليه وسلم لا تحزن فإنه منتقم لك لا أنه بمعنى ما عليك إلا البلاغ فإنه غير مناسب هنا. قوله: (تزهيد فيه (التزهيد في الشيء وعنه ضد الترغيب وضمير فيه لما على الأرض، وقوله: والجرز الخ، قطع النبات بإفنائه وأكله وغير ذلك، وقوله: لنعيد الإعادة ليست من منطوقه: بل هو في الواقع كذلك لأنه خلق من تراب ثم عاد إلى أصله وليس فيه مقدمة مطوية كما توهم، وقوله: مستويا بيان للمراد من قوله: جرزا هنا وأن المراد أنه إذا عاد ما عليها ترابا واقعا فيها تساوى به سطحها، وصارت كأنها من بدئها كانت صعيداً أملس لا شيء فيه يختلف ربا ووهاداً. قوله: (بل أحسبت) يشير إلى أن أم هنا منقطعة مقدرة ببل الإضرابية الانتقالية لا الإبطالية، والهمزة الاستفهامية وقد يقدر بدونها كما فصل في غير هذا المحل، وأنّ أصحاب الخ ساذ مسد مفعولي حسبت وقوله: في إبقاء حياتهم أي المراد بهذا شأنهم المذكور، وقوله: متخالفة أي متداولة ومتعاقبة باختلاف السنين والأعوام والليالي والأيام، وقصتهم الخ بيان لارتباط هذه القصة بما قبلها وهو مبتدأ خبره ليس بعجيب والواو للحال وبالإضافة متعلق بعجيب مقدم من تأخير ومن الأجناس بيان لما والأنواع معطوف عليه والفائتة صفة لهما، وعلى طبائع متعلق بخلق وكذا من مادة، وردها بالجرّ عطف على

أو لوح رصاصيّ أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وجعلت على باب الكهف وقيل: أصحاب الرقيم قوم آخرون، كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه فقال أحدهم: اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته فقال أحدهم: استعملت أجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل في بقيته مثل عملهم فأعطيته مثل أجرهم فغضب أحدهم وترك أجره فوضعته في جانب البيت، ثم مرّ بي بقر فاشتريت به فصيلا فبلغت ما شاء الله فرجع إليّ بعد حين شيخاً ضعيفا لا أعرفه، وقال إنّ لي عندك حقاً وذكره لي حتى عرفته فدفعتها إليه جميعاً اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء وقال آخر: كان فيّ فضل وأصابت الناس شدة فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفاً فقلت: والله ما هو دون نفسك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت لزوجها فقال: أجيبي له وأغيثي عيالك فأتت وسلصت إليئ نفسها

خلق وضميرها للأجناس والأنواع أو لما لأنها عبارة عنها وضمير إليها للماذة أي خلقها من مادّة وهي التراب ثم ردّها لأصلها، كما مرّ، وقوله: ليس بعجيب إشارة إلى أنّ الاستفهام المقدر إنكاريّ في معنى النفي، وقوله: مع أنه أي ما ذكر من خلق ما على الأرض وما بعده، وقوله: من آيات الله أي دلائك قدرته وألوهيته وهو بيان للنزر الحقير مقدم عليه للاهتمام به، والنزر بالزاي المعجمة بمعنى القليل فما ذكر قليل حقير بالنسبة للقدرة الإلهية وإن كان عظيما بالنسبة لهذه القصة فكيف يتعجب منه لأمنها ولكن الإنسان من شأنه العجب مما لم يعرفه. قوله:(والكهف النار الواسع) فالغار أعم لا مخصوص بغير الواسع كما توهم وذكر للرقيم معاني منها الكلب، ولغرابته أثبته بشعر أمية بن أبي الصلت. قوله:(أمية بن أبي الصلت) هو شاعر جاهليّ، وكان تزهد في الجاهلية وترك عبادة الأصنام، والبيت صريح في أن المراد الكلب لأنه الذي كان عند الوصيد أي باب الغار، ووصيد همو منصوب مفعول مجاورا وهو مضاف إلى ضمير الجماعة لكن ميمه ضمت ووصل بها الواو وهي لغة فيه وبها قرئ في القرآن، والمراد من القوم أهل الكهف وهجد جمع هاجد كرإقد لفظا ومعنى وفي نسخة همد بمعنى وقوع أو بمعنى موتي على التشبيه وا أصبيت يدلّ على أن قصة أهل الكهف كانت معلومة للعرب وان لم يكن ذلك على وجهها كما في الكشف وقوله: رقمت فيه أسماؤهم قيل: وأنسابهم ودينهم وهو إشارة إلى أنه عربيّ، وفعيل بمعنى مفعول، وقوله: جعلت أنث اللوح باعتبار أنه صحيفة. قوله: (وقيل أصحاب الرقيم قوم آخرون (غير أصحاب الكهف ومرضه لبعده عن السياق، والرقيم على هذا بمعنى الجبل أو محل فيه كما مرّ، وقيل إنه بمعنى الصخرة

ويكون غير مقصود بالذات هنا لكنه ذكر تلميحا إلى قصتهم واشارة إلى أنه لا يضيع عمل أحد خيراً أو شرّا وهذه القصة مذكورة في الصحيحين وأنها وقعت في زمن بني إسرائيل مع اختلاف في بعض ألفاظها، وقوله: يرتادون لأهلهم- بالراء والدال المهملتين أي يطلبون معاشهم، وقوله: فاخذتهم السماء أي أدركهم مطر شديد والكهف هنا بمعنى الغار وانحطت بمعنى وقعت، وقوله: اذكروا الخ المراد بالحسنة الأمر الحسن الذي يثاب عليه ليجازوا بإحسان من الله في مقابلته، وإجراء بالمد جمع أجير بمعنى مستأجر للعمل، وذات يوم بمعنى يوماً كما بين في اللغة والنحو، وقوله: مثل عملهم أي مقداره وغضب

ص: 76

أحدهم لظنه أنه زاد في أجره وأنه لم يعمل كعملهم لمجيئه بعدهم، والفصيل في الأصل ولد الناقة الصغير سمي به لانفصاله عن أف والمراد به هنا ولد البقرة مجازاً، وقوله: فبلغت ما شاء الله أي حصل منها نتاج كثير ولم يعينه، لأنه لا يتعلق به غرض هنا، وقوله: بعد حين أي زمان طويل، وقوله: لا أعرفه لتغيره بالشيخوخة، وذكره بالتخفيف أي ذكر حقه وقيل: إنه بالتشديد فهو التفات، وقوله: لوجهك أي مخلصا لله وقوله: فأفرج، كأخرج أي فرج عنا وافتح لنا وانصدع بمعنى انفتح بتزحزح الصخرة عن مكانها، وقوله: فضل أي زيادة في الرزق والمال، والشدة هنا بمعنى القحط والمراد بالناس غيره أو ما يشمله، ومعروفا بمعنى عطاء، وما هو أي إعطاء ما طلبته دون نفسك، أي لا يكون بدون تمكينك من نفسك بالجماع، وقوله: أجيبي له من الجواب أي ساعديه على ما أراد وأغيثي من الغوث أو العون، وقوله: فتركتها أي تركت مباشرتها، وقوله: أن فعلته أي إن كنت فعلته لمضيه، وقوله: تعارفوا أي عرف بعضهم بعضاً لغلبة الضياء، وقوله: همان تثنية همّ بكسر الهاء وتشديد الميم أي مسنان، وقوله: فحبسني ذات يوم غيث أي منعني من المجيء إليهما مطر وفي نسخة الكلأ، وهو النبت أي طلبه، والمحلب بكسر الميم وعاء يحلب فيه اللبن، وقوله: أيقظهما الصبح من المجاز في الإسناد، وقوله: ففرج الله بالتخفيف والتشديد، وقوله: رفع ذلك الخ أي رواه بسند متصل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو من الحديث المرفوع وهو معروف. قوله تعالى: ( {إِذْ أَوَى} الخ) إذ منتصب بعجبا أو بكانوا أو باذكر

مقدر إلا بحسبت، لأنّ حسبانه لم يكن في ذلك الوقت، وقوله: أرادهم دقيانوس هو اسم الملك، وقوله: على الشرك علقه بأراد لتضمنه معنى الحمل وقيل: إن فيه مضافاً مقدراً أي أراد إهلاكهم. قوله: (توجب لنا المغفرة والرزق (فسرها في الكشاف بنفس ما ذكر لأنه يسمى رحمة وال! صنف جعلها أمرا مقتضيا له بفضله لا بالوجوب بمعناه الظاهر منه وهو معنى قوله: من لدنك ولكل وجهة وخص الرزق لبعدهم عن أسبابه بالاعتزال عن الناس وأما ذكر الأمن فهو ظاهر. قوله: (من الأمر الذي نحن عليه الخ (تفسير للأمر واحد الأمور، وبيان لأنّ إضافته اختصاصية ومن ابتدائية أو للأجل، ومفارقة الكفار إما على ظاهرها أو مخالفتهم لهم قيل: وهو الظاهر الذي صاروا به مهتدين، وقوله: نصير بسببه راشدين السببية مستفادة من من لأنها إن كانت ابتدائية فهي منشؤه وإن كانت للأجل فهو ظاهر. قوله: (أو اجعل أمرنا كله رشداً) فمن على هذا تجريدية واختلف فيها هل هي بيانية أو ابتدائية كما مرّ تفصيله والتجريد أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة كأنه بلغ إلى مرتبة من الكمال حتى يمكن أن يؤخذ منه آخر وهو مفصل في علم البديع، وقوله: وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء وهي الحالة التي يكون عليها الشيء محسوسة أو معقولة ثم استعمل في إحضار الشيء وتيسيره. قوله: (أي ضربنا عليها حجاباً يمنع السماع (فمفعوله محذوف وهو حجابا وهو مستعار استعارة تبعية لمعتى أنمناهم إنامة لا ينتبه منها بالصياج لأنّ النائم ينتبه من جهة سمعه، وهو إمّا من ضربت القفل على الباب أو ضربت الخباء على ساكنه شبه لاستغراقه في نومه حتى لا ينتبه باستماع النداء بمن كان خلف حجب مانعة من وصول الأصوات إليه، وقيل: إنه استعارة تمثيلية، وقيل إنه كناية كما في المثال، وقيل: إنه سهو لأن البناء على المرأة أثر الدخول عليها بخلاف ضرب الحجاب على الآذان فإنه ليس من أثر الأنامة أي لا تلازم بينهما فإنه يضرب الحجاب على من لم ينم وينام من لا حجاب عليه، ويدفع بأن بينهما تلازعا بواسطة وهو أنه يلزم من ضرب الحجاب عدم السماع ومنه النوم، ومن ظنه اعتراضا على عدم جعل هذا المثال منها دفعه بأن الدخول عليها بعد البناء مع أن الكناية ليس من لوازمها الانتقال من اللازم إلى الملزوم وليس بشيء، وقولهم: بنى على امرأته أصله بنى قبة أو بيتا فحذف مفعوله وجعل كناية عن الدخول ومما مر علم وجه تخصيص الآذان. قوله: (ظرفان لضربنا (ولا مانع منه خصوصاً إذا تغايرا بالمكانية والزمانية،

وقوله: ذوات عدد إشارة إلى أنه مصدر وصف به بالتأويل المعروف للمبالغة بحسب الظاهر، وقيل: إنه صفة بمعنى معدود، وقيلى: إنه مصدر

ص: 77

فعل مقدر أي يعد عددا، وقوله: يحتمل التكثير والتقليل إشارة إلى ما فصله أهل اللغة كالراغب وصاحب المحكم من أنّ العدد قد يراد به التكثير لأنّ القليل لا يحتاج إلى العدد غالبا كما في قوله: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة أي قليلة وقد يذكر للتقليل في مقابلة ما لا يحصى كثرة، كما يقال: بغير حساب ولما كانت الكثرة في أوقات السنين وأيامها ظاهرة قدمه، ولم يبينه وبين القلة بقوله: فإنّ مدة الخ يعني أن القلة بالنسبة إلى ما عند الله فلا منافاة بين كلامه وما مرّ منه في سورة البقرة ويوسف، فإن القلة والكثرة من الأمور الإضافية فتفسر في كل مقام بما يناسبه. قوله:(أيقظناهم (سيأتي تحقيق معنى البعث في سورة يس، وقوله: ليتعلق علمنا الخ دفع به ما قيل: كيف يكون علمه تعالى بما ذكر غاية لبعثهم ولم يزل عالماً به لقدم علمه، وأيضاً حدوثه يوجب جهلا سابقا تعالى الله عنه وحاصله أنّ الحادث هو تعلق علمه لحدوث متعلقه، وهو وقوع الإحصاء بالفعل وله تعلق آخر قديم، وهو بأنه سيقع قبل وقوعه فاستمرّ علمه بتعلقين على وجهين ولا يلزم منه محذور لكنه أورد عليه إن جعل التعلق الحالي غرضاً لبعثهم وأنه أمر عظيم لا وجه له، فالوجه ما في الكشاف من أنّ المقصود ليس كذلك بل ظهور أمرهم ليزدادوا إيماناً فيكون لطفا بمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفاره وليس هذا بشيء فإنّ مراد المصنف دفع ما يتوهم من أن صيغة الفعل المستقبل تدلّ على التجذد والحدوث وعلم الله قديم وأمّا كون علمه يتعلق بكل شيء بعد حدوثه فما الفائدة في ذكره وجعله غاية لبعثهم، فاً مر مسكوت عنه والطريقة المسلوكة في ذكر علم الله بالأشياء حيث وقع في القرآن أن يجعل كناية عن بعض ذكر لوازمه المناسبة لموقعه، فقد يجعل كناية عن المجازاة كما في قوله: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) أي لنجازي المتبع بالثواب والمنقلب بالعقاب، وهنا جعل كناية عن ظهور أمرهم لتطمئن بازدياد الإيمان قلوب المؤمنين وتنقطع حجة المنكرين كما بينه الزمخشري ولو صرّح به المصنف لكان أحسن ولكنه تركه اعتمادا على ما فصله في سورة البقرة ليعلم بالمقايسة عليه وكثيرا ما يفعله، وإنما علق العلم بالاختلاف في أمده لأنه ادعى لإظهاره وأتوى لانتشاره، وأمّا من لم يرتض هذا وقال: إنه محمول على التمثيل المبنيّ على جعل العلم عبارة عن الاختبار مجازاً بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب وليس من ضرورة الاختبار صدور الفعل المختبر به عن المخبر قطعاً بل قد يكون لإظهار عجزه عنه على سنن التكاليف العجزية، كقوله: فأت بها من المغرب فالمراد هنا بعثناهم لنعاملهم معاملة مختبرهم فمع تكلفه، وقلة جدواه غير مستقيم لأن الاختبار الحقيقي لا يصدر ممن أحاط علمه بكل شيء فحيث وقع جعلوه مجازا عن العلم أو ما ترتب عليه فلزمه بالآخرة الرجوع إلى ما أنكره وما أقرب ما ينسى ما قدمت يداه في تفسير قوله: لنبلوهم، والعجب من بعض المتصلفين أنه ظنه

معنى دقيقا ومسلكاً أنيقاً ولولا خوف الإطالة لذكرناه ولكن البعرة تدل على البعير، وقوله: منهم أي من أصحاب الكهف، وقوله: أو من غيرهم إشارة إلى أنّ المختلفين هم ملوك تلك الديار وحواشيهم. قوله: (ضبط الخ (إشارة إلى أن أحصى فعل ماض! بمعنى ضبطه بالعذ، وفيه تنبيه على إعرابه الآتي وأن ما مصدرية وجعل المصدر للحين، وعلق بصيغة المعلوم فاعله ضمير ما، وقوله: حال من أي من أمدا النكرة وجاز لتقدمه وقوله: أو مفعول له فاللام للتعليل لازمة لكونه غير مصدر صريح وغير مقارن أيضا وما مصدرية غير وقتية. قوله: (وقيل الخ (مرضه لأنّ اللام لا تزاد في مثله وما موصولة بمعنى الوقت والعائد محذوف أي فيه وجوّز فيها على هذا المصدرية وهو بعيد. قوله: (وأمدا تمييز (على هذا قال الراغب: الأمد مدة لها حذ، والفرق بينه وبين الزمان أن الأمد يقال: باعتبار الغاية بخلاف الزمان يلاحظ فيه دخول الغاية لا أنه اسم للغاية حتى يكون إطلاقه على المدة مجازاً، كما أطلقت الغاية عليها في قولهم: ابتداء الغاية وانتهاؤها كما قيل: والتمييز هنا للنسبة مفسر لما في نسبة المفعول من الإبهام محؤل عن المفعول وأصله أحصى أمد الزمان الذي لبثوا فيه لأنه يشترط فيه أن يكون محوّلاً عن الفاعل

ص: 78

كتسبب زيد عرقا أو عن المفعول كفجرنا الأرض عيونا أي فجرنا عيونها على ما حقق في شرح التسهيل وغيره من المعتمدات، وليس مميزاً لما إذ لو كان كذلك كان تمييز لمفرد ولم يقل أحد باشتراط التحويل فيه وأما كون التحويل عن الفاعل دائما فلم يقولوا به وما توهمه لا عبرة به، وفي كلام بعضهم هنا ما يشبه الخبط فتنبه له. قوله: (من الإحصاء بحذف الزوائد الخ (اختلف في أفعل التفضيل والتعجب هل يبنى من الأفعال أم لا فجوّزه سيبويه مطلقاً وفصل فيه ابن عصفور، ومنعه الجمهور قياساً، وحذف الزوائد ليمكن بناؤه منه، وأحصى أي أكثر جمعا له وظاهر كلام المصنف إنه مسموع وقد صزج ابن عصفور بخلافه، وأفلس من ابن المذلق بالذال معجمة ومهملة وهو رجل من بني عبد شمس لم يملك هو ولا آباؤه قوتا فضرب بهم المثل في الإفلاس يقال: أفلس من المذلق ومن ابن المذلق، وقوله: وأمدا نصب بفعل دل عليه أحصى، لا به لأنه لا ينصبه إلا على قول ضعيف استدل له بالشعر المذكور، وقد أشار المصنف رحمه الله إلى أنه مؤوّل بما ذكر لا ضرورة كما قيل: وضعفه لأنه لا حاجة إلى مخالفة المعروف في اللغة والعدول عن الفعل ثم تقديره كما أشار إليه الزمخشري، وأمّا كونه منصوبا بلبثوا فغير ظاهر وقد قال في الكشف أنه غير سديد لأنّ الضبط لمدة اللبث واً مده لا للبث في الأمد وفيه بحث، وقيل إنه منصوب على التمييز، وفيه كلام طويل الذيل في الكشف وغيره لا بأس بتركه

لعدم تعرّض! المصنف له. قوله: (وأضرب الخ (هو من شعر لعباس بن مرداس السلمي وقد أغار على بني زيد مع قومه، فتقاتلوا وهو من قصيدة وقبله:

فلم أرمثل الحيّ حيامصبحما ولامثلنا لما التقينافوارسا

أكرّ وأحمى للحقيقة ص! وأضرب منا بالسيوف القوانسا

وهو من الكلام المنصف، والقوانس جمع قونس وهو أعلى بيضة الحديد، وقيل أعلى الرأس، وقوله: بالحق أي ملتبسا به وفسره بالصدق لأنه أحد معانيه وهو المناسب هنا. قوله: (جمع فتتي كصبتي (وأصله فتوى أعل بإعلاله المعروف وهو بمعنى صغير السن كفتى أيضا ولم يجعلوه جمعاً له مع شهرته كما في شرح توضيح ابن هشام أنه جمع له كولد وولدة لكثرته في مثله: كصبيّ وصبية وخصيئ وخصية وما ذكر من أنه أنسب بالمقام دعوى من غير دليل فتأمل، وفي قوله: بربهم بعد نحن التفات وكذا في زدناهم لا ربطنا والإيمان به توحيده وهو ظاهر، وقوله: بالتثبت على الإيمان فهي زيادة في الكيفية ولو حمل على زيادة الكمية كان له وجه. قوله: (وقيناها بالصبر الخ) هو مجاز من الربط بمعنى الشد المعروف كما في الأساس أي استعارة منه، كما يقال رابط الجأش، لأن القلق والخوف ينزعج به القلب من محله كما قال تعالى:{بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [سورة الأحزاب، الآية: 110 فشبه القلب المطمئن لأمر بالحيوان المربوط في محل، وعدى ربط بعلى وهو متعد بنفسه لتنزيله منزلة اللازم كقوله: تجرج في عراقيبها نصلي

ودقيانوس بكسر الدال اسم ملك، وضمير بين يديه راجع له وإذ متعلقة بربطنا. قوله:

(والله لقد (يشير إلى أن في الكلام قسماً مقدراً وتقديره لدلالة الكلام عليه، وقوله: إذا دال على شرط مقدر تقديره أن دعونا غيركم والله لقد الخ وفيه دلالة على أنهم لما قاموا بين يديه دعاهم لعبادة الأصنام ولا مهم على تركها، وقوله: قولاً ذا شطط إشارة إلى أنه صفة مصدر للفعل المذكور حذف وأقيمت مقامه والوصف بالمصدر مؤؤل بتقدير المضاف المذكور، ويجوز إبقاؤه على ظاهره للمبالغة، وقوله: ذا بعد تفسير له، لأنه من شط بمعنى بعد وقوله مفرط من الإفراط مجرور صفة لبعد وتفسير له للإشارة إلى أنه ليس ببعد حقيقي والظلم محمول على ظاهره أو بمعنى الكفر، وقوله: عطف بيان أي عطف بيان لهؤلاء المجترئة لتحقيرهم لا خبر

لعدم إفادته ولا صفة لعدم شرطها، واتخذوا إفا بمعنى عملوا أو نحتوا آلهة لهم فيفيد أنهم عبدوها ولا حاجة إلى تقديره بناء على أن مجرد العمل غير كاف في المقصود، أو بمعنى صيروا وأحد مفعوليه محذوف أو من دونه هو الثاني فتأمل. قوله: (وهو إخبار في معنى إنكار (بقرينة ما بعده ولأنّ فائدة الخبر هنا معلومة

ص: 79

وقوله: هلا إشارة إلى أن لولا هنا للتحضيض على وجه الإنكار، وعليهم بتقدير مضاف أي على عبادتهم أو اتخاذهم لها آلهة، قيل: وهو أنمسب مما ذكره المصنف لأنّ إقامة الدليل على نفس العبادة غير مناسب وفيه نظر.

قوله: (وفيه دليل على أنّ ما لا دليل عليه من الديانات الخ (المراد بالديانات أما الأمور الاعتقادية المتعلقة بالدين ولا قدج في إيمان المقلد تبعا لمن قال: بعدم صحته لوجود الدليل على ما قلد فيه كما يشعر به كلامه، ويجوز أن يراد بها ما يشمل الأصول والفروع لأن قول من قلده دليل له، فتأمل. قوله: (ومن أظلم (أي لا مساوي له في الظلم والكفر وخطاب بعضهم لبعض للأمر المذكور لأنه ليس من غيرهم وإن احتمله، وقوله: عطف أي لما الموصولة آو المصدرية على مفعول اعتزل، وهو ضحمير القوم وقوله: فإنهم الخ إشارة إلى أن الاستثناء متصل لا منقطع بناء على تخصيصهم العبارة بغير الله كما يشعر به قوله: من دون الله لتأويله، وقد جوّزه في الكشات وعلى المصدرية يقدر فيه مضاف ليكون من جنس المستثنى منه، واً قا تقدير المستثنى منه أي عبادتهم لمعبوديهم ونحوه فتكلف. قوله: (وأن تكون (أي ما نافية والجملة عليه معترضة والاستثناء مفرغ، وقوله: بالتوحيد لأنهم إذا خصوه بالعبادة المستحقة للإله فقد وحدوه بالألوهية، وقيل: إنما قاله لأن تخصيص عبادتهم بالته لا تحقق اعتزالهم عن معتقدات القوم وفيه ما فيه وفي بعض النسخ على أن يكون إخباراً من الله فرفع قوله: معترض ملى أنه خبر مبتدأ محذوف، والنسخة الأخرى أصح، وقوله: معترض! بين إذ وجوابه فيه أنّ إذ بدون ما لا تقع شرطية، كإذا فهي هنا ظرفية أو تعليلية وقد وقع مثله في أواخر شرح المفتاح السيد وقد نقل في همع الهوامع أنه قول ضعيف لبعض النحاة أو هو تسمح لأنها بمعناه، وكونه لتحقيق اعتزالهم لأنّ مخالفتهم لهم والاشتغال بالعبادة تقتضيه، وقوله: يبسط تفسير لينشر،

وكذا يوسع، والرزق إشارة إلى مفعوله المقدر وقد تقدم تفسير قوله يهيئ. قوله:(ما ترتفقون به) فهو اسم آلة من الرفق من قولهم ارتفقت به بمعنى انتفعت به كما قاله أبو عبيدة، وفيه قراءتان ولغتان كما أشار إليه المصنف، واختلفوا هل هما بمعنى أو متغايران فقيل هما بمعنى وهو ما يرتفق به وليس بمصدر، وقيلى: المفتوج الميم المكسور الفاء مصدر على خلاف القياس كما بين في الصرف واختلف في مرفق الإنسان المعروف هل فيه اللغتان أم لا، والمحيض بالضاد المعجمة مصدر بمعنى الحيض، وقوله: لو رأيتهم إشارة إلى أنه فرضيئ على الوجهين، وقوله: كل أحد ممن يصلح له وهو للمبالغة في ظهوره بحيث لا يختص به راء، وقوله: لنصوع بضم النون والصاد المهملة وفي آخره عين مهملة أي خلوص من قولهم: أبيض ناصع أي لا يشوبه شيء آخر، ولم يلتفت إلى أنه بإخبار نبي في عصرهم أو أن أحدهم كان نبيا لأنه مجرّد احتمال من غير داع، وقوله: فيؤذيهم أي الشعاع وهو منصوب في جواب النفي، وقوله: جنوبيا أي في جانب الجنوب، وهو لا يقع عليه شعاع الشمس لعدم مقابلته لها، وقوله: زوّرها لهم بالتشديد أي صرفها وامالها عنهم كرامة لهم لا بسبب عادي ولهذا رجح هذا التفسير على الأوّل لأنه المناسب لقوله: ذلك من آيات الله، وقوله: فأدغمت أي تاؤها وقلبت زاء فيكون بفتح التاء وتشديد الزاء وعلى قراءة الكوفيين هو من التفاعل بحذف تاء المضارعة تخفيفا وقراءة تزوز كتحمرّ وهو إفعلال من غير العيوب والألوان كما أنّ ما بعده إفعلال من غيرهما أيضا وهو نادر ولهما أخوات والزور بمعنى الميل بفتحتين مخففة. قوله: (جهة اليمين وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين (يعني أنه من إضافة المسمى إلى الاسم وليست ذات مقحمة إذ المعنى يميناً وشمالاً وهو منصوب على الظرفية، قال المبرد في المقتضب: ذات اليمين وذات الشمال من الظروف المتصزفة كيمينا وشمالاً اهـ، قيل: واللام في الجهة للعهد الذهني وهو في معنى النكرة، فلا يرد أن وضع ذو للتوصل أي جعل اسم الجنس صفة للنكرة أهـ، وهو سهو منه لظنه أن ذا وذات لا يوصف به إلا النكرات وقد تبعه غيره فاقتدى به ولو تنبه له سجد للسهو والذي أوقعهم فيه قول النحاة ذو يتوصل بها للوصف باسم الجنس لأن اسم الجنس يطلق على النكرة وعلى ما يقابل الصفة المشتقة من الجوافد فأوقعهم

ص: 80

الاشتراك في الوهم وتبعهم ابن حجر في شرح قول المنهاج: يحرم على ذي الجمعة، وأجاب بما أجاب به

المحشي وفيه خطأ من وجوه كما فصله الدماميني في شرح التسهيل وقال: وقع فيه بعض شرّاح الحديث وغاب عنه قوله تعالى: {ذُو الْعَرْشِ و {ذِي الطَّوْلِ} و {ذُو الْجَلَالِ} وأيضاً هذه خرجت عن وضعها وصارت ظرفا والصفة متعلقها لا هي وتأويله غير صحيح لأنّ المراد به لفظه أي سمي بهذا الاسم، وهو وهم غريب من الله عليّ بالهداية إليه فاحفظه فإنه نفيس جدّاً. قوله:(تقرضهم تقطعهم وتصرم عنهم (يعني أنه من القرض بمعنى القطع والمعنى أنها تتجاوزهم، وتصرم بالصاد والراء المهملتين بمعنى تبعد فالقطع مجازي، كتسمية الهجر قطعا وقطيعة فهو فطع الاتصال بهم لئلا تغير أبدانهم، وقول الفارسي: أنه من قرض! الدراهم، والمعنى أنها تعطيهم من تسخينها شيئا ثم يزول بسرعة، كالقرض! المسترد مردود بأنه لم يسمع له ثلاثي، وفي الروض! الأنف تقرضهم كناية عن تعدل بهم، وقيل: تتجاوزهم شيئا من القرض! وهو القطع أي تقطع ما هنالك من الأرض ا!. قوله: (وهم في متسع (تفسير الفجوة لأنها الساحة الواسعة، وقوله: منه يدل على أن اليمين والشمال يمينه وشماله كما أشار إليه بقوله: لقوله الخ ثم بين أنّ المراد وسطه لأنه أوسعه، وقوله: بحيث الخ تعليل لجعلهم في وسطه وتنالهم بمعنى ئصل إليهم، والروح بفتح الراء المهملة نسيمه ونفسه وكرب الغار بمعنى ثقله وركود هوائه لو كانوا في جانب منه أو في آخره، وحرّ الشمس لو كانوا قريبا من الباب. قوله: (وذلك لأنّ باب! هف الخ) أي ما ذكر من وقوع الشمس بجانبه لأنه وقع بحيث لا يقابل الشمس في وقتي الشروق والغروب في جميع اختلاف المطالع فتدخله ويقع شعاعها عليهم، وبنات نعش بدون ألف ولام فالأولى تركها لأنها علم لكواكب معروفة في السماء، ويقال: بنات نعش الكبرى وبنات نعش الصغرى، وأصحاب النجوم يسمون الكبرى الرب اكبر والصغرى الرب الأصغر رالكبرى سبعة كواكب أربعة منها النعش وثلاثة منها البنات، والصغرى مثلها والجدي الذي! عرف به القبلة، وما ذكره المصنف يعلم تحقيقه من مفصلات كتب الهيئة وليس هذا محله، وقوله: مداره أي مدار رأس السرطان وهذا بناء على تفسيره الأوّل الذي ارتضاه، وقوله: مائلة منه أي عن الكهف لمقابلتها لجانبه الأيمن وسمي الذي يلي المغرب يمينا لأنه عن يمين! توجه لبابه، وقوله: ويحلل عفونته أي عفونة الغار بوقوعها على جانبيه وتعديل هوائه لأنها لو بعدت عنه غلبت عليه البرودة وايذاء أجسادهم وابتلاء ثيابهم مجزها مع احتباس هوائه

ويؤذي ويبلي بالنصب في جواب النفي. قوله: (شأنهم (بيان للمشار إليه على الوجهين، وقوله: أو إيواؤهم الخ بيان له بناء على أنه سبب عادي وقوله أو إخبارك قصتهم منصوب بنزع الخافض أي بها أو عنها أو بتضمين الإخبار معنى الإعلا وهو جار على الوجهين فلو قدمه كان أولى، وقوله: أو ازورار الشمس! هذا على الوجه الثاني وهو أن تزاورها مع إمكان وقوع شعاعها عليهم لصرف الله لها عنهم تكريما ولذا أخره وقوله: من آيات الله أي من علامات قدرته الباهرة التي هي أظهر من الشمس. قوله: (بالتوفيق (أي بجعل أعماله موافقة لما يرضاه ويحبه وهذا موافق لتفسير الهداية بالدلالة الموصلة لا الدلالة على ما يوصل لأنه لا يترتب عليه الاهتداء المذكور في الآية إلا أنّ يراد أنه يضم إلى الدلالة المذكورة التوفيق حتى يصح الترتب كما توهم، وقوله: الذي أصاب الفلاج لأن كل مهتد مفلح أي فائز بخطه في الدارين وفسره به ليكون أتئم فائدة، وقوله: والمراد به أي بقوله من يهد الله الخ أما الثناء عليهم أي على أصحاب الكهف فهم المراد بمن لكونهم مهتدين، وعلى الوجه الآخر لا يختص بهم وإن دخلوا فيه. قوله: (يخذله) فسره به لوقوعه في مقابلة التوفيق ولاقتضاء قوله: لن تجد له وليا فإن الخذلان كما قاله الراغب: عدم موالاة الوليّ، ونصرته وهو تفسير جار على المذهبين لأنّ من خلق الله فيه الضلالة فهو مخذول فلا يرد عليه أنه مبني على الاعتزال بناء على أن الضلال قبيح ليس بخلق الله، وإنما المخلوق له دواعيه وهي الخذلان، ومنهم من فسر الخذلان بخلق القدرة على العصيان على قاعدة أهل الحق، وفي الآية من البديع الاحتباك. وقوله: من يليه أي يلي أمره بالنصرة والهداية فيخلصه من الضلال ويرشده.

ص: 81

قوله: (وتحسبهم (أي تظنهم بكسر السين وتفتح، وأيقاظ جمع يقظ بضم القاف كأعضاد كما في الدرّ المصون أو بكسرها كإنكاد ونكد كما في الكشاف وهو ضد الراقد، وقوله: أو لكثرة تقلبهم قاله الزجاج والكثرة مأخوذة من قوله: نقلبهم بالتثقيل والمضارع الدال على الاستمرار التجددي، وأما ما قيل إنه كان في كل عام مرتين أو مرة في عاشوراء فلا يكون كثيراً فقد قال الإمام: إنه لم يصح رواية ودراية. قوله: (نيام (يشير إلى أنه جمع راقد وما قيل إنه مصدر أطلق على الفاعل واستوى فيه القليل والكثير كركوع وقعود لأن فاعلا لا يجمع على فعول مردود لأنه نص عليه النحاة كما صزج به في المفصل والتسهيل وقوله: في رقدتهم ماً خوذ من السياق. قوله: (كي لا تأكل الآرض ما يليها من أبدانهم (إنما فعل بهم ذلك جريا على العادة وإلا فلا مانع من قدرة الله تعالى على

حفظ أجسادهم من غير تقليب لها فلا وجه لتعجب الإمام منه وهو مروفي عن ابن عباس رضي الله عنهما كما أنّ ازورار الشمس كان بسببه بناء على أحد التفسيرين وتقلبهم بالنصب تخريجه ما ث كره المصنف رحمه الله، وروي رفعه بالابتداء أيضا وخبره ما بعده أو مقدر أي آية عظيمة، ووجه دلالة الحسبان عليه أنّ الظن ينشأ من رؤيتهم بحال المستيقظ، وقوله والضمير دلّه، وقيل للملك. قوله:(هو كلب مروا به فتبعهم الخ (أي لا أنهم اقتنوه للنهي عنه إلا لمقتض كالصيد وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد أو ماشية نقص كل يوم من عمله قيراطان، وفي رواية قيراط وجمع بأنه باختلافه في أذاه وعدمه وتفاوته أو بأن القيراطين في المدن والقيراط في خارجها، أو أنه لمجين ذكر القيراط أولاً ثم زاد في تغليظه بعد العلم للنهي عنه وأحباء بالمد جمع حبيب كتقيّ وأتقياء، وقوله: فناموا أمر لهم، وضمير به للراعي وكذا ضمير تبعه وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعليه الأكثر فهم لم يقتنوه أبدا وقراءة كالب أي صاحب كلب على النسب كتامر ولابن وهي مروية عن جعفر الصادق وروي عن الزاهد، كالئهم بهمزة مضمومة بدل الباء أي حارسهم وكأنها تفسير أو تحريف، وقيل: إنه اسم جمع للكلب كجامل، والفناء بالكسر والمذ الرحبة التي يرتفق بها عند الدار ونحوها والمراد بالباب محل العبور والعتبة ما يحاذيه من الأرض لا المتعارف حتى يرد أن الكهف لا باب له ولا عتبة مع أنه لا مانع منه قال السهيليئ: والحكمة في كونه خارجا أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لا تدخل بيتاً فيه كلب وقوله: أعمل اسم الفاعل لأنه لا يعمل بمعنى الماضي وأجازه الكسائيّ، واستدل بهذه الآية فأشار إلى دفعه بما ذكر. قوله: (فنظرت إليهم) تفسير له لأنّ الاطلاع الوقوف على الأمر بالحس، وقيل إنه تفريع عليه لأنّ الاطلاع مجرّد الإشرات وللنظر فيه مجال، وقوله: لهربت تفسير لوليت منهم فرارا وإذا نصب على المصدرية، فهو كجلست قعودا وإذا كان مفعولا له فالتولي بمعنى الرجوع وعلى الحالية هو كقوله: فتبسم ضاحكا، ويجوز أن يكون مصدرا لفررت محذوفا وعلى الحالية بمعنى فاز،

وفيها نوع تأكيد وخطاب اطلعت إن كان لغير معين فظاهر وان كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم اقتضى وجودهم على هذه الحالة الآن، وقد قال السهيليّ: إنّ فيه خلافا وابن عباس رضي الله عنهما أنكره، وآخرون قالوا به، وقوله: بضم الواو أي بضم واو لو تشبيهاً لها بواو الضمير فإنها قد تضم إذا لقيها ساكن نحو رموا السهام وهي مروية عن نافع وغيره. قوله: (خوفاً يملأ صدرك (إشارة إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل وكون المهابة والخوف يملآن الصدر والقلب مجاز في عظمهما مشهور في كلام العرب كما يقال في الحسن: أنه يملأ العيون والباس الهيبة استعارة مكنية وتخييلية لعظم أجرامهم خلقة كما في بعض الأمم السالفة وفي نسخة أجوافهم وهو إما خلقة أو بالانتفاخ، وسكت عن قول الزمخشري: لطول شعورهم وأظفارهم قيل لأنه يرذه قوله: لبثنا يوما أو بعض يوم، وليس بشيء لأنه لا يبعد عدم تيقظهم له، والقائم من النوم قد يذهل عن كثير من أموره لا سيما إذا كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم إذ لا مانع من حدوثه بعد انتباههم أوّلاً، وأيضا يجوز أن لا يطلعوا عليه ابتداء حين قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم ثم لما تنبهوا له

ص: 82

قالوا: ربكم أعلم الخ، فما قيل: من أن هذين القولين يعني، كونه لعظم أجرامهم وانفتاج عيونهم أو لوحثة المكان ليسا بشيء لأنهم لو كانوا بتلك الصفة أنكروا أحوالهم ولم يقولوا يوما أو بعض يوم ولأن المرسل للمدينة إنما أنكر معالمها لا حال نفسه ولأنهم بحالة حسنة بحيث ظنوا نياما وهم في فجو ة موصوفة بما مر فكيف يكون موحشا غير وارد لما عرفت، وأما لأن وحشة المكان لبعده وكونه بعيد الغور وتغيره بمرور الزمان فلا منافاة بينه وبين ما مر بوجه من الوجوه، وإنكار الرسول للمعالم لا ينافي إنكار الناس لحاله أو كونه على حالة منكرة لم يتنبه لها، وقوله: وعن معاوية رضي الله عنه الخ هذا يشهد لكونه بطرسوس ويضعف ما قاله أبو حيان: من أنه بأندلس لأن معاوية رضي الله عنه لم يدخلها،. وقوله: لو كثف جواب لو محذوف أي لكان حسنا ونحوه أو هي لتمني ذلك ولا ينافي كشفه بعد ذلك ومنع الله يفهم من لو الامتناعية ولا حاجة إلى القول بأنه منع من النظر إليهم نظر استقصاء، وهو الذي طلبه معاوية رضي الله عنه وإنما لم يطاوعه ظنا لتغير حالهم عما كانوا عليه أو طلبا له مهما أمكن، وقوله: فأحرقتهم في نسخة أخرجتهم، وفي أخرى أهلكتهم والمراد بالتثقيل ضم العين لثقله بالنسبة للسكون. قوله: (زكما أنمناهم الخ (أي كما أنمناهم هذه الإنامة الطويلة أيقظ! اهم

فالمشبه الإيقاظ والمشبه به الإنامة المفهومة من قوله: وهم رقود ووجه الشبه كون كل منهما آية على قدرته الباهرة كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (فيتعرّفوا حالهم الخ (قيل تعرّف الحال لم يترتب على التساؤل كما يدل عليه الفاء بل على البعث إلى المدينة، وأجيب بأن التساؤل أدّى إلى البعث المرتب عليه فهو سبب بعيد أو سبب السبف وهو سبب يكفي لمثله، وبه تبين أنّ البعث علة للتساؤل وأنه لا حاجة إلى جعل اللام للعاقبة وفيه نظر لأن من قال إنها للعاقبة وهو الظاهر لاحظ أن الغرض من فعله تعالى إظهار كمال قدرته لا ما ذكر وقوله: ويستبصروا في أمر البعث أي يكونوا على بصيرة فيه، فإن قلت هم مؤمنون وهذا يقتضي شكهم في البعث وهو كفر، قلت: هم متيقنون له وإنما اختلفوا في كونه روحانيا أو لا وفي كيفيته كما روي عن عكرمة من طرق أنهم كانوا أولاد ملوك اعتزلوا قومهم في كهف فاختلفوا في بعث الروج والجسد فقال قائل: يبعثان وقائل: تبعث الروج فقط، وأما الجسد فتاً كله الأرض فأماتهم الله ثم أحياهم الخ كما في شرح البخاري، وما أنعم الله به عليهم إيواؤهم إلى الكهف وزيادة يقينهم وغيره مما وقع لهم. قوله: (بناء على غالب ظنهم الخ (فلا يكون كذبا بناء على أن مرجع الصدق والكذب اعتقاد المخبر فإن رجع إلى مطابقة الواقع وعدمها فلا شك في أنه كذب، كذا قيل وليس بشيء لأنه لا كذب فيه على المذهبين أما الأوّل فظاهر، وأما الثاني فلأنه مجاز عن لازمه، وهو لم يتحقق مقداره كما ذكره أهل المعاني في قول النبي صلى الله عليه وسلم لذي اليدين رضي الله عنه: كل ذلك لم يكن وهو هنا أظهر لكون أو للشك كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: فإنّ النائم لا يحصي مدة نومه الخ، وكونه بناء على ظنهم الغالب قيل معناه من غير نظر إلى القرائن الخارجية كقرب الشمس من الغروب أم لا، ثم لما نظروها بعيدة منه قالوا أو بعض يوم فلا يرد الاعتراض بأنهم إن كان نومهم في ذلك ليوم فهو بعض يوم، وأن كان في اليوم الذي قبله فهو يوم وبعض يوم فلا يتوجه ما في النظم، وهذا يقتضي أن أو فيه للإضراب، وإذا قلنا إنها للشك وإنه مجاز عن إنا لم نتحقق مقداره كما مر لم يرد عليه شيء، نعم على كلام المصنف رحمه الله معناه أن غالب الظن أنه زمن قليل، وأما ما قيل في الجواب إنهم لما ظنوا أنهم في اليوم الذي بعده أرادوا أن يقولوا يوماً وبعض يوم فلما قالوا: يوما اعترض عليهم احتمال أنهم في يومهم فقالوا: قبل أن يتموه أو بعض يوم فمع أنه مما لا وجه له لو كان كما زعمه، لقال: أو وبعض يوم بالعطف، كما لا يخفى على من له معرفة بأساليب الكلام. قوله: الآن النائم لا يحصي مدّة نومه الخ (قيل عليه إنّ النائم وإن كان لا يحصي مدة

نومه حال نومه لكنه يعلم يقينا عند انتباهه مذته استدلالاً بالشمس مثلا، كما إذا نام وقت طلوعها وانتبه وقت الزوال ونحوه، وقد مرّ إنّ معناه أنه بعد الانتباه وقبل النظر في الإمارات لا يحصيها مع أن الظاهر أن هذا كله

ص: 83

تكلف وأن المعنى أنا لا ندري أن مدة ذلك هل هي مقدار مدة يوم أو مقدار مدة بعض منه لأن وقت كلامهم يجوز أن يكون ليلا وأن يكون نهاراً، وهم في جوف الغار لا ينظرون إلى الشمس أو ناموا في النهار وانتبهوا فيه، كما ذكره المصنف رحمه الله فذهلوا عن مقداره ولوثة النوم لم تذهب من بصرهم وبصيرتهم، وكم مثله فلا حاجة إلى هذه التكلفات، وقوله: ولذلك أحالوا الخ بناء على أنهم كلهم قالوا ذلك فيتحد قائل القولين، وقوله: ويجوز أن يكون ذلك أي القول الأوّل، وهذا هو القول الثاني فيكون القائل اثنين. قوله: (وقيل إنهم دخلوا الكهف الخ (غدوة علم جنس غير مصروف ولا يثبت كون ظهيرة مثله إلا بنقل فإن علم الجنس سماعي وقد سمع تنكير غدوة أيضاً كما مر، والقائل على هذا واحد أيضا إلا أن فيه زيادة تعيين زمانه، وسببه. قوله: (وظنوا أنهم في يومهم الخ (أي ترددوا في ذلك وقوله: قالوا ذلك الخ أي ترددوا في ذلك، وقوله: قالوا ذلك الخ كان الظاهر فقالوا: ذلك أو لما ظنوا الخ فكأنه جعل قوله: قالوا الخ بدل اشتمال من قوله: ظنوا، وأورد عليه ما مر من أنهم إن ظنوا أنهم في يومهم هذا يكون لبثهم بعض يوم وان ظنوا أنه في اليوم الذي قبله يكون يوما وبعض يوم بلا مرية وقد مر الجواب عنه وما فيه، وقوله: قالوا ذلك أي لبثنا يوماً أو بعض يوم وربكم أعلم بما لبثتم. قوله: (فلما نظروا إلى طول أظفارهم واشعارهم الخ (قد مر اعتراض أبي حيان عليه وجوابه، وارتضى بعض المفسرين أن الله لم يغير حالهم وهيئتهم ليكون آية بينة. قوله: (والورق الفضة الخ (هذا قول لأهل اللغة استدلالا بما وقع في حديث عرفجة من إطلاقه على غير المضروب، أو إطلاقه على غيره مجاز باعتبار ما يكون عليه أو من استعمال المقيد في المطلق، ويجوز في رائه الفتح والكسر والتسكين، والتخفيف تسكين الراء والتثقيل كسرها مع فتح الواو فيها، وقوله: وغير مدغم لم يذكره جار الله، وأمّا التثقيل وكسر الواو فلم يقرأ به. قوله: (ورد المدغم لالتقاء الساكنين على غير حدّه (وهو أن يكون في الوقف أو في الوصف وأحدهما حرف لين، والآخر مدغم كما فصل في الصرف وهي شاذة قرأها رجاء وابن محيصن، وقد رد هذا الرد بأنه وقع مثله في كلام العرب، وقرئ نعماً بسكون

العين والإدغام ووجهه الجعبري بأنه مغتفر لعروضه في الوقف، وكذا قرئ بالإدغام في قوله: في المهد صبياً، فظهر منه أنه جائز وإن ما قيل إنه لا يمكن التلفظ به سهوا لا أن يفرق بين حرف الحلق، وغيره بأنه يشبه اللين فتدبر 0 قوله: (وحملهم له (أي حمل الفتية للورق دليل على أن التزؤد أي التأهب لأمر المعاش لمن خرج من منزله بحمل الزاد والنفقة ونحوها وهو لا يمنع التوكل كما في الحديث المشهور اعقلها وتوكل، وإن قال بعض الصوفية أن توكل الخواص رفع الأشياء من البين وتوكلهم دل عليه قوله تعالى:{يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} [سورة الكهف، الآية: 16، وقيل: المراد أنّ حمل الدراهم يدل على أنّ حمل الزاد مثله لا أنّ الزاد أطلق على ثمنه لأنه سببه وان صح أيضا وطرسوس بلد إسلامية معروفة، وفي القاموس أنها كحلزون. قوله: (أيّ أهلها (يعني أنه بتقدير مضاف وهذا أحسن من جعل الضمير للمدينة مراداً بها أهلها مجازا فهو استخدام أو جعل طعاماً تمييزاً وأصله طعامها أزكى طعاماً أو جعل الضمير للأطعمة التي في الذهن، كزيد طيب أبا على أن الأب هو زيد لما فيه من التكلف. قوله: (أحل وأطيب (أصل معنى الزكاة النمو والزيادة ثم إن الزيادة قد تكون معنوية وأخروية، وقد تكون حسية ودنيوية فالحلال فيه زيادة معنوية أخرولة لما في توخيه من الثواب وحسن العاقبة، وكان في عصرهم مجوس لا تحل ذبائحهم وأمور مغصوبة لكثرة الظلم فأمروه بالاجتناب عنها، وقوله: وأطيب إن كان بمعنى أحل لأنه يطلق عليه فهما شيء واحد وإن كان بمعناه المتبادر فهو إشارة إلى المعنوية الدنيوية، وقوله: او أكثر وأرخص إشارة إلى الزيادة الحسية الدنيوية فتأمل، وقوله: وليتكلف اللطف يعني أن التفعيل هنا لإظهار أمر وتكلفه وبين وجه إظهاره بأمرين وقوله: يرزق منه إن كان الضمير للطعام فمن لابتداء الغاية أو للتبعيض وإن كان للورق فللبدل. قوله: (ولا يفعلن ما يؤذي إلى الشعور (قيل إنه من باب قولهم لا أرينك ههنا، ولذا قال: ولا يفعلق الخ

ص: 84

ورد بأنه لا مانع من حمل النهي

هنا على ظاهره بخلاف ما ذكر، ولو كان النظم لا يشعر أحد من الثلاثي برفع أحد كان منه ولا يخفى أنه إن أريد به لا يخبرنّ أحدا، ما فسره به الإمام فهو على ظاهره وان لم يرد ذلك كما ذهب إليه الشيخان فالمراد على طريق الكناية لا يفعلن ما يقتضي الشعور بنا، فهو مثل المثال المذكور في إرادة لازمه وان كان بينهما فرق فلا وجه لهذا الإيراد.

قوله: (يطلعوا عليكم أو يظفروا بكم (أصل معنى ظهر صار على ظهر الأرض! ، وما كان

عليه يشاهد ويتمكن منه فلذا استعمل تارة في الاطلاع وأخرى في الظفر والغلبة وعدى بعلى كما أشار إليه المصنف، وقوله: يقتلوكم بالرجم فليس المراد به مطلق الرجم بل ما يؤذي إلى القتل، وقد كان ذلك عادتهم فيمن خالف دينهم. توله:) أو يصيروكم الخ (لما كان العود يطلق على الرجوع إلى ما كان عليه وهو يقتضي أنهم كانوا على دينهم أوّله بالصيرورة لأنه ورد بمعناها كثيراً، ثم جوّز كونه على ظاهره، وقوله: إن دخلتم إشارة إلى دفع سؤال وهو أن نفي الفلاج كيف يترتب على إعادتهم إلى الكفر إكراهاً والإكراه عليه لا يضرّ فيؤذي إلى عدم الفلاج مع اطمئنان القلب بالإيمان فلذا قدر إن دخلتم فيه أي حقيقة لا ظاهراً، ووجه ارتباطه بما قبله أن الإكراه قد يكون سببا لاستدراج الشيطان إلى استحسان ذللث والاستمرار عليه فسقط ما قيل من أن إظهار الكفر بالإكراه مع ابطان الإيمان معفوّ في جميع الأزمان فكيف رتب عليه عدم الفلاح أبدأ، ولا حاجة إلى القول بأنه كان غير جائز عندهم ولا إلى حمل يعيدوكم على يميلوكم إلى دينهم بالإكراه وغيره وأمّا حمل كلام المصنف عليه فتكلف مستغنى عنه. قوله: (وكما أنمناهم وبعثناهم) يعني أنّ الإشارة إلى الإنامة والبعث والإفراد باعتبار ما ذكر أو ما مر ونحوه، وقوله: أطلعنا عليهم قال المرزوقي في شرح الفصيح: عثر سقط لوجهه عثوراً وعثارا، وفي المثل أن الجواد ليكاد يعثر، وقولهم: من سلك الجدد أمن العثار، ومنه تعثر في فضول يثابه وفضول كلامه وعثرت بكذا إذا اعترض! لك فيما نطلبه وأعثرته عليه أطلعته فعثر عثوراً وعثراً وفي القرآن وكذلك أعثرنا عليهم ويقال: أعثر به عند السلطان أي قدج فيه اص. وقال الإمام المطرزي: لما كان كل عاثر ينظر إلى موضمع عثرته ورد العثور بمعنى الاطلاع والعرفان، وقال القوري: عثرت على الشيء إذا اطلعت على أمر كان خفيا اهـ، فهو مجاز مشهور بعلاقة السببية عند أهل اللغة، كما أشار إليه الفاضل المحشي ومن لم يقف على منشئه قال في رذه أنه ليس كذلك فإنه أمر تقريبي ومفعوله الأوّل محذوف لقصد العموم كما أشار إليه بقوله: الذين أطلعناهم على حالهم أي كائناً من كان. قوله: (بالبعث الخ (يعني أن الوعد إمّا بمعناه

المصدري ومتعلقه مقدر، وهو بالبعث أو هبر مؤوّل باسم مفعول هو ما ذكر، وقوله: لأنّ نومهم أي الطويل المخالف للمعتاد والا فكل نوم كذلك كما أشار إليه بقيده، وقوله: وأنّ القيامة تفسير للساعة لأنها في اللغة مقدار من الزمان وفي لسان الشرع عبارة عن يوم القيامة وفي عرف المعدلين عبارة عن جزء من أربعة وعشرين جزءاً من الليل والنهار، وحق بمعنى متحقق، وقوله: في إمكانها تفسير لمعناه، أو إشارة إلى تقدير مضاف في النظم والداعي إلى ذلك قوله: آتية، وقيل عليه أنه يتوجه عليه أنه بعد ذكر تحقق البعث والقيامة لا حاجة إلى ذكر إمكان البعث بعده بل حق النظم أن يقال: أوّلا لا ريب في إمكانه ثم يذكر أنه متحقق ولذا فسره بعضهم بقوله: لا ريب في وقوعها، وقيل إنّ الظاهر أن يفسر قوله: وعد الله حق بكل ما وعد. لأن من قدر على بعثهم من رقدتهم هذه في غاية القدرة فكل ما وعده متحقق، ويكون قوله بعده لا ريب في تحقق الساعة تخصيصاً بعد تعميم وهذا لا يفيد دفع ما ذكره بل هو تفسير آخر، ويدفع بأن تحقق الموعود أو الوعد إنما يقتضي الوقوع في المستقبل وهو معنى قوله: آتية فبعد ما ذكره مؤكدا مكرّراً، قال إنه مما لا ينبغي أن يرتاب الآن في إمكان وقوعه لما شاهدتم من هذه القصة وهي أنموذج له وعنوان إمكانه وإنما يلغو ذكر الإمكان بعد الوقوع لا نفي الشبهة عنه كما إذا قلت سيهب لك هذا الكريم ألوفا ولا شبهة في هذا لأحد، ألا تراك لو قلت لا شبهة في أنّ هذا سيهب لك ألوفا وذكرت بعده الجملة الأولى كان لغواً

ص: 85

من الكلام فتأمّل. قوله: (فإنّ من توفى نفوسهم وأمسكها الخ (هذا لا ينافي ما مر من أنه إنامة لا موت لأنّ المراد بالتوفي هنا النوع! ايضا كما في قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} الآية. وأورد عليه أن البعث من النوم ليس كإعادة الروج إلى البدن الفاني بل بينهما بون بعيد فلا يدلّ الأوّل على الثاني، وكون نومهم الطويل وانتباههم كالموت والبعث غير مسلم إلا أن يقال إنّ الله جعل الاطلاع على الأوّل سببا للعلم بالثاني بطريق الحدس، أو الإلهام لا أنه دليل على تحققه وتيقنه لأنّ حفظ الأبدان في هذه المدة الطويلة عن التحلل من غير تفتت يحوج إلى وجود بدل عما يتحلل بأكل وشرب يدل على القدرة على ما ذكر بطريق الحدس والعادة، وفيه نظر. قوله: (قدر أن يتوفى نفوس جميع الناس الخ (المراد بالتوفي هنا معناه المشهور لا المعنى السابق والا لم يثبت المطلوب لكن فيه أن المطلوب إعادتها بعد تفزق أجزائها لا بعد طول حفظها إلا أن يقال: إنه يعلم بالطريق الأولى وهو غير مسلم، أو يقال: إنها وإن تفزقت أجزاؤها الصغار محفوظة بناء على أنها تعاد بعينها فتأمل، وقوله: أبدانهم في نسخة أبدانها أي

النفوس. قوله: (ظرف لا عثرنا) أو ليعلموا أو لحق أو لوعد على قول، وقيل إنه لم يعلقه بيعلموا لأنّ نزاعهم كان قبل العلم فإنه ارتفع به، وفيه نظر، وقوله: أمر دينهم إشارة إلى أنّ التنازع في أمر دينيّ، وهو حقيقة البعث لا في شأن الفتية كما في القول الآخر، فالضمير للمطلعين عليهم، والإضافة اختصاصية أي الأمر الواقع بينهم، وقوله: وكان بعضهم يقول الخ بيان للمتنازع فيه، وقوله: مجرّدة أي عن الأبدان وكونهما يبعثان معاً هو المذهب الحق عند المليين وقوله: ليرتفع الخلاف متعلق بأعثرنا، وقوله: ويتين أي بطريق الحدس كما مر. قوله: (أو أمر الفتية (فالضمير لهم وأمرهم بمعنى شأنهم وحالهم، وقوله: حين أماتهم الله ثانياً المراد بالإماتة سلب الإحساس أعم من أن يكون بالنوم أو بالموت فهو من عموم المجاز أو من الجمع بين الحقيقة والمجاز بناء على جوازه عند الشافعية ولذا قيل: إن الأظهر أن يقول حين توفاهم فإنّ التوفي أشهر فيه كما في الآية السابقة إذ الأولى إنامة لا إماتة، وأما القول بأنه بناء على أنها إماتة فغير صحيح لمخالفته لكلامه، ولصريح النظم وقوله: قرية أي بلدا معموراً، وليس بالباء الموحدة كما حرف بعض النساخ وكونه مسجداً يدل على جواز البناء على قبور الصلحاء ونحوهم كما أشار إليه في الكشاف وجواز الصلاة في ذلك البناء، وقوله: كما قال تعالى قيل إشارة إلى تأييد هذا الوجه والفاء في فقالوا على الوجهين الأوّلين فصيحة وعلى الآخر للتعقيب. قوله: (ربهم أعلم اعتراض (أي على كل الوجوه وعلى كونه من الله فيه التفات على أحد المذهبين وقوله: من أولئك المتنازعين بكسر الزاي والعين أي في

عهدهم، وقوله: أو من المتنازعين عطف على قوله: من الله، وقوله: للرد إلى الله أي تفويض أمرهم والعلم به إليه، وكوله: وكان عليها اسم دقيانوس أي مكة مضروبة باسمه، وقوله: نستودعك الله يقال عند الوداع وقوله: لما انتهوا أي الناس الذين مع المبحوث وقوله: مكانكم اسم فعل أي قفوا والزموا، أو هو متعلق به مقدرا، وقوله: فعمي بمعنى خفي من العمي فقد البصر، والمدخل محل الدخول وثم بالفتح بمعنى هناك وعلى هذا فوقوفهم على ما يطلع به على البعث بإخبار الفتى وقد اعتمدوا صدقه، والإعثار علمهم بذلك لإخباره، واستدلّ بهذه الآية بعض الفقهاء على جواز المناهدة. قوله:(أي الخائضون في قصتهم االخ) يعني أن الضمير لهؤلاء ومن في قوله: من أهل الكتاب تبعيضية لا بيانية على نهج بنو فلان قتلوا قتيلا إذ لا داعي له. قوله: (أي هم ثلانة رجال يربعهم كلبهم (قيل عليه أنه ينبغي أن يقول ثلاثة أشخاص لأنّ رابع اسم فاعل صيغ من العدد وهو يضاف إلى ما هو بعض منه، والمعنى أنه يجعلهم أربعة ولا تصير الثلاثة رجال بكلبهم أربعة لاختلاف الجنسين وهو الموافق لما ذكره النحاة للاستعمال الشائع فلا عبرة بما قيل له إنه لا يجب اتحاد الجنس وأمّا القول بأنه بشرف صحبتهم ألحق بالعقلاء فتخيل شعري، وقوله: قيل هو قول اليهود وقع في ئسخة وقيل بالعطف والنسخة الأولى أصح لأنّ الظاهر تركه أو إبدال الواو فاء تفصيلية. قوله:

ص: 86

/ (قول السيد الخ) الصيد علم رئيس من رؤسائهم، ونجران علم موضع كان به قوم من نصارى العرب وفدوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: وكان يعقوبيا النصارى ثلاث فرق يعقوبية ونسطورية وملكانية، وتفصيل مذاهبهم وما قالوه في الأقانيم مذكور في الملل والنحل. قوله:(وكان ئسطورياً الخ) في الملل والنحلل نسطور رأس هذه الفرقة كان في زمن الماً مون، وهذا مما خطأه فيه المؤرّخون بل هو قديم قبله كما في الكامل ولما سلمه صاحب الكشف ورأى ما يرد على هذا من أن نصارى نجران في هذه القصة قبل خلق الثأمون أوّله بأنّ المراد أنه كان على مذهب قديم أظهره نسطور ونصره فنسب إليه الآن فالتسمية متأخرة ومسماها متقدم، ولا حاجة إليه لما عرفت. قوله:(يرمون رمياً بالخبر) إشارة إلى أنه منصوب على المصدر بفعل

مقدّر وأنّ الرجم بمعنى الرمي وهي الحجارة وهو استعارة للتكلم بما لم يطلع عليه لخفائه عنه تشبيهاً له بالرمي بالحجارة التي لا تنفذ ولا تصيب غرضا، ومرمي كالسهام ولذا لم يقل رمياً وهو من تشبيه المفعول بالمحسوس بل المحسوس بالمحسوس والخبر الخفيّ تفسير للغيب بمعنى الغائب عنهم، ومطلع مصدر ميميّ أو اسم مكان، وجوّز في نصبه أن يكون على الحالية أو مفعولاً له أو منصوبا بيقولون لأنه بمعناه، وقوله: واتيانا به أي بالخبر معطوف على رميا تفسير للمراد به. قوله: (أو ظناً بالغيب من قولهم رجم الخ (يجوز في ظنا أن يعطف على رمياً وهو الظاهر، وهو عليه أيضاً منصوب على المصدرية لمقدر واستعارة لكنه في الأوّل للتكلم من غير علم وملاحظة، وعلى هذا للظن ويجوز عطفه على إتيانا به، بيانا لأنه مستعار لا يراد الخبر من غير علم أو للظن، وقوله: من قولهم رجم بالظن إذا ظن يعني أنه شبه ذكر أمر من غير علم يقينيّ واطمئنان قلب بقذف الحجر الذي لا فائدة في قذفه ولا يصيب مرماه ثم استعير له ثم وضع الرجم موضع الظن حتى صار حقيقة عرفية فيه كما قال زهير:

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو وما هو عنها بالحديث المرجم

أي المقول بالظن، والظن في قوله: رجم بالظن بمعنى المظنون كما قاله الطيبي وغيره:

والباء فيه للتعدية على تشبيه الظن بالحجر المرميّ على طريق الكناية وليس بوهم بناء على أنها للسببية، كما قيل: وإن كان له وجه. قوله: (وإنما لم يذكر بالسين) أي في يقولون كما ذكرها أوّلاً لأنه بدونها يستعمل للاستقبال وما قبله قرينة على إرادته فاكتفى به، وأما عطفه على مدخول السين فتكلف. قوله:(إنما قاله المسبمون بأخبار الرسول لهم عن جبريل عليهما الصلاة والسلام الخ) أي لا رجما بالغيب كما يدل عليه التقابل والسياق والسباق كما أشار إليه المصنف رحمه الله، ومن لم يفهم مراده قال إنّ الظاهر حذف إنما، وقوله: وايماء الله الخ بالجر عطف على إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون قولهم: بعد نزول الآية كما تدل عليه السين، وفيه بحث. قوله: (بأن اتبعه قوله قل الخ (يعني أنه خالف بين خاتمة الأقوال، فأتغ الأوّلين ما يدل على عدم حقيتهما والثالث ما يدلّ على صدقه فإنّ إثبات الأعلمية مشعر بالعالمية ولذا ذكر بعده قوله ما يعلمهم إلا قليل وقال ابن عباس رضي الله عنهما أنا من ذلك القليل، وقوله: أعلم أي أقوى وأقدم في العلم ممن علمه من المسلمين لا من الطائفتين الأوليين إذ لا علم لهم والمثبت في قوله: ما يعلمهم الخ العالمية فلا يعارض كون إلا علمية لله تعالى، وقوله: وأتبع معص! أبئ

على أتبعه والأوّلين مثنى أي الفريقين أو القائلين الأوّلين. قوله: (وبأن أثبت العلم بهم لطائفة الخ) بيان لبعض وجوه الإيماء المذكور وهو معطوف على قوله: بأن أتبعه وأعاد الباء إشارة إلى أنه وجه آخر لا يتوقف على الاتباع، وكون العلم لطائفة أي من البشر بقرينة المقام، وقوله: فإنّ عدم إيراد رابع تعليل للحصر، وقوله: في نحو هذا المحل أي محل البيان لما قيل فيهم، وقوله: دليل العدم لأنه لو وجد أورد، وليس محلا للسكوت عنه، وقوله: مع أنّ الأصل وهو أنّ العدم أصل في الأشياء حتى يثبت خلافه بدليل فيؤيد نفيه هنا، وقوله: ثم رد بصيغة الماضي معطوف على حصر، وقيل إنه مصدر مجرور معطوف على ما حصر وما مصدرية. قوله: (وبأن ادخل فيه الواو على الجملة الواقعة صفة الخ (كون الواو تدخل على الجملة إذا كانت صفة لنكرة لإفادة

ص: 87

اللصوق وشدة الاتصال والارتباط كما تدخل على الجملة الحالية مما اختاره الزمخشريّ، وتبعه المصنف والكلام فيه رذاً وقبولاً وعلى ما شنع عليه من خالفه كالسكاكيّ مبسوط في المطوّلات وعلى تسليمه فيه إيماء إلى أن القول الأخير وهو المطابق للواقع للدلالة على أنّ الاتصاف أمر ثابت لأنه لا يلتصق به إلا إذا تحقق في الخارج، كما أشار إليه المصنف رحمه الله إلا أنه أورد عليه أنّ الواو من المحكي لا من الحكاية فيدل على ثبوته عند القائل لا عند الله ولا يكون من الإيماء في شيء، وأجيب بأنه تعالى لصا حكى قولهم قبل أن يقولوه هكذا لقنهم أن يقولوه إذا أخبروا عنه بهذه العبارة مع أن الثبوت عند هؤلاء القائلين: كاف لأنهم لا يقولونه رجما بالغيب ولا مانع من كونها من الحكاية، ثم إنه قيل إنّ هذه الجملة لا تتعين للوصفية لجواز كونها حالاً من النكرة لأنّ اقترانها بالواو مسوّغ، كما في المغني ويجورّ أن يكون خبراً عن المبتدأ المحذوف لأنه يجوز في مثله إيراد الواو وتركها، وإذا قيل إن إيراد الواو في مثله يدل على الاهتمام يتم الآن المرام، وقوله: تشبيها لها الخ بيان لوجه دخولها لأنّ الحال صفة لذيها معنى والصفة تكون حالا إذا تقدّمت، وقوله: لتأكيد لصوق الصفة كالواو الحالية والاعتراضية لا للعطف حتى يقال: بعطف الصفة على موصوفها، وقوله: تأكيد الخ لكونه أمراً ئابتا، وأسماؤهم المذكورة لكونها غير عربية لم ينقلوا ضبطها وقد ذكر لكتابتها خواصر لا حاجة إلى ذكرها هنا، وأفسوس بضم الهمزة محصمكون الفاء كما قاله النيسابوري: وهذا يخالف قوله: أوّلا أنها طرسوس، وفي الكشف أنّ المدينة التي كانوا فيها غير المدينة التي بعثوا إليها لشراء الطعام

أو أفسوس من أعمال طرسوس وهي ناحية أو هما قولان، وما قيل من أنهما اسمان لمدينة واحدة أحدهما قديم والآخر محدث خلاف الظاهر ومحتاج إلى النقل عن الثقات، وكون هذه الواو واو الثمانية الكلام عليه مبسوط في المغني وشروحه وشروح الكشاف، واختار السهيلي فيه أنه عطف تلقيني وأنه معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما لما جاءت الواو انقطعت العدة وهو وجه لطيف به يتضح الإيماء المذكور (واعلم (أنّ الشارح الطيبي رحمه الله قال هنا: نكتة لا بد من إظهارها، وذلك أنّ قصة الكهف ملمحة لقصة الغار ومشابهة لها من حيث اشتمالها على حكم بديع الثأن روينا في الصحيحين أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدمي! لأبصرنا فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما يعني لست مثل كل اثنين اصطحبا لما خصصت به من شرف صحبة حبيب الله صلى الله عليه وسلم والتجأت بسببه إلى حريم كنف الله ما قال تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [سورة التوبة، الآية: 40] فالتربيع والتسديس في قصة الكهف ناظر إلى التثليث في قصة الغار لكن نظراً كلا ولا فعلى هذا يجب أن يجعل رابعهم كلبهم وسادسهم كلبهم تابعين لئلاثة وخمسة والضمائر الأربعة راجعة فيهما إليهما لا إلى المبتدأ ومن ثمة استغنى الله عنه بالحذف والا كان الظاهر أن يقال: هم ثلاثة وكلب فلما أريد اختصاصها بحكم بديع الشأن عدل إلى ما هو عليه لينبه بالنعت الدال على التفضلة والتمييز على أن أولئك الفتية ليسوا مثل كل ثلاثة أو خمسة أو سبعة اصطحبوا، ومن ثمة قرن الله في كتابه العزيز أخس الحيوان ببركة صحبتهم بزمرة المتبتلين إلى الله المعتكفين في جوار الله (أقول) أشار رحمه الله تعالى إلى دقيقة تتعلق بالمعاني من نتائج فكره وهي أنه إذا ذكرت صفة في مقام المدح والافتخار ولم يكن لها اختصاص به حتى يتأتى ما قصد من الإطراء وصدر ذلك ممن يعرف أساليب البلاغة لا بد من القصد إلى معنى فيها يجعلها مختصة به مما يلوح به المقام وينظر إليه الحال بطرف خفيّ كما هنا فإنّ كون الله ثالث اثنين ليس مخصوصاً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله تعالى عنه كما قال: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ونحوه وبهذا طعنت الرافضة في عده من خصائص أبي بكر رضي الله تعالى عنه كما في التفسير الكبير فيراد بها هنا أنه تعالى معهما بالحفظ الإلهي والاتصال المعنوي الذي رفعهما مرر حضيض الغار وحجبهما بسرادق حفظ لا تصل إليه أقدام الأفكار، فما بالك بأقدام الكفار، ومثله ما نحن فيه فإق كون طائفة مع كلب ليس مما يخص

ص: 88

هؤلاء

فيمدحوا به لكثرته في رعاء الشاء فيلاحظ فيه معنى وهو أنّ أخس الحيوانات تصذي لحفظهم وبذل نفسه في ملازمة أعتابهم حتى التحق بهم وعد معهم وتشرف بذكر الله له، ولذا قال خالد بن معدان: ليس في الجنة من الدواب إلا كلب أهل الكهف وناقة صالح وحمار العزير، وقال بعضهم: من أحب أهل الخير نال بركتهم

كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله معهم في القرآن، فالتنظير في مجرد ذكر أمر عام يلوّح إلى أمر خاص هو المقصود منه والداعي إلى ذكره وبهذا يتعين كونه صفة في الآية والحديث لأنه الأصل في الجمل المادحة فهو نظيره مع قطع النظر عن الصفتين والموصوفين، ولذا قال: كلا ولا ولم يذكر التثمين لاحتماله التلقين كما مرّ، قال: في قوانين البلاغة من محاسن الكلام نوع يقالى له التتبيع وهو أن يتجاوز عن المذكور إلى معنى آخر، كقوله:

نؤم الضحا لم تنتطق عن تفضل

أراد أنها مترفة مخدومة من بنات ذوي النعم والا فلا مدح فيه، وهذا ما أشار إليه قدّس

سره وإنما أطلنا ذيول الكلام فيه للحمية العلمية فإن بعض أهل العصر لم يفهمه فشنع عليه قائلا أنه سوء أدب يؤذي إلى الافتضاح في يوم تشخص فيه الأبصار حيث قابل جناب رب العالمين بأخس مخلوقاته وكفره بهذا ونسب إليه ما لا يصدر عن عاقل فضلا عمن كان في عصره صدر الأفاضل، وكتابه المذكور يقرأ وينسخ على صفحات الدهور. قوله:(فلا تجادل في شأن الفتية الخ) فسر المماراة بالمجادلة وقد فرق بينهما الراغب بأن المجادلة المحاجة مطلقا والممارة المحاجة فيما فيه مرية أي تردد لأنها من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب، وقوله: من غير تجهيل لهم أي تصريح بذلك وان كان في قص ما يخالفهم ذلك، وقوله: ولا تسأل أحداً منهم عن قصتهم الخ لأنّ السؤال إما للاسترشاد أو للتعنت وكلاهما غير لائق بمقامه تخيب، كما أشار إليه، وأمّا كونه لتطييب خواطرهم أو ليظهر عدم علمهم فيرشدهم إليه كما يسأل الأستاذ تلميذه عن مسألة ثم يدّكرها له فلا مغ منه إن اقتضته الحال، والمندوحة السعة والمراد بها هنا الغني عنه، والتزييف بيان زيف الدراهم أي مغشوشها وهو هنا بمعنى الردّ استعارة منه. قوله:(نهى تأديب) أي المقصود تعليمه ذلك كما سيبينه وقوله: حين قالت الخ ظرف قوله: نهى

تأديب، وقوله: فسألوه فقال في نسخة فقال بدون فسألوه فالفاء فصيحة. قوله: (ولم يستثن) أي لم يقل إن شاء الله فإن الاستثناء يطلق على التقييد بالثرط في اللغة والاستعمال كما نص عليه السيرافيّ في شرح الكتاب، قال الراغب: الاستثناء رفع ما يوجبه عموم سابق كما في قوله: قل لا أجد فيما أوحى إليّ محرّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو رفع ما يوجبه اللفظ كقوله: امرأته طالق إن شاء الله اهـ، وفي الحديث من حلف على شيء فقال: إن شاء الله فقد استثنى فما قيل إن كلمة إن شاء الله تسمى استثناء لأنه عبر عنها هنا بقوله: إلا أن يشاء الله ليس بسديد، وكذا ما قيل إنها أشبهت الاستثناء في التخصيص فأطلق عليها اسمه، وقوله: بضعة عشر يوما في السير أنه في قول ابن إسحق: خمسة عشر يوما وفي سير النعمى أنه أبطأ عنه ثلاثة أيام، وقوله: وكذبته أي شنعت في تكذيبه واستمرت عليه. قوله: (والاستثناء من النهي أي ولا تقولق لأجل شيء) يعني أن اللام لام الأجل والتعليل لا لام التبليغ، وقوله: تعزم عليه تخصيص للشيء بقرينة المقام، وقوله: فيما يستقبل إشارة إلى أن اسم الفاعل مراد به الاستقبال لأنه حقيقة فيه والى أنّ الغد ليس المراد به اليوم الذي يلي يومك بعينه بل ما استقبلك مطلقا قيل ولا مانع من إرادة ذلك، وقوله: إلا بأن يشاء الله إشارة إلى أنه استثناء مفرغ من أعم الأحوال المقدرة بعده وفيه باء ملابسة مقدرة قبل أن أي لا تقولن إني فاعل شيئا غداً ملتبساً بحال من الأحوال إلا ملتبسا بحال مشيئة الله أي بأن تذكرها فتقول إني فاعله إن شاء الله، فقوله: ملتبسا إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال، وقوله: قائلاً تفسير لمعنى الملابسة بينه وبين المشيئة، وقيل إنه إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدرا أي بذكر مشيئة الله، قال في الكشف لأن التباس القول بحقيقة المشيئة محال، ورد بأن معنى التباسه بها تعلقها على مذهب أهل الحق لا الالتباس الحسي فالصواب أن يقال: إنه لو أريد الالتباس بحقيقة المشيئة لم يبق للنهي معنى إذ كل موجود كذلك، وفيه أنّ ما ذكره ليس من التباس حقيقة المشيئة في شيء بل هو

ص: 89

التباس متعلقها وفرق بينهما، مع أنه أيضا غير صحيح لما ذكره فهو تأييد له لا رد عليه فتدبر.

قوله: (أو إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله (فهو أيضا استثناء مفرّغ من النهي والمستثنى منه

أعم الآوقات لا من أعم الآلات والأسباب كما توهم، أي لا تقل ذلك في وقت من الأوقات إلا في وقت تذكر فيه مشيئة الله فالمصدر المؤول مقدر بالزمان وفسر المشيئة على هذا الوجه بالإذن من الله لأن وقت مشيئة الله لشيء لا تعلم إلا بإعلامه به وإذنه فيه، وعلى هذا فمعنى

الآية كقوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم، الآيتان: 3 و 4] ويكون هذا مخصوصا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مناسب لقول المصنف: تأديب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه سبب النزول وعلى الأوّل هو تأديب للأمة كما أشار إليه الطيبي وعدم الاختصماص به يعلم بطريق الدلالة، وأمّا القول بأنه لا يلزم ذلك من المنع في غد لاحتمال المانع عنه فيما بعده لأنّ الزمان باتساعه قد ترتفع الموانع فيه أو تخف، فلا تتأتى الدلالة فليس بشيء لأنه مجرّد احتمال لم ينشأ من دليل والمانع عام شامل للموت واحتماله في الزمن البعيد أقوى، فمن قال إنه تضييق على الناس لم يقف على مرادهم وكذا ما قيل إنه على مذهب المعتزلة من أنّ الأمر عين الإرادة أو يستلزمها ولذا أخره المصنف رحمه الله وقدمه الزمخشريّ، وإنما أخره المصنف لأن المتبادر منه الأوّل فتدبر. قوله:(ولا يجوز تعليقه بفاعل الخ الما بين أنه مستثنى من مدخول النهي على الوجهين كما بينه أشار إلى أنه لا يجوز أن يكون مستثنى من قوله: إني فاعل أي مما في حيزه استثناء مفرغا من أعم الأحوال، أو الأوقات لفساد معناه لأنه يصير تقديره إني فاعل بكل حال أو في كلى وقت إلا في حال أو وقت مشيئة الله ومآله النهي عن أن يقول إني فاعل إن شاء الله وهذا لا يقوله أحد كما قاله ابن الحاجب رحمه الله، وأمّا ما قيل عليه أنه صحيح ومعناه النهي عن أن يذهب مذهب الاعتزال في خلق الأعمال فيضيفها لنفسه قائلا إن لم تقترن مشيئة الله بالفعل فأنا فاعله استقلالاً فإن اقترنت فلا فمع ما فيه من التعسف الذي لم يقع مثله في القرآن ولذا لم يعرج عليه أحد من المفسرين مع ما في الآية من التأويلات لأن المستثنى إما عدم ذلك الفعل أو وجوده، أمّا على الأوّل فلأنه يصير المعنى إني فاعل في كل حال إلا إذا شاء الله عدم فعلى وهذا لا يصح النهي عنه أما على مذهب أهل السنة فظاهر وأمّا على مذهب المعتزلة فلأنهم لا ينكرون أنّ مشيئة الله لعدم فعل العبد الاختباري إذا عرضت دونه بإيجاد ما يعوق عنه، كموت ونحوه منعت عنه وإن لم يكن ذلك بإيجاده واعدامه، ولذا قال في الكشف: إنّ ما ظنه صاحب الانتصاف من أنه مخالف لأصولهم كلام نشأ عن عدم التدبر، وهو مأخذ هذا القائل ولم يسلمه أحد من شراح الكشاف، وأما على الثاني فلا يصح النهي أيضا لأنّ فعل ما شاء الله وجوده لا ينهى عنه عندنا ولا عندهم فتأمل، وقيل إنه على الاستثناء من النهي منقطع والمقصود منه التأبيد أي لا تقله أبداً، كقوله: خالدين فيها إلا ما شاء الله والمعنى لا تقولن فيما يتعلق بالوحي إني أخبركم به إلا أن يشاء الله والله تعالى لا يشاء أن يقوله من عنده فهو لا يقوله أبداً فهو على حد قوله: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى. قوله: (واستثناء اعتراضها) أي مشيئة الله دونه أي الفعل لا يناسب النهي لما عرفت من أنه معنى صحيح لا ينهى عنه وأما كونه ردّ المذهب المعتزلة فقد عرفت رذه. قوله: (مشيئة ربك وقل إن

شاء الله (يعني أنه على حذف مضاف أي مشيئة ربك لا إنه حذف منه كلمتان أي بمشيئته كما قيل: وقل إن شاء الله بيان لكيفية ذكر المشيئة وفسره بما ذكر لدلالة ما كبله عليه وذكر الحديث لدلالته على هذا التفسير، وهو ظاهر، وقوله: ثم تذكرف قيد لا بدّ منه لأنه ما دام ناسيا لا يؤمر بذكزه، وقوله: ما لم يحنث لأنّ عدم الحنث يستلزم تذكر اليمين وهو في قوّة ذكره فكأنه متصل به، وقوله: وعامة الفقهاء أي أكثرهم إذ فيه خلاف ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومن تابعه وهو رواية عن أحمد والشافعيّ، موافق للجمهور ولا وجه لما قيل إنه مع ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل إنه يصح ما لم يقتم من مجلسه، وقوله: لم يتقرر إقرار ولا طلاق الخ، أي لم يثبت لأنّ للحالف أن يقول استثنيت بعد ذلك أو أستثني، وفي نسخة لم يتصؤر أي لم يتصوّر بقاؤه وتقرره والأولى أصح وأظهر.

تنبيه: فيما قاله المصنف رحمه الله تعالى بحث فإنّ الإمام

ص: 90

الخيفري، قال في ى ب الخصائص أنّ من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان له أن يستثني بعد حين بخلاف غيره لما روى الطبرانيّ في الكبير بسند متصل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: واذكر ربك إذا نسيت، قال إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. اهـ وهو مذهب الشافعية ومنهم المصنف فيجوز الفصل للنبيّ صلى الله عليه وسلم دون غيره وكان عليه تفصيله فإن كلامه يوهم خلافه، وليس هذا قول ابن عباس ففي المسألة ثلاثة أقوال منع الفصل مطلقاً وجوازه مطلقا والتفصيل بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره. قوله:(ولم يعلم صدق ولا كذب) في الإخبار عن الأمور المستقبلة دون الماضي والحال فإنه لا يجري فيه التعليق فإذا قال فعلت كذا إن وقع فصدق والا فهو كذب وعدم ظهور الكذب ظاهر، إذا قال افعل كذا، ولم يفعل لاحتمال تعليقه بالمشيئة بعده ولكونه غير متحقق لم يعلم صدقه أيضا ولذا لا يصدق في القضاء إذا قال: نويته فما قيل إنّ عدم العلم بالكذب ظاهر في الصدق لأنه إذا قال أحد افعل كذا وفعل علم صدقه، ليس بشيء لأنه إذا تردد في نقيض شيء لزم التردّد فيه وإلا فهو قطعي وهذا غنيئ عن البيان فلا حاجة إلى التثبت بأجوبة واهية ذكرها بعض أرباب الحواشي. قوله: (وليس في الآية والخبر الخ (جواب عما تمسك به من جوز تأخيره من الآية على تفسيره الأمر فيها بالمشيئة بعد أيام والحديث المذكور

فيه أنه قال: إن شاء الله بعد نزولها فهو دال أيضا على ذلك فدفعه بأن المشيئة المذكورة فيهما ليست مقيدة لقوله: أخبركم غداً السابق في القصة حتى يقوم دليل على ما قلتم بل هو استثناء من أمر مقدر فيه والتقدير كلما نسيت ذكر الله اذكر حين التذكر إن شاء الله، وما في الحديث تقديره لا أنسى المشيئة بعد اليوم ولا أتركها إن شاء الله أو أقول إن شاء الله إذا قلت إني فاعل أمراً فيما بعد، وقوله: ويجوز الخ جواب آخر بأن الآية لا يتعين فيها التأويل السابق الذي تشبثتم به، وقوله: مبالغة في الحث عليه أما دلالة التسبب ح عليه فلأنه يستعمل للتعجب والتعجب من تركه يقتضي أنه لا ينبغي الترك ويشعر بأنه ذنب مع أنّ الخطأ والنسيان معفوّ، واعتراك بمعنى عرض لك، وقوله: إذا نسيت الاستثناء يعني ثم تذكرته وقيل إن هذين القولين ليس فيهما شديد ارتباط بما سبق، وقوله: ليذكرك المنسيّ دليل على أن المراد نسيان شيء من الأشياء والمنسيّ اسم مفعول لنسي أصله منسوي أو من التفعيل بفتح السين والقصر وقوله وعقابه عطف تفسير للمراد بذكره أو إشارة إلى تقدير مضاف، وقوله: ما أمرك به شامل لأمر الإيجاب والندب، وقوله: وأظهر دلالة فأقرب بمعنى أظهر والرشد الدلالة، وقوله: من نبا صلة أفعل المقدرة، وقوله: إلى قيام الساعة متعلق بالنازلة أو المستقبلة أو هما تنازعا فيه وتقييده بذاك لا ينافي الإخبار عما بعدها مع أن التقييد بها لأنه الدال على نبوّته. قوله: (أو أدنى خيراً من المنستي) فأقرب بمعناه الحقيقي ورشداً بمعنى خيرا وهذا معنى آخر للآية ولما جعل اليهود بيان قصة أصحاب الكهف دليلاً على نبوّته صلى الله عليه وسلم هوّن الله أمرها بقوله: قل عسى الخ كما هوّنه في الأوّل بقوله: أم حسبت الخ. قوله: (وهو بيان لما أجمله (من مدة لبثهم أوّلاً في قوله سنين عدداً إلا أنه حينئذ يحتاج إلى بيان وجه العدول عن المتبادر وهو ثلثمائة وتسع سنين مع أنه أخصر، وأظهر فقيل للإشارة إلى أنها ثلثمائة بحساب أهل الكتاب بالأيام واعتبار السنة الشمسية وثلثمائة وتسع بحساب العرب واعتبار القمرية بياناً للتفاوت بينهما وقد نقله بعضهم عن عليّ رضي الله عنه، واعترض! عليه بأنّ دلالة اللفظ عليه غير ظاهرة مع أنه لا يوافق ما عليه الحساب والمنجمون كما قاله الإمام، ولذا قيل إنّ روايته عن عليئ كرّم الله وجهه لم تثبت وفيه بحث فإن وجه الدلالة فيه ظاهر لأنّ المعنى لبثوا ثلثمائة سنة وتسعا زائدة على حساب غيرنا والعدول عن الظاهر يشعر به والتفاوت ما ذكر كما بينوه لكنه تقريبيّ كما بين في محله، وقال الطيبي رحمه الله: وجهه أنهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قربوا من الانتباه، ثم اتفق ما أوجب بقاءهم نائمين تسع سنين، وقيل إنهم انتبهوا قليلا ثم رذوا إلى حالتهم الأولى فلذا ذكر إلازدياد

اوفيه نظر. قوله: (وقيل إنه حكاية كلام أهل الكتاب الخ

ص: 91

(فيكون من مقول سيقولون السابق وما

بينهما اعتراض، ويؤيده أنه قرئ وقالوا: ويكون ضمير وازدادوا لأهل الكتاب، وهو في الأول لأهل الكهف ويظهر فيه وجه العدول لأنّ بعضهم قال: ثلثمائة وبعضهم قال إنه أزيد بتسعة. قوله: (بالإضافة على وضع الجمع موضع الواحد (إشارة إلى أنّ الأصل في تمييز المائة أن يكون مفرداً مجروراً بالإضافة، وأمّا نصبه فشاذ كقوله:

إذا عاش الفتى مائتين عاما

وأمّا على قراءة التنوين هنا فليس تمييزاً كما سيأتى بيانه، فلذا قال إنّ الجمع فيه وضع

س ضع الواحد الذي هو الأصل، وقد تبع فيه الزمخشري، وهو مخالف لقول ابن الحاجب أنّ الأصل في التمييز مطلقاً هو الجمع لكنه يعدل عنه لغرض، ولك أن تجمع بينهما بأن الجمع أصل بحسب الوضع الأصلي والقياس والأفراد أصل بحسب الاستعمال لغلبته فيه بلا شبهة ولولا هذا الاعتبار لكان قوله: هذا مخالفا لقوله، والأصل في العدد إضافته إلى الجمع وتوله: إنّ علامة الجمع فيه جبر أي ليست متمحضة للجمعية لأنّ أصل هذا الجمع أن يكون للمذكر العاقل السالم، وهذا ليس كذلك ولكنهم قد خالفوه فيما حذف منه حرف كسنين وثبين وعضين جبرا له، فلكونها كالعوض أجرى مجرى ما لا علامة جمع فيه، وأصل سنة سنهة أو سنوة على الخلاف فيه وما قيل من أن كلامه هذا يشعر بأن الوضع المذكور صحيح في نفسه والأمران محسنان وليس كذلك، فالأولى أن يجعل ثانيهما مصححا والأوّل محسنا ليس بشيء لأنه لا شك في صحته في نفسه كما صرّح به في التسهيل. قوله:(ومن لم يضف أبدل السنين من ثلاث) أو جعله عطف بيان وهو أولى وجوّز فيه الجرّ على أنه نعت لثلثمائة ولم يجعله تمييزاً لما مرّ، وقال الزجاج: لو كان تمييزاً لزم أن يكونوا لبثوا تسعمائة سنة، قال ابن الحاجب: ووجهه أنه فهم من لغتهم أنّ مميزا لمائة واحد من مائة كما إذا قلت: مائة رجل، فإنّ كل واحد من المائة رجل، ولو كان كل واحد من الثلثمائة سنين وأقلها ثلاثة كانت تسعمائة سنة، ورد بأنّ هذا الذي ذكره مخصوص بالتمييز المفرد وأمّا إذا كان جمعا كثلاثة أثواب فلا، بل هو كتقابل الجمع بالجمع ولا وجه لتخصيص هذا الإشكال بنصب سنين تمييزاً كما في شروح الكشاف بل هو وارد على الإضافة أيضاً وقد نقله الرضي عن ابن الحاجب فقال: وهذا الذي ذكره الزجاج يرد على قراءة حمزة والكسائيّ بالإضافة، فتدبر. قوله: اله ما غاب فيها وخفي) يعني أنّ غيب مصدر بمعنى الغائب والخفي جعل عينه مبالغة فيه ومن أحوالها بيان لما، وقوله: فلا خلق أي مخلوق من الأجسام ونحوها يخفى عليه لأن من علم خفي الأحوال ومغيبها علم غيرها بالطريق الأولى ولذا أتى بالفاء التفريعية، وعلما تمييز. قوله:(للدلالة على أنّ أمره ني الإدراك الخ) قيل

يعني ليس المراد حقيقة التعجب لاستحالته عليه تعالى، فالمراد أنه أمر عظيم من شأنه أن يتعجب من أمثاله) أقول (التعجب من العجب وهو ما يعرض عنه استعظام الأشياء التي تجهل أسبابها وتقل، وصدوره من الله بلفظ العجب أو ما يدل عليه لا يجوز كما صرّج به في الكشاف في محل آخر وذكره عامة النحاة ولذا أوّلوا ما ورد في الحديث من قوله جمييه: " عجب ربكم، ونحوه وأما صدوره من الناس بأن يتعجبوا من بعض صفات الله أو أفعاله، كقولهم: ما أعظم الله، وفي الحديث ما أحملك عمن عصاك وأقربك ممن دعاك وأعطفك على من سألك وقال الشاعر:

ما أقدر الله أن يدني على شحط من داره الحزن ممن داره صول. 00

وهو كثير في كلامهم فقد ارتضى أكثر أهل العربية كالمبزد والفارسي أنه جائز، وسئل ابن

هشام عنه فكتب رسالة في جوازه وما نحن فيه من القبيل الثاني لاندراجه تحت القول، وقد جوّزوا فيه أن يكون حقيقة فما ذكروه ناشئ من عدم الفرق بين المقامين وليس هذا محل تفصيله، فإن قلت بعدما بين الله مدة لبثهم بقوله:{ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [سورة الكهف، الآية: 25] ما وجه ذكر: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [سورة الكهف، الآية: 26] قلت أما على الوجه الثاني وهو أنه حكاية عن تردد أهل الكتاب في أنه ثلثمائة وتسع فظاهر وأما على الأوّل فالمراد أنّ الله أعلم

ص: 92

بحقيقة ذلك وكيفيته وهو بعد الإخبار عنه إشارة إلى أنه بإخبار الله وإعلامه لا من عنده وأمّا احتمال أن السنين شمسية أو قمرية والتسع سنين أو شهوراً فليس بشيء. قوله: (والهاء تعود إلى الله (أي في قوله به وهذان المذهبان في إعراب هذه مشهوران مبسوطان في العربية، وقوله: صار ذا بصر يعني أن الهمزة للصيرورة لا للتعف. يئ كأغذ البعير أي صار ذا غدة ونقله إلى صورة الأمر ليدل على أنه قصد به معنى إنشائي لتعيينه فيه بخلاف الماضي فإنه خبر في اكثر وقد يرد للإنشاء كنعم وبئس، وقوله: لياق وفي نسخة لياقة بفتح اللام بمعنى مناسبة صيغة الأمر له بحسب الظاهر لأنه ضمير غائب وفاعل الأمر أبداً ضمير مخاطب مستتر فأبرز لذلك وله محلان رفع وجر ومثله كثيراً، ولدخول الباء الزائدة عليه، وتصييره مجروراً وهو لا يستتر إذ المستتر لا يكون الأمر فرعا ولذا حذف من قوله: أسمع مع أنّ الفاعل لا يجوز حذفه

لكنه لما صار فضله أعطى حكمه كما صرّج به الرضي وغيره، وقوله: نقل إلى صيغة الأمر أي حوّل إليها فصار في صورة الأمر وليس المراد به ذلك بل إنشاء التعجب، وما قيل إنّ المراد أنه لم يشتق من الفعل كغيره من الأوامر بل سكن آخره فلا يرد عليه أن كون الأمر بمعنى الماضي غير معروف بل عكسه لا وجه له فإنه ليس أمراً بل إنشاء كبعت واشتريت، وليت شعري ما يقول في كسر صاده ومثل هذا من التعسف البارد وكون الماضي لا يرد بمعنى الأمر غير مسلم ألا ترى أن كفى به بمعنى اكتف به عند الزجاج، كما سيأتي وفي الحديث اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه كما ذكره ابن مالك وله نظائر وان كان عكسه أشهر، وقوله: عند سيبويه أي مذهبه أنه فاعل فحذف اكتفاء بما قبله والباء مزيدة فيه ليتصوّر التلفظ به، وقال الزجاج: إن الباء في كفى به دخلت لأنه بمعنى اكتف به وهو حسن. قوله: (والنصب على المفعولية) معطوف على قوله: الرفع على الفاعلية وما عزاه إلى الأخفش كغيره عزاه الرضي إلى الفرّاء، وقوله: والفاعل ضمير المأمور وهو كل أحد لأنّ المراد أنه لظهوره يؤمر كل أحد لا على التعيين بوصفه بما ذكر ولذا لم يثن، ويؤنث ويجمع لأنه غير متصرف وثمرة الخلاف تظهر فيما اضطرّ إلى حذف الباء فعلى الأوّل يلزم رفعه وعلى هذا يلزم نصبه ويرجح كون الهمزة للتعدية كونها أكثر وكونها للصيرورة لأن الأصل عدم الزيادة. قوله:(الضمير لآهل السموات والأرض (المعلوم من ذكر السموات والأرض قبله، وقيل لأصحاب الكهف أي مالهم من يتولى أمرهم ويحفظهم غيره، وقيل: للمختلفين في شانهم أي لا يتولى أمرهم غير الله فهم لا يقدرون بغير أقداره فكيف يعلمون ذلك بغير إعلامه ولا يخفى بعده، وفسر الحكم بالقضاء لأنّ به تنفيذ ما قدره. قوله: (مثهم) أي من أهل السموات والأرض، وقوله: على نهي كل أحد لا نهي النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه لا يتصور منه ذلك ولو جعل له صلى الله عليه وسلم لكان تعريضا بغيره كقولي:

إياك أعني فاسمعي يا جاره

فيكون مآله إلى هذا ويحتمل أن يكون المعنى لا تسأل إحداهما لا تعرفه من قصة أهل الكهف ولبثهم واقتصر على ما يأتيك من الوحي وهذا أشدّ مناسبة لقوله: واتل الخ وهو موافق للمعنى على الغيبة. قوله: (ثم لما دلّ اشتمال القرآن على قصة الخ) على الأولى متعلقة باشتمال والثانية بدلّ، وقوله: من حيث تعليل للدلالة على إعجازه، وقوله: بالإضافة الخ

لإخراج بعض أهل الكتاب وإعجازه بذلك لا ينافي كونه معجزا ببلاغته فليس مبنيا على القول المرجوح، وقوله: أمره جواب لما فإن قلت دلالته على ما ذكر تستلزم الأمر بملازمة الدراسة في الجملة لا ما عطف عليه، قلت الظاهر أنها قضية اتفاقية مسوقة لبيان ارتباط هذه الآية بما قبلها كما تقول لما قدم زيد طلعت الشمس ولا ملازمة فيها عقلا ولا عادة فلا يرد عليه شيء حتى يدفع بأنّ المعطوف بمنزلة التفسير، لأنّ المراد من درس الوحي تلاوته على أصحابه من غير التفات لمن طلب تبديله إذ هو كاف للموحد، وهذا مبنيّ على أن اتل بمعنى اقرأ، ويحتمل أنه من التلوّ بمعنى اتبع ما أوحي إليك من ربك وألزم العمل به. قوله:(لا أحد يقدر على تبديلها الخ) دفع لما يرد على ظاهره من أنّ التبديل واقع لقوله: هاذا بدلنا آية الخ بأنّ المنفي تبديل غيره تعالى له، وأمّا هو فقدرته شاملة لكل

ص: 93

شيء يمحو الله ما يشاء ويثبت، ومنهم من خص الكلمات بالخبر لأنّ المقام للإخبار عن قصة أهل الكهف وهو لا يبدل أي ينسخ وكون المنسوخ ثابتا إلى وقت النسخ لا ينافي كونه تبديلاً كما توهم، ونفي القدرة لأنه في الواقع كذلك ونفيها يستلزم نفي التبديل بالفعل. قوله:(ملجأ تعدل إليه (اللحد والإلحاد حقيقته الميل والعدول والملتجئ إلى شيء يعدل عن غيره إليه فلذا ورد بمعنى الملجأ، وقوله: إن هممت إشارة إلى أنه على الفرض والتقدير إذ هو صلى الله عليه وسلم بل خلص أمته لم يلتجؤوا لغير الله. قوله: (احبسها وثبتها) يشير إلى أنّ أصل معنى الصبر الحبس ومنه صبرت الدابة حبستها لتعلف، ثم توسع فيه فاستعمل في الثبات على الأمر وتحمله ومنه الصبر بمعناه المعروف ولم يجعله منه هنا لتعذيه ولزوم الآخر قيل وهذه الآية أبلغ من قوله في سورة الأنعام {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم} [سورة الأنعام، الآية: 52] الآية وقد مرّ. قوله: (في مجامع أوقاتهم) هذه العبارة تستعمل للدوام كما يقال: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} وهو محتمل هنا وقد فسره به المصنف رحمه الله في سورة الأنعام فمجامع في كلامه إن كان جمع مجمع كمقعد ومنزل اسم مكان كما هو المشهور فيه، فإضافته للأوقات بتقدير مضاف أي مجامع صلوات أوقاتهم الخمس، أو مجامع أوقات صلاتهم الخمسة، كما روي عن مجاهد وغيره وان كان اسم زمان فإضافته بيانية، والمراد أوقاتهم الجامعة لهم وهي تلك الأوقات أيضاً، وان كان مصدرا فإنّ مجمعاً يكون بمعنى الجمع كما في المصباح وأريد به المجموع فهو بمعنى الدوام وأمّا كونه جمع مجموع فلا وجه له، وعلى الثاني فأخذه من النظم لأنّ هذه العبارة شائعة فيه وأمّا على الأوّل فلأنّ اجتماعهم مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأكثر لذلك وعبارة المصنف لا تخلو من الركاكة، وبما قرّرناه سقط ما قيل من أنّ الأولى أن يفسر بالدوإم لأنه المعروف وليس في الآية ما يدلّ على دعائهم مجتمعين في أوقات

الصلوات، ثم الظاهر أن يفسر مجامع أوقاتهم بمحال اجتماعهم للذكر والدعاء مطلقا، وهو مما يدلّ عليه تعميمهم للدعاء لأنّ سبب النزول قول المؤلفة للنبيّ صلى الله عليه وسلم: لو جلست في صدر المجلس ونحيت هؤلاء وأرواح خيلهم جلسنا إليك وأخذنا عنك فنزلت هذه الآية فالتمسهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في مؤخر المسجد يذكرون الله على ما روي في أسباب النزول وهو مما لا غبار عليه، وقوله: أو في طرفي النهار فهو على ظاهره وخصهما لأنهما محل الغفلة والاشتغال بأمورهم، ويحتمل أن يريد به الدوام أيضاً. قوله:(وفيه أن غدوة علم في الأكثر (يعني أنّ اكثر في استعمال العرب له أن يستعمل علم جنس ممنوعا من الصرف فلا تدخل عليه ألف ولام لأنه لا يجتمع في كلمة تعريفان وهذا هو اكثر لكن سيبويه والخليل ذكراً أن بعض العرب ينكرها فيقول: جاء زيد غدوة بالتنوين وعلى هذه اللغة خرجت هذه القراءة وقد قال الرضي أنه يجوز استعمالها، كذلك اتفاقاً فقوله على تأويل التنكير جواب عن سؤال مقدر بأنه نكر كما ينكر العلم الشخصي في قولهم: حاتم طيئ وزيد المعارك إلا أن الجواب السابق أحسن دراية ورواية لأنّ التنكير في العلم الشخصي ظاهر وأما في الجنسي ففيه خفاء لأنه شائع في أفراده قبل تنكير. فتنكيره إنما يتصوّر بترك حضوره في الذهن الفارق بينه وبين النكرة، وهو خفيّ فلذا أنكره الفناري في حواشيه على التلويح في تنكير رجب علم الشهر فتدبر. قوله: (رضا الله وطاعته) قيل إته يريد أن الوجه بمعنى الذات وفيه مضاف مقدر) أقول (الأحسن أن مراده ما قاله الإمام السهيلي في الروض من أنّ الوجه إذا أضيف إلى الله يراد به الرضا والطاعة المرضية مجازاً لأنّ من رضي على من أطاعه يقبل عليه، ومن غضب يعرض! عنه، وأمّا ما قيل من أنه يشير إلى أنّ الوجه بمعنى الذات ولو أسقط لفظ الرضا كان أبلغ فإذا أراد الرضا فقط فلا وجه له، وان أراد مع ما عطف عليه فله وجه على ما قرّره، وجملة يريدون حال من فاعل يدعون. قوله: (لا تجاوزهم نظرك الخ (إشارة إلى أن عدا حقيقة معناه تجاوز كما صرّج به الراغب ولما كان التجاوز لا يتعدّى بعن إلا إذا كان بمعنى العفو كما صرّحوا به أيضا وقد أشار إليه بقوله لا تجاوزهم الخ احتاجوا إلى التضمين فما قيل إنه بمعنى تصرف وهو يتعدى بعن

ص: 94

من غير تضمين لا يسمع في مقابلة النقل الصحيح، وقوله: لا تجاوزهم بضم التاء من المفاعلة، وهو مجزوم وفاعله ضمير النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومفعوله نظرك وعبر بالنظر لأنه المتجاوز في الحقيقة ويحتمل أن يكون إشارة إلى تقدير مضاف في النظم، وما قيل إنه يعني أنّ العين مجاز عن النظر يأباه التثنية وقوله: إنّ تجاوز أصله تتجاوز بتاءين حذفت إحداهما تخفيفا وفاعله نظرك وأنث لتأويله بالعين وهي النظر مجازاً، وهو كناية عن نهي النبيّ صلى الله عليه وسلم على حذ قوله لا أرينك ههنا، تكلف وتعسف لا داعي إليه.

قوله: (لتضميته معنى نبا (أي معنى فعل متعد بعن أي معنى فعل متعد من نبا ينبو نبوّاً

بمعنى علا وبعد المتعدي بعن وأمّا كونه بمعنى الصرف المتعذي بها دون تضمين فليس بمسلم عند الشيخين وكلام القاموس ليس بحجة عليهما، وكون اختياره لما في التضمين من إفادة معنيين فهو أبلغ لا يتأتى إلا إذا سلم أن حقيقته الصرف كما توهم، وقوله: وقرئ ولا تعد أي بضم التاء وسكون العين وكسر الدال المخففة من أعداه وهي قراءة الحسن وتعد بضم التاء وفتح العين وتشديد الدال المكسورة من عداه يعديه وهي قراءة الأعمش والهمزة والتضعيف فيهما ليسا للتعدية كما في الكشاف، بل هما مما وافق معنى الثلاثي فيجري فيه التضمين السابق والا لتعدّى بنفسه كما في البحر رذاً على الزمخشري ولذا تركه المصنف. قوله:(والمراد نهي الرسول صلى الله عليه وسلم الخ) أي على جميع القرا آت، وقوله: أن يزدري بفقراء المؤمنين أي يحقرهم وهو يتعدى بالباء كما قاله الراغب فلا حاجة إلى القول بأنّ الباء زائدة أو أنه مضمن معنى الاستخفاف، وقوله: تعلو عينه والعلوّ يتعدى بعن قال تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} [سورة الإسراء، الآية: 43] وبه صرّح الراغب وعلوّ العين عنه أن لا ينظر إليه وينظر لما فوقه حساً أو معنى وهو يقتضي تجاوزها فلذا قيل إن تعد مضمن معنى تعل واليه أشار المصنف رحمه الله، ومن لم يفهمه قال إنه عدى عدا بعن لتضمينه معنى التجاوز أو عن بمعنى من الأجلية، والرثاثة بلا الثياب ونحوها، والزفي بكسر الزاي وتشديد الياء الهيئة والمراد به اللباس وطموحا بمعنى ارتفاعاً وانصرافا وهو مفعوله له أو حال والى متعلق به، وطراوة في مقابلة الرثاثة مجاز عن كونه جديداً غير بال، والأغنياء جمع غنيّ ضدّ الفقير. قوله:(حال من الكاف في المشهورة) أي في القراءة الأولى المشهورة في السبعة المتواترة وهو حال من كاف عيناك وجازت الحال منه لأنه جزء المضاف إليه، فلا غبار عليه كما توهم ولا حاجة إلى إقحام العين. وأمّا على القراءتين الأخيرتين: فهو حال من فاعله المستتر وأمّا كونه حالاً من عيناك، والقول بأن أفراد الضمير لكونهما في حكم عضو واحد أو للاكتفاء واسناد الإرادة إلى العين مجاز كما في قولهم: استلذته عيني واستملحته فهو د! ان صح عدول عن الظاهر من غير داع. قوله: (جعلنا قلبه غافلَا (يعني أن همزته لتعدية غفل بمعنى صار ذا غفلة خلقها الله فيه عن ذكر الله لاشتغاله بحطام الدنيا عن ذكره فضلاً عن معرفته ومعرفة من تقرب إليه وما أشار إليه مرّ في

الأنعام، وحلية النفس ما تتحلى وتتزين به من المعارف الإلهية وزينة الجسد اللباس، وقوله: وأنه لو الخ معطوف على أن الداعي، وقوله: كان مثله في الغباوة أي عدم الفطنة وكان الأليق بالأدب أن يترك هذه العبارة ويتأدب بآداب الله في مقام شرف نبيه صلى الله عليه وسلم. قوله: (والمعتزلة لما غاظهم) هذا هو الصحيح من النسخ أي أوقعهم في الغيظ للحمية الجاهلية لمذهبهم في عدم نسبة الأفعال القبيحة إلى الله وانكار أنها بخلقه لظهور هذه الآية في مخالفتهم وفي نسخة غلظهم باللام المشددة أي أوقعهم في الغلظة والعصبية. قوله: (قالوا إنه مثل أجبنته إذا وجدته كذلك) أي جبانا والوجدان على أمر يقتضي أنه ليس بفعله وايجاده وكذا نسبته إليه أي وصفه كفسقته أي نسبته إلى الفسق. قوله: (أو من أغفل إبله إذا تركها) غفلاً من غير سمة وعلامة بكيّ، ونحوه ومنه إغفال الخط والكتاب لعدم إعجامه فهو استعارة لجعل ذكر الله الدال على الإيمان به كالسمة لأنه علامة لسعادة الدارين كما جعل ثبوت الإيمان في القلب بمنزلة الكتابة فمعنى تركهم غير موسومين بالإيمان تمكينهم من الكفر لا خلقه عندهم. قوله:(واحتجوا على أن المراد ليس ظاهر ما ذكر)

ص: 95

من كون الإغفال فعل الله بقوله: واتبع هواه حيث أسند اتباع الهوى إلى العبد الدال على أنه فعله لا فعل الله، ولو كان فعل الله والإسناد مجازيّ لقيل: فاتغ بالفاء السببية لتفرّعه عليه. قوله: (وجوابه ما مرّ غير مرّة) أي من أنّ فعل العبد لكونه بكسبه وقدرته وخلق الله يجوز إسناده إليه بالاعتبار الأوّل والى الله بالاعتبار الثاني، والتنصيص على التفريع ليس بلازم فقد يترك لنكتة، كالقصد إلى الإخبارية استقلالاً لأنه أدخل في الذم وتفويضاً إلى السامع في فهمه، ولا حاجة إلى تقدير فقيل واتبع هواه الخ. قوله:(وقرئ أغفلنا بإسناد الفعل إلى القلب) وجعله فاعلا له هذه القراءة شاذة لابن فائد، والأسواري. وهي من أغفله إذا وجده غافلاً، والمعنى ظننا وحسبنا غافلين عن ذكرنا له ولصنيعه بالمؤاخذة بجعله ذكر الله لعلمه كناية عن مجازاته كما مرّ مراراً. قوله:(مقدّماً على الحق ونبذا له وراء ظهره) فرط بفتح الراء يكون اسما بمعنى متقدم ومصدراً بمعنى التقدم كما ذكره المعرب وغيره ولذا وقع في نسخة تقدما بالمصدر وعليه فنبذا بمعنى رميا على ظاهره على الأولى، كذلك أو بمعنى نابذا، ونبذه ورميه وراء ظهره مجاز عن تركه، وهو تفسير لقوله: مقدما على الحق، وفرس فرط أي سابق لغيره، وقوله: ومنه الفرط بسكون الراء مصدر، أي مجاوزة الحد أو بفتحتين بمعنى التضييع. قوله: (الحق ما يكون من جهة الله! تفسير لمقول القول على أن الحق مبتدأ ومن

ربكم خبره، وفيه إشارة إلى أنّ تعريف الحق للجنس وأنّ التركيب يفيد القصر، كقوله: الكرم في العرب وأن القصر فيه إضافيئ بالنسبة إلى مقتضى الهوى وأن معنى كونه من الرب كونه من جهته بوحي وتوقيف ونحوه ومن ابتدائية وهو رد على أمية فيما دعا إليه، وقوله: خبر مبتدأ محذوف أي الموحى إليك ونحوه والجار والمجرور حال مؤكدة من الحق أو خبر بعد خبر، وفيل: إنه فاعل جاء مقدّراً كما صزج به في آية أخرى. قوله: (لا أبالي لإيمان من آمن ولا كفر من كفر (يعني أنّ الأمر والتخيير ليس على حقيقته فهو مجاز عن عدم المبالاة والاعتناء به والأمر بالكفر غير مراد فهو استعارة للخذلان والتخلية بتشبيه حال من هو كذلك بحال المأمور بالمخالفة ووجه الشبه عدم المبالاة والاعتناء به فيهما وهذا كقوله:

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

كما فصل في غير هذه الآية وهذا رد عليهم في دعائهم إلى طرد الفقراء المؤمنين ليجالسوه ويتبعوه فقيل لهم: إيمانكم إنما يعود نفعه عليكم فلا نبالي به حتى نطردهم لذلك بعدما تبين الحق وظهر، وبهذا ظهر ارتباطه بقوله: وقل الحق من ربكم عل! الوجوه. قوله (وهو لا يقتضي استقلال العبد بفعله الما استدل المعتزلة بهذه الآية على أن العبد مستقل في أفعاله موجد لها لأنه علق فيها تحقق الإيمان والكفر على محض مشيئته لأنّ المتبادر من الشرط أنه علة تامة للجزاء فدلّ على أنه مستقل في إيجادهما ولا فرق بين فعل وفعل فهو الموجد لكل أفعاله أشار إلى دفعه، بأن مشيئته ليست بمشيئة أخرى له د الا لدار أو تسلسل فهي بمشيئة الله لقوله:{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [سورة الإنسان، الآية: 130 فلا يكون مستقلاً فيه لتوقف ارادته على إرادة الله، وأورد عليه أنه لا يلزم من توقف مشيئته على مشيئة الله لها، كون ذلك الفعل بخلق الله وايجاده فكان عليه أن يقول: فمشيئته ليست بموجدة له، وإنما الموجد مشيئة الله وقدرته، ومشيئة العبد مقارنة للفعل لا غير كما هو مذهب الأشعركما وأجيب بأنه سلك طريق المبالغة في إلزامهم يعني تنزلنا وفرضنا أن مشيئة العبد مؤثرة وموجدة للأفعال فمشيئته بمشيئة الله لما مرّ فانتفى استقلاله فيها كما فصله في التفسير الكبير، وأورد عليه أن لهم أن يقولوا: تعلق القدرة والإرادة يستقل به العبد عند حصول الدواعي وحصول الدواعي ليس بموجب للتعلق مع أن لزوم التسلسل في التعلقات لا يختص بإرادة العبد بل يعتم إرادة الله، والجواب أنّ توقف مشيئته على مشيئة الله وتمكينه ثابت بالنص بلا نزاع وإرادة إرادة اليم كإرادته بلا فرق والتوقف عليها مقرّر فلزم عدم استقلاله في الفعل وأن لإرادة الله مدخلا فيه وهو يهدم قاعدتهم، ولا حاجة إلى ذكر حديث التسلسل هنا، وأمّا قوله: يعم إرادة الله فقد قيل إنّ بينهما فرقاً ومن أراد تفصيله فليرجع إلى شرح المقاصد والمواقف وحواشيه فإن السؤال

وجوابه مسطور ثمة. قوله: (فسطاطها (الفسطاط الخيمة وقوله: شبه به

ص: 96

ما يحيط بهم من النار يحتمل أنه تشبيه للنار بالسرادق في الإحاطة ويكون مما ذكر فيه الطرفان ووجه الشبه، ويحتمل أن يكون استعارة مصرّحة لتشبيهه لهب النار المنتشر منها في الجهات بالسرادق ويكون قوله: أحاط ترشيحا، ويحتمل المكنية والتخييلية، والسرادق معرب سرابرده أو سراطاق، وقوله: الحجزة بالزاي المعجمة أي ما يحجز ويمنع من الوصول إليه من خندق ونحوه، أو بالمهملة أي الحظيرة التي تجعل حوله، وإطلاقه على الدخان وما بعده الظاهر أنه مجاز على التشبيه وان كان كلام القاموس يوهم خلافه، وقوله: من العطش قدر لقرينة قوله: بعده بماء. قوله: (كالجسد المذاب) إن أراد بالجسد ما يتبادر منه وهو جسد الحيوان فالمراد أنه لغلظه كأنه لحم مذاب بالطبخ، وإن أراد به مطلق الجرم فهو بمعناه ويحتمل أن يريد به جرم المعدنيات فإن أهك الكيمياء اصطلحت على تسميته جسداً فيكون بمعنى ما وقع في نسخة أخرى، وهو كالنحاس، وفي الكاف إشارة إلى أنه لا يخصه لشموله سائر المعدنيان المذابة كما في القاموس وغيره، وهذا هو الموافق للكشاف وكتب اللغة، ودردقي الزيت عكره وما يرسب منه في قعر الإناء. قوله: (وهو على طريقة قوله فأعتبوا بالصيلم (وقولهم: عتابك السيف:

وتحية بينهم ضرب وجيع

والمقصود منه آلهتكم بجعل خلاف ما يرجى مكانه وهل هو استعارة أو تشبيه أو نوع آخر

تقدم تحقيقه في قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وأن هذا من قصيدة لبشر بن أبي حازم أوّلها:

لمن الديار غشيتها بالأنعم تبدو معارفها كلون الأرقم

ومنها:

غضبت حنيفة أن تقتل عامر يوم النسارفأعتبوا بالصيلم

وحنيفة وعامر قبيلتان من العرب ويوم النسار بكسر النون والسين والراء المهملتين يوم معروف وقعت فيه حرب بينهم، والصيلم كفيصل الداهية وفسره في شرح المفصليات بالسلاج، وأعتبوا بمعنى أزيل عتبهم وفي رواية أعقبوا أي جعل ذلك عاقبة أمرهم فلا شاهد فيه. قوله: (يشوي الوجوه (أي يحرقها وينضجها، وقوله: من فرط حرارته تعليل للشيئ، وقوله: صفة ثانية إشارة إلى أنّ قوله: كالمهل صفة أولى، وقوله: أو من الضمير في الكاف أي المستتر لأنها

اسم بمعنى مشابه فيستتر الضمير فيها كما يستتر فيه وهذا مما ذكره غير المصنف كالمعرب وفسروه بما ذكر ولا يخفى ما فيه من التكلف لأنه ليس صفة مشتقة حتى يستتر فيه الضمير ولم يعهد مشتق على حرف واحد وكنت توقفت في صحته كما ذكره بعضهم حتى رأيت أبا عليّ الفارسيّ قال في شرح الشواهد في شرح قوله:

رأتني كافحوص القطاة ذؤابتي

إن قلت: اجعل الكاف بمنزلة مثل فأرفع بها ذؤابتي كما رفع بمثل، قلت: ليس بالسهل،

لأنها ليست على ألفاظ الصفات اهـ، فحمدت الله تعالى على الظفر بهذه المسألة، ولو قيل في كلامه تسمح وأنّ المراد بالكاف الجاز والمجرور كان أسهل من هذا وجوّز فيه أن يكون حالاً من ماء لوصفه، وقوله: المهل بيان للمخصوص بالذم المقدر والمهل المقدر استعارة للماء الحارّ وعبر به، لأنه أقوى في الذم لبيان أنه ذم لما فيه من تلك الصفات لا من حيث كونه ماء، ولذا قدّره الزمخشري بذلك فلا وجه لما تيل: إنّ الكلام مسوق لتقبيح حال المشبه دون المشبه به فالظاهر أن يقول: بئس الشراب الماء الموصوف بما ذكر، وقوله: وساءت النار إشارة إلى أنها متصرّفة وفاعلها ضمير النار. قوله: (متكأ الخ (يعني أنه اسم مكان وقع تمييزاً، وأصله مر تفقها والمراد ذتم شرابهم واقامتهم وقيل معناه المنزل أو المراد أنه مصدر ميمي بمعنى الارتفاق والاتكاء وهو المناسب لما بعده والمرفق من اليذ معروف، وقوله: وهو لمقابلة الخ يعني أنه للمشاكلة وقد تقدم على المعنى الحقيقي المشاكل له كما في قوله:

نحرتني الأعداء إن لم تنحر

وإن كان الأكثر خلافه. قوله: (وإلا فلا ارتفاق لآهل النار (أي ارتفاق استراحة وأما وضحع

اليد تحت الخذ للتحزن والتحسر فالظاهر أن العذاب يشغلهم عنه فلا يتأتى منهم حتى يكون هذا حقيقة لا مشاكلة فلذا لم يعزجوا عليه لكنه يجوز أن يكون تهكما أو كناية عن عدم اسنراحتهم. قوله: (خبر إنّ الأولى هي الثانية الخ (ولما خلت من العائد تذره بما ذكر أو الرابط من أمّا لأنه عامّ شامل لاسم أنّ الأولى لتعريف الأعمال

ص: 97

الصالحة في صلة الأول وتنكير عملا هنا وهذا بالنظر إلى الظاهر، وما بعده بحسب التحقيق، ومثله يكون رابطاً أو لأنه عينه لتساويهما كما ذكر، أو خبرها أولئك الخ هذا محصل ما ذكره المعربون ولا يرد على الأوّل أنه يقتضي أن منهم من يحسن العمل ومن لا يحسنه لأنه إنما يرد لو كانت من تبعيضية، وليس بمتعين لجواز كونها بيانية، ولو سلم فلا بأس فيه فإنّ الإحسان زيادة الإخلاص الوارد في

حديث الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، وأمّا كونه مشروطا بحسن الخاتمة فلا وجه له هنا، وقوله: نعم الرجل زيد على القول بأن زيد مبتدأ، ونعم الرجل خبره، والرابط عموم الرجل وهو قول فيه. قوله:(فإنّ من أحسن عملَا على الحقيقة الخ (لا يأباه تنكير عملا بناء على أنه للتقليل لعدم تعينه فيه إذ النكرة قد تعم في الإثبات ومقام المدح شاهد صدق، وأمّا كون التنوين للتعظيم فلا يجدي هنا مع أنه يرد على ما قبله لأنه لا يعم حينئذ إلا بتأويل وأما كون من أحسن عملا ولم يعمل الصالحات لا يعد ممن أحسن عملاً في الغرف وان صح بحسب الوضع، ولذا قال المصنف رحمه الله: لا يحسن، ولم يقل لا يصح فعلى تسليم التقليل لا وجه له. قوله: (من الأولى للابتداء الخ) هذا هو الظاهر، وقيل إنها بيانية، وقيل تبعيضية، وقيل زائدة في المفعول وعلى ما قبله المفعول محذوف أو الفعل منزل منزلة اللازم بالنظر للثاني، وفي من الثانية أيضاً وجوه أخر وقوله: عن الإحاطة به، متعلق بتعظيم لتضمينه معنى التبعيد أي كأنه أمر عظيم لا يمكن الإحاطة بمعرفته ولا يخفى مناسبة الإحاطة للسوار. قوله: (وهو جمع إسورة الخ (سوار معروت وقد قيل إنه معزب في الأصل ولما رأوا أنّ أفعالاً لا يجمع على أفاعل في القياس جعلوه جمع الجمع فقيل إنه جمع إسورة كحمائر وأحمرة وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: جمع إسورة، وقيل: هو جمع إسوار، وأصله أساوير فخفف بحذف يائه، وقوله: في جمع سوار راجع إليهما. قوله: (لأنّ الخضرة الخ أليس في النظم ما يدل على حصر لباسهم فيما ذكر فيكون وجه تخصيصه ما ذكر ويحتمل الاختصاص به وإن كان فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين لأنهم لا يريدون غيره، والطراوة الظاهر أن المراد بها كونه أكثر بهجة كالنبات الخضر فهو استعارة، وقوله: جمع بين النوعين أي لم يكتف بالرقيق ويقتصر على أحسنه لأنّ ما غلظ قد يراد ويشتهي لغرض! ، والمراد بالجمع الجمع في الذكر وأن عدم الاقتصار على أحد النوعين فيه إشعار بما ذكر فلا يرد ما قيل إنه إن أراد أنه يدل على حصول كل مشتهى فلا وجه له وإن أراد بعضه فيكفي في ذلك الاقتصار على أحدهما، فإن قلت: لم قال يحلون مجهولاً ويلبسون، قلت قيل إنه إشارة إلى أن التحلية تفضل من الله واللبس بحسب استحقاقهم قيل: وهو نزغة اعتزالية، وقيل: لأن اللبس لا بد منه احترازا عن الانكشاف بخلاف التحلية فتأمل. قوله: (على السرر (بضمتين جمع سرير، وقوله: كما هو هيئة المتنعمين إشارة

إلى أنّ ما ذكر كناية عن التنعم والترفه، وقوله: الجنة ونعيمها بيان للمخصوص وقال: ونعيمها، ولم يقل مع نعيمها إشارة إلى استقلالها بالمدح، وقوله: حال رجلين بيان لمضاف مقدر أو للمعنى المراد لأن المضروب به المثل حال هؤلاء وسيأتي فيه وجه آخر، وقوله: للكافر والمؤمن في نسخة للكافرين والمؤمنين يعني ضعفاء المؤمنين وصناديد الكفرة الذين طلبوا طردهم وبه ظهر ارتباط هذا بما قبله وضرب المثل تقدم تحقيقه في سورة البقرة، وقوله: رجلين الخ يحتمل الاستعارة التمثيلية والتشبيه وأن يكون المثل مستعاراً للحال الغريبة بتقدير اضرب مثلاً مثل رجلين الخ من غير تشبيه واستعارة كما قيل وكلام المصنف رحمه الله يحتمله أيضا فتدبر. قوله: (هما أخوان الخ) وقوله لصاحبه لا ينافيه كما ظنه أبو حيان نعم هو يؤيد التفسير الآخر لأنّ المراد معناه اللغوي لا المتعارف، وهذا بناء على أنهما كانا موجودين وكذا ما بعده والأوّل على فرضهما لأن التمثيل بشيء لا يقتضي وجوده ومثله كثير وقوله: فطروس بضم الفاء أو القاف، كما في شروح الكشاف وبعده طاء وراء وواو وسين مهملات ويهوذا بذال معجمة أو مهملة بعدها ألف وتشاطرا بمعنى تقاسماها شطرين اًي نصفين وبقية أمرهما مفصل في الكشاف. قوله:(من بني مخزوم) هم بطن من قريش، وعبد الأشد بالشين المعجمة وفي الاستيعاب

ص: 98

ضبطه بالمهملة، وأم سلمة بفتحات أمّ المؤمنين رضي الله عنها، وقوله: من الكروم تفسير لقوله: من أعناب والكرم شجر العنب فإقا أن يكون المراد به شجره مجازا، أو يقدر فيه مضاف أي أشجار أعناب لأنه المراد وقوله: بيان التمثيل أي جملة جعلنا الخ تفسيرية فلا محل لها، أو صفة رجلين فهي في محل نصب لا جز باعتبار المضاف المقدر، ورجلين إفا مفعول اضرب إن قيل يتعدى لاثنين، أو بدل من مثلا بتقدير مضاف وهو مثل رجلين. قوله: (مؤزراً بها كرومهما (مؤزر بالهمز ووزن اسم المفعول يكون بمعنى مقوّي ومنه النصر المؤزر، وهو هنا اسم مفعول من الإزار فمعناه: ملفوف ومحفوف فالتأزير بمعنى التغطية وهو منصوب عطف

بيان لقوله: محيطة مفسر به وكرومهما بالرفع به وقد جوّز في مؤزراً كسر الزاي والرفع على أن الجملة حالية والا ظهر هو الأوّل، وقوله: أطافوا به، يقال: أطاف به إذا استدار حوله، وفي نسخة طافوا بدون همزة وكونه بالقاف من الطوق خطأ من الناسخ، وقوله: فتزيده الباء يعني أنها للتعدية إلى المفعول الثاني، كما أنّ غشي لازم يعدى بالتضعيف إلى مفعول وبالباء إلى ثان. قوله:(وسطهما (سكون السين على ما قاله الحريرفي وغيره من أهل اللغة: ظرف مكان يحل محل بين وبالفتح اسم يتعاقب عليه الإعراب وتحقيقه في محله، وقوله: ليكون كل منهما أي من الجنتين جامعاً للأقوات الحاصلة بالزروع والفواكه الحاصلة من الشجر والجامعية لأن ما بينهما منهما بطريق التبعية والتتميم، وقوله: متواصل العمارة المراد به ليس فيه مكان خال من الأشجار والزروع، وحسن الشكل والترتيب بجعل الكروم محفوفة بالأشجار وما بينهما زرع زاه حسن المنظر والمخبر. قوله: (وإفراد الضمير لإفراد كلتا (لأنه مفرد اللفظ مثنى المعنى على المشهور، وقد قيل إنه مثنى حقيقة على ما فصل في كتب النحو وعلى الأوّل يجوز مراعاة لفظه ومعناه كما قال: آتت ثم قال: خلا لهما. قوله: (شيئاً يعهد في سائر البساتين الخ (إن كان تنقص المفسر به تظلم لازما فشيئا منصموب على المصدرية أي شيئا من النقص قيل: وهو المناسب لما بعده من قوله فإن الخ، وإن كان متعذيا فهو مفعول به ويكون ما بعده نظر المال المعنى لأنها إذا نقصتها نقصت في نفسها، وتفسير تظلم بتنقص هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (ليدوم شربهما الخ) بكسر الشين ويجوز فيه الضم والفتح، وقوله فإنه الأصل أي في بقائهما وإيتائهما الثمار، ويزيد معطوف على يدوم، وبهاؤهما حسن منظرهما وفي نسخة نماؤهما. قوله: (وفجرنا بالتخفيف (وهي ظاهرة على الأصل وأما التشديد فللمبالغة في سعة التفجير والعامة على فتح هاء النهر وسكنت أيضا. قوله: (وكان له ثمر (بضم الثاء والميم وفسره ابن عباس رضي الله عنهما بجميع المال من ذهب وفضة وحيوان وغيره وقيل: هو الذهب والفضة وقرئ بفتف الثاء والميم كما روي عن حفص وهو بمعنى المضموم أيضا كما في القاموس وغيره لا حمل الشجر كما قيل لعدم مناسبته للنظم هنا والحشم بفتحتين الخدم،

وقوله: وقيل أولاداً ذكوراً ويدلّ عليه مقابلته بقوله: أقل منك مالاً وولدا ولما كان لا دليل فيه على تخصيصهم أشار إلى وجهه بقوله: لأنهم الذين ينفرون معه لمصالحه ومعاونته وهو ظاهر لا غبار عليه. قوله: (بصاحبه (أي مع أخيه كما يدل عليه السياق ومحاورته له، وقوله: وأفراد الجنة أي هنا مع أنّ له جنتين كما مرّ لنكتة وهي أن الإضافة تأتي لمعنى اللام فالمراد بها العموم والاستغراق أي كل ما هو جنة له يتمتع بها فيفيد ما أفادته التثنية مع زيادة وهي الإشارة إلى أنه لا جنة له غير هذه ولذا عبر بالموصول الدال على العموم فيما هو معهود، وزاد قوله: متع إشارة إلى أنه ليس منها إلا التمتع الفاني والملك لله الواحد القهار، وقدم هذا لخلوّ الوجهين الأخيرين عن هذه النكتة البليغة ولذا لم يذكر العلامة غيره كما نبه عليه صاحب الكشف فلا يرد عليه أنّ اللام تفيد الاختصاص لا القصر ومعنى اختصاص الجنة به أنها له لا لغيره فمن أين يفهم منه أنه لا جنة له غيرها، وقيل: المراد أن الجنة ليس المقصود بها البستان بخصوصه بل ما يعمه وغيره فلا يناسب التثنية والمدخول من أفراد ذلك العام ولا يخفى عليك أنه مدخول، فتأمّل. وقوله: تنبيها مرّ وجهه وأنه ليس من الاختصاص الإضافي كما توهم

ص: 99

وقوله: أو لاتصال الخ، فيكونان كجنة واحدة وليس المقام مقام بيان العدد بل بيان ما قاله حينئذ، وقد علمت خلوه عن النكتة المقتضي لتأخيره، وقوله: في واحدة واحدة أي لا يمكن إلا الدخول في واحدة وهذا كقوله: قرأت الكتاب بابا بابا وإعرابه وتحقيقه مذكور في النحو. قوله: (ضارّ لها بعجبه وكفره (فظلمه لها إمّا بمعنى تنقيصها وضررها لتعريض نعمته للزوال ونفسه للهلاك، أو بمعنى وضع الشيء في غير موضعه لأن مقتضى ما شاهده التواضع المبكي لا العجب بها وظنها أنها لا تبيد أبدا والكفر بإنكار البعث كما يدل عليه قوله: قال الخ. قوله: (تفنى هذه الجنة (لأن باد بمعنى فنى وهلك، وقوله ة لطول أمله الخ يحتمل أن يريد أن التأبيد ليس بمعناه المتبادر بل طول المكث وأن يريد أنه على ظاهره لأنه لجهله وإنكاره قيام الساعة ظن عدم فناء نوعها، وما قيل إنه لا يظنه عاقل، ليس بشيء لأنه لا يلزم عقل هذا القائل، وتمادى غفلته استمرارها وامتداد مداها، وقوله: كائنة إشارة إلى أن القيام الذي هو من صفات الأجسام المراد به التحقق والوقوع مجازاً جرى في العرف مجرى الحقيقة، وقوله: كما زعمت إشارة إلى شكه فيه كما يدل عليه أن، وقوله مرجعا إشارة إلى أنه تمييز وهو اسم مكان

من الانقلاب بمعنى الرجوع كقوله: انقلب إلى أهله وأنّ المراد عاقبة المآل لأنّ خيريته تتحقق بذلك. قوله: (لأنها فانية وتلك باقية (نسبة للفناء إليها إن كان المراد بالأبد المكث الطويل فلا إشكال فيها وان كان المراد به ظاهره فهو بناء على اعتقاد صاحبه كما أشار إليه بقوله: كما زعمت فلا ينافيه أيضا، كما لا ينافي إنكاره للبعث أو شكه فيه. قوله: (وإنما أقسم (كما يدل عليه اللام الموطئة للقسم وهو دفع لأنّ التأكيد بالقسم يقتضي عدم تردده في البعث والمذكور خلافه بأن التأكيد لوجدانه الخير، لو وقع ما فرض لأنه مستحق له استحقاقا ذاتياً لا يتخلف عنه لو وقع وهو لا ينافي كون وقوعه غير معلوم، وقوله: وهو معه أي الاستحقاق المذكور والظاهر أن معنى قوله أينما يلقاه أينما كان يلقاه فيلقي ما يترتب عليه والضمير للاستحقاق أيضا لا لله، كما قيل. قوله: (لأنه أصل مادتك أو مادة أصلك (لأن مادته النطفة وهي من الأغذية المتكوّنة من التراب، فهو أصل لها، وكونه مادة أصله لأن أباه آدم عليه الصلاة والسلام خلق منه فعلى الأوّل إسناد الخلق إليه منه حقيقي لأنّ المخلوق من المخلوق من شيء مخلوق منه إذ لم يتعين إرادة المبدأ القريب حتى يكون مجازاً، وكونه مبنياً على صحة قياس المساواة خيال واه، وعلى الثاني مجاز من إسناد ما للسبب إلى المسبب وفي كلامه حسن تعبير كقوله: عادات السادات سادات العادات. قوله: (ثم عدّلك وكملك (أصل معنى التسوية جعل الشيء سواء مستوياً كما في تسوّى بهم الأرض! ثم إنه استعمل تارة بمعنى الخلق والإيجاد كقوله: ونفس وما سوّها فإذا قرن بالخلق ونحوه فالمراد به خلقها على أتمّ حال وأعد له مما تقتضيه الحكمة بدون إفراط ولا تفريط كما يؤخذ من كلام الراغب وغيره فلا يرد عليه قوله تعالى فسوّاك فعدلك إذ العطف يقتضي التغاير والتفسير الاتحاد. قوله: (جعل كفره بالبعث كفرا بالله (أورد عليه أمران، الأوّل: أن هذا وإن كان عليه الأكثر لكن الظاهر أنه كان مشركا كما يدل عليه قول صاحبه تعريضا به ولا أشرك بربي أحداً، وقوله: يا ليتني لم أشرك بربي أحدا وليس في قوله: إن رددت إلى ربي ما ينافيه لأنه على زعم صاحبه كما مرّ الثاني أنه لا يلزم من الشك في البعث أو إنكاره الشك في كمال القدرة الإلهية أو إنكاره لجوإز وجود كمال القدرة على ذلك ولكنه لا يفعله لأمر اقتضته حكمته أو لغير ذلك، وجوابه أن ما ذكر هو مقتضى السياق لأنه وقع رذاً لقوله ما أظن الساعة قائمة، ولذا قال في الكشاف جعله كافرا بالله جاحداً لأنعمه لشكه في البعث، كما يكون المكذب بالرسول كافرا، ثم إن كونه منكراً للبعث مقزا بربوبية الله لا ينافي كونه مشركا عابدا للصنم ونحوه كما قالوا: ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله وأنكروا البعث أيضا وأما إن من عجز الله عن البعث سوّاه بخلقه في العجز وهو شرك فتكلف لا حاجة إليه فأما كونه

لحكمة أخرى فمخالف للواقع والنص لأنّ مقتضى الحكم إثابة المطيع وعقاب العاصي أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا، وأسقط قوله في الكشاف جاحدا لا نعمة لأنه يقتضي أو يوهم استعمال

ص: 100

المشترك في معنييه ولو فسر الكفر هنا بالشرك لم يقع الاستدراك بعده في موقعه وهو ظاهر. قوله: (لأنّ منشأه الشك لأنّ عدم البعث إتا للعجز عن الإعادة وهو باطل لأنّ من قدر على البدء قدر على الإعادة بالطريق الأولى كما بين في غير هذه الآية أو لأمر آخر وهو مستلزم للبعث المنافي للحكمة وهي وان لم تناف القدرة تنافي كمالها والشك في صفة من صفاته المعلومة من الدين ضرورة كفر، وقوله: ولذلك رتب الإنكار أي ذكر ما يدل عليه من الاستفهام الانكاري بعده، وعلى متعلق برتب، وقوله: فإنّ الخ بيان لوجه الانكار وتعليل له. قوله: (أصله لكن أنا الخ) وجه النقل أنه يكون الحذف قياسا فلا يقال إنه عبث لأنها بعد نقلها تحذف للإدغام كما توهم وإذا حذفت ابتداء بدون نقل، كان الحذف على خلاف القياس، وقوله: فكان الإدغام أي وجد، وعلى الأوّل الإدغام بعد حذف الحركة، وعلى الثاني بدونه وهو ظاهر، وقوله: على الأصل أي بإثبات الألف في آخره، ولما كانت تثبت في الوقف وإثباتها في الوصل غير فصيح لكنه هنا حسن لمشابهة أنا بعد حذف همزته لضميرنا المتصل ولأن الألف جعل عوضا عن الهمزة المحذوفة فيه أو لأنه أجرى فيه الوصل مجرى الوقف وأثبت لدفع اللبس بلكن المشددة. قوله: (وهو بالجملة الواقعة خبرا الخ (أي لفظ هو مع الجملة الواقعة خبراً له وهي الله ربي والرابط ضممير المتكلم وأمّا خبر الشأن فعين المبتدأ، وقوله: والاستدراك الخ يعني استدراك عن قوله: أكفرت والهمزة فيه للتقرير على سبيل الإنكار فهو في معنى أنت كافر، وهذه الجملة في معنى أنا مؤمن موحد فهما متغايران ولكن يقع بين كلامين كذلك كما تقول: زيد غائب لكن عمرا حاضر، ومآله كما قيل إني لا أرى الفقر والغنى إلا منه والكافر لما اغتنى بدنياه وأضاف ذلك لنفسه كان كأنه أشرك فتدبر، وقوله: ولكن أنا لا إله إلا هو ربي الرابط ضمير ربي، وقيل: تقديره أقول لا إله الخ. قوله: (وهلا قلت عند دخولها (إشارة إلى أن لولا هنا توبيخية لدخولها على الماضي وأنّ إذ متعلقة بقلت مقدمة من

تأخير لتوسعهم في الظروف، وتوله: الأمر الخ يعني ما موصولة خبر مبتدأ أو مبتدأ خبره محذوف والأمر تعريفه للاستغراق، والجملة على هذا تفيد الحصر ولذا قدم هذا على غيره، وقوله: إقراراً منصوب على أنه مفعول له أو مصدر أو حال وكذا قوله: اعترافا وكونه يفيد ما ذكر على الأوّل، وأمّا على غيره فلأنّ معنى ما شاء الله كان ما لم يشأه لم يكن لأنّ ما الموصولة في معنى الشرط والشرط وما بمعناه يفيد توقف الوجود على مشيئته فيفيد عدمه عند عدمها لا سيما عند من اعتبر مفهومه، ومنهم المصنف فلا يتوهم أنه ليس فيهما ما يدل على أنّ جميع الأمور بمشيئة الله حتى يشملها وما فيها، ولا يقال إنّ المراد أنه يقدر على أنه مبتدأ ما شاء الله هو الكائن حتي يفيد ما ذكر فإنه من قلة التدبر، و " ني دها بمعنى أفناها وأهلكها، وقوله: وقلت الخ إشارة إلى أنه من مقول القول أيضا، وعلى نفسك متعلق باعترافا لكونه بمعنى الإقرار، وقوله: وعن النبي صلى الله عليه وسلم رواه القرطبيّ عن أنس رضي الله عنه وفيه لم يضرّه عين به يظهر معناه والشيء أعتم مما له أو لغيره فإذا قاله لم تصمبه عين الإعجاب، فمعنى قوله لم يضرّه أي بنظره. قوله:(يحتمل أن يكون أنا فصلَا) أي يجوز فيه أن يكون فصلاً بين مفعولي رأى وهي علمية عنده لا بصرية لأنه يكون أقل حالاً فيتعين أن يكون تأكيدا وأقيم فيه ضمير الرفع مقام ضمير النصب لا فصلاً لأنه إنما يقع بين مبتدأ وخبر في الحال أو في الأصل وعلى قراءة عيسى بن عمر أقل بالرفع يكون أنا مبتدأ والجملة مفعول ثان أو حال ومالاً وولداً تمييز، وقوله: فعسى الخ جواب الشرط. قوله: (دليل لمن فسر النفر بالأولاد (لم يقل الذكور كما مر لأنه لا يعلم من هذا وإنما يعلم من كونهم ينفرون معه كما بينه أولا، وقوله: وهو جواب الشرط أي قائم مقامه أي فلا بأس عسى ربي الخ. قوله: (مرامي جمع حسبانة الخ (المرامي جمع مرماة وهي ما يرمى به كالسهام وكذا الصواعق ولذا فسره بها وليس المراد أنها مثل الصواعق فهو مما يفرق بينه ويئ واحده بالتاء وما ذكره المصنف رحمه الله تبع فيه الزمخشري وهو إمام في اللغة

ولا عبرة بما في القاموس من تفسيره بالصاعقة حتى يعترض! بأنه لا يليق تفسيره بالجمع وأنه إذا كان جمعأ

ص: 101

بمعنى السهام، فيجعل تفسيره به على طريق التشبيه لأنه تكلف ما لا حاجة إليه وقد ورد بمعنى البلاء وغيره. قوله:(وقيل هو مصدر (كالغفران بمعنى الحساب والمراد به المحسوب، والمقدر من تخريبها وإبادتها أو ما يحاسب عليه فيجازى به ويحتمل أنه باق، على مصدريته واطلاق الحساب على تقدير الله وحكمه بتخريبها على الاستعارة أو على عذاب الله ومجازاته بسيىء أعمالهم لترتبه عليه، وهذا أشبه بكلام المصنف رحمه الله، فقوله: وقيل الخ معطوف على قوله: مرامي الخ، وعذاب معطوف على التقدير وهو ظاهر. قوله: (أرضاً ملساء (أي ليس فيها شجر ونبات كما بينه، وأصل معنى الزلق الزلل في المشي لوحل ونحوه، ولما كان ذلك فيما لا يكون فيه نبت ونحوه مما يمنع منه تجوّز به أو كنى عنه وعبر بالمصدر عن المزلقة مبالغة كما في قوله: غورا فالباء في قوله: باستئصال أي إفناء سببية لما عرفت أو للملابسة ولا تكلف في الأوّل كما توهم، وقيل: الزلق من زلق رأسه بمعنى حلقه على التشبيه وهو بعيد، وقوله: وصف به كما يقال: عدل بمعنى عادل، والمراد الوصف اللغوي وهو أعم من الوصف النحوي فيشمله كما في زلقا فإنه وصف نحوي أيضا. قوله: اللماء الغائر (يعني أن الضمير للغور بمعنى الماء الغائر، وقوله: ترددا تفسير لقوله: طلبا فإن معنى طلب الماء الغائر التردد أي التحزك والعمل في رذه أي إخراجه من غوره والمراد نفي استطاعة الوصول إليه فعبر عنه بنفي الطلب إشارة إلى أنه غير ممكن، والعاقل لا يطلب مثله. قوله: (وأهلك أمواله (قيل: المراد أمواله المعهودة التي هي جنتاه وما حوتاه لا جميع أمواله لأنه يأباه قوله: حسبما توقعه فإنّ متوقعه أن تصبح جنته صعيدا زلقا إلا أن يريد بجنته ما متع به في الدنيا كما مر والضمير للبستان استخداما، وليس هذا غفلة عما مر من تفسير ثمره بمال كثير غير جنتيه كما توهمه بعضهم نعم من قال إنه لا يعلم لهما مال غيرهما فقدوهم لأنّ التفسير المذكور لابن عباس رضي الله عنهما وهو في قوّة المرفوع. قوله: (حسبما توقعه صاحبه (من استئصال نباتها وأشجارها عاجلا أو آجلا والأوّل إنما يكون بافة سماوية والثاني بذهاب ما به نماؤها وهو الماء، وقد دلت الآية على وقوع الأوّل صريحا لقوله فأصبح بالفاء التعقيبية، وتحيره وتحسره) نما يكون لما وقع بغتة، والثاني إنما يتوقع إذا لم يتوتع الأوّل فلا وجه لما قيل إن ما توقعه من إصباحها صعيداً زلقا بإرسال الحسبان أو غور مائها ليس هنا ما يدل عليه بل كونها خاوية الخ يدل على خلافه إلا أن يقال: إنه تمثيل بحال رجلين موجودين وما ذكر معلوم من شيء آخر، ولا للجواب عنه بأن ما توقعه مطلق هلاك جنته. قوله: (وهو مأخوذ من أحاط به العدوّ الخ (

يعني أنه استعارة تمثيلية شبه إهلاك جنتيه بما فيهما بإهلاك قوم بجيش عدوّ أحاط بهم، وأوقع بهم بحيث لم ينج أحد منهم كما أن قوله: أتى عليهم بمعنى أهلكهم استعارة أيضا من إتيان عدوّ غالب مستعل عليهم بالقهر ولذا عدى بعلى، كما أشار إلى المصنف رحمه الله، ويحتمل أن تكون تبعية وليست تمثيلية تبعية إلا على رأي كما مرّ. قوله: (ظهرا لبطن تلهفاً وتحسرا (انتصاب ظهراً على أنه مفعول مطلق ليقلب أي تقليبا كتقليب النادمين فهو إشارة إلى أنّ التقليب كناية عن التلهف وهو بمعنى التحسر أي الحزن على ما فات، وليست اللام بمعنى بعد إذ المراد أنه يقلب ظهر إحداهما نحو بطن الأخرى ولجهتها فهي بمعناها الحقيقي أو بمعنى على وليس هذا من قولهم: قلبت الأمر ظهراً لبطن كما في قوله:

وضربنا الحديث ظهرألبطن وأتينا من أمرنا ما اشتهينا

كما في شروح الكشاف فإنه مجاز عن الانتقال من بعض الأحاديث إلى بعض. قوله:

(لأن تقليب الكفين كناية عن الندم (وهو يتعدى بعلى فيكون ظرفا لغوا، ومنه تعلم أنه يجوز في الكناية أن تعدّى بصلة المعنى الحقيقي كما في بني عليها وبصلة الكنائي كما في بنى بها وما هنا من الثاني، ويجوز أن يكون ظرفا مستقرّاً متعلقه خاص وهو حال أي متحسراً، والتحسر الحزن وهو أخص من الندم لأنه كما قال الراغب الغم على ما فات أو ليس هذا من التضمين في شيء كما توهم، فقوله: حال معطوف على قوله: متعلق

ص: 102

وما ذكره أوّلاً من قوله: تلهفا وتحسراً تفسير معنى على الوجهين لا إعراب فلا غبار على كلامه ولا تشويش فيه كما توهم، وقوله: ساقطة بيان للمعنى المراد منه بقرينة صلته وأصل معنى خوى خلا يقال: خوى بطنه من الطعام أي جاع، والعروس جمع عرس وهو ما يصنع ليوضع عليه فإذا سقط سقط ما عليه وقوله: أو حال من ضمميره المستتر فيه بتقدير وهو يقول: لأنّ المضارع المثبت لا يقترن بالواو الحالية إلا شذوذاً كما في قولهم: قت وأصك وجهه. قوله: (كأئه تذكر موعظة أخيه (في قوله: أكفرت وأشعاره بتذكر الموعظة لتمني وقوعه قبل ذلك حين وعظه، وقوله: أتى مجهول وأصله أتاه هلاك ماله من جهة شركه وكفره، وقوله: ويحتمل أن يكون توبة من الشرك فيكون تجديداً للإيمان لأن ندمه على كفره فيما مضى يشعر بأنه آمن في الحال فكأنه قال: آمنت بالله الآن وليت ذلك كان أوّلاً، وعبر بالاحتمال إشارة إلى أن مجرد الندم على الكفر لا يكون إيماناً وان كان الندم على المعصية قد يكون توبة إذا عزم على أن لا يعود، وكان الندم عليها من حيث

كونها معصية كما هو المتبادر صرّج به في المواقف لأنّ الإيمان لا يكفي فيه ذلك مع أنّ ندمه عليه ليس من حيث هو كفر بل بسبب هلاك جنتيه، وأيضا لا بد من توبته مما كفر به، وهو إنكار البعث وخلوصه فيه وعدم نصرة الله له الآتي يقتضي خلافه وأنا قول الإمام أنه إذا تاب عن الشرك يصير مؤمنا فكيف قال الزمخشري: بعده إنه لم ينصره لصارف وجوابه أنّ توبته لما كانت لطلب الدنيا أو عند مشاهدة البأس لم تكن مقبولة فقد قيل عليه: إن كونه لم ينصره فيما مضى لصارف قبل التوبة لا ينافي قبولها إذا صدرت منه وكون الإيمان بعد مشاهدة هلاك ماله إذ أنذر به إيمان بأس غير مقبول غير مسلم لبقاء الاختيار الذي هو مناط التكليف، فتأمل. قوله:(وقرأ حمزة والكسائتي بالياء (أي في يكن لنقدم الفعل عليه ولو تأخر وكان عاملا في ضمير الغيبة لزم تأنيثه، وقوله: يقدرون على نصره أوّل النصر بالقدرة عليه لأنه لو أبقي على ظاهره اقتضى نصر الله وليس بمراد لأنه إذا قيل لا ينصر زيداً أحد دون بكر قهم منه نصر بكر له في العرف وأمّا على ما ذكر فالمعنى لا يقدر على نصره إلا الله القدير فاستعمل النصر مجازا في لازم، وهو القدر عليه وقوله: وحده يؤخذ من نفيه عن غيره، وقوله: ممتنعا إشارة إلى أنّ النصرة عما حل به من الله بمعنى امتناعه وحفظه منه وهو ظاهر، وقوله: أو رد المهلك بفتح اللام أي ردّه بعينه إن قيل بجواز إعادة المعدوم بعينه أو بمثله إن لم نقل به، وإنما حصره في الثلاثة لأن نصر من أريد أخذ ماله إما بدفع الأخذ قبل وقوعه أو برده بعينه بعده أو برد مثله كليه فلا وجه لما قيل أنّ الإتيان بالمثل ليس من النصر في شيء. قوله: (في ذلك المقام وتلك الحال) حاصله أنّ الإشارة إفا إلى ذلك المقام وتلك الحال التي وقع فيها الإهلاك أو إلى الدار الآخرة، وعلى التقدير الأوّل الولاية إفا مطلقة أو مقيدة والولاية المطلقة، إمّا بمعنى النصرة أو السلطنة، والمقيدة إمّا بالنسبة إلى غير المضطرين أو إليهم وسترى بيانه وجوّز في هنالك تعلقه بمنتصرا وكونه ظرفا مستقرا خبرا أو فضلة وهو الظاهر وعليه مشى المصنف رحمه الله وقرئت الولاية بالفتح والكسر وعلى الأول ما ذكر هنا فقوله: النصرة له وحده إشارة إلى أنه بالفتح بمعنى النصرة وأنه مبتدأ ولله خبره وأنّ الجملة تدل على الحصر لتعريف المسند إليه واقتران الخبر بلام الاختصاص كما مر تقريره في قوله: الحمد دته رب العالمين وأن النصرة بمعنى القدرة عليها كما مر لأنه لم ينصره فيكون مؤكدا ومقرراً لقوله ة ولم تكن له فيئة ينصرونه الخ

لما عرفت أنها بمعناها. قوله: (أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة (ضمير فيها لتلك الحالة، وهذا وجه ثان فيه الولاية بمعنى النصرة أيضا لكنها مطلقة في الأوّل أو مقيدة بالمضطز ومن وقع به الهلاك، وفي هذا مقيدة بغير المضطرّ، وفيما فعل متعلق بنصر وبالكافر متعلق بفعل وأخاه مفعول نصر، ونصرته عليه إذ خرب جنته وحقق ظنه فيه، وعبر بالاسمية أوّلاً ثم بالفعلية لأن القدرة على النصر أمر ثابت ونصرة المؤمنين متجذدة، وقوله: ويعضده أي يعضد أن المراد نصرة المؤمنين لأنها هي التي تكون خيراً، وهو ظاهر كما أشار إليه بقوله لأولياثه فإن تمام الآية

ص: 103

حالى الأولياء فالمناسب في ابتدائها ذلك، وقوله: ومعناها، أي معنى الولاية بالكسر، وفي نسخة معناه باعتبار اللفظ، والسلطان هنا مصدر بمعنى التسلط بالملك وقيل: هما بمعنى، وقوله: هنالك أي في تلك الحالة وهي حالة وقوع الهلاك، وقوله: لا يغلب الغ بيان للسلطان بمعنى الملك والتسلط، ولا يعبد إفا على ظاهره أو بمعنى يدعي تفسيره ما بعده. قوله: (فيكون تنبيهاً الخ (يعني أن إثبات القهر والتسلط لله يقتضي عجز غيره واضطراره وأنه إنما قال: ما ذكر اضطرارا وجزعا لا توبة وندما، وقوله: مما دهاه بالدال المهملة بمعنى أصابه أمر عظيم، ومنه الداهية وايمان المضطز كالمكر 8 لا ينفعه في الآخرة والظاهر أن هذا هو المراد بإيمان اليأس السابق في كلام الإمام فلا يرد عليه ما مر، فتدبر. قوله: (وقيل هنالك إشارة إلى الآخرة (ويناسبه قوله: خير ثوابا وخير عقبا ويكون كقوله: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، وقوله: وقرىء بالنصب على المصدر المؤكد بكسر الكاف أي المصدر المؤكد لمضمون الجملة المنصوب بعامل مقدر كما تقول: هذا عبد الله حقا أي الحق لا الباطل، وهذه قراءة يعقوب وقراءة غيره بالرفع صفة الولاية وبالجز صفة الجلالة، وقوله: يالسكون أي سكون القاف والباقون بضمها وهما بمعنى كالعشر والعشر، وقوله: وقرىء عقبى، كبشرى مصدر والمعنى على الكل عافية. قوله: (اذكر لهم (إشارة إلى أحد القولين في ضرب المثل وهو أنه متعد لواحد بمعنى اذكر، وأن المثل بمعناه المعروف وهو الكلام المشبه به والمشبه على هذا هو الحياة الدنيا وحالها في زهرتها أي نضارتها وبهجتها وسرعة زوالها وفنائها، وليس هذا من المجاز كما توهم لأنه حقيقة عرفية فيه، وقوله: صفتها الغريبة إشارة إلى أن الضرب بمعنى الذكر أيضا لكن المثل فيه بمعنى اأصفة الغريبة، وهو يستعمل بهذا المعنى كما فصله المصنف رحمه الله في سورة البقرة كما في قوله:{مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} . قوله: (هو كماء (

أي المثل بمعنى المشبه به أو الوصف الغريب جملة قوله: كماء الخ وهو إشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر ولم يقل هي لأن الحياة وحدها ليست مشبهة كما أشار إليه قبله ومن قدر هي تسمح فيه، فما قيل إن الظاهر أن يقول هي لأن المشبه هو الحياة كما ذكره فقد غفل عن مراده. قوله:(ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً لا ضرب على أنه بمعنى صير (وهذا هو القول الثاني فيه للنحاة وهو أنه ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر وهل يشترط أن يكون أحدهما لفظ المثل أو لا فيه خلاف مذكور مع أدلته في مفصلات العربية وليس هذا مجازاً بعلاقة اللزوم كما قيل، وما توهم من أنّ الكاف تنبو عنه إلا أن تكون مقحمة مما لا وجه له لأن المعنى صير المثل هذا اللفظ فالمثل بمعنى الكلام الواقع به التمثيل، وقد تبع فيه من قال إنّ المعنى على هذا ما يشبه الحياة الدنيا كماء الخ وليس بمنتظم ثم ذكر كلاما مختلا جوابه السكوت عنه. قوله: (فالتف بسببه وخالط بعضه بعضا) يعني أنّ النبات لكثرته بسبب كثرة سقيه التف بعضه ببعض ففاعل التف ضمير النبات، وتكاثفه بمعنى غلظه وكثرة أوراقه، ونجع بمعنى دخل كما وقع في نسخة أخرى من النجعة وهي الارتحال والحركة كما قال:

سمعت الناس ينتجعون غيثا

فمن فسره هنا بمعنى نفع من قولهم: نجع فيه الدواء إذا نفعه لم يصب واذ دخل فيه فقد خالط أجزاءه حقيقة، وقيل: إنّ لفظ الاختلاط مجاز من ذكر السبب وإرادة المسبب وفيه نظر وروي كرضي أي تمّ شربه، ورف بمعنى تحزك بلطف لرطوبته ونضرته كما قال:

وهل رفت عليك قرون ليلى رفيف الأقحوانة في نداها

قوله: (وعلى هذا كان حقه الما كان الاختلاط اجتماع شيئين متداخلين سواء كانا مائعين

أو لا فإن كانا مائعين سمي مزجا وصدق بحسب الوضع على كل منهما أنه مختلط ومختلط به لكن في عرف اللغة والاستعمال تدخل الباء على الكثير الغير الطارىء فلذا جعل هذا من القلب ولما كان القلب مقبولاً إذا كان فيه نكتة أشار إلى نكتته بعدما بين المصحح له وهو أن كلا منهما مختلط ومختلط به، وهي المبالغة في كثرة الماء حتى كأنه الأصل الكثير، وقوله: موصوفا بصفة صاحبه أي بصفته الخاصة به الراجعة إلى مقامه وهي كونه مختلطاً أو مختلطا به لا بجميع صفاته لظهور وعدم صحته وإرادته هنا، والمراد

ص: 104

بالعكس في كلامه القلب لأنه يستعمل بمعناه، وقد عرفت أنّ قوله: لما الخ بيان للمصحح، وقوله: للمبالغة بيان للمرجح فلا وجه لما قيل إنه لا فائدة في الجمع بينهما وهو ظاهر غنيّ عن البيان.

قوله: (مهشوماً) أي هو فعيل بمعنى مفعول لا جمع هشيمة كما في الكشات، وقوله:

تفرقه بيان للمراد منه والشائع أنه بمعنى تفريق الحب من قشره، وأذرى وذرى وذزي متقاربة، وقوله: والمشبه به الخ، دفع لما يتوهم من دخول الكاف عليه وليس مشبها به، ولا حالاً من أحواله مذكوراً في الجملة أولا حتى يتوهم فيه تقدير مضاف أي كحال ماء لأنه تشبيه تمثيليئ وحاله معروف في المعاني، وقوله: المنبت من أنبته إنباتا ونباتا وقوله: رافا أي مهتزاً لطراوته، وفي نسخة وارفا وهو بمعناه، وقوله: ثم هشيما عبر بئم إشارة إلى تراخي تفتته وتهشمه عن ريه بالماء، وإنما وقع بالفاء في النظم لاتصال أوّله بآخر ما قبله، والنكتة فيه الإشعار بسرعة زواله كما أشار إليه بقوله: كأن لم يكن فلا يرد عليه أنّ المناسب للنظم فتكون لتحصل الدلالة على سرعة الزوال المقصودة بالإفاد في هذا المقام، وقيل: الفاء فصيحة والتقدير فزها ومكث فأصبح الخ، وقوله: كأن لم يكن بالتخفيف أصله كأنه لم يكن، وقوله: من الإنشاء والإفناء قدره لمناسبة المقام ولو أبقاه على عمومه صح، وقوله: قادراً لو قال: كامل القدرة كما تدل عليه الصيغة لكان أظهر. قوله: (وتفنى عنه (أي تزول عن الإنسان بزواله، أو بزوالها بسرعة وعن بمعنى بعد وما زائدة لتأكيد قربه وشدة سرعته، وهذا كقوله عما قيل ليصبحن نادمين، وما ذكر من فناء الدنيا وسرعة زوالها من البين المعلوم والزينة مصدر بمعنى ما يتزين به ولذا أخبر به عنهما والقصد للمبالغة والإضافة اختصاصية لأن زينتها مخصوصة بالدنيا إليه يشير كلامه وليس مراده أنّ إضافته على معنى في وإن جاز. قوله: (وأعمال الخيرات الخ (يعني أنها صفة لأعمال مقدرة واسناد الباقيات مجاز أي الباقي ثمرتها وثوابها بقرينة ما بعده فهي صفة جرت على غير من هي له بحسب الأصل أو فيه مضاف مقدر واستتر الضمير المجرور وارتفع بعد حذفه، وقوله: تبقى له أي للإنسان، وقوله: ويندرج الخ إشارة إلى أن ما وقع من السلف من تفسيرها بما ذكر على طريق التمثيل، وقوله: عائدة أي ما يعود عليه من النفع فسر الثواب به على أنه مجاز وهو ما يجازى به على فعله من الأجر وإن كان في الأصل مطلق الجزاء كما في الغريبين ليكون معنى مشتركا بين زينة الدنيا والعمل الصالح يتأتى به تفضيل أحدهما على الآخر حقيقة، وقوله: ينال به ذكر ضمير الباقيات الصالحات المؤنثة لتأويلها بما ذكر أو بالخبر ونحوه أو للنظر للخبر ويأمل بالتخفيف من باب ينصر يؤقل بخلاف أمور الدنيا فإنّ الأمل يخيب فيها كثيراً وكون ثوابها أبد الآباد لا ينافي كونها بعشرة أمثالها ولا يدفعه قوله: والله يضاعف لمن

يشاء لأنّ أضعاف المتناهي متناهية، لأنّ المراد أنها أمثال لها في القدر والحسن وهو لا ينافي الدوام هكذا في بعض الحواشي، وفيه بحث. قوله:(واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجوّ (يعني ليس المراد نسيرها في الأرض أو بالأرض بلى قلعها منها وتسييرها في الهواء وفيه إشارة إلى أن يوم منصوب باذكر مقدراً قبله، وسيأتي في عامله وجه آخر. قوله: (أو نذهب بها فنجعلها هباء) أي كالهباء، ومنبثا بمعنى متفرّقا وهو بالثاء المثلثة وهذا تأويل بجعل تسييرها بمعنى إذهابها وأفنائها بذكر السبب وارادة المسبب فيكون كقوله: وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثاً. قوله: (ويجوز الخ) فيكون متعلقاً بخير، وأشار بقوله: ويوم القيامة، إلى أنه المراد بيوم نسير الجبال، لأنه يوم تضمحل فيه أمور الدنيا لأنه إذا زال ما ظاهره الثبات فغيره أولى، وعلى الوجه الأوّل المراد به ظاهره. قوله:(بادية) أي ظاهرة ولا يخفى حسن ما فيه من الإبهام، ولذا فسره بقوله: برزت الخ، يعني أنها لزوال الجبال ظهرت كلها لزوال ما يسترها، ثم أشار بقوله: ليس عليها ما يسترها إلى أنه ليس المراد من بروزها زوال الجبال فقط، بل زوال ما عليها من الجبال والعمران والأشجار والبحار، وإنما ذكر الأوّل لاقتضاء ما قبله له فليس بيانا لما قبله لأنّ البروز الظهور بعد الخفاء كما قيل: وترى على بناء المجهول نائب فاعله الأرض، وقوله: وجمعناهم إلى الموقف بيان لمعناه وأنه يتعدى بإلى

ص: 105

لا بمعنى السوق كما تيل. قوله: (لتحقق الحشر) الدال عليه التعبير بالماضي مجازا وإذا كان للدلالة على أنّ الحشر قبل التسيير والرؤية فهو حقيقة لأنّ المضيّ والاستقبال بالنظر إلى الحكم المقارن له لا بالنسبة لزمان التكلم، وقوله: ليعاينوا الخ علة لتقدمه، والوعد في كلامه بمعنى الوعيد أو هو على ظاهره. توله: (وعلى هذا تكون الواو للحال (وصاحبها على القراءتين فاعل نسير الملفوظ أو القائم مقام المحذوف والرابط الواو فقط حينئذ، قيل إنما جعلت للحال على هذا لأنها لو كانت عاطفة لم يكن مضيّ الحشر بالنسبة إلى التسيير والبروز بل إلى زمان التكلم فيحتاج إلى التأويل الأوّل وتحقيقه أنّ صيغ الأفعال موضوعة لأزمنة التكلم إذا كانت مطلقة فإذا جعلت قيوداً لما يدلّ على زمان كان مضيها وغيره بالنسبة إلى زمانه فما في الكشف وغيره من أنّ هذا الغرض حاصل سواء كان الجملة حالية أو معطوفة ليس بشيء، ثم تعليله بقوله: لأنّ السؤال عن فائدة العدول مع إمكان التوافق لا يستلزم ما علله اهـ ولا يخفى أنه وقع في الكشاف ذكر هذه النكتة من غير تعرّض! للحالية والعطف، ففهم المصنف رحمه الله

أنه مطلق في محل التقييد، وفهم شرّاحه أنه جار عليهما فوجهوه بما ذكر وما ذكره هذا القائل غير مسلم فإن الجمل المتعاطفة يجوز فيها التوافق والتخالف في الزمان، فاذا كان في الواقع كذلك فلا خفاء فيه وان لم يكن فلا بد للعدول من وجه فإن كان أحدهما فيداً للآخر وهو ماض بالنسبة إليه فهو حقيقة ووجهه ما ذكر ولا تكون معطوفة حينئذ فان عطفت وجعل المضيّ بالنسب لأحد المتعاطفين فلا مانع منه ونظيره كما في شروح الكشاف {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} وهل هو حقيقة أو مجاز محل تردد فسقط ما أورده بلا شبهة) ومن العجب هنا (قول بعض المؤلفين المتصلفين: أنه إذا كان مضيّ الحشر بالنسبة إلى زمان التكلم يلزم تقدّمه على التسيير والبروز أيضاً إذ هما متأخران عن زمان التكلم والمتقدم على المتقدم متقدم على ذلك الشيء لكن تقدم الحشر على زمان التكلم إذعائيّ لا حقيقي، فلا يلزم تقدمه عليهما حقيقة وهو المقصود. قوله:(يقال فادره وأغدره (بهمزة التعدية والغدير نهر صغير سمي به لأنه بقي من السيل فكأنه تركه فهو فعيل بمعنى مفاعل أو مفعل أو فاعل والقراءة بالياء التحتية على أنّ الضمير لله على طريق الالتفات، وقرىء بالفوقانية أيضا والضمير للأرض، وعبارة المصنف رحمه الله تحتمله. توله: (تشبيه حالهم بحال الجند الخ (الظاهر أنه استعارة تمثيلية شبهت حالهم في حشرهم بحال جند عرضوا على مالكهم ولا عرض بمعناه المعروف ولا اصطفاف، وقيل إنها ثبعية بتشبيه حشرهم بعرض هؤلاء، وقوله: ليعرفهم مضارع عرف منصوب أو مصدر من التعرّف مبم ور بيان لأن العرض! قد يكون لتعرّف السلطان جنده، وقد يكون لتنفيذ أمره والمقصمود التشبيه بالاعتبار الثاني، وقوله: على ربك إشارة إلى غضب الله عليهم، وطردهم عن ديوان القبول لعدم جريهم على مقتضى معرفتهم بربوبيته. قوله: (مصطفين لا يحجب أحد احدا) إن كانت الاستعارة تمثيلية وهذا داخل فيها فهو ظاهر ولا يلزم أن يكون المشبه صفا واحداً وكذا إذا كان ترشيحا، كما في شروح الكشاف وان قيل إنه ليس بشيء يعني أنه لتصوّر معناه في الطرفين ليس بصالح للترشيح والتجريد، ولا يخفى أنه على كل حال أعرق في المشبه به وهو كاف في جعله ترشيحا وحينئذ يلزم أن يكونوا صفا واحداً إذ لا تعرّض للوحدة في المشبه حتى يرد عليه ما قيل إنه مفرد مراد به الجمع لكونه مصدراً أي صفوفاً لما ورد في الحديث الصحيح أنه يجمع الأوّلون والآخرون في صعيد واحد صفوفا، ولا حاج إلى

أخرجه الحاكم 4 / 573، والطبراني كما في المجمع 0 1 / 377 وابن أبي عاصم في السنة 789 عن أبي حذيفة. وأخرجه موتوفاً الطيالسى 414 وذكر الهيثمي عن حذيفة موقوفاً ئم تال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

وقال الألباني في تخربج السنة: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وهو وان كان موتوفاً=

تكلف أنهم يعرضون ثلاث عرضات فلعلهم يعرضون تارة صفا وتارة صفوفا لأنه لا مدخل للرأي فيه مع أنّ هذا كله غفلة عن تفسير الشيخين لمصطفين بأنّ مجموعهم يرى جملة وتفصيلاً إذ لا يحجب شيء عن رؤيته، وأمّا القول بأن أصله صفا صفا فبعيد مع أن ما يدلّ على التعدد بالتكرار كصفا صفاً وبابابابا لا يجوز حذفه كما سيأتي، وقوله: مصطفين إشارة إلى أنه حال. قوله: (على إضمار القول على وجه يكون حالاً) بتقدير قائلين أو نقول إن كان حالاً

ص: 106

من فاعل حشرنا أو قائلا أو يقول: إن كان من ربك أو مقولاً لهم إن كان حالا من ضمير عرضوا أو يقدر فعل، كقلنا أو نقول لا محل لجملته ويوم متعلق به لا بمقدر كما مر، وإنما لم يعمل في الظرف على تقدير كونه حالاً لأنه يصير كغلام زيد ضاربا على أنّ ضاربا حال من زيد ناصبا لغلام ومثله تعقيد غير جائز لأنّ ذلك قبل الحشر وهذا بعده، ولا لأنّ معمول الحال لا يتقدم عليها كما توهم فتدبر، وأمّا ما أورد على الثاني من أنه يلزم منه أنّ هذا القول هو المقصود أصالة فتخيل غنيّ عن الرد إذ لا محذور فيه. قوله:(عراة لا شيء معكم الخ) جوّز في قوله: كما خلقناكم أن يكون حالا أي كائنين كما خلقناكم والتشبيه فيما ذكر من كونهم عراة الخ وأن يكون صفة مصدر أي مجيئا كما كنتم، وقدم هذا الوجه إما لمناسبته لما قبله من زوال الدينا وفنائها أو لأنّ الثاني مرتبط بما بعده فأخره ليتبين ارتباطه به كما أشار إليه بقوله: لقوله فالمتقدم متعلق بما تقدم والمتأخر متعلق بما تاخر فالوضع على وفق الطبع. قوله: (أو أحياء كخلقتكم الأولى (هذا يحتمل الوجهين السابقين في إعرابه، وإنما يخالفه في وجه التشبيه، وقوله: وقتا إشارة إلى أنّ موعداً اسم زمان، وجعل هنا متعدية لواحد أو لاثنين وأن مخففة من الثقيلة، وقوله: وأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كذبوكم به، الظاهر أنه معطوف على إنجاز بتقدير مضاف أي وابطال الخ وكذب مخفف والباء للسببية أو بمعئى في، وقوله: وبل للخروج الخ أي الإضراب فيها انتقاليّ لا إبطاليّ، والمراد بالقصة الأولى جملة لقد جئتمونا الخ. قوله: (صحائف الآعمال في الأيمان (بفتح الهمزة جمع يمين بمعنى اليد كالشمائل جمع شمال، وهو بيان وفيه إشارة إلى أن تعريف الكتاب للجنس كما في الكشاف، والمراد بالجنس فيه الاستغراق كما في شرحه، وقوله: وقيل هو كناية عن وضع الحساب أي إبراز محاسبتهم وسؤالهم كما أنه إذا أريد محاسبة العمال جيء بالدفاتر ووضعت-يئ

أيديهم فأريد به لازمه كناية، وقوله: خائفين لأن حقيقة الإشفاف الخوف من وقوع المكروه، وضمير فيه للكتاب ومن الذنوب بيان لما. قوله:(ينادون هلكتهم) بفتحات مصدر بمعنى الهلاك والهلكات جمعها، وقوله: هلكوها الضمير للمصدر، وفي نسخة هلكوا بها والأولى أصح ونداؤها على تشبيهها بشخص يطلب إقباله كأنه قيل: يا هلاك أقبل فهذا أوانك، ففيه استعارة مكنية تخييلية وفيه تقريع لهم وإشارة إلى أنه لا صاحب لهم غير الهلاك أو طلبوا هلاكهم لئلا يروا ما هم فيه، وأمّا تقدير المنادي أي يا من بحضرتنا وملتنا ففيه حذف وتقدير لما تفوت به تلك النكتة، والويل والويلة الهلاك. قوله: (تعجباً من شأنه (يعني أنّ ما استفهامية والاستفهام مجاز عن التعجب، وقال البقاعي: إق لام الجرّ رسمت مفصولة يعني في الرسم العثماني إشارة إلى أنهم لشدة الكرب يقفون على بعض الكلمة، وفي لطائف الإشارات وقف على ما أبو عمرو والكسائيئ ويعقوب والباقون على اللام، والأصح الوقف على ما لأنها كلمة مستقلة وأكثرهم لم يذكر فيها شيئا (قلت (اتباع الرسم يأبى ما قاله البقاقي، وهذا مما أشكل علينا القراءة وان كان مشايخنا قرؤوا به، وقوله: هنة بفتح الهاء والنون الخصلة السيئة، وقوله: عذها لأن الإحصاء منحصر في العد وان كان أصله العد بالحصى وقوله: وأحاط بها تفسير لعدها، واشارة إلى أن عذها مجاز عن الإحاطة بها كما يحيط الكتاب، ولا تجوّز في إسناده كما قيل وإنما جعل كناية عن الإحاطة، كما يقال: ما أعطاني قليلاً ولا كثيراً لأنه لو حمل على ظاهره لكان ذكر عدم ترك الكبيرة كالمستدرك، وترك ما في الكشاف من أن المراد ما كان عندهم صغائر وكبائر وقيل: لم يجتنبوا الكبائر فكتبت عليهم الصغائر وهي المناقشة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة لما فيه من النزغة الاعتزالية فإن قلت ما معنى هذا الأثر المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإن بعض الفضلاء استشكل كون التبسم صغيرة والقهقهة كبيرة ولم يبينه شرّاحه قلت: المرد التبسم والضحك استهزاء بالناس وهو يؤذيهم وكل أذية حرام كما بينه الإمام الغزالي في الإحياء وذكر أنّ لفظ ابن عباس في تفسير هذه الآية الصغيرة التبسم استهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك وهو إشارة إلى أن الضحك على الناس من الذنوب والآثام، وعن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه

ص: 107

أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب ويعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال علام يضحك أحدكم مما يفعل فإن قلت الترقي في الإثبات يكون من الأدنى إلى الأعلى وفي النفي عكسه لأنه لا يلزم من فعل الأدنى فعل الأعلى بخلاف النفي، قلت: هذا إذا كان على ظاهره فإن كان كناية عن العموم كما هنا جاز كما فصله في المثل السائر فاحفظه فإنه من المهمات. قوله: (فيكتب عليه ما لم يفعل) أي يعذبه بما لم يعمله أو يزيد في جزائه، قيل: وهذا يلائم مذهب

الاعتزال وأمّا عن مذهب أهل السنة فلا ينسب إليه تعالى الظلم بتعذيبه بلا ذنب فإنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء، وأجيب بأنه تعالى أراد بقوله:{وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [سورة الكهف، الآية: 49] أنه لا يفعل بأحد ما يكون ظلما لو صدر عن العباد إذ العمل بدون الأجر أو على النقصان فيه ظلم لو صدر عنا فظهر أق ما ذكر على طريق التمثيل لا الحصر، وهذا السؤال والجواب لم يصادفا محزهما أما الأوّل فلأنه تعالى وعد بإثابة المطيع والزيادة في ثوابه وتعذيب العاصي بمقدار جرمه من غير زيادة وأنه قد يغفر له ما سوى الكفر وذكر أنه لا يخلف الميعاد واتفق المعتزلة وأهل السنة على عدم وقوع الخلف وإنما الخلاف في امتناعه عقلا فذهب إليه المعتزلة بناء على القبح، والحسن العقليين وخالفهم فيه غيرهم فقالوا إنه ممتنع سمعا لا عقلاً وما ذكره المصنف موافق لكلامهم، وأما الثاني فلأن تسمية خلاف ما وعد به وجرت عليه السنة الإلهية ظلما الظاهر أنه حقيقة لا تمثيل لأنّ حقيقتة، كما قاله الراغب وغيره: وضع الشيء في غير موضعه بزيادة أو نقص، فلذا أطلق على تجاوز الحد والحق فهو حقيقة في مثل قوله:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} أي لا يتجاوز الحد الذي حذه لهم في الثواب والعقاب وإن لم يجب ذلك عليه عقلاً فالحصر على ظاهره بلا تمثيل، نعم هذه كلمة حق أريد بها باطل فافهم. قوله:(كرّره في مواضع الخ (أي كرّر هذا المذكور من قصه إبليس بحسب الظاهر وليس مكرّرة في الحقيقة لأنها تتضمن أغراضا فذكرت في كل محل لغرض وفائدة تناسب ذلك المقام، وقوله: لكونه مقدمة بكسر الدال المشدّدة ومعناها لغة معروف واصطلاحا تطلق على أمور كمقدمة العلم، ومقدمة الكتاب ومقدمة الدليل، وهي قضية جعلت جزءاً منه أو تتوقف صحته عليها، والمراد بها هنا ما له تعلق بالأمر المقصود بيانه لا ما يتوقف عليه صحة الدليل كما قيل، وقوله: في تلك المحال أي محال تكرير القصة، وقوله: لما شنع أي ذكر شناعة أمرهم ووخامة عاقبتهم والمراد بالمفتخرين من ذكر في قوله: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} الخ ويجوز أن يراد المفتخر بجنته وزينة دنياه المشار إليه بالمثل المضروب، وقوله: قرّر ذلك أي التشنيع أي أكده وبينه، وقوله: بأنه أي الافتخار. قوله: (أو لما بين حال المغرور الخ) وجه آخر لذكر القصة هنا والمغرور والمعرض إما صاحب الجنتين وأخوه، أو ما تضمنه قوله:{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وزهدهم جواب لما والتزهيد ضد الترغيب، وعرضة الزوال بضم العين وسكون الراء والضاد المعجمة معناه معرضة ومتهيئة له، والمراد بأنفسها أكثرها نفاسة، وأعلاها أشرفها والمراد به الحال والبنون والمذهب المراد به طريقته المعروفة فيه. قوله: (حال بإضمار قد (أي حال من المستثنى والرابط

الضمير وعلى الاستئناف فهو استئناف بياني ويفهم منه التعليل، كما قرره. قوله: (فخرج عن أمره بترك السجود (جواب عما يتوهم من أنّ الفسق ترك الطاعة بالعصيان فكيف عدى بعن كما في قوله:

فواسقا عن قصدها جوائزأ

ثم خص بالخروج عن طاعة الله، وجوّز فيه أن تكون عن للسببية كما في قوله:

ينهون عن أكل وشرب

والمراد بالأمر في كلام المصنف قوله: اسجدوا وخروجه عنه مخالفته وفي الكشاف أنه بمعنى المأمور به وهو السجود وعدم اتصافه بالسجود الذي عم الملائكة خروج عنه، قيل: وهو أنسب باستثناء إبليس من حكم السجود، وقيل: مسلك المصنف أولى لإبقائه على حقيقته ولكل وجهة والأمر فيه سهل. قوله: (والفاء للتسبب البيان تسبب فسقه عن كونه من الجن إذ شأنهم التمزد وإن كان منهم من أطاع وآمن كما سيأتي في سورة الجن أو عن سجود غيره وتخلفه عن السجود فهي عاطفة إما على سجد الملائكة إلا إبليس، أو على كان من الجن كما في الأعراف، وقيل إنها

ص: 108

هنا غير عاطفة إذ لا يصح تعليل ترك سجوده بفسقه عن أمر ربه، قال الرضي: والفاء التي لغير العطف وهي التي تسمى فاء السببية لا تخلو أيضا من معنى الترتيب وتختص بالجمل وتدخل على ما هو جزاء مع تقدم كلمة الشرط وبدونها وليس بشيء لأنه يكفي صحة ترتيب الثاني بسببية، كما في قوله: فوكزه موسى فقضى عليه أو بدونها كما في ذهب زيد فجاء عمرو كما صرح به في التسهيل، وقوله: وفي دليل الخ لأنه رتب فسقه على كونه من الجن وكونه ملكا أو لأمر تحقيقه في البقرة. قوله: (أعقيب الخ (تبع فيه الكشاف وقد قيل: عليه إنّ اتخاذهم هذا ليس عقيب ما وجد منه بل بعده بمدة طويلة فالأظهر أن الفاء هنا لمجرّد الاستبعاد فإن اتخاذهم أولياء بعد ما وجد منه ما وجد مستبعد وكذا أن المعنى أعقيب علمكم بتلك القبائح تتخذونه الخ، وقيل ما ذكر من الاستبعاد معنى الهمزة كالإنكار والتعجب، فإن كان مراده أنّ الفاء لمجرّد البعد فهو مما لم يثبت، وما أورده مدفوع بأن مراده أعقيب إعلامي بذلك الخ تعجباً من بقاء من اتخذه على ذلك ومن اتخاذ من اتخذه بعد ما عرفه انتهى، وما ذكره من التأويل ليس في الكلام ما يدل عليه، وكون الفاء لمجرد الترتب والبعدية مع مهلة من مسائل المتون كما في التسهيل ولا يخفى أنه على مذهب الجمهور الفاء تفيد تعقيب الإنكار لا الاتخاذ فتأمل، وكون الهمزة للإنكار والتعجب معاً مر تحقيقه. قوله: (أولاده أو أتباعه (وقع

في نسخة بالواو فالمراد بكونه مجازاً أنه تغليب وفي نسخة أو فالمجاز حينئذ استعارة بتشبيه الاتباع بالأولاد وهذا مما لا خفاء فيه وقد تعسف هنا بعضهم فجعل اتباعه على النسخة الأولى عطف تفسير وأطال آخر بلا طائل وزعم أنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز ثم خرجه على أن الولد بمعنى المربي. قوله: (وتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي (الاستبدال من قوله: من دوني فانّ معناه المجاوزة وهي تكون بالترك أو مجرّد المجاوزة فحمله على الأوّل لأنه أبلغ في الذمّ ولدلالة قوله: بدلاً بعده على أنه المراد فلا يرد عليه أنه لا يستلزمه، ثم لما كان الواقع منهم ليس استبدال الثياطين بل ترك طاعة الله لا طاعتهم فيما سوّلوه عطف قوله: فتطيعونهم الخ عليه عطفا تفسيريا فالبدلية ليست على حقيقتها، وقوله: ست الله بيان لمتعلق بدلاً، وقوله: إبليس وذزيته بيان للمخصوص بالذمّ المقدر، وفاعل بئس مستتر يفسره التمييز وهو بدلا، فقوله: إحضار تفسير للإشهاد وقوله: واحضار بعضهم خلق بعض تفسير لقوله: ولا خلق أنفسهم كما مر تحقيقه في قوله: فاقتلوا أنفسكم وقوله: في ذلك أي في خلق ما ذكره، وقوله: كما صرّح به أي بنفي الاعتضاد، وقوله: أعوانا إشارة إلى أن العضد وهو ما بين المرفق إلى الكتف مستعار للمعين كاليد وأفرد لعمومه في سياق النفي فلذا فسره بالجمع. قوله: (رداً لالخاذهم أولياء الخ) علة لقوله: نفي الخ بعد ما علل نفي إحضارهم أو تقديمه بقوله ليدل الخ وأولياء مفعول أول للاتخاذ وشركاه مفعوله الثاني وفي العبادة متعلق به. قوله: (فإن استحقاق العبادة الخ) بيان لوجه الرد يعني أنهم عبدوا هؤلاء والعبادة غاية التواضع لا تليق بغير الخالق فمن عبد غيره كأنه أقرّ له بالخلق وإذا أقرّ له بالخلق لزمه توحيده واتخاذه بدلاً لأنّ الإله الخالق لا يمكن تعدده فلذا جعلهم بدلاً باعتبار ما لزم من فعلهم وشركاء باعتبار ظاهر حالهم وزعمهم، وأما جعل إبليس وذزيته معبودين فلأنهم الحاملون على عبادة غير الله فكأنهم مبدوهم كما قال ىسمر لابن الزبعري بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم كما سيأتي في سورة الأنبياء فسقط ما قيل إنّ قوله شركاء لا يلائم قوله تعالى:{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ} [سورة الكهف، الآية: 50] بدلاً ولا تفسيره السابق لقوله: من دوني فالأولى أن يقول المصنف رحمه الله: رذأ

لاتخاذهم أولياء لله بأبلغ وجه فإنهم إذا لم يصلحوا الشركة العبادة لا يصلحون للبدلية بالطريق الأولى وكأنه لم يتنبه لأنه عين ما في النظم وأنه هو المحتاج للتأويل، وحاول بعضهم الرد بما هو غنيّ عن الردّ، وقوله: موضع الضمير أي متخذهم، ووجه الاستبعاد أنه لا وجه للاعتضاد أي الاستعانة بالمضل. قوله:(وقيل الضمير) أي ضمير أشهدتهم وأنفسهم، وهو على الأوّل لإبليس وذزيته، والمشركون هم الذين مرّوا في قوله: ولا تطع من أغفلنا الخ، وقوله: والمعنى أي على هذا

ص: 109

الوجه، وقيل: عليه أنّ انفهام تخصيصهم بعلوم لا يفهم من نفي إشهادهم خلقها والاعتضاد بهم قطعاً وهو ظاهر، وأما كونه إشارة إلى أنّ الشرف واستحقاق المتبوعية إنما يتحقق بالعلم فلا يجدي هنا، ويدفع بأنّ إحضار أحد عند مباشرة أمر عظيم والاستعانة به فيه إنما يكون لمن له من العلم والقدرة ما ليس لغيره والا فلا وجه لإحضاره دون غير فنفيه يقتضي نفي ذلك وهو ظاهر، وحتى لو آمنوا غاية لما قبله من الأمرين، والناس ما عدا المشركين، وضمير قولهيم للمشركين، وطمعا تعليل للالتفات المنهيّ عنه، وقوله: لا ينبغي تفسير لقوله: ما كنت فإن معنى ما كان لك كذا لا ينبغي وهو إشارة لتفسيره وارتباطه على هذا الوجه والمراد منه حينئذ أنه لا يحتاج في نصرة الدين إلى أحد، فسواء اتباعهم وعدمه، وقوله: لديني متعلق بأعتضد، فلا وجه لما قيل إنّ الاعتضاد إنما هو بإيمانهم بعد زوال ضلالهم فلا وجه لنفي الانبغاء فالأولى أن يقال: لا حاجة إلى إيمانهم لأني أعتضد لديني بغيره. قوله: (ويعضده قراءة من قرأ الخ) والمعنى لا ينبغي لك ذلك فهو نهي له معنى، ووجه التأييد ظاهر، وقوله: على الأصل أي من أعمال اسم الفاعل وتنوينه، والتخفيف التسكين والاتباع بضم العين لاتباع الضاد وبفتحتين، وقوله: جمع عاضد من عضده بمعنى قوا. وأعانه فلا يكون استعارة.

قوله: (وإضافة الشركاء الخ) أي على هذ الوجه وهو الظاهر فإضافة مبتدأ وعلى زعمهم

خبره وللتوبيخ تعليل لانتساب الخبر للمبتدأ، وهدّا بناء على ما في بعض النسخ من أو شفعاءكم وفي بعضها بالواو بدل أو وعليه فإذا جعل هذا كلاما عاماً للوجهين فإعرابه كذلك على هذا الوجه وأمّا على الوجه الأوّل فقوله: للتوبيخ خبر وعلى زعمهم قيد للمبتدأ لعدم الحاجة إلى إفادة أنّ الإضافة على زعمهم للتصريح به في النظم حينئذ، كذا قيل: ولا يخفى ما

فيه من الخلل وأنّ الظاهر أنه بيان للوجه الثاني، وأنه يجوز فيه أن يكون على زعمهم خبرا، وقوله: للتوبيخ قيد له، ويجوز أن يكون على زعمهم قيداً للمبتدأ وللتوبيخ خبره، ولو جعل راجعا لهما جاز فيه ذلك أيضا وإذا جعل خبراً فالإفادة فيه باعتبار قيده لأنه محط الفائدة فلا وجه لما ذكر. قوله:(والمراد) أي بالشركاء ما عبد من دون الله وعلى هذا يعم المسيح وعزيرا والملائكة عليهم الصلاة والسلام فيحتاج إلى إخراجهم ص قوله: وجعلنا بينهم موبقا أو تأويله بأنّ الموبق حائل بينهم وإن لم يكونوا فيه جميعا وسيأتي ما يلائم هذا فلا يرد عليه أن التفسير الثاني أولى لاستغنائه عما ذكر فكان ينبغي تقديمه، وقوله: للإعانة بالنون ويجوز كونه بالمثلثة. قوله: (مهلكاً يشتركون فيه) مهلكا بفتح الميم ويجوز كسر اللام وفتحها لأنّ فعله كضرب وعلم ومنع شذوذاً اسم مكان من الهلاك على أن وبق بمعنى هلك، وقال الثعالبي في فقه اللغة: إنه بمعنى البرزخ البعيد فوبق بمعنى هلك أيضا إذ المعنى جعلنا أمداً بعيداً يهلك فيه بالأشواط لفرط بعده، وعلى هذا فيجوز شموله للملائكة وعيسى وعزير عليهم الصلاة والسلام لأنهم في أعلى الجنان وأولئك في قعر جهنم، كما في الشكاف وقيل: معناه محبس وموعد وبين ظرف، وقوله: يشتركون فيه إشارة إلى أنّ معنى كونه بينهم أنهم مشتركون في الحلول فيه كما يقال: جعلت المال بين زيد وعمرو فكأنه ضمن معنى قسمت، وقوله: وهو النار أي جهنم لأنها تطلق على مكانها إطلاقاً شائعا وقيل إنه واد فيها. قوله: (أو عداوة) بالنصب عطف على مهلكا فالموبق مصدر أطلق على سبب الهلاك مجازا وهو العداوة، كما أطلق التلف على البغض المؤدّي إليه لا على البغض مطلقاً حتى يتوهم أنه ليس بمجازاً لا معنى لقولك لا يكن بغضك بغضا والكلف مصدر كلف به إذا أولع به والمعنى لا يكن حبك حبا مفرطا يؤدّي إلى الولع والهيام، وبغضك بغضا مفرطا يجر إلى التلف، وقوله: اسم مكان أو مصدر لف ونشر مرتب ويجوز جعل الفوبق بمعنى الهلاك ومعنى كونه بينهم شموله لهم. قوله: (من وبق يوبق) في ال! قاموس وبق كوعد ووجل وورث وبوقا ومويقا هلك، ومنه تعلم وجه ثبوت الواو في مضارعه، وقوله: وقيل الخ قائله الفراء والسيرافي والبين على هذا اسم بمعنى الوصلى كما يكون بمعنى الفراق لأنه من الأضداد وعلى هذا فهو مفعول أوّل لجعلنا

ص: 110

وموبقا مصدر بمعنى هلاك مفعول ثان له، وعلى الأوّل هو ظرف مفعول ثان لجعل إن كان بمعنى التصيير وان كان بمعنى الخلق، فهو ظرف متعلق بجعلنا أو صفة لمفعوله قدم عليه لرعاية الفاصلة، فتحوّل حالاً، ومعنى كونه هلاكا أنه مؤذ إليه. قوله:(فأيقنوا) جعل الظن مجازاً عن اليقين لداسل

قوله: ولم يجدوا عنها مصرفا، وقيل: إنه على ظاهره لعدم يأسهم من رحمة الله قبل دخولها، وقيل: باعتبار أنهم ظنوا أنهم تخطفهم في الحال لأنّ اسم الفاعل موضوع له (قلت) إنما اقتصر عليه لأنه مأثور عن قتادة كما أسنده في الدر المنثور وقوله: رأى قرينة ظاهرة، وقوله: مخالطوها مأخوذ من مفاعلة اأس قوع لأنها تقتضيه، وقوله: واقعون فيها بيان للمراد منه، وقوله: مصرفا الخ إشارة إلى أنه يجوز فيه أن يكون مصدراً واسم مكان وقيل إنه يجوز فيه أن يكون اسم زمان وما ذكره المصنف رحمه الله تبع فيه أبا البقاء وفي الدر المصون أنه سهو فانه جعل مفعلا بكسر العين مصدرا من صحيح مضارعه يفعل بالكسر وقد نصوا على أنّ مصدره مفتوج العين لا غير واسم زمانه ومكانه مكسورها نحو المصرف والمضرب، وقرأ زيد مصرفا بفتح الراء فليته ذكر هذه القراءة ووجهها بما ذكر. قوله:(من كل جنس يحثاجون إليه) يعني أن المثل إما بمعناه المشهور أو بمعنى الصفة الغريبة ولم يصرح به لأنه مر تفصحيله ومن إما زائدة على رأي أو تقديره مثلا من كل مثل ولما كان ظاهره أنه ذكر فيه جميع الأمثال أشار إلى تأويله بأنّ المراد منه أنه نوع ضرب الأمثال وذكر الصفات العجيبة لهم فذكر من كل جنس محتاج إليه مثلا لا أنه ذكرت لهم جميع أفرادها فليس المراد أنّ المثل بمعنى الجنس هنا كما يتوهم ولا أن تنوين جنس عوض عن المضاف إليه، ومفعول صرفنا موصوف الجار والمجرور أي مثلاً من كل مثل وقيل: مضمون من كل مثل أي بعض كل جنس مثل والبعض بمعنى الجزئي منه. قوله: (يتأتى منه الجدل الما كان الجدل إنما صدر من الإنسان دون غيره من ذوي العلم، كالملك والجن والتفضيل يقتضي الاشتراك فسر المجادل بمن يتأتى منه ذلك ليشمل هؤلاء ويجري التفضيل على ظاهره. قوله: (خصومة بالباطل) قيده به لأنه الأكثر في الاستعمال والأليق بالمقام وإلا فالجدل مطلق المنازعة بمفاوضة القول كما ذكره الراغب وغيره من أهل اللغة ولا دلالة لقوله: ويجادل الذين كفروا بالباطل ولا لقوله: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} على تخصيصه بأحد الشقين حتى يتجوّز في الآخر أو يدعي التجريد، وقوله: من الإيمان إشارة إلى أن أن مصدرية مقدر قبلها الجار، وقوله: وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فأطلق عليه الهدى مبالغة لأنه هاد ولا يحمل على ظاهره لأنه لو كان كذلك آمنوا وعطفه بالواو ولمجيئهما لهم أو هي بمعنى أو والاستغفار من الذنوب بالتوبة عنها وهي شاملة للكفر وعممه ليفيد ذكره بعد الإيمان، ولا يضره كونه يجب ما قبله فتأمّل. قوله: (إلا طلب أو انتظار أو تقدير (أي تقدير الله لوقوع ذلك

لهم وقدر المضاف المذكور قبل إتيان سنة الأوّلين واتيان العذاب كما في الكشاف، لأنه لو كان المانع من إيمانهم واستغفارهم نفس الهلاك: كانوا معذورين ولأنّ عذاب الاخرة منتظر قطعاً، وقيل: لأنّ زمان إتيان العذاب متأخر عن الزمان الذي اعتبر لإيمانهم واستغفارهم فلا يتأتى ما يغيثهم منه، فإن قلت طلبهم سنة الأوّلين لعدم إيمانهم وهو لمنعهم عن الإيمان فلو كان منعهم للطلب لزوم الدور، قلت: دفع هذا بأنّ المراد بالطلب سببه وهو تعنتهم وعنادهم الذي جعلهم طالبين للعذاب بأمثال قولهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الخ، وقيل: الطلب بمعنى الاستحقاق والاستعداد وكونهم معاندين مما لا شبهة فيه وان كان فيهم من ينكر حقية الإسلام فلا وجه لما قيل: إن طلبهم ليس إلا لعدم اعتقادهم حقية الإسلام، ثم قال: الحق أنّ الآية على تقدير الطلب من قولك: لمن يعصيك أنت تريد ضربي أي بتنزيل استحقاقه منزلة طلبه كما مرّ، فإن قلت عدم الإيمان متقدم على الطلب مستمرّ فلا يكون الطلب مانعا قلت المتقدّم على الطلب هو عدمه السابق وليس بمانع منه والمانع ما وجد بعد الطلب لكن لا يظهر وجه كون الطلب مانعا منه كما قيل، ووجهه ظاهر لأنه إنما

ص: 111

يكون ناشئاً عن اعتقاد عدم حقية أو عناد فتأمل. وعذاب الآخرة هو المعد للكفار. قوله: (عياناً (هذا معناه على القراءة المشهورة بكسر القاف وفتح الباء، وقوله: بمعنى أنواع أي القبيل النوع والقبل الأنواع وأصله من المقابل فلذا دل على المعاينة وإذا كان حالاً من الضمير المفعول فمعناه معاينين له بكسر الياء أو بفتحها أي معاينين للناس ليفتضحوا وإذا كان من العذاب فمعناه معاينا لهم أو للناس. قوله: (للمؤمنين والكافرين (يحتمل اللف والنشر بناء على الأصل وعودهما لكل منهما وهذا أعمّ من تقدير للمطيعين والعاصين وأنسب بالمقام أو هما بمعنى، وقوله: بالباطل خصه لعموم الجدل كما مرّ بياناً للمذموم ولقوله: بعده ليدحضوا به الحق، وقيل: لأنهم قد يجادلون بالحق في الأمور الدنيوية. قوله: (باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات (فالمراد بالجدال معناه اللغوي وهو المنازعة لا ترتيب المقدمات وان كان مما صدق عليه، وليس معنى اصطلاحيا كما توهم، وتسمية السؤال عن قصة أهل الكهف جدلاً لأنه تعنت لإظهار تكذيبهم له صلى الله عليه وسلم فالسؤال بالجرّ معطوف على اقتراج وتعنتا تعليل له أوله مع ما قبله، وقوله: ليزيلوا إشارة إلى أنه مجاز من زلل القدم المحسوس لإزالة الحق المعقول،

وقوله: ويبطلوه تفسير ليدحضوا ولك أن تقول فيه تشبيه كلامهم بالوحل المستكره كم قلت: أتانا بوحل لإنكاره ليزلق أقادم هدى الحبم

وقوله: (وذلك قولهم للرسل ما أنتم إلا بثر مثلنا) قيل عليه أنه مخالف لقوله باقتراج الآيات والسؤال عن أصحاب الكهف وانّ المراد بالجدل في هذا معناه المصطلح وهو ترتيب المقدمات الفاسدة للإلزام، وقيل: إنّ هذا القائل ظن أنّ ذلك إشارة للجدل وليس كذلك بل هو إشارة للإدحاض الدال عليه ليدحضوا، والمعنى يجادلون بالاقتراح والسؤال ليعجزوا الرسل ويكون ذلك سببا لإدحاض الحق أي الرسالة بقولهم:{مَا أَنتُمْ إِلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} الخ فتأمّل. وقوله: عن مقرّة أي تحققه وثباته، وقوله: وإنذارهم الخ أي ما مصدر أو موصولة والعائد مقدر. قوله: (استهزاء) أي هو مصدر وصف به مبالغة وهو ما يستهزأ به، وظاهره أنه يكون صفة وقيل: عليه إنه لم يوجد في كتب اللغة إلا مصدرا وهو بعد التسليم قد يقال: إن مراده أنه مصدر مؤوّل بما ذكر، وقوله: ومن أظلم استفهام إنكارفي في قوّة النفي وهو يدل على نفي المساواة كما مرّ، وقوله: فلم يتدبرها أي يتأمّلها، ويتذكر بمعنى يتعظ والباء صلته أو سببية والمراد أنّ الإعراض مراد منه ما ذكر بطريق الكناية، وقوله: فلم يتفكر في عاقبتهما أي هذا هو المراد منه كناية. قوله: (تعليل لإعراضهم الخ) إفادته التعليل لأنه جواب عن السؤال عن العلة فيفيد ما ذكر، ومطبوع بمعنى مختوم عليها، وقوله: كراهة الخ يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف كما عرف في أمثاله، وقوله: وتذكير الضمير أي الراجع للآيات نظرا لمعناه وتأوّلاً له به وهو أنه وحي وقرآن كما أشار إليه أولا، وقوله: حق استماعه وهو التدبر والإذعان إشارة إلى أنه ليس وقراً حقيقياً، وقوله: تحقيقا وفي نسخة لا تحقيقا واكتفى بانفهام النفي مما قبله، وما بعده ولا يفقهون ناظر للتحقيق ولا يسمعون للتقليد فهو لف ونشر. قوله:(وإذا كما عرف جزاء وجواب الخ) كذا في عامّة كتب النحو، وللنحاة فيه كلام فقال الفارسيّ إن المراد أنها تارة تكون كذا وتارة كذا فالأوّل نحو أن يقال آتيك غدا فتقول إذن أظنك صادقا إذ لا جزاء فيها هنا والثاني نحو آتيك غدا فتقول إذن أكرمك، وقال الدمامينيّ في شرح التسهيل: الصواب أن يقال: كونها جواباً لا ينفك عنها بخلاف الجزائية فإنها قد تنفك، ومعنى كونها جوابا أنها لا تقع إلا في كلام مجاب به كلام آخر إما محقق أو مقدر، ومعنى كونها جزاء أنه يجازي بها أمر وقع وليس المراد بالجواب والجزاء معناهما الاصطلاحي حتى يكونا بمعنى واحد فيرد عليه ما

أورده ابن هشام كما فصله الدماميني في شرح التسهيل، ولذا قال المصنف: كما عرفت إشارة إلى ما ذكره النحاة وأشار إلى أنها جواب لكلام مقدر وأن الجواب هو مجموع الشرط وجوابه، وفي الكشاف وإذا جزاء وجواب فدلّ على انتفاء اهتدائهم

ص: 112

لدعوة الرسول بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سبباً في انتفائه، وعلى أنه جواب للرسول على تقدير قوله: ما لي لا أدعوهم حرصا على إسلامهم فقيل: {وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [سورة الكهف، الآية: 57] انتهى وللشراح فيه كلام واقف في أعراف الرد والقبول، والذي سلكه المدقق في الكشف أنّ دلالة النظم على ما ذكر صريحة لأن تخلل إذا يدل على ذلك لأنّ المعنى إذن لا دعوت وهو من التعكيس بلا تعسف وأما أنه جواب على الوجه المذكور فمعناه أنه نزل منزلة السائل مبالغة في عدم الاهتداء المرتب على كونهم مطبوعا على قلوبهم فلا ينافي ما أقرّوه من أنه على تقدير سؤال لم لم يهتدوا فإنّ السؤال على هذا الوجه أوقع اهـ، وإذا تأمّلته انكشف الغطاء، وقد طلع الصباج ولم يحتج إلى ما قيل من أنّ وجهه أنه جعل الفاء في فلن يهتدوا استعارة كاللام في قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} الخ وان كان من تصرّفاته البديعة، ومن لم يعرف ما ذكر خبط خبط عشواء فقال: المراد أنها جزاء الشرط الذي هو مدلول إذا لا الشرط المذكور وأمّا كونه جواب سؤال مقدر فليس بمعروف فالأولى أن لا يذكر قوله كما عرفت كما تركه جار الله، وصرفه لقوله: جزاء فقط لا يخلو عن بشاعة. قوله: (على تقدير قوله ما لي لا أدعوهم) قيل تقدير هذا يقتضي أنه منع من دعوتهم فكأنه أخذ من مثل قوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا} [سورة النجم، الآية: 29] فقيل بل هو مفهوم من قوله: إن تدعهم الخ وما ذكر بعيد جدّاً، كحمل المقدر على أنه لم لا أدعوهم مع قوله: إن يهتدوا إذا أبدا، وقيل: إنّ الصواب أنه مأخوذ من قوله: على قلوبهم أكنة وأنت بعدما أوضحناه لك في غنية عنه فتأمّل. قوله: (فانّ حرصه صلى الله عليه وسلم على إسلامهم يدل عليه) أي على ذلك التقدير وان ذكر له أن قلوبهم في أكنة رجاء أن تكشف تلك اكنة وتمزق بيد الدعوة فينكشف الغطاء فليس سؤاله المقدر دالاً على المنع عن مطلق الدعوة كما مرّ فإنه من قلة التدبر. قوله: (البليغ المنفرة) كما يدل عليه صيغته وقال الإمام: إنما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة دون الرحمة لأنّ المغفرة ترك الإضرار والرحمة إيصال النفع وقدرة الله تعالى تتعلق بالأوّل لأنه ترك مضار لا نهاية لها، ولا تتعلق بالثاني لأنّ فعل ما لا نهاية له محال وقد قال النيسابوري: هذا فرق دقيق لو ساعده النقل، على أنّ قوله: ذو الرحمة لا يخلو عن مبالغة وفي القرآن غفور رحيم بالمبالغة في الجانبين كثيراً، وفي تعلق القدرة بترك غير المتناهي دون فعله نظر لأنّ مقدور أنه تعالى غير متناهية لا فرق بين المتروك وغيره، وقيل عليه أنهم فسروا الغفار بمريد إزالة العقوبة عن مستحقها والرحيم بمريد الأنعام على الخلق وقصد المبالغة من جهة في مقام لا ينافي تركها في

آخر لعدم اقتضائه لها وقد صرحوا بأن مقدوراته تعالى غير متناهية وما دخل منها في الوجود متناه ببرهان التطبيق، وهذا كلام حسن اندفع به ما أورد على الإمام إلا أنه كان عليه أن يبين النكتة هنا وهي ظاهرة لأن المذكور بعده عدم مؤاخذتهم بما كسبوه من الجرم العظيم، وهو مغفرة عظيمة وترك التعجيل رحمة منه سابقة على غضبه لكنه تعالى لم يرد إتمام رحمته عليهم وبلوغها الغاية إذ لو أراد ذلك لهداهم وسلمهم من العذاب رأسا وقوله: الموصوف بالرحمة إشارة إلى أنّ معنى كونه صاحبها اتصافه بها، وقيل إنه إشارة إلى كونه في حكم المعرف في إفادة الحصر فإن قلت ما ذكره الإمام يقتضي عدم تناهي المتعلقات في كل ما نسب إليه تعالى بصيغ المبالغة، وليس بلازم إذ يمكن أن تعتبر المبالغة في المتناهى بزيادة الكمية وقوّة الكيفية ولو سلم ما ذكر لزم عدم صحة صيغ المبالغة في الأمور الثبوتية كرحيم ورحمن ولا وجه له، قلت: هذه نكتة لوقوع التفرقة بينهما هنا بأنه اعتبرت المبالغة في جانب الترك دون مقابله لأن الترك عدميّ يجوز فيه عدم التناهي بخلاف الآخر ألا ترى أنّ ترك عذابهم دال على ترك جميع أنواع العقوبات في العاجل وان كانت غير متناهية فتدبر. قوله: (استشهاد على ذلك (أي على كونه غفور إذا رحمة والمراد بالاستشهاد هنا ذكر شاهد من أفعاله تعالى يثبت به ما ذكر، وقوله: وهو يوم بدر إشارة إلى أن موعداً اسم مكان وقيل إنه جهنم، وقوله: من دونه أي من دون الله أو العذاب والثاني أولى وأبلغ لدلالته

ص: 113

على أنهم لا ملجأ ولا منجا لهم فإن من يكون ملجؤه العذاب كيف يرى وجه الخلاص والنجاة، وقوله: منجا لم يقلى وملجأ لأنهما بمعنى والفرق إنما هو في التعدية بإلى وعدمه، وقيل إنه عائد على الموعد والمبالغة المذكورة باقية أيضا. قوله:(يعني قرى عاد وثمود وأضرابهم) أي أشباههم في الهلاك والإشارة لتنزيلهم لعلمه بهم منزلة المحسوس، وقوله: خبره أهلكناهم أو القرى، والجملة حالية كما في البحر والقرى صفة والوصف بالجامد في باب الإشارة مشهور، والوصف جار على الإعرابين، وفوله: مفعول مضمر بالإضافة أي مقدر، وقوله: في أحدهما أي قبل تلك أو القرى ولا ركاكة في الثاني كما قيل: لأنّ تلك يشار بها للمؤنث من العقلاء وغيرهم ويجوز أن تكون القرى عبارة عن أهلها مجازاً، وقوله: كقريش ذكر أنهم نظيرهم في الظلم إشارة إلى أنّ ما ذكر إنذار وتهديد لهم والمراء الجدال وذكره لسبقه. قوله: الإهلاكهم وقتاً معلوماً الما جاز في كل من المهلك على القرا آت والموعد هنا أن يكون زمانا ومصدراً لكن إذا كان أحدهما زمانا لا بد من جعل الآخر

مصدراً لئلا يكون للزمان زمان أشار إلى أنّ الأوّل مصدر، والثاني اسم زمان ولم يعكسه لركاكته، وقال: وقتا معلوما لأنّ الموعد لا يكون إلا كذلك والا فاسم الزمان مبهم، وقوله: ولا يستقدمون لم يذكره في الكشاف وذكره أولى وتفسيره الأوّل على ضم الميم وفتح اللام، وقوله: حملاً على ما شذ الظاهر أن يقول: لأنه ورد شاذاً إذ الشاذ لا يحمل عليه والقراءة ليست بالقياس، إذ هي منقولة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولو شذوذا والشاذ هو مجيء المصدر الميميّ مكسوراً فيما عين مضارعه مكسورة وفي دعوى الشذوذ نظرا لما في القاموس من أنّ هلك جاء من باب ضرب ومنع وعلم والمحيض بالضاد المعجمة مصحدر بمعنى الحيض وذكره إشارة إلى أنّ الشذوذ لا يختص بالصحيح. قوله ة) {وَإِذْ قَالَ مُوسَى} ) هو موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام على الصحيح وقال: أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدثين والمؤرّخين أنه هنا موسى بن ميشا بالمعجمة بن يوسف بن يعقوب وهو موسى الأوّل وإنما أنكره أهل الكتاب لإنكارهم ئعلم النبيّ من غيره، وقال: الكرمانيّ لا غضاضة في تعلم نبيّ من نبيّ آخر واذ على تقدير اذكر مفعول لا ظرف لأنّ ذكره للوقت لا في الوقت ومعناه قل لا تذكر، وقوله فإنه كان يخدمه ويتبعه قدمه لأنه الأصح ولذا أضافه إليه والعرب تسمى الخادم فتى لأنّ الغالب استخدام من هو في سن الفتوة. قوله:(وقيل لعبده) فالإضافة للملك وأطلق عليه فنى لما ورد في الحديث الصحيح ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتي وهو من آداب الشريعة وليس إطلاق زلك بمكروه لكنه خلاف الأولى ولم يرتض هذا القول المصنف رحمه الله كما في الكشاف لأنه مخالف للمشهور. قوله: الا أزال) فهي ناقصة من أخوات كان وحذف الخبر فيها قليل كما ذكره الرضي خلافا لأبي حيان وغيره ممن زعم أنه ضرورة والخبر المحذوف هنا ثقديره أسير ونحوه لدلالة الحال والغاية عليه إذ لا بد لها من مغيي، والمناسب له هنا السير والسفر ومما ول ل على هذا المقدر قوله: فلما بلغا مجمع بينهما فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة في النظم مليه، وقوله: من حيث للتعليل إن قيد الحيثية قد يذكر للتعليل وقد يذكر للتقييد وقد يذكر للاطلاق كما مرّ، وفي نسخة من حيث إنها والضمير لحتى من حيث إنها كلمة أو غاية وهو مان لوجه الدلالة وضميران لذلك القول، وقوله: وعليه متعلق بدلالة والضمير راجع إلى الخبر " نّ الوصول إلى المكان لا يكون إلا بعد السير. قوله: (ويجورّ أن يكون أصله لا يبرح

مسيري (فحتى مع مجرورها خبر والخبر في الحقيقة، متعلقه فحذف منه المضاف إليه وهو مسير بمعنى السير فانقلب الضمير من البروز والجرّ إلى الرفع والاستتار وانقلب الفعل من الغيبة إلى التكلم وكذا الفعل الواقع في الخبر وهو أبلغ كان أصله يبلغ ليحصل الربط، واعترض عليه بأنه حينئذ يحلو الخبر من الرابط إلا أن يقدر حتى أبلغ به أو يقال: إن الضمير المستتر في كائن يكفي للربط أو أنّ وجود الربط بعد التغيير صورة يكفي فيه وإن كان المقدر في قوّة المذكور. قوله: (وأن يكون لا أبرج بمعنى لا أرّول) فهي تامّة لا تحتاج إلى خبر لكن لا بد من تقدير متعلق له ليتم المعنى كما أشار إليه بقوله: عما أنا عليه الخ ومضارع

ص: 114

هذه يزول وتلك يزال، كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله:(ملتقى بحري فارس والروم الخ) قيل إنهما لا يلتقيان إلا في البحر الميحط فلعل المراد به مكان يقرب فيه التقاؤهما وأمّا كون فارس محرفا فمن فاس وهي بلدة معروفة بالغرب فلا وجه له إذ لم يذهب إليه أحد وسيأتي كلام- نجي هذا في سورة الرحمن. قوله: (وقيل البحران موسى وخضر الخ) عده في الكشاف من بدع التفاسير فيكون البحر

عليه بمعنى الكثير العلم على الاستعارة والمراد بمجمعهما مكان يتفق اجتماعهما فيه ولا يخفى نبوّ السياق عنه وقوله: حتى أبلغ ولذا مرضه إذ الظاهر عليه أن يقال: حتى يجتمع البحران مثلاً، وقوله: على الشذوذ أي قراءة وقياسا وهي قراءة ابن يسار وقياس اسم الزمان والمكان من فعل يفعل بفتح العين فيهما الفتح كمذهب فقوله: من يفعل بفتح العين، وقوله: كالمشرق والمطلع نظير له في شذوذ الكسر وان اختلف فعلهما وفعله كما لا يخفى. قوله: (أسير) هو معنى أمضى من مضى بمعنى تعدى وسار وزمانا طويلا معنى حقبا كما سيأتي، ومضيّ الحقب خلوها وليس مصدر مضى والمراد مضيها بدون بلوغ المجمع بقرينة التقابل وأو على هذا عاطفة لأحد الشيئين وقوله: إلا أن أمضى زماناً أي في مسيري فأو بمعنى إلا والفعل منصوب بعدها بأن مقدرة، والاستثناء مفرع من أعمّ الأحوال ولم يجعلها بمعنى إلى أن لأنه يقتضي جزمه ببلوغ المجمع بعد سيره حقبا وليس بمراد، وقوله: والحقب الدهر الخ وهو اسم مفرد كحقبة وجمعه حقب وأحقاب. قوله: (روي أنّ موسى عليه الصلاة والسلام إلى قوله ودخوله مصربم

قال ابن عطية: لم يعرف أنّ موسى عليه الصلاة والسلام أنزل قومه مصر ولا أراه يصح وفيه نظر، وقوله: فأعجب بها على بناء الفاعل من قولهم: أعجبني كذا إذ راقني أو على بناء المجهول، وقوله: فقال لا أي لا أعلم أحدا أعلم مني والمراد أنا أعلم لأنه رسول ذلك الزمان فلا مخالفة فيه لما في الكشاف ولا لما سيأتي، كما توهم وقوله: الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد وتسكن وتكسر خاؤه أيضا ودخول أل عليه للمح الوصفية أو لتأويله بالمسمى به، وقوله: في أيام افريدون بكسر الهمزة وهو ملك مشهور قيل إنه ذو القرنين اكبر كما في شرح البخاريّ، وفيه أنّ موسى عليه الصلاة والسلام أدرك زمنه ومقدمة بفتح الدال وكسرها مقدمة الجيش وهي معروفة وتفصيله في تاريخ ابن الأثير وذو القرنين الأكبر هو ابن سام بن نوح قيل إنه كان في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو الذي طاف الدنيا وبنى سد يأجوج ومأجوج والخضر عليه الصلاة والسلام كان أميرا على مقدمة جيشه والأصغر من اليونان، وهو الذي قتل دارا وأخذ ملكه وطلب عين الحياة فلم يجدها وقوله: وبقي إلى أيام موسى معطوف على كان وهو ردّ على من قال: إنه مات قبله وخلفه الخضر على مقدمة جيشه فانظر تفصيله وتصحيحه من كتب التواريخ، وقوله: الذي يذكرني يجوز أن يكون واحدا وجماعة، وقوله: الذي يبتغي ضحمنه معنى يضم أو تجوّز به عنه فلذا عداه بإلى، وقوله: عسى ترج على لسانه، وقوله: عن ردى الردى الهلاك والمراد عما يوقعه في الهلاك، وقوله: كيف لي به أي كيف السبيل لي بلقائه أو كيف يتيسر لي الظفر به، والحوت قيل إنه كان مملحا وقيل: مشويا وهل هو نصف أو كامل قولان، والمكتل بكسر الميم وفتح التاء الفتوقانية الزنبيل كما في شرح البخاري، وليس المراد به كيلا كما قيل، وقوله: فحيث فقدته أي الحوت. قوله: (أي مجمع البحرين (أي الضمير لهما ومجمع بينهما مجمعهما، وقوله: أضيف إليه على الاتساع في الظرف وهو إخراجه عن نصبه على الظرفية بنصبه على المفعولية أو جرّه بالإضافة كما هنا أو رفعه، ومجمع اسم مكان والإضافة بيانية أو لامية وجوّز فيه المصدرية والمجمع إمّا مكان الاجتماع حقيقه أو ما يقرب منه كما مرّ، وقيل: المراد مجمع في وسط البحرين فيكون كالتفصيل لمجمع البحرين وهذا يناسب تفسير المجمع بطنجة أو إفريقية إذ يراد بالمجمع متشعبا بحري فارس والروم من

المحيط وهو هناك. قوله: (أو بمعنى الوصل الما مرّ أنه يكون اسما بمعنى الوص! والافتراق وهو من الأضداد وأخره المصنف، ولم يذكره الزمخشري لما فيه من الركاكة إذ لا حسن في قولك مجمع وصلهما كما قيل، وقيل إنّ فيه مزيد تأكيد كقولهم: جد جده

ص: 115

وجوّز فيه أن يكون بمعنى الافتراق أي موضع اجتماع البحرين المفترقين، وعليه يحتمل عود الضمير لموسى والخضر عليهما الصلاة والسلام أي وصلا إلى موضع وعد اجتماع شملهما فيه وكذ إذا كان بمعنى الوصل. قوله:(نسي موسى عليه الصلاة والسلام أن يطلبه ويتعرف حاله) أي يطلب من يوشع الحوت ليتعزف حاله لأنه جعل أمارة للظفر، وفيه إشارة إلى أن في النظم مضافا مقدرا لأنهما لم ينسيا الحوت وإنما نسيا حاله لكن الحال التي نسيها موسى عليه الصلاة والسلام كونه باقيا في المكتل أو مفقوداً، والحال التي نسيها يوشع ما رأى من حياته ووقوعه في البحر، واعترض! عليه بأنّ نسيان يوشع كان قبل وقوعه في البحر كما يدل عليه قوله: فاتخذ سبيله في البحر سربا حيث عقبه بالفاء، فلا يصح إدخال الوقوع المذكور في الحال المنسية، وأجيب بأن فاء فاتخذ فصيحة كما ذكره المعترض! ولا يلزم أن يكون المعطوف عليه الذي تفصح عنه الفاء معطوفا على نسيا بالفاء التعقيبية حتى يلزم المحذور المذكور، وان كان المعروف فيها ذلك كما قدروا في قوله: فانفجرت فضرب فانفجرت بل يقدر بالواو هكذا وجيء بالحوت فسقط في البحر فاتخذ الخ وهذا مع تكلفه ومخالفته للمألوف في الفاء الفصيحة مخالف للنظم ولما سيأتي تفصيله في قوله: وما إنسانيه إلا الشيطان، ؤهو غير وارد لأنّ سلوكه ومشيه في طريق أمر ممتذ بعد الوقوع في الماء مغاير له مترتب عليه ولا تعلق للنسيان به في النظم نفيا واثباتا بل لا يصح ما ذكره لأنّ السقوط الذي قدره عين الوقوع فقد وقع فيما فرّ منه فتأمّل. قوله: (معجزة (المراد الأمر الخارق للعادة الذي يظهر مثله على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا المعنى المشهور لأنه مشروط بالتحدي ولا تحذي هنا، وقوله: وقيل نسياً الخ أي المراد أنهما نسيا ترصد حال الحوت في ذلك الوقت وان ينتظرا منه ما يكون علامة على المطلوب وهو ملاقاة الخضر عليه الصلاة والسلام قيل إنه لم يرتض هذا لأنّ الأوّل أنسب بالمقام وفيه بحث لأن الفرق بين هذا وبين ما ارتضاه أولاً يسير جدا لأنه ذكر في الأوّل أن موسى عليه الصلاة نسي تعزف حاله وهو عين نسيان تفقده هنا ويوشع إذ نسي مامرّ فهو لم يتفقده أيضاً وكذا ما قيل إن المراد أنّ موسى عليه الصلاة والسلام نسي تفقده لأمره، وبوشع نسي ما يكون أمارة أي ذهل عن الاستدلال

بهذه الحالة المخصوصة على الظفر بالمطلوب فتأمّل. قوله: (مسلكاً) أي كالمسلك وقوله: من قوله وسارب بالنهار قيل: السرب أصله ما يسلك فيه كالحجر فأريد به هنا المسلك أي الطريق كما ذكره إلا أنّ الآية المذكورة بمعزل عنه فإنّ السارب فيها بمعنى الظاهر بدليل مقابلته بقوله مستخف بالليل وقد فسره المصنف به هناك من غير ذكر معنى آخر له فكلامه هنا مخالف له ولا يخفى أنّ الذهاب في الأرض يلزمه البروز والظهور فجعل ثمة كناية عنه بقرينة المقابل فالتنظير به هنا باعتبار معناه الحقيقي، وما ذكره بيان للمراد منه فلا مخالف بينهما وما قيل في دفعه أن ما ذكره هنا على بعض التفاسير وإلا فالمصنف رحمه الله فسره ببارز في سورة الرعد مع مخالفته للظاهر لا حاجة إليه ويشهد لما مر قول الأزهرقي: العرب تقول سربت الإبل إذا مضت في الأرض ظاهرة فإنه جمع بينهما. قوله: (وقيل أمسك الله جرية الماء) بكسر الجيم فصار أي الماء كالطاق وليس المراد بالطاق الكوّة بل البناء المقوس كالقنطرة فالسرب كالنفق لا مقابله كما قيل، وقوله: ونصبه على المفعول الثاني، وقيل: في البحر مفعوله وسربا حال، وقوله: مجمع البحرين إشارة إلى مفعوله المقدر، وقوله: لم ينصب بفتح الصاد أي يعي ويتعب لأنه قبله لرجاء الظفر في نشاط الإبل، وقوله: في سفر بالتنوين وجز غيره لأنه صفته، ووجه دلالة اسم الإشارة على ما ذكر من التخصيص النحوي والتخصيص بالذكر لا لأنه أشير به إلى السفر من كل وجه فإنه لا وجه له. قوله:(ما دهاتي إذ أوينا) دهاني بالدال المهملة بمعنى أصابني إصابة شقت عليّ كالداهية قال: ناظر الجيش في شرح التسهيل جاءت أرأيت ليس بعدها منصوب ولا استفهام بل جملة مصدرة بالفاء كما في هذه الآية فزعم أبو الحسن أنها أخرجت عن بابها وضمنت معنى أمّا أو تنبه أي أمّا إذا أوينا أو تنبه فالفاء جوابها لا جواب إذ لأنها لا تجازي إلا مقرونة بما

ص: 116

وقال أبو حيان: يمكن أن يكون مما حذف منه المفعولان اختصاراً أو التقدير أرأيت أمرنا إذ أوينا ما عاقبته وما ذكره المصنف تبعاً للزمخشري حسن غير أنه لم يتعرّض! لذكر المفعول الأوّل، وإنما ذكر الجملة الاستفهامية التي هي موضع المفعول الثاني بناء على أن ما استفهامية فيه، ويجوز أن تكون موصولة أيضا، أو يكون جعل رأي فيه بصرية دخلت عليها همزة الاستفهام والمعنى 11 بصرت حالنا إذ أوينا الخ، فحذف لدلالة الكلام عليه وأرأيت بمعنى أخبرني وقد مر تحقيقه، ونهر الزيت اسم نهر معين سمي به لكثرة ما حوله من شجر الزيتون كما في شرح الكشاف وكون الصخرة دونه بمعنى عنده قريبة منه ومدانية له.

قوله: (فقدته أو نسيت ذكره) يعني أنّ النسيان إمّا مجاز عن الفقد بعلاقة السببية أو على حقيقته بتقدير مضاف فيه، وقوله: بما رأيت منه الباء للملابسة وهو حال من الضمير المضاف إليه. قوله: (لأن أن أذكره) وفي نسخة فإنّ وهما بمعنى وهو تعليل لأنه المراد إذ البدل هو المقصود بالنسبة وهو بدل اشتمال وأن أذكر له من التذكير وهو بدل أيضاً وقوله: وهو اعتذار رأي على القراءتين وقوله: لما ضرى بالضد المعجمة والراء المهملة معتل الآخر معناه هنا اعتاد وهذا بيان لأنّ مثله من الأمور الخارقة إذا شوهدت لا تذهب عن الخاطر. قوله: (ولعله ئسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار الخ) أي أنّ شدة توجهه إلى الله أذهلته عما ذكر وان كان مثله لا ينسى وشراشره بمعنى نفسه أو جملته فإنه من جملة معانيه، وعراه بمعنى غشيه وعرض له. قوله:(وإنما نسبه إلى الشيطان الخ (قيل عليه أنه يلزمه على كلا الوجهين الكذب وهو لا يناسب يوشع ولا ضرورة إلى التكلف بإثبات التجوز ولو كان كما ذكره المصنف كان المناسب أن يقال: بدله لم أستطع تذكره فإن فيه هضم نفسه مع الاختصار ولا يخفى أنّ ما ذكره توجيه له على ما اختاره بقوله: ولعله فإنه إذا كان ذهوله لانجذابه لحضرة القدس كان أمره فيه رحمانيا لا شيطانياً فإسناد إلا نساء إليه وفاعله الحقيقي هو الله والمجازي هو الجذبات المذكورة هضما لنفسه بجعل تلك الجذبات لشغلها عن التيقظ للموعد الذي ضربه الله بمنزلة الوساوس، ففيه تجوّز باستعارة الشيطان لمطلق الشاغل، وهذا كحديث أنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرّة أو هو مجاز عن النقصان لكونه سببه ونقصانه بترك المجاهدات والتصفية حتى لا تشغله تلك الجذبات عن الأمور الخارجية فأفي كذب في هذا يتطرّق إليه القيل والقال وهذا مما بنبهك على حسن سلوك المصنف: ومن الناس من لم يقف على مراده فأورد ما ذكر من عنده وقال: إنه كذب إلا أن يكون مجازاً عن إني مقصر في أموري أو كأنني إنساني الشيطان لعدم كمالي وكذا ما قيل في دفعه أنه كناية أو مجاز عن عدم الاغترار، والافتحار. قوله: (سبيلَا عجباً) قيل إنه يتعين التقدير الآخر وأمّا هذا ففيه أنّ أكثر العجب ليس بحال السبيل وأيضاً لو كان المعنى هذا القيل واتخذ في البحر سبيلاً عجباً، ورد بأنه لم يذع ما ذكر أحد وأنّ كون حال السبيل عجبا يكفي لصحته وانّ أداء المعنى باللفظ المذكور في النظم أو في لحق البلاغة لأن في ذكر السبيل ثم إضافته إلى ضمير الحوت ثم جعل في البحر حالاً من المضاف

تنبيها إجمالياً على أنّ المفعول الثاني من جنس الأمور الغريبة، وفيه تشويق للمفعول الثاني وتكرير للتأكيد المناسب للمقام، وقيل: عليه أن مراد المعترض أنه يلزم حينئذ أن لا يتعرض كثرها لا عدم صحة الكلام، وقوله: وهو أي العجب، وقوله: كالسرب إشارة إلى أنّ جعله سرباً على التشبيه، وهذا من العجب فإنّ ما ذكره وارد على الثاني أيضا فإنّ أعظم العجب في الحوت لا في الاتخاذ. قوله: (أو اتخاذا عجباً (فهو صفة مصدر محذوف وكان على الوجه الآخر مفعولاً ثانيا والأوّل سبيله وعلى هذا التقدير قيل إنما كان عجبا لخروجه من المكتل وحياته بعد الشيّ وأكل بعضه وامساك الجرية عليه، وقيل عليه أنّ ما سوى الأخير ليس من حال اتخاذ السبيل لكونه قبله، وكونه من لوازمه وان سبقه ليس في الكلام ما يدل عليه، وقوله: والمفعول الثاني هو الظرف أي على هذا الوجه، وقوله: مصدر فعله أي فعل التعجب المضمر فيكون مفعولاً مطلقا له والمفعول الثاني لاتخذ عليه أيضاً قوله: في البحر أي عجبت عجبا

ص: 117

وقوله: أي قال: يعني يوشع في آخر كلامه فالتقدير وعجبت عجبا، وهي جملة مستأنفة، وقوله: أو موسى معطوف على فاعل قال: المستتر لوجود الفصل أو قبله فعل مقدر وهو بعيد، إذ لو كان تقديره أو قال موسى: عجبا لقيل وقال ذلك ما كنا نبغ الخ بالعطف على المقدر، وو! وأمّا كونه لو كان من كلامه لتأخر عن قوله: قال ففيه نظر وقوله تعجبا راجع لهما أي قول يوشع أو موسى عجبا لأجل التعجب من تلك الحال. قوله: (وقيل الفعل (أي اتخذ لموسى عليه الصلاة والسلام أي مسندا له، والاتخاذ فيه صادر عنه وهو على ما قبله كان للحوت وعجبا حينئذ مفعول ثان ولا ركاكة في تأخير قال عنه حينئذ لأنه استئناف لبيان ما صدر منه بعده، وقوله: أمارة المطلوب أي لقاء الخضر عليه الصلاة والسلام فليس معنى قوله: نبغ أنه كأ! مطلوب بالذات كما يتبادر منه، وقوله: فرجعا هو معنى ارتدا والذي جا افيه يعلم منه كونه على أثر الأوّل. قوله: (يقصان قصصاً) يعني أنه من قص أثره إذا تبعه أو من قص الخبر إذا أعلمه

والظاهر الأوّل، وهو مفعول مطلق لفعل مقدر من لفظه أو حال مؤوّل باسم أي مقتصين بصيغة المثنى وقوله: حتى أتيا الصخرة إن كان من كلامه بيانا لغاية كونهما مقتصين فظاهر وإن كان تقديرا له النظم فهو إشارة إلى أن الفاء في قوله: فوجدا فصيحة. قوله: (واسمه بليا بن ملكان (وقيل: ارميا وقال: السدي رحمه الله الياس أخوه، وبليا بباء موحدة مفتوحة ولام ساكنة وياء! ؤ مثناة تحتية وفي آخره ألف وروي ابليا بزيادة همزة كما في شرح البخاري، وهو من نسل لوق

عليه الصلاة والسلام وكان أبوه من الملوك ولقب به لأنه إذا جلس أو صلى على أرض اخضرت، وقيل لإشراقه وحسنه. قوله:(هي الوحي والنبوّة) لأن الرحمة أطلقت عليهما في مواضع من القرآن، والأكثرون على نبوّته عتحلى وقيل إنه وليّ، وقيل إنه ملك والاختلاف في حياته الآن معروف، وقوله: مما يختص الاختصاص يفهم من فحوى كونه من عنده أو من تقديم من لدنا على علما، وقوله: بتوفيقنا بتقديم الفاء على القاف وعكسه والثاني أنسب بالغيب، وقوله: على شرط أن تعلمني بناء على أنّ على تأني للشرطية وتعليق ما بعدها على ما قبلها نحو آتيك على أن تأتيني كما ذكر في أصول الفقه وذكر السرخسي أنه معنى حقيقي لها لكن النحاة لم يتعرضوا له، وقد تردّد السبكيّ في وروده في كلام العرب، وهذه الآية تؤيد أنه استعما أط صحيح لكن الظاهر أنه مجاز بتشبيه لزوم الشرط بالاستعلاء الحسيّ، كما يقال: وجب عليه كذا وتحقيقه في الأصول وكونه حالاً لأنه في معنى باذلاً تعليمي. قوله: (علماً ذ رشد (يعني أنّ نصمبه على أن صفة للمفعول قائما مقامه ووصف به مبالغة، فقوله: وهو مفعول أي بعد أن كان صفة، وقوله: العائد أي الضمير العائد على ما الموصولة إذ لا بد منه، وجوّز فيه أن يكون مما علمت مفعوله ورشداً بدل منه والظاهر الأوّل وقوله: وكلاهما أي تعلمني وعلمت منقولان أي مأخوذان منه ومنقولان إلى التفعيل ليتعديا إلى اثنين ولذا جعل علم متعذيا لواحد وهو أحد استعماليه ليكون للنقل فائدة فيه. قوله: (ويجورّ أن يكون) أي رشداً علة لاتبعك فيكون مفعولاً له لوجود شرطه فيه ومفعول تعلمني مما علمت لتأويله ببعض ما علمت أو علما مما علمته، وقوله: أو مصدراً بإضمار فعله أي أرشد رشداً، والجملة استئنافية. قوله:(ولا ينافي الخ) جواب عما قيل إنه رسول من أولي العزم فكيف يتعلم من غيره والرسول لا بد أن يكون أعلم أهل زمانه ولذا ذهب بعضهم إلى أنّ موسى هذا ليس هو ابن عمران لأنّ اللازم فيه أن يكون أعلم في العقائد وما يتعلق بشريعته لا مطلقا ولذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم أنتم أعلم بأمور دنياكم فقوله: من غيره أعمّ من النبيّ وغيره، وقوله: ممن أرسل إليه إشارة إلى جواب آخر

وهو أنّ اللازم كونه أعلم من أمّته والخضر عليه الصلاة والسلام نبيّ لم يرسل إليه فلا ينكر تفزده

!! بما لم يعلمه غيره، وقوله: لا مطلقاً ناظر إليه، وقوله: صاحب شريعة إشارة إلى أنّ النبي المتبع لرسول آخر كيوشع يتعلم منه مطلقا من غير إنكار، وقوله: ما لم يكن شرطاً ما موصولة مفعول

يتعلم لا دوامية. قوله: (وقد راعى في ذلك الخ) استجهال نفسه لطلبه التعلم وإنما يكون فيما لم يعلمه، وقوله: نفى عنه

ص: 118

استطاعة الصبر، وجوه التأكيد أن والنفي بلن فإنّ نفيها آكد من نفي غيرها وعدوله عن قوله: لن تصبرا لي لن تستطيع كما أشار إليه بقوله: كأنها الخ فإنّ المراد من نفي

الاستطاعة نفي الصبر لأن الثاني لازم الأوّل فهو إثبات له بطريق برهانيّ على طريق الكناية، كما يدل عليه قوله: وكيف تصبر وتنكير وصبرا في سياق النفي أي شيئا ما من الصبر، فلا وجه لما

قيل إنّ التأكيد هنا بأن ولن فأطلق الجمع على اثنين أو يقال: اسمية الجمل التي خبرها جملة من

وجوه التأكيد، وأمّا قوله: إن فيه دليلاً على أن الاستطاعة مع الفعل فغير ظاهر لأن الاستطاعة مما

يتوقف عليه الفعل فيلزم من نفيه نفيه سواء تقدّمت عليه أو تأخرت فمن غفل عن هذا قال ليس المراد هنا أنه ثعالى أراد بنفي استطاعة الصبر نفي الصبر ولا يدلّ عليه قوله: وكيف الخ وليس في

كلامه ولا في الآية دليل على أنّ الاستطاعة مع الفعل بل بنى كلامه عليه وإنما قلنا ليس في الآية

ذلك مع أنّ نفي الاستطاعة إذا كانت قبل الفعل كما قاله المعتزلة: لا يصح، لأن صبره معه ليس

بمحال لأن لهم أن يقولوا: أراد الخضر عليه الصلاة والسلام بنفيها نفي الصبر فكأنه لا يصح ويحتمل أنه مراد جار الله والمصنف تبعه فيه. قوله: (على ما أتولى (أي أباشره ومناكير أي منكرات بحسب الظاهر وقوله: لم يحط بها خبرك إشارة إلى أن التمييز محوّل عن الفعل ولذا

عقبه ببيان نصبه وإذا كان مصدراً فناصبه تحط لأنه يلاقيه في المعنى لأن الإحاطة تطلق إطلاقا

شائعا، وتخبره بضم الباء من خبر الثلاثي من باب نصر وخلم ومعناه عرف، وقوله: لم تحط به أي بما أتولى وفي نسخة بها وهي ظاهرة، وعلى متعلقة بتصبر. قوله: (عطف على صابراً (لأن

الفعل يعطف على المفرد المشتق كما في قوله: صافات ويقبضن بتاً ويل أحدهما بالآخر كما أشار

إليه بقوله: وغير عاص فجملته في محل نصب وإذا عطف على ستجدني فهي أيضا في محل

نصب على أنها مقول القول ومفعول له أيضاً وما وقع في الكشاف من أنها لا محل لها حينئذ مشكل ولذا تركه المصنف رحمه الله تعالى، والظاهر أنه لأنّ مقوله هو المجموع فلا يكون

لأجزائه محلا باعتبار الأصل وقيل: مراده أنه ليس مؤوّلاً بمفرد كما في الأوّل وهو بعيد، وقيل: مراده بيان حال العطف في القول المحكيّ عن موسى عليه الصلاة والسلام لأنه الذي يهمه هنا إذ التقييد بالمشيئة في الحكاية، وقيل: إنه مبني على أنّ مقول القول محذوف وهذه الجملة مفسرة له وغير عاص بالعطف ظاهر، وفي بعض النسخ تركه إشارة إلى أنه كالقيد والتفسير لما قبله. قوله:(للتيمن (أي للتبرّك لا للتعليق وإن كان كل يفعل بمشيئة الله فلا يقال إنه لا حاجة إلى التصريح به وفيه نظر، وقوله: فلا خلف يعني إذا أريد التعليق فهو متفرع على الوجه الثاني، وقوله: وفيه دليل الخ ردّ على المعتزلة، ووجهه أنه إذا صدر بعض الأفعال بمشيئته لزم صدور الكل بها إذ لا تائل بالفرق وهو متفرع أيضاً على الوجه الثاني لأنه إذا كان للتيمن لا يدل على ما ذكر وبه أجاب المعتزلة ولك أن تقول إنه جار عليهما لأنه لا وجه للتيمن بما لا حقيقة له فتأمل. قوله: (فإن مشاهدة الفساد) أي الأمور الفاسدة شرعا بحسب الظاهر كقتل الغلام، والصبر على خلاف المعتاد كإقامة الجدار لمن لم يقم بإطعامه، وأرود عليه أن هذا التعليل إنما يستقيم أن لو كان هذا الاستثناء بعدما رأى من الخضر عليه الصلاة والسلام ما رأى وليس كذلك فكأنه فهم من كلامه أنه ستصدر عنه أمور منكرة إجمالاً ولا يخفى أنّ معنى قوله:{لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [سورة الكهف، الآيات: 73- 76، أنك لن تصبر على ما يصدر مني وعدم صبره عليه وإقراره على ما يفعله لبس إلا لمخالفته بقضية شريعته وهو ظاهر ولعله صرح له بذلك لكنه أجمل في النظم لتفصيله بعده. قوله: (فلا خلف (أي في وعده له بالصبر حتى يلزم الكذب في كلامه، وهو غير لائق بمقام النبوّة وفي نسخ وخلفه ناسياً لا يقدح في عصمته وهو جواب عما مر، وأورد عليه أن النسيان في المرة الأولى، كما يفهم من سياق النظم ولذا ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كانت المرّة الأولى من موسى عليه الصلاة والسلام نسياناً وبهذا تعين أنّ النسخة الأولى هي الصحيحة، وأنّ المصنف رجع عن الثانية، ولا يخفى أن السؤال إنما يرد لو كان خلف الوعد كذبا وهو كخلف الوعيد ليس بكذب عند المحققين كما بين في الأصول إتا لأنه إنشاء

ص: 119

لا يحتمل الصدق والكذب، أو لأنه مقيد بقيد يعلم بقرينة المقام كان أردت أو إن لم يمنع مانع شرقي أو غيره وهذا على تسليم الخبرية وعدم إرادة القيد، وأمّا ما قيل إن ما صدر من موسى عليه الصلاة والسلام في المرّتين الأخيرتين نسيان أيضاً وانّ ما في الحديث الآخر لا يخالفه فإثا لا نقول بالمفهوم فباطل فإنه هكذا في البخاري وشرحه لابن حجر، وكانت الأولى نسيانا والثانية شرطاً

والثالثة عمداً وفي رواية والثانية عمدا والثالثة فراقا ولك أن تقول إنه لما وقع الخلف بالأولى لم تكن الأخيرتان خلفا ليبين بعض ما وعده به لكن الأولى معفوّة لكونها لم تقع عن عمد فتأمل. قوله: (فلا تفاتحني (أي تبتدئني به وهو بيان للمعنى المراد منه، كما يدل عليه ما بعده لا

تقييد للنهي، وقوله: حتى أبتدئك ببيانه بيان للمراد أيضاً لأنه معنى أحدث والغاية مضروبة لما يفهم من الكلام كأنه قيل: لا تنكر عليئ ما أفعل حتى أبينه لك أو هي للتأبيد فإنه لا ينبغي السؤال بعد البيان بالطريق الأولى وقد ذكر مثله الكرماني رحمه الله في حديث: إنّ الله لا يمل حتى تملوا أي لا يتصؤر منه الملال أبدا وليست للتعليل، وقيل: فائدة الغاية إعلامه أنه سيبينه له بعد ذلك وفيه نظر. قوله: (أخذ الخضر فأسا الخ (كذا في صحيح البخاري إلا أنّ فيه فنزع لوحا وفيه أنه وتده أي جعل فيه وتداً مكانه، وقوله: فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها يشير إلى أن إسناد التفريق إليه مجازي ودل على أنه حمل اللام فيه على لام العاقبة دون التعليل لحسن ظنه به ولو حملت على التعليل كان أنسب بمقام الإنكار وليس فيه سوء أدب كما توهم، وقوله: للتكثير كما في بعض النسخ المراد به تكثير المفعول. قوله: (أتيت أمرا عظيما (مأخوذ من أمر بمعنى عظم، وقيل: أصل معناه كثر فأريد به عظم واشتد، قال ابن جني في سز الصناعة: العرب تصف الدواهي بالكثرة والعموم وقال الكسائيّ: معنى أمرا داهيا منكر من أمر بمعنى كثر قيل ولم يقل أمرا أمراً مع ما فيه من التجنيس لأنه تكلف لا يلتفت إلى مثله في الكلام البليغ وأمر بوزن علم، وذكره بالتخفيف. قوله: (بالذي ئسيته أو بشيء نسيته (يعني ما يجوز فيها أن تكون موصولة وموصوفة أو مصدرية، وقوله: يعني وصيته تفسير لما على الوجهين والباء صلة لأنه يتعدى بها لا للسببية وهو إمّا سبب للنهي عن المؤاخذة أولها بتقدير مضات أي ترك ما نسيته من عدم العمل بالوصية أو هو على ظاهره لأنه لولا النسيان لم يكن الترك فهو سبب بعيد، وقوله: بأن لا يعترض تفسير لعدم المؤاخذة، وقوله: أو بنسياني إياها فما مصدرية وفصله لأن المؤاخذ به المنسي لا النسيان وعلى هذا فالباء للسببية كما مر أو للملابسة وقيل: الثاني متعين فتأمل. قوله: (وهو اعتذار بالنسيان (إن كان راجعا لجميع ما تقدم

فهو لذكره صريحا في الثاني ولتعبيره عن الوصية بالمنسيّ في الأوّل وإن رجع للثاني كما هو المتبادر من فصله عنه فلأنّ النسيان لا يؤاخذ به لأنه ليس بمقدور له بالذات دمان كان يؤاخذ بالمنسي لا من حيث إنه منسيئ فيكون المراد به أنا غير مؤاخذ، ولكنه أبرزه في صورة النهي والمراد التماس عدم المؤاخذة لقيام المانع فتدبر، أو المرإد الترك لأنه يكون مجازاً عنه كما في الأساس ومرضه وما بعده لمخالفته للمشهور ولما في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنّ المرة الأولى كانت نسياناً كما مرّ، وقوله: أوّل مرة قيد لما مر، ولأنه الذي يصح النهي عنه وبهذا علمت ما في قوله أوّلاً وخلفه ناسياً لا يقدج في عصمته فتدبر. قوله: (وقيل إنه من معاريض الكلام والمراد شيء آخر نسيه (المعاريض جمع معراض وهو الناحية والتعريض والمراد به هنا التورية وإيهام خلاف المراد لأنه أبرزه في صورة النهي وليس بمراد، قال في الكشف: فعلى الأوّل كان موسى عليه الصلاة والسلام قد نسي وصيته حقيقة وكلى هذا نهاه عن مؤاخذته بالنسيان موهما أنّ ما صدر منه عن نسيان ولم يكن وإنما صار إليه لأن المؤاخذة به لا تصدر عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلا يحتاج إلى النهي وعلى الأوّل وجهه أنه نهى عن مؤاخذته بقلة التحفظ حتى ينسى قيل: والتعريض وإن حصل بقوله: نسيت إلا أنه أبرزه في صورة النهي تفادياً عن الكذب فالمراد بما نسيه شيء آخر غير الوصية لكنه أوهم أنها المنسية. قوله ة (ولا تفشني (بالغين المعجمة من غشيه كذا إذا عرض له

ص: 120

وهو تفسير للإرهاق، وقوله: بعدما خرجا بيان للمعنى المراد أو إشارة إلى أن الفاء فيه فصيحة. قوله: (فتل عنقه) من القتل بالفاء والتاء الفوقية وهو الليّ والإدارة ورد ذلك كله في الآثار وقد جمع بينها بأنه ضرب رأسه بالحائط، ثم أضجعه وذبحه ثم فتل عنقه وقلعه، وقوله: ضرب برأسه الحائط إفا من القلب أو تجوز أي رمى برأسه إلى جانب الحائط. قوله: (والفاء للدلالة على أنه كما لقيه تتله (الكاف كاف القران وتسمى كاف المفاجأة أيضا وقد مرّ تحقيقها يعني أن قتله وقع عقب لقائه فلذا قرن بالفاء التعقيبية بخلاف خرق السفينة فإنه لم يتعقب الركوب كما في الكشاف، وهذه نكتة لتغيير اننظم أيضا كما سيأتي لكنه أورد عليه أنّ الجزاء يتعقب الشرط أيضا كما يتعقب ما بعد الفاء فكيف يصح وقوع خرقها جزاء حينئذ، وليس هذا بوارد وان ظن بعضهم أنه وارد غير مندفع لأنّ دلالة الفاء على صريح التعقيب وضعا مما لا شبهة فيه ووقوعه عقب الملاقاة كما يدل عليه النظم وبينه

المصنف كذلك، وأمّا جزاء الشرط فاللازم فيه تسببه عن مضمون الجملة، ووقوعه بعده لا تعقيبه به وان صح ألا تراك تقول إذا خرج زيد على السلطان قتله، وإذا أعطيت السلطان قصيدة أعطاك جائزة ولا يلزم قتله عقب خروجه ولا تعقب إلا عطاء الثاني للأوّل، ولا حاجة إلى ما قيل: إن للركوب وقت حدوث ووقت بقاء وثبات والخرق متعقب لحدوثه ومتحقق وقت بقائه وذلك كاف في اعتقاد الشرطية، فإن قلت إذا ظرفية دالة على وقوع الشرط والجزاء في زمان واحد مستقبل فإن لم يتحد ألزم تعقب أحدهما للآخر، قلت: هذا غير مسلم عند أهل العربية فإنه يصح إذا جئتني اليوم أكرمك غداً لأنها لما صا إت شرطية صارت دالة على مجرّد السببية، وقد صرّج به ابن الحاجب في قوله: أئذا ما مت لسوف أخرج حياً ومن التزمه كالرضى جعل الزمان المدلول عليه بإذا ممتدا وقدر في مثل الآية إذا مت وصرت رميما وعليه أيضاً لا يلزم تعقيب الجزاء على ما وقع شرطا صحيحا بل تسببه عنه ولزومه له، وعلى هذا انبنى الخلاف في عامل إذا الشرطية هل هو الشرط أو الجزاء وستسمع قريبا تتمة لهذا فتدبر، وما قيل: من أنه لو قيل حتى إذا ركبا في السفينة ثم خرقها قال الخ، ولقيا غلاما فقتله حصل المقصود ليس بشيء لأنه لا يتغير الطريق وهذه نكتة بعد الوقوع، والتروّي التأني والتمهل. قوله: (ولذلك الخ (أي لكون القتل بلا مهلة ونظر في حالة قال: الخ إذ لو مضى زمان بين الملاقاة والقتل أمكن اطلاع الخضر فيه من حاله على ما لم يطلع عليه موسى عليه الصلاة والسلام، فلا يعترض! عليه فاندفع ما قيل إن مبني اعتراضه على عدم ظهور سبب القتل سواء تأخر عن اللقاء أم لا لأن موسى عليه الصلاة والسلام جازم بعدم استحقاقه للقتل لوصفه النفس بأنها زكية مقتولة من غير سبب فلو تأخر القتل أمكن ظهور سبب للخضر دونه كما قيل وجزمه بعدم الاستحقاق بحسب الظاهر فلا ينافي أنه يعلم أن الخضر لا يصدر عنه مثله ولو لم يرده تناقض كلامه، وتعليق اطلاع الخضرعلى مضيّ الزمان بناء على المعتاد فلا يتوهم أنّ اطلاعه بالغيب وهو لا يتوقف على ذلك فإنه من ضيق العطن، أو قلة الفطن. قوله: (والأوّل أبلغ (لأنه صف مشبهة دالة على الثبوت وفعيل من صيغ المبالغة أيضا، وفرق أبي عمرو بين زاكية وزكية غير ظاهر لأنّ أصل معنى الزكاة النموّ والزيادة فلذا وردت للزيادة المعنوية وأطلقت على الطهارة من الآثام ولو بحسب الخلقة والابتداء كما في قوله: لأهب لك غلاماً زكيا فمن أين جاءت هذه الدلالة فكأنها لكون زاكية من زكي اللازم وهو يقتضي أنه ليس بفعل آخر وأنه ثابت له في نفسه وزكية بمعنى مزكاة، فإن فعيلا قد يكون من غير الثلاثي كرضيع بمعنى مرضمع وتطهير غيره له من ذنوبه إنما يكون بالمغفرة وقد فهمه من كلام العرب فإنه إمام العربي واللغة فتكون بهذا الاعتبار زاكية أبلغ وأنسب بالمقام لأنه صغير لم يبلغ عنده ولذا اختار القراءة به وان كان كل منهما متواتراً منقولاً عنه صلى الله عليه وسلم وهذا لا ينافي كون زكية أبلغ لأنها تدل على الرفع وهو أقوى من الدفع ومن لم يدر هذا قال: كان يجب على أبي عمرو القراءة بالزكية على مقتضى فرقه المذكور بينها وبين زاكية

بالألف فيكون المعنى أنه اختار الأوّل

ص: 121

مع عدم تجويزه القراءة بالثاني انتهى. قوله: (فإنها كانت صغيرة لم تبلغ الخ (الحلم بضم اللام وسكونها والمعنى لم تبلغ زمان الحلم أي الادراك بالسن لما وقع في الحديث إنه كان صغيراً لم يبلغ الحنث، وقيل: إنه كان بالغا بدليل قوله بغير نفس أي بغير حق قصاص إذ الصبي لا قصاص عليه وأجاب عنه الكرماني في شرح البخاري بأن المراد التنبيه على أنه قتله بغير حق أو أق شرعهم كان إيجاب القصاص على الصبيّ انتهى. وقد نقل المحذثون كالبيهقي أنه كان في شرعنا، كذلك قبل الهجرة، وقال السبكيّ: قبل أحد ثم نسخ وعلى هذا بنى المصنف رحمه الله قوله: فتقاد بها كما سيأتي. قوله: (أو أنه (وفي نسخة وأنه معطوف على قوله: فإنه الخ يعني أنها إمّا صغيرة غير مكلفة أو كبيرة بالغة وعلم إنها لم تذنب قط، وهو وما قبله تعليل لاختيار أبي عمرو وهو الظاهر، وجوّز فيه أن لا يكون تعليلا له بل بيان لطهارتها من الذنوب، وقوله: فتقاد الخ مبنيّ على أنها كبيرة لم تذنب، وعلى الوجهين فيوجه بما سرّ ومن قصره على أحدهما فقد قصر، وقوله: نبه أي موسى صلى الله عليه وسلم، وكلا معطوف على القتل وكونه منتف بناء على ظاهر الحال عنده. قوله: (ولعل تغيير النظم) في قصة خرق السفينة وقتل الغلام بأن جعل الخرق جزاء لإذا الشرطية، ولذا لم يقرنه بالفاء لأنه ماض غير مقترن بقد، واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام، قوله: قال أخرقتها الخ وقتله من جملة الشرط في الثانية لكونه معطوفا بالفاء عليه ولا يصح كونه جزاء لكونه ماضيا وتقدير قد فيه لا حاجة إليه، وقوله: لأنّ القتل أقبح لكونه إهلاكا بالمباشرة لنفس زكية لم تبلغ وخرق السفينة ليس كذلك مع أن تداركه ممكن وقد وقع، وأما كون القتل لنفس واحدة وذلك إهلاك ج! اعة فلا لأن قتل طفل أقبح ومن يقتلها فكأنما قتل الناس جميعا وقوله والاعتراض! عليه أدخل أي أحق، وقوله: فكان أي الاعتراض لا القتل لأن العمدة جزاؤه لا جزؤه، فإن قلت الاعتراض بالقتل كما وقع جزاء هنا وقع جزاء ثمة، وكما وقعت النفس هنا موصوفة علل الفعل ثمة، قلت ليس العمدية بوقوعه جزاء فقط بل بها على سبيل الاعتراض! فتأمّل، وقيل: إن النكتة جعل ما صدر عن الخضر من الشرط وابراز ما صدر عن موسى عليه الصلاة والسلام في معرض الجزاء المقصود مع أنّ الحقيق بذلك ما صدر عن الخضر من الخوارق لاستشراف النفس إلى ورود ما حيرها لقلة وقوعه وندرته في الذهن ولذلك روعيت هذه النكتة في الشرطية الأولى لما أنّ الخوارق لوقوعها أوّل مرة خرجت مخرج العادة فانصرفت النفس عن ترقبه إلى

ترقب أحوال موسى عليه الصلاة والسلام هل يعترض أو يصبر، وأمّا ما ذكره المصنف رحمه الله فلا يدفع الشبهة بل يؤيدها لأن كون القتل أقبح لقلة صدوره عن المؤمن وندرة سماعه، وهذا يستدعي جعله مقصوداً وكون الاعتراض! أدخل من موجبات صدوره عن كل عاقل وذلك مما لا يقتضي جعله كذلك، وليس بشيء أمّا ما ذكره من النكتة فعلى تسليمه لا يضرّنا، وأمّا اعتراضه فقوله: يستدعي جعل القتل مقصوداً إن أراد أنه مقصود في نفسه فليس بصحيح وان أراد أنه مقصود بأن يعترض عليه ويمتنع منه فهذا يقتضي جعل الاعتراض جزاء كما ذكره المصنف رحمه الله وأمّا كونه من موجبات صدوره عن كل عاقل فمقتض الاهتمام بالاعتراض! عليه، ثم إنه قيل على المصنف أيضا إنّ مبني كلامه على أن الحكم في الكلام الشرطي هو الجزاء والشرط قيد له كما فصل في محله وليس بمسلم فإنا وإن قلنا الكلام هو المجموع فهو عمدة أيضا كأحد المسندين مع أنه لا محذور فيه فإنه مذهب المحققين وان خالفهم الشريف في حواشي المطوّل، وأورد على تعقيب القتل دون الخرق أنه ورد في الحديث الصحيح، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر عليه الصلاة والسلام قد قلع لوحا الخ، وهو يدل على ئعقيب الخرق للركوب وأيضا جعل غاية انطلاقهما مضمون الجملة الشرطية يقتضي ذلك إذ لو كان الخرق متراخيا عن الركوب لم تكن غاية الانطلاق مضمون الجملة لعدم انتهائه به، وأمّا ما ذكره من الحديث فقد روى القرطبي في تفسيره ما يخالفه لكن القول ما قالت حذام إلا أنه يمكن أن يؤوّل للجمع بين كلامهم

ص: 122

بأن المبادرة المذكورة فيه عرفية بمعنى أنه لم تمض أيام ونحوه، فيكون فيه تراخ بالنسبة للقتل، وأمّا كونه مانعا من كون حتى غائية فليس بشيء لأنه لا مانع من يرن الغاية أمراً ممتداً ويكون انتهاء المغمرو بابتدائه كقولك: ملك فلان حتى كانت سنة كذا، ثم إن بعضهم ذكر هنا نكتة أخرى وهي أن لقاء الغلام سبب للرفق والشفقة لا للقتل، فلذا لم يحسن جعله جزاء وعطف على الشرط وركوب السفينة قد يؤذي لخرقها فلذا جعل جزاء. قوله:(ولذلك فصله الخ) أي أوقع آخر الفاصلة هنا نكرا تصريحا بأنه منكر لقباحته، وقال في الفاصلة الأولى أمرا لأنه يمكن تلافيه بالسذ وان كان الأمر بمعنى الداهية العظيمة لأن هذا صريح في كونه منكراً ولذا فسر بأمراً نكراً كما مرّ، وقيل إنه تنزل وإنه دون الأمر بدليل قصة الجدار، ورده في الكشف بأنه لا يترقى فيه، ولا تنزل وإنما هو مرتب على حسب ما وقع. قوله:(زاد فيه لك مكافحة) المكافحة المكالمة شفاها أي زيادة في مكافحة العقاب على رفض الوصية مرة بعد مرّة والوسم بعدم الصبر وهذا كما لو أتى إنسان بما نهيته عنه فلمته

وعنفته، ثم أتى به مرة أخرى فإنك تزيد في تعنيفه وكذا هنا فإنه قيل: أوّلاً ألم أقل إنك ثم قيل ثانيأ: ألم أقل لك إنك، قال في المثل السائر: وهذا موضع تدق عن العثور عليه مبادرة النظر، وقوله: ووسما أي وصفا له بما يؤثر فيه، كالسمسة، والاشمئزاز الاستنكاف والاستكراه، ويرعو بمعنى يرتدع وينته، وقوله: حتى زاد أي قوله لك. قوله: (وإن سألت صحبتك (أي فلا تتابعني على ذلك وإن وصلية، قال بعض الشراح: هو تصحيح لمعنى المصاحبة ببيان حصول الصحبة من الجانبين وقيل إنما اعتبر هذا لأن عدم الصحبة في لا تصاحبني لا يصلح أن يكون جزاء للشرط زجرا له عن اعتراضه إلا بعد كونها مسؤولة منه ومراد له وفيه بحث، وقوله: تصحبني بفتح التاء من صحبه يصحبه، وأورد عليه أن قوله: لا تجعلني لا يناسب قراءة يعقوب بل قراءة غيره بضم التاء من الأفعال، كما وقع في الكشاف إلا أن يكون ذلك رواية عن يعقوب فيكون بضم التاء في كلامه وليس بشيء لأنّ كل متعد فيه معنى الجعل، فقولك قتلت زيداً بمعنى جعلته قتيلا ولا غبار عليه حتى يحتاج لما تكلفه. قوله: (وجدت عذرا من قبلي (إشارة إلى أنّ البلوغ بمعنى الوجود لا المشارفة فإنه يرد بهذا المعنى، كما في قوله: بلغن أجلهن، وقوله: من قبلي تفسير لقوله: مني والثلاث هي المدة المضروبة لابلاء الأعذار ولذا لو قال: الخصم لي بينة يمهل ثلاثة فقط كما في شرح الهداية، وقوله: لما بالفتح والتشديد أو الكسر والتخفيف والحديث المذكور صحيح، وقوله: لو لبث الخ أي لو لم يقل ذلك ومكث مع الخضر عليهما الصلاة والسلام، وقوله: والاكتفاء بها عن نون الدعامة أي حذف نون الوقاية، وأبقى النون الأصلية المكسورة، وقيل إنه يحتمل أن تكون لد فإنها لغة في لدن والمذكور نون الوقاية ولا حذف أصلا وقد قال المعرب: إنه لا يصح لوجهين أحدهما أق نون الوقاية إنما هي في المبنيّ على السكون لتقيه الكسر ولد بدون نون مضمومة لا سكون فيها، والثاني أنّ سيبويه رحمه الله منع أن يقال لدني بالتخفيف وفيه نظر لأنّ القراءة حجة عليه كما ذكره هو ولا مانع أن يقال: إنها وقيته من زوال الضم. قوله: (قدئي من نصر الخبيبين قدي) الشاهد في قوله: قدي فإنّ أصله قدني فحذف منه نون الوقاية وقد بمعنى.

حسب مبنية على السكون، ولذا لحقتها النون حال الإضافة وفيها تفصيل في كتب النحو، وتمامه ليس الإمام بالشحيح الملحد وهو من شعر لحميد بن الأرقط في عبد الملك بن مروان وتباعده عن نصرة ابن الزبير وأصحابه رضي الله عنهم، وخبيب بخاء معجمة، وياءين موحدتين مصغر أحد أبناء عبد الله بن الزبير والخبيبين مثنى خبيب وأبيه على التغليب، ويروى بكسر الباء على صيغة الجمع على تغليبه على أبيه وقومه والشحيح البخيل والملحد المائل عن الحق، وقوله: إسكان الضاد الخ أي شبه به وزنا فخفف تخفيفه وان لم تكن النون من الكلمة. قوله: (قرية أنطاكية الخ) قال ابن حجر في شرح البخاري: الخلاف هنا كالخلاف في مجمع البحرين ولا يوثق بشيء منه، وأنطاكية بتخفيف الياء معروفة، وأبله بالهمز والباء الموحدة واللام المشددة أحد منتزهات الدنيا معروفة وفي بعض نسخ الكشاف ايكة بالكاف دون ذكر البصرة

ص: 123

وأرمينية بلاد أرمن، وياؤها مخففة أيضا، وبأجر وان بباء موحدة مفتوحة وألف وجيم مفتوحة وراء مهملة ساكنة، وواو وألف ونون من أعمال أرمينية ذكرها في معجم البلدان، وكذا ضبطها ابن خلكان، وقال: هي بلدة من أعمال الرقة واسم مدينة بنواحي أرمينية من أعمال شروان، قيل بها: عين الحياة التي وجدها الخضر وأبو عبيدة منها، وقيل: هي القرية التي استطعم موسى عليه الصلاة والسلام أهلها اهـ، والمصنف أضافها لأرمينية لتعددها، كما عرفته فهو كقوله:

على زيدنا يوم النقا رأس زيدكم وجروان بدون با بلدة بمصر معروفة

قوله: (وقرىء يضيفوهما (أي بضم الياء والتخفيف من الإضافة وهي أخص! من الإطعام

لأنها إطعام في المنزل على وجه الإكرام، وقوله: من إضافة يقال: ضافه إذا نزل به فالضيافة من الضيف لا بمعنى الإضافة كما يستعمله الناس لكنها وردت بمعناه أيضا إفا حقيقة أو مجازاً فلا خطأ فيه كما يتوهم، وأنزله تفسير لضيفه وأصل معناه الميل لميل الضيف نحو جانب المضيف. قوله تعالى:{اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} في إعادة لفظ الأهل هنا سؤال مشهور وقد نظمه بعض الأدباء سائلاً عنه الإمام السبكي رحمه الله تعالى في قصيدة منها:

رأيت كتاب الله أعظم معجز لا فضل من يهدي به الثقلان

ومن جملة الإعجاز كون اختصاره بإيجاز ألفاظ وبسط معان

ولكنني في الكهف أبصرت آية بها الفكر في طول الزمان عثاني

وما هي إلا استطعما أهلهافقد نرى استطعماهم مثله ببيان

يعني أنه عدل عن الظاهر بإعادة لفظ أهل ولم يقل استطعماها لأنه صف القرية، أو استطعماهم لأنه صف أهل فلا بد له من وجه، وقد أجابوا عنه بأجوبة مطؤلة نظما ونثراً،

والذي تحرّر فيه أنه ذكر الأهل أوّلاً ولم يحذف إيجازا سواء قدر أو تجوّز في القرية، كقوله: واسأل القرية لأنّ الإتيان ينسب للمكان نحو أتيت عرفات، ولمن فيه نحو أتيت أهل بغداد فلو لم يذكر كان فيه التباس مخل فليس ما هنا نظير تلك الآية لامتناع سؤال نفس القرية فلا يستعمل استعمالها، وأمّا الأهل الثاني فأعيد لأنه غير الأوّل وليست كل معرفة أعيدت عيناً كما بينوه لأن المراد به بعضهم إذ سؤالهم فرداً فرداً مستبعد فلو لم يذكر فهم غير المراد، أمّا لو قيل استطعماهم فظاهر وأما لو قيل: استطعماها فلأنّ النسبة إلى المحل تفيد الاستيعاب كما أثبتوه في محله، وأمّا إتيان جميع القرية فهو حقيقة في الوصول إلى بعض منها كما يقال: زيد في البلد أو في الدار، وقيل إنّ الأهل أعيد للتأكيد كقوله:

ليت الغراب غداة ينعب بيننا كان الغراب مقطع الأوداج

أو لكراهة اجتماع ضميرين متصلين لبشاعته واستطالته كذا قال النيسابوري: ثم نقل عن

أبي حيان نحوا مما ذكرناه وذكر أنه مروي عن الشافعيّ رحمه الله، لكنه مخالف لما في الأصولي من أنه إذا أعيد المذكور أوّلاً معرفة كان الثاني عين الأوّل وليس بشيء لما مر، وقد قيل إن المراد توصيف القرية بالجملة، وهو يقتضي كون التركيب هكذا والا خلت الصفة عن ضمير الموصوف وفيه أنه لو ترك ذكر الأهل حصل المقصود فما الداعي لذكره هناك وقد ذكرنا فيما مر ما يعلم منه وجهه بقي هنا كلام طويل من غيرطائل في كون الجملة صفة أو جوابا تركناه لقلة جدواه. قوله: (تدانى أن يسقط (أي قرب من السقوط وهو بيان لحاصل معناه، وقوله: فاستعيرت الإرادة للمشارفة أي قربه من الوقوع، والاستعارة إما لغوية فهو مجاز مرسل بعلاقة تسبب الإرادة لقرب الوقوع أو اصطلاحية بأن يشبه قرب السقوط بالإرادة لما فيهما من الميل أو مكنية وتخييلية وهكذا استعارة الهمّ بمعنى القصد والعزم، وهذا ردّ على من أنكر المجاز في القرآن وقال: إن الضمير للخضر عليه الصلاة والسلام أو الله تعالى خلق في الجدار حياة هارادة فإنه تكلف وتعسف تفسد به بلاغة الكلام. قوله: (يريد الرمح (أي يقرب من طعن صدره، وأبى براء بفتح الباء اسم رجل، ويعدل بمعنى يصد وينثني

ص: 124

وفي رواية ويرغب وهي أنسب، وبني عقيل بفتح العين قبيلة معروفة، والشاهد في قوله: يريد الرمح وفيه الوجوه السابقة، وأما حمله على الإسناد المجازي إلى الآلة فهو يفوت به الاستشهاد، ولم يجنحوا إليه لأن الأوّل أبلغ وألطف فلا وجه لما قيل إن هذا أولى، وقوله: إن دهراً الخ من قصيد لحسان رضي الله عنه ويلئم بمعنى يجمع وفي نسخة يلف، والشمل من الأضداد بمعنى الاجتماع والافتراق، وجمل بضم الجيم وسكون الميم اسم محبوبته، وفي نسخة بسعدي، وقوله: يهم

بالإحسان أى يقصد.، وهو محل الشاهد والمراد أن زماناً فعل م! ل هذا يلوح عليه أمارات الإحسان فيقا غداه فاندفع ما قيل إنّ حمل الهمّ فيه على المشارفة مجازاً فيه بعد، فإنّ جمع شمله بمحبوبته عين الإحسان.

قوله: (وانقمق انفعل من قضضته إذا كسرته) يعني أن انفعل بزيادة النون من قضضته

بمعنى كسرته، ولما كان المنكسر يتساقط قيل لسقوط الطير والكوكب انقضاض فلذا قال المصنف رحمه الله: ومنه لأنه ماخوذ منه وليس مرادفاً له والهوى بضم الهاء وتشديد الياء السقوط، وقوله: وكزىء الخ هي قراءة عليّ وعكرفة، وهو انفعال أيضاً والصاد المهملة مخففة فيهما والأوّل ثلاثيّ مجرّد مشهور ومعناه. ما ذكره المصنف رحمه الله وقوله: أو اقعل فحطوف على قوله: انفعل وهو بتشديد اللام فالنون فيه أصلية لأنه من النقض فهو من باب احمرّ، وهذا ما ذكره أبو عليّ في الإيضاح لكن قال السهيليّ في الروض إنه غلط، وليس هذا محل البحث فيه، وقوله: بعمارته أي ترميمه وإصلاحه. قوله: (وقيل مسحه بيده ققام) وهي معج! زة أو كرامة قيل: إنه غير ملائم لقوله: لو شئت لتخذت عليه أجرا إذ لا يستحق بمثله الأجر، ولذا مرّضه المصنف رحمه الله وردّ بأنه قول سعيد بن جبير، وقد قال القرطبيّ: إنه هو الصحيح وهو أشبه بأحوال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعدم استحقاق الأجر مع حصول الغرض غير مسلم ولا يضرّه سهولته على الفاعل. قوله: (وقيل نقضه وبناه) مرّضه لأنه لا يساعده قوله أقامه مع أنه مخالف لما في رواية البخاريّ الصحيحة ولا عبرة بما وقع في العرائس مما يخالفه. قوله: (تحريضاً) بالضاد المعجمة أي هذا الكلام وقع من موسى عليه الصلاة والسلام لتحريض الخضر عليه الصلاة والسلام أي حثه وتحريكه على أخذ الجعل والأجر على فعله ليحصل لهما به الانتعاش أي التقوى بالمعاش فهو سؤال له لم لم تأخذه واعتراض على تركه وهذا لأنّ المراد منه لازم فائدة الخبر إذ لا فائدة في الإخبار بفعله، وقوله: أو تعريضا بأنه فضول أي فعل لما لم يطلب منه تبرّعا من غير فائدة واستحقاق لمن فعل له مع كمال الاحتياج إلى خلافه، والفرق بينه وبين الأوّل أنه ليس فيه حث على أخذ الأجر، وقوله: لما في لو من النفي تضمنها النفي ظاهر وهو راجع إلى الوجهين أي أنها تدل على عدم أخذ الأجر فلذا حث عليه أو عرّض له بأنه عبث، وقيل: إنه راجع للثاني، فقط والأوّل أولى. قوله: (كأنه لما رأى الحرمان الخ (كأن هنا للظن وعبر به تأذبا وتعظيما لمقام موسى صلى الله عليه وسلم، ومساس! عطوف على الحرمان أو مفعول معه، وقوله: لم يتمالك بالغيبة ونصب نفسه ويجوز رفعه وهو جواب لما،

والجملة خبر كان أو هي خبر وهو بيان لسبب اعتراض موسى صلى الله عليه وسلم بعد النهي. قوله: (واتخذ افتعل) يعني أنّ فيه اختلافا بين أهل اللغة والتصريف فقيل إنّ التاء الأولى أصلية والثانية تاء الافتعال أدغصت فيها الأولى ومادّته تخذلاً أخذ وإن كان بمعناه لأنّ فاء الكلمة لا تبدل تاء إذا كانت همزة أو ياء مبدلة منها، ولذا قالوا: إن اتزر خطأ أو شاذ وهذا سائغ في فصيح الكلام وأيضا إبدالها في الافتعال لو سلم لم يكن لقولهم تخذ وجه ومن خالفهم فيه لا يسلمه ويقول: المدة العارضة تبدل تاء أيضاً ولكثرة استعماله هنا أجروه مجرى الأصلي، وقالوا: تخذ ثلاثيا جريا عليه، وتخذ كعلم وليست تاؤه بدلاً من واو على مختار المصنف رحمه الله فمن ذكره هنا فقدمها. قوله: (بيني وبينك (أعاد بين وان كانت لا تضاف إلا لمتعدد لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، وليس لمحض التأكيد كما قيل، وقوله: الإشارة إلى الفراق الموعود يعني أنه إشارة لما فهم من مفارقته المدلول عليها بقوله: فلا تصماحبني قبله فلتصوّرها وحضورها

ص: 125

في الذهن نزلت منزلة المحسوس المشاهد كما يقول المصنفون: هذا كتاب قبل تأليفه، وهذا أخوك لتصوّره وحضوره في ذهنه، وأورد عليه في شرح الكشاف أنه فرق بين ما ذكر وما في الآية بأنّ المشار إليه ثمة مفهوم الكتاب وذات الأخ فيفيد الإخبار بمفهوم الأخ، ومفهوم الكتاب المخصوص، وما في الآية ليس كذلك فلا يفيد الإخبار عنه بالفراق، والجواب عنه أنّ المخبر عنه الفراق باعتبار كونه في الذهن والخبر باعتبار أنه في الخارج فيتغايران ويفيد الحمل، ولذا قال المعترض: ويمكن أن يجاب عنه وظنه بعضهم غير مندفع، ومن أراد تحقيق هذا فلينظر ما كتب في حواشي شرح التهذيب. قوله:(أو إلى الاعتراض الثالث (قيل: وجه التخصيص أنه حرّم عليه الصحبة بعده لأنّ نهيه وهو صاحب شريعة للتحريم، وقيل: عليه الظاهر أنه للترخيص وهو الظاهر في حال موسى معه، ولا يوافقه تول المصنف في آخر القصة: وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه، وقد روي عن ابن عباس في وجهه، أنّ قول موسى عليه الصلاة والسلام في السفينة: والغلام لله وفي هذا لنفسه لطلب الدنيا فكان سبب الفراق (قلت) الظاهر أنه للتحريم وأنّ المراد به معناه، وهو الجزم بالترك والمفارقة كما كان كذلك في الواقع وصرّح به في الحديث السابق وهو رحم الله أخي موسى الخ، وأمّا ما ذكره في آخر القصة فلا علاقة له به

لأنّ العفو عن الجرم لا ينافي المفارقة، وأما ما روي عن ابن عباس فقد رذه في الكشف وطعن في روايته بأنه لا يليق بجلالة موسى والخضر، وقيل في وجهه: إنه آخر جزء يتتم به السبب ولا وجه له فإن قوله في النظم: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني صريح في أن السؤال الأخير هو سبب المفارقة لا ما كان قبله، وقال الشارح العلامة: إنه سبب الفراق دون الأوّلين لأنّ ظاهرهما منكر فكان معذوراً بخلاف هذا فإنه لا ينكر الإحسان للمسيء بل يحمد، وهذه زهرة لا تحتمل هذا الفرك، وقوله: وقته إشارة إلى أنه على هذا لا بد من تقدير مضاف في الخبر ليصح الحمل، وقوله: على الاتساع كما في مكر الليل بجعل البين كأنه مفارق، وابن الحاجب يجعل الإضافة في مثله على معنى في وقوله: على الأصل أي بتنوين فراق ونصب على الظرفية. قوله: (بالخبر الباطن (إشارة إلى أن معنى التأويل إظهار ما كان باطنا ببيان وجهه وحكمته، وهو راجع إلى معناه اللغوقي، وهو ما يؤول إليه الشيء، وقوله: الصبر عليه إشارة إلى أن صبراً مفعول بتستطع وعليه متعلق به قدم عليه رعاية للفاصلة. وقوله: لمحاويج جمع لمحتاج على خلاف القياس. قوله: (وفيه دليل على أنّ المسكين يطلق الخ) الخلاف في الفرق بين الفقير والمسكين لغة مفصل في كتاب الزكاة وما ذكره مذهب الشافعيّ رضي الله عنه وهو ردّ على من قال المسكين من لا شيء له أصلاً، والفقير من له أدنى شيء وقد أجيب عنه بأنها لم تكن ملكا لهم بل كانوا أجراء فيها أو كانت معهم عارية أو قيل لهم: مساكين ترحماً واللام للاختصاص لا للملك، وقوله: وقيل سموا مساكين الخ فيكون المسكين بمعنى الذليل العاجز لأمر في نفسه أو بدنه بقطع النظر عن المال وعدمه، وهو معنى آخر غير ما اختلف فيه الفقهاء، وإليه يشير قولهم إنه ذكر ترحما، وقوله: أو لزمانتهم وجه آخر لكونهم مساكين بالمعنى الثاني فاو فيه ليست بمعنى الواو وفي نسخة بالواو وهي بمعنى أو واطلاقه عليهم تغليب لأنّ بعضهم مساكين ولأنهم جميعا لم يعملوا أي عاجزين وهم الزمنى، وقوله: كانت لعشرة صريح في الشركة فلا وجه للتردّد فيها. قوله: (قدّامهم أو خلفهم الأن وراء يطلق عليهما لأنه من الأضداد وكل ما توارى عنك ورجح الأوّل وإن كان الثاني هو المشهور في معنى وراء لأنه المروي كما في البخاري، ويؤيده أن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة، وقوله: وكان رجوعهم عليه راجع للثاني لدفع توهم أنه إذا كان خلفهم سلموا منه، ولك أن تقول بل الظاهر أنّ المراد على الثاني، وهو مدرك لهم مارّ بهم، وقوله: اسمه أيمما الملك

وجلندي بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون وفتح الدال المهملة، ثم ألف مقصورة، وقيل: هو منولة بن الجلند بن سعيد الأزدي وكان بجزيرة الأندلى، وقيل: فيه وفي اسمه غير ذلك والأزد قبيلة معروفة. قوله: (وكان حق النظم)

ص: 126

أي الترتيب أو لفظ النظم القرآني وإنما كان حقه ذلك لأنّ سبب تعييبها غصب الملك للسفن السليمة وهم فقراء لا معاس لهم بغيرها، وبتعييبها من غير إغراق يسلمون من ذلك فدفعه بأنه قدم للعناية أي للاعتناء والاهتمام به لأنه الذي حصل به رد اعتراضه بأن خرقها مفسدة مؤذية للإغراق إذ معناه ما أردت إلا جعلها معيبة لا إغراق من بها، وهذا على تسليم أن السبب ما بعده وأنه قدم عليه لما ذكر وقوله: أو لأنّ السبب لما كان مجموع الأمرين مبنيّ على منعه وأنّ السبب ليس ما بعده فقط بل مجموعهما ولكن قدم أحد الجزأين لكونه أقوى وأدعى أي أكثر دعوة له وحملا على فعله، ووسط المسبب بينهما توسط زيد ظني مقيم، وهذا بعينه ما في الكشاف، وقوله: على سبيل التقييد المراد تقييد مسكنتهم بمقارنة غصب الملك لأنها لا تكون وحدها سبباً والتتميم بذكر الجزء الأخير من السبب لتتم سببيته لكن هذا لا يتمّ به وجه تغيير النظم من كل وجه، ولهذا لم يرتضه صاحب الانتصاف والطيبي وجعل كونها للمساكين هو السبب لأنّ ترتيب إرادة التعييب على كونها القوم مساكين عجزة يشعر بأن ذلك الفعل إعانة لهم على ما يخافونه ويعجزون عن دفعه، ولما كان ذلك خفياً عقبه ببيانه بعد تمام ذكر السبب والمسبب ولولاه لم تكن الفاء في محلها، وهو وجه حسن مع غموضه، ومما يرفع برقع الخفاء عن هذا الوجه الحسن أن قوله: كان يدل على أنّ هذا كان دأبه وأنه مشهور عنه فكأنه غنيّ عن الذكر كما ذكره المحدثون في كان عبم يفعل كذا بأنه يدل على أنه هجيراه وعادته فتأمل. وقوله: والمعنى عليها أي على هذه القراءة وان لم يقرأ بها وأنّ المراد بالسفينة الصالحة إذ لو أبقى على عمومه لم يكن للتعييب فائدة، وقوله: أن يغشيهما بالغين المعجمة من الأفعال أو التفعيل أي يعرض لهما منه ذلك. قوله: (لنعمتهما بعقوقة) فالمراد بالكفر كفران النعمة التي له منهما بتربيته وكونهما سبب وجوده، والباء سببية متعلقة بكفرا وقوله: فيلحقهما شزاً من الإلحاق أي لعقوقه يلحقهما شرّ وأمر قبيح، وهو تفريع أو تفسير لقوله: أن يغشيهما، وقوله: أو يقرن بفتح الياء عطف على يغشيهما وتفسير آخر له، وطغيانه وكفره مفعوله، وقوله: فيجتمع تفسير لغشيانه وبيان لمضرّته،

وقوله: أو يعديهما من أعداه بمرضه، وعلته كفره ومرض قلبه وقوله: بعلته متعلق بيعدي والممالأة بالهمز، وقد تبدل الفا مفاعلة بمعنى المعاونة ومنه قول عليّ رضي الله عنه: ما مالأت قتله عثمان رضي الله عنه وأصل معناه صرت في ملئه كشايعته صرت من شيعته وهو معطوف على قوله: بإضلاله وعطفه على قوله: بعلته فيما بعد، وحباً تعليل له، وقوله: أعلمه أي بوقوع ما ذكر إن لم يقتل. قوله: (وعن ابن عباس الخ (الحروري من الحرورية وهم قوم من الخوارج خرجوا على عليئ رضي الله عنه نسبة إلى حروراء بفتح الحاء وهي قرية بالكوفة، قال الإمام السبكيّ رحمه الله: " ما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام من قتل الغلام لكونه طبع كافرا مخصوص به لأنه أوحي إليه أن يعمل بالباطن وخلاف الظاهر الموافق للحكمة فلا إشكال فيه وان علم من الشريعة أنه لا يجوز قتل صغير لا سيما بين أبوين مؤمنين ولو فرضنا أنّ الله أطلع بعض أوليائه كما أطلع الخضر عليه الصلاة والسلام لم يجز له ذلك، وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنما قصد به المحاجة والإحالة على ما لم يمكن قطعا لطمعه في الاحتجاج بقصة الخضر عليه الصلاة والسلام وليس مقصوده أنه إن حصل ذلك يجوز لأنه لا تقتضيه الشريعة وكيف يقتل بسبب لم يحصل والمولود لا يوصف بكفر حقيقيّ ولا إيمان حقيقيّ وقصة الخضر تحمل على أنه كان شرعا مستقلا به وهو نبي وليس في شريعة موسى أيضا ولذا أنكره اهـ، وبهذا ارتفع الإشكال الوارد على قصة الخضر عليه الصلاة والسلام من مخالفتها لظاهر الشرع فإنّ أعظم ما يشكل فيها قتل الغلام، أمّا إقامة الجدار فلا إشكل فيه لأنها إحسان للمسيء، وهو من مكارم الأخلاق، وكذا نقض لوح السفينة لتسلم من غصب الظالم ثم يعاد من غير ضرورة، كما في رواية مسلم أنه جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة ثم جاوزها فأصلحها كما في شرح البخاريّ، وقوله: الولدان دون ولد مع أنه الواقع في القصة ليعمه وغيره ممن يكون مثله، وقوله: إن تقتل أي يقع منك القتل، مطلقا لولد

ص: 127

أو لولدين. قوله: (كراهة من خاف سوء عاقبة) أي ككراهته إشارة إلى أنه استعارة إذ الخوف لا يليق بجنابه تعالى، وقيل إنّ الخوف مجاز مرسل عن لازمه وهو الكراهة، وقوله: ويجوز أن يكون قوله: فخشينا الخ، عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل ة وقوله خشينا من كلايم الخضر عليه السلام أي محكيّ عنه ويجوز أن يكون الخ، وإنما أخره عن قوله: وقرىء لأن الخشية فيه

بمعنى الكراهة مجازاً كما مر ولما مرّ، ويكون التقدير أما الغلام فكان أبواه مؤمنين فقال الله:{خَشِينَا} الخ والفاء من الحكاية ولا يخفى بعده مع أنه لا يلائمه قوله: {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} إلا أن يجعل التفاتا. قوله: (خيراً منه (قيل أفعل فيه ليس للتفضيل لأنه لا زكاة فيه ولا رحمة ورد لأنه زكيا طاهرا من الذنوب إن كان صغيراً وبحسب الظاهر إن كان بالغا فلذا قال موسى صلى الله عليه وسلم: نفسا زكية وهذا في مقابلته فخير منه زكاة من هو زكيّ في الحال والمآل بحسب الظاهر والباطن، ولو سلم فالاشتراك التقديرفي يكفي في صحة التفضيل، وقوله: لا رحمة قول بلا دليل ولا يخفى أن الجواب الصحيح هنا أن يكتفي بالاشتراك التقديري لأنه كان عالماً بالباطن فهو يعلم أنه لا زكاة فيه ولا رحمة، فقوله: إنه لا دليل عليه لا وجه له إلا أن ما ذكره من كون خيرا ليس للتفضيل لا يتأتى في قوله أقرب. قوله: (رحماً بالتثقيل) أي بالتحريك بالضم في الحاء، وفي نسخة بالتخفيف ولا وجه له وكثيراً ما يطلق التثقيل على التحريك والتخفيف على التسكين وهو ظاهر وإنما بيناه لأنّ بعض الجهلة ظنه في قوله في سورة تبارك:{سُحْقًا} [سورة تبارك، الآية: اا] بالتثقيل أنه بتشديد القاف حتى قرأ به فقال فيه العلامة ابن الحنبلي الحلبي رحمه الله تعالى:

وجاهل زاد جهلاً وظل يظهر حمقا

فقال لي اقرأسحقاً سحقاً له ثم سحقا

وقوله: والعامل اسم التفضيل لأنه ينصب التمييز دون المفعول به كما نص عليه النحاة

ومثله زكاة وأصرم وصريم مصغراً بالصاد المهملة، وجيسور بجيم مفتوحة، وروي بحاء مهملة ثم ياء مثناة تحتية ثم سين مهملة مضمومة وواو ثم واء مهملة، وروي بنون، وقوله: مرفوعا أي في حديث مرفوع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله: (والذم على كنزهما الخ (أي الذهب والفضة وهذا

جواب ما يتوهم من أنّ الظاهر أنّ الكانز له أبوهما لقوله: لهما فإنه لا يكون لهما إلا إذا كان ارثاً أو كانا قد استخرجاه والثاني منتف فتعين الأوّل، وقد وصف بالصلاج، فهو معارض لذم الكانز في تلك الآية فدفعه بأنّ المذموم هناك ليس مجرد الكنز لقوله: ولا ينفقونها في سبيل الله كما بينه المصنف رحمه الله فلا يرد عليه ما قيل لا دلالة في النظم على أنه كان للأب الصالح حتى يعتذر عنه بما ذكر ولا وجه لما قيل في جوابه بأن قصد المصنف رحمه الله بيان حال الكنز في الحل والحرمة بمناسبة ذكره هنا، وفيه أيضاً إشارة إلى ردّ ما أورده الإمام أنّ الكنز كان علماً لا مالاً لمنافاته الصلاح، والحقوق كأداء الدين ونحوه، وقوله: من كتب العلم معطوف على قوله من ذهب وفضة وقوله كان لوح وقع في النسخ مرفوعاً وكان الظاهر نصبه فأما أن تكرن كان زائدة ولوج خبر مبتدأ مقدر أو هو اسمها والخبر مقدّر، أي فيه أو هي تامة، ويحزن بالحاء المهملة من الحزن، وما وقع في بعضها يخزن بالخاء المعجمة الظاهر أنه تحريف، وتقلبها بالنصب معطوف مع الدنيا أو مفعول معه، وقوله: " لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابته لعلم الأمم السالفة بأنه سيكون رسولاً، وسعيه أي الخضر عليه الصلاة والسلام وذلك بدل منه وبينهما أي الولدين. قوله: (حفظا فيه (أي حفاظا لأجله ففي سببية كما في حديث أنّ امرأة دخلت النار في هزة وقوله: الحلم وكمال الرأي تفسير الأشد وهل هو مفرد أو جمع ومفرده ماذا مفصل في كتب اللغة والنحو، وقيل: الأولى الاقتصار على كمال الرأي لأنّ أهل اللغة فسروه بقوّته من ثمان عشرة سنة إلى ثلاثين فهو بعد الحلم وليس ما ذكره مسلماً كما يعرفه من تتبع اللغة وذكروا في قصة الجدار أنّ اليتيمين كانا غير عالمين بالكنز ولهما وصيّ يعرفه لكنه غائب فلو سقط الجدار بما ضاع الكنز وتوله مرحومين إشارة إلى أنه حال من ضمير الفاعل فيؤؤل باسم المفعول لأنّ الأصل في الحال أن يكون صفة وإذا كان علة فهو مفعول له لقوله أراد ربك لا من فاعل

ص: 128

يستخرجا لكون فاعلهما مختلفا فأما جعله منه على القول بجوازه أو هو مصدر من المبين للمفعول فلا حاجة إليه والظاهر في مقام الضمير، وأورد عليه أنه إذا كان مصدر أراد ربك بمعنى رحم كانت الرحمة من الرب لا محالة فأي فائدة في ذكر قوله: من ربك وكذا إذا كان مفعولاً له فإمّا على تقدير فعلت ما فعلت فهو منصوب بنزع الخافض أي برحمة ربك، أو هو مفعول له بتقدير إرادة أو رجاء رحمة ربك لما مر أو المراد بالرحمة الوحي. قوله: (ولعل إسناد الإرادة الخ (هذا مما اتتدى فيه بالإمام في بيان نكتة تغاير

الأسلوب فأسنده أوّلاً لنفسه لأنّ خرق السفينة وتعييبها بفعله، وثانياً إلى الله تعالى والى نفسه لأنّ ضمير أردنا لهما لأنّ إهلاك الغلام فعله وتبديل غيره موقوف عليه وهو بمحض فعل الله وقدرته، فلما تضمن الفعلين أتى بضمير مشترك بينهما وهو ظاهر إلا أنه اعترض عليه بأن اجتماع المخلوق مع الله في ضمير واحد لا سيما ضمير المتكلم فيه ترك أدب منهيئ عنه شرعاً، ولذا قال صلى الله عليه وسلم لخطيب قال في خطبته بعد ذكر الله ورسوله ومن يعصهما فقد غوى بئس خطيب القوم أنت، كما هو مقرر في كتب الحديث فالوجه أنه تفنن في التعبير والمراد هو فأفرد أوّلاً لأنّ مرتبة الإفراد مقدمة على غيرها، ثم أتى بضمير العظمة إشارة إلى علو مرتبته في معرفة الحكم إذ لا يقدم على ذلك القتل إلا من هو كذلك بخلاف التعييب، والأحسن ما في الانتصاف من أنه من باب قول خوأص الملك أمرنا بكذا يعنون أمر الملك العظيم، وأسند الإبدال إلى الله إشارة إلى استقلاله بالفعل وأنّ الحاصل للعبد مجرّد مقارنة إرادة الفعل دون تأثير فيه كما هو المذهب الحق، وقيل: في وجه اختلافه في إضافة الفعل إلى نفسه قصور في الأدب لا يرتكب إلا لعلة وهي موجودة في الأوّل مفقودة في الثاني لكون العيب لا يسند إليه تعالى تأذبا فأسنده إلى نفسه بخلاف ما بعده ولا مجال للإضافة إلى نفسه في الثالث، وأورد عليه أنه على تقدير تسليم ما ذكره من المقصود في مراعاة الأدب ففي جمع نفسه مع رب العزة في ضمير خلاف أدب أشد مما ذكره كما مر وما فيل إنّ ما ذكر ليس من قبيل ما وقع في الحديث فإنّ التسوية ليست في مجرّد الجمع في الضمير كما لا يخفى فليس بشيء لما سنذكره (أدول (أصل هذا أنّ ثابت بن قيس بن شماس وكان خطيب النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه كان يخطب في مجلسه صلى الله عليه وسلم إذا وردت وفود العرب وهذه الخطبة خطبها عنده لما قدم وفد تميم وقام خطيبهم فذكر مفاخرهم ومآثرهم فلما أتم خطته قام ثابت وخطب خطبة قال فيها: إ من يطع الله عز وجل ورسوله! فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى " فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: بض خطيب القوم أنت قم، قال الخطابي كرهءشسلا منه ما فيه من التسوية أي في الضمير مع تسوية العطف فالكراهة تنزيهية لا تحريمية على الصحيح وأن أفهم كلام الغزالي خلافه وذهب غيره إلى إنه لا كراهة فيه أصلا وإنما كره صلى الله عليه وسلم منه أنه! وقف على قوله: يعصهما وهذا ضعفه صاحب الشفاء فقد وقع في الأحاديث والآيات ما يخالفه كما في حديث الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} هل

ضمير يصلون لله والملائكة أم لا فأجازه قوم ومنعه آخرون لعلة التشريك المذكورة والظاهر على أنّ الكراهة تنزيهية أنها غير مطردة فقد تكره في مقام دون مقام فلما كان ذلك مقام خطابة وأطناب وهو بحضرة قوم مشركين والإسلام غض طرقي كره فيه، وأما مثل هذا المقام الذي القائل فيه والمخاطب من عرفت وقصد فيه نكتة وهو عدم استقلاله فلا كراهة فيه خصوصا، وقد قال بعض من ذهب إلى الكراهة: " إنه مخصوص بغير النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاز للنبي صلى الله عليه وسلم فهو في كلام الله وما حكاه بالطريق الأولى فالحق أنه لا كراهة فيه في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما أشير إليه في شروح البخاري وأما في حق البشر فقيل لا كراهة فيه أصلاً وقيل: فيه كراهة تنزيه مطلقا أو في بعض المواضع وبهذا عرفت ما في كلامهم هنا وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لأني لم أر من حققها ولعلنا نحتاج إليها في محل آخر. قوله: (الأوّل في نفسه شر) فلا يليق إسناده إلى الله وأن كان هو

ص: 129

الفاعل، والثالث خير فأفرد إسناده إلى الله، والثاني ممتزج خيره وهو تبديله بخير منه وشره وهو القتل فأسنده إلى الله والى نفسه نظرا لهما، وقوله: أو لاختلات حال العارف أي بالله فإنه في ابتداء أمره يرى نفسه مؤثرة فلذا أسند الإرادة أولا إلى نفسه ثم تنبه إلى أنه لا يستقل بالفعل بدون الله فلذا أسنده لهما ثم يرى أنه لا دخل له وأن المؤثر والمريد إنما هو الله قلذا أسنده إليه فقط وهو مقام الفناء ومقام كأن الله ولا شيء معه وهو الآن كما كان.

قوله: (عن رأيي) يعني أن الأمر هنا واحد الأمور والمراد به الرأي لا أنه بمعنى الرأي وظاهر كلام الراغب أنّ الأمر يطلق على الرأي وما يخطر بالبال كان نفسه تأمره به ولذا تسمى أمارة كما في قوله: سوّلت لكم أنفسكم أمرا وهو أنسب بمقابلته بأمر الله. قوله: (ومبني ذلك (أي ما فعله الخضر على ما عرفت من تفصيله، وقوله: الشرائع في تفاصيله مختلفة إشارة إلى أنّ بعضا من جزئيات هذه قد يجوز في شريعة دون أخرى، كقتل الغلام فإنه في شريعة الخضر عليه الصلاة والسلام لما مرّ دون شريعتنا وشريعة موسى عليه الصلاة والسلام لأنه من علم الباطن المأمور به هو دون غيره ونظيره أنه يجوز قطع عضو متآكل إذا تحقق سريانه إلى النفس وهذه قاعدة قرّرها الفقهاء وعليها مبني قصة الحديبية. قوله: (فحذف التاء تخفيفاً (أصله تستطع فحذفت تاء الاستفعال، وقيل: المحذوف الطاء الأصلية ثم أبدلت التاء طاء لوقوعها بعد السين وهو تكلف وقيل السين عوض قلب الواو ألفا والأصل أطاع وإنما خص هذا بالتخفيف لأنه لما تكرّر في القصة ناسب تخفيف الأخير منه وأما كونه للإشارة إلى أنه خف على موسى صلى الله عليه وسلم ما لقيه ببيان سببه فيبعده أنه في الحكاية لا المحكي. قوله: (ومن فوائد هذه القصة الخ (عدم

عجب المرء بعلمه يعلم من أن سبب ما جرى له قوله ليسى في الأرض أعلم مني لا أنه بادر إلى الإنكار فظهر خلافه كما قيل، وعدم المبادرة إلى الإنكار هي سؤاله في الأمور الثلاثة والسر المذكور ما ذكره في الجواب، وأدبه في المقال قوله: تعلمني مما علمت رشدا وتنبيه المجرم على جرمه بقوله: (لن تستطيع معي صبرا) وعفوه عنه عدم مبالاته بإنكاره كما يدل عليه قوله: سأنبئك الخ وتحقق إصراره بقاؤه على إنكار ما خالف ظاهر الشريعة، والمهاجرة قوله:(هذا فراق بيني وبينك (والتذلل قوله: (لا تؤاخذني!. قوله: (يعني اسكندر الرومي (لصحة ذلك عند المؤرخين ووروده في بعض الأحاديث وهو المختلف في نبوّته على الصحيح لا اليوناني كما ذكره الإمام حتى يعترض عليه أنه تلميذ أرسطو ومذهبه ليس بحق فيحتاج إلى الجواب بأنه لا يلزم من تلمذته موافقته في جميع مقالاته كمحمد وأبيب حنيفة رحمهم الله ومثله لا يحتمل البحث. قوله: (ولذلك سمي ذا القرنين) أي لملكه المشرق والمغرب اللذين هما قرنا الدنيا أي جانباها والقرن من الناس أهل عصر وقد اختلف في مقدار مذته والضفيرة تسمى قرنا حقيقة، وقرنا التاج ما ارتفع من أعلاه على التشبيه وتوله: كما يقال الكبش للشجاع فإنه شائع في كلامهم على طريق الاستعارة والتشبيه وقوله: كأنه ينطح أقرانه أي بتشبيه طعن الأقران وضربها بالنطح وهو إشارة إلى وجه الشبه بينهما والعلاقة. قوله: (والهاء لذي القرنين وقيل لله (تعالى إذا كان الضمير لذي القرنين فالمعنى من أخباره وقصصه ومن تبعيضية والجار والمجرور صفة ذكراً قدم عليه فصار حالاً، وإذا كان دلّه فمن ابتدائية ورجوعه إلى الله بقرينة قوله: بعده إنا مكنا له الخ، ومحكن تقدم تحقيقه فإنه يتعدى بنفسه واللام كنصحت وشكرت وحذف المفعول لقصد التعميم، وقوله: من التصرف بيان لأمره أي أعطيناه التصرف فيها. فوله:) وآتيناه من كل شيء سبباً) قيل: المراد من أسباب كل شيء والداعي لتقديره أن الظاهران من بيانية والمبين قوله سببا، وقوله: أراده وتوجه إليه صفة شيء مخصصة له لأنه لم يؤت أسباب كل شيء وليس فيه منافاة لتقدير المضاف المذكور كما قيل إنه يأباه لأنّ من جملة أسباب مراده تعلق إرادة الله

وفدرته مثلاً وليس مما أعطيه ولا يبعد أن تكون من تعليلية والشيء وأن تأخر حصولاً مقدم تصوّراً لأن المراد بالأسباب الأسباب العادية فلا يدخل فيها ما ذكر وهي معلومة من كون المعطي هو الله إذ إيتاؤه يقتضي تقديره وارادته وما اختاره تكلف لا حاجة

ص: 130

إليه وما قيل إنه المعوّل عليه وانه يلزم على ذلك التقدير أن يكون لكل شيء أسباب لا سبب وسببان ليس بشيء لتأمل. قوله: (فأراد بلوغ المنرب) إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة وإنما قدره لقوله حتى إذا بلغ مغرب الشمس، وقرأ نافع وابن كثير فاتبع وثم اتبع في المواضع الثلاثة بهمزة الوصل وتشديد التاء والباقون بقطع الهمزة وسكون التاء فقيل: هما بمعنى ويتعديان لمفعول واحد وقيل: أتبع بالقطع يتعدى لاثنين والتقدير فأتبع سببا سببا آخر أو فاتبع أمره سبباً كقوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة، وقال أبو عبيدة: أتبع بالوصل في السير وأتبع بالقطيم معناه اللحاق، كقوله: فأتبعه شهاب ثاقب، وقال يونس: أتبع بالقطع للجدّ الحثيث في الطلب وبالوصل مجرد الانتقال قاله المعرب. قوله: (ذات حمأة) المراد بالعين عين الماء والحمأ، بالهمزة بمعنى الطين والوحل الرايسب في الماء، وحامية بالياء من الحمى وهو الحرارة فمعناها حازة ولما قرئ بهما مع اختلاف معناهما أشار إلى أنه لا تعارض بينهما لأنه يجوز في العين أن تكون ذات وحل وماؤها حارّ أو أنّ القراءة بالياء أصلها من المهموز قلبت همزته ياء لانكسار ما قبلها وان كان ذلك إنما! طرد إذا كانت الهمزة ساكنة، فقوله: أو حمئة معطوف على قوله: حارّة وأورد عليه أنه يأبى هذا التوفيق ما جرى بين ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم، وتحكيم كعب الخ كما سيأتي فإنه على هذا التوفيق لا يتمشى الخلاف فقيل تجهيل لمثلهم ورد بأنه بعد تسليم صحة ما ذكر عدم تمشي الخلاف ممنوع فإنّ مبناه السماع ولا يندفع ذلك بإمكان التوفيق لترجيح إحدى القراءتين ورجوع معاوية رضي الله عنه لموافقة قراءته لما في التوراة من غير تأويل فلا يلزم ما ذكر شمامل. قوله: (ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها الخ (إشارة إلى دفع ما يقال من أنّ الشمس في الفلك المحيط بالأرض وجرمها أكبر من الأرض بمرات، كما مر في أوّل سورة الإسراء فكيف

يمكن دخولها في عين ماء بالأرض فأوّله بأنه لما بلغ ساحل المحيط من جهة المغرب وهو قوي السخونة كثير الحمأة وجد الشمس، كأنها تغيب في ذلك البحر كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تطلع من البحر وتغيب فيه إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تطلع وتغرب وراء البحر، وعلى هذ التأويل كما قيد ووجد عندها قوما أي عند العين الحمئة وهو مأخوذ من كلام الإمام، وما قيل من أن الوجدان يدل على الوجود ولو كان المراد ما ذكر لقال: رآها ليكون من غلط الحس، مع أن إطلاق العين على البحر المحيط خلاف الظاهر مدفوع بأن وجد يكون بمعنى رأى كما ذكره الراغب فهي مساوية لها يجري فيها ما يجري فيها، وأما كونه لموافقة قوله: وجد عندها قوما فلا يجدي لأنه مؤوّل أيضاً كما عرفت وتسمية البحر المحيط عينا لا محذور فيه خصوصا وهو بالنسبة لعظمة الله كقطرة وإن عظم عندنا، وما ذكره من قصة ابن عباس رضي الله عنهما، أورده القرطبيّ وفيه أنه رجع بعد ذلك عن قراءته وما وقع في التوراة مؤوّل بما مرّ. قوله:(إما أن تعذب الخ) قدمه وخصهم بذاك لكفرهم، وقوله: حسناً أي أمر أو عبر بالمصدر للمبالغة، وقوله: بالإرشاد الخ الداعي لصرفه عن ظاهره الشامل للعفو أنه يبعد جعله مطابقا للتقسيم في الجواب، وكون الأسر حسنا في مقابلة القتل ظاهر، والإرشاد الدعوة للإيمان، وتعليم الشرائع لمن آمن منهم. قوله:(ويؤيد الأول قوله لخ) الظاهر أن وجه التأييد أنه بين أن الحسنى لمن آمن وهو نص فيما ذكر فهو كالتفسير له، وقيل: إنه ظاهر في اختيار الدعوة فلا بد أن يكون أحد شقي التخيير ليحصل الارتباط بين الجواب والسؤال الناشئ مما سبق المقدر وهو أيهما يختار وعلى الثاني يحتاج الارتباط إلى تكلف أنّ محصل الجواب عدم اختيار واحد من الشقين إيثار الحق الله على حق نفسه فدعاهم إلى الإيمان، وقال: أما من ظلم ولا يخفى أنه لا داعي لتقدير السؤال هنا بل إنه لما قال الله له ما ذكر قال هذا وبين ما سيفعله أو يقدر السؤال هكذا فما قال الخ، والمراد بالظل في النظم الكفر قال الشارح العلامة ولا يستراب في أنّ هذا التخيير إنما يكون على تقدير بقائهم على الكفر ولهذا قدم الدعوة وحكم على من أصر على كفره بالتعذيب والمراد بهذا التعذيب أحد الأمرين على الوجه الثاني بخلافه في قوله إما أن تعذب فإنه القتل خاصة وهذا خلاف الظاهر، واعترض! عليه بأن هذ التخيير فيمن

ص: 131

وجد منهم الكفر حال توجه القتل والأسر، ولا يقتضي ذلك تقديم الدعوة ولا يلائم أن المراد بهذا التعذيب أحد الأمرين بل المراد به القتل فإنه لما كان مخيرا بين القتل والأسر اختار الأوّل في حق من استمرّ على كفره اهـ. (قلت (أمّا قوله: لا يقتضي ذلك تقديم الدعوة فغير صحيح لأنها إذا لم تكن أحد شقي الكلام اقتضى أنها مقدرة ولا بد من ذلك، وأما ادعاؤه التعميم في التعذيب على هذا فلا وجه له كما ذكره المعترض، إلا أن يريد أنه يجوز في هذأ

الوجه دون الأوّل فتأمّل، وقوله: فاختار الدعوة أي الشق الثاني وفصل ما أجمل فيه. قوله: (فنعذبه أنا ومن معي) حمله على ظاهره المتبادر منه، وقيل: إنه للمتكلم المعظم نفسه واسناده إليه لأنه السبب الآمر لأنّ صدور القتل منه بالذات بعيد، وقيل: إنه أسنده إلى الله وإلى نفسه باعتبار الخلق والكسب، وعليه فالمعنى أني أنا والله أعذبه في الدنيا ثم الله يعذبه وحده في الآخرة فلا ينبو عنه ما بعده كما قيل: لكنه بعيد مع ما فيه من تشريك الله مع غيره في الضمير، وقد أنكره هذا القائل في فوله: أردنا سابقاً. قوله: (في الدنيا بالقتل) وفي الكشاف وعن قتادة كان يطبخ من كفر بالله في القدور وهو العذاب النكر، وهذا إنما يتأتى إذا كان عذابا نكراً مصدر الأوّل، أو تنازع فيه الفعلان، والمصنف رحمه الله جعله مصدر الثاني بناء على تبادره ولذا لم ينقله وقوله: لم يعهد مثله تفسير لمنكراً، وقوله: فعلته الحسنى بالجرّ وفتح الفاء ويجوز كسرها للنوع وهو إشارة إلى وجه تأنيث الحسنى بتقدير موصوف مؤنث ولذا لو قدر خلاله كان أظهر وأولى، وعلى تنوين جزاء ونصبه الحسنى مبتدأ وله خبر مقدم وهو حال من الضمير المستتر فيه أو من المجرور بمعنى مجزي بها أو مجزيا بها، وحالاً حال من الضمير في المقدر، والتمييز معطوف على الحال، وقوله: منصوبا غير منوّن جار فيه الوجوه وعلى كونه مبتدأ سوغه تقدم الخبر. قوله: (ويجوز أن يكون إما وإفا للتقسيم دون التخيير (يعني في قوله: إمّا أن تعذب وامّا الخ ما مر بناء على أنّ التخيير هو المختار، والفرق بينهما أنه على الأوّل يكون خيره بين القتل ابتداء والدعوة ثم بعدها يقتل المصرّ ويحسن لغيره أو خيره بين القتل والأسر لمن لم يؤمن بعد الدعوة أو بين قتل الجميع وغيره، وعلى التقسيم بين له أيهم مقتول ابتداء ومدعوّ أو مقتول ومأمور قيل: ويأبى هذا إفا فإنها لتفصيل ما أجمل، وأجيب بأنه لا يلزم أن يكون المجمل في الكلام السابق بل قد يكون في الذهن أو لمقدر في كلام ذي القرنين فتأمل. قوله: (فبإلهام) قيل عليه إزهاق النفس لا يجوز بالإلهام، ومثله لا يكون إلا بالوحي ولو بالواسطة ولا وجه لنقضه بقصة إبراهيم في ذبح ابنه عليهما الصلاة والسلام بالرؤيا وهي دون الإلهام لأن رؤيا

الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والهاماتهم وحي أيضا كما بين في محله والكلام هنا على تقدير عدم نبوّته عليه الصلاة والسلام ولا احتمال للتوزيع كما توهم، وقوله يسرا صفه مصدر محذوف أي قولاً بتأويله بصفة أو بتقدير مضاف، وقوله: يوصله إلى المشرق القرينة على إرادة هذا قوله: بلغ مطلع الشمس. قوله: (يعني الموضع) أي على قراءة الكسر اسم مكان وعلى قراءة الفتح مصدر ميمي لكنه بتقدير مضاف لتتفق القراءتان، ولأنّ البلوغ للمكان ولم يلتفت إلى ما ذكره أهل الصرف من أنه اسم مكان إفا لأنه لم يرد في كلام الفصحاء بالفتح إلا مصدرا فلا حاجة إلى تخريج القرآن على الشاذ لأنه يخل بالفصاحة أو لأنه لا دليل لهم عليه لأنّ ما ورد منه بمعنى المكان بتقدير المضاف كما هنا، فلا وجه لما قيل إنّ الجوهرفي قال إنه اسم مكان أيضا فلا حاجة إلى تقدير المضاف. قوله:(تطلع الشمس عليه أولاً من معمورة الأرض (قيل عليه إنه بيان للواقع والا فلا فائدة في ذكره وليس بشيء لأنّ السماء كرية وكل أفق مطلع للشمس ولكل أرض مطلع فلو لم يفسره بما ذكره لم يدلّ على أنه بلغ غاية الأرض المعمورة وهو المراد. قوله: (من اللباس) فالمراد به المتعارف، أو البناء فالمراد به مطلق الساتر، وكونها لا تمسك الأبنية لرخاوتها، فإن قيل إذا كانت كذلك كيف يكون فيها الإسراب جمع سرب بفتحتين وهو الحجر والحفيرة، قلت: لا مانع منه كما توهم فرب أرض لا تحمل البناء لثقله ويحفر فيها حفر تمكث زمانا كما نثاهده في مواضع كثيرة، وقيل: إنه لا جبال فيها فهي كثيرة

ص: 132

الزلازل لا يستقرّ بناؤها. قوله: (أو أنهم) وفي نسخة أو لأنهم الخ يعني أن عدم البناء لما مر أو لما ذكر واتخاذ الإسراب لا ينافي نفي الستر على العموم لأنّ المراد منه المتعارف من اللباس أو البناء، وهذا لا ينافي العموم وقد وقعت هذه المسألة في أصول الشافعية فإنهم اختلفوا في أنّ ألفاظ العموم هل يلزم تناولها للصور النادرة أم لا، وفرّعوا على ذلك مسائل فقهية، ولم يحضرني الآن ذكرها في أصولنا فجزم الفاضل المحشيئ بما ذكره هنا بناء على أحد القولين فتنبه له. قوله:(أي أمر ذي القرنين كما وصفناه (يشير إلى ما في كذلك من وجوه الإعراب فأحدها أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أمر ذي القرنين كذلك والمشار ما وصفه به قبله من بلوغ المغرب والمشرق وما فعله وفائدته تعظيمه وتعظيم أمره كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: في رفعة المكان الخ، والتعظيم مستفاد من ذلك لدلالة البعد على الرفعة، وقوله: وقد أحطنا بما لديه خبرا تكميلى لذلك كاً نه لعظمته لا يحيط البشر بما لديه. قوله: (أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب الخ) فهو خبر مبتدأ مقدر بأمره في أهل المشرق والكاف للتشبيه والمشار إليه أمر

أهل المغرب، والفرق بينه وبين الأوّل من وجهين وليست الكاف زائدة في الأوّل كما توهم. قوله:(ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد (أي وجدها تطلع وجدانا كوجدانها تغرب في عين حمئة فقوله: وقد أحطنا الخ لبيان أنه كذلك في رأي العين، وحقيقته لا يحيط بعلمها غير الله وجوّز فيه أيضاً أن يكون معمول بلغ أي بلغ مغربها كما بلغ مطلعها ولا يحيط بما قاساه غير الله. قوله: (أو نجعل) أي صفة مصدر جعل أي لم نجعل لهم ستراً جعلا كائنا كالجعل الذي لكم فيما تفضلنا به عليكم من الألبسة الفاخرة والأبنية العالية، وفيه بعد وعليه فقوله: وقد أحطنا الخ تذييل للقصة أو القصتين فلا يأباه كما توهم، وجوّز فيه جار الله أن يكون صفة سترا أيضاً وهو بمعنى ما قبله وإذا كان صفة قوم كالجملة التي قبله فوجه التشبيه ما ذكره، وقوله: من الجنود الخ جار على الوجوه لكنه أنسب بالأوّل وفسر السبب هنا وفيما قبله بالطريق مجازا لأنه موصل لما أراده، وقوله: آخذاً من الجنوب إلى الشمال يفهم من قوله: حتى إذا بلغ بين السدين لأنّ ما بينهما في أقاصي جهة الشمال فالظاهر أنه سار من الجنوب إلى الشمال حتى انتهى لأقصاه. قوله: (بين الجبلين المبنئ بينهما سدّه (أي سد ذي القرنين ف! طلاق السذ على الجبل لأنه سدّ في الجملة، وفي القاموس والسد الجبل والحاجز، أو لكونه ملاصقا للسد فهو مجاز بعلاقة المجاورة وأرمينية ضبطه أهل اللغة بتخفيف الياء الثانية وهي بلاد معروفة، والقول الثاني هو المناسب لما قبله، ومنيفان بمعنى مرتفعين، وقوله: وهما لغتان أي الفتح والضم لغتان بمحنى واحد ويشهد له القراءة بهما فإن الأصل توافق القرا آت. قوله: (وقيل المضموم لما خلقه الله الخ الأنه بالضم اسم بمعنى مفعول وبالفتح مصدر سده سداً ولكونه في الأوّل بمعنى مفعول لم يذكر فاعله فيه دلالة على تعيينه وعدم ذهاب الوهم إلى غيره فيقتضي أنه هو الله كما مرّ نحوه في يوم مشهود، وأمّا دلالة المفتوح على أنه من عمل العباد فلمناسبته للحدوث وتصويره بأنه ها هوذا يفعل ويشاهد، وهذا يناسب ما للعباد مدخل فيه على أنّ فوات ذلك التفخيم يكفي للتقريب، كذا حقق في شروح الكشاف وعليه ينزل كلام المصنف رحمه الله فالفرق ليس من موضوع اللفظ، ولذا قيل: إن المصدر معناه الحدث وهو يناسب الحدوث والصفة للثبات والدوام فناسب ما لله ولا يخفى ضعف هذا كله وأنّ هذه النكتة إنما تظهر لو

تقابلا وأسند أحدهما لله والآخر لغيره، أمّا إذا قرئ بهما على الانفراد فالظاهر توافقهما وكيف يوجه الأوّل بعدم ذكر الفاعل مع أنّ المصدر لم يذكر فاعله أيضا والحدوث مشترك بينهما، فلا يظهر للفرق وجه إلا بتكلف ولذا ذهب بعضهم إلى العكس بناء على أنّ المصدر لم يذكر فاعله والمضموم بمعنى مفعول، والمتبادر منه أنه ما فعله الناس كما يقال: مصنوع وضعفه ظاهر، ألا ترى قوله: وكان أمر الله مفعولاً وأنه يقال مصنوعات الله، وحذف الفاعل له وجوه أخر. قوله:(وبين ههنا مفعول به) على الاتساع وقيل: إنه ظرف والمفعول به محذوف وهو ما أراده أو غرضه. قوله: (لغرابة لغتهم)

ص: 133

وبعدها عن لغات غيرهم، وعدم مناسبتها لها إذ لو تقاربت فهموها وأفهموا غيرهم فهو تفسير له بلازم معناه كما وقع التفسير به في الأثر واختاره إشارة إلى أن مآل القراءتين واحد ومن لم يقف على مراده قال إنه يناسب القراءة الآتية، إلا أن يقال: أراد لغتهم التي يعرفونها سواء كان لسانهم أو لا، وتكلف ما نحن في غنية عنه، وقولاً عامّ لما عدا أقوالهم ولغاتهم أو أراد به قول اتباع ذي القرنين والقول على ظاهره والزمخشريّ جعله مجازاً عن الفهم مطلقا أو عما من شأنه أن يقال: ليشمل الإشارة ونحوها ففسره بقوله: لا يكادون يفقهونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها لئلا يخالف ما بعده، وفيه نظر لما سياتي من تفسيره، وقوله: وقلة فطنتهم حتى يفهمون ما يراد من القول بالقرائن وحتى يتعلمون لغتنا فإنهم مع عدم المخالطة لا يمكن تعلمها في زمن قليل للفطن والترجمة من آخر ناشئة من قلة الفهم فلا يرد عليه أنّ المترجم كاف في ذلك، وقوله: لتلعثمهم تفعل من اللعثمة بالثاء المثلثة ومعناها التوقف في الكلام وقراءة حمزة من الأفعال كالإفهام أي لا يفهمون ويفصحون بجواهر الحروف فالقول على ظاهره لا مدلوله فإنهم لتلعثمهم لا تتبين حروفهم كما نشاهده في بعض الألسنة. قوله: (قال مترجمهم) الترجمة تفسير لغة بلغة أخرى، وتطلق على التبليغ مطلقا كما في قوله:

إنّ الثمانين وبلغتها قدأحوجت سمعي إلى ترجمان

وانما قدره كذلك أو جعل الإسناد فيه مجازيا بجعل قول الترجمان بمنزلة قولهم: لقيامه مقامهم واتحادهما في المقصود ليوافق ما قبله من أنهم لا يفهمون ولا يفهمون، وقوله: الذين من دونهم أي القوم الذي تقرب بلادهم من بلادهم فإنهم يعرفون لغتهم ولغة غيرهم لوقوع بلادهم بين بلاد الفريقين فهم واسطة مترجمون بينهم، وهذا يدل على هذا التأوبل ويرجحه على التأويل الآخر، ولذا اقتصر عليه وقد وقعت المخالفة أيضاً بأنّ الله تعالى علّم ذا القرنين

لغتهم ولغة غيرهم، كما علّم سليمان عليه الصلاة والسلام منطق الطير، والجيل بكسر الجيم قوم معروفون ولا يبعد أن يقال: قائله قوم غير الذين لا يفهمون قولاً وهم لقربهم يتضرّرون بقربهم، ويؤيده ما في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه وهو الذي أراده المصنف رحمه الله بإيراده فهو في الحقيقية جواب آخر لكنه لقربه مما قبله لم يصرح بجعله جوابا مستقلا، والذي اختاره الزمخشري: أنّ فيه تقديراً أي لا يكادون يفقهون قولاً إلا بجهد. قوله: (وهما اسمان أعجميان (يعني أنه لا يخلو من كونه أعجمياً أو عربيا فعلى الأوّل منع صرفه للعلمية والعجمية وغلى الثاني للعلمية والتأنيث باعتبار القبيلة فلا يرد عليه، كما توهم أنه يجوز أن يكون للعلمية والتأنيث، وهو مهموز من أج بمعنى أسرع ووزنهما يفعول، كيعفور ومفعول وهو وإن كان لازما فبناء مفعول منه إن كان مرتجلا فظاهر دهان كان منقولاً فلتعديه بحرف الجرّ، والظليم ذكر النعام وفي تذكره أبي علي إن كانا عربيين فيأجوج المهموز يفعول من أج كيربوع وليس من تاجج كما ذكره سيبويه وإن كان في العربية فعلول ومن لم يهمز خفف الهمزة كرأس فهو أيضاً يفعول، ويحتمل أن يكون فاعول من ي ج ج، ومن همزهما جعلهما كالعالم ومنع صرفها للعلمية والتأنيث للقبيلة، كمجوس ومأجوج إذا همز من أج كما أق يأجوج منقول منه فالكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق وعلى العجمة لا يتأتى تصريفه ولا يعتبر وزنه إلا بتقدير كونه عربيا اهـ. قوله: (أي في أرضنا (يشير إلى أنّ تعريفه للعهد والقتل والتخريب تفسير للفساد كالذي بعده ولم يقل أو إتلاف الزروع لعده مع ما قبله وجها واحداً لأنّ المراد بإتلافها قطعها وإحراقها وهو من التخريب، والمحكي بقيل وجه آخر ولا تخريب فيه، ولكن ضرره بأخذ أقواتهم وأكلها حتى يضيقوا عليهم، وقوله: إلا أكلوه استثناء مفرّع وهو من قصر الموصوف على الصفة على حد قوله:

ولا عيب فيهم غيرأنّ سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

فهو إثبات لعدم الترك بدليل، وهل هو استثناء متصل أو منقطع فيه كلام فلا وجه لما قيل

إنّ الاستثناء

ص: 134

فيه مشكل فإن صفة كونه مأكولاً لم يثبت له قبل الأكل فلم يدخل فيما قبله حتى يستثني إلا أن يكتفي بدخولها تصوّراً وفرضا.

قوله: (جعلا) أي أجرا تصرفه عليه واختلف فيهما فقيل: هما بمعنى واحد وهو ما ذكره، وقيل: بينهما فرق كما ذكره، وقيل: الخرج في مقابلة الدخل، وقوله: يحجز أي يمنع إشارة إلى أنّ السذ هنا بمعنى الحاجز، وقوله: ما جعلني فيه مكيناً أي متمكنا قادراً، وقوله: من المال بيان وقوله: ولا حاجة بي إليه يعلم من مكنته، وقوله: على الأصل أي عدم الإدغام فإنه الأصل فيه. قوله: (بقؤة فعله) جمع فاعل، ككاتب وكتبة وهو من يفعل فعلا ما ويختص في الاستعمال بمن يعمل بأجرة أو نحوها في البناء يعني أنّ القوّة بمعنى ما يتقوّى به على المقصود من الناس أو الآلات أو الأعئم منهما وقوله: رد ما أصل معناه كما قاله الراغب: سذ الثلمة بالحجارة ونحوها وكونه أكبر من السد لأنه يفيد ملأها فيكون أعرض من السذ، ولذا أطلق على الرقاع لسدها خرق الثوب، والرقاع جمع رقعة وهي معروفة وقوله: وهو لا ينافي الخ أي طلبه إيتاء الزبر لا ينافي أنه لم يقبل منهم شيئا لأنه إنما ينافيه لو كان الإيتاء بمعنى إعطاء ما هو لهم وليس بمراد بل المراد به مجرّد المناولة والإيصال وان كان ما آتوه له فهو معونة مطلوبة، وعلى قراءة أبي بكر فهو من أتاه بكذا إذا جاء به له فعلى هذه القراءة زبراً منصوب بنزع الخافض وقوله ولأنّ إعطاء الآلة يعني بعد تسليم كون الإيتاء بمعنى الإعطاء لا المناولة فإعطاء الآلة للعمل لا يلزمه ت! ملكها، ولو تملكها لا يعد ذلك جعلا، فإنه إعطاء المال لا إعطاء مثل هذا فلا وجه لما قيل إنه ضعيف لمنافاته للتمليك. قوله تعالى:) {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} ) أي ساوى السذ الفضاء الذي بينهما فيفهم منه مساواة السد في العلو للجبلين، فالمراد بجانبي الجبل في كلام المصنف جميعهما لا رأسهما كما قيل: وإن وقع ذلك في الأساس إذ لا حاجة إليه، وقوله: بتنضيدها أي بوضع الزبر بعضها على بعض وقوله: منعزل أي مائل منحرف عنه، وهو أصل معنى التصادف ولذا استعمل في الملاقاة، والأكوار جمع كور

بالضم آلة للحدادين معروفة، وقوله: كالنار إشارة إلى أنه تشبيه بليغ. قوله: (لآضمر مفعول أفرغ (لأنه إذا أعمل الأوّل ذكر ضميره في الثاني وان جاز حذفه لكونه فضلة لكنه يقع فيه إلباس حينئذ إذ لا يدري أنه مفعول أيهما والمتبادر أنه مفعول الثاني لقربه ووجه الاستدلال أنه أعمل الثاني ولو لم يكن أرجح لزم ورود كلامه تعالى على غير الأفصح بلا ضرورة ونكتة ووصل الهمزة على أنه بمعنى جيؤوا به كما مرّ تحقيقه. قوله: (بحذف التاء حذرا من تلاقي متقاربين (في المخرج وهما الطاء والتاء وهذا مجوّز لا موجب له لأنه لا مانع من الإتيان به على الأصل والإدغام إدغام التاء في الطاء لقرب مخرجهما وفيه ما ذكره لأن الحد فيه أن يكون أحدهما حرف لين والآخر مدغما فيه وهنا ليس كذلك وقد تقدم أنه جائز واقع مثله في القرآن كما مرّ في أوّل السورة، وقلب السين صاد المجاورة الطاء. توله:) أن يعلوه بالصعود (فمعنى ظهره صار على ظهره فعلاه، وقيل: إنه من ظهر عليه فحذف الجار وأوصل الفعل بنفسه، والانملاس انفعال من الملامسة وهو تساوي السطح، وقوله: لثخنه أي غلظه وامتداد عرضه، وبلوغ الماء أي بلوغ خروجه بحيث لا يمنع من البناء لسدّه بما يطرج عليه والمراد قرب من بلوغه، وجعله أي الأساس، والبنيان بالنصب عطف على ضمير جعله، ووضع الحطب والفحم بين زبر البنيان لتوقد فتذوب الزبر فتلتحم بما تحتها لا أن الفحم يبقى في البناء كما يوهمه ظاهر العبارة، وقوله: ساوى أعلى الجبلين أي بلغه كما مرّ بيانه، وقوله: بينهما أي الزبر وفي نسخة بينهما أي بين الأساس والبنيان، وقوله: ثم وضع المنافخ في نسخة المنافيخ، وقوله: حتى صارت أي زبر الحديد كالنار لحمرتها، وفعلى ذلك إما بآلات من بعد أو أنه كرامة لذي القرنين حيث أطاقوا القرب منها وصلدا بمعنى أملس صلب، وقوله: في تجاويفها أي في تجاويف وخروق جعلت في الصخور أو في الصخور والكلاليب. قوله: (على عباده (كون السد رحمة

على العباد ظاهر، وأمّا الأقدر عليه فهو سبب للرحمة عليهم، وقوله: وقت وعده أي بتقدير مضاف لأنّ الآتي وقته لا هو لتقدمه أو هو إشارة إلى أنّ إسناد

ص: 135

المجيء إلى الوعد وهو لوقته مجاز في النسبة، ويجوز أن يكون الوعد بمعنى الموعود وهو وقته أو وقوعه فلا تقدير فيه فيكون مجازاً في الطرف، وفي الكلام مقدر أي وهو يستمرّ إلى آخر الزمان فإذا جاء الخ وقوله: بخروج متعلق بوعد ووقت مجيء الوعد بخروجهم ممتد لمكان وقت جعله دكاً، فلا وجه لما قيل: إنّ وقت خروجهم ليس وقت عين الدك بل متصل به فلا بد من اعتبار المشارفة فيه كما إذا أريد بالموعود قيام الساعة، وقوله: بأن شارف متعلق بجاء، وقوله: أرضا مستوية إشارة إلى أنه على قراءة دكاء بألف التأنيث الممدودة لا بد أن يقدر له موصوف مؤنث وهو إذا كان بمعنى مدكوكاً مدقوقاً فهو مؤوّل بالمفعول أو وصف به مبالغة، وفي الحجة المذ مروي عن حفص عن عاصم على حذف مضاف أي مثل دكاء وهي ناقة لا سنام لها، ولا بد من هذا التقدير لأنّ الجبل مذكر لا يوصف بمؤنث ا!. قوله:(وجعلنا بعض يأجوج) فالترك بمعنى الجعل كما صرّح به النحاة وأهل اللغة فهو من الأضداد، وقوله: مزدحمين إشارة إلى أن التموّج مجاز عن الازدحام، وحين يخرجون إشارة إلى أنّ يوم بمعنى مطلق الوقت وأن التنوين عوض عن جملة معلومة مما قبله وأصله يوم إذ جاء وعدهم ونحوه، كما قدره المصنف رحمه الله وانّ الضمير ليأجوج ومأجوج وامّا عوده على الناس وأنّ المراد أنهم لفزعهم منهم يفرّون مزدحمين أو أنهم بعد إتمام السد ماج بعضهم في بعض للنظر إليه والتعجب منه فبعيد. قوله:(أو الخلق) بالجرّ عطف على يأجوج ومأجوج، فالضمير للخلق وهو حينئذ منقطع عن القصة قبله، وقوله: إنسهم وجنهم بدل من الضمير أو مبتدأ خبره حيارى وهو على الوجه الثاني تفسير الوعد، والتأييد ظاهر إذا كانت الجملة حالية بتقدير قد، وأمّا على العطف فلا وان كانت الواو لا تفيد ترتيبا، وأمّا ما قيل إنه ينافيه فلا وجه له، وقوله: لقيام الساعة شامل للنفخة الأولى والثانية التي لا حياء من في القبور لكن ما بعده يناسب الثاني. قوله: (عن آياتي التي ينظر إليها فأذكر بالتوحيد والتعظيم) دفع لما يتوهم من أنّ المناسب للذكر أن يقال الذين كانت أسماعهم صماً عن ذكرى بأنّ الذكر مجاز عما يشاهد من الآيات على توحيده المسبب لذكره وتعظيمه بذكر المسبب وارادة السبب، وقيل: إنّ المراد بالأعين البصائر القلبية كما في قوله: ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، ويجوز على هذا أن يكون الذكر بمعنى القرآن، وقوله: فأذكر بصيغة المجهول ويجوز رفعه ونصبه. قوله: (استماعاً لذكري وكلامي) إشارة إلى أن المراد

بالسمع معناه المصدري لا الجارحة، وعطف كلامي على ذكري للتفسير، فالظاهر أنّ المراد به القرآن لا مطلق الوحي والشرائع الإلهية وإن صح، كما يشير إليه قوله: بعده صممهم عن الحق وليس هذا تقديراً لما ذكر بقرينة الذكر المذكور قبله لأنه مجاز عما مرّ بل بقرينة قوله: سمعا وأنّ الكفرة هذا حالهم، فما قيل: إنه يوهم أنّ الذكر قرينة على أنّ المفعول المحذوف هو الذكر المذكور مع أن المذكور أوّلاً بمعنى وهذا بمعنى آخر لا يتوجه، وقد قال ابن هشام: في المغني إن الدليل اللفظي لا بد من مطابقته للمحذوف معنى فلا يصح زيد ضارب وعمرو أي ضارب على أن الأوّل بمعناه المعروف والثاني بمعنى مسافر ولا حاجة إلى ما تعسف به في توجيهه من أنّ الذكر المحذوف هنا بمعنى الآيات مجاز التحقق الآيات في ضمن الكلام المعجز أو المراد بالآيات الكلام المعجز مجازاً بعد مجاز، ولك أن تقول والله أعلم أن الذكر إذا لم يناسب ما قبله إلا بالتجوّز فما الداعي لذكره وقد كان الظاهر أن يقال: لا يستطيعون سمعا لذكري ابتداء فلا بد له من وجه يليق ببيان التنزيل، فأقول الظاهر ما وقع في النظم عند التأمّل. لأنه لما أفاد قوله: لا يستطيعون سمعاً أنهم كفاقدي حاسة السمع، ومن هو كذلك إنما يعرف الذكر بإشارة أو كتابة أو نحوهما مما يدرك بالنظر ذكر أن أعينهم محجوبة عن النظر فيما يدلّ عليه أيضاً فهم لا سبيل لهم إلى معرفة ذكره أصلاً، وهذا من البلاغة بمكان فتدبره 0 قوله: (فإنّ الأصئم الخ (أي جنس الأصم أو الأصمّ الغير المفرط الصمم، وكلمة قد لا تنافيه، وأصمتت بصيغة المجهول أي جعلت مصمتة لا تجويف لها وبالكلية صفة لمصدره أي إصماتاً بالكلية. قوله: (أفظنوا (مفرّع على ما قبله أي ألم ينظروا

ص: 136

لآياتي ويسمعوها فظنوا، والإنكار بمعنى أنه ظن فاسد لا أنه لبم يكن، واتخاذهم بيان لأن أن مصدرية والملائكة والمسيح تفسير لعبادي، وهذا على طريق التمثيل فيشمل عزير إبل الأصنام تغليباً، ودون هنا إفا نقيض فوق أو بمعنى غير أي أظنوا من هو في حضيض العبودية معبوداً، كالعليّ الأعلى أو أظنوا غير الله معبودا معه أو دونه فتأمل. وقوله: معبودين تفسير للوليّ هنا بمعنى المعبود، وقوله: نافعهم هو المفعول الثاني لحسب والأوّل اتخاذهم، وقوله: أو لا أعذبهم به أي باتخاذهم هذا هو المفعول الثاني وهو صحيح لأنه يكون جملة، والمعنى أظنوا اتخاذهم سببا لرفع العذاب عنهم فهو وعيد وتهديد لهم، وبهذا تغاير الوجهان، وهذا بناء على تجويز حذف أحد لمفعولين في باب علم كما جوّزه بعض النحاة وقد منعه آخرون، وقوله: كما يحذف الخبر دليله لأنه خبر في الأصل فكما يجوز حذف الخبر يجوز حذفه. قوله: (أو سدّ أن يتخذوا الخ (هذا على القور الآخر فالمعنى أحسبوا أنفسهم متخذي أولياء غيري أي لا ينبغي مثل هذا، قيل: وعلى هذا

يجوز أن يكون أولياء بمعنى أنصارا ولا وجه للتخصيص به. قوله: (وقر! الخ) هي قراءة عليئ رضي الله عنه بسكون السين والرفع وهو اسم بمعنى محسب أي كافي وهو مبتدأ وما بعده فاعل سد مسذ خبره أو خبر. قوله: (إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل) اعترض! عليه أبو حيان بأنه مخصوص بالوصف الصريح كاسم الفاعل واسم المفعول ثم أشار إلى جوابه بأنه وقع في كلام سيبويه رحمه الله ما يقتضي أنّ المؤوّل به يعمل عمله ويعطي حكمه كما فصله في الدر المصون وكونه خبرا ظاهر، وقد ذكر في الكشاف وشروحه وجه حسن هذه القراءة وما فيها من المبالغة في ذفهم. قوله:(وفيه تهكم) أي في نزلا استعارة تهكمية إذ جعل ما يعذبون به في جهنم، كالزقوم والغسلين ضيافة لهم ولما كان الضيف لا يستقر في منزل الضيافة وينتقل إلى ما هو أهنأ له في دار إقامته كان فيه تنبيه على أنّ هذا ما لهم في ابتداء أمرهم، وسيذوقون ما هو أشدّ منه في جهنم أيضا، فذكر المحل في قوله: جزاؤهم جهنم شامل لكل ما فيها من النزل وما بعده، فما قيل إنّ أصل إكرام الضيف يكون أعلى حالا بمراتب من نزله، وهو عذاب الحجاب إلا أنّ قوله: ذلك جزاؤهم يأباه فإنّ المصدر المضاف من صيغ العموم مما لا وجه له. قوله: الآنه من اسماء الفاعلين أو لتنؤع أعمالهم) يعني أن أعمالاً تتميز والأصل فيه الإفراد، وأيضا هو مصدر، والمصدر شامل للقليل والكثير، فلذا كان حقه أن لا يجمع كما صرح به النحاة فلذا قالوا: إنّ جمعه على خلاف القياس إلا أن يقصد الأنواع فيجمع ليصزج بشموله لها فجمعه هنا إمّا لتنوّع أعمالهم وقصد شمول الخسران لأنواعه أو لأنّ ما ذكره النحاة إنما هو إذا كان باقيا على مصدريته أمّا إذا كان مؤوّلاً باسم فاعل، فإنه يعامل معاملته فيطرد وهنا عمل بمعنى عامل، والصفة تقع تمييزاً نحو لله درّه فإرسالاً أن أعمالاً جمع عامل فإن جمع فاعل على أفعال نادر، وقد أنكره بعض النحاة في غير ألفاظ مخصوصة كإشهاد جمع شاهد ولا جمع عمل ككتف بمعنى ذي عمل كما في القاموس وفي الدر المصون أعمالاً تمييز للأخسرين وجمع لاختلاف الأنواع وهو مراد المصنف رحمه الله، وقيل: إنه أشار بقوله لأنه من أسماء الفاعلين إلى أنّ الأخسرين بمعنى الخاسرين ولا وجه له لأنّ ضمير لأنه ليس للأخسرين بل لأعمالاً فما ذكره سهو منه، وأجيب عنه بأن مراده أنّ الضمير راجع لقوله: أعمالاً ولما كانت الأعمال أعمال هؤلاء الخاسرين حصلت منه الإشارة المذكورة وهذا لا محصل له وإنما زاد في الطنبور نغمة لا تطرب ولا تضحك، ورب عذر أقبح من الذنب فتدبر. قوله: (ضاع (يعني أنّ

الضلال هنا بمعنى الضياع ومنه الضالة فإسناده حقيقي، وقوله: كالرهابنة جمع رهبان وهو يكون واحداً وجمعا كما قاله الراغب: فمن جعله مفردا جمعه على رهابين ورهابنة، وفي الكشاف وعن عليّ رضي الله عنه أنّ ابن الكواء سأله عن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا فقال: منهم أهل حروراء يعني الخوارج تعريضاً له لأنه منهم، واستشكل بأنّ قوله بعده أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه يأباه لأنهم لا ينكرون البعث، وهم غير كفرة، وأجيب بأن من اتصالية فلا يلزم أن يكونوا متصلين بهم

ص: 137

من كل الوجوه بل يكفي كونهم على الضلال مع أنه يجوز أن يكون معتقدا لكفرهم والأحسن أنه تعريض بهم على سبيل التغليظ لا تفسير للآية ومراد المصنف رحمه الله الرهابتة الرهبان من الكفرة ويجوز في الذين الجر نعتا، أو بدلاً أو بيانا والنصب على الذم والرفع على أنه خبر مبتدأ مقدر، كما في الدر وأشار إليه المصنف بقوله: ومحله الرفع الخ فالجز على البدلية أو الوصفية والنصب بتقدير أذم أو أعني وقوله: فإنه جواب السؤال وهو من هم، وقوله: بالقرآن يجوز أن يراد أيضا مطلق الدلائل السمعية والعقلية فيشملهما. قوله: (بالبعث على ما هو عليه الخ) يعني أنّ لقاء الله كناية عن ألبعث والحشر لتوقفه عليه لا مجاز عنه لأنّ اللقاء الوصول، وهو غير متصوّر، وإنما أوّله الزمخشري لإنكاره الرؤية، وقوله: على ما هو عليه ليشمل أهل الكتاب والقائلين بالمعاد الروحاني، وقوله: أو لقاء عذبه إشارة إلى أنه يجوز أن يكون على تقدير مضاف. قوله: (بكفرهم) أي بسببه كما تدلّ عليه الفاء، وقوله: فلا يثابون بيان لمعنى الحبوط من حبط العمل بكسر الموحدة وقرئ بفتحها شاذاً. قوله: (فنزدري بهم (أي نحتقرم وندّلهم فإنّ الوزن يكون عبارة عن الحسن والاعتبار كما مرّ تحقيقه في كل شيء موزون ويكون عبارة عن ضده، وليس هذا مبنيا على أن الأعمال لا توزن فإنه مخالف لما هو الحق من مذهب الجمهور، فلو أراد التفسير على المذهبين على أق ما بعده إشارة إلى المذهب الآخر كان المناسب تأخيره بل إنما أراد به ما ذكر وقدمه، لأنه بعد حبوطها وجعلها هباء منثورا لا يحتاج لنفي وزنها إلا على وجه التأكيد كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: لإحباطها والتأسيس خير منه، لا يقال حقه على الأوّل أن يعطف بالواو عطف أحد المتفزعين على الآخر لأن منشأ ازدرائهم الكفر لا الحبوط لأتا نقول لم يعطفه لأنهم لو لم تحبط أعمالهم لم يستحقوا الاحتقار. قوله: (الآمر ذلك (أي شأنهم ما مضى فذلك خبر مبتدأ محذوف وذلك إشارة إلى جميع ما قبله من كفرهم، وكون جهنم معدة لهم، وقوله: جزاؤهم جهنم الخ جملة مفسرة له فلا محل لها من الإعراب، وليس المراد بالأمر الجزاء، وبذلك

جهنم كما توهم. قوله: (والعائد محذوف الخ (فالإشارة إلى كفرهم وأعمالهم الباطلة، وذكر باعتبار ما ذكر، وهو تكلف لأن العائد المجرور إنما يكثر حذفه إذا جز بتبعيض أو ظرفية أو جز عائد قبله بمثل ما جز به المحذوف كقوله:

أصخ فالذي تدعي به أنت مفلح

أي به ولذا أخره المصنف رحمه الله. قوله: (أو جزاؤهم بدله (أي بدل اشتمال أو بدل

كل من كل إن كانت الإشارة إلى الجزاء الذي في الذهن بقرينة السياق والتذكير وإن كان الخبر مؤنثا لأن المشار إليه الجزاء، ولأن الخبر في الحقيقة للبدل وقوله: أو جزاؤهم خبره فالإشارة إلى جهنم الحاضرة في الذهن والتذكير نظر للخبر. قوله: (فيما سبق من حكم الله (متعلق بكانت بيان لأن المضيّ باعتبار ما ذكر، ويجوز أن يكون لتحققه تزل منزلة الماضي وكون الفردوس معناه ما ذكروا رد في الآثار فلا ينافي كونه في اللغة البستان، كما توهم وفي قوله: أعلى درجات الجنة نظر إذ ليس كلهم في الأعلى لتفاوت مراتبهم ويدفع بأنه من إضافة العام للخاص وسيأتي له تتمة فتدبر. قوله: (حال مقدّرة (قيل لا حاجة إلى التقدير مع تفسيره كانت لهم بقوله: في حكم الله ووعده إذ الخلود حاصل لهم أيضا في حكمه ووعده لأن المقارنة وعدمها إنما تعتبر بالنظر إلى العامل إذ زمانه هو المعتبر لا زمان التكلم فلا يعد فيه مقارناً كما توهم، وأمّا ما قيل إن مراد المصنف رحمه الله أنه حال مقدرة حيث وقع في القرآن لا هنا فقط لأن الخلود الذي هو عدم الخروج أصلاً لا يتحقق بالفعل، ولو كان ذلك بعد الدخول بل هو أمر مقدر في نفوسهم أو في علم الله يعني أن الخلود لما كان زمانه غير منقطع لم يتأت مقارنة جميعه للعامل فلا بد من كونها مقدرة حيثما وردت والمقارنة تعتبر في الخارج لا في الحكم، والعلم وهو غير صحيح لما عرفت مع أنه يجوز استمرار ذي الحال أيضا كما في قوله: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها فإن سعادة الجنة غير منقطعة ولأنه بصدد تفسير هذه الآية لا بيان الحال مطلقاً ولأنه يكفي لعدم التقدير مقارنة الحال بجزء ما وان استمرت بعده

ص: 138

ألا تراك تقول: لقيت زيداً راكباً وان استمرّ ركوبه بعد الملاقاة ولا يعد مثله حالاً مقدرة، كما لو قلت: جاءني والشم! س طالعة) أقول (هذا كلام غير صحيح لأن المعتبر زمان الحكم وهو كونهم في الجنة وهم بعد حصولهم فيها ملابسون الخلود فهم مقارنون له إذ لا آخر له فاعرفه فإنه دقيق جذاً. قوله: (تحؤلاً (يعني هو مصدر كعوداً وعوجاً، وقال الزجاج: معناه الحيلة في الانتقال، وقال ابن عطية: إنه اسم جمع لحوالة وهو بعيد، وقوله: إذ لا يجدون أطيب منها أي لا

يجدون أطيب منها بجميعها في الواقع ولا في الوجدان والتصوّر لشمول الوجود للخارجيّ، والذهنيّ فلا يتوهم أنه لو قال: لا يتصوّرون كان أبلغ وبكون المراد بالجنة جميعها اندفع ما قيل: إنّ أهل الجنة بلا شك متفاوتو الدرجات كما ورد في الأحاديث الصحيحة لكن أحدهم لا يبغي غير مرتبته لما خلق الله فيهم من محبة كل لمنزلته حتى لا يطلب منزلة غيره كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فوجدان الأطيب لا يستلزم طلبه وعدم التحوّل لا يدل على أنه لا مزيد عليه فالظاهر أن قوله: لا يبغون عنها حولاً كناية عن كونها أعلى المنازل وأطيب وكلام الكشاف لا يأباه، ومن قال: إن الإشكال مبنيئ على أن الفردوس أعلى الجنة فالظاهر أن المراد به مطلق الجنة لم يطبق المفصل ولم يصب المحز، وقوله: تنازعهم إليه أنفسهم بمعنى تطالبهم وتجاذبهم كما ترى في أحوال الدنيا. قوله: (ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود (عدم ابتغاء التحوّل على ما قبله عبارة عن كونها أطيب المنازل وأعلاها، وهو معنى آخر غير الخلود ولا يستلزمه حتى يؤكده كما قيل، وعلى هذا هو عبارة عن نفي التحوّل والانتقال فإنّ عدم طلب الانتقال مستلزم للبقاء فيؤكده، ويجوز أن يكون على حد قوله:

ولا ترى الضبّ بها ينحجر

أي لا يتحوّل عنها حتى يبغوه ولما كان طول المكث يورث الملل ذكره لإفادة أنها مع الخلود لا تمل فلذا عطف عليه مع كونه مؤكدا، وقيل في وجه التأكيد إنهم إذا لم يريدوا الانتقال لا ينقلون لعدم الإكراه فيها وعدم إرادة النقلة عنها لم يبق إلا الخلود إذ لا واسطة بينهما كما تيل. قوله: (وهو اسم ما يمدّ به الشيء (لأن فعالاً وضعه لما يفع!! به كالآلة والحبر بالكسر المداد الذي يكتب به والسليط بالإهمال الزيت ودهن كل حب كالسمسم، وقوله: ما يمد به الشيء هذا أصل معناه ثم اختص في عرف اللغة بما ذكر بل بالحبر وحده، وقوله: لكلمات ربي أي معدّا لكتابتها، وقوله: لكلمات علمه وحكمته أي للكلمات التي يعبر بها عن معلوماته وحكمته فالإضافة لامية لا بيانية. قوله: (لنفسد جنس البحر بأسره (يعني أن تعريفه للجنس الاستغراقيّ أي جميع البحار لا بحر واحد، وقوله: لأنّ كل جسم متناه تعليل لنفاده لأنّ كل متناه منفد كما قيل:

جبال الكحل تفنيها المراود

والتقدير وكتب بذلك المداد لنفد الخ. قوله: (فإنا غير متناهية الخ (إشارة إلى دفع ما يتوهم كما أورده بعض شراح الكشاف من أن مضمون الآية أنه على تقدير أن يكون البحر مدادا لها تنفد لأنه أثبت نفاد البحر قبل نفادها على ذلك التقدير فإذا ثبت نفاد البحر قبل نفاد الكلمات ثبت نفادها بعد نفاد ضرورة استلزام القبلية للبعدية لتقابلهما وتضايفهما لكن قوله

تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [سورة لقمان، الآية: 27] يقتضي دم ثبوت النفاد فيتناقضان وأجاب بأنّ ما هنا أبلغ في الدلالة على عدم النفاد لكونه كناية أو مجازاً عنه كما هو المتعارف في المحاورات كما يقال: لا تتناهى أشواقي حتى يتناها الزمان وما في تلك الآية صريح فيه ثم ذكر كلاما طويلَا لا حاجة إلى إيراده وأصل الكلام وهي باقية لكنه عدل عنه للمشاكلة، وتلك الآية أبلغ من وجه آخر على ما حققه في الكشف، وقوله: كعلمه إشارة إلى دليله يعني أنه كما لا تنفد معلوماته لا ينفد ما دل عليها. قوله: (زيادة ومعونة) تفسير للمدد وهو مفعول له، وبمثله متعلق بجئنا، وقوله: مجموع ما يدخل الخ يعني سواء كان مجتمعاً أو غير مجتمع لأنه إذا ثبت في المجتمع التناهي ثبت في غيره بالطريق الأولى فسقط ما قيل إن ما ذكره يختص بالاجتماع فلو قال: جميع ما يدخل في الوجود على التعاقب أو الاجتماع متناه ببرهان التطبيق كان أولى وأشمل مع أنّ الإبعاد شامل للمتصلة والمنفصلة فتأمّل، وفي قوله: قبل أن ينفد غير المتناهي

ص: 139

ما مرّ، والإبعاد جمع بعد وهو الطول والعرض والعمق.

قوله: (وسبب نزولها أنّ اليهود الخ (وقائله منهم حيي بن أخطب كما رواه الترمذي عن

ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعنون الاعتراض بأنه وقع في كتابكم تناقض بناء على أنّ الحكمة هي العلم وأنّ الخير الكثير هو عين الحكمة لا آثارها وما يترتب عليها لأنّ الشيء الواحد لا يكون قليلا وكثيرا في حالة واحدة وجوابه ما مرّ من أنّ القلة والكثرة من الأمور الإضافية فيجوز أن يكون كثيراً في نفسه وهو قليل بالنسبة إلى شيء آخر كمعلوماته تعالى فنزلت الآية جوابا لهم لأنّ البحر مع عظمته وكثرته خصوصا إذا ضمّ إليه أمثاله قليل بالنسبة إلى معلوماته وهو صريح فيما ذكر، وقوله: الإحاطة على كلماته ضمنه معنى الوقوف فعداه بعلى والا فهو لا يتعدى بها، وقوله: وإنما تميزت عنكم بذلك أي بالوحي وحاصله أنه أورد على الآية أن المراد أنّ كلماته لا تنفد وغيرها ينفد ولو كان مداده البحار فكيف قوله قبل أن تنفد، ودفع بأن القبلية والبعدية لا تقتضي وجود ما أضيف إليه قبل وبعد فجاء زيد قبل عمرو أو بعده لا يقتضي مجيء عمرو، إلا أنه خلاف ما وضع له ولذا قيل: إنه يكفي فرضه، وتوضيحه إنه إنما يقتضيه لو كان قبل وبعد على حقيقته وهو مجاز بمعنى دون وغير أي تحقق نفاد غير

كلمات الله واليه أشار في الكشاف بقوله: والكلمات غير نافدة. قوله: (يؤفل حسن لقائه) وفي نسخة يأمل حسن الخ وسقط كله من بعضها أي يؤمّل أن يلقاه بعد البعث وهو راض عنه، ولذا قدر فيه المصنف رحمه الله مضافا لأنه هو المرجوّ لا اللقاء إذ هو محقق، ويجوز أن يجعل اللقاء هو المرجو والمعنى من رجا ذلك يعمل صالحاً فكيف من يتحققه وفسر الرجاء في الكشاف بالخوف لأنه من الأضداد كما ذكره أهل اللغة أي من كان يخاف سوء لقائه وإنما المفتوحة وان كفت بما في تأويل المصدر القائم مقام الفاعل واقتصر على ما ذكر لأنه ملاك الأمر، وعن معاوية رضي الله عنه أنّ قوله:{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ} الخ، آخر آية نزلت وفيه كلام. قوله:(بأن يرائيه أو يطلب منه أجرا) ضمير يرائيه لأحد أي يعمل رياء للناس أو يأخذ على عمله أجراً كما تراه الآن وهو يقتضي المنع منه والزجر عليه، وقوله: فإذا اطلع بصيغة المجهول وتشديد الطاء أي اطلع عليه أحد، وقوله: إنّ الله لا يقبل ما شورك فيه جعل سرور العامل باطلاع أحد على عمله إشراكا له بالله وان كان في ابتداء عمله أخلص نيته وهو مشكل لأنّ السرور بالاطلاع عليه بعد الفراغ منه لا يقتضي الحبوط وحمله على ما إذا عمل عملاً مقرونا بالسرور المذكور كما قيل: ينافيه قوله في أوّل الحديث: إني لأعمل العمل لله وإنما يجاب بما أشار إليه في الإحياء من أنّ العمل لا يخلو إذا عمل من أن ينعقد من أوّله إلى آخره على الإخلاص من غير شائبة رياء وهو الذهب المصفى أو ينعقد من أوّله إلى آخره على الرياء وهو شرك محبط أو ينعقد من أوّل أمره على الإخلاص ثم يطرأ عليه الرياء وحينئذ لا يخلو طروّه عليه من أن يكون بعد تمامه أو قبله والأوّل غير محبط لا سيما إذا لم يتكلف إظهاره ولم يتمنه إلا أنه إذا ظهرت له رغبة وسرور تام بظهوره يخشى عليه لكن الظاهر أنه مثاب عليه، والثاني وهو المراد هنا فإن كان باعثا له على العمل ومؤثراً فيه أفسد ما فارنه وأحبطه ثم سرى إلى ما قبله، وهو ظاهر فلا إشكال فيه، فإن قلت هذا الحديث يعارض ما رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله: إني أعمل العمل

فيطلع عليه فيعجبني، قال: لك أجران أجر السرّ وأجر العلانية قلت هو ما إذا كان ظهور عمله لأحد باعثاً له على عمل مثله والاقتداء به فيه ونحو ذلك، فإعجابه ليس بعمله ولا بظهوره بل بما يترتب عليه من الخير ومثله دفع سوء الظن، ولذا قيل: ينبغي لمن يقتدى به أن يظهر أعماله الحسنة، فمثل هذا له أجران بل أجور فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب كل أحد على حسب حاله، وتسمية الرياء شركا أصغر صح عنه عتيد، وقوله: والإخلاص في الطاعة بناء على ما فسرها به. قوله: (من قرأها في مضجعه الخ) أي في محل نومه، ويتلألأ بالهمز بمعنى يثرق، وقوله: حشو ذلك أي هو مملوء بالملائكة عليهم الصلاة والسلام يدعون له، والبيت المعمور في السماء معروف وقد ذكر العراقي لهذا الحديث سنداً، وقوله: من قرأ سورة الكهف من آخرها قوله: من آخرها يحتمل معنيين أن يكون

ص: 140