الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضعفه
والثالث قال العراقيّ وابن حجر أنه لم يوجد في كتب الحديث.
تم الجزء السادس، ويليه الجزء السابع وأوله: تفسير سورة
النور
سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مدنية الخ) المدنيّ والمكيّ معروف وإنما الكلام فيما نزل مزتين هل يكون مكياً ومدنيا أو يعتبر أوّل النزولين ما لم يكن في الثاني زيادة أو نقص وبه يندفع بعض الشبه وسبأتي عن القرطبيّ أن آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ} الخ مكية وفي التيسير أنه اختلف في آيتين منها وعدد الآيات توقيفي أيضا وقوله: وستون وقع في نسخة بدله سبعون وقد قيل إنه سهو لأنّ المقرّر في كتاب العدد للداني وهو المعتمد فيه ما ذكره من أنها ستون. قوله: (أي هذه سورة الخ) يعني أنه إمّا خبر مبتدأ محدّوف أو مبتدأ خبره محذوف وقدّر الخبر مقدما وان كانت النكرة هنا تخصصت بالوصف لأنه أحسن كما مر لكن أورد على الثاني أن فائدة الخبر ولازمها منتف هنا لأنّ السورة المنزلة عليه معلوم أنها وحي ودفع بأنه لا ضير فيه فإنه إنما يلزم ذلك فيما قصد به الإعلام والقصد هنا الامتنان والمدح والترغيب. قوله: (وفيه بحث (وان كان ما ذكره مما قرّره أهل المعاني كما فصله في شرح التلخيص لأنّ مثله مما قصد به الامتنان أو التحسر ونحوه لا يخلو من أن يكون لإنشاء ذلك كما اختاره في الكشف أو للإخبار عنه فإن كان إنشاء لم يكن مما نحن فيه وان كان إخبارا فلا بدّ من كونه دالاً على ذلك بإحدى الطرق المعروفة ولا! ك أنه ليس بحقيقة فبقي كونه مجازاً أو كناية وحينئذ فالمعنى المجازي أو الكنائي فائدة الخبر إذ نحو أراك تقدم رجلَا وتؤخر أخرى فائدته التردد فتأمّل وأورد عليه أيضا أنه يأباه أن مقتضى المقام بين أنّ شأن السورة كذا وكذا والحمل عليها بمعونة المقام يوهم أق غيرها من السور ليس على تلك الصفات ولا يخفى أن هذا ليس من مفهوم الصفة لاشتراكه بين الوجوه فهو من تقديم المسند وهو على الأصح يفيد قصر المسند إليه على المسند فالمعنى أنّ السورة الموصوفة بما ذكر مقصورة على الإنصاف بأنها فيما أوحى إليه أي بعض الموحى لأنه من ظرفية الجزء لكله وهو يدلّ على أنّ القصر غير مراد كما في تلك آيات الكتاب المبين وأمّا بيان أنّ شأنه كدّا فحاصل من التوصيف ولكونه كالحاضر المشاهد لذكره عقبه والجمل بعد العلم بها صفات وقبله أخبار لم يحمل عليه مع أنه مر أنّ القصد الامتنان. قوله: (أنزلناها صفتها (قيل لعل فائدة الوصف المدح أو التأكيد لأن الإنزال يفهم من السورة لأنها
كما مر طائفة من القرآن مترجمة أقلها ثلاث آيات وهدّا على مذهب الزمخشري أمّا على مذهب أهل السنة فيجوز أن يكون للتخصيص احترازا عما هو قائم بذاته تعالى ولا يخفى أنه ليس بشيء لأنه وان لم يعترف بالكلام النفسي فهو معترف بكونها في اللوح المحفوظ ولأن المبتدأ والخبر المذكور إنما يتصوّران في المنزل إلينا فلا بد من القول بأنه للتنويه بشأنها ويشهد له ضمير العظمة. قوله: (ومن نصبها جعله مفسرا لناصبها فلا يكون لها محل (في المغني من الجمل التي لا محل لها من الإعراب التفسيرية وهي الفضلة المفسرة لحقيقة ما تليه واحترزت بالفضلة عن الجملة المفسرة لضمير الشأن فإنها كاشفة لحقيقة المعنى ولها موضع بالإجماع وعن المفسرة في الاشتغال فقد خالف فيها الشلوبين فزعم أنها بحسب ما تفسره فهي في مثل زيدا ضربت لا محل لها وفي نحو إنها كل شيء خلقناه بقدر ونحو زيد الخبز يأكله في محل رفع ولهذا يظهر الرفع إذا قلت آكله وقال:
فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن
فظهر الجزم وكأنها عنده عطف بيان أو بدل ولم يثبت الجمهور وقوعهما جملة وقد تبين
أن جملة الاشتغال ليست من الجمل التي تسمى في الاصطلاج مفسرة وان حصل بها تفسير ولم يثبت جواز حذف المعطوف عليه عطف بيان واختلف في المبدل منه (وفيه بحث (لم ينبه عليه شراحه وهو أن الجملة المفسرة في الاشتغال عنده لا تخلو إمّا أن يكون لها محل من الإعراب فينبغي إدخالها في المفسرة أوعدها على حدة ولم يات بشيء منهما أو يكون لها محل فإن كان بالتبعية فلا بد من الرجوع إلى ما ذكره الشلوبين وان كان له وجه آخر فليحمل
كلامه عليه فإنه لا نص منه في ذلك ولذا قال وكأنها الخ نعم لك أن تقول إنها تأكيد وحينئذ لا يلزم ما ذكره وادّعاء عطف البيان والبدل فيما اتحد لفظه غير ظاهر وكلام المصنف والزمخشري محتمل لموافقة الشلوبين ثم إنه بقي ههنا أنّ شرط المنصوب على الاشتغال أن يكون مختصاً ليصح رفعه بالابتداء ولهذا اعترض ابن الشجري على أبي عليّ في قوله تعالى {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} إنه من باب زيدا ضربته كما في الباب الخامس من المغني وقال بعدما قرّره المشهور أنه عطف على ما قبله وابتدعوها صفته ولا بد من تقدير مضاف أي حب ورهبانية قال وإنما لم يحمل أو عليئ الأمر على ذلك لاعتزاله ولذا قال فإنّ ما يبتدعونه لا يخلقه الله تعالى وقد أجاب عنه حفيد ابن هشام بأن الظاهر ما قاله أبو عليّ لأنّ من المسائل التي يجوز فيها ألاشتغال ما يجب النصب فيه ولا يصح الرفع على الابتداء وحينئذ فليس جواز الأمرين شرطا في صحة الاشتغال ويقويه تجويزهم له في سورة أنزلناها فإنه لا يصح فيه كون سورة مبتدأ أنزلنا خبره بل إذا جعل مبتدأ فأنزلنا صفته والخبر محذوف وهو الظاهر وقال العلوي في شرح الجامع إنّ ابن الشجري وابن هاشم لم يشترطا صحة الرفع على الابتداء حتى يقال إنّ فيه ما لا يصح فيه ذلك بل كونه قابلاً للابتدائية بناء على أنّ الأصل فيه جواز الرفع والنصسب وهو لا ينافي تعين النصب لعارض وتجويز الاشتغال في سورة أنزلناها كتجويز أبي عليئ فإمّا أن يمنع أو يتأوّل كما ذكر في وأخرى تحبونها فتأمل.
قوله: (إتل) قيل الظاهر اتلوا بصيغة الجمع لأنّ الخطابات التي بعده كذلك وهو بناء على ما اشتهر أنه لا يخاطب في كلام واحد اثنان فأكثر بدون تثنية أو جمع أو عطف ولنا فيه كلام فصلناه في طراز المجالس وزبدته إنه لما قال الزمخشري في قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ} في آل عمران إذ منصوب بإضماراً ذكر أورد عليه القطب أنه مشكل إذ يصير المعنى اذكر يا محمد إذ تصعدون أيها المصعدون الذين تركوا الرسول صلى الله عليه وسلم وفرّوا فالصواب اذكروا وأجاب بأنّ تقديره هذا على قراءة يصعدون بالتحتية وأجاب السعد بأنّ المراد جنس هذا الفعل فيقدّر اذكرو لا اذى أو هو من قبيل إذا طلقتم النساء وفيه أنّ نظم الآية وهو إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم الخ يأباه وما ذكروه من أصله غير وارد بل غير صحيح لأن ما قدروه من اذكر واتل ونحوه مما فيه معنى القول مصحح له بلا تأويل لأنه قول وما بعده مقول فالخطاب فيه محكيّ لتضمن عامله معنى القول أو تأويله به كما عرفت في مثله فيقصد لفظه حتى كأنه انسلخ عنه الخطاب أو تعدد قائله ومما يرشدك إلى ذلك نحو توله {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ *لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فخطاب قل للرسول صلى الله عليه وسلم من الله والخطاب بعده من الرسول صلى الله عليه وسلم للكفرة فكأنهما خطابان أو كلامان أو المقصود الأوّل وهو كثير كقوله في هذه السورة قل أطيعوا الله وفي الكشف إشارة له وهذا تحقيق لا ريب فيه فعليك أن تعض عليه بالنواجذ. قوله: (أو دونك) ردّه في البحر بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء وقيل عليه إنه لا يسلم إلا بدليل ودليله أظهر من الشمس وهو ضعفه في العمل لأنه عمل بالحمل على الفعل لكن ابن مالك أجاز في قوله:
يا أيها المائح دلوي دونكا
أن يكون دلوي فعولاً لدونك آخر مضمرا وزعم أنه مذهب سيبويه وهو موافق لما هنا إن
لم يشترط فيه ذكر مثله بعده وذكر ابن هشام في الباب الخامس من المغني أنّ شرط الحذف أن لا يؤذي إلى اختصار المختصر فلا يحذف اسم الفعل وما نقل عن سيبويه رحمه الله من حذفه تفسير معنى لا تقدير إعراب ومراده تقدير حذف الزم ونحوه. قوله: (وفرضنا ما فيها من الأحكام) يحتمل أن يريد أن المفروض أحكامها وهي مشتملة على غير الأحكام فأسند إلى الكل ما هو لجزئه كبني تميم قتلوا فلانا والقاتل أحدهم أو المفروض مدلولها لا هي فأسند ما لأحدهما للأخر لملابسة بينهما تشبه الظرفية أو هو على تقدير مضاف كما سأل القرية وقيل إنه مجاز في المفرد بعلاقة الحلول وهو بعيد لأنه إن تجوّز في السورة فالتوصيف بأنزلنا لا يناسبه وان كان في ضميرها على الاستخدام فهو خلاف الظاهر وفيما ذكر براعة استهلال. قوله: (وشدّده ابن كثير الخ) يعني أن التضعيف للتكثير في الحدث كطوّقت أو في المفعول ولو بواسط كما هنا فإنه لتكثير المفروض عليهم والمبالغة بزيادة الكيفية بشدة
لزوم الفرضي
والإيجاب وقد فسر بفصلناها فهو من الفرض بمعنى القطع ويجري فيه ما ذكر. قوله: (فتتقون المحارم) قال الإمام ذكر الله في أوّل السورة أنواعا من الأحكام والحدود وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله فرضناها إشارة إلى الأحكام المبينة أوّلاً، وقوله وأنزلنا فيها آيات بينات إشارة إلى ما بين من دلائل التوحيد ويؤيده قوله لعلكم تذكرون فإنّ الأحكام لم تكن معلومة حتى يؤمر بتذكرها، وأشار المصنف رحمه الله إلى جوابه بأن لعلكم تذكرون راجع للأحكام أيضا لأنه تذييل لجميع ما قبله والمقصود من التذكير غايته وهو اتقاء المحاربم فلا حاجة لما ذكر. قوله:(أي فيما فرضنا أو أنزلنا الخ) في كتاب سيبويه أمّا قوله عز وجل الزانية والزاني الخ وقوله: والسارق والسارقة الخ فإنّ هذا لم يبن على الفعل ولكنه مثل قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [سورة الرعد، الآية: 35] ثم قال فيها أنها رفيهاً كذا فإنما وضع المثل للحدث الذي بعده فذكر أخبارا وأحاديث فكأنه قال ومن القصص مثل الجنة أو مما يقص عليكم مثل الجنة فهو محمول على هذا الإضمار وكذلك الزانية والزاني لما قال سورة أنزلناها وفرضناها قال في الفرإئض {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [سورة النور، الآية: 2] ثم جاء فاجلدوهما فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع كما قال:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر وعلى هذا قوله: واللذان ياتيانها منكم فآذوهما،
وقد قرأ أناس والسارق والسارقة والزانية والزاني بالنصب وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوّة ولكن أبت العامة إلا الرفع في ذلك انتهى يعني أنّ النهج المألوف في كلام العرب إذا أ! يد بيان معنى وتفصيله اعتناء بشأنه أن يذكر قبله ما هو عنوان وترجمة له وهذا لا يكون إلا بأن يبنى على جملتين فالرفع في نحوه أفصح وأبلغ من النصب من جهة المعنى وأفصح من الرفع على أنه جملة واحدة من جهتهما معا لما عرفت ولما يلزمه من زيادة الفاء وتقدير إمّا ووقوع الإنشاء خبرا كما فصل في شرح الكتاب إذا عرفت هذا فههنا أمور منها إنه مرّ في المائدة قوله في الكشاف وقرأ عيسى بن عمر بالنصب وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر وتبعه ابن الحاجب وليس في كلام سيبويه شيء مما ذكراه كما سمعته ولم ينبهوا عليه، ومنها أنّ الشارح العلامة رحمه الله قال عندي أن مثل هذا التركيب لا يتوجه إلا بأحد أمرين زيادة الفاء كما نقل عن الأخفش أو تقدير أمّا لأنّ جواز دخول الفاء في خبر المبتدأ إفا لتضمنه معنى الشرط وامّا لوقوع المبتدأ بعد إمّا ولما لم يكن الأوّل وجب الثاني، وقيل ربما دخلت الفاء الخبر إذا كان في المبتدأ معنى يستحق به أن يترتب عليه الخبر كما في قوله: وقائلة خولان الخ فإنّ في هذه القبيلة شرفا وحسنا بسببه أمر بنكاح نسائهم وهو راجع إلى تضمن معنى الشرط وقد عرفت أنّ في أبتنائه على جملتين ما يغني عن هذا التكلف ومنها أنه قيل إنّ سبب الخلاف أنّ سيبويه والخليل يشترطان في دخول الفاء الخبر كون المبتدأ موصولا بما يقبل مباشرة أداة
الشرط وغيرهما لا يشترط ذلك وليس هذا مبني الكلام وإنما هو من عدم الوقوف على المقصود لما مرّ. وقوله حكمهما إشارة إلى أنّ في الكلام مضافا مقدراً وإذا بني الكلام على جملتين فالفاء سببية لا عاطفة وقيل زائدة. قوله: (لتضمنها) وفي نسخة لتضمنهما وهي أظهر وقوله وقرئتا بالنصب على إضمار فعل الخ قيل دخلت الفاء لأنّ حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الإجمال في قوله فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ويجوز أن تكون عاطفة والمراد جلداً بعد جلد وذلك لا ينافي كونه مفسراً للمعطوف عليه لأنه باعتبار الاتحاد النوعي ولا يخفى أنّ المفسر إذا كان فيه إيضاح وتفصيل يعطف بالفاء وقد يعطف بالواو أمّا إذا اتحد لفظهما فلم يعهد عطفه عند النحاة ولو جازت المغايرة المذكورة لجاز زيدا فضربته وهو ممنوع بالاتفاق وما ذكر تكلف لم نر أحدا ذكره من النحاة فالظاهر ما قاله ابن جني من أنها جوابية لما في الكلام من معنى الشرط ولذا حسنت مع الأمر كما أشار إليه المصنف لأنه في معناه ألا تراه جزم جوابه لذلك إذ معنى أسلم تدخل الجنة إن تسلم تدخل الجنة والمراد كما في بعض شروح الكشاف إن أردتم معرفة حكم الزانية والزاني فاجلدوا الخ ولذ لم يجز زيداً فضربته لأنّ الفاء لا تدخل في جواب الشرط إذ كان ماضياً، وتقديره إن أردتم معرفة الخ أحسن من تقدير إن جلدتم لأنه لا يدلّ على الوجوب
المراد وقال أبو حيان إنّ الفاء في جواب أمر مقدو أي تنبهوا لحكمهما فاجلدوهما، وفي شروح الكشاف هنا كلام لا يخلو من الخلل. قوله:(للأمر) وفي نسخة لأجل الأمر علة لكونه أحسن لأنه في باب الاشتغال يختار النصب إذا كان بعده أمر إذ لو رفع على الابتداء لزم وقوع الإنشاء خبراً وهو لا يكون بدون تأويل وقوله والزان بلا ياء أي قرىء الزان بلا ياء لحذفها تخفيفاً وقوله وإنما قدم الخ ولذا عكس في السرقة لغلبتها في الرجال والمفسدة اشتباه النسب وزيادة العار المتعدّي، والزانية في الأصل بمعنى المزنى بها. وقوله والجلد ضرب الجلد لأنّ فعل المفتوح العين الثلاثيّ اطرد صوغه من أسماء الأعيان لإصابتها كرأسه أصاب رأسه وعانه أصاب عينه كما في التسهيل. وقوله لما دل ما عبارة عن الدليل وهو الأحاديث المشهورة، وقيل إنها منسوخة في حى المحصن. وقوله بالبكر هي من لم تجامع في نكاح صحيح كما ذكره الكرماني. قوله:(وليس في الآية ما يدفعه الخ) في الهداية لنا قوله تعالى {فَاجْلِدُوا} الآية جعل كل الموجب رجوعا إلى حرف الفاء أو إلى كونه كل المذكور والحديث منسوخ كشطره وهو الثيب بالثيب جلد مائة ورجم الحجارة ثم قال إلا
أن يرى الإمام في ذلك مصلحة فيعزره على قدر ما يرى وذلك تعزير وسياسة لأنه قد يفيد في بعض الأحوال فيكون الرأي إلى الإمام انتهى، يعني أنّ ما ذكر وقع موقع الجزاء مبيناً لما يترتب على الزنا ويجازى به فلا بد أن يكون جميع جزائه درالا كان تجهيلا في مقام البيان فكأنه قيل ليس له إلا الجلد وحينئذ يعارضه الحديث فيكون ناسخاً ومنه ظهر الجواب عما قاله المصنف رحمه الله من طرف الشافعي من إثباته بالحديث وعدم نسخه لأنه لا يسلم كون ما بعد الفاء جميع الجزاء ولا يقول بأنه تعزير لأنه لا جمع بين الحد والتعزير بسبب واحد فإنه غير مسلم
فهو أمر للسياسة موكول لرأي الإمام وما قيل من أن الفاء للجزاء وهو ما كان كافياً لأنه من جزأ بالهمز أي كفى وهو على إختيار الفراء والمبرد في إعراب الآية على ما مرّ وأنّ قوله الزانية والزاني شروع في بيان حكم الزنا ما هو فكان الصذكور تمام حكمه د والا كان تجهيلاً لا بيانا وتفصيلاً إذ يفهم منه أنه تمام وليس بتمام في الواقع فكان مع الشروع في البيان أبعد من البيان
لأنه اوقع في الجهل المركب وكان قبله في البسط وهذا يعم المذاهب في إعراب الآية فيه أنّ الجزأء مصدر جازيته جزأء وهو منقوص بلا شبهة كما يدلّ عليه الاستعمال واللغة وقلب حرف العلة فيه همزة لتطرفه كما في كساء وأمّا جزأ وأجزأ المهموز فهو مادة أخرى فهو خلط في اللغة
غير محتاج إليه ثم إنه كيف يكون تمام حكمه وليس فيه حكم المحصن والعبد فكيف يقال إنه تفصيل للحكم فالظهر أنّ الآية مجمل مبينة بفعله صلى الله عليه وسلم الثابت بالأحاديث المحيحة فتأمّل. قوله:
(شمخا مقبولا أو مردودا) الزيادة على نص الكتاب عند علمائنا نسخ وعند الشافعيّ بيان مخصص حتى يجوز بخبر الوأحد والقياس ولا يقبل ذلك عندن! فقوله مقبولاً أو مردود إشارة
إلى مذهب الحنفية وفي الكشاف ما احتج به الشافعيّ على وجوب التغريب من قولهءتجيئ والبكر بالبكر الخ منسوخ أو محمول على التعزير والتأديب من غير وجوب واعترض عليه بأنه بناء على أنّ الزيادة على النص نسخ ولا ينسخ الكتاب بخبر الآحاد والحديث المذكور في مسلم والترمذيّ وأبي داود كما مر في سورة الشساء فلو سلم لهم الأصل الأوّل لا يسلم الثاني فأفا المروي عن الصحابة فلا يحتمل النسخ أصلا وردّ بأنّ قوله منسوخ متعلق بالحديث وقوله أو محمول جواب ثاني عن الحديث بما يصلح جوابا عن فعل الصحاية وليس بإجماع منهم ولو
كان إجماعا لصلح كاشفا عن ناسخ الآية على المذهبين وقال الطيبي ما رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم ضرب وغرّب وأنّ أبا بكر رضي الله عنه ضرب وغرّب وأنّ عمر رضي الله عنه ضرب وغرّب ولا يعلم منكر إجماع والحمل على التعزير لا وجه له إذ لا
يجتمع مع الحد انتهى ولا يخفى حاله أمّا الإجماع فكيف يتأتى مع مخالفة كثير كالإمام وغيره ولو سلم لكان ناسخاً كما تقرّر في الأصول فكان لظاهر الاقتصار على الجواب الثاني على ما فيه. قوله: (وله في العبد الخ (الأقوال عدم التغريب أو التغريب سنة أو نصفها. قوله: (وهو مردود الخ (كما في البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
قال جاء اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا أنّ رجلاً منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقال عبد القه بن سلام رضي الله عنه ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما ولا دليل عليه قال الكرماني الأصح أنه! هـ كان متعبداً بشرع من قبله ما لم يكن منسوخا وقيل إنما سألهم ليلزمهم ما يعتقدونه وقد قيل إنه! يم كان أوّل ما قدم المدينة يحكم بالتوراة ثم نسخ، وفيه بحث. قوله:(إذ المراد بالمحصن الذي يقتص! له من المسلم (قيل هذا تقييد للإطلاق بغير دليل وأكثر استعمال الإحصان في إحصان الرجم وفيه نظر لأنهم قالوا الدليل عليه ما مرّ من حديث البخاري وغيره فتأمل. قوله:) رأفة رحمة (فسرها هنا بالرحمة وفي البقرة تبعا للجوهري بأشد الرحمة وقال في قوله لرؤوف رحيم قدم الرؤوف مع أنه أبلغ محافظة على رؤوس الفواصل وفيه أنّ الرأفة حيث قارنت الرحمة قدمت سواء الفواصل وغيرها ألا تراها قدمت في قوله رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها وهي في الوسط فلا بد لتقديمها من وجه آخر وكونها أبلغ لا وجه له وان تفرد به الجوهري فقد فسرت في العين والمجمل وغيرهما بمطلق الرحمة وهي عند التحقيق نوع من الرحمة الحقيقية وهو التلطف والمعاملة برفق وشفقة ويقابلها العنف والتجبر فينبغي تقديمها على الرحمة بمعنى الأنعام كما في المثل الإيناس قبل الأساس وقال:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله
ومما يعنيه أنّ معاوية رضي الله عنه سأل الحسن رضي الله عنه وكرّم وجه أبيه عن الكرم
فقال هو التبرع بالمعروف قبل السؤال والرأفة مع البذل وقال سفيان بن عيينة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية أي لا تبطلوا الحد شفقة عليهما وقال قيى الرقيات:
ملكه ملك رأفة ليس فيه جبروت منه ولاكبرياء
…
وقال ابن المعتز:
فحلماً وإبقاء ورأفة واسع بالأنعام لا كبر ولا متضايق
…
وقال ابن نباتة السعدي:
وخير خليليك الصفيين ناصح يغصك بالتعنيف وهورؤوف
…
وفي نهج البلاغة ليرئف كبيركم بصغيركم وهذا كله مما ورد به استعمال البلغاء شاهد لا
يقبل الرشا وإنما أطلنا فيه لأنهم اغترّوا بكلام الجوهرفي رحمه الله وظواهر اللغة المبنية على التسامح فارتكبوا تكلفات لا حاجة إليها كما قيل الرأفة أشد الرحمة أو أن يدفع عنك المضار والرحمة أن يوصل إليك المسار فإن فسر بالأوّل لزم التكرار والانتقال من الأعلى إلى الأدنى فلا بد من الثاني وفسر الرؤوف في شرح المواقف بمريد التخفيف على العبيد. قوله: (فتعطلوه) بالترك أو تسامحوا فيه بالتخفيف. وقوله لو سرقت فاطمة الخ بعض حديث في البخاريّ عن عائشة رضي الله عنها: " أنّ قريشاً أهمهم أمر المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترىء عليه إلا أسامة حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب فقال أيها الناس إنما ضل من قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحذ وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ".
تنبيه: فاطمة هذه بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية صحابية رضي الله عنها سرقت فقطعها النبيّ صلى الله عليه وسلم وقيل هي أم عمر وبنت نعيصان المخزومية وفي قوله لو سرقت فاطمة نكتة لأنّ اسم السارقة فاطمة أيضاً وقوله بنت محمد روي مرفوعاً ومنصوباً وكانت شريفة في نسبها وكانت سرقت قطيفة وقيل حلياً وضرب لها مثلاً بالزهراء رضي الله عنها لنزاهته. قواسه: (فعالة) بفتح الفاء مصدر أو اسم مصدر كالسآمة والكآبة وقول الشارح الطيبي إنها شاذة كأنه اراد أنه في هذه الماذة قليل الاستعمال بالنسبة إلى الرأفة بالسكون والا ففعالة في المصادر كثير وليس شذوذه في القراءة لأنها قراءة قنبل كما ذكره الجعبرفي رحمه الله. قوله:) وهو من باب التهييج) كما يقال إن كنت رجلاً فافعل كذا ولا شك
في رجوليته وكذا المخاطبون هنا مقطرع بإيمانهم لكن قصد تهييجهم وتحريك حميتهم وعزتهم لله فلا يتوهم أنه ليس المحل محل إن لأنه لبس المقصود به الشك بل التهييج لإبرازه في معرضه.
قوله: (والطائفة الخ) قيل هذا مخالف لما مرّ في سورة التوبة وتحقيق المقام على وجه تندفع به الأوهام إنّ الطواف في الأصل الدوران أو الإحاطة كالطواف بالبيت والطاثفة في الأصل اسم فاعل مؤنث فهو إمّا صفة نفس فتطلق على الواحد أو صفة جماعة فتطلق على ما فوقه وهو كالمشترك بين تلك المعاني فيحمل في كل مقام على ما يناسبه بحسب القرائن فلا تنافي بينها، قال الراغب: الطائفة من الناس جماعة منهم ومن الشيء قطعة، وقال بعضهم: قد تقع على واحد فصاعدا فهي إذا أريد بها الجمع جمع طائفة دماذا أريد بها الواحد يصح أن تكون جمعاً كني به عن الواحد ويصح أن تكون كراوية وعلامة انتهى وفي حواشي العضد للهروي يصح أن يقال للواحد طائفة وبراد بها النفس الطائفة فهو من الطواف بمعنى الدوران وفي شرح البخاريّ حمل الشافعي الطائفة في مواضع من القرآن على أوجه مختلفة بحسب المواضعفهي في قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ} [سورة التربة، الآية: 122] واحد فأكثر واحتج به على قبول خبر الواحد وفي قوله: وليشهد عذابهما طائفة أربعة وفي قوله: فلتقم طائفة منهم معك ثلاثة وفرقوا في هذه المواضع بحسب القرائن أمّا في الأولى فلأنّ الإنذار يحصل به وأمّا في الثانية فلأنّ التشنيع فيه أشد وأمّ في الثالثة فلذكرهم بلفظ الجمع في قوله: فليأخذوا أسلحتهم وأقله ثلاثة وكونها مشتقة من الطواف لا ينافيه لأنه يكون بمعنى الدوران أو هو الأصل وقد لا ينظر إليه بعد الغلبة فلذا قيلى إنّ تاءها للنقل فلها معان وفيها اختلاف فلا يرد الاعتراض على المصنف رحمه الله ولا يصح إطلاق القول بأنّ إطلاقها على الواحد لا أصل له في اللغة. قوله تعالى: {لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً} الخ جوّز فيه أن يكون معناه ما في الحديث من أنّ من زنى تزني امرأته ومن زنت امرأته يزني زوجها. قوله: (وكان حق المقابلة الخ (وفي نسخة العبارة وتنكح قيل إنه بصيغة المجهول وكان الظاهر أن يقول لا تنكح إلا زانيا على البناء للفاعل لكنه ساق الكلام على مذهبه من أق النساء لا حق لهن في مباشرة العقد وفيه إنه وان قال بأنه لا يصح عقدهن مطلقا لحديث لا نكاج إلا بوليّ لكن إسناد النكاح والتزوّج إلى كل
منهما صحيح عنده وقد صرّح به في تفسير قوله تعالى {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ولك أن تقول إنه هنا مبنيّ للفاعل بتضمينه معنى تقبل النكاح منه وإنما اختاره إشارة إلى مذهبه وهو المناسب لمقابله ولو كان مجهولاً وفاعله المقدّر الوليّ عاد الذم إليه وليس بمراد. قوله: (نزلت في ضعفة المهاجرين الخ) المراد بالضعفة جمع ضعبف الفقراء ولما بالفتح والتشديد أو الكسر والتخفيف ويكرين بضم الياء وسكون الكاف من الإكراء يقال أكريت واكتريت واستكريت ولينفقن متعلق بقوله يتزوّجوا لا بيكرين أوهموا لأنّ الصحابة رضي الله عنهم أورع من أن يصدر مثله عنهم والوارد في كتب ا- لحديث كما رواه ابن أبي شيبة عن ابن جبير أنه قال كن بغايا بمكة قبل الإسلام فلما جاء الإسلام أراد رجال من أهل الإسلام أن يتزوّجوهن فحرّم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره العراقي وابن حجر فينبغي تنزيل ما هنا عليه لكن الظاهر منه أنّ الآية مكية. قوله: (ولذلك قدّم الزاني) أي لكون المراد بيان ما نزلت له من أحوال الرجال! وتقديم الزانية أولاً لما مرّ. وفي الكشاف أنه لأنّ الآية مسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه وقوله لسوء القالة هي كما قاله الراغب كل قوله فيه طعن فعطف الطعن للتفسير وقيل هي ما تيسر من القول وقال الخليل القالة تكون بمعنى القائلة، وفي نسخة المقالة وهو مصدر ميمي بمعنى القول. وقوله عبر عن التنزيه بالتحريم على أنه بالمعنى اللغوي وهو المنع مطلقاً ولو تنزيهاً أو المراد معناه المعروف على التشبيه البليغ أو الاستعارة وهو جواب عن أنه غير حرام ولو ممن زنى. قوله:) وقيل النفي) في قوله لا تنكح فهو خبر بمعنى الطلب كيرحمه الله وعلى الأوّل هو باق على حقيقته وإنما أبقى الحرمة على ظاهرها لأنّ حمله على التنزيهيئ تأويل وجعله خبراً بمعنى النهي تأويل آخر فهو تكلف أمّا على الخبرية فلا بأس به، وقوله مخصوص بالسبب وهو النكاح للتوسع بالنفقة من كرائهن، وهو مراد الطيبي إذ فسره بنكاج الموسرات
وقيل المراد به سبب النزول وهو ما ذكر. قوله: (أو منسوخ بقوله وأنكحوا الآيامى إلى آخره) أورد عليه في الكشف أن العامّ إذ ورد بعد الخاص حمل على الخاص عند الشافعية وعند الحنفية هو ناسخ له فلا يتمشى ما ذكره المصنف على أصولهم وردّ بأنّ الشافعيّ قال في الأمّ اختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافاً متباينا فقيل هي عامّة ولكن نسخت بقوله وأنكحوا الأيامى الخ وقد رويناه عن سعيد بن
المسيب وهو كما قال وعليه دلائل من الكتاب والسنة فلا عبرة بما خالفه هذا محصله قال البقاعيّ فقد علم أنه لم يرد أنّ هذا الحكم نسخ باية الأيامى فقط بل مع ما انضم إليها من الإجماع وغيره من الآيات والأحاديث بحيث صير ذلك دلالتها على ما تناولته متيقنة كدلالة الخاص على ما تناوله فلا يقال إنه خالف أصله في أنّ الخاص لا ينسخ بالعامّ لأنّ ما تناوله الخاص متيقن وما تناوله العامّ مظنون فالقاعدة عندهم مخصوصة بما لم يقم دليل ظاهر على بقاء العموم على عمومه بل لا حاجة إلى التخصيص لأنّ الناسخ في الحقيقة دليل العموم لا العامّ وحد. واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: ويؤيده الخ وعلى هذا حمل قول ابن عباس رضي الله عنهما كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث لكن في قوله: الإجماع مع خلاف عائشة رضمي الله عنها ومن تابعها نظر. قوله: (يتناول المسافحات (السفاح الزنا من سفحت الماء صببته وتسميتها مسافحة وهي مسفوج بها كالزانية للمزنى بها مجاز صار حقيقة عرفية. وقوله: ويؤيده أي يؤيد النسخ وهو إشارة إلى ما مرّ وقيل معناه يؤيد ما عرفته من أن الحرمة غير متحققة الآن وإنما قلنا ذلك لأنّ الحديث لا اختصاص له بالنسخ فإنه يجامع الاحتمالين الأوّلين أي التنزيه والتخصيص ولا يخفى أنه غير مناسب لما قرّره قبيله ولا لما ارتضاه من كلام البقاعيّ. قوله: (فيؤول إلى نهي الزاني الخ) في الكشف أق الغرض النهي مبالغة لا مجرّد الأخبار فيكون المعنى نهي الزاني عن الزنا إلا بزانية وبالعكس كما ذكره المصنف وهو ظاهر الفساد لأنه إذن للزنا بالزانية وهو مراد التقريب بقوله: لأنه غير مسلم إذ قد يزني الزاني بغير زانية بأن يعلم أحدهما الزنا ويجهله الآخر أو يكره عليه فلو لم يفسد لزم أن لا يحرّم هذا وليس كذلك وليس غرضمه لزوم الكذب فيه حتى يغاير كلامه كلام المصنف رحمه الله كما قيل (وفيه بحث (لأنّ النظم يحتمل النهي والخبر وعلى الثاني يلزم الكذب وقال أبو حيان لك أن تقول يجوز إبقاء النفي على ظاهره والمقصود تشنيع أمر الزنا ولذلك زيدت المشركة. والمعنى أن الزاني في وقت زناه لا يجامع إلا زانية من المسلمين أو أخس منها لكنه مكرّر لأنه كقوله الخبيثات للخبيثين. قوله: (يقذفونهن بالزنا الخ الما كان الرمي مطلقا والمراد به قذف مخصوص أشار إلى قرينة الخصوص بقوله لوصف الخ، وقوله: واعتبار أربعة شهداء لأنه معلوم قبل أنه مخصوص بالزنا كما يقتضيه السياق فلا يرد عليه أنّ فيه مؤنة بيان تأخير نزول هذه الآية عن قوله فاستشهدوا عليهن أربعة لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن قوله ثم لم يأتوا بأربعة شهداء الخ في محله وقوله
والقذف بغيره الخ قيل فيه شبه المصادرة وليس بشيء لأنه ليس المراد إثبات ما ذكر بهذه الآية بل بيان أنه المراد بعد تقرّر ما ذكره في الشريعة ولم يذكر ما في الكشاف من قوله يا كافر لأنه بغير تأويل عند الشافعية يوجب كفره ورذته لا التعزير كما في الروضة لحديث من كفر مسلما بغير حق فقد كفر ولا يرد هذا الزمخشريّ كما ظنه الطيبي رحمه الله لأنه يوجب التعزير عندنا كما في الهداية. قوله: (وتخصيص المحصنات الخ) يعني الظاهر من المحصحنات النساء العفائف والحكم عامّ للرجال، وما قيل إنّ المراد الفروح المحصنات لقوله والتي أحصنت فرجها قياس مع الفارق لعدم التصريح بالفرج هنا واسناد الرمي يأباه ولما في التوصيف بالمحصنات من مخالفة الظاهر وأقرب منه أن يراد الأنفس المحصنات ولذا قيل والمحصنات من النساء إذ لولا أنه صالح للعموم لم يقيد، وامّا أنه ثمة قرينة بخلاف ما هنا فممنوع إذ كون حكم الرجال كذلك قرينة فتأمّل. قوله: (لخصوص الواقعة الأنها نزلت في امرأة عويمر كما في البخاريّ، وقوله أغلب وأشنع قيل عليه إنّ فيه إخلالاً بثبوت الحكم في المحصن بدلالة النص والجواب أنّ المصنف رحمه الله شافعيّ لا يلحقه بالدلالة بل بالإجماع أو الحديث أو القياس، وقيل إنّ العبارة إنما هي أشيع بالياء التحتية ولا يخفى
أن كونه أشنع لا نزاع فيه فتأمّل. قوله: (ولا يشترط اجتماع الشهود الخ) هذا مما خالف فيه أبو حنيفة رحمه الله فاعتبر الاجتماع واتحاد المجلس وجوّز شهادة الزوج معهم إلا أنّ الفرق بينه وبين غيره أنه يلاعن وهم يحدون إذا لم تصادف الشهادة محلها. قوله: (وليكن ضربه أخف من ضرب الزنا الخ (ضعف سببه ظاهر لأنه ليس بزنا بل إعلام به وفوله احتماله أي للصدق والكذب لأنه خبر وفي الهداية لا يجرّد من ثيابه لأنه سبب غير مقطوع به فلا يقام على الشدّة بخلاف الزنا ولما كان المحتاج إلى الفرق حد القذف والزنا فرقوا بينهما وأمّا التعزير فلا يثتبه حاله فلذا لم يفرق بينهما وكون الضرب تعزيراً أشد مذهب الشافعيّ رضي الله عنه فما قيل إنه يرد عليه النقض بضرب التعزير إذا كان المقذوف غير محصن فإنه أشد من ضرب الزنا مع فيام العلة المذكورة فيه غير وارد لأنه إن أراد أنه أشدّ كما فظاهر الدفع وان أراد كيفا فغير مسلم لأنّ كون أربعين شديدة أشد من مائة معتدلة غير متحقق ولو سلم فالمصنف رحص4 الله شافعيّ المذهب يرى التغريب في حد الزنا فلا يتصوّر كونه أشد منه عنده وما قيل إنه بعد تسليم صحة ما ذكر على مذهب المصنف رحمه الله بينهما تفاوت فاحش من حيث العدد فإنّ ضرب التعزير قليل فلو جرى فيه التخفيف من حيث الوصف أذى إلى فوات المقصود وهو الانزجار بخلاف حد القذف ليس بشيء لما مرّ وحديث الانزجار واه لأنّ أدنى التعزير ثلاث فاذا انزجر بها فلم لا ينزجر بأربعين حقيقة مع أنه ربما كان بالعتاب ونحوه. قوله: (ولا تقبلوا لهم شهادة) في التلويح هو من قبيل {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ} فهو أبلغ من لا تقبلوا شهادتهم وأوقع في النفس لما فيه من الإبهام ثم التفسير وقوله أيّ شهادة لأنه نكرة في سياق النفي وقوله لأنه مفتر أي كامل الافتراء أو متحقق الافتراء لحكم الشارع بفسقه فخرج قاذف غير المحصن والقول بأنه من تمام الحدّ لا يوافق مذهب المصنف رحمه الله. قوله: (خلافاً لأبي حتيفة رحمه الله قيل لأنّ تعلق الجزاء على المعطوف بواسطته ولذلك إذا قال لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق يقع واحدة كما تقرّر في الأصول وفي دلائل الإعجاز جزاء الشرط قسمان جزاء للشرط ابتداء كقولك إن جاء زيد أعطه واكسه وقسم يعتبر جزاء بواسطة الجزاء الأوّل كقولك إذا رجع الأمير استأذنت وخرجت أي وإذا استأذنت خرجت ولأبي حنيفة أن يقولط لما لم يرجح هنا أحد المعنيين على الآخر والأصل قبول الشهادة وقع الشك في الردّ قبل الجلد فلا يردّ بالشك لأنه من جملة الحد المندرىء بالشبهات ولا يخفى أنه غير مسلم عند الخصم كما أشار إليه بقوله ولا ترتيب بينهما فكيف يلزمه بما لا يعترف به مع أنّ الشرطية هنا غير متحققة لجواز كونه مفعول فعل مقدّر على طريقة الاشتغال وذكر المصنف للشرطية من إرخاء العنان وهو لا يجعل عدم القبول من تمام الحد لأنّ الحدّ فعل يلزم الإمام إقامته كما في التلويح. قوله: (وحاله قبل الجلد أسوأ مما بعده) قيل لاجتماع الحقين عليه حق الله وحق العبد وفيه أنه إذا أريد أنه أسوأ حالاً عند الناس فظاهر أنه ليس كذلك وان أريد عند الله فالمعتبر في الشهادة ما عند الناس وفيه أنه قد يقال إنه أسوأ حالاً عند الله وعند الناس لأنّ الاستسلام للحد توبة عند المصنف والفاسق قبل التوبة أسوأ منه بعدها ومن عليه حقان أسوأ ممن عليه حق وهذ ظاهر لا ينكر والذي جنح إليه هذا القائل إنه إذا ضرب بمحضر من الناس يكون أحقر وأسوأ حالاً عندهم لكنه وان عد قبيحا بحسب العقل القاصر فليس قبيحاً بحسب الشرع. قوله: (ما لم يتب) هذا بناء على أنّ الاستثناء راجع إلى جميع ما قبله وسيأتي تحقيقه وقيل بل إلى آخر أوقات أهليتهم للشهادة ولذلك قبلى شهادة الكافر المحدود في قذف بعد إسلامه لحدوث أهلية أخرى وردّ بأنهم لا يقبلون شهادة الكافر مطلقا فبنى المصنف رحمه الله كلامه على ما هو المتفق عليه بين الأئمة وفي الكشاف فإن قلت الكافر يقذف فيتوب عن الكفر فتقبل شهادته بالإجماع والقاذف من المسلمين يتوب عن القذف فلا تقبل شهادته عند أبي حنيفة رحمه الله كأنّ القذف مع الكفر أهون من القذف بعد الإسلام قلت المسلمون لا يعبؤون بسب الكفار لأنهم شهروا بعداوتهم والطعن فيهم بالباطل فلا يلحقه بقذف الكافر من الشين
ما يلحقه بقذف مسلم مثله فشدّد على المسلمين ردعا وفي الفرائد أبو حنيفة لا يحتاج إلى هذا الجواب الضعيف والكافر إنما قبلت شهادته بعد الإسلام لأنها غير شهادة الكفر
لأنها مستفادة من الإسلام فلم تدخل تحت الرد ويدل عليه أنّ شهادته مقبولة بعد الإسلام على المسلم والذمي وتلك الشهادة غير مقبولة على المسلم ولو كان كما قال من عدم لحوق الشين لوجب أن لا يحذ لعدم اعتبار قذفه وقال في الكشف كونه غير شهادة الكفر مسلم أمّا عدم الدخول تحت الرد فلا لأن قوله لا تقبلوا لهم شهادة أبداً عام لم يقيد بحال كفرهم أو إسلامهم ولا بالشهادة التي لهم الاتصاف بها حال القذف أو بعده وأمّا قوله: لوجب أن لا يحدّ فممنوع لأنّ حاصله أنّ ما لحق المسلم من قذف مسلم مثله أشدّ في إلحاق الشين به فزيد في حذه عدم قبول الشهادة وهذا لا يقتضي عدم المؤاخذة في شأن الكافر بل يقتضي مؤاخذة أسهل وفي هذا المقام كلام طويل الذيل تركناه خوف السآمة. قوله:) وأولئك هم الفاسقون المحكوم بفسقهم) فيه إشارة إلى أنهم ليسوا بفسقة في نفس الأمر وإنما حكم بفسقهم لما سيجيء قيل وهو غير داخل في حيز الجزاء بدليل عدم المشاركة في الشرط فإنه جملة خبرية غير مخاطب بها الأئمة لافراد الكاف في أولئك بخلاف ولا تقبلوا لهم شهادة فهو عطف على الجملة الاسمية أي الذين يرمون الخ أو مستأنف لحكاية حال الرامين عند الشرع الحاكم بالظاهر لا عند الله العالم بالسرائر وهو ردّ على الزمخشريّ في قوله: عند الله فإنه لا يصح مع قوله: سبب عقوبته محتمل للصدق وأجيب بأنه لا ينافيه لأنه إذا صدق ولم يكن له شهداء فقد هتك ستر المسلم لغير مصلحة وهو مأمور بصونه فهو فاسق عند الله أيضا آثم بفعله، وهذا مقرّر في كتب الأصول لكنه أورد عليه في التلويح أمورا منها أنّ عطف الخبر على الإنشاء وعكسه لاختلاف الأغراض شائع ومنها أن إفراد كاف الخطاب مع الإشارة جائز في خطاب الجماعة كقوله: ثم عفونا عنكم من بعد ذلك على أنّ التحقيق أنّ الذين يرمون منصوب بفعل محذوف على المختار أي اجلدوا الذين الخ فهو أيضا جملة فعلية إنشائية مخاطب بها الأئمة فالمانع المذكور قائم هنا مع زيادة العدول عن الأقرب إلى الأبعد، ولو سلم أن الذين مبتدأ فلا بد في الإنشائية الواقعة موقع الخبر من تأويل وصرف عن الإنشائية عند الأكثر وحينئذ يصح عطف أولئك هم الفاسقون عليها، وقال الزمخشري: أولئك هم الفاسقون بمعنى فسقوهم، وما قيل من أن التأكيد بضمير الفصل والاسمية ياباه لا وجه له وقوله عند الله ليس في بعض النسخ ولو سلم فعند الله كما يستعمل بمعنى في علمه يكون بمعنى في حكمه وشرعه فلا فرق بينه وبين تفسيره وأمّا ما ذكره من هتك الستر فحسن كما في التلويح. قوله:(ومنه) أي التدارك أوالإصلاح والاستسلام الانقياد، وقوله: والاستثناء راجع إلى أصل الحكم يعني أنّ المستثنى منه الرامون فهو داخل فيهم متصل حينئذ والاستثناء الإخراج من الحكم وهو في القضية الشرطية حقيقة أو تأويلا لاقتضائه الشرط واستلزامه لما ذكر في الجزاء فإذا خرج من حكمه بطل في حق التائب اللزوم للجزاء فإذا تاب واستسلم للحدّ لا يجلد مرّة أخرى وإذا استحل لا يجلد أصلا وتقبل شهادته عند المصنف
فظهر تفرع قوله ولا يلزمه سقوط الحد وفي قوله لهذا الأمر لطف وفي نسخة الأمور وفي نسخة الحكم فلا يرد أنه يستلزم سقوط الحد بالتوبة وهو خلاف الإجماع ولا حاجة إلى ما قيل إنه استثناء من الجميع ومنع الإجماع من تعلقه بالجلد ولأنه حق العباد وفي الكشف أنّ الأولى من هذا ما أشار إليه القاضي من أنّ الاستسلام للحد من تتمة توبته فكيف يعود إليه، وهذا أحسن جدا وهو تدقيق منه قدّس سرّه وقد أوضحناه بما لا مزيد عليه فلا يرد عليه أنه يلزمه أن يكون استثناء متصلا مع أنه غير مخرج من الحكم. قوله: (لآنّ من تمام التوبة (قيل الظاهر أن تمام التوبة من تمام الاستثناء فإنّ الإصلاح معطوف على التوبة فهو ليس نفسها ولا جزءا منها ثم مراده على ما نبهت عليه أنّ الاستثناء راجع إلى الأمور الثلاثة في الرامي فإذا استسلم وجلد وقد تاب من القذف تقبل شهادته ولا يحكم بفسقه فلا يتحقق الجمع المذكور وإذا استحل من المقذوف وتاب لا يتحقق واحد منها لأنّ طلب المقذوف شرط الجلد وأورد عليه أنه يلزمه سقوط الحد بمجرّد الاستسلام كالاستحلال وكذا يلزمه قبول شهادته قبل الحد
وهو خلاف مذهب الشافعيّ وأيضا اللازم عدم أقتضاء الشرع مجموع هذه الأمور وهو متحقق بنفي الفسق فقط والردّ متيقن فلا يزول بالشك وهذ هو المناسب لمذهب أبي حنيفة رحمه الله بخلاف ما ذكره ذلك القائل فتدبر وقوله ومحل المستثنى الخ لأنه من كلام تامّ موجب. قوله: (وقيل إلى النهي الخ) ذكر. ابن الحاجب في أماليه حيث قال إنه لا يرجع إلى الكل أما الجلد فبالاتفاق وأمّا قوله وأولئك هم الفاسقون فلأنه إنما جيء به لتقرير منع الشهادة فلم يبق إلا الجملة الثانية وأورد عليه أنه إن أراد بالتقرير التأكيد فهو مانع للعطف وأن أراد التعليل فهو بالفاء وهو غير وارد لأنّ مراده أنّ ذلك معلوم منه بقرينة السياق كما تقول ضربت زيداً وهو مهين لي يفهم منه أنّ ضربه للإهانة فلا ينافي كونه للتقرير والتعليل فتدبر. قوله: (قيل إلى الأخيرة الخ (هذ بناء على أنّ مذهب أبي حنيف رحمه الله أنّ الاستثناء لا يرجع إلى جميع السوابق بدليل أنه لا يرجع إلى الجلد اتفاقاً وذهب الزمخشريّ إلى أنّ بناء الخلاف ليس على هذا بل على أن قوله وأولئك هم الفاسقون جملة منقطعة عن الأوّلين عند أبي حنيفة فيتعلق الاستثناء بها لا محالة ومسألة الاستثناء بعد متعدّد مقترن بالواو اختلف فيها الأصوليون فقال الشافعيّ يعود للجميع وقالت الحنفية للأخيرة وقال الغزاليّ والقاضي بالوقف والمرتضى بالاشتراك وأبو الحسين إن تبين الإضراب عن الأولى فللأخيرة مثل أن يختلفا نوعا أو اسماً وليس الثاني ضميره أو حكما غير مشترك في غرض والا فللجميع والمختار عند ابن الحاجب أنه إن ظهر الانقطاع فللأخيرة أو الاتصال فللجميع والا فالوقف وفي التلويح وشرح العضد أنه لا خلاف في جواز كل وإنما الخلاف في الأظهر منها واختلفوا في اشتراط التعاطف بالواو وعدمه هذا محصل كلامهم في
هذه المسألة وأمّا النحاة فقل من تعرّض لها منهم والذي ذكره ابن مالك في التسهيل أنّ الظاهر في المفردات عوده إلى الجميع ما لم يمنع مانع أو يظهر مرجح وأمّا الجمل فإن اتحل! معمولها فكذلك هالا فلا يجوز وفي شرح اللمع أنه يختص بالأخيرة وأنّ تعليقه بالجميع خطأ للزوم تعدد العامل في معمول واحد إلا على القول بأن العامل إلا أو تمام الكلام قبله ومنه يعلم ما في قوله الأصوليين أنه يجوز الجميع بلا خلاف وإنما الخلاف في الأظهر لأنّ الخلاف فيه مبنيّ على عامل الاستثناء فالظاهر أنّ الخلاف في صحته إلا ان يقال نظر الأصولي غير نظر النحوي أو أنه يقدر معمولاً لأحدها وبقدر مثله للآخر وكذا إذا اقتضى الاستثناء الإتباع وتعدّد إعراب المستثنى منه وما نقل عن البحر أنّ ابن مالك رحمه الله استثنى من ذلك ما إذا اختلف العامل والمعمول كقولك إكس الفقراء وأطعم أبناء السبيل إلا من كان مبتدعاً ففي هذه المسألة يعود إلى الأخير خاصة فتحصل منه أنّ ما قاله أبو حنيفة رحمه الله مختار أهل العربية فيه نظر فتأمّله فإنه كلام غير محزر. قوله:) وقيل منقطع الخ) اختلف في الاستثناء في هذه الآية هل هو متصل لأنّ المستثنى منه في الحقيقة الذين يرمون والتائبون من جملتهم لكنهم مخرجون من الحكم وهذا شأن المتصل كما تقول قام القوم إلا زيداً فزيد داخل في القوم غير متصف بالقيام وجعله فخر الإسلام ومن تبعه منقطعاً لأنه لم يقصد إخراجه من الحكم السابق بل إثبات حكم آخر له وهو أنّ التائب لا يبقى فاسقا ولأنه غير داخل في صدر الكلام لأنه غير فاسق وفيه تفصيل في الأصول هالى دليل فخر الإسلام أشار المصنف بقوله متصل بما بعده مع ما بين قوله المنقطع والمتصل من الطباق البديعي. قوله: (علة للاستثناء (أي لما تضمنه الاستثناء من التوبة وكأنه إشارة إلى ردّ ما في الكشاف من أنّ الاستثناء من الفاسقين لا من غيره لأنه لا يناسبه قوله فإنّ الله غفور رحيم بأنه ختم به تعليلاللاستثناء مع قطع النظر عن المستثنى منه مع أنه قال بعد هذا وظاهرها أن تكون الجمل الثلاث بمجموعها جراء الشرط كأنه قيل من قذف المحصنات فاجلوهم وردّوا شهادتهم وفسقوهم أي فاجمعوا لهم الجلد والردّ والتفسيق إلا الذين تابوا عن القذف وأصلحوا فإنّ الله يغفر لهم فينقلبون غير مجلودين ولا مردودين ولا مفسقين وهو يقتضي أنّ الأوّل غير مرضى له. وأجاب الطيبي بأنّ العذاب إمّا بالإيلام وامّا بالتذليل فإذا تاب وقبلت توبته رفع الله عنه العذاب بنوعيه فيناسب الختام والمبدأ. قوله: (نزلت في هلال الخ (تمام الحديث أنه
قذف امرأته عند النبيّ صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سمحاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حذ في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول البينة أو حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحذ فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام وأنزل عليه والذين يرمون أزواجهم فقرأ حتى بلغ إن كان من الصادقين فانصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها فجاء هلال فشهد إلى آخر الحديث
كما في البخاري وفيه أيضا قصة لعويمر بن نصر العجلاني قريبة من هذه وأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا وهو يقتضي أنّ سبب النزول قصة أخرى فإمّا أن يقول إنّ سبب النزول أمر مناسب ينزل عقبه الآية فيجوز تعدده كما في الإتقان أو سبب النزول القصة الأولى أو الثانية ولما كان حال الأخرى يعلم منها سميت سبباً تسمحاً كما في الإعلام وقد اختلف المحدثون في سبب النزول هنا على ثلاثة أقوال فقيل هو هلال بن أمية وقيل عاصم بن عديّ وقيل عويمر وقال السهيلي أنّ هذا هو الصحيح ونسب غيره للخطا وههنا بحث نقله في شرح المغني عن السبكيّ ولم يجب عنه وهو أنّ ما تضمن الشرط نص في العلية مع الفاء ومحتمل لها بدونها ولتنزيله منزلة الشرط يكون ما تضمنه من الحدث مستقبلاً لا ماضيا فلا يثبت حكمه إلا من حين النزول ولا ينعطف حكمه على ما قبله ولا يشمل ما قبله من سبب النزول وقال إنه إشكال صعب وارد على آية اللعان والسرقة والزنا وما عذه صعبا أسهل من شرب الماء البارد في حرّ الصيف لأنّ هذا وأمثاله معناه إن أردتم معرفة هدّا الحكم فهو كذا فالمستقبل معرفة حكمه وتنفيذه وهو مستقبل في سبب النزول وغيره والقرينة على أنّ المراد هذا أنها نزلت في أمر ماض أريد بيان حكمه ولذا قالوا دخول سبب النزول قطعيّ ولا حاجة إلى القول بأنّ الشرط قد يدخل على الماضي ولا أنّ ما تضمن الشرط لا يلزم مساواته لصريحه من كل وجه ولا أنّ دخول ما ذكر بدلالة النص لفساده هنا والانعطاف معناه دخول ما قبله في حكمه كدخول أوّل النهار في الصوم لمن نواه بعده كما ذكره القرافي في قواعده. قوله: (بدل من شهداءا لأنه كلام غير موجب والمختار فيه الإبدال وإذا كانت إلا بمعنى غير فهي نفسها صفة ظهر إعرابها على ما بعدها لكونها على صورة الحرف وهو مما يحاجي به. قوله: (فعليهم) قدره مقدّماً ليفيد الحصر أي فعلى جنس الرامين دون غيرهم أو فعليهم هذا لا الحذ ويصح تقديره مؤخرا أي واجبة أو كافية.
قوله: (متعلق بشهادات الخ) هذا على المذهبين في التنازع قيل لكن على قراءة من رفع
أربع يتعين تعلقه بشهادات حتى لا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله باجنبيّ. (أقول) هذا مما اختلف فيه النحاة فمنعه بعضهم وجوّزه آخرون مطلقا وآخرون في الظرف كما هنا استدلالاً بقوله إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر والمانعون يقدرون له عاملاً غير رجعه والمصنف
جوّزه في هذه الآية وإنما مرضه هنا لما فيه من الخلاف فما ذكره لا يوافق مختار المصنف وفي كون الخبر أجنبياً كلام أيضاً والشهادة هنا بمعنى القسم حتى قال الراغب إنه يفهم منه وان لم يذكر بالله. قوله: (وعلق العامل عته باللام تثيدا) أي لأجل التأكيد أو حال كونها تأكيداً أي مؤكدة أو التقدير وأكد تأكيدا وهو توجيه لذكرها والتعليق بها لصدارتها وهو لا يختص بأفعال القلوب بل يكون بما يجري مجراها كالشهادة لإفادتها للعلم ولو جعلت الجملة جوابا للقسم وجاز ولم يتعرّض! لتأكيد أنّ والاسمية لظهوره ومن أدرجه في كلامه لاحظ أنّ الكلام يستلزمهما لكنه تعسف لا وهم كما ظن وقوله في الرمي قدّره بقرينة المقام. قوله: (وحصول الفرق بينهما بنفسه) أي بنفس اللعان من غير احتياج إلى تفريق القاضي كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأمّا عند الشافعيّ رحمه الله فهو فسخ مؤبد ما لم يثبت للحديث المذكور فإنه بظاهره يدلّ على أنّ التلاعن يقع به الفرقة ولنا قوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وقوله أبداً يدل على أن الفرقة مؤبدة فلو كذب نفسه لا يحل له تزوّجها وعندنا يجوز ومعنى أبداً ما داما متلاعنين وقوله وبتفريق الحاكم معطوف على قوله بنفسه. وقوله نفى الولد وثبوت حذ الزنا معطوف على قوله سقوط حد
وخلاف أبي حنيفة في هذا معروف في الفروع. قوله: (أي الحدّ) وقال أبو حنيفة العذاب هنا بمعنى الحبس لأنها تحبس حتى تلاعن ولو فسر بالحد لم
يمنع منه مانع لأنّ اللعان قائم مقام الحد عند. وقوله بالعطف على أن تشهد وأن غضب الله بدل منه أو خبر مبتدأ مقدّر. قوله: (متروك الجواب للتعظيم) أي ليدلّ على أنّ المقدر أمر هائل عظيم لا تحيط به العبارة وأنّ الله مصدر تأويلا معطوف على فضل وقوله من الأفك بفتح الهمزة وسكون الفاء مصدر أفك الرجل يأفك إذا كذب أو مصدر أفكته عن الأمر إذا صرفته عنه قاله البطليوسي وبكسرها مع سكون الفاء وجاء فتحهما أيضا بمعنى الكذب أو أبلغه كما في شرح البخاريّ للكرماني وقوله بأبلغ ما يكون من الكذب إشارة إلى أنّ اللام للعهد ويجوز حمله على الجنس قيل فيفيد القصر كأنه لا أفك إلا هو وقوله في بعض الغزوات وهي غزوة بني المصطلق قال ابن إسحاق وذلك سنة ست وقال موسى بن عقبة سنة أربع. قوله: (فإذن ليلة في القفول) آذن بالمد وتخفيف الذال المعجمة المفتوحة من الإيذان وهو الإعلام أو بالقصر وكسر الذال المخففة من الإذن أو بالفتح والقصر وتشديد الذال من التأذين بمعنى الإعلام أيضا والرحيل بالجرّ ويجوز نصبه على الحكاية كما في شرح البخاري والقفول بقاف وفاء بمعنى الرجوع متعلق بإذن وكذا بالرحيل يعني أنه كان في رجوعهم من الغزو وكون في القفول صفة ليلة بتقدير في أزمان القفول تكلف وجزع بفتح الجيم وسكون الزاي المعجمة خرزيمان وفي بعض الحواشي ويجوز كسرها وظفار بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء بلا تنوين مبنيّ على الكسر قرية باليمن وروي في البخاريّ أظفار جمع ظفر وهو ما اطمأنّ من الأرض أو شيء كالخرز ويرحلها بضم الياء التحتية وتشديد الحاء المهملة أي يشد رحلها والهودج مركب معروف والمطية الناقة والجمل ومنشد بمعنى من يوصلها إلى القوم ويتفقدها من أنشدت الضالة إذا عرّفتها ونشدتها طلبتها فشبه من يوصلها بالمعرّف وهي باللقطة فلا وجه لما قيل إن الظاهر ناشد وصفوان بن المعطل بضم الميم وتشديد الطاء المكسورة السلمي بضم السين وفتح اللام علم لابن خالة لأبي بكر رضي الله عنه كان صاحب ساقة الجيش ثمة والتعريس بالسين المهملة النزول آخر الليل واذلج بتشديد الدال بمعنى لكر وأدلح بالسكون بمعنى سار الليل كله. قوله:) وهي من
العشرة إلى الأربعين) على قول وفيها خلاف لأهل اللغة وفي البخاريّ قال عروة لم يستم من أهل الأفك إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في أناس آخرين لا علم لي بهم والذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين وكان ابتداء صدوره منه لعداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن عداه فلتة فعلى هذا يجوز كون زيد بن رفاعة منهم لأنّ منهم أناسا لم يعلموا والمصنف رحمه الله ربما ظفر بنقل فيه فانه وقع في كثير من التفاسير وقد خطأه بعضهم فيه ومنهم من برّا حسان بن ثابت رضي الله عنه وهو مرويّ عن عائشة رضي الله عنها وقيل إن صح عنه فمانما نقله عن ابن أبيّ غفلة لا عن صميم قلب ول أااعتذر عن عائثة رضي الله عنه بقصيدته التي فيها براءتها بقوله:
حصان رزان لا تزنّ بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
…
ومسطح بكسر الميم وأثاثة بضتم الهمزة ومثلثتين وحمنة بحاء مهملة مفتوحة وميم ساكنة
ونون أخت زينب أمّ المؤمنين رضي الله عنها وابن المعطل بفتح الطاء المهملة المشددة بالاتفاق وقد قيل كما مرّ في سورة يوسف أنّ العصبة والعصابة العشرة فصاعداً لتعصبهم في المهمات فلها هنا موقع حسن وكونهم إلى الأربعين يردّه ما في مصحف حفصة رضي الله عنها عصبة أربعة ورد بأنه مع تعارض كلاميه مخالف لما في كتب اللغة وما ذكر إمّا من قبيل ذكر البعض بعد الكل لنكتة أو مجاز وقد اعترف به هنا من حيث لا يدري وهذا كله كلام مختلف فإنّ ما ذكر في معنى العصبة أكثري لا كليّ وأصل معناها لغة فرقة متعصبة مطلقاً هي واردة هنا على حقيقتها الوضعية فلا إشكال فيه وقوله خبر إنّ وقيل بدل من ضمير جاؤوا والخبر جملة لا تحسبوه وضميره عائد إلى مضاف مقدر أي فعل الذين جاؤوا وهو تكلف. قوله: (والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم في الكشاف الخطاب لمن ساءه ذلك من المؤمنين وخاصة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان وقوله ثماني عشرة آية في البخاري فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ}
العشر الآيات كلها وهو مخالف لما قاله المصنف إلا أنّ الخلاف مبنيّ على الخلاف في رؤوس الآي وما قاله المصنف رحمه الله موافق لما قاله الداني في كتاب العدد. قوله: (والذي يمعنى الذين) كما صرّح به النحاة ومثلوا له بآيات منها والذي جاء بالصدق وصدق به واشترط ابن مالك في التسهيل أن يراد به الجنس لأجمع مخصوص فإن أريد به الخصوص قصر على الضرورة وفي الكشف في البقرة إنّ الذي يكون جمعاً وافراد ضميره جائق باعتبار إرادة الجمع أو الفوج أو نظراً إلى أنّ صورته صورة المفرد وقد مرّ إفراده في قوله والذي جاء بالصدق وصدّق به وجاء جمعه في قوله وخضمّ كالذي خاضموا فمن قال إنه يأباه توحيد الضمير الراجع إليه ويجوز أن يقال المراد إنه بمعناه في المآل لتوصيفه للاسم المفرد لفظا المجموع معنى كالفوج لا أنه حذف منه النون تخفيفا لم يصب شاكلة الصواب وقوله بدأ فيه في نسخة به وشايعاه بمعنى تابعاه وقوله في الآخرة الظاهر أنه للوعيد وهو شامل للجميع والذي بمعنى الذين وفيما بعده للحكم به وقيل إنّ الأوّل على أن يراد من الذي ابن أبيّ فقط إذ غنره كفر بإقامة الحد من الذنب فلم يبق له عذاب في الآخرة وقوله أو في الدنيا على كون الذي بمعنى الذين مطلقا فالظاهر ما قدّمناه وقوله وصار ابن أبيّ مطروداً فيه أنه لم يحد مع قذفه وفيه كلام في شرح الحديث وقوله وحسان الخ الأولى تركه لما مرّ. قوله: (بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} (هذا من بديع كلامهم وقد وقع في القرآن كثيراً وهو بحسب الظاهر يقتضي أنّ كل واحد يظن بنفسه خيرا وليس بمراد بل أن يظن بغيره ذلك وتوجيهه أنه مجاز لجعله اتحاد الجنس كاتحاد الذات ولذا فسر قوله ولا تقتلوا أنفسكم بلا تقتلوا من كان من جنسكم أو بجعلهم كنفس واحدة فمن عاب مؤمنا فكأنما عاب نفسه ويجوز أن يقدر فيه مضاف أي ظن بعض المؤمنين والمؤمنات بأنفس بعضهم الآخر وقال الكرمانيّ في حديث أموالكم عليكم حرام إنه كقولهم بنو فلان قتلوا أنفسهم أي قتل بعضهم بعضاً مجازاً أو إضماراً للقرينة الصارفة عن ظاهره وسيأتي فيه كلام في آخر هذه السورة وفيما مثل به مناسبة تامّة لفظا ومعنى لأنّ اللمز الطعن وأشار بقوله هلا إلى أنّ لولا تحضيضية. قوله: (وإنما عدل فيه) يعني لم يقل ظننتم وأتى بالاسم الظاهر لإشعاره بأن من لم يظن خيراً كأنه ليس بمؤمن كناية كقوله المسلم من سلم الناس من يده ولسانه وقال مبالغة في التوبيخ لأنّ لولا تفيد التوبيخ أيضاً كما صرّح به أهل العربية وقوله كما يذبونهم عن أنفسهم إشارة إلى ما مرّ في وجه المجاز. قوله: (وإنما جاز الفصل الخ) اعترض عليه أبو حيان
بأنه يقتضي أنه إذا لم يكن الفاصل ظرفاً امتغ وليس كذلك إذ يصح لولا زيد ألقيته بالاتفاق وقد يقال مراده أنه غير جائز بلاغة واستحساناً لأنّ الأصل أن يليها فعل فلا بد للعدول عنه من وجه إليه أشاو الطيبي في شرح قول الزمخشريّ كيف جاز الفصل. قوله: (لأنه منزل منزلته الخ (قيل عليه توسط الظرف لتخصيص التحضيض بأوّل وقت السماع وقصر التوبيخ واللوم على تأخير القول المذكور وأمّا ترك القول بعده والتبرئة بالوحي فمما لا يتوهم وقوعه وعليه يحمل ما قيل إن المعنى أنه كان يجب عليهم أن يتفادوا أوّل ما سمعوا بالأفك عن التكلم به فلما كان ذكر الوقت أهمّ وجب التقديم وأمّا ما قيل من أنّ ظروف الأشياء منزلة منزلة أنفسها فهي ضابطة ربما تستعمل فيما إذا وضع الظرف موضمع المظروف بأن جعل مفعولاً به لفعل مصرّح به أو مقدر وليس بشيء لأنه عين ما ذكره المصنف بقوله فإق التحضيض الخ لكنه قدم على ذكر المرجح بيان المجوز تجويزاً أوليا يعني أنّ المقصود الحث على ظن الخير والمبادرة إلى تبرئة المؤمنين وهذا يفهم من تقديم الظرف عرفاً كما إذا قلت هلا إذا جئتك قصت أي بادرت إلى القيام والنسخ هنا مختلفة ففي نسخة يخلرا من الإخلال والباء صلته أو ظرفية والضمير لظن الخير أو لوقت السماع المفهوم منه وفي نسخة يخالوا بمعنى يظنوا والباء ظرفية أي يظنوا سوءاً بالمؤمنين في أوّل ذلك الوقت وقوله كما يقول المتيقن هذا من قوله مبين وأتى بحرف
التشبيه لأنه ظن وقوله من جملة المقول ويحتمل أنه من قول الله وفيه تقرير أيضاً. قوله:) عند الله) أي في حكمه. في شرح الكشاف لما فسر الزمخشريّ عند الله بأنه في حكمه وشريعته أواد أنه لا يراد به في علم الله وان ورد بهذا المعنى أبضا لكنه هنا يلزمه المحال وهذا للإيذان بأن مدار الحكم على الشهادة والأمر الظاهر لا على السرائر التي لا يعلمها إلا الله فإن قلت الكذب إمّا باعتبار مخالف الواقع أو الاعتقاد على المذهبين وهذ يؤذن بقسم ثالث قلت المعنى أنه يحكم عليهم بالكذب لأنّ خبرهم لم يطابق الواقع في الشرع وهو لا ينافي مطابق الواقع في نفس الأمر يعني أنّ الحكم عائم لأنه في قوّة شرط وجزاء ولا ينافيه خصوص السبب وهذا يقتضي بناء الأمر على الظاهر وحكم الشرع وأمّا كون الآية في خصوص عائشة رضي الله عنها وهو في علم الله كذلك فعند الله بمعنى في علمه فلا وجه له لأنّ خصوص السبب لا ينافي عموم الحكم كما تقرّر في الأصول والتقييد بالظرف يأباه إباء ظاهرا ومنعه بناء على أنه على حدّ الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً تكلف مبنيّ على تكلف آخر ونحو هذا ما وقع في شرح قول السكاكي في مجاز الإسناد عند المتكلم وللشريف فيه كلام ثمة يحتاج إلى التحرير فتدبر. قوله: (ولذلك (أي لكون ما لا حجة عليه كذبا رتب الحكم وفي نسخة الحذ وهما بمعنى هنا وترتيبه عليه إمّا في نفس الأمر أو في الآية في قوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ} [سورة النور، الآية: 4] . قوله: (لولا هذه (إشارة إلى أنها فيما سبق للتحضيض والخطاب هنا إمّا لغير ابن أبيّ رأس المنافقين لأنه لمن سمع الأفك
من المؤمنين بقرينة ما قبله وهو مخترعه وقائله كما قيل ويجوز أن يكون عاما شاملا له لأنّ عذابه أعظم مما توعد به هنا وهو الخلود في النار ونحوه كما قيل، وقول المصنف رحمه الله عاجلا يناسبه فتأمّل. وقوله في الدنيا الخ إشارة إلى أن في النظم لفار نشراً مرتبا ففضله في الدنيا ورحمته في الآخرة ويجوز جعل كليهما لكليهما. قوله:(أفضتم فيه الخ (قال الراغب فياض سخيّ ومنه استعير أفاض في الحديث وهو من أفاض الماء في الإناء فاستعير لنشر الحديث والاكثار منه فهو متعد بفي كخاض وليست للسببية كما توهم كما أنّ كلام المصنف يأباه. قوله تعالى: {تَلَقَّوْنَهُ} الضمير لما وقوله بالسؤال عته تفسير لقوله بألسنتكم والسؤال إمّا عن كيفيته أو عن العلم به والأفعال المذكورة متقاربة المعاني إلا أنّ في التلقي معنى الاستقبال وفي التلقن الحذق في التناول وفي التلقف الاحتيال فيه كما ذكره الراغب وقوله تلقونه مجهول من الالقاء، وقوله من القائه بعضهم على بعض يشير إلى أنّ فيه تجوّزا. قوله: (من الولق والألق (أصل الولق السرعة ومنه أولق للجنون لما فيه من السرعة والتهافت وعن ابن جني أنه من باب الحذف والإيصال أي يسرعون فيه أو إليه، وقال ابن الأنباري هو من ولق الحديث إذا أنئعأه واخترعه وفي الأفعال للسرقسطي ولق الكلام دبره وولقه أيضا كذبه وبه قرأت عائشة رضي الله عنها ومعناه تدبرونه أو تكذبونه انتهى فمن قال إنه إذا كان بمعنى الكذب لا يكون متعديا لم يصب. توله: (وتثقفونه الخ) في الكشف في الحواشي من ثقفه إذ وجده والصواب من ثقفت الشيء إذا طلبته فأدركته جاء مخففاً ومثقلاً أي يتصيدون الكلام في الأفك من ههنا ومن ههنا وليس بشيء لأنّ معنى قوله وجده أي بعد طلب وتركه تسمحاً للعلم به ومثله سهل وتقفونه من قفاه ويقفاه إذا تبعه، وقوله: ما ليس لكم به علم أي بوجه من الوجوه، وقوله: بلا مساعدة الخ إشارة إلى أنّ تخصيص الشيء بالذكر يفيد نفيه عما عداه فليس تأكيدا صرفا كنظر بعيته وهذا مختار الزمخشريّ ومن تبعه وقيل إنه توبيخ كما تقول قاله بملء فيه فإنّ القائل ربما رمز وربما صرّح وتشدّق، وقد
قيل هذا في قوله بدت البغضاء من أفواههم، وقيل فائدته أن لا يظن أنه كلام نفسي فهو تأكيد لدفع المجاز والسياق يقتضي الأوّل فإن قلت قد مرّ أنّ الزمخشري قال إسناد الفعل إلى جارحة العمل أبلغ كأبصرته بعيني قلت هذا إذا لم تقم قرينة على خلافه فتأمّله. قوله:(تبعة) بضم فسكون كفرجة الظلامة كما في القاموص وفي المصباح هي العاقبة السيئة وهذا هو المناسب هنا، وقوله علق بها مس العذاب الخ إشارة إلى ترجيح تعلق إذ بمسكم ويمكن تعميمه للوجهين لأنّ المراد بالتعلق المعنوي وهو إذا تعلق بأفضتم وهو قيده تعلق به
أيضاً، وقوله وهو عند الله عظيم إشارة إلى رجوع الضمير إلى ما. وقوله: ما ينبغي وما يصح إشارة إلى أنه كالمحال مبالغة قال القرطبي رحمه الله في الأحزاب ما كان وما ينبغي ونحوه معناه الحظر والمنع فيجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون وامتناعه إمّا عقلاً كقوله ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أو شرعاً كقوله: ما كان لبشر الخ وربما كان في المندوب كما تقول ما كان لك ترك التنقل. وقوله وأن تكون إلى نوعه أمّا على التجوّز أو تقدير المضاف، قال ابن عادل الإشارة إلى الشيء بحسب شخصه وقد تكون بحسب نوعه كقوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [سورة البقرة، الآية: 35] أي نوعها. وقوله فإنّ الخ إشارة إلى تعليل الوجه الثاني بأنه يدلّ على المقصود بالأولوية ووقع هذا بعد سبحانك في نسخة وكذا قوله لعظمة المبهوت وقع بعد قوله يعظكم وهو من الكاتب. والصدّيقة رضي لله عنها المراد بها هنا الصادق نزاهتها وفضلها والصديق لقب أبي بكر رضي الله عنه وفي التسمية به وجوه وحرمة بضم فسكون بمعنى المرأة كما في المصباح والمراد زوجته رضي الله عنها وفي نسخ حرم بفتحتين وهو كناية عن أهله أيضاً كما اشتهر استعماله بهذا المعنى. قوله: (تعجب ممن يقول الخ) على هذا ليس القصد فيه إلى التبرئة من أن يصم نبيه صلى الله عليه وسلم أو يشينه بخلاف الوجه الثاني وهو على هذا من المجاز المتقرّع على الكناية وهو كثير وقد ذكره النووي في الإذكار وكذا لا إله إلا الله تستعمل للتعجب أيضا وأمّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مقام التعجب فلم ترد ولم تسمع في لسان الشرع وقد صرّح الفقهاء بالمنع وإنما وقع من العوأم وبعض المحدثين كقوله:
فمن رأى حسنه المفذي في الحال صلى على محمد
…
وعلى الثاني هو حقيقه، وقوله حرم نبيه صلى الله عليه وسلم وفي نسخة حرمة نبيه صلى الله عليه وسلم وتقدم معناه ومقصود الزواج التناسل واختلاله اشتباه النسب وقوله بخلاف كفرها إشارة إلى أن بعض زوجات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الكفرة كزوجة نوج ولوط عليهما الصلاة والسلام وقوله لعظمة المبهوت عليه أي الأمر المبهوت المكذوب وهو هذا الأفك أو الإنسان المبهوت عليه وهو حرمه صلى الله عليه وسلم. قوله:(فإنّ حقارة الذنوب الخ) فإن قلت الحقارة والعظم قد يكون في الفعل نفسه فإنّ قتل النفس ليس كشتمها وقد يكون باعتبار مصادرها فإنّ سيئات الأبرار ليست كسيئات غيرهم قلت ليس في كلامه ما يدل على الحصر فلا إشكال فيه كما أشار إليه المحشي ولو سلم فالمراد بالمتعلق متعلق الذنب بالمعنى العامّ وهو شامل لإفراده ومورده ومصدره فتامّل. قوله: (كراهة أن تعودوا الخ الما كان هذا مفعولاً له وليس الوعظ للعود بل لعدمه قدّروا في أمثاله مضافاً وهو كراهية ليصح أن يكون مفعولاً لأجله كما قدر في قوله يبين الله لكم أن تضلوا ومنهم من قدر فيه لا أي لئلا تعودوا ويجوز تقدير في أي يعظكم الله في العود أي في شأنه وما فيه من الإثم والمضارّ كما يقال وعظته في الخمر كما في الكشف أو هو مضمن معنى الزجر بتقدير عن أي يزجركم عن العود وفي الحواشي عاده وعادله وفيه بمعنى. قوله: (فإن الإيمان يمنع عنه) أي عن العود، وقوله وفيه تهييج وتقريع لإبرازه في معرض الشك وليس الشرط على ظاهره بل هو من باب إن كنت أبالك فلم لا تحسن لي وترك قوله في الكشاف وتذكير بما يوجب ترك العود وهو اتصافهم بالإيمان الصادّ عن كل مقبح لأنّ قوله الإيمان يمنع عته يتضمنه فجعلهما وجها واحدا وبعض شزاحه جعلهما وجهين على أنه تتميم لقوله يعظكم الله إمّا للزجر تهييجا وامّا للتحريض تذكيراً وردّ بأنه لا تساعده الرواية ولا الدراية وليس كذلك ويؤيده أنه وقع في بعض نسخه عطفه بأو الفاصلة ولكل وجهة، والتقريع التعيير والتوبيخ وهو إمّا على وجود الشيء كقوله إن كنتم قوما مسرفين أو على تركه ومن قصره على الأوّل فقد قصر. قوله: (الدالة على الشرائع الخ (المراد بالآداب آداب معاملة المسلمين بحسن الظن والتكذيب لما لا يليق والكشخنة عدم الغيرة والديانة وكشخنه شتمه بها وليست بعربية كما نقل عن الخليل رحمه الله، وقوله ولا يقرره عليها أي لا يتلبس بما يفضي إلى عدم الغيرة ولو صدر ما يفضي إليها عن حرمه لم يقرّه عليه إذ لا أغير من الله تعالى على رسله عليهم الصلاة والسلام
فلا يرد أنه مستدرك بعد قوله لا يجوز الخ.
قوله: (يريدون) محبة الله رضاه ومحبة العبد أخص من الإرادة لأنها إرادة ما فيه خير
ونحوه وقد تنفرد عنها كمحبة الصلحاء وربما فسرت بالإرادة وليست هي قاله الراغب وقد فرق بينهما أيضاً بأنّ المحبة تتعلق بالأعيان والإرادة تتعلق بالأفعال فإذا أريد من أحدهما الآخر فهو مجاز أو كناية قيل والمراد من محبة الشيوع الإشاعة بقرينة ترتب العذاب عليه ولذا قيل إنه من قبيل الاكتفاء عن ذكر الشيء بذكره مقتضيه تنبيها على قوّة المقتضي أو هو من قبيل التضمين أي يشيعون الفاحشة محبين شيوعها لأنّ معنى المحبة الإشاعة مقصود إن هنا ولا حاجة إلى هذا التكلف لقول الكرماني العزم على المعصية وسائر أعمال القلب كالحسد أو محبة إشاعة الفاحشة يؤاخذ عليه إذا وطن نفسه عليه وفي كلام المصنف إشارة إليه ومنه تعلم أن ما قيل إنّ تفسير المحبة بالإرادة إشارة إلى وقوع الإشاعة فإنّ الإرادة لا تنفك عن الفعل كما تبين في الكلام لكنه لا يلائم قوله يعاقب على ما في القلوب من حب الإشاعة والأمر فيه سهل لأنّ المراد بحبّ الإشاعة تلك الإرادة ليس بشيء يعتذ به مع أنّ الإرادة الحادثة ليست كذلك كما صرّح به في الكلام وغيره. توله: (بالحدّ والسعير) الحذ جزاء القذف والسعير جزاء محبته له بقلبه أو هو مخصوص بأمّهات المؤمنين ولا حاجة إلى هذا فإنّ الحدّ لمن نقل من المسلمين والسعير لأبي عذرته ابن أبيّ وهو لم يحد فلا يرد أن الحدود مكفرة فكيف يجمع بينهما مع أنه مختلف فيه وقيل يجوز أن يكون المراد غيره من عذاب الدنيا كالعمى فيجوز إبقاء المحبة على ظاهرها والمراد محبة تدخل تحت الاختيار وهو مخالف لحال من نزلت فيهم الآية فتأمّل. قوله:) والله يعلم ما في الضمائر) هذا مناسب للمحبة القلبية السابقة أو المراد يعلم ما أعد لهم في الآخرة أو كل شيء. قوله: (والله سبحانه يعاقب على ما في القلوب (لما مرّ عن الكرمانيّ رحمه الله وقد فصله الغزاليّ رحمه الله في الإحياء وقال إنّ النية المصممة يثاب ويعاقب عليها وان لم تقارن الفعل وعليه بنى المصنف رحمه الله كلامه وإن اشتهر خلافه. قوله: (ولذا) أي للدلالة على عظمه ويجوز أن تكون الإشارة للتكرير أي ليزداد قوّة بالتكرير مرّة بعد أخرى والأوّل أولى والجواب المحذوف لمسكم. قوله:) وقر " انخطوة بفتح الخاء مصدر خطأ وبضمها اسم لما بين القدمين ويجمع على خطوات والاسم إذا جمع تحزك عينه فرقاً بينه وبين الصفة فيضم اتباعاً للفاء أو يفتح تخفيفا وقد يسكن وقوله بسكونها الضمير للخطوات لظهور ما يسكن منها لا للطاء حتى يكون إضماراً قبل الذكر ويقال الأولى تأخيره واتباع خطوات الشيطان
كشاية عن اتباعه. قوله: (بيان لعلة النهي الخ) أي هذه الجملة بتمامها تعليل للنهي عن اتباعه كما قاله الشيخ عبد القاهر في لا تقتل أباك وهو سبب حياتك ونحوه ولم يتعرّض لجواب الشرط فهو أما المذكور على أنه من إقامة السبب مقام المسبب أو مقدر سد هذا مسده والتقدير وقع في الفحشاء والمنكر فإنه لا يامر إلا بهما كما قرّره النسفي وابن هشام في الباب الخامس من المغني ولا يرد عليه ما في شرحه أنه يأباه ما نص عليه النحاة من أنّ الجواب لا يحذف إلا إذا كان الشرط ماضيا حتى عدوا من الضرورة قوله:
لئن تك قد ضاقت عليّ بيوتكم ليعلم ربي أنّ بيتي أوسع
…
لأنّ الآية ليست من قبيل ما ذكروه في البيت فإنه مما حذف منه رأسا وهذ مما أقيم مقامه
ما يصح جعله جوابا بحسب الظاهر فما قيل إنّ النسفيّ جعل قوله فإنه الخ تعليلا للجملة الشرطية والتقدير من يتبعه ارتكب الفحشاء والمنكر فإنه لا يأمر إلا بهما ومن كان كذلك لا يجوز اتباعه وطاعته يعني أنّ الجملة الشرطية بين لعلة النهي وهو أقرب مما ذكره المصنف رحمه الله ليس بشيء لأنّ كلامه ليس فيه ما يخالف ما ذكره كما قرّرناه وجعل أبو حيان رحمه الله ضمير فإنه لمن والمعنى من يتبعه فهو رئيس يتبع في الضلال وهو مبني على اشتراط ضمير في جواب الشرط الاسمي يعود إليه وسيأتي ما فيه. قوله: (ما أنكره الشرع) رد على الزمخشري في قوله ما تنكره النفوس لابتنائه على مذهب المعتزلة في الحسن والقبح العقليين. قوله: (وشرع الحدود المكفرة لها) كما في البخاري قتل القاتل كفارة له قال الكرماني وهو مخصوص
بغير الردّة لقوله إنّ الله لا يغفر أن يشرك به وعن القاضي إسماعيل وغيره أن قتل القاتل حد وردع لغير. وأمّا في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إلى حقه وفي الحديث ما يخالفه كحديث ابن حبان رحمه الله السيف محاء للخطايا ونحوه ومنهم من توقف فيه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه إنه عليه الصلاة والسلام قال لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا وجمع بينهما بأنه ورد أوّلاً قبل أن يوحى إليه بذلك. قوله: ( {مَا زَكَا} (كتب المخفف بالياء وان كان قياسه الألف لأنّ خط المصحف لا يقاس عليه أو حملاً له على المشدد وهذا أولى وقوله آخر الدهر هو كناية عن التأبيد فلا وجه لما قيل إنّ الظاهر أن يقول إلى ما لا غاية له. قوله: (افتعال من الألية) أي القسم ويكون بمعنى التردّد كما في المثل إلا حظية فلا ألية
وليس بمراد هنا أو هو افتعال من الالو بمعنى التقصير ومنه لم آل جهداً في كذا واليه أشار بقوله أو ولا يقصر وما في بعض النسخ يقتصر تحريف وقوله من الإلو بوزن الدلو أو الإلوّ بوزن العتوّ فإنهما مصدره كما في كتب اللغة ويؤيد الأوّل أي القسيمة لأن يتألى مخصوص به وقوله وأنه نزل الخ تأييد آخر له للتصريح بأنه حلف في سبب النزول. وقوله في الدين إشارة إلى أنّ الفضل بمعن الزيادة وخصها بالدين لذكر السعة بعده ولذا دلت على فضل أبي بكر رضي الله عنه لنزولها فيه والمنكر لذلك خذله الله حمله على فضل المال ويردّه أنه يتكزر مع قوله والسعة. قوله: (على أن لا الخ الف ونشر فتقدير على وحذف لا على أنه بمعنى يحلف وتقدير في على أنه بمعنى يقصر وجمع الضمير لأنه وان كان سببه خاصا بأبي بكر رضي الله عنه فهو عامّ لجميع المؤمنين وقيل إنه لتعظيم أبي بكر رضي الله عنه وما ذكر من أنّ التعظيم مخصوص بضمير المتكلم مردود ويحتمل أن يكون أن يؤتوا مفعولاً له بتقدير كراهة أن يؤتوا ونحوه مما سبق فتذكره. قوله: (صفات لموصوف واحد (لأنها نزلت في مسطح وهو متصف بها فالعطف لتنزيل تغاير الصفات منزلة تغاير الموصوفات والجمع على ظاهره لما مرّ وقوله أبلغ أي في إثبات استحقاق الإيتاء لهذه الصفات لأنّ من اتصف بواحدة منها إذا استحقه فمن جمعها بالطريق الأولى والإغماض كالغض عدم فتح البصر وهو كناية عن عدم المبالاة بما صدر منهم وقوله على عفوكم الخ قدره بقرينة السياق. قوله: (مع كمال قدرته (يعني أنه يعفو مع قدرته على الانتقام فكونوا أنتم كذلك وقوله فتخلقوا بأخلاقه كما ورد تخلقوا بأخلاق الله فمان ثلت المراد بأخلاقه صفاته وسميت أخلاقاً مشاكلة ومنها المتكبر والمنتقم فكيف يتخلق بها كلها قلت الظاهر أنه ليس على عمومه بل المراد الأخلاق التي تليق بكم وتحمد فيكم وقال بعض الصوفية إنه على عمومه يريد أنّ الانتقام دلّه والتكبر على من لا يخشى الله محمود أيضا ولذا قيل إن التكبر على المتكبر صدقة كأنه لإرشاده لقبحه فتدبر وقوله رجع إلى مسطح نفقته استعمل فيه رجع متعذيا وقد نص عليه المرزوقي في قوله:
عسى الأقوام أن يرج! ش قوماً كالذين كانوا
…
وفي نسخة بنفقته فهو لازم. قوله: (الغافلات عما قذفن به) ما في الكشاف من أنهن
سليمات الصدور والقلوب نقيات الجيوب ليس فيهن دهاء ولا مكر لم يجربن الأمور فلا يفطن لمايفطن له كما قيل:
بلهاء تطلعني على أسرارها
وكذا البله من الرجال الذين هم أكثر أهل الجنة لأنهم أغفلوا أمر دنياهم وجهلوا التصرّف
فيها لاشتغالهم بأمور آخرتهم كما قرّر في شرحه فعلم أنّ المراد من الغفلة الغفلة عن الشرّ طبعاً وما قذفن به شر محض فيترتب عليه الجزاء ألطف ترتب فما قيل بعد سوق كلام الكشاف كأنه يشيء إلى ما قالتة بريرة والذي بعثك بالحق ما رأيت منها أمر أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله والمصنف لم يرتضه لأنه لا يظهر مدخلية ما قاله الزمخشري في ترتب الجزاء ليس بسديد لأنّ معنى كلام بريرة أنها رضي الله عنها لحداثة سنها لا تتقيد بأمور بيتها وليس هذا معنى كلام الزمخشريّ ولا معنى الآية كما سمعته لعدم ترتب الجزاء عليه وترتب الجزاء على ما ذكره أظهر من أن يخفى عليه ثم قال وعلى ما اختاره المصنف يلزم التكرار لأنّ العفة تتضمن الغفلة المذكورة والتأسيس أولى من التأكيد وهذه غفلة منه فإنّ المراد بالغفلة عما قذفن به أنه لم يخطر لهن ببال لكونهن مطبوعات
على الخير مخلوقات من عنصر الطهارة فهو ترق لا تكرار فيه كأنه قيل المبرّآت من الزنا بل اللاتي لم يخطر ذلك ببالهن قط كما عرفت. قوله: (استباحة لعرضهن الخ) هو مفعول له أو حال يعني إذا استحل القذف المحرم أو قصد الطعن في النبيّ صلى الله عليه وسلم يكفر فيستحق اللعن والوعيد الشديد. وقوله وقيل الخ يعني أنه لغير معين وإنما المنهيّ عنه لعن الفاسق المعين كما صرّح به الفقهاء فهو على ظاهره ولا حاجة إلى تأويله بأبعدوا عن الذكر الحسن ففي الآية ثلاثة أوجه وفي الكشاف وجهان وقوله وقيل مخصوص أي سواء استباح أم لا. قوله: (ولذلك قال ابن عباص رضي الله عنهما الخ) الذي في الكشاف عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان بالبصرة يوم عرفة فسأل عن هذه الآية فقال من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة رضي الله عنها وهو مبالغة وتعظيم لأمر الأفك والا فقد تاب مسطح كغيره وما تقدم مصرّح بقبول توبته وأمّا تقييده بالاستباحة فلا يصح فهو كما قيل في قوله والكافرون هم الظالمون أنه أريد التاركون للزكاة تغليظاً أو لأنّ تركها من صفات الكفار فعبر به تغليظاً عليهم حيث شبه فعلهم بالكفر أو جعلهم مشارفين عليه أو تعبير باللازم عن الملزوم لأن ترك الزكاة من صفات الكفار ولوازمهم فهو استعارة تبعية أو مجاز مشارفة أو مجاز لزوم وهذا جار في كل ما هو كذلك وقوله ولو فتشت الخ تأييد لكلام ابن عباس وضي الله عنهما والزمخشريّ أخره
عن قوله الحق المبين ولكل وجهة. قوله: (لما في لهم من معنى الاستقرار للعذاب لأنه موصوف) والعامل فيه إمّ الجار والمجرور أو متعلقه قيل وهو أجزل من أعمال المصدر فيه نظر وقوله لأنه موصوف إشارة إلى ما ذكره النحاة من أنّ المصدر إذا نعت لا يعمل مطلقا وأجازه السيرافي مطلقا استدلالاً بقوله:
أرواح مودع أم بكور أنت فانظر لأيّ ذاك تصير
…
فأنت فاعل المصدر المنعوت عنده فلا حاجة إلى الجواب بأنه ظرف متوسع فيه لخروجه
عن المذهبين بغير نقل وأعجب منه ما قيل إنه غير مذكور في كتب العربية فكانه أراد بها شرح الكافية. قوله: (يعترفون بها الخ) سيأتي في سورة يس اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون وبين الآيتين تعارض! لأنّ الختم على الأفواه ينافي شهادة الألسنة وقد ذكر المصنف رحمه الله ثمة ما ذكره وأورد حديثا أشار فيه إلى التوفيق بينهما وهو أنهم يجحدون ويتخاصمون فيختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشد. أرجلهم وسيأتي ما فيه فقوله يعترفون بالعين المهملة والفاء من الاعتراف وهو الإقرار وبها صلته والضمير للأعمال وهو تفسير لتشهد وفسر الشهادة بوجهين أشار في كل منهما إلى دفع التعارض أمّا على الأوّل فالمراد به حقيقته وهو الاعتراف والنطق بجميع الجوارح ناطقها وصامتها من غير اختيار إذ النطق هو التكلم بما يسمع ولو بغير الجارحة المعروفة كنطق الملائكة عليهم الصلاة والسلام فالختم على الأفواه معناه المنع عن التكلم بما يريده وينفعه بحسب زعمه اختيارا كالإنكار والاعتذار فتكون هذه الآية كقوله أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وأمّا على الثاني فالمراد به ظهورآثار ما عملوه على جميع الأعضاء بحيث يعلم من يشاهدهم ما عملوه وذلك بكيفية يعلمها الله فهو استعارة ولا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز كما توهم حتى يتمشى على مذهب المجوز له ولا يرد على الثاني أنه معارض لقوله أنطقنا الله الآية لأنّ من فسر الشهادة بظهور الآثارة يفسر النطق به ويجعله كنطقت الحال واليه أشار المصنف ثمة أو يقول هذا في حال وذاك في حال أو كل منهما في حق قوم غير الآخرين كما جمع بهذا بين الآيتين فقد حصل دفع التعارض بوجوه أشار المصنف رحمه الله إليها في مواضحع متعدّدة وأمّا إنّ المذكور هناك شهادة السمع والأبصار والجلود والألسنة والأيدي والأرجل فلا يدفع المخالفة بل يريدها وأمّا ما قيل من أنّ عبارة المصنف ههنا يقترفون بالقاف من الاقتراف بمعنى الاكتساب كقوله في يس بما كانوا يكسبون فهو تفسير لقوله يعملون للإشارة إلى أنّ الشهادة والعمل مخصوص بالشرّ لتعدّي الشهادة بعلى واستعمال الاقتراف فيه كما ذكره الراغب وضمير بها للألسنة والباء للألة
وقوله بإنطاق متعلق بتشهد وضمير آثاره لما باعتبار لفظه ومن قال إنه من الاعتراف فقد صحفه بما لا
تساعده الرواية والدراية ولا تعارض بين الآيتين لأنّ شهادة الألسن بطريق خرق العادة كشهادة الأيدي والأرجل كما نبه عليه المصنف رحمه الله بقوله بغير اختيارهم ومن لم يتنبه له وفق بينهم بجواز تعدد الأحوال والمواطن وبأنّ هذا في حق القذفة وذاك في حق الكفرة فليس بشيء لما عرفته وأمّا ما ذكره آخراً فوارد كما أشرنا إليه فإن تلت بعد. ما عرفت من التوفيق ما النكتة في التصريح بالألسنة هنا وعدم ذكرها هناك قلت لما كانت الآية في حق القاذف بلسانه وهو مطالب معه بأربعة شهداء ذكر هنا خمسة أيضاً وصرّح باللسان الذي به عمله ليفضحه جزاء له من جنس فعله وهذه نكتة سرية. قوله: (جزاءهم الخ) يعني أنّ الدين بمعنى الجزاء كما ذكره أهل اللغة وقوله الثابت الخ تفسير للحق وهو كقوله في المواقف أنه الواجب لذاته الذي لا يفتقر في وجوده إلى غيره وقوله الظاهر ألوهيته تفسير للمبين بأنه بمعنى الظاهر من أبان اللازم ولما كان ظهوره في الدنيا إنما هو بظهور ألوهيته ومظاهرها فسره به وفوله لا يشاركه الخ إشارة إلى الحصر التأخوذ من تعريف الطرفين وضمير الفصل وقوله أو ذو الحق الخ هو ما في الكشاف وفيه نزعة اعتزالية ولذا أخره وفسره بعضهم بالمظهر للأشياء كما هي والكل مناسب للمقام كما أشار إليه بقوله ومن كان خلافا لمن استظهر الأخير بتحكم سلامة الأمير. قوله: (أي الخبائث الخ) محصله كما في الكشاف أنّ الخبيثات والطيبات يحتمل أن يكون صفة ما لا يعقل من المقالات القبيحة وضده واللام للاختصاص والاستحقاق أي المقالات الخبيثة مختصة بالخبيثين أو مستحقة أن تقال لهم لاتصافهم بها فالخبيثون شامل للخبيثات تغليباً وثذا الطيبون وأولئك إشارة إلى الطيبين وضمير يقولون للأفكين لسبق ذكرهم فيما مرّ أو للخبيثين القائلين للخبيثات ومبرّؤون أن كان معناه حينثذ أنه لا يصدر عنهم شيء من الفحش احتاج إلى تقدير مثل لأنّ الصادر ليس عين ما صدر عن أولئك كما أشار إليه المصنف رحمه الله ولو أريد أنهم مبرؤون عن الإتصاف بما في مقالتهم لم يحتج إلى تقدير ولذا لم يتعرّض له الزمخشريّ وأن يكون الخبيثات والطيبات صفة لمن يعقل أي النساء الخبيثة لا يرغب فيهن إلا الخبيثون فهو كقوله الزاني لا ينكح إلا زانية الخ كما قيل:
إنّ الطيور على أشباهها تقع
فهو من إرسال المثل والإشارة لأهل البيت وقوم مخصوصين وفي قوله أولئك مبرؤون
7 / م 3
تغليب ولم يزد المصنف رحمه الله عليه غير تقديم أحد الوجهين على الآخر لنكتة وإذا كان أولئك إشارة لأهل البيت وفيهم رجال ونساء ناسب حمل الجمعين على الذوات وقد علم مما سبق أنهم المبرؤون وإذ أشير به إلى الطيبين مطلقاً وحمل عليه مبرؤون لزم حمل الخبيثات والطيبات على المقالات ليعلم ما يقال لهم أيّ شيء هو لاستقلال هذه الجملة بخلافه على الأوّل فإنّ ما قالوه معلوم كذا في شرح الكشاف وبه اتضح ما هنا. قوله: (إذ لو صدق) أي ما يقولونه لو طابق الواقع لم تكن زوجته ولم يقرّر على زوجيتها إذ لو علم لم يختر ما يدنسه ولو لم يعلمه أوحى إليه لأنّ الله عصمه عما تنة س منه الطباع. قوله: (يعنيم الجنة) الحامل له على تفسيره بها آية الأحزاب في أمّهات المؤمنين وأعتدنا لها رزقاً كريما فإن المراد به ثمة الجنة لوله أعتدنا كما سيأتي والقرآن يفسر بعضه بعضاً، والتبرآت الأربع كل منها مفسر في محله غير حجر موسى عليه الصلاة والسلام فإنه إشارة إلى ما ورد في الحديث من رميهم له صلى الله عليه وسلم بالأدرة لاستتاره في غسله عن أعين الناس فاغتسل مرة ووضع ثوبه على حجر ففرّ به فذهب خلفه حتى رأوه سليما مما ذكروه به وقوله منصب الرسول صلى الله عليه وسلم أي شرف وعلوّ قدره لأنه في اللغة واستعمال الثقات بمعنى الأصل والحسب والشرف ومنه قول السكاكي أساس الحسنات ومنصبها وقول أبي تمام:
ومنصب نماه ووالد سما به
وأمّا بمعناه المتداول فلم يذكر في اللغة وإنما هو من كلام المولدين والقياس لا يأباه كقوله:
نصب المنصب أو هي جلدي وعنائي من مداراة السفل
…
قوله: (التي تسكنونها الخ) قيل المراد إنها تضاف إليهم بالسكنى مع اتباعهم وقد فسرها بعضهم بالتي اختص! بكم سكاها سواء سكنتموها أم لا لأنّ المانع من الدخول قبل الاستئناس
سكون الغير وانتفاؤه
لا يستلزم ثبوت سكونهم انتهى، وأنت خبير بأنّ ما اختص بهم سكناه لا يشمل ما لا يسكن من بيوتهم فإنّ معناه أن يسكنوها دون غيرهم بل حكمها يعلم من. قوله:(لا جناح عليكم أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة الخ (فإنه يعمها أيضا. ومبنى تفسير المصنف ليس استلزام انتفاء سكنى الغير ثبوت سكناهم بل إنّ إضافة البيوت إلى ضمير المخاطب لامية اختصاصية واذ دل الدليل على أنه لا يراد الاختصاص الملكيّ ثبت أنه اختصاص السكنى ثم إنّ السكون يقابله التحرّك فلا معنى له هنا اهـ (أقول (كل من المعنيين صحيح وما اختاره المصنف رحمه الله سالم من التكرار وما ذكره الرادّ غير مسلم لجواز أن يراد بالاختصاص كونها في يده وتصرفه وأمّا اعتراضه على عبارة السكون فقصور منه رحمه الله قال الراغب في مفرداته السكون ثبوت الشيء بعد تحرك. ويستعمل في الاستيطان السكنى أن يجعل له السكون في دار بغير أجرة اهـ. قوله: (فإن الآجر الخ) تعليل للتفسير المذكور أي لا يراد من بيوتكم معنى التملك وإلا انتقض بالآجر والمعير طرداً وعكسا. قوله: (من الاستئناس بمعنى الاستعلام) من آنس بالمد بمعنى أبصر وابصار الشيء طريق إلى العلم به فلذا أفاد معنى الاستعلام وقيل كأنه لم يثبت آنس بمعنى علم عند المصنف وإن ذكره بعض اللغويين والا كان الظاهر أن يقول إذا علم وفيه نظر وقوله للحال أي للحال المعهودة في الاستئذان وقوله فإنّ الخ بيان لما بينهما من اللزوم حتى يكون كناية عما ذكر. قوله: (هل يراد دخوله أو لا يؤذن له) هكذا هو في النسخ التي رأيناها ولا إشكال فيه وأو على ظاهرها وهو طبق ما في اك كشاف ووقع في نسخة المحشي هل يراد دخوله أو يؤذن بدون لاوله وهي غير مستقيمة وقد تكدف لها بأنّ أو بمعنى الواو أو للتخيير في التعبير وقيل يراد بمعنى يرضى والإذن المراد به صا كان تحاشيا عن رذه لا برضا وهو تعسف وفي نسخة هل يردّ وعدم القبول والظاهر أنه كله تحريف. قوله:) أو من الاستئناس الذي هو خلاف الايحاس (يعني أنه بمعناه المعروف وهو كناية عن المأذونية ويص كونه مجازاً أو استعارة وقوله خائف الخ أي من أن لا يؤذن له لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه فاذا أذن له استأنس كما في الكشاف والظاهر أنه مراد المصنف لكنه عدل إلى ما ذكر لأنه أظهر فما قيل إنه عدل عنه لاستلزامه الاستئناس فيمن يردّ لزوال خفاء الحال فلا شبهة أنّ المراد بالحال المعهودة فإن أريد بها الإذن أو حال المستأذن عليه وما هو فيه لا يرد ما ذكره بقرينة قوله فإذا الخ وأيضاً لا يلزم الاستئناس عند الردّ لأنّ الاستيحاس معلوم بالطريق الأولى وسببه غير منحصر في خفاء الحال. قوله: (أو تتعرّفوا الخ) عطف على تستأذنوا يعني أنه يجوز أن يكون استفعالاً من الإن! بالكسر
لا بالضم بمعنى الناس كما فيما قبله فهو بمعنى طلبهم أي طلب معرف من في الدار منهم وأشار بتأخيره كما في الكشاف إلى مرجوحيته لأن المعروف أنّ الاستئناس ضد الاستيحاس ولأنه اشتقاق من جامد كما في السرج من السراج ولأنّ معرف من بها لا يكفي بدون الإذن فيوهم جواز الدخول بلا إذن ولا يفهم من قوله وتسلموا وما فسره به المصنف رحمه الله تفسير لمجموع الغاية لا له فقط فلا تكرار فيه على تفسير الاستئناس بالاستثذان كما توهم ولأنّ التسليم إنما يكون بعد التعرّف فلا حاجة إلى ما ذكره مع ذكر قوله تسلموا فلا وجه للقول بأولوية هذا لمناسبته لقوله فإن لم تجدوا فيها أحدا فتدبر. قوله: (وعنه صلى الله عليه وسلم الخ) رواه ابن ماجه وهو كما في الكشاف عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قلنا يا رسول الله ما الاستئناس فقال يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة ويتنحنح يؤذن أهل البيت والتسليم أن يقول السلام عليكم " دخل ثلاث مرّات فإن قلت هذا كعبارة المصنف يقتضي أنّ الاستئذان داخل في التسليم وتفسيره الاستئناس بالاستئذان يخالفه قلت السنة في الاستئذان أن يقرن بالتسليم فتارة جعل من التسليم لأنه بدونه كالعدم وتارة جعل مغايرا له كما في نفس الأمر اعتمادا على معرفة المخاطب بالسنة وفي الأذكار النووية الصحيح المختار تقديم السلام على الاستثذان كما جاءت به السنة وفيه ثلاث أوجه أحدها هذا والثاني عكسه والثالث واختاره الماوردي وبه يوفق بين الأقوال والروايات
أنه إن وقعت عين المستأذن على من بالمنزل قبل دخوله قدم السلام والأقدم الاستئذان وثلاث مرات منصوب على المصدرية. وقيل: إنه ظرف ليقول.
قوله: (من أن تدخلوا بغتة) هذا هو المفضل عليه إن كان خير اسم تفضيل فإن كان صفة
لا يقدّر ما ذكر وعلى هذا فخيرية المفضل عليه إمّا على زعمهم لما في الانتظار من المذلة ولعدّهم تحية الجاهلية حسنة كما هو عادتهم إلى الآن في قولهم صباح الخير ومساء الخير أو هو من قبيل الخل أحلى من العسل وما قيل من أنه إذا قدر المفضل عليه فهو غير هذا إذ لا حسن فيه وهم وفي الحديث تسمية الدخول بغير إذن دمورا وأصله الهلاك ثم غلب فيه ولما أرادوا بيان اختصاصه قالوا دمق بمعنى دمر كما قالوا قانعه الله بمعنى قاتله وهذا من باب نوادر
اللغة فاعرفه. وقوله: أو من تحية الجاهلية لو عطفه بالواو كان أحسن. قوله: (دخل بيتاً) هو على ظاهره ولا حاجة إلى تأويله بأراد الدخول واللحاف معروف. وقوله: روي الخ رواه في الموطأ وغيره ومنه يعلم أنّ غير بيوتكم شامل لمسكن الأمّ وأمّا اقتضاؤه أنّ العلة هي التحرّز عما يؤدّي إلى الاطلاع على عورة الغير وسيصرّح بأنها أعم فغير مسلم. قوله: (متعلق بمحذوف) أي تعلقاً معنوياً لأنه في معنى التعليل وقد مرّ ما في قوله إرادة الخ فتذكر وقوله وتعملوا هذا أولى من عطفه بأو كما في بعض النسخ. قوله: (فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم) ذكر فيه احتمالين في الكشاف اختلف شرّاحه في الفرق بينهما وكلام المصنف شامل لهما لأنه يحتمل أن لا يكون فيها أحد أصلاً فلا يجوز دخولها لحاجة إلا بإذن من أهلها على أن يكون النفي للقيد والمقيد معاً وأن يكون فيها من لا يعتد بإذنه كصبيّ وعبد على أنّ المنفيّ هو القيد فقط وقال فإن لم تجدوا دون لم يكن لأنّ المعتبر الوجدان سواء كان فيها أو لم يكن. وقوله حتى يأتي الخ صادق بالوجهين وما يخفيه الناس أي وان لم يكن عورة وقوله يأذن وقع في نسخة يؤذن بمعنى يعلم بالحال. قوله: (مع أنّ التصرّف في ملك الغير الخ) المراد بالملك ما يشمل ملك العين والمنفعة فلا يرد أنّ التعليل لا ينتظم ما إذا كان الداخل معيراً حتى يحتاج إلى الجواب بأنه لندرته لم يعتبر. ولذا أورد. بمع الدالة على أنه ليس بتعليل مستقل فلم يبال بعدم شموله مع أنّ الندرة غير مسلمة. قوله. (واستثنى ما إذا عرض الخ) أي المستثنى من الحكم المذكور في قوله يا أيها الذين آمنوا إلى هنا ما ذكر وليس الاستثناء هنا بالمعنى المصطلح بل التخصيص بأمر معلوم من الشرع والعقل ونحوه فهو بمعنى الإخراج مطلقاً لأنّ الضرورات تبيح المحظورات وموضع الضرورة مستثنى من القواعد كما بين في محله. والحرق والغرق لما فيها من الحيوان تبح المحظورات وموضعالضرورة مستثنى من القواعد كما بين في محله. والحرق والغرق لما فيها من الحيوان ونحو. يكون في الدار الخالية والمنكر كالفسق
لغيرها فهو على التوزيع في الإخراج مما شمله النظم فمن قال إنّ التي فيها منكر لا تكون خالية لم يصب ولا حاجة إلى القول بأنه بعد توصيفه بقوله يأذن لكم ينتظمه ولو قيل إنّ المراد بالإذن ما يعمّ الإذن دلالة وشرعاً ولذا وقع بصيغة المجهول لم يحتج إلى الاستثناء رأساً لكن ما ذكر. المصنف رحمه الله وان كان مآله ذلك أظهر. وقوله ونحوها أي نحو المذكورات وهو الخصم في حق إذا توارى كما فصل في كتاب أدب القاضي للصدر الشهيد. قوله: (أزكى لكم) من زكا بمعنى طهر وقوله: عما الخ تعلق به لما فيه من معنى العبد والتنزه وهو على الثاني من الزكاة بمعنى النمو وفي نسخة لما يخلو وهي ظاهرة وقيل عما متعلقة بأطهر لما فيه من معنى التجاوز أي أطهر من الوقوف متجاوزاً عما الخ وفيه أنّ التجاوز المتعدي بعن كما في كتب الأدب بمعنى المغفرة والعفو وغيره متعد بنفسه على كلام فيه كتبناه في حواشي الرضي. قوله: (كالريط) بضم الراء والباء وطاء مهملة جمع رباط بكسر الراء مكان يقيم فيه المجاهدون وتربط فيه خيولهم والمرابطة محافظة الثغور الإسلامية ويطلق على الخانقاه والحانوت هو الدكان والخان الذي تنزله التجار والسابلة معروف وهما معرّبان. قوله: ( {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} الخ) هذا كقوله في سورة إبراهيم قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وقد مرّ عن المصنف رحمه الله أنه أمّا جواب لقل لتضمنه معنى حرف الشرط ومفعوله مقدر أي قل لهم غضوا يغضوا إيذانا بأنهم لفرط مطاوعتهم لا ينفك فعلهم عن أمره وأنه كالسبب الموجب له أو يقدّر لام أمر لدلالة قل أو هو جواب الأمر المقول للقول
أو لشرط مقدر من جنسه وأبطله ابن مالك بأنه يستلزم أن لا يتخلف أحد من المقول له عن الامتثال وأجيب بأنّ الحكم مسند إليهم على سبيل الإجمال لا إلى كل فرد، أو المراد بالعباد والمؤمنين المخلصون منهم وبما مرّ من أنه جعل كالسبب الموجب. ولا يرد أنه لا ملازمة بين الشرط والجزاء لأنه قد يكون جزء علة وفي المغني يرده أنّ الجواب لا بد أن يخالف المجاب إمّا في الفعل والفاعل نحو ائتني أكرمك، أو في الفعل نحو أسلم تدخل الجنة أو في الفاعل نحو تم أقم ولا يجوز أن يتوافقا فيهما، وأيضا الأمر للمواجهة وياقيموا ويغضوا غائب ومثله لا يجوز. وقد قيل إنه لم لا يجوز أن يكون من قبيل من كانت هجرته الحديث أي أقيموا إقامة مقبولة. وقوله: لإيجاب بلفظ الغيبة إتا أن يريد إن لم يكن محكيا بالقول. أو مطلقا والأوّل مسلم ولا يفيد والثاني غير مسلم لأنه إذا كان محكيا
بالقول يجوز التلوين نظراً إلى الغيب بالنظر إلى الأمر بقل (قلت) فيه إنّ اتحاد طرفي الجملة، كما في شعري شعري والحديث يكون إذا قصدت المبالغة تحقيراً أو تعظيما ولا بدّ من تأويله يما يفيد المغايرة، كأن تقيموا ظاهراً فقد أقمتم إقامة نافعة. والمبرد القائل به لم يذكر تأوبلا ولم يخصه بمقام وما ذكره من التلوين لا يفيد هنا وقد مرّ فيه كلام فتأمّل. قوله:(أي ما يكون نحو محرّم) هو بيان لمعنى من التبعيضية فالمراد غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل وجعل الغض عن بعض المبصر غضا عن بعض البصر وفي الكشف أنّ فيه كناية حسنة ليست في حفظ الفروج، ولذا لم يدخل فيه من فتأمّل. قوله:(ولما كان المستثنى منه الخ) جواب سؤال عن الإتيان بمن التبعيضية والتقييد به في غض الأبصار دون حفظ الفروج مع أنه غير مطلق ومقيد في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [سورة المؤمنون، الآية: 5] لأنّ المستثنى من الحفظ هو الإزواج والسراري وهو قليل بالنسبة لما عداه فجعل كالعدم ولم يقيد به مع أنه معلوم من الآية الأخرى بخلاف ما يطلق فيه البصر فإنه يباح في أكثر الأشياء إلا نظر ما حرم عن قصد فقيد الغض به، ومدخول من التبعيضية ينبغي أن يكون أقل من الباقي وفيه نظر ظاهر ولو اقتصر على التوجيه بأنه إتكال على أنه ذكر في آية أخرى كان أولى. وقيل: إنّ الغض والحفظ عن الأجانب وبعض الغض ممنوع يالنسبة إليهم وبعضه جائز بخلاف الحفظ فلا وجه لدخول من فيه وفيه تأمّل. قوله: (وقيل حفظ الفروج الخ) يعني وسترها مأمور به مطلقا فلذا لم يقل من فروجهم فهذا تفسير متضمن للنكتة المذكورة، ولذا قال أبو زيد: كل ما في القرآن من حفظ الفروج فهو عن الزنا إلا هذا فإنه بمعنى الاستتار. وقيل ولذا مرضه المصنف رحمه الله لمخالفتة لما وقع في القرآن. وقيل: وجهه أنها قد تكشف في مواضع يجوز كشفها فيها. وقد يقال: إنّ النهي عن الزنا يعلم منه بطريق الأولى أو الحفظ عن الإبداء يستلزم الحفظ عن الإفضاء فلا يرد أنه لو عمم كان أولى مع أنّ هذا مرجح بأنه معنى حقيقي متبادر منه. قوله: (ذلك) أي الغض والحفظ. وقوله: أنفع إشارة إلى أنه من الزكاة بمعنى النمو وما بعده إشارة إلى أنه منها بمعنى الطهارة لكن فيه جمع بين معنى المشترك وهو جائز عند المصنف رحمه الله وقيل قوله: أطهر ناظر إلى غض البصر وفيه نظر وأفعل إمّا مجرّد عن معنى التفضيل، أو المراد أنه أزكى من كل شيء نافع أو مبعد
عن الريبة وقيل المراد أنه أنفع من الزنا والنظر الحرام فإنهم يتوهمون لذته ضعاً مع ضرره في الآخرة والدنيا لكونه مجلبة للفقر والقحط والطاعون كما ورد في الآثار. والإجالة مجاز عن استعمالها في الرؤية وما لا يحل النظر إليه من الرجال العورة وما بين السرّة والركبة ولمذا قيل: لو ترك* قوله: من الرجال كان أخصر وأظهر لأنّ النظر إلى ما ذكر من النساء لا يحل لهن أيضاً ومن في قوله من الرجال بيانية أو تبعيضية لإخراج ما عدا المذكوو أو الحل النظر إلى المحارم والأزوأح فتأمّل. قوله: (بالتستر أو التحفظ) قد أخر التفسير الذي قدّمه هنا ومرضه في الآية السابقة وليس هذا بناء على ما في الكشف من أنه لاستلزامه المعنى الثاني على وجه برهاني لأنه لو كان كذلك سوى بينهما بل لأنه أنسب بما بعده سواء أريد به ستر أنفسين أو ستر فروجهن مع أنّ الستر بحال النساء أليق وأمّا كونه إشارة إلى ارتضاء ذلك القيل فلا وجه له. وقوله: أو التحفظ أو فيه لمنع الجمع والتخيير في التفسير، وقيل: لمنع الخلق.
قوله: (لأنّ النظر بريد الزنا) ورائد الفجور كما قال الحماسي:
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا! ك يو! اأروك ا! اظر
…
وهي استعارة حسنة والبريد بمعنى الرسول وأريد به الداوعي معرب من بريده دم أي محذوف الذنب لأنه اسم لبغال توضع في الطرق مرصدة لإبلاغ الأخبار وكانت تعلم بذلك ثم أطلق على المسافة الموضوع فيها وعلى الرسول الذي يركبها. فتقديم النهي عته لأنه يتضمن النهي عن الزنا ولأنه يتقدمه في الواقع فجعل النظم على وفقه ولأنّ البلوى به أعم فبودر إلى منعه. قوله: (كالحلئ) المراد بالحلي ما كان في مكان يستر كالخلخال والسوار وكذا الثياب كشعار البدن والإصباغ المراد بها الكحل والخضاب ومذهب الشافعيّ رحمه الله كما في الروضة وغيرها أنّ جميع بدن المرأة عورة حتى الوجه والكف مطلقاً. وقيل: يحل النظر إلى الوجه والكف إن لم يخف فتنة وعلى الأوّل هما عورة إلا في الصلاة فلا تبطل صلاتها بكشفهما ومذهب أبي حنيفة الوجه والكفان والقدمان ليست بعورة مطلقاً فلذا حمل المصنف رحمه الله الزينة على ظاهرها بقرينة الاستثناء والمراد لا يبدينها في مواضعها لأنها لا تكون زينة لهن بالفعل إلا وهي كذلك وكلامه لا يحتمل غيره كما توهم. ولمن الخ متعلق بيبدين. قوله: (إلا ما ظهر منها) إلا بلا إظهار كان كشفته الريح والاستثناء عن الحكم الثابت بطريق الإشارة وهو المؤاخذة به في دار الجزاء وفي حكمه ما لزم إظهاره لتحمل شهادة ومعالجة طبيب وهذا عندنا وعند الشافمي رحمه الله كما فصله أبو بكر الرازي في أحكام القرآن فلا تكلف فيه ولا مخالفة
للمذهب كما قيل. قوله: (وقيل المراد بالزبنة م! واضعها) وفي نسخة مواقعها وهو بمعنا. وهذا ما ارتضا. الزمخشريّ. وهو على مذهب أبي حنيفة رحمه الله وجعله كناية عما ذكر كنقيّ الجيب وهو مجاز من ذكر الحال وارادة المحل. وقيل: إنه بتقدير مضاف كما ذكر. المصنف رحمه الله. وفي الانتصاف. قوله: (ولا يضربن بأرجلهق الآية) يحقق إنّ إبداء الزينة مقصود بالنهي ولو حمل على ما ذكر لزم أن يحل للأجانب النظر إلى ما ظهر من مواقع التزين وهو باطل لأنّ بدن الحرّة جميعه عورة يعني عند الشافعيّ ومالك. وأما إبداء الزينة وحدها فلا خلاف في جوازه إذ لا يحرم نظر سوار امرأة يباع في يد رجل وأمّا كونه تنكسر به قلوب الفقراء فلا وجه له ولذا مرضه المصنف لمخالفته مذهبه، وفيه نظر والزينية نسبة إلى الزينة وفي نسخة التزيينية. وقوله: والمستثنى أي على هذا القول وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والقدمان
. والذراعان في رواية. قوله: (بدن الحر عورة) كما في الحديث المرأة عورة مستورة روا. الترمذيّ عن ابن مسعود رضي الله عنه لكن ليس فيه لفظ مستورة وما ذكره من الفرق بين العورة في الصلاة وغيرها مذهب الشافعي رحمه الله وفيه كلام في ابن الهمام فراجعه. قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ} الخ قال أبو حيان عدي بعلى لتضمنه لمعنى الوضع. وفي مفردات الراغب ما يخالفه فإنه جعله متعديا بها دون تضمين والجيب ما جيب أي اقطع من أعلى القميص وهو ما يسميه العامة طوقاً وأمّ اطلاقه على ما يكون في الجنب لوضع الدراهم ونحوها فليس من كلام العرب كما ذكره ابن تيمية لكنه ليس بخطا بحسب المعنى وضم الجيم هو الأصل لأنّ فعلا يجمع على فعول في الصحيح والمعتل كفلوس وبيوت. والكسر لمناسبة الياء قال الزجاج: وهي لغة رديئةء.. وقوله: بكره بضم الكاف بمعنى الكراهية وحرّمه بعض الشافعية، وقيل إنه خلاف الأولى وهو مذهب الحنفية وتفصيله في الهداية ولام ليضربن ساكنة ومكسورة للأمر. وقوله: فإنهم المقصودون فيه إشارة إلى وجه تقديهم. قوله: (لكثرة مداخلتهم) المفاعلة على ظاهرها أو بمعنى الدخول. وقوله: مماسة القرائب أي الجائزة والمهنة بالفتح والكسر والتحريك الخدمة. وقوله: الأحوط قيل أخره لضعفه بحريان ما ذكر في أبناء البعولة. وقوله:
لأبنائهم يعني وهم غير محرم. وقوله: نسائهن إضافة إليهن لتخرج الكافرات والمراد أنهن لهن التجرّد عند نساء المؤمنات الحرائر لمقابلته لما بعده. وقوله: يتحرّجن من الحرج وهو الإثم أي لا يعدون وصفهن إثماً. قوله: (وللعلماء في ذلك خلاف) يحتمل أن يريد خلاف الشافعية لأبي حنيفة ويحتمل أن يريد
الخلاف في مذهبه فإنّ فيه خلافا عندهم هل يحل للكافرة ذمية أو غيرها أن تنظر من المرأة المسلمة ما عدا الكفين والقدمين والوجه. أولا ويترتب على الخلاف جواز دخولهن الحمام معهن وعدمه. قوله:) يعم الإمام والعبيدا لعموم ما وهو أحد القولين في مذهب الشافعيّ والأصح أنهم كالأجانب وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وذهب ابن المسيب إلى التعميم ثم رجع عته، وقال لا يغزنكم آية النور فإنها في الإناث دون الذكور لأنهم فحول غير محرم ولأزوج والشهوة متحققة لجواز النكاج في الجملة كما في الهداية ومن قال: إنه بمنزلة المحرم عندنا فقد غلط. وقوله: قنعت وفي نسخة تقنعت من القناع وهو ما تستر به المرأة رأسها والحديث رواه أحمد في مسنده وأبو داود. ولم يبلغ بمعنى لم يصل لقصره. وقوله: أبوك وغلامك أي هو مثلهما في أنه يحل له النظر فيما يحل لهما. وقوله: وقيل المراد بها الإماء هذا مذهب أبي حنيفة والمراد بنسائهن الحرائر لأنه المتبادر من الرجال والنساء كما في التيسير مع أنه لو أبقي على عمومه فلزوم التكرار مشترك بين التفسيرين كما قيل. وردّ بأنه على التعميم للتكرار فائد وهي الدلالة على تساوي العبيد والإماء في حل النظر فليس فيه إطناب مخل كما في هذا الوجه أمّا الإطناب، فإنّ إماءهن أقل لفظا من ما ملكت أيمانهن لا لدخوله في نسائهن كما توهم، وأمّا الخلل فلايهامه شمول العبيد، وأمّا القول بأنه إذا عمم النساء فذكر هذا لئلا يظن أنه مخصوص بالحرائر فلا وجه له لأنه يعلم بالطريق الأولى فتدبر. قوله:(أولى الحاجة) تفسير لأولى الإربة لأنها من الإرب بمعنى الحاجة. وقوله: الشيوخ جمع شيخ وهو المسن والهمّ بكسر الهاء وتشديد الميم الهرم الفاني كالهمة وفي نسخة الهرم وهو بمعناه وفيه توصيف الجمع بالمفرد. والممسوحون بالمهملات الذين قطع ذكرهم وخصاهم. والخصيّ من قطع خصاه والمجبوب من قطع ذكره وما قيل من أن الخصيّ بالخاء والضاد المعجمتين بمعنى الضعيف فضعيف ودخولهم على النساء حرام وأوّل من فعله معاوية رضي الله عنه ولم يعتدوا
بتجويزه وأمّا كون المقوقس أهدى للنبيّ صلى الله عليه وسلم خصيا اسمه مابور. كما ورد في كتب الحديث فقبله فلا دلالة فيه على جواز إدخاله على النساء. وأمّا أنه لا يحل إمساكه وبيعه وشرازه كما في الكشاف ففيه نظر. قوله: (بالنصب على الحال (أو الاستثناء وقراءة الجرّ على البدلية لا الوصفية لاحتياجه إلى تكلف جعل التابعين لعدم تعينهم كالنكرة كما قاله الزجاج: أو جعل غير متعرّفا بالإضافة هنا. وفيه نظر. قوله: (لعدم تمييزهم الخ) أصل معنى الظهور البروز فإذا عدى بعلى يكون بمعنى الاطلاع أو الغلبة فإن أريد الأوّل فهو كناية عن عدم التمييز وان أريد الثاني فالمراد به عدم بلوغ حد الشهوة والقدرة على الجماع. قوله:) والطفل الخ (يعني أنه مفرد وضع موضع الجمع كالحاج بمعنى الحجاج وقال الراغب إنه يقع على الجمع ولذا قال بعض النحاة إنه في الأصل مصدر فيقع على القليل والكثير وهذا أولى لأن وقوع المفرد موقع الجمع ردّه بعض النحاة. وقوله: اكتفاء بدلالة الوصف يعني إنّ وصفه بالجمع قرينة على ذلك. قوله: (وهو أبلغ من النهي الخ) لأنّ سماع صوت الشيء أضعف من رؤيته وكون هذا أكثر تحريكا للشهوة غير مسلم. وقوله: أدل على المنع الخ يعني أنه أكثر دلالة على منع النساء من رفع أصواتهن لأنه إذا نهى عن استماع صوت حليهن فعن استماع صوتهن بالطريق الأولى وهذا سد لباب المحرّمات وتعليم للأحوط الأحسن والا فصوت النساء ليس بعورة عند الشافعيّ رحمه الله كما في الروضة. وأمّا عندنا فقال: ابن الهمام صرّح في النوازل أنّ نغمة المرأة عورة وبنى عليها أنّ تعلمها القرآن من المرأة أحب إليّ لأن نغمتها عورة. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء فلا يحسن أن يسمعها الرجل انتهى. قوله: (إذ لا يكاد الخ (يعني أنّ الإنسان في الأكثر لا يخلو من تفريط ما في الأوأمر والنواهي فلذا أمرهم الله بالتوبة وان لم يذكر ذنب هنا. وقوله: سيما بحذف لا وقد جوّزه بعض النحاة ومرّ ما فيه مرارا. وقوله: جب
مجهول أي قطع بالإسلام لأنه هو التوبة عنه فالمراد بالتوبة الندم عما صدر منهم والعزم على الكف وهذا يلزم التائب كلما يذكر خطيئته والفرق بين الوجهين أنّ الأوّل توبة عما هو في الحال وهذا عما مضى. قوله: (وقرأ الخ) في النشر أيها هنا
وقف عليها بالألف في المواضع الثلاثة خلافاً للرسم أبو عمرو والكساتي ويعقوب ووقف عليها الباقون بالحذف اتباعا للرسم. إلا أنّ ابن عامر ضم الهاء اتباعا للياء فيها. قوله: (لما نهى عما عسى يفضي إلى السفاح) أي يؤدّي إليه بتحريك عرق الشهوة وهو النظر وابداء الزينة وضرب الأرجل، والسفاح أصله صب الماء ثم جعل بمعنى الزنا والمخل صفته والمقتضى صفة النسب والمؤذية قيل إنه راجع إلى الثلاثة من الألفة وحسن التربية ومزيد الشفقة وعسى مقحمة هنا وقد وقع مثله في عبارة الكشاف كقوله: فإن عسى- كان ذاك وخطأه أبو حيان فيه. وقال: إنه تركيب أعجمي وخرجها الفاضل اليمني في الإعراف على وجهين أحدهما هذا ونقل في همع الهوامع عن الفراء جواز اقحامها فإن أردت تفصيله فارجع إليه والزجر عنه. في قوله: الزانية الخ. وقوله: الحافظ له أي للنسب أو للنوع وبعد الزجر متعلق بنهي والمبالغة من النهي عن النظر والزينة وهوءتعليل للنهي. وتزويج المولية راجع للأولياء والمملوك واجع للسادة والمولية بصيغة المفعول من ينفذ فيها تصرف الولي وتثبت عليها الولاية. قوله: (وفيه دليل على وجوب تزويج المولية) اعترض! عليه بأنه كيف يكون دليلاً والأمر عندنا للندب. لكنه يقول إنه عندنا خلاف الأصل والظاهر وكأن الطاهر أن يقول عند طلبهما كما وقع في بعض النسخ إلا أنه قيل: إنه أرجعه إلى المولية إشارة إلى أنه لا عبر بطلب المملوك ولا وجه له لأنه بغير طلب غير واجب عند المصنف وقد تكلف له بما تركه أولى من ذكره. قوله: (واشعار بأنّ المرأة الخ) إن أراد بالمرأة ما يعمّ المرأة العاقلة البالغة فلا ولاية لأحد عليها عندنا ودخولها تحت الأمر لشمول الأيامى لها مقيد بإذنها. كما أنّ الرجل من الأيامى كذلك بالاتفاق والأمرو لكون المعتاد فيه! المعاونة والتوسط لإصلاح حالهما. قوله: (وأيامى مقلوب أيايم) ذهب المصنف تبعاً للزمخشريّ ومن تابعه إلى أنه مقلوب لأنّ فعيلاً وفيعلَا لا يجمعان على فعالى فأصله يتائم وأيايم فقدّمت الميم. وفتحت للتخفيف فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ويتيم أيضاً جرى مجرى الأسماء الجلصدة! لأنّ فعيلاً الوصفي يجمع على فعال ككريم وكرام لا على فعائل. وقد مرّ في سورة النساء أنه لما جر! مجرى الأسماء الجامدة كفارس وصاحب جمع على يتائم ثم قلب فقيل يتامى أو جمع على
يتمي كأسري لأنه من باب الآفات ثم جمع يتمى على يتامى وذهب ابن مالك ومن تبعه إلى أنه شاذ لا قلب فيه وهو ظاهر كلام سيبو-له وذهب ابن الحاجب إلى أنهم حملوا يتامى وأيامى على وجاعي وحياطي لقرب اللفظ والمعنى. قوله: (وهو العزب الخ) عن محمد هي الثيب واختار الكرخي ما ذكره المصنف ويشهد له ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها واذيها صماتها ألا ترى كيف قابلها بالبكر وفي رواية الثيب أحق كذا في المغرب وفيما استدل به نظر وقال التبريزي في شرح ديوان أبي تمام قد كثر استجمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته وفي المرأة إذا مات زوجها وفي الشعر القديم ما يدل على أنّ ذلك بالموت وبترك الزواج من غير موت قال الشماخ:
يقرّ بعيني أن أحدث إنها وإن لم أنلها أيم لم تتزوّج
…
انتهى وقد ورد بهذا المعنى في قوله الحماسي:
كل حي تايم منه اهـ حرس أومنهايتيم
…
قوله: (فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم (وان كنت أفتى جملة معترضة وأفتى أفعل تفضيل من الفتوة وهي الشباب وأتأيم جواب الشرط مجزوم وحرك بالكسر لأجل الشعر ومنكم خطاب بصيغة الجمع للواحدة كقوله:
ولو شئت حرمت النساء سواكم
قوله: (وتخصيص الصالحين الخ) أي ليحصن دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم لأنهم ينزلون منزلة الأولاد فكانوا مظنة الاهتمام وعلى الوجه الثاني المراد بالصلاح معناه اللغوي فالأمر للندب كما لا يخفى. قوله: (ردّ لما عسى الخ) مرّ نظيره والغنية ما يستغنى به وغاد ورائح بمعنى آت وذاهب وهو من كلامهم قديما ومعناه لا يستقر على حال فيكون أمراً بغنى القلب والإتكال وخصوا به لما ذكره فلا يرد عليه شيء. وقوله: اطلبوا الغنى في هذه الآية أي بالتزوّج كما
صرح به فيما تابعه من الأحاديث. وقوله: لكن مشروط بالمشيئة دفع لما يتوهم من أنه لا يخلف الميعاد
وكم من متزوّج فقير بأنه مقيد بالمشيئة بدليل سمعيّ. وهو الآية المذكورة أو عقليئ وهو أنّ الحكيم لا يفعل إلا ما اقتضته المصلحة كما في الكشاف لكن هذا مبنيّ على مذهبه كما قيل والأولى أن يقال: إنه من قوله: عليم حكيم. كما فسره به لأن مآله إلى المشيئة ففي هذه دلالة عليه. وهو كلام حسن فإن قيل: كذلك العزب غناه بالمشيئة فلا وجه للتخصيص قيل إنه تقرر في الطباع أنّ العيال سبب الفقر ولذا سموها سوس المال فالمراد دفع هذا التوهم لا التخصيص فالمعنى أن النكاح لا يمنع الغنى فعبر عن نفي المانع بوجوده معه.
كقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [سورة الجمعة، الآية: 10] ظاهره الأمر بالانتشار والمقصود أنه لا مانع منه فعبر به عنه مبالغة وهو تحقيق بديع وفي الجواب الأوّل نظر إليه. وأمّا ما قيل في الجواب من أنّ الغنى للمتزوّج أقرب وتعلق المشيئة به أرجى للنص على وعد المتزوّجين دونهم كما هو كذلك بالاستقراء فيأباه النص على خلافه في قوله: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ} [سورة النساء، الآية: 130] بل في هذه الآية لما في الكشاف وشرحه في قوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [سورة النور، الآية: 33] إنه وعد من الله بالتفضل عليهم بالغنى وهم غير متزوّجين والحاصل أنه أمر للأولياء أن لا يبالوا بفقر الخاطب مع صلاحه ثقة بلطفه تعالى في الإغناء. ثم أمر الفقراء بالاستعفاف إلى وجدان الغنى تأميلاً لهم وأدمج فيها أن مدار الأمر على العفة والصلاج وأنه مع ذلك وعد المتزوّج والعزب معا بالإغناء فلا ورود للسؤال أصلا وليس ذهابا إلى القول بالمفهوم كما توهم. وكون قوله تعالى: ( {إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} (الخ وارداً في منع الكفار عن الحرم فكونها مشروطة بالمشيئة لا يدلّ على مشروطبة ما هنا ليس بشيء كما توهم وقوله: اطلبوا الغنى في هذه الآية. قال بعضهم إنه لم يقف عليه في كتب الحديث إلا أنه روي بمعناه وهو التمسوا الرزق بالنكاج. قوله: (لا تنفد نعمته) أي لا يفنى إحسانه ولا يتناهى لعدم تناهي قدرته على إيجاده وإعطائه ولما كان المتبادر أن يردف قوله واسع بكريم ليكونا تذييلاً لما قبلهما إشار بقوله: في تفسيره يبسط الرزق أي يوسعه ويقدر بزنة يضرب أي يضيقه إلى أنّ عليم تكميل لقوله واسع كقوله: حليم إذا من الحلم زين أهله مع الحلم في عين العدوّ مهيب
…
إذ مقتضى السعة والقدرة أن لا يضيق على أحد فدفعه بأنه لعلمه بأحوالهم واللائق بهم لا
يفعل إلا ما تقتضيه حكمته. قوله: (وليجتهد في العفة الخ) هو مأخوذ من السين الطلبية وفي الكشاف كأنه طالب من نفسه العفاف وحامل لها عليه أي جرّد من نفسه شخصا يطلبه منه وهو من حيز التجريد كما في قوله: يستفتحون ومرّ تحقيقه. وقوله: أسبابه وفي نسخة استطاعته هو إمّا على المجاز أو تقدير المضاف فيه. قوله: (ما ينكح به) فعال يكون صفة بمعنى مفعول ككتاب بمعنى مكتوب واسم آلة كركاب لما يركب به وهو كثير كما نص عليه أهل اللغة ولم يذكره الصرفيون لكونه غير قياسيّ فهو حقيقة. وما قيل: من أنه من إطلاق اسم المسبب على السبب كقوام ولجام لما يقام ويلجم به وهم مع أنّ اللجام معرب ليس في شيء مما نحن فيه. قوله:) أو بالوجدان الخ) وهو مجاز أو كناية كقوله {اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} كما فصله الراغب وقوله المكاتبة أي أنّ الفعال مصدر بمعنى المفاعلة كالعتاب بمعنى المعاتبة وكذا شامل للمال والخدمة وقوله: من الكتاب أي مأخوذ منه. وقوله: بنجوم جريا على الغالب فهو شامل للنجم الواحد عندنا ومذهب المصنف رحمه الله لا بد من تعدده فهو على ظاهره. قوله: (والموصول الخ) فالخبر الإنشائي بتقدير مقول فيه كما هو معروف في نظائره وقد مرّ في المائدة أنه لا حاجة إلى تأويل مثله لأنه في معنى الشرط والجزاء وقوله: أو مفعول فهو من باب الاشتغال ووقوع الفاء في المفسر لتضمنه الشرط أيضا كما مرّ. فما قيل: إنّ تضمن معنى الشرط على ألابتداء والخبر. وعلى الإضمار والتفسير الفاء لأنّ حق المفسر أن يعقب المفسر والمراد كتابة بعد كتابة لكثرة الموالي والمكاتبين غير متوجه. وقوله: والأمر الخ قد عرفت ما فيه فتذكره. قوله: (والآمر فيه للندب) وذهب بعضهم إلى أنه للوجوب بشرط الخيرية. وقوله: لأنّ الخ دليل عدم الوجوب والإرفاق إفعال من الرفق بالعبد بتخليصه من الرق. وقوله: لأنّ المطلق لا يعم الخ ردّ على الحنفية إذ خالفوا ما ذهب إليه الشافعي في تجويز الكتابة الحالة استدلالاً بالاطلاق هنا لأنّ المطلق غير العام وقد قالوا إنّ الكتابة
تغني عن تقييده بالتنجيم لأنه يكتب أنه يعتق إذا أذى ما عليه ومثله لا يكون في الحال فظهر سقوط ما قيل عليه إنه إنما يكون كذلك لو تعين كونها من الكتابة للتأجيل وليس فليس وانّ الإطلاق يكفي لغرض الحنفية إذ لا تمس حاجتهم إلى العموم. قوله: (مع أنّ العجز الخ) يعني أن العبد لكونه لا مال له يؤذيه
فعجزه الحال يمنع صحة المكاتبة الحال قياسا على السلم فيما لا يوجد عند حلول الأجل فإنه لا يجوز. وأجيب بأنها مطلقة فتقييدها بدون حاجة ممتنع، وما ذكر لا يصح القياس عليه للفارق والعتق على مال حال جائز بالإجماع ولا فرق بينهما ولا عجز مع أمر المسلمين بإعانته بالصدقة والهبة والقرض فهو كصحة البغ لمن لا يملك الثمن بل أولى. قوله:) أمانة وقدرة) هذا تفسير الشافعيئ لأنّ مقصود الكتابة يحصل بهما فإن فقدا أو أحدهما لا تستحب الكتابة عنده وهو أولى من تفسيره بالمال. وقوله: روي مثله إشارة إلى تأييده بأنه مروفي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا وجه لمخالفته وتضعيفه. وقوله: صلاحا في الدين مرضه لأنه لا يناسب المقام ويقتضي أنه لا يكاتب غير المسلم وهذا قريب من تفسيره في الهداية بأن لا يضرّ بالمسلمين بعد العتق فإن كان كذلك فالأفضل عدم كتابته. قوله: (وضعفه الخ) إمّا لفظا فإنه لا يقال فيه مال بل عنده أوله ولا يرد على هذا أن العبد لا ملك له كما توهم لأن الاختصاص يكفي فيه كونه في يده مع أنه لا يدفع الضعف وأمّا المعنويّ فلأنّ العبد لا مال له ولأن المتبادر من الخير غيره وان أطلق الخير على المال في القرآن كالأمانة والصلاح وقدرته على الك! سب كما لا يخفى. قوله: (فلا يلزم من عدمه عدم الجواز) بل عدم المشروط وهو الوجوب أو الاستحباب، وهو دفع لتوهم اقتضائه لعدم الجواز فإن كان الأمر للإباحة فالشرط لا مفهوم له لجريه على العادة في مكاتبة من علم خيريته. قوله:(أمر للموالي كما قبله) أي كالأمر الذي قبله وهو أنكحوا وهذا عند الشافعيّ رحمه الله وعندنا لعامة المسلمين ولهم فيه قولان هل الأصل الحط والبذل يدل منه أو عكسه واختار المصنف الثاني لتبادره من الإيتاء ومال إلله ولأنه حينئذ مجاز والأصل خلافه. وفسره الدميري رحمه الله بالتزام المال كما في الجزية وفيه نظر والأصح عندهم أنه يكفي حط مقدار مّا. وقوله: وهو للوجوب يعني في مذهبه. وقوله: ما يتموّل بصيغة المجهول أي ما يعد ما لا كفسقته. وقيل: هو معلوم والعائد محذوف أي به والمعنى يصير ذا مال (فائدة (قال
الدميري رحمه الله: الكتابة لفظة إسلامية. وأوّل من كاتبه المسلمون عبد لعمر رضي الله عنه يمسى أبا أمية. قوله: (ويحل) أي ما يأخذه الكاتب من الزكاة يحل لمولاه لأنه تصدق به على العبد وأخذه منه السيد على أنه بدل الكتابة لا صدقة كما لو أخذه الفقير منه واشتراه غنيّ فإنه يحل له وهذا منقول في الكشاف عن أبي حنيفة رحمه الله قال الطيبي عند الشافعي: أنه إذا أعيد المكاتب إلى الرق أو أعتق من غير جهة الكتابة رد المولى ما أخذه إلا أن يتلف قبله لأنّ ما دفع للمكاتب لم يقع موقعه فقياسه على من اشترى من الفقير غير صحيح وكذا إلحاقه بقصة بريرة رضي الله عنها فإنه لم يظهر فيها بطلان صرف الصدقة إلى من صرفت إليه يعني عند الشافعيئ فليس اعتراضا على الزمخشري فظهر أن معنى قول المصنف رحمه الله: يحل للمولى الخ أنه يحل له إذا لم يرق المكاتب أو يعتق من غير جهة الكتابة، وأمّا عندنا فيحل له مطلقاً لتبدل الملك عند محمد رحمه الله أو لأنه لا يثبت في الصدقة وإنما الخبث في أخذها، عند أبي يوسف رحمه الله لكنه ينافي جعلها أوساخ الناس في الحديث وأنه لا اعتراض عليه كما توهم في المقيس عليه لأنّ كون ما أخذه بدل الكتابة يقتضي تقرّرها وكلامه مبنيّ عليه فتختلف الجهة في الملك اختلافاً صحيحاً مقرّراً عليه. وتنظيره بقصة بريرة رضي الله عنها التي رواها الشيخان لمجرّد اختلاف جهتي الملك فإنها أخذته بعد العتق صدقة وأعطته هدية لآل البيت الذين لا يحل لهم الصدقة فلا غبار عليه. وأمّا عندنا فلا ورود له أصلاً. قوله: (في حديث بريرة رضي الله عنها وهو كما في البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها أرادت أن تشتري بريرة وأنهم اشترطوا ولاءها لهم فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: اشتريها فأعتقتها فإنما الولاء لمن أعتق قالت فأتى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت هذا ما تصدق به على بريرة فقال هو لها صدقة ولنا هدية. وبريرة
بفتح الباء الموحدة وكسر أولى الراءين المهملتين كانت مكاتبة كما في البخاري فاشترتها عائشة ثم أعتقتها والصدقة المعطاة ليست زكاة لفك رقبتها فالمقيس عليه تبدل الملك فما اعترض! به عليه وهم. قوله:) كانت لعبد الله بن أبتي) ابن سلول رأس المنافقين والحديث صحيح في مسلم والضرائب جمع ضريبة وهي المال المعين المقسط. وقوله: فشكا بعضهن
أي ثنتان منهن كما صرّحوا به. قوله: (شرط للإكراه الخ) قيل على تقدير التسليم يكون سببا للترك لا للذكر. وقيل: لا مجال للمنع لظهور أنّ الإكراه يكون على خلاف الإرادة والاختيار. ثم المقصود ردّ من تمسك بالآية لإبطال المفهوم إذ لو اعتبر يلزم جواز الإكراه إذا لم يرد التحصن وهو لا يتصوّر وخلاصته مغ أنّ لها مفهوما مستنداً لما ذكر. فظهر أن ما اعترض به عليه من أنه شبه مقابل للمنع بالمنع مع تعرّض المصنف رحمه الله لبيان سبب الذكر وهو الإشعار بندرته وغرابته وتقريع مرتكبه وفيه أنّ قوله لا مجال للمنع غير مسلم عند قائله لأنه يجوز الإكراه إذا لم يردن التحصن بأن تكره على زنا غير الذي أرادته أو على ما أرادته ومنعها منه الحياء أو زيادة طلب أجر ونحوه وفي العضد وشروحه الغالب أن الإكراه يكون عند إرادة التحصن لأنهن إمّا أن يردن التحصن أو البغاء أو لا يردن شيئا لكن الغالب إرادتهن التحصن، فخرج الشرط مخرج الغالب ومثله لا مفهوم له، وكل ضدين اختيار بين لا ثالث بينهما لا يجوز خلوّهما عن الإرادة عندنا لأنها صفة تخصص أحد المقدورين بالوقوع وأحدهما واقع. فلا بد له من مخصص وعند المعتزلة يجوز خلوّهما عنها لأنّ الإرادة عندهم تتبع اعتقاد النفع فيجوز أن لا يكون في النفس ميلى لهما. فقوله: الغالب أن الإكراه يكون كند إرادة التحصن بناء على مذهب المعتزلة لأنّ الاعتراض لأبي عبد الله البصري والقاضي عبد الجبار منهم. وفيه بحث وأمّا قوله: إنه منع للمنع مخالف لآداب البحث فعند التأمّل غير وارد لأنه منع للسند وهو قد يمنع كما قرّروه. وفي شرح المفتاح الشريفي فائدة تقييد النهي بالشرط التنبيه على أنهن مع قصورهن إذا أردن التعفف فالولي أحق بذلك فهي نعي عليه وزجر له والآية نزلت فيمن أردنه فخص لخصوص مورده قيل وهو الأوجه فتأمّل وقوله: لجواز الخ لا مغايرة فيه لما قبله ويرد عليه ما تقدم. قوله: (وإيثاران الخ) هذا ما قرره أهل المعاني ولا غبار عليه ولا يلزم أن يترتب على القيد حكم شرقي حتى يقال إنه لا وجه لذكر لمجرّد هذه النكتة. وما قيل من أنّ إيثارها للإيذان بوجوب الانتهاء عن الإكراه عند كون التحصن في حيز الإرادة والشك وإن كان له وجه يبعده سبب النزول الداخل فيه بالأولوية لتحقق الإرادة فيه ولذا لم يعرجوا على ما ذكره. قوله: (لتبتغوا) أي لأجل الابتغاء والطلب وعرض الحياة كسبهن وأولادهن وقوله: لهن ذكروا فيه وجوها تقدير لهن وله ولهما معا والإطلاق لتناوله لهن تناولاً أوّليا. واعترض! أبو حيان على الوجه الأوّل بخلوّ جواب اسم الشرط عن ضميره وردّ بأنه لا محذور فيه لأنّ اللازم لانعقاد الشرطية كون الأوّل سببا للثاني مع أنّ التقدير فإنّ الله بعد إكراههم إياهن. والمقدر يكفي
للربط. وقيل: جواب الشرط محذوت أي فعليه وبال إكراههن. وردّ بأنّ فيه ارتكاب إضمار بلا ضرورة ولا يخفى أنّ ما ذكره أبو حيان هو الأصح عند النحاة. وفي المغني إذا وقع اسم الشرط مبتدأ فهل خبره الشرط أو الجزاء لالتزامهم عود ضمير منه إليه على الأصح. وأما ما ذكره معه ففيه نظر لأنهم لم يعدوا الفاعل المقدر في المصدر في نحو هند عجبت من ضرب زيدا رابطا ولا فرق بينهما كما توهم وتقدير الجواب المذكور لتسبب الجزاء كما لا يخفى. قوله: (على المكره) بفتح الراء القتل هذا مذهب الشافعي وقد خولف فيه وتفصيله في الفقه وقيل إنّ الإكراه كان دون الإكراه الشرعي فلذا ذكر هذا. قوله: (لآن اجمراه لا ينافي المؤاخذة بالذات) أي المؤاخذة بارتكاب ما نهى عنه من حيث هو منهيّ عنه لا تنافي الإكراه لأنه لا يسقط حرمته وأئمه ولا يسقط التظليف وإنما المنافي لها عدم التكليف به والإكراه بواسطة المغفرة له مناف لها وذلك بالعرض لا بالذات. وذهب بعض أهل الأصول إلى منافاة بعض أنواعه للمؤاخذة ولذا قال الزمخشريّ: لعل إكراههن كان دون ما اعتبره الشارع وتفصيل المسألة في أصول الفقه.
قوله: (التي بينت في هذه السورة) فالمبين الآيات والمبين فيه السورة والتبيين ذكرها واضحة الدلالة فقوله: وأوضحت فيها أي في هذه السورة عطف تفسير عليه. وأمّا كون ضمير فيها للأيات على أن الأصل مبيناً فيها على الحذف والإيصال فوجه آخر لا يمكن إرادته مع الأول كما توهم ولو أراده لقال: أو أوضحت وهذا على قراءة الفتح وعلى الكسر فهو إما من بين بمعنى تبين اللازم والمرإد تبين كونها آيات من الله وشرائع مطهرة ولذا قال: تصدقها الخ أو من المتعدي والمفعول محذوف كما ذكره المصنف رحمه الله والإسناد مجازيّ. قوله: (وقصة الخ) يعني المثل هنا بمعنى القصة المستغربة كما مرّ ومن ابتلا. ائية اتصالية أو بيانية والمراد أنها من جنس القصص المستغربة في الأمم السالفة لأنها كقصة يوسف عليه الصلاة والسلام ومريم حيث أسند إليهما مثل هذا الإفك فبرأهما الله منه. وقوله: تلك الآيات إشارة إلى ما مضى في هذه السورة. وقوله: وقيل معطوف على قوله يعني الآيات فالمراد بها في الأوّل الآيات الماضية في هذه السور وفي هذا جميع القرآن. وقوله: والصفات الخ إشارة إلى مصححه. قوله تعالى: {اللهِ نُورٌ} الخ في الكشاف في سورة البقرة الإضاءة فرط الإنارة فقي!! : إنه جعل الضوء أبلغ من النور وأشد. لقوله:) جعل الشمس! ياء والقمر نورا) وفي الفلك الدائر أنه غير صحيح إذ ليس له في اللغة شاهد ولا في ألاستعمال مساعد وقد قال ابن
السكيت: النور الضياء فسوى بينهما والآية المذكورة لا تدلّ على المدعي وأجيب بأنّ كلام ابن السكيت بحسب أصل الوضع وما ذكر بحسب الاستعمال كما في الأساس. والتحقيق ما في الكشف من أنّ الضوء فرع النوو وهو الشعاع المنتشر ولذا أطلق النور على الذوات دون الضوء ولما كان الإبصار بالفعل بمدخلية الضوء كان فيه مبالغة من جهة أخرى وتنويره ما قاله الإمام السهيلي رحمه الله في الروض في توله ورقة:
ويظهرفي البلاد ضياء نور يقيم به البرية أن تموجا 0..
إنه يوضح معنى النور والضياء وأنّ الضياء هو المنتشر عن النور والنور هو الأصل ومنه
مبدؤه وعنه يصدر وفي التنزيل فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً لأنّ نوو القمر لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر عن الشمس لا سيما في طرفي الشهر. وفي الحديث الصلاة نور والصبر ضياء وذلك لأنها عمود وهي ذكر وقرآن ونهي عن المنكر والصبر عن المنكر ضياء صادر عن هذا النور الذي هو القرآن ومن أسمائه تعالى النور دون الضياء وهذا منزع رفيع وسر بديع فيه نور وشفاء لما في الصدور علم به أنّ بينهما فرقا لغة واستعمالاً وأنّ أبلغية كل منهما لها وجه. وتسميته تعالى به فان فهمت فنور على نور وبهذا تبين أنّ قول الشريف إطلاق كل منهما على الآخر مشهور فلا يتأتى الفرق المأخوذ من استعمالات البلغاء ولا المأخوذ من اصطلاح الحكماء وهو أق الضوء ما يكون للشيء من ذاته والنور ما يكون من غيره كلام ناشىء من ضيق العطن وكذا ما قيل ينبغي أن يكون النور على الإطلاق أقوى. قوله: (الله نور السموات الكنه إنهما يتجه إذا لم يكن بمعنى المنور كما عليه المفسرون فاحفظه فإنه نفيس. قوله: (النور في الأصل كيفية الخ) بين في الحكمة أن المبصر بالذات الألون والأضواء وما سواها يدرك بواسطتها بعد إدراكها وان لم يشعر به واليه أشار بقوله: ظاهر بنفسه الخ والضوء عندهم كالنور كيفية وقيل: جوهر شفاف وأمّا عند اللغويين فقد مرّ تحقيقه. وقوله: كالكيفية وفي نسخة الكيفيات والجمع باعتبار الأفراد وما أفيض عليه. قوله: (المحاذية لهما) أي المقابلة للنيرين وفي نسخة بواسطتها أي تلك الكيفية وهو إشارة إلى أنها مشروطة بالمقابلة. فإن قلت: إنا نجد وجه الأرض مضيئا عند الأسفار من الشمس التي لم تقابله حينئذ قلت: استضاءة وجه الأرض بمقابلة الهواء المستضيء بها والقابلة إمّا بالذات أو بالواسطة. وقوله: وقد قرىء به أي بمنور على زنة اسم الفاعل وقرىء نور ماضياً أيضا. قوله: (لا يصح (لأنه تعالى منزه عن الجسمية والكيفية. وقوله: زيد كرم في الكشاف ثم تقول ينعش
الناس بكرمه وجوده أي تجيء بما يدلّ على أنّ المراد ذو كيرم كما قيل: مثل نوره ويهدي الله لنوره. وقوله: بمعنى منوّر
فهو مجاز مرسل من إطلاق اا " نر على مؤثره كما يطلق المسبب على سببه ولم يجعله من المبالغة لأنه لا يحسن هنا جعله نفس الكيفية إدّعاء ولا يصح. كما أشابى- إليه في قوله: بالكواكب الخ قيل: هو لف ونشر فتنوير السماء بالكواكب والأرض يما يفيض عنها وكذا قوله: بالملائكة والأنيياء عليهم الصلاة والسلام لكن التنوير على هذا عقليّ لا حسيّ وفيه نظر. قوله: (أو مدبرهما) معطوف على قوله منوّر السموات فيكون مجازا واستعارة وأورد عليه أنه ذكر فيه طرفا التشبيه وهما الله والنور فهو تشبيه بليغ لا استعارة على الأصح إلا أن يكون على قول ضعيف أو يعطف على قوله تجوّز والجوإب عنه أنّ ذكرهما إنما ينافيها إذا ذكر على وجه ينبىء عن أنه مشبه وكان هو المشبه بعينه كما أشار إليه في مواضمع من الكشاف وصرّح به أهل المعاني كما سنرا. في سورة الدخان وهنا لم يشبه إلله بالنور بل المدبر به وذكر جزئي يصدق عليه المشبه أو كليّ يشمله لا ينافي ذلك واليه أشار من قال: يمكن أن يقال: إنه استعارة تبعية استعير للتدبير بعلاقة المشابهة في حصول الاهتداء ثم اشتق منه المنور بمعنى المدبر. وقوله: من قولهم بيان لتصحيح الاسنعارة حيث يفهم منه جواز إطلاق النور على التدبير في قوله: على تجوز دلالة على هذا إلا أنه خبط فيه خبط عشواء لأنّ النور مصدر فلا معنى لجعل الاستعارة فيه تبعية ولا حاجة إليه بعدما سمعته وقد مرّ تفصيله في سورة يوسف وعذا جار في قوله أو موجدهما. قوله: (فإنّ النور ظاهر الخ) كذا في المواقف حيث ذكر إنه من أسماء الله وكذا قال الغزالي: فإن فهمت فهو نور على نور فيكون أطلق عليه تعالى مجازا مرسلا باعتبار لازم معناه وهو ظهوره في نفسه واظهاره لغيره وأريد بالظهور فرده الكامل وهو ما كان من كتم العدم إلى الوجود لتبادره واليه أشار بقوله: وأصله الوجود. وقيل: هو استعارة وقوله: ظاهر الخ بين لوجه الشبه فالمستعار له الواجب الوجود الموجد لما سماه لا الوجود كما توهم والم! نتعار منه الظاهر بنفسه المظهر لما سواه لكن قوله: وأصل الظهور الخ لا يناسبه فإنّ الأصالة ينبغي أن تكون في المشبه به وان كانت الأعرفية كافية فيه كما هنا والمراد بكونه أصلاً إنه أقوى أفراده أو أنه مترتب عليه في الأكثر فتامّل. قوله: (أو الذي به يدرك الخ) الظاهر أنه معطوف على قوله: منوّرهما وهو مجاز لا على قوله: تجوّز حتى يكون حقيقة ولا على قوله كيفية كما قيل لبعده واباء ما بعده عنه والنور يدرك بواسطته المعالم فتجوّز به عن مفيض الإدراك ومعطيه لأنه يفيض على الإنسان ما علم وهو قريب من معنى الهادي. كما أشار إليه فهو مجاز مرسل أو استعارة لا تشبيه بليغ كما عرفت ويدرك الأوّل معلوم والثاني مجهول وهما
تنازعا قوله أهلهما أي السموات والأرض. يعني أنه أطلق عليه تعالى مجازاً لإطلاقه على قوّة البصر والبصيرة إطلاقا شائعا حقيقة أو بمنزلتها لتجوّز به عن معطي ذلك لأنه سببه أو مشابهه ولذا قال: وهو الله وفيما ذكره المحشي هنا خلل يعلم مما مرّ. قوله: (لتعلقها به (يشير إلى ما في البصر من الخلاف هل هو بشعاع نوراني فيتعلق البصر بالنور أو بالانطباع أو بمجرد خلق الله فيكون مثابها أو متوقفا عليه على وجهي التجوّز كما مرّ وهما وجهان لإطلاق النور على الباصرة. وقوله: من حيث بيان لإطلاق النور عليه تعالى. وقيل: معنى قوله لتعلقها به أنّ أبصارها بسببه فهو مجاز مرسل. وقوله: عليه أي على كل منهما لا على النور فتأمّل. قوله: (ثم على البصيرة لأنها أقوى) فهي أحق بإطلاق النور عليها من الباصرة فإن قلت قوله ثم يقتضي أنها دونها وقوله أقوى يخالفه قلت هما باعتبارين فإنّ إطلاق النور على البصر أشهر وأظهر والبصيرة مستمدة من الحواس الظاهرة غالباً فهي في المرتبة الثانية بهذا الاعتبار وباعتبار أنّ مدركاتها أكثر أقوى ورب فرع قلق أصله فهي تدرك المعدومات ونفسها بخلاف الباصرة. وقوله: الموجودات والمعدومات بدل أو صفة للكليات والجزئيات لتعميم إدراكها وقوله: تغوص في بواطنها أي تدرك ما خفي وتركب منها وهذا بيان للإدراكات العقلية التي لا تدركها الباصرة إجمالا. وقوله: تتصرف فيها أي في بواطنها أو في المدركات قيل وهو أولى. قوله: (ثم إنّ هذه الإدراكات الخ) إشارة إلى العلاقة بين المدرك المسمى نورا وبين الباري تقدس وتعالى بل كونه أحق به والمراد من الإدراكات إدراك البصر والبصيرة
السابقين جميعاً. وقوله: ولذلك سموا نورا هذا مجاز آخر لتسمية القرآن نوراً وما ذكره ملخص من مشكاة الأنوار للإمام الغزاليّ وتفسير الإمام رحمهما الله.
قوله: (ويقرب منه قول ابن عباس الخ (يعني أنه تعالى سبب لكل من الهداية والإدراك وادراك الشيء مطابقاً للواقع سبب للهداية فيؤول إطلاق النور بمعنى سبب الإدراك عليه تعالى إلى كونه هادياً لكن لما كان بين مفيض الإدراك والهادي تغاير في الجملة قال: يقرب منه فقول الطيبي ومن تبعه إنّ قول ابن عباس رضي الله عنهما من واد وهذا من واد إذ قوله من وادي طور سيناء وهذا من وادهام فيه ابن سيناء فإنّ معنى قوله: الله هادي العالمين مبين ما يهتدون به ويتخلصون من ظلمات الكفر والضلال بوحي منزل ونبيّ مرسل والتأويل الذي عليه التعويل ما ساعده النظم سياقا وسباقا وما قبله من قوله: ولقد أنزلنا الخ إشارة في ضمن ما بين من
الأحكام إلى نزاهة أمّ المؤمنين رضي الله عنها وطهارة ساحة أفضل المرسلين هدانا بها إلى معالم الحكم فذكر بعدها أنه الهادي ثم قال: يهدي الله لنوره فأخذ الكلام بعضه بحجز بعض غير سديد. وما هو من التعصب ببعيد. وقوله وادهام فيه ابن سيناء إشارة إلى أنه أخذ. من كلامه من الإشارات:
وفي الإشارات ما يغني عن الكلم
فتدبر. قوله: (وإضافته إليهما (أي السماء والأرض مع أنه بجميع معانيه نور لجميع الموجودات فإئا أن يكون ليس المقصود التخصيص بهما بل القصد إلى سعة إشراقه كقوله وجنة عرضمها السموات والأرض أو المراد بهما العالم كله كإطلاق المهاجرين والأنصار على جميع الصحابة رضي الله عنهم فإن قلت هذا من إطلاق اسم البعض على الكل مجازاً وقد اشترط فيه في التلويح أن يكون الكل مركباً تركيباً حقيقياً ولم يثبت في اللغة إطلاق الأرض على مجموع الأرض والسماء والإنسان على الآدميّ والسبع قلت لا يتعين كونه مجازاً لجواز كونه كناية كما صرّج به الطيبي ولو سلم فما في التلويح غير مسلم أو أغلبيّ مقيس لأنّ الزمخشريّ ذكر في قوله تعالى: {لَا يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء} أنه عبر عن جميع العالم بالسماء والأرض وقال العلامة في شرحه أنه من إطلاق الجزء على الكل وقوله العقلية يعني بها الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام والأولياء وقوله: وقصور الخ وجه آخر لعدم التعميم والاقتصار عليهما والمدلول لهما شامل لإثبات الصانع. قوله:) صفة نوره) هو معنى المثل كما مرّ في سورة البقرة وقوله دليل الخ لأنه لو كان عينه لزم إضافة الشيء إلى نفسه فهو يدلّ على أنه على تقدير مضاف أو أنه مجاز عما مرّ والكوّة بفتح الكاف وضمها الطاقة. وقوله: كصفة إشارة إلى تقدير مضاف فيه وثاقب بمعنى شديد الإضاءة. وقوله: كالزهرة بضم الزاي وصتح الهاء وتسكينها خطأ اسم للكوكب المعروف وهو تمثيل للكوكب وخصه لشدة ضوئه وشبهه بالسراج وزهرته بفتح الزاي وضمها مع سكون الهاء بياضه وحسنه. قوله: (منسوب إلى الدرّ) في الزاهر لابن الأنباريّ الدري الكوكب المضيء وفيه خمس لغات ضم
الدال وكرها وفتحها مع الهمزة وضم الدال وكسرها مع تشديد الياء فمن قال درفي نسب إلى الدر لحسنه وضيائه فوزنه فعليّ ومن قال: درىء بالضم والهمز فهو فعيل من درأ الكوكب درأ جرى أو دفع وهو شاذ لأنّ فعيلا ليس من أبنية العرب ومريق اسم المعصفر أو ما سمن من الخيل وعده سيبويه من أبنيتهم. وقال أبو عبيدة: أصله درّوء كسبوح فجعلت الضمة كسرة لاستثقال الضمات والواو ياء كما قالوا في عتوّ عتى. ومن قال: دريّ بكسر أوّله كسره من أجل الياء التي بعد الراء مجانسة لها فقول منسوب إلى الدر بناء على عدم وجود فعيل والهمزة من تغييرات النسب، وقوله أو فعيل على مذهب سيبويه. وقوله من الدرء بمعنى الدفع أو الجري كما مرّ وقيل هو من درأ إذا طلع بغتة وفاجأ وقوله قلبت همزته على أنه من درأ المهموز ودريء بالكسر كشريب وسكيت صف مشبهة وهو أفصحها والضم لندور. جعله بعضهم لحناً ولا وجه له مع وروده في الكتاب العزيز وفي اللباب فعيل غريب لا نظير له إلا مريق وعلية وسرية وذرية قاله: أبو عليّ. وقال الفراء لم يسمع إلا مريق وهو أعجمي وأمّا درىء بفتح الدال والهمز فشاذ ليس له نظير إلا سكينة بفتح السين في لغية حكاها أبو زيد وما ذكره في سرية خالف فيه بعض أهل العربية وجعله نسبة إلى السير وهو النكاح وضمه من تغييرات النسب
كدهري وقيل هو فعلولة من السرور فأبدلت الراء الأخيرة ياء فوزنها فعليلة وأما ذرية فنسبة إلى الذر على غير القياس لإخراجهم كالذر من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام وقوله فإنه يدفع إلى آخر. إشارة إلى أنّ الدرء بمعنى الدفع. وقوله أو بعض معطوف على فاعل يدفع المستتر. وقوله: ويدل عليه أي على القلب وقوله وقد قرىء به أي بكسر الدال وقوله مقلوباً أي مقلوباً همزته ياء وقيل إنه يريد به القلب المكاني بتقديم الهمزة ساكنة على الراء فإنه قرىء به في نادر الشواذ وهو غريب. قوله: (أي ابتداء) إشارة إلى أنّ من للابتداء والثقوب الإضاءة وقوله المتكاثر نفعه تفسير لمباركة وقوله بأن رويت بتشديد الواو وتخفيفها أي سقيت متعلق بابتداء. وذبالته بضم النال المعجمة وتخفيف الموحدة هي الفتيلة وقوله إبدال الزيتونة وقال أبو عليّ إنه عطف بيان بناء على أنه يكون في النكرات فلا وجه لرد ابن هشام عليه في تذكرته وقوله تفخيم لشأنها لما في التفسير بعد الإبهام من تمكينه في الذهن وتعظيمه وقوله على إسناده إلى الزجاجة إشارة إلى أنه على ما قبله مسند للمصباح واذ أسند إلى الزجاجة فهو بتقدير مضاف أي مصحباحها أو مبالغة. قوله: (وقرىء توقد) هي قراءة أبي عمرو وابن كثير وأصله تتوقد بتاءين فخفف بحذف إحداهما وذكرها بالمجهول توطئة لما بعده والا فعادته استعمال مثله في الشواذ وقوله: ويوقد بفتح الياء
التحتية والواو- وا القاف المشدّدة ورفع الدال والمعروف إنما هو الحذف لاجتماع التاءين المتماثلتين لكنه كما قال ابن جني شبه فيه حرف مضاوعة بحرف مضارعة فعومل معاملته كما - ضببهت التاء والنون في تعد ونعد بياء يعد فحذفت الواو معهما كما حذفت فيه لوقوعها بين ياء وكسرة أو أنه شبه به لانجتماع زيادتين وان لم يتماثلا كما ذكره المصنف لكنه غريب في الاستعمال. قوله: (تقع الشمس عليها الخ) فإنها إذا كانت شزقية وقعت الشمس عليها وقت!! الشروق فقط وإذا كانت غربية وقعت عليها عند الغروب فإذا كانت بينهما وقعت عليها ديئما فأريد به ذلك وهو لازم معناه وقوله طول النهار منصوب على الظرفية أي من أوّله إلى آخره وهو معروف بهذا المعنى وليس مقابلاً لقصره كما يتوهم ولا يرد على هذا التفسير أنه يعارض الحديث الآتي لأنّ القائل له لا يسلم أنّ معنى المضحى ما كان بارزاً للشمس دائما بل يفسره بما تقع عليه الشمس في أوّل النهار وقت الضحى أو نقول الحال فيه يختلف باختلاف الأقاليم حرا وبردا واعتدالاً أو باعتبار الثمار كالزيتون وغيره وأمّا كون الحديث غير ثابت لقول العرأي وابن حجر إنه لم يوجد في شيء من كتب االحديث فلا يناسب إيراد المصنف له من غير تردّد فيه. والقلة رأس الجبل وقوله أنضج أي أكثر ئضجاً في نسخة أبهج. وقوله ولا في صوضع في نمخة مضحى. قوله: (أو في مقنأة) فسره بقوله تغيب عنها دائماً لأنّ المقنأة بالقاف وفتح النون. وضمها والهمزة المكان الذي لا تطلع عليه الشمس عند أبي عصرو وقال: غيره أنه بالألف بدون اهمزة وهو مقنوة بالواو وهو نقيض المضحاة وقوله في القاموس المقناة المضحاة كأنه غلط منه! وقد أخر الزمخشريّ الوجه الأوّل وقال في تفسيره له ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط بل تصيبها بالغداة والعشيّ جميعا فهي شرقية غربية وفيه خفاء ولذا أخره وفسره لأنّ النفي إذا دخل على متعددة فإمّ أن يراد نفي كل واحدءمنهما منفردا ومجتمعاً وحيئ! ذ تكرّر لا نحو لا فارض ولا بكر وإمّا أن يراد نفي اجتماعهما ولا تكرّر فيه لا وهنا قصد إثباتهما وأنها شرقية غربية وافادة التركيب له خفية فأشار إلى أنّ فيه قيدا مقدرا توجه إليه النفي وهو قوله ضط فيفيد اجتماعهما وفي شرح الكشاف عن المطلع أنه كقول الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيمواسيوفهم ولم تكثر " القتلى بها حين سلت
…
إذ معناه شاموا سيوفهم وأكثروا بها القتلى وهو اختيار الزجاج وتعقبه في الكشف بأنه لا استدلال بالبيت على ما ذكره لجواز أن يريد لم يشيموا غير مكثري القتلى على الحال وافادته المعنى المذكور واضحة حينئذ وفي البيت كلام طويل ليس هذا محله قال: أبو حيان رحمه الله
في تذكرته فان قلت: إذا لم تكن شرقية ولا غربية فما هي قلت المعنى ليست في مشرقة أبداً والمشرقة الموضع الذي لا يصيبه ظل ومعنى غربية ليست
في مقنأة والمقنأة المكان الذي لا تصيبه الشمس أي ليست الزيتونة تصيبها الشمس خاصة ولا الظل خاصة ولكن يصيبها هذا في وقت وهذا في وقت وهو أحسن لها والا فالشرقية والغربية لا تخرج عنهما انتهى. قوله تعالى: {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} كلمة لو في مثله لا تكون لانتفاء الشيء لانتفاء غيره ولا للمضي وكذا ليست للتعليق والاستقبال بل المعنى ثبوت الحكم على كل حال ولذا قيل إنها للتأكيد والواو للعطف على مقدّر هو ضدّ المذكور وعند بعضهم إنها حالية لكن مقتضاه كون حرف الشرط مع ما بعده حالاً فتقديره والحال لو كان كذا أي مفروضاً كما قدره بعضهم. والزمخشري وغير. يقدّره ولو كان الحال كذا ولا يخفى حاله كما ذكره المحقق في شرح الكشاف وتحقيقه كما قاله: المرزوقي أنّ أدوات الشرط لا تصلح للحالية لأنها تقتضي عدم التحقق والحال يقتضي خلافه فلذا قيل إنه ينسلخ عنها الشرطية وانها مؤوّلة بالحال كما أنّ الحال تكون في معنى الشرط نحو لا فعلنة كائنا ما كان أي أن كان هذا أو غيره وإنما قدره الزمخشري والمرزوقي بعد لو إشارة إلى أنه قصد إلى جعلها حالاً قبل دخول الشرط المنافي له ثم دخلة تنبيهاً على أنها حال غير محققة وهذا سرّه وان خفي على من لا يخفى عليه مثله فاعرفه. وعلى جعلها عاطفة كما ارتضاه اكثرون لا يتوهم إن كاد تنافيه فإنها تقتضي انتفاء الإضاءة وهو إنما هو في حال عدم مس النار لا في حال مسها فيتعين كونها حالية لا عاطفة فإنه غفل عما قرّروه من قولهم في كل حال فإنه كما هو منتف في حال عدم المس منتف في مجموع الحالين أيضاً لا يتوهم أيضا أن المبالغة تقتضي الاقتصار على الثاني لأنّ المراد التسوية بينهما. قوله: (وفرط وميضه) في نسخة بالميم والضاد المعجمة ومعناه البريق واللمعان وفي أخرى وبيص بالباء الموحدة والصاد المهملة ومعناه أيضاً البريق والتلألؤ الإنارة ومنه اللؤلؤ لصفاته واشراقه وقوله: متضاعف إشارة إلى أنّ الجار والمجرور صفة معناه ما ذكر. وقوله: زاد في إنارته زاد يكون متعديا ولازما وهو لازم هنا ومن ظنه متعدّياً فقد قصر. وقوله: وضبط المشكاة لأشعته في الكشف دلّ هذا على أنّ وجه الشبه الإضاءة وقوّتها لا السعة والفشو فلا يتوهم أنه كالمتناقض لكون المصباح في مكان متضايق فتأمّل. قوله: (في معنى التمثيل) أي في المراد من التشبيه مطلقا وعبر بالتمثيل موافقة لما في النظم وقوله تمثيل للهدى يعني أنه تشبيه مركب بمركب فشبهت فيه الهيئة المنتزعة بأخرى والنور وإن كان لفظه مفرداً دالّ على أمور متعددة وقيل: إنه ذكر للتنصيص على ما هو العمدة في التمثيل وقوله في جلاء الخ متعلق تمثيل وهو وجه الشبه وهو مركب عقليّ كما في شرح الكشاف والمراد بالآيات آيات القرآن مطلقاً أو آيات هذه السورة. وقوله:
من الهدى بيان لما تضمنته وهو مدلولها أيضا وفي عبارته نوع خفاء. قوله: (أو تشبيه للهدى الخ) يعني أنه تشبيه مقيد وفي شرح الكشاف أنه على هذا من المركب الوهمي حيث تصوّر في المشبه والمشبه به حال منتزعة وهي قوله: من حيث إنه محفوف الخ فشبه الهدى المحيط به الضلال بمصباح في ليل مظلم كقوله:
وكانّ النجوم بين دجاها سنن لاح بينهن ابتداع
…
ولا يخفى أنه بحسب الظاهر ينافيه كون حق الكاف الدخول على المصباح وقوله لاشتمالها يعني به أنّ المشتمل مقدّم على المشتمل عليه في رأي العين فقدم لفظا رعاية لذلك أو لأنه إذا دخل على المشتمل فكأنه دخل على ما فيه فلا وجه لما قيل إنه لا يكفي فيه بل النكتة أنه أبلغ لأنّ الإنارة إذا نسبت للمشكاة فالمصباج أقوى بها. وكذ ما قيل إنّ فيه قلبا وإنما كان المصباح أوفق من الشمس لأنه ما يوقد في الليل فيدلّ على الظلمة التي لها دخل في التشبيه. وقيل: إنه تشبيه مفرّق فشبه الهدى بالمصباح والجهالات بظلم استلزمتها وفيه نظر. قوله: (أو تمثيل لما نور الله الخ) ففيه مضاف مقدر أي كنور مشكاة كما أشار إليه وهذا الوجه رجحه الطيبي على غيره وقال إنه تفسير السلف وأنه الأنسب بالمقام ونقل البغوي عن كعب أنه قال إنه مثل ضربه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فالمشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح ما فيه من الحكم وعن الحسن رحمه الله تعالى الشجرة المباركة شجرة الوحي يكاد زيتها يضيء القرآن يتضح
وان لم يقرأ أو شجرة النبوّة والظاهر على هذا أنه تشبيه مفرّق وقيل إنه مركب كالأول والفرق بينهما في أصل المعنى لا في طريق التشبيه. واضافة النور إليه تعالى باعتبار السببية. قوله: (أو تمثيل لما منح الله الخ) فهو تشبيه مفرّق وهذا مبنيّ على كلام الحكماء ولذا قال الطيبي رحمه الله: إنّ المقام ينبو عنه فتركه أولى من ذكره. وقوله: وهي الحساسة أي القوّة الحساسة والمراد بها الحس! المشترك فإنّ الحواس الظاهر كالجاسوس لها واليها يتأدّى ما يدرك كما أشار إليه المصنف وهي في مقدم البطن الأول من الدماغ وهذا شروع في بيان الحواس الباطنية التي
سمتها الأطباء نفسانية. والقوّة الخيالية هي التي تتخيل صور المحسوسات بعد غيبتها وتحفظها. وقوله: بالحواس الخمس أراد بها الحواس الظاهرة لأنها جواسيسها كما مرّ ومن لم يقف على مراده اي ض عليه بأنه لا يصح أن يقال تدرك المحسوسات بالحواس الخمس بل يقال: أعني الحواس الخمس. فإن تلت: فحينثذ كان حق النظم كمشكاة وزجاجة ومصباح الخ حتى يفيد تشبيه كل واحد بكل واحد قلت لما كان كل من هذه الحواس يأخذ ما يدركه مما قبله كما يؤخذ المظروف من ظرفه أشار إلى ذلك بأداة الظرفية دلالة على بديع صنعه وحكمته. وقوله بالأشياء الخمسة متعلق بتمثيل على اللف والنشر. وقوله: فإنّ الحاسة في نسخة بدله الحساسة. قوله: (لأنّ محالها الكوي) في نسخة كالكوي جمع كوّة بفتح الكاف وضمها وقد مرّ بيانه والكوي يكسر مع المد والقصر ويضم مقصوراً ومحالها جمع محل وفي نسخة محلها وض! مير محالها ووجهها للحاسة والمراد بيان وجه السبب لتجويفها وتوجهها لظاهر البيت لا لما خلفه لتوجهها للحواس الظاهرة وكونها في مقدم الدماغ وما قيل من أنّ الظاهر أن يقول لأنها كالكوّة ووجهها إلى الظاهر فإنه يوهم أنّ المقصود تشبيه محلها لأنفسها بالمشكاة والقول بأنّ لفظ المحل مقحم وجمع لتعدد المواد تكلف ما لا يوافق مأخذ كلامه لا وجه له فإنه تكلف فيه واقحام لفظ المحل وان صح لكنه لا يرتضيه من وقف على مراده فتدبر. قوله: (في قبول صور المدركات) وحفظها لها كالزجاجة القابلة للأشعة المنعكسة وضبطها للأنوار ولحفظها المدركات الحس المشترك وقوله: كالشجرة هو أوفق مما في بعضها بالشجرة والزيتونة عطف على الشجرة. وقوله: لتأدّيها ولتجردها تعليل للتشبيه فهو متعلق بمتعلق الكاف أو بها لتأويلها بأشبه عند من جوّزها. قوله: (أو تمثيل للقؤة العقلية الخ) وهو تشبيه مفرّق لا تمثيليّ كما قيل هذا زبدة ما في النمط الثالث من الإشارات وهو أنه إشارة إلى قوى النفس النظرية ومرتبتها من البداية إلى النهاية لأنها أمّ استعداد الكمال أو نفس الكمال والاستعداد إمّا ضعيف أو متوسط أو قوفي فالضعيف استعداده للمعقولات الأولى كالطفل للكتابة وهو العقل الهيولاني والمتوسط
استعداده للمعقولات الثانية بعد الأولى كالأمي لتعلم الكتابة وهو العقل بالملكة وحصول المعقولات الثانية إمّا بحركة من الذهنية وهو حصول بالفكر أو بحركة الذهن وهو حصول بالحدس ويدخل فيه التعلم. والاستعداد القوفي استعداد المعقولات الثانية بعد حصولها كاستعداد القادر على الكتاب وهو العقل بالفعل والكمال حصول المعقولات الثانية وهو العقل المستفاد والشيخ حمل مفردات التنزيل على هذه المراتب لكن لتلك المفردات ترتيب فيه حيث جعل الزجاجة في المشكاة والمصباح في الزجاجة. وتحقيقه كما في المحاكمات أنّ هناك استعدادا محضا واستعداد اكتساب واستعداد استحضار وحصول ولا شك أنّ استعداد الاكتساب بحسب الاستعداد المحض واستعداد الاستحضار بحسب استعداد الاكتساب فتكون الزجاجة وهي عبارة عن العقل بالملكة إنما هي في المشكاة وهي العقل الهيولاني والمصباح وهو العقل بالفعل في الزجاجة التي هي العقل بالملكة لأنه إنما يحصل باعتبار هو حصول العقل أولاً. والعقل بالملكة إنما يخرج بالقوّة إلى الفعل فالفكر والحدس والشجرة الزيتونة إشارة إلى الحدس ويكاد زيتها يضيء إشارة إلى القوّة القدسية فإن قلت هذا لا ينطبق على النظم لأنه وصف الشجرة بتلك الصفات وهذه أمور متباينة لا يجوز وصف أحدها بالآخر. قلت الشجرة الزيتونة شيء واحد. فإذا ترقت في أطوارها حصل لها زيت إذا ترقى وصفاً كاد يضيء وكذلك
الاكتساب قوّة نفسية هي فكرة فإذا ترقت كانت حدسا ثم قوّة قدسية فهي وان كانت متباينة ترجع إلى شيء واحد كالشجرة وأمّا قوله لا شرقية الخ فهو إشارة إلى أنها ليست من عالم الحس الذي لا يخلو عنهما كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: مجرّدة عن اللواحق الخ أو لأنها بين الصور والمعاني والصور ظهورها كالشروق والمعاني خفاؤها كالغروب فاعتباره في جانب المشبه به ظاهر أيضاً ولها نور على نور وهو العقل المستفاد وقد مثل نوره تعالى بالعقل المستفاد وهو كمال النفس الإنسانية في القوّة النظرية تحقيقا لاستلزام معرفة النفس معرفة الرب علت كلمته وهذا تحقيق لطيف. وقد قال بعض المشايخ: إنّ حقيقتها نور قدحه رّناد الإيمان بيد اليقين في حراق الوهم فاشتعل مصباح البصيرة في ظلمة الطبيعة وغايتها إعمال النظر الصحيح في تحصيل أسباب النجاة فافهم. قوله: (فكالشجرة الزيتونة الاحتياج الإيقاد منها إلى كسب فشبه بها التحصيل بالنظر. والحدس يشبه الزيت وقوله والإلهام عطف على ملك الوحي
وأفرد الذي لكونهما في حكم شيء واحد ولو ثنى كان أظهر وقوله من حيث إنّ العقول تشتعل عنها ضمير عنها ليس للقوّة القدسية بل هو لمرجع ضمير مثله فلو ذكره كان أظهر ولذا قيل إنه من سهو الكاتب لكنه أنث مراعاة للخبر وقوله يهدي الله لنوره إشارة إلى أنّ ما ذكر تقريب وتلويح. وقوله: توضيحاً تعليل للأدناء. وقوله: معقولاً كان أو محسوسا فالتوضيح إنما فائدته للناس. وقوله: وعد ووعيد لأنّ علمه تعالى عبارة عن مجازاته كما مرّ. وقوله: لمن الخ لف ونشر مرتب والاكتراث الاعتناء. قوله:) متعلق بما قبله) أراد ما يشمل التعلق المعنوي والصناعي لأنه على الأوّل صفة وقد قيل إنه لا يليق بشأن التنزيل لتوسط قوله نور على نور الخ بين أجزاء التمثيل وهو فصل بين العود ولحاله مع أنه يؤدّي إلى كون حال ذكر المنتفعين بالتمثيل بنور الهداية بطريق الاستتباع والاستطراد مع قصد أضدادهم بالذات وليس بشيء فإنه زخرف من القول إذ لا فصل فيه وما قبله إلى هنا كله من المثل فتنبه. قوله: (فيكون تقييدا (أي على الوجهين وقوله: بما يكون لخير باللام والخاء المعجمة والراء المهملة في نسخة صحيحة أي قيده بما يكون معد للخير وهو الطاعة والعبادة لمناسبته للممثل له وهو الهداية ونحوها وضبطه بعضهم كما في بعض النسخ تحبيراً بالحاء والراء المهملتين والباء الموحدة يعني تزييناً وتحسينا ولا مدخل له في التمثيل وفي أخرى تحيرا وكحيز بمعنى محل ومقر بالمعجمة وزاد الكاف لأنها معلقة فيه فليس حيزا حقيقياً لها كما قيل وهو تكلف. قوله: (أو مبالفة فيه (وفي نسخة ومبالغة بالواو ووجه المبالغة كونها أضوء وأكبر وعلى هذه النسخة يكون عطفه على ما قبله كالتفسير له ليكون له مدخل في التمثيل. قوله:) أو تمثيلَا لصلاة المؤمنين (هو عطف على قوله: تقييداً أو تحبيراً على ما في بعض النسخ يعني أنه شبه صلاتهم الجامعة للعبادات القولية والفعلية بالجوامع أو شبه أبدانهم بها وهذا مناسب لما مرّ من أن المشكاة قلب المؤمن وقد قيل عليه أن جعل المراد من البيوت الصلاة أو الأبدان لأحسن له ولذا لم يذكره الزمخشري وغيره وقيل إنّ تخصيص الصلاة لزيادة الأنوار العقلية بها الكمال التوجه للنور الحقيقي وعلاقتها بالمساجد من حيث الحالية والمحلية وعلاقة الأبدان المشابهة في إحاطة الأنوار وما يتوهم من أنّ المشبه قلب المؤمن في بدنه بالمشكاة التي في المساجد فاسد لعدم ذكره فيما سبق وفيه نظر. قوله: (ولا ينافي جمع البيوت وحدة المشكاة (سواء تعلق بمشكاة أو بتوقد وسواء كان تمثيلاً أولاً والوحدة من التاء فالمراد إفا الوحدة الجنسية أو أنّ النكرة قد نعم في الإثبات ويكفي لتحقق الوحدة أن يكون في كل بيت مشكاة واحدة مع أنه غير لازم. وقوله: إذ المراد أي بالمشكاة وقوله بلا اعتبار وحدة الخ قد علمت أنه يجوز اعتبارها. قوله:) أو بما بعده)
وهذا أولى مما قبله والجملة مستأنفة حينئذ وقوله وفيها تكرير أي لفظ فيها وفيه إيهام لطيف فهو كقوله ففي رحمة الله هم فيها خالدون ومررت بزيد به وهذا أجود من مررت بزيد بزيد وبعض النحاة يعربه بدلاً كما في شرح التسهيل وفي المغني الأكثرون يوجبون في مثله سقوط الجاو وأن يرفع الاسم بالابتداء أو ينصب بإضمار جاوزت ونحوه بالوجهين قرىء قوله والظالمين أعد لهم وهو من توكيد الحرف بإعادة ما دخل عليه مضمراً
كان زيداً أنه فاضل وليس الجار والمجرور توكيدا للجار والمجرور لأنّ الظاهر لكونه أقوى لا يؤكد بالضمير وليس المجرور بدلاً بإعادة الجار لأنه لا يبدل مضمر من مظهر وإنما جوّزه النحاة قياسا ولا يخفى أنّ مثله وقع في القرآن وكلام العرب كثيرا وما ذكره غير وارد لأنّ المجموع بدل أو تأكيد وأتى بالظاهر هربا من التكرار وفي الكشاف وشرح المفتاح إشارة إليه فلا وجه لما ذكره.
قوله: (مثل سبحوا الخ) وهذه الجملة كما قيل مترتبة عل ما قبلها وترك الفاء للعلم به
نحو قم يدعوك. والثلاثة بيت المقدس والحرمان وقوله: والتنكير للتعظيم لتعينها وعلى الأوّل هو للتبعيض والتعليل كما أشار إليه المصنف رحمه الله. وقوله: أو التعظيم فالرفع معنويّ والمراد أن لا يفعل فيها ما لا خير فيه فليس عطف يذكر تفسيريا كما قنل وعلى الأوّل هو أعلاء البناء وأذن الله بمعنى أمر أو أجاز. وقوله: حتى المذاكرة إشارة إلى استحباب المذاكرة العلمية فيها. قوله: (أي يصلون) فذكر التسبيح وأريد الصلاة لاشتمالها عليه. وقوله: والغدوّ مصدر فأطلق على الوقت مجازا ثم صار حقيقة عرفية فيه. وفال المصنف في الرعد الغدوّ جمع غداة كقنى وقناة وقيل: مصدر ويؤيده إنه قرىء الإيصال أي الدخول في وقت الأصيل. وفوله: ويؤيده يدل على أنه مرضي له ولذا اقتصر عليه هنا فقيل لمجرّد الحكاية لا للتمريض حتى يكون بين كلاميه تتاف كما قيل وجمع الغدوات والعشايا باعتباو الأيام وخصهما لأنهما محل الاشتغال بالأسواق والمعاس فيعلم غيرهما بالطريق الأولى. قوله: (وهو جمع أصيل) في الكشاف جمع أصل كعنق وفي الكشف الظاهر أنه جمع أصيل كشريف وأشراف لأن أصلاً جمع أيضاً وسيأتي أنه غير صواب وما ذكره المصنف تبع فيه الجوهري وفي الأساس أنّ أصلاً مفرد كأصيل فلا يعارضه كلام الجوهري ولا يخفى أنّ أصلا يكون مفردا وجمعاً وجمع فعيل على أفعال ليس بقياسي كما ذكره النحاة وفي الروض للسهيلي الأصائل جمع أصيلة والأصل جمع أصيل لأنّ فعائل جمع لفعيلة وأصيلة لغة معروفة فيه وظن بعضهم أنه جمع آصال بزنة
أفعال وآصال جمع أصل كاطناب وطنب وأصل جمع أصيل كرغف ورغيف فأصائل جمع جمع الجمع وهو خطأ لأنه لم يجمع جمع الجمع حتى يكون هذا نظيره ولأنهم لا يجمعون الجمع الذي ليس لأدنى تعدد فأحرى أن لا يجمع جمع الجمع وأيضا فيه غفلة عن الهمزة التي هي فاء إذ ظنوها كأقاويل ولو كانت كذلك لكانت الصاد فاء وهي عين فلو كان أصائل جمع آصال كأقاويل لأقوال لقيل آصال وأواصل بإبدال الهمزة التي هي فاء واو الاجتماع همزتين وأيضا أصل جمع كثرة وآصال جمع قلة فكيف يكون جمعه فآصال جمع أصل واحد كأصيل كما ورد في كلام الأعشى والآصال جمع أصيل بحذف البزوائد انتهى. قوله: (وهو الدخول في الأصيل) كأعتم وأصبح بمعنى دخل في العشمة والصباح. قوله: (إلى أحد الظروف الثلائة الخ) يعني له وفيها وبالغدوّ وقيل إنه على زيادة الحروف الجارة فعلى الأوّل إسناد حقيقيّ. وفي الأخيرين مجازي إلى المكان أو إلى الزمان والأولوية للأوّل لأنه يلي الفعل ولأنّ الإسناد على حقيقته وقد تبع فيه الطيبى حيث جوّز فيه زيادة الحروف وعدمها ولا يخفى أنه ارتكاب لما لا داعي له. والذي ذكره اتزمخشريّ زيادة الباء إذا قرىء تسبح بتاء التأنيث في المجرور القائم مقام الفاعل لضعفه واحتياجه للتاويل كما في قرإءة أن تعف عن طائفة في سورة براءة ثم إن إسناده إلى فيها إفما يكون إذا لم يكن في بيوت متعلقا بيسبح فمن اقتصر عليه وجوّزه هنا فقد غفل عنه. قوله: (ورفع رجال يما يدلّ عليه الخ) أي يسبحه رجال ويجوز كونه خبر مبتدأ أي المسبح رجال وفي المغني في الباب الخامس أنه لا يجوز أن يبنى الفعل للمفعول ثم يؤتى بالفاعل تمييزا فلا يقال ضرب أخوك رجلاً فإنه نقض للغرض الذي حذف لأجله قال: وأمّا قراءة من قرأ يسبح بفتح الباء فالذي سوغ فيها ذكر الفاعل بعدما حذف أنه في جملة أخرى واعترض عليه بأنّ فيه منقضاً للغرض واًنّ كونه في جملة أخرى لا يفيد ولا وجه له لأنّ الغرض! ثم في محله وأصاب محزه والجملة الثانية جواب سؤال مقدّر فحسن فيها ذكره لأنه محل التفسير والبيان بعد الإبهام وليس هذا موجودا فيما منعه فتأمّل وقوله ومفتوحا الخ فالباء زائدة كما عرفته والإسناد مجازي بجعل الأوقات مسبحة كما أشار إليه بقوله:
على إسناده الخ أو على إسناده إلى ضمير المصدر المؤنث وهو التسبيحة وسياتي نظيره في قوله ليحكم كما قيل: وقد ضعف بأن الوحدة لا تناسب المقام. قوله: (معاملة رابحة الأنه أصل التجارة. ووجه المبالغة أنه يفيد أنه لا يشغلهم شيء أصلَا وقوله مطلق المعاوضة أي رابحة أو غير رابحة وقوله أو بإفراد الخ فيكون من التخصيص بعد التعميم وهو عكس الأوّل وان أريد بالبيع الشراء فلا
تخصيص وهما متلازمان. وقوله: وفيه إيماء لأنه لا يقال فلان لا تلهيه التجارة إلا إذا كان تاجرا لأنّ المتبادر نفي القيد وإنما قال إيماء لاحتمال أن يكون معناه لا يشغلهم شيء عن طريق الكناية ولاحتمال أن يرجع النفي للقيد والمقيد كقوله:
على لا حب لا يهتدي بمناره
فمن قال إنها نزلت فيمن فرغ عن الدنيا كأهل الصفة ولم يرتضه المصنف لأنه لا يقال لا
تلهيه التجارة إلا لمن أغلب حاله التجارة وما ذكر لا يتبادر إليه الذهن لم يصب فالصواب أنه إنما تركه لأنه لم يصح عنده ولا يناسب المقام لأنه على ما اختاره أمدح كما لا يخفى والجلب ما يكون بالمسافرة فيراد بالتجارة ما لا يكون بسفر أو الأعم. وقوله: لأنه الغالب فيها أي الغالب في التجارة الجلب فهو لازم لها عادة وليس المراد أنّ لفظ الجلب غالب فيها حتى يرد ما يقال: إنّ المناسب أن يقول: غالب فيه على أن كون لفظ التجارة غالبا في معنى الجلب ممنوع. قوله: (عوّض الخ) في شرح الكشاف عن الزجاج أصله أقوام فقلبت الواو ألفا ثم حذفت لاجتماع ألفين وأدخلت التاء عوضاً عن المحذوف وقد تعوض عنه الإضافة كما مر ويرد عليه أنه لا داعي إلى قلبها ألفا مع فقد شرطه وهو أن لا يسكن ما بعدها فلو فيل نقلت الحركة لما قبلها فالتقى ساكنان الخ كان أصح واشتراط الحذف بتعويض التاء أو الإضافة مذهب الفراء وسيبوبه رحمه الله لا يشترطه. قوله:) عد الآمر الخ (أصله عدة والتاء فيه عوض عن فاء الكلمة وأوّله:
إنّ الخليط أجد والبين وانجردوا
وقيل: إنه جمع عدوة بمعنى ناحية فأراد جوانب الأمر ونواحيه فلا شاهد فيه. قوله:) ما جب الخ) يعني المراد بالزكاة المال المؤدّي لأفعله لإضافة الأيتاء إليه وقوله يخافون استثناف او حال وقوله: مع الخ يميل إليه ويوما مفعول على تقدير مضاف أي عقابه وهو له أو بدونه أو ظرف والمفعولط محذوف. قوله: (تضطرب) يعني أنّ المتقلب إمّا نفس القلوب والإبصار كقوله وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر كما قرّروه ثمة أو حالها كما ورد يا مقلب القلوب وقوله ما لم تكن تفقه هو الإيمان وأمور الآخرة وما لم تكن تبصر مشاهدة أمور الآخرة وما
أنكر في الدنيا وقوله من توقع النجاة من سببية فلا وجه لما قيل إنّ الأظهر بين توقع النجاة الخ. قوله: (أو لا تلهيهم الأنه وان لم يكن فعلَا لكنه في معنى يكفون وأمّا تعلقه بيخافون فلا يناسبه أحسن ما عملوا إلا أن يكون باعتبار ما يلزمه من الرجاء. قوله: (أحسن جزاء ما عملوا الخ) أصل معنى الجزاء المقابلة والمكافأة على ما يحمد ويتعدى إلى الشخص المجزيّ بعن قال تعالى {لَاّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} وإلى ما فعله ابتداء بعلى تقول جزيتة على فعله وقد يتعدى إليه بالباء وأمّا ما وقع في مقابلته فبنفسه والباء قال: الراغب يقال جزيته كذا وبكذا هذا ما حققه أهل اللغة فلذا قدر المصنف وحمه الله فيه مضافا ليكون من جنس الجزاء فيتعدى إليه بنفسه لأنه لو لم يقدّره وأفعل بعف! ما أضيف إليه سواء كانت ما موصولة أو مصدرية يكون الأحسن عملَا فيتعدّى إليه بعلى أو الباء وحذف الجار غير مقيس عليه وما قيل إنّ أحسن العمل أدناه المندوب فاحترز به عن الحسن وهو المباح إذ لا جزاء له أورد عليه أنه يلزمه حذف الخافض وهو غير مقيس بخلاف حذف المضاف فإنه كثير مقيس وهو مسلم إن لم يقدر قبل أحسن مضاف أي جزاء أحسن كما ذكره القائل في قوله: ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون في التوبة لكنه ليس في كلامه هنا ما يدلّ عليه وكون المقام يقتضي الاهتمام بالجزاء لا ينافيه وقد يفسر ما عملوه بما سبق وأحسنيته ظاهرة والموعود بالجرّ أو النصب صف جزاء أو أحسن. وقوله: أشياء تمييز لنسبة الزيادة وقوله: سعة الإحسان إشارة إلى أنّ قوله تعالى: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} كناية عن السعة والمراد إنه لا يدخل تحت حساب الخلق وعدهم. قوله: (حالها على ضدّ دّلك)
الإشارة إلى ما سبق من حال المؤمنين وجزائهم أحسن الجزاء والضدية في كونها غير مجزى عليها أو معاقب بها والمراد أنها لا ت! طصه من خلود العذاب إن قلنا إنه يجازي على ما يشترط فيه الإيمان أو المراد الأعمال المشروطة به كما سيأتي تفصيله وقوله: يسرب الخ إشارة إلى وجه التسمية وأن السراب بمعنى الجاري في الأصل لأنه في النظر يتوهم كذلك. وقوله: وقيل جمعه أي القاع جمع القيعة وقيعات أمّا جمع قيعة فيرسم بتاء طويلة أو مفرد كفرهاة بمعنى قاع فتاؤه مدوّرة وقيل ألفه للإشباع وأصله قيعة والديمة مطرد أيم بلا برق ورعد والذين كفروا معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة أو على مقدر ينساق إليه ما قبله وجملة يحسبه صفة سراب أو مستأنفة وفسر الظمأ بالعطش وقد قيل إنه أشده وكلاهما صالح هنا. قوله: (وتخصيصه لتشبيه الكافو به) أي
تخصيص الظمآن بالذكر مع انه يتراءى لكل أحد كذلك فكان الظاهر الرائي بدله لما ذكر ولم يرد أنّ المراد بالظمان هنا الكافر كما في الكشاف وان صح إوادته أيضا من أنه شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجده ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيسقونه الحميم والغساق وفي شرحه إنما قيده به ولم يطلقه لقوله: ووجد الله الخ لأنه من تتمة أحوال المشبه به وهو أبلغ لأنّ خيبة الكافر أدخل وأعرق ونحوه مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا الخ فإنّ الكافرين هم الذين يذهب حرثهم بالكلية يعني أنه شبه أعمال الكفار التي يظنونها نافعة وماكها الخيب برؤية الكافر الشديد العطش في المحشر سراباً يحسبه شرابا فينتظم عطف وجد الله أحسن انتظام كما نوّروه وهو تشبيه تمثيلي أو مقيد ولا مفرّق كما توهم فلا يلزم من اتحاد بعض المفردات في الطرفين تشبيه الشيء بنفسه كاتحاد الفاعل في أراك تقدم رجلا وتأخر أخرى فلا وجه لما قيل إنّ جعل الظمآن هو الكافر حتى تطرد الضمائر للظمآن يؤول لتشبيه الشيء بنفسه كما قيل:
وشبه الماء بعد الجهد بالماء
يعني قول بعض الشعراء في حمام:
لله يوم بحمام نعمت به والماءمن حوضه مابينناجاري
…
كأنه فوق مسعاة الرخام ضحى ماء يسيل على أثواب قصار
…
فإنه عيب عليه حتى قال فيه بعضهم:
وشاعر أوقد الطبع الذكيّ له فكاد يحرقه من فرط لألاء
…
أقام بعمل أياما رويته وشبه الماءبعدالجهدبالماء
…
وليس بشيء لما عرفت وكذلك هذا الشاعر فإنه شبه هذا ااهـ خام الأبيض في الحمام بشقة قصار بيضاء جرى عليها الماء ولم يرد تشبيه الماء ولكن لما ذكره في الطرفين جاء بارداً فأشار الشاعر إلى برودته بما ذكره وليس في الآية ما يضاهي ذلك فافهم فإنه من النكات الأدبية. قوله تعالى: {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} قيل يجوز أن يكون شيئاً بدلاً من الضمير ويجوز إبدال النكرة من المعرفة بلا نعت إذا كان مفيداً صرّح به الرضي أو حالاً أو وجد من أخوات ظن فشيثا مفعول ثان. قوله: (مما ظته) فسره به إشارة إلى أنّ الحسبان بمعنى الظق وهو المشهور وأن فرق بينهما الراغب بأن الظن أن يخطر النقيضين بباله ويغلب أحدهما على الآخر والحسبان أن يحكم باحدهما من غير أن يخطر الآخر بباله وقيده به لدفع ما يتوهم من التناقض بين مجيئه له وكونه غير شيء ولذا قيل إنّ المراد بكونه غير شيء أنه غير معتد به والتوهم في كلامه مقابل اليقين فيشمل الظن فليس في كلامه شيء ويدفعه أيضاً تقدير مضاف وهو موضعه وإذا لم يقدر فمجيئه
بناء على توهمه وقيل إنّ في جاءه حينئذ إسنادا مجازيا وفيه نظر. قوله: (ووجد الله عنده) أي عند السراب أو العمل لا الظمآن كما قيل وأفرد الضمير باعتبار كل واحد وهذه الجملة معطوفة على لم يجده ولا حاجة إلى عطفه على ما يفيده من نحو لم يجد ما عمله نافعاً وهذا تشبيه بليغ وقع مثله في قول مالك بن نويرة:
لعمري إني وابن جارود كالذي أراق شعيب الماء والآل يبرق
…
فلما أتاه خيب الله سعيه فأمسى بغض الطرف عيمان يشهق
…
قوله: (عقابه أو زبانيته الما كان الله منزهاً عن المكان أوّل العندية بما ذكر وظاهر كلامه
دخول هذا وما بعده في التشبيه فيكون المشبه به الكافر الظمآن المعاقب المحاسب فيتحد كلامه وكلام الزمخشري ويتحد مرجع الضمائر ولا يلزم تشبيه الشيء بنفسه لما مر ويحتمل أن يكون بيانا لحال المشبه به الكافر فيعطف بحسب المعنى على التمثيل بتمامه. ولو قيل: على الأوّل إنه من تتمة وصف السراب والمعنى وجد مقدوره تعالى من الهلاك بالظمأ عند السراب فوفاه ما كتب له من لا يؤخر الحساب كان الكلام متناسبا فتدبر وعلى تقدير المضاف زبانيته عبر بما ذكر لزيادة التهويل وقوله أو وجده محاسبا إياه فالعندية بمعنى الحساب على طريق الكناية لذكر التوفية بعده. قوله: (استعراضاً) استفعال من العرض! منصوب على التمييز فتوفية الحساب إتمامه بعرض الكتبة ما قدمه أو مجازاته على عمله وفي نسخة استعواضاً من العوض والأولى أولى وقوله: لا يشغله الخ يعني أنه كناية عن هذا وليس المراد بالسرعة ظاهرها لأنه تعالى لا يوصف بها حقيقة وقوله: روي الخ لا يأباه قوله والذين كفروا لأنه غير خاص بسبب النزول وان دخل فيه دخولاً أوّلياً ولا يرد عليه أنّ السورة مدنية نزلت بعد بدر وعتبة قتل في بدر كما لا يخفى. قوله: (عطف على كسراب) ولا حاجة إلى تقدير مضاف كما قيل أي كأعمال ذوي ظلمات. قوله: (وأو للتخيير الخ) أي في التشبيه وما ذكره الرضي كغيره من أنها تختص بالطلب وان اشتهر فقد ذهب كثير إلى عدم اختصاصه به كابن مالك والزمخشري ووقوعه في التشبيه كثير كما مر تحقيقه في قوله أو كصيب وأنها في الأصل لتساوي شيئين فصاعدا في الشك ثم استعيرت لمطلق التساوي إمّا بطريق المشابهة أو هو من قبيل المشفر وظاهره أنّ الشك ونحوه مستفاد منها لا من عرض الكلام كما ذكره الشريف في حذف المسند إليه وهو ظاهر كلام النحاة والمذكور في الأصول أنه مدلول الأمر وقد جمع بينهما بأنه من سياق الكلام لكنه بواسطتها فنسب لهذا تارة ولآخر أخرى واليه أشار الرضي فما ذكره قدس سره هو التحقيق
وان كان في الكشاف ما ينبو عته فتدبر وقوله فإنّ أعمالهم أي الحسنة بقرينة قوله لاغية. قوله: (أو للتنويع) فكأنه قبل بعض أعمالهم كالسراب وهو الحسن وبعضها كالظلمات وهو القبيح. فقوله: أعماله شامل لهما حينئذ فمن اختار هذا وخصها بأعمال البر لم يصب وفيه إبهام لطيف وقد أورد عليه أنه ياباه قوله ووجد الله عنده لأنّ أعمالهم الصالحة وان سلم أنها لا تنفع مع الكفر لا وخامة في عاقبتها وأجيب بأنه ليس فيه ما يدل على أنّ سبب العقاب الأعمال الحسنة بل وجدانهم العقاب لسبب قبائح أعمالهم لكنها ذكرت جميعها لبيان أنّ بعضها جعل هباء منثورا وبعضها معاقب به مع أنه مشترك الورود لتفسيره وجد الله عنده الخ. ببطلان حسناته وبقاء عقاب سيئاته وقد قيل: إنّ وروده إذ دخل قوله: ووجد الله في التشبيه وليس بمقرر كما مر. ثم إنّ المراد بالحسن الحسن الشرعي لوجوده فيما لا يشترط فيه الإيمان كالبرّ والصدقة لا الذاني كما قيل. قوله: (أو للتقسيم) أي لتقسيم حال أعمالهم الحسنة لا مطلقها وان صح بأنها ني حال لخلوها عن نور الحق كالظلمات وفي أخرى كالسراب لكونها هباء منثورا وخص الأول بالدنيا لقوله ومن لم يجعل الله له نور فإنه ظاهر في الهداية والتوفيق المخصوص بها والآخر بالآخرة لقوله ووجد الله الخ فهو الملائم للنظم وقدم أحوال الآخرة التي هي أعظم وأهمّ لاتصاله بما يتعلق بها من قوله: ليجزيهم الخ ثم ذكر أحوال الدنيا تتميماً لها فلا حسن لما قيل إنه يمكن أن يطلق هذا فيهما فإنها ظلمات فيهما أو يعكس فيكون سرابا حال الموت وظلمات في القيامة كما في الحديث الظلم ظلمات يوم القيامة ويكون ترقيا مناسباً للترتيب الوقوعي. قوله: (لجئي) صفة بحر قدّمت لإفرادها وكذا جملة يغشاه كما ذكره بقوله والجملة صفة الخ وقوله: هذه ظلمات يشير إلى أنه خبر مبتدأ مقدّر وأعربه الحوفي مبتدأ خبره جملة بعضها فوق بعض وردّه ابن هشام بأنه ابتداء بالنكرة من غير مخصص إلا أن يكون تنوينه للتعظيم كما في قوله:
له حاجب في كل أمريشينه
وهو تكلف وقوله على إبدالها من الأولى أي من لفظ ظلمات الأولى وهو على تنوين سحاب وعدم إضافته في قراءة قنبل ولا يحسن جعله تأكيدا للفصل وعلى الإضافة هو من قبيل
لجين الماء أو لبيان أنه ليس سحاب رحمة ومطر. وقوله: مرادفة إشارة إلى أنّ الفوقية ليست
حقيقية وجملة إذا أخرج الخ صفة ظلمات. قوله: (لم يقرب الخ) أي لم يقرب من الرؤية فضلاً عنها كما سنحققه والشعر المذكور لذي الرمة من قصيدة حائية له منها:
هي البر والأسقام والهم والمنى وموت الهوى في القلب مني المبرح
…
وكان الهوى بالنأي يمحي فينمحي وحبك عندي منجد ومبرح
…
إذا غيرالنأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح
…
والنأي البعد وروي الهجر والرسيس الثابت. والمراد القديم العهد وهو من إضافة الصفة للموصوف وفيه إشارة إلى أنّ كاد كغيرها في النفي والإثبات لا أنّ نفيها إثبات وإثباتها نفي مطلقا، أو في بعض الأحوال كما زعمه بعض النحاة، وزعم أنّ ابن شبرمة خطا ذي الرمة في هذا وناداه يا غيلان أراده قد برح ففكر ثم بدله بقوله: لم أجد، واعلم أنه قد جرى في العرف أن يقال ما كاد يفعل ولم يكد يفعل في فعل قد فعل بجهد مع استبعاد فعله. كقوله: فذبحوها وما كادوا يفعلون فلما ورد نفيه على هذا توهم ابن شبرمة وذو الرمة أنه إذا قال لم يكد فقد زعم أنّ الهوى قد برح وليس الأمر كذلك فإنّ الذي يقتضيه لم يكد يفعل وما كاد يفعل أنّ الفعل لم يكن من أصله ولا قارب في الظن أن يكون ولا يشك في هذا وقد علم أنّ كاد موضوعة لشدة قرب الفعل من الوقوع ومشارفته فمحال أن يوجب نفيه وجود الفعل لأنه يؤدّي إلى أن يكون ما قارب كذلك فالنظر إلى أنه إذا لم يكن المعنى على أنّ ثمة حال يبعد معها أن يكون ثم تغيرت كما في قوله: فذبحوها الخ يلتزم الظاهر ويجعل المعنى أنّ الفعل لم يقارب أن يكون فضلاً عن أن يكون فمعنى بيت ذي الرمة أنّ الهوى لرسوخه في القلب وتملكه للنفس بحيث لا يتوهم عليه البراح، وأنه لا يقارب من أن يوجد فضلاً عن الوجود ثم إنهم قالوا في تفسير هذه الآية لم يرها ولم يكد أن يراها فبدؤوا بنفي الرؤية وعطفوا عليها لم يكد لا أنّ سبيله سبيل ما كاد في قوله وما كادوا يفعلون وهو نفي معقب على إثبات وليس المعنى على أنّ الرؤية كانت بعدما كادت لا تكون ولكن أنها ما قاربت الكون فضلاً عنه ولو كان لم يكد يوجب وجود الفعل كان محالاً كقولك لم يرها ورآها، واعلم إن لم يكد في الآية والبيت جواب إذا فيكون مستقبلا واذ قلت إذا خرجت لم أخرج فقد نفيت خروجا في المستقبل فاستحال أن يكون المعنى فيهما على أنّ الفعل قد كان. هذا خلاصة ما حققه الشيخ في دلائل الإعجاز فإذا علمت هذا فنفي كاد أبلغ من نفي الفعل الداخلة عليه لأنّ نفي مقاربته يدل على نفيه بطريق برهاني إلا أنه إذا وقع في الماضي لا ينافي ثبوته في المستقبل وربما أشعر بأنه وقع بعد اليأس منه. كما في قوله: وما كادوا يفعلون وإذا وقع في المستقبل لا ينافي وقوعه في الماضي فإن قامت قرينة على ثبوته فيه أشعر بأنه انتفى نفيا وأيس منه بعد ما كان ليس كذلك كما في هذه الآية فإنه لشدة الظلمة لا يمكته رؤية يده التي كانت نصب عينه فلك أن تقول إنه مراد من قال
نفيها إثبات وإثباتها نفي لأنّ نفيها في الماضي يشعر بالثبوت في المستقبل وعكسه كما سمعته وهذا وجه تخطئة ابن شبرمة وتغيير ذي الرمة لأنّ مراده أنّ قديم هواها لم يقرب من الزوال في جميع الأزمان ونفيه في المستقبل يوهم ثبوته في الماضي فلا يقال إنهما من فصحاء العرب المستشهد بكلامهم فكيف خفي هذا عليهما ولذا استبعده في الكشف وذهب إلى أنّ هذه القصة موضوعة فاحفظه فإنه تحقيق أنيق. وتوفيق دقيق سنح بمحض اللطف والتوفيق. قوله: (والضمائر) يعني في قوله: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ} [سورة النور، الآبة: 40] وقوله: من لم يقدر الخ أوّله لئلا يكون كقولك الثابت ثابت ومنهم من قال: معناه من لم يكن له نور في الدنيا لا نور له في الآخرة. وقيل إنه إشارة لما ورد في حديث خلق الله الخلق في ظلمة ثم رس عليهم من نوره فمن أصابه منه اهتدى ومن أخطأه ضل وتنوين نور الثاني للتقليل أي لا شيء له من النور. قوله: (ألم تعلم الخ) قيل هو إشارة إلى أنّ الرؤية هنا علمية لا بصرية وأنّ إطلاقها على الأوّل استعارة أو مجاز بعلاقة اللزوم وإليه أشار في الأساس وفيه نظر لأنهم ذكروا رأي العلمية في نواسخ المبتدأ والخبر
وأعملوها بإطراد غير عمل رأي البصرية ولأمرية في أنه حقيقة عندهم والذي في الأساس من المجازر أي بمعنى اعتقد لأنها لا تعمل عمل رأي العلمية وأرأيت وألم تر للتعجب منقولة من البصرية لتعديتها بنفسها إلى واحد أو بإلى نحو أرأيت الذي يكذب بالدين ألم تر إلى الذي حاج إبرهيم في ربه ولذا فسروه بأن هذا مما يتعجب منه، فانظر إليه فجعلها محازا في هذا المقام لا مطلقاً وإن قيل بأنها منقولة من العلمية فلا وجه لتنظيره، والى هذا أشار المصنف بقوله يشبه المشاهدة وأمّا قول السعد رحمه الله: كل من لفظ ألم تر وأرأيت للتعجب إلا أنّ الأولى تتعلق بالمتعجب منه فيقال ألم تر إلى الذي صنع كذا بمعنى انظر إليه فتعجب من حاله والثانية بمثل المتعجب منه فيقال أرأيت مثل الذي صنع كذا بمعنى أنه من الغرائب بحيث لا يرى له مثل فغير مسلم بقسميه. أما الأولى فلأنّ أرأيت يتعلق بغير المثل كأرأيت الذي يكذب بالدين وهي للتعجب منه كما صرحوا به ولا حاجة إلى التقدير وألم تر يتعلق بالمثل ألا ترى إلى قوله: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم كيف) عطف عليه.
قوله: (أو كالذي مو على قرية) وإنما قدره الزمخشري بأرأيت لأنّ إلى لا تدخل على الكاف اسمية أو حرفية وهو الذي غره حتى قال ما قال وما المانع من أن يقول ألم تر إلى مثل أبي بكر ونحوه وقوله بالوحي متعلق بتعلم أو بالوثاقة ولا وجه لما قيل: عليه إنّ علمه قد يكون بالمكاشفة أو بنور زائد على نور العقل أو بإراءة الله إياه كما أرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ملكوت السموات والأرض لأنها من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في حكم الوحي كما لا
يخفى. قوله: (أهل السموات) فاعل ينزه والملائكة والثقلان معطوف عليه لا على العقلاء ولا على تغليب كما قيل أمّا الأوّل فلرفع الثقلان ولأنهم عين العقلاء فلا يصح عطفه بأو وكذا الثاني مع أنّ اللام تعليلية وهي بالنسبة للمعطوف عليه اختصاصية وكل هذا تعسف لا حاجة له وقوله: من لتغليب العقلاء مذا هو الوجه الوجيه وما قيل من أنه لإسناد التسبيح الذي هو من أفعال العقلاء إليهم فلا حاجة إلى التغليب تكلف التغليب أحسن منه لأنه يعني أنّ الكل شبهوا بالعقلاء فهو استعارة لأنهم من ذوي العقول حقيقة أو ادعاء فلا بد من عموم المجاز أو التغليب مع أن التسبيح بتفسيره المذكور لا يختص بالعقلاء. فإن قال بحسب الظاهر فضغث على إبالة. قوله: (بما يدل الخ) فهو من عموم المجاز ولا بدّ منه لعطف الطير عليه. وهذا متعلق بينزه وهو ناظر إلى الوجه الأوّل وسكت عن الثاني لظهوره وعلمه منه وضمير عليه للتنزيه لعلمه من الفعل. قوله: (على الأول الخ) وعلى الثاني هو من عطف المتغايرين وقوله ولذلك أي الصنع والدليل لأنه إنما يظهر في صف أجنحتها ووقوفها في الهواء وباسطة تفسير لصافة وبما متعلق بإعطاء والباء للسببية أو حال والباء للملابسة أو بتقوى لا بصافة لأنّ القبض ضد البسط وقوله: دعاءه تفسير لصلاته والضمير لكل واحد أو لله على إضافتة للمفعول وقوله: كل واحدة أي فرقة واحدة أو ذات واحدة ولو قال كل واحد كان أظهر وقوله: اختيارا أو طبعا راجع للدعاء والتنزيه أو للتقسيم والأوّل ناظر للعقلاء والثاني لغيرهم أو عامّ والمراد بالطبع دلالة الحال. قوله: (لقوله) تعليل لرجوع ضمير علم إلى الله تعالى لأنه مسند له هنا فيكون فيما قبله وهو فاعل علم لذلك ولا وجه لما قيل إنه يقتضي خلافه لأنّ التأسيس أولى من التأكيد لأنه ليس بتأكيد إذ هو أعم مما قبله والأكثر في الفواصل التذييل بالأعم. قوله: (أو علم كل) إشارة إلى الوجه الثاني وهو رجوع ضمير علم إلى كل. وقوله: على تشبيه حاله أي حال كل وظاهره أنّ المراد به كل طير أو كل منها ومن الملائكة والثقلين لا كل مسبح وداع بلسان الحال ليشمل الجماد إذ لا علم له وإن جاز لأنّ الدلالة على الحق أي الله شاملة للجميع والميل الطبيعي إلى النفع في الحيوانات وقد يوجد في الجماد كميل الأشجار إلى المياه ونحوه وعليهما فالاستعارة تمثيلية لا تبعية. وذلك إشارة إلى المذكور وهو صلاته وتسبيحه وضمير صلاته وتسبيحه إلى كل أو إلى الله وليست الدلالة إشارة إلى التسبيح والميل إشارة إلى الدعاء فإنه غير مناسب للتمثيل وان
صح. وقوله: على وجه يخصه متعلق بكل من الدلالة والميل والمقصود بيان إضافة صلاته وتسبيحه على وجه يكون له دخل في التشبيه. قوله: (مع أنه لا يبعد الخ) هذا دليل على إرادة كل الطير أو هي والملائكة والثقلين وهو الظاهر إذ لو أريد كل من في السموات
والأرض كان قاصرا مع أنه قيل إنّ فيه جمعا بين المجاز والحقيقة والمصنف رحمه الله يجوّزه وما قيل عليه إنه ليس في لك لأنّ العلم على حقيقته وإنما يلزم على الوجه الذي قبله مع أنه مخالف للظاهر لدعوى الهام الجماد يأباه كلامه. قوله: (فإنه الخالق) فهو المالك الحقيقي والصفات والأفعال أي الموجودة فيها وقوله: من حيث تعليل لكونه خالقهما وما فيهما مع الإشارة إلى ما عليه المحققون من أنّ علة الاحتياج الإمكان وقوله: واجبة الانتهاء قصر لمسافة الدليل وارخاء للعنان مع مناسبته. قوله: (وإلى الله المصير (وألا فعند أهل الحق لا علية ولا شرطية بين الممكنات والكل مستند إليه ابتداء بلا واسطة. قوله: (يزجي سحاباً يسوق) في الدرر والغرر الرضوية هو السوق الضعيف الرفيق يقال أزجي إزجاء وزجى تزجية ومنه بضاعة مزجاة أي مسوقة شيئاً بعد شيء على قلة وضعف. وقوله: يزجيها كل أحد بتشديد الجيم وتخفيفها أي يدفعها لرغبته عنها أو يقدر على سوقها وايصالها. وقوله: فزعاً قطعاً متفرقة بفتح القاف والزاي جمع قزعة. وقوله: وبهذا الاعتبار أي لأنّ المراد قطع السحاب وأجزاؤه فصح إضافة بين التي لا تضاف لغير متعدد إلى ضميره كما أوّل قوله: بين الدخول فحومل. وقد قيل: أيضاً سحاب جمع سحابة أي اسم جنس جمعي فلا يحتاج لتأويل وقوله: جمع خلل وقيل إنه مفرد كحجاب. والفتوق جمع فتق وهو الشق وفيها صفة جبال. قوله: (من قطع الخ) على التشبيه البليغ وقد فسرها بعضهم بالغمام أيضاً ومن الغريب قول الأصبهاني إنّ الجبال ما جبله الله أي خلقه من البرد واللغة لا تساعده كما قاله الرضي في درره وفي الكشاف إنّ المراد به الكثرة كما يقال عنده جبل من ذهب وعظام جمع عظيم كنديم وندام كما في ضرام السقط وظنه بعض الجهلة لم يسمع إلا في جمع عظيم وهو خطأ. قوله: (مبتدأمن السماء) يشير إلى أنّ من
الأولى والثانية ابتدائية والجار والمجرور الثاني بدل من الأوّل بدل اشتمال أو بعض وقدر فيها لأنه لا بد له من رابط. وقوله: وبجوز الخ أي فمن الثانية تبعيضية والأولى ابتدائية أو هما للتبعيض وأحدهما واقع موتع المفعول لكونه صفة أو مؤوّلاً ببعض والآخر بدل منه. وقوله: ليس في العقل الخ أي فيجوز إبقاؤ. على ظاهر. والتفسير به. وذكر المصنف في البقرة أنّ الماء يبتدأ من أسباب سماوية تثير أجزاء رطبة إلى الجو فينعقد سحابا ماطراً، وقد ينعقد برداً. وقوله: والمشهور أي بين أهل الحكمة والبخار أجزاء هوائية يمازجها أجزاء مائية. وقوله: لم تحللها حرارة أي من الشمس فإن حللتها انقلبت هواء والطبقة الباردة هي الزمهريرية. وقوله: وقد يبرد الهواء إشارة إلى قول الحكماء إنه قد يحدث المطر من غير بخار لغلبة البرد على الهواء وحينئذ لا ينعقد برد الشدة البرد ولذا لم يذكره. وقوله: اجتمع أي من البخار. وقوله: وكل ذلك الخ ردّ على من قال إنه لأسباب ومعدات من الطبيعة. قوله: (وقرئ بالمذّ) المقصور بمعنى الضوء والممدود بمعنى العلو والشرف فهو كناية عن قوّة الضوء. وقوله: جمع برقة وهي مقدار منه لأنّ فعلة بالفتح للمرّة وبالكسر للهيئة وبالضم للقدر كما في درة الغواص واليه أشار المصنف رحمه الله. قوله: (توليد الضد الخ) أي البرق الذي هو نار أو منير من السحاب الذي هو ماء منعقد أو ظلمة من نور أو ذهاب البصر من النور الذي به الأبصار وقوله: وقرئ يذهب أي بضم الياء من الإذهاب المتعدي بالهمزة والباء زائدة إذ لا يجتمع أداتا تعدية وان جوّزه بعضهم. وقيل: الباء بمعنى من كقوله:
شرب النزيف ببر دماء الحشرح
والمفعول محذوف أي يذهب النور من الأبصار وقوله: لدلالة على وجود الصانع إذ لا
بد له من محدث قديم وكمال قدرته لتوليد الضد من ضدّه واحاطة علمه لكونها أفعالاً متقنة
ونفاذ مشيئته تصرفه وأصابته كما يريد وتنزهه عن الاحتياح لأنه إنما يفعله للاعتبار. قوله: (لمن يرجع إلى بصيرة) أي لمن له بصيرة يراجعها ويعملها وفيه إشارة إلى أنّ البصر هنا بمعنى البصيرة كما ذكره الراغب وغيره. ومن قال إنه لوضوح دلالته قال الأبصار دون البصائر أبقاه على أصله لتبادره منه لكنه ذهب عنه حسن التجنيس ولزوم ما هو كالإيطاء. وقد قيل إنه ليس في القرآن جناس تام غير هذه الآية. وقوله: ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة وفيه كلام في الإتقان ناشىء من عدم الإتقان. قوله: (حيوان يدب على الأرضى) إشارة إلى أنّ التاء للنقل
إلى الاسمية لا للتأنيث. وقيل دابة واحد داب كخائنة وخائن. وقوله: من ماء إمّا على ظاهره، أو المراد به النطفة لأنه يطلق عليها قيل والتنكير في ماء الأوّل للإفراد النوعي. وفي الثاني شخصي ولا مانع من حمل الأوّل على الشخصي كما ذكره أهل المعاني. وقوله: متعلق بدابة هو قول القفال رحمه الله أي تعلقاً معنويا لأنه صفة بمعنى كائنة من ماء فلا يرد عليه أنّ مقام الاستدلال على كمال القدرة لا يناسبه فتامّل. قوله: (تنزيلَا للغالب الخ) فكلمة كل للتكثير وهو كثير كما في قوله يجبي إليه ثمرات كل شيء وقد يراد بها التعدد كما في شرح المفتاح في قوله عام النسبة إلى كل مسند إليه كما ذكره الشريف وقيل: إنه يجوز أن يراد بالداية ما يخلق بالتوالد بقرينة من ماء أي نطفة. كقوله: (كل شيء حغ) إذا أريد ما به الحياة بقرينة حي لأنه موصوف معنى بمتوالدة لقيام قرينة السياق والعقل فلا غبار عليه كما توهم ولذا اختار القفال رحمه الله كونه صفة فافهم. قوله: (سمي الزحف مشياً على الاستعارة) في الكشاف على سبيل الاستعارة كمشي أمره كاستعارة الشفة مكان المشفر فهو مجاز مرسل وإن أريد شفة تشبه المشفر في الغلظ فهو استعارة كما في الكشف واستعماله لمطلق الشفة لا ينافي إرادة شفة الإنسان منه باعتبار أنه فرد من أفراد المطلق كما يقال لزيد رجل كما نبه عليه المحقق في شرح المفتاح فما قيل إنّ هذا ليس من قبيل ذكر المقيد وإرادة المطلق لأنّ خصوص الزحف مقصود هنا ظاهر السقوط. قوله: (للمشاكلة) في نسخة أو المشاكلة وأورد على الأوّل أنّ
المشاكلة البديعية لا يصار إليها عند صحة الاستعارة البيانية وردّ بأنه لا مانع مما ذكره فإنّ المشاكلة جامعة للحسن الذاتي والعرضي وليست بديعية محضة فلا أقل من أن تكون أدنى حالاً من الاستعارة مع أنه لا حجر في محتملات الكلام وان قوي بعضها وقد اعتنى هذا المعترض باعتراضه في رسالته المشهورة بناء على أنّ الحسن الذاتي يأبى كونه عرضيا وليس بشيء عقلا ونقلا. قال في المفتاح أمّ حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت تابعة لها كفلان بين أنياب المنية ومخالبها ثم إذا انضم إليها المشاكلة. كقوله: (يد الله فوق أيديهم) كانت أحسن وأحسن ولا فرق بين استعارة واستعارة وتحقيقه في الشرح. قوله: (ويندرج فيه ماله كثر الخ) وهذا باعتبار الأكثر فيما يعتد به فلا يرد أمّ أربع وأربعين مع أنّ مفهوم العدد غير معتبر ومن التبعيضية. قوله: ( {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء} ) صريح في أنّ له تعالى مخلوقات أخرى على هيآت لا يعلمها إلا هو فلا حاجة إلى مثل هذه التكلفات. قوله: (وتذكير الضمير) في منهم إذ لم يقل منها قال الرضي: بعدما ذكر أنّ من في وجوهها لذوي العلم ولا تفرد لغيره وتقع على ما لا يعلم تغليبا ومنه فمنهم من يمشي على بطنه لأنه قال: فمنهم والضمير عائد على كل دابة فغلب العلماء في الضمير ثم بني عليه فقال: من يمشي الخ والمذكور في الأصول والعربية كما في المغني أنّ التغليب لأجل الاختلاط أطلقت من على ما لا يعقل في نحو فمنهم من يمشي على بطنه الخ فإنّ الاختلاط حاصل في العموم السابق في كل دابة وفي من يمشي على رجلين اختلاط آخر في عبارة. التفصيل فإنه يعم الإنسان والطائر اص. وظاهره أنّ في قوله: (كل دابة) تغليبا وهو غير مراد بل الظاهر بل المقصود أنه لما شمل العقلاء وغيرهم على طريق الاختلاط لزم اعتبار ذلك في الضمير العائد عليه وتغليب العقلاء فلا حاجة إلى أن يقال إنه لما اعتبر حكم العقلاء في ضميره لزم اعتباره فيه ولا يلزم كون التغليب مجازا فالمراد بالتفصيل من ومن ومن وبالإجمال ضميرهم لا دابة كما توهم فاعترض! بأنّ الموافقة تحصل بالتعبير يلفظ ما لا يقال الضمير واقع في أثناء التقسيم والتفصيل فكيف يسمى إجمالاً والتعبير بمن بعد جعلهم بواسطة الضمير في حكم العقلاء كالترشيح والتخييل له فلا تغليب فيه وإنما سمي تغليباً لابتنائه عليه لأنا نقول لما كان الضمير عبارة عن كل دابة صح جعله إجمالاً والتغليب إنما هو في ضميره ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله وأما من فلا تغليب فيها إلا فيمن يمشي على رجلين. ولو جعل من التعبير به موافقة لضمير العقلاء على نمط بل أنتم قوم تجهلون صح فتدبر. قوله: (والترتيب لتقديم ما هو اعرف في القدرة) أي أعظم ما تعرف به القدرة الإلهية وفي نسخة أغرب من الغرابة وفي أخرى أعرق من العراقة وهي الأصالة لمشيه بغير آلة
أي لانتقاله وتحرّكه بدونها وهو صعب مستغرب. ومن الغفلة ما قيل إنه غفول عن أنّ المشي مستعار للزحف فإنّ الزحف مثله فتأمّل. قوله: (بسيطاً) كالعناصر
والمركب ما تركب منها وعلى اختلاف متعلق بيخلق وهو تفسير لقوله: ما يشاء وفي قوله لقد أنزلنا التفات. وقوله: للحقائق تقدير لمتعلق له مناسب لما قبله وان صح جعله بمعنى واضحات في نفسها. والدلائل مما تدل عليه الآيات. قوله: (نزلت الخ) قد مر في سورة النساء إنه خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم تحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم لليهودي فلم يرض المنافق بقضائه وقال نتحاكم إلى عمر فلما ذهبا إليه قال له اليهودي: قضا لي النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه فدخل عمر رضي الله عنه بيته وخرج بسيفه فضرب عنق المنافق فجمع الضمير لعموم حكمه أو لأنّ معه من يشايعه في مقالته فهو كقولهم: بنو فلان قتلوا قتيلاً وكعب بن الأشرف من كبراء اليهود وقوله: أن يحاكم بصيغة المجهول أو المعلوم. قوله: (وأطعنا لهما) أي انقدنا لهما ولحكمهما. وقوله: قبول حكمه أي الرسول صلى الله عليه وسلم أو الله أو هما لاتحاد حكمهما. ويتولى بمعنى يعرض وثم للاستبعاد. وقولهم: هو أطعنا وقوله: إشارة إلى القائلين يعني والمراد بهم المنافقون المذكورون في قوله: (يقولون آمنا الخ) ونسبة التولي والإعراض عن الإيمان إلى فريق منهم مع أنّ جميعهم كذلك لإظهارهم ذلك كما في سبب النزول. وقوله: أو إلى الفريق منهم لا بأسرهم أي من المنافقين وهم المذكورون بقوله: (فريق منهم) وضمير يقولون للمؤمنين مطلقا. قوله: (وسلب الإيمان) أي في قوله: (وما أولئك بالمؤمنين) قيل عدم إيمانهم ليس لتوليهم لاقتضائه الفاء بل الأمر بالعكس وردّ بأنه فرق بين العدم والسلب ومقابل الأوّل الوجود والثاني الإيجاب والمراد الحكم بانتفاء اسم الإيمان لظهور أمارة التكذيب الذي هو التولي يعني أنه ذكر بعده ليتضح لنا وجه الحكم بنفي الإيمان عنهم فتأمّله. قوله: (والتعريف الخ) جعله للعهد لأنه في المنافقين وهم
مؤمنون ظاهراً أو المراد الثابتون على الإيمان في السر والجهر أو لأنّ توليهم عن قبول حكمه كفر بعد إيمان وضمير دعوا يعود إلى ما يعود إليه ضمير يقولون. قوله: (ليحكم النبي) ففاعله ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم. وقوله أو المدعوّ إليه فالضمير يعود إلى ما يفهم من الكلام وهو شامل لهما لكنه في الحقيقة الرسول فذكر الله لتعظيمه الخ على الوجهين لأنه إذا ذكر اسمان متعاطفان والحكم إنما هو لأحدهما كما قرروه في نحو يخادعون الله والذين آمنوا وسرني زيد وحسن حاله أفاد قوّة اختصاص المعطوف بالمعطوف عليه وأنهما بمنزلة شيء واحد بحيث يصح نسبة أوصاف أحدهما وأحواله إلى الآخر ولا كذلك البدل في نحو أعجبني زيد كرمه لأنّ الثاني مقصود بالنسبة كما قرره شراح الكشاف ولما قال الزمخشري هنا يعني إلى الله ورسوله كقولك: أعجبني زيد وكرمه تريد كرم زيد توهموا من إسقاط المعطوف عليه في التفسير إنّ المعطوف هو المقصود بالنسبة. وهذا شأن البدل وما نحن فيه طريقة أخرى فاعترض عليه ولم يهتد إلى أنه ليس مقصودا وحده بالنسبة لفوات الدلالة على قوّة الاختصاص كما مر لكنه في نفس الأمر وحقيقة الحال هو المقصود لا كقصد البدل فإسقاطه إشارة إلى هذا ومن لم يقف على مراده قال: ليس المثال الذي ذكره الزمخشري من الإبدال في شيء فإنه طريقة العطف للتفسير وفائدته التعظيم وفي قوله: للتفسير نظر. قوله: (والدلالة على أن حكمه الخ الما عرفت من أنّ فائدة هذا الأسلوب الدلالة على قوّة الاختصاص المسوّغ لإسناد ما لأحدهما للآخر ومن لا يتنبه له قال: إنّ الدلالة إنما تظهر إذا أعيد الضمير المفرد إلى الله ورسوله وأمّا في مجرد ذكر الله فلا. قوله: (فاجأ فريق الخ) بيان لأنّ إذا فجائية. وقوله: إذا كان الحق عليهم قيد. به لعلمه من سبب النزول والتعبير بإذا في جانب الباطل إشارة إلى تحققه بخلاف جانب الحق فلذا عبر فيه بان. وقوله: وهو شرح الخ يعني قوله: إذا دعوا الخ لأنه بيان لأنّ إعراضهم إذا حكم عليهم والمبالغة من جعل المفاجاة إلى الإعراض عقب الدعوة دون الحكم عليهم والتعبير بالاسمية وما قيل: من أنّ الأولى أن يقال إذا اشتبه الأمر حالاً وان كان الحكم لهم مآلاً ولذا قال: بينهم لا عليهم إشعاراً بأنّ إعراضهم
شامل لصورة الشك لا يناسب سبب النزول وسوق الكلام ومقابلته لقوله لهم الحق ولا ما سيأتي من نفي ريبهم والنكتة في اختيار بينهم دون عليهم لأنّ المتعارف قول المتخاصمين اذهب لتحكم بيننا لا علينا وهو الطريق المنصف. وقوله: لا عليهم من تقديم الخبر وقوله: أو لمذعنين وإلى بمعنى اللام أو هو متضمن معنى الإسراع وتقديم صلته لما ذكر أو للفاصلة أو لهما. قوله: (بأن رأوا الخ الم يفسره بالشك في نبوّته كما في
الكشاف لدخوله في مرض القلب. وتقديم عليهم على الرسول في النظم قيل إنه لإظهار أنه لو وقع منه لكان من الله لأنه مظهر لا مثبت. وأورد عليه أنه لا يناسب قوله لأنّ منصب نبوّته الخ وأيضاً هم يخافون حيفة نفسه فلا يتم الحصر فهو لتأكيد أنّ حكمه حكم الله ولا يخفى عدم ورود. وأنّ مآل ما ارتضاه إلى ما أنكر. فتأمّل. قوله: (إضراب عن القسمين الآخيرين) ذهب الإمام إلى أنّ أم منقطعة والمصنف والزمخشريّ: إلى أنها متصلة والمقصود التقشم لكنهما اختلفا في إضراب بل فذهب الزمخشري إلى أنه عن الأخير والمصنف إلى أنه عن الأخيرين والطيبي إلى أنه عن الجميع والتقسيم والأوّل أدلّ على ما كانوا عليه وأدخل في الإنكار من حيث إنه يناقض شرعهم إليه إذا كان الحق لهم على الغيرة وحصر الظلم فيهم ناطق به وأما أنه لا يدل على تعين الأوّل والمقام يقتضيه ولذا خالفه المصنف كما قيل، ففيه أنه إذا أبطل خوفهم الحيف استلزم إبطال الارتياب، وتعين الأوّل ليس بلازم إذ نفى الإيمان عنهم قبله مغن عنه وعلى الأخير فالإضراب انتقاليّ والمعنى ح هذا كله فإنهم هم الكاملون في الظلم الجامعون لتلك الأوصاف فلذا أعرضوا عن حكمك بدليل اسم الإشارة والخطاب وتعريف الخبر وتوسط الفصل لأنه لو كان للأوّلين لأعرضوا عنه والحق لهم ولو كان للثالث لم يناسب لعلمهم بأمانته وثباته على الحق فتامّل. قوله:(منصب نبوّته) أي شرفها وعلوها كما مر وكذا شرعهم إليه والحق لهم. وقوله: وظلمهم الخ الظاهر أنه دفع لما يقال من أنه إذا بطل الأخيران كان الأوّل مثبتاً والمثبت هنا الظلم وهو غيره فهو لإبطال الأخير بإثبات الظلم والحيف لهم دون غيرهم بأنّ المرض فسر بالكفر والميل إلى الظلم والكافرون هم الظالمون. قوله: (والفصل) أي الإتيان بضمير الفصل المفيد للحصر على معنى أنهم الكاملون في الظلم. وقوله: سيما الخ ربما يشعر بأنه إضافي والمدعو لحكمه هو الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: (تعالى إنما الخ) الحصر لأنّ هذا شأن من آمن وكان بمعنى لاق به وانبغى له كما صرح به المصنف فلا حاجة إلى تفسير المؤمنين بالخاص منهم كما قيل وان صح أيضاً نعم قولهم أطعنا مفسر بالثبوت أو الإخلاص لصدور مثله عمن قبلهم أيضا. قوله: (وقرئ قول بالرفع) في الكشاف وقراءة النصب أقوى لأنّ
أن يقولوا أوغل في التعريف فهو أولى بكونه مبتدأ ويجوز خلافه أيضا وذلك لأنه لا يكون إلا في تاويل مصدر معرف وأمّا كون الفعل لا يوصف بتعريف ولا تنكير فلا يضر كما توهم وأمّا كونه لا يوصف كالضمير فلا دخل له في الأعرفية وهذا بناء على أنّ المصدر المسبوك معرفة أبداً قال الدماميني: ولا يظهر له دليل فإنّ المصدر المؤول به يجوز أن لا يقدّر مضافا كما جعل قوله: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ} أن يفتري بمعنى افتراء. وقد ذكر في باب النعت أنّ جواز تنكيره مذهب الفارسي مع أنه قد يقدّر إضحافته لنكرة كما يؤوّل أن يقوم رجل بقيام رجل مثلا ففي ما ذكره شراح الكشاف هنا نظر وقد تناقض كلام المغني في هذه المسألة وقد قيل إنّ قراءة الرفع أقعد لأنّ جعل ما هو أكثر فائدة مصب الفائدة أولى وفيه نظر. وقراءة ليحكم مجهولاً مناسبة لدعوا معنى لعدم ذكر الداعي والحاكم. قوله: (في الفرائض والسنن) هذا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما ويحتمل اللف والنشر وقوله: على ما صدر الخ تعليلية كقوله: (اذكروا الله على ما هداكم) لا علاوة لفساده. وقوله: فيما بقي من عمره لأنّ الاتقاء يكون في الآتي بخلاف الخشية. قوله: (وقرأ يعقوب الخ) والباقون بخلافه بكسر القاف وياء وصل بعدها الضمير وقوله بلا ياء أي ياء وصل والهاء ضمير لأنّ قبله ساكنا تقديراً فجعل كمنه وعنه إذ لو كان تحركا كبه وله لم يحذف فجعل المحذوف للجزم في حكم الباقي. وقوله: بسكون الهاء قيل وهي للسكت وقوله بسكوت القاف الخ فأعطى تقه حكم كتف لكونه على وزنه فخفف بتسكين وسطه لجعله ككلمة
واحدة وقال ابن الأنباري إنه لغة لبعض العرب في كل معتل حذف آخره بجعله منسيا ويعطي حكم الآخر لما قبله فيقولون لم أر ولم أبل بسكون الراء واللام فلا يختص بهذا الوزن والهاء إما للسكت حركت لالتقاء الساكنين أو ضمير وكان القياس ضمها حينئذ كمنه لكن السكون لعروضه لم يعتد به ولئلا ينتقل من كسر لضم تقديراً وضعف الأوّل لتحريك هاء السكت واثباتها في الوصل.
قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا} الخ عود إلى بيان حال المنافقين الممتنعين عن قبول حكمه وقوله جهد أيمانهم منصوب على الحالية أو هو مصدر لأقسموا من معناه وهو مستعار من جهد نفسه إذ أبلغ وسعها أي أكدوا الإيمان وشددوها هذا محصل ما في الكشاف وشروحه. وقوله: في المائدة جهد الإيمان أغلظها لا ينافيه كما توهم فتأمّل. قوله: (بالخروج الخ) قدره بقرينة جواب القسم ومنهم من خصه بالخروج للغزو وقوله: على الحكاية أي حكايته بالمعنى وأصله لنخرجن بصيغة المتكلم مع الغير ليس المراد حكاية الحال الماضية وأصله لخرجنا لأنّ المعتبر
زمان الحكم وهو مستقبل فيه. قوله: (أي المطلوب الخ) قد اختلفوا في إعرابه فقيل إنه مبتدأ محذوف الخبر أي طاعة معروفة أمثل بكم أو خير أو خبر مبتدأ مقدّر أي المطلوب منكم طاعة معروفة أو طاعتكم طاعة معروفة. وقيل: مرفوع بفعل مقدر أي لتكن طاعة معروفة منكم وهذا الاختلاف مبني على تفسير معروفة لأنها فسرت بأنها معروفة بالخلوص ومواطأة الجنان وبأنها معروفة منهم بأنها على طرف اللسان بقرينة أنها في أهل النفاق. وقال البقاعي: لا تقدير فيه وطاعة مبتدأ خبره معروفة وسوّغ الابتداء بالنكرة أنها أريد بها الحقيقة فتعم والعموم من المسوّغات ولم تعرف لئلا يتوهم أنّ تعريفها للعهد والجملة تعليل للنهي أي لا تقسموا فإنّ الطاعة معروفة منكم لا تخفى وكذا المعصية فلا فائدة في إظهار ما يخالف الواقع كما ورد في الحديث ما من عامل عملاً إلا كساه الله رداءه ونحوه وهو معنى حسن لكنه خلاف الظاهر. قوله: (على أطيعوا طاعة) أي تقديره وطاعة بمعنى إطاعة كما في أنبتكم نباتاً وقوله: على الحكاية متعلق بتبليغ فالمعنى قل لهم قال الله: كذا وهذا لاقتضاء قوله فإنما عليه ما حمل الخ والمبالغة في التبكيت لأنه أمر من الله بالدّات وهو أبلغ وكذا إيراد لفظ الرسول وتكرير الفعل فإنّ مقتضى الرسالة منه وجوب الإطاعة ولا يفيد هذا لو قال: أطيعوني وقوله: فإن تولوا إما جواب كقوله: وما بكم من نعمة فمن الله أو قائم مقامه وأصله تتلوا على الخطاب التفاتا لقوله عليكم وان تطيعوه تهتدوا وكان أصله تولوا على الغيبة ومقتضاه عليك وعليهم ففيه التفات من هذا الوجه لأنه جعلهم غيباً حيث أمر الرسول بخطابهم يقل لهم ثم خاطبهم بأن تولوا استقلالاً من الله لا من نبيه صلى الله عليه وسلم فهو التفات حقيقي لا جار مجراه كما قيل لأنه وان كان خطابا بحسب الظاهر في حكم الغيبة لأنه محكي فالظاهر قد يتجه مع أنه التفات وقد يختلف بلا التفات وهو من بديع المعاني. وقيل: إنه من تلوين الخطاب إذ عدل عن خطاب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى خطابهم بالذات فليس مندرجا تحت القول. وقوله: على محمد قيل الظاهر على الرسول وهو سهل وقد يوجه بأنه للتنبيه على أنه المراد بالرسول. وقوله: من الامتثال إشارة إلى أنّ فيه مشاكلة أو شبهها لأنّ حمل بمعنى كلف والمراد بقوله فإنما الخ أنكم لا تضروه بمخالفتكم وإنما ضررتم أنفسكم لتعريضها للسخط والعذاب. قوله: (الموضح الخ (فهو متعد أو المعنى البين في نفسه فهو لازم كما في الكشاف وتركه المصنف رحمه الله لأن هذا أنسب
بمقام التبليغ. قوله: (خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وللامّة) أمّة الرسول أمّة دعوة وهم من بعث إليهم مطلقاً وأمّة إجابة وهم من آمن به ويصح كل منهما هنا سواء قلنا الخطاب الشفاهي يخص الموجودين في زمته أم لا لوجودهما في عصره وبعده فلا وجه لما قيل إنه يعني أمّة الإجابة على مذهب من لا يخص الشفاهي بالموجودين في زمنه ويجوز أن يراد به أمّة الدعوة الموجودين في عهده فلا يخص المؤمنين فمن تبعيضية. قوله: (ومن للبيان) وقيل للتبعيض أي المهاجرين منهم فإنهم الخلفاء وهذا على الوجه الثاني وقيل على التقديرين أن أريد بالأمّة أمّة الإجابة والا نعلى الثاني وفيه نظر وفيه تنويع للخطاب خاطب القسمين على تقدير التولي ثم صرف الخطاب عنهم إلى المؤمنين الثابتين وهو
كالاعتراض فلما ذكر أنه ينبغي أن يأمرهم بالطاعة كفاحا ولا يخاف مضرّتهم كده بأنه هو الغالب ومن معه فليس للخوف مجال ولا يجوز أن تكون من تبعيضية حينئذ كذا في الكشف مع وجه آخر لم يرتضه ثم إنه قدم من ومجرورها هنا وآخرهما في الفتح إشارة إلى أنّ مدار الاستخلاف الإيمان فإنّ الخليف لا ينعزل بالفسق ومدار المغفرة والأجر العظيم الإيمان والعمل الصالح معاً كما قدم المفعول على المعطوف في قوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [سورة البقرة، الآية: 127] إشارة إلى أنّ الرافع إبراهيم وإسماعيل تبع له. قوله: (تقديره الخ) فالمفعول محذوف دلّ عليه جواب القسم أي استخلافهم وتمكينهم لأنّ وعد يتعدى لمفعولين وعلى الثاني ليستخلفنهم منزل منزلة المفعول وما في كما استخلف مصدرية وهو صفة لمحذوف أي اسنخلافا مثل استخلافهم. وقوله: بعد الجبابرة أي بعد إهلاكهم قيل واستخلافهم بمصر وتملكهم لها مخالف لما في التواريخ. قوله: (بالتقوية والتثبيت) يشير إلى أنه مأخوذ من المكان لكن أجريت فيه الميم مجرى الحروف الأصلية كتمسكن وأصله جعل الشيء في مكان ثم استعمل في لازمه وهو الثبوت والتقوية والمكنة. وقوله: من الأعداء متعلق بخوفهم وهو بمقتضى البشرية ولذا قال الله: لنبيه صلى الله عليه وسلم والله يعصمك من الناس وقرىء ليبدلنهم بالتخفيف من الإبدال. قوله: (عشر سنين) قيل إنه مخالف لما اشتهر من أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة وموافق لمن قال
عمره صلى الله عليه وسلم ستون سنة فإنه بعث على رأس أربعين وأقام بالمدينة عشر سنين بلا خلاف (قلت) اختلفت الروايات في سنه صلى الله عليه وسلم فقيل: ثلاث وستون وقيل: ستون والأوّل أصح وقد جمع بين الأقوال بأنها ستون وأشهر فمن قال: ستون لم يعد الكسور من زاد عدها وتفصيله في كتب الحديث. وقوله: فأظهرهم أي غلبهم عليهم. قوله:) وخلافة الخلفاء الراشدين) معطوف على صحة أو النبوّة والمآل واحد وهو ردّ على الرافضة والشيعة لأنه خطاب لمن في حضرة الرسالة وما وعد. الله امتنانا لا بد من صحته وقد وعد به جمع منهم ولا يلزم عموم الاستخلاف للمخاطبين بل وقوعه منهم كبنو فلأن قتلوا قتيلَا فلا ينافي عموم الخطاب وكون من بيانية كما مرّ ولا ينافيه ما وقع في خلافه عثمان وعليّ رضي الله عنهما من الفتن فإنّ المراد أمنهم من أعداء الدين وهم الكفار كما سيأتي والموعود عليه الإيمان والعمل الصالح وكما له فيهم فإنّ وصفهم بهما يشعر بمدخليتهما في ذلك. وقوله: في الآخرة قيد للعذاب والأمن وخوفه في الدنيا. قوله: (حال من الذين) أي الأوّل بقرينة قوله لتقييد الوعد لأنهم هم الموعودون أو من ضميرهم. وقوله: بالثبات على التوحيد لأنّ ما في حيز الصلة من الإيمان والعمل الصالح بصيغة الماضي لما دل على أصل الاتصاف به جيء بقوله: يعبدونني المضارع الدال على الاستمرار التجذدي حالاً منه مقيد بلا يشركون بي شيثا مما يشرك به أو شيئاً من الإشراك فهو مفعول به أو مطلق. قوله: (أو استئناف) أي بيانيّ كأنه قيل ما لهم يستخلفون ويؤمنون فقيل يعبدونني كما في الكشاف وأورد عليه أنّ المقتضي قد بين حيث رتب الحكم على الموصول الدال على علية مضمون الصلة فلا وجه للاستئناف وليس هذا بشيء لأنّ علية الصلة للاستخلاف وعلية هذا لاستخلافهم في أمن الأعداء ومآله إلى تعليل الأمن فقوله: يؤمنون من الأمن لأمن الإيمان وهذا ناشىء من عدم التدبر فتدبر. قوله: (حال من الواو) أو من الذين أو بدل من الحال أو استئناف. وقوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ} معطوف على جملة وعد أو على مقدر أي من آمن هم الفائزون ومن كفر الخ. وقوله: (ومن ارتدّ الخ) إشارة إلى أنه من الكفر أو الكفران ولا يتوهم أن يكون المرتد من الخلفاء لما من الله به عليهم من التمكين في الدين. قوله: (الكاملون في فسقهم) توجيه للحصر بأنه باعتبار الكمال. وقوله: (حيث ارتدّوا الخ الف ونشر لتفسير الكفر السابق. وقوله: في سائر ما أمركم به أي غير ما ذكر. وقوله: ولا يبعد الخ
فيه إشارة إلى جواز عدم العطف عليه فقيل هو حينئذ معطوف على يعبدونني ولا وجه له لأنه بعد تسليم الالتفات وجواز عطف الإنشاء على الخبر لا يناسب هذا كونه حالاً أو استئنافا فهو إمّا عطف كما ذكره على أطيعوا أو على مقدر كاعبدوا ولزوم عدم الوقف بينهما مع نقل خلافه ليس بشيء.
قوله: (فيكون تكرير الآمر الخ) المراد بالتعليق التعليق المعنوي لأنه تعليل له. وقوله: أو بالمندرجة أي بجملة القول التي اندرجت فيه وهو قوله: أقيموا الخ وتعليق الهدى في قوله: (د إن تطيعوه تهتدوا) وقوله: فإنّ الفاصل الخ أي ليس بأجنبيّ ومن كفر من تتمة الوعد ولو كان أجنبياً جاز لأنّ أصل العطف المغايرة. قوله: (ولا تحسبق يا محمد) هذا عطف تفسيري وليست الواو زائد كما توهم لسقوطها من بعض النسخ وقيل الخطاب لكل من يقف عليه كقوله ولو ترى لا للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصدر عنه مثله وأجيب بأنه تعريض بمن صدر منه كقوله:
إياك أعني فاسمعني يا جارة
أو هو إشارة إلى أنه قبيح منهيّ عنه من لا يتصوّر صدور مثله عنه. كقوله: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} [سورة الأنعام، الآية: 14] وقوله: في الأرض صلة معجزين لبيان حالهم في الدارين أي هم في الدنيا مقدور على إهلاكهم وفي الآخرة مأواهم النار. وقيل: فائدته تقوي الحكم الإلهيّ والإنكار. قوله: (الضمير فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم قدمه لتوافق القراءتين، وقدم في الأرض على الثاني إشارة لمفعوليته وقد قيل إنه بمعزل عن المطابقة لمقتضى المقام ضرورة أنّ مصمث الفائدة هو المفعول الثاني ولا فائدة في بيان كون المعجزين في الأرض وقد مرّ نحو. في قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [سورة البقرة، الآية: 30] وقد مرّ منا أنه وان كان محط الفائدة جعل مفروغا عنه وإنما المطلوب بيان محله أي لا يعجزونه في الأرض ولا في الآخر لأنّ مأواهم النار. وقوله: أو لا يحسبوهم أي يحسبوا أنفسهم واتحاد الفاعل والمفعول يجوز في أفعال القلوب وهو الذي سهل حذف أحد المفعولين هنا وان عده النحاة ضعيفا كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (عطف عليه من حيث المعنى الخ) أوّله ليصح عطف الخبر
على الإنشاء وقيل: هو معطوف على مقدّر لأن الأوّل وعيد في الدنيا كأنه قيل هم مقهورون في الدنيا والاستئصال ومجزيون في الآخرة بعذاب النار. وقيل: تقديره مقدور عليهم ومحاسبون وماواهم النار. وقيل: هو حال على معنى لا ينبغي الحسبان لمن مأواه النار كأنه قيل إني للكافر هذا الحسبان وقد أعد له النار والعدول إلى مأواهم للمبالغة في التحقق، وأنّ ذلك معلوم لهم لا ريب فيه وهو حسن لا تكلف فيه. وقوله: لأنّ المقصود الخ تعليل لهذا التقدير وأنه ليس المقصود منه الإنشاء. وقوله: المأوى إشارة إلى أنه اسم مكان وقد جوّز فيه المصدرية أيضاً. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} الخ بيان لحال العبيد بعد ما بين حال الأجانب فلا تكرار فيه واليه أشار بقوله: تتمة والالهيات ما يتعلق بالإله وان ذكر معها بعض الأحكام والمناسب للبيان أن يراد الشرائع وفي بعض النسخ التمثيليات يعني الله نور السموات الخ وغيره أي غير ما سلف. وقوله: والمراد به أي بما ذكر في هذه الآية من الخطاب. وقوله: الوعد عليها معطوف على الإلهيات أو وجوب الطاعة. قوله: (لما روي الخ) بيان لإدخال النساء تغليباً وفي الإتقان دخول سبب النزول في الحكم قطعي واخراجه ممنوع ولا اعتداد بمن جوّزه وقد قيل عليه فيه بحث إذ يجوز أن يعلم الحكم في السبب بطريق آخر كالدلالة والقياس الجلي كما في آية الإحصار إذ يعلم منها حكم منع العدوّ بالطريق الأولى عندنا فقوله: في الإتقان قطعي ليس بمسلم إلا أن يجعل ما ذكر في حكم الدخول. وفي بعض شروح جمع الجوامع إنه لا يجوز تخصيصه منه وقال السبكي: إنه ظني الدخول فيجوز إخراجه منه. ونقل أنه وقع مثله من الإخراج لأبي حنيفة وبنت أبي مرشد بالشين المعجمة أو الثاء المثلثة قيل وهو بفتح الميم فيهما فليحرّر ولعله كان قبل نزول آية الحجاب وفي بعض الروايات أنها أتته صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّ خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فنزلت. قوله: (وقيل الخ) سبب آخر للنزول وهو أحد موافقات رأيه الصائب للوحي وقوله: إن لا يدخلوا قيل لا زائدة للتأكيد. وقد
روي بدونها وروي أيضا عن الدخول كأنهم قد اعتادوا وألفوا الدخول بغير إذن فأراد أن ينهاهم الله أبلغ نهي. وقيل: الوجه أن تضمر الإرأدة أي نهاهم إرادة أن لا يدخلوا بغير إذن وجوّز أن يكون علة للودادة والأولى نهاهم لئلا يدخلوا بغير إذن وحذف اللام جائز فلا يحتاج إلى إضمار الإرادة مع أنه رد بأنّ إرادة الله تعالى لا يقع خلافها وأجيب بأنّ الإرادة بمعنى الطلب فقد تكون صيغة النهي لغير الطلب وهو تعسف لما فيه من التقدير ثم التأويل من غير حاجة
وقد روي أنّ عمر وضي الله عنه خرّ ساجدا لله شكراً لما نزلت وهذه الآية مدنية كالسورة لأنّ الغلام أنصاري والآية مصدره بيأيها الذين آمنوا فلا وجه لقول القرطبي رحمه إنها مكية: وقوله: الساعات جمعه لتعدد الظهائر بتعدد الأيام فالمراد عدم تخصيصه بهذه الظهيرة. قوله: (من الأحرار) بيان للصبيان وهو يؤخذ من المقابلة. وقوله: فعبر أي بطريق الكناية والمراد المراهقين لا المطلق. وقوله: في اليوم والليلة إشارة إلى أنها في أوقات متعددة ولذا قيل إنّ المراد بالمرات الأوقات. وقوله: مرّة بدل من مرّات لتفصيلها وبيانها مع ما بعده. وتوله: لأنه الخ بيان لسبب النهي لأنه ربما تنكشف فيه العور أو لا يحب الإطلاع على تلك الحالة واليقظة بفتح القاف وتسكينها غير جائز إلا في الضرورة. وقوله: ومحله النصب أي الجار والمجرور وجوّز في محله الجر على أنه بدل من مرّات ويأباه نصب حين إلا أن يجعل مبنيا على الفتح وقوله: لليقظ أي التي تلبس لها وهو حال أو صفة لأنّ المراد بثيابكم الجنس أو بتقدير الكائنة وللقيلولة متعلق بتضعون أو لليقظة متعلق بتضعون وهذا بدل منه. قوله: (بيان للحين) أو المراد من أجل حرّ الظهيرة وقوله: هي ثلاث أوقات إشارة إلى تقدير مضاف أو تجوز في عورات. وقوله: يختل الخ تفسير للعورة واعورّ المكان بصيغة الماضي اختل حاله. قوله تعالى: ( {لَيْسَ عَلَيْكُمْ} الآية) في الكشاف إنّ هذه الجملة إذا رفع ثلاث عورات في محل رفع على الوصف. والمعنى هن ثلاث مخصوصة بالاستئذان وإذا نصب لم يكن له محل لأنه مقرّر للاستئذان في تلك الأحوال خاصة وقد أشكل الفرق بينهما إذ جوّز الوصفية في حال دون أخرى فقيل في توجيهه إن
الجملة الواقعة صفة لا بد أن تكون معلومة حتى توضح أو تخصص! وفي النصب تكون هذه الجملة من أجزاء الجملة الأولى لأنها صفة للبدل فإن لم تعلم انتقضت القاعدة وان علمت كان الحكم المستفاد من قوله: ليستاذنكم لغواً مع أنه خلاف الواقع لما مرّ في سبب النزول بخلاف حالة الرفع فإنّ الحكم فيها معلوم من الجملة الأولى وهذه جملة أخرى مؤكدة لها لما علم منها وفيه بعد تسليمه بحث قد مرّ وأمّا ما قيل في وجهه من أنه يلزم جعل الحكم المقصود وصفاً للظرف فيصير مقصوداً وأيضا الأمر بالاستئذان في المرّات حاصل وصف بأن لا حرج وراءها فساقط لا طائل تحته. قوله: (في ترك الاسمئذن) في للسببية أو الظرفية المجازية وقيد بعدهن لا يفيد ثبوت الإثم قبلهن مع أنّ الأطفال غير مكلفين {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لأنه لا عبرة يالمفهوم أو أنه لترك تعليمهم والتمكين من الدخول عليهم. قوله: (وليس فيه ما ينافي آية الاستئذان) لأنّ هذه تدلّ على جواز الدخول بعد هذه الأوقات وتلك على خلافه. وقوله: ومماليك المدخول عليه يدلّ على أنّ مماليك غيره في حكم الأحرار فلا يرد أنه خارج عما ذكرء قوله: (في ترك الاستئذان) أي بعدهن وقوله: على تعليل الأحكام أي الشرعية وصحة القياس إذا اطلع على العلة لا مطلقاً وقوله: وكذا أي ما ذكر دال على التعليل في الجملة لا كلياً. وقوله: طائف أي على بعض خبر متعلقه خاص بقرينة ما قبله أو بعضكم فاعل ليطوف مقدّر مقدم. وقوله: أي الأحكام فهو مجاز من إطلاق الدال على مدلوله لما بينهما من شبه الحالية والمحلية. وقوله: الذي بلغوا الخ بقرينة ذكر البلوغ أو الذين ذكروا قبلهم وهم الرجال كل قوله لا تدخلوا بيوتا وهو أولى مما قبله وقوله وجوابه فالتعريف للعهد ويؤيده بيان الأطفال بقوله منكم. قوله: (ومبالغة في الأمر الخ) لأنّ تكرير بيانه يدل على الاعتناء به وقد قيل في الوجوب المستفاد منه إنه منسوخ وقيل مخصوص بعدم الرضا وعدم باب يغلق كما كان في العصر الأوّل. قوله: (العجائز الخ) أو قعدن عن الأزواح وعده في الأساس من المجاز لأنهن
يكثرن القعود لكبر سنهن. وقوله: لا يرجون نكاحا صفة كاشفة وهو جمع قاعد ولا يؤنث لاختصاصه ولذا جمع على فواعل لأنّ التاء فيه كالمذكورة أو هو شاذ وقيد الثياب لتخرج الباطنة لأنها تفضي لكشف العورة. وقوله: لأنّ اللام أي موصولة إذ أريد به الحدوث فتدخل الفاء خبرها والا فدخولها فيه لإرادة الثبوت أو على مذهب المازني أو هو على مذهب من فرق بين أل الموصولة
وغيرها. قوله: (غير مظهرات زينة) هذا التفسير إشارة إلى أنّ الباء للتعدية ولذا فسره بمتعد مع أنّ تفسير اللازم بالمتعدي كثير. وأمر التعدي واللزوم سماعي ألا تراهم يقولون: أثمرت النخلة أطلعت ثمرها وقد صرّج به الراغب ويؤيده أنّ أهل اللغة لم يذكروه متعدياً بنفسه ولم نر من قال: تبرّجت المرأة حليها وليست الزينة مأخوذة في مفهومه حتى يقال: إنه تجريد كما توهم. فمن قال: إنه إشارة إلى زيادة الباء في المفعول وفي القاموس تبرّجت أظهرت زينتها للرجال. وفي الشكف هذا بناء على أنّ الباء للتعدية ويأباه قول العلامة تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه نعم يلائمه قوله: وبدا وبرز وتبرج بمعنى فقد أخطأ وخبط خبط عشواء وقوله: منه شيء أي من البياض وما أمرن بإخفائه ما مرّفي قوله: ( {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الخ)[سورة النور، الآية: 31] . قوله: (إلا أنه خص بكشف المرأة الخ) أي بعدما كان معناه مطلق الكشف كما في السفينة. وقيل: إنه إشارة إلى تجريده عن معنى التكلف الدال على المبالغة إذ المقام يأباه فإنّ مقتضاه منعه مطلقاً. وقوله: من الوضع أي وضع الثياب وترك الستر. وقد يقال إنه تنازعه يستعففن وخير. قوله: (من مؤاكلة الأصحاء) هو من إضافة المصدر لفاعله أو مفعوله وضمير استقذارهم للأصحاء فيقعون في الإثم واستقذارهم لعيوبهم وحقارتهم ولأنّ الأعمى لا يدرك أين تقع يده والأعرج قد يضيق على جليسه. وأكلهم بالجز عطف على مؤاكلة وذلك إشارة لدفع المفتاح والتب! ط وهذا إشارة لنفي الحرج. وكلا بالفتح والتشديد منوّنا بمعنى ثقلاً وتحرج بمعنى تجنب ولذا حمله عليه فعداه بمن وان كان المعروف
تعديته بعن ويجوز كون ما موصولة والعائد محذوف وهو عته ومن بيانية. قوله: (ثم نسخ بنحو ش له الخ) قيل: إنه إنما قال: بنحو لأنّ هذه الآية في حق النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا تدل على المنع عما سواه وهي آية الحجاب وقد فهم منها الصحابة رضي الله عنهم المنع مطلقاً كما سيأتي ووجهه أنه صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأقلهم حجابا فإذا منعوا من منزله فغيره بعلم بالطريق الأولى. قوله: (وقيل في الخ) في الكشاف إذ فسر بأنّ هؤلاء ليس عليهم حرج في القعود عن الغزو ولا عليكم أن ئأكلوا من البيوت المذكورة لالتقاء الطائفتين في أنّ كلا منفي عنه الحرج ومثاله أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في رمضان وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر فقلت: له ليس على المسافر حرج أن يفطر ولا عليك يا حاج أن تقدم الحلق على النحر يعني أنه إذا كان في العطف غرابة لبعد الجامع في بادىء النظر وكان الغرض بيان حكم حوادث تقاربت في الوقوع والسؤال عنها أو الاحتياج إلى البيان لكونها في معرض الاسنفتاء والإفتاء كان ذلك جامعا بينها محسنا للعطف وان تباينت وليس هذا بناء على أنّ الاتحاد في بعض أطرافها كاف في الجامعية كما توهم. وقد أشار إليه في قوله: ( {وَيَسْأَلُونَكَ} ) في البقرة فلا يعارض هذا ما منعه السكاكي من نحو حقي حقيق وخاتمي ضيق وبهذا ظهر الجواب عن قول المصنف رحمه الله وهو لا يلائم ما قبله ولا بعده لأن ملاءمته لما بعده قد عرفت وجهها وأمّا ملاءمته لما قبله فغير لازمة إذ لم يعطف عليه وهذا تحقيق نفيس ينبغي العض عليه بالنواجذ فاحفظه. قوله: ( {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ} الخ) إشارة إلى جواب ما يقال إنه ليس في أكل الإنسان من بيت نفسه حرج فما فائدة ذكره بأنّ المراد بالأنفس من هو بمنزلتها من العيال كما في قوله: (ولا تقتلوا أنفسكم) وما في الكشف من أنّ فائدة إقحام النفس أن المراد به ليس على ال! ضعفاء المطعمين ولا على الذاهبين إلى بيوت القرابات أو من هو في مثل حالهم وهم الأصدقاء حرج وعلى هذا وجه العطف لا يخلو عن شيء لكونه لغوا حينئذ لأنه ليس المعنى ما ذكره بل ما قرّرناه أوّلاً ولا حاجة إلى الجواب عنه بأنه بدخول الأولاد فيه يكون مفيداً. وقيل: إنه على ظاهره والمراد إظهار التسوية بينه وبين قرنائه وهو حسن ولا يرد عليه أنه حينئذ لم يذكر فيه الأكل من بيوت الأزواج والأولاد لأنه داخل في قوله: من بيوتكم وليس في قوله أنفسكم جمع بين الحقيقة والمجاز فتأمّل. قوله: (أنت ومالك لآبيك) الحديث وواه أبو داود وابن ماجه. وقوله: وإنّ ولد. من
كسبه استعارة لجعله كسبا مملوكاً له مبالغة في جواز التصرّف في ماله وهذا من حديث رواه الشيخان وغيرهما. وقوله: وكالة أي بطريق الوكالة والحفظ كقيم الضيعة وهذا التفسير منقول. عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قوله: (وقيل بيوت المماليك) فالتقدير أو بيوت الذين ملكتم مفاتحهم وملك المفتاح لما
كان كناية شائعة لم ينظر إلى أنّ التصرّف فيه مما يتوصل إليه بالمفتاح أو لا وهو ترشيح لجريهم مجرى الجماد من الأموال وهو ضعيف ولذا مرضه المصنف رحمه الله وقيل لأنه داخل في بيوتكم. قوله: (وهو يقع على الواحد والجمع) والمراد به الجمع وعن جعفر رضي الله عته من عظم حرمة الصديق أن جعله الله في الأنفس والثقة بمنزلة النفس والأخ والأب والابن وعن ابن عباس رضي الله عنهما الصديق أكبر من الوالدين لأنّ الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بهما بل قالوا: ما لنا من شفيع ولا صديق حميم. وقد قيل: في سر إفراده إنه إشارة إلى قلة الأصدقاء والخليط الصديق المخالط. قوله: (ولذلك خصص الخ) جواب عن أنه إذا وجد الإذن فلا اختصاص له بهؤلاء بأنه جرى على المعتاد فلا مفهوم له أو هو كان في أوّل الإسلام جائزاً بغير إذن ثم نسخ قوله: فلا احتجاح للحنفية الخ لأنهم كغيرهم في الاحتياج إلى الإذن وأما كونه بغير إذن إن قيل: به فهو منسوخ فلا دليل فيه على الاحتمالين على عدم قطع المحرم مطلقاً والشافعيّ يقول بقطع ما عدا الوالدين والمولودين وإنما لم يقطع عندنا لعدم الحرز فلو سرق مال ذي رحم محرم لم يقطع ومجرد احتمال إرادة ظاهر الآية وعدم النسخ كاف في الشبهة المدرئة للحدّ كما قالوه (وفيه بحث) لأنّ درء الحدود بالشبهات ليس على إطلاقه عندهم كما يعلم من أصولهم وقيل الآية دلت على إباحة دخول دارهم بغير إذنهم فلا يكون مالهم محرزا وأورد عليه أنه يستلزم أن لا تقطع يد من سرق من الصديق والجواب بأنه ليس بصديق
ضيقي إذ هو لا يسرق ليس بشيء إذ الشرع ناظر إلى الظاهر لا إلى السرائر. قوله: (مجتمعين أو متفرقين) جميعاً كاجمعين لا يفيد الاجتماع في وقت واحد خلافا للفراء لكنها هنا دلت على ذلك بمقابلة أشتاتاً وأمّا القول بأنه إشارة إلى أنّ جميعا بمعنى مجتمعين أطلق على الجمع كالصديق فلا وجه له لأنّ جميعا بمعنى كل لفظه مفرد ومعناه جمع. قوله: (كانوا يتحرّجون أن كل الرجل وحده) أي يعدونه حرجا واثما وهذه سنة للعرب موروثة من الخليلى عليه الصلاة والسلام كما قال حاتم:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لت آكله وحدي
…
وفي الحديث " شر الناس من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده " والنهي في الحديث لاعتياده بخلا بالقرى نفي الحرج عن وقوعه أحيانا بيان لأنه لا إثم فيه ولا يذم به شرعا كما دمّت به الجاهلية فلا حاجة إلى القول بأنّ الوعيد في الحديث لمن اجتمعت فيه الخصال الثلاث دون الانفراد باكل وحده فإنه يقتضي أنّ كلاً منها على الانفراد غير منهيّ عنه وليس كذلك والقول بأنهم أهل لسان لا يخفى عليهم مثله ولكن لمجيء الواو بمعنى أو تركوا كل واحد منهما احتياطا لا وجه له لأنّ هؤلاء المتحرجين لم يتمسكوا بالحديث وكون الواو بمعنى أو ئوهم لا عبرة به ولا شك أنّ اجتماع الأيدي على الطعام سنة فتركه بغير داع منه. قوله: (لاختلاف الطعام الخ) قيل إنه كحكام وحفاظ جمع طاعم كاكل لفظا ومعنى ولم نره في شيء من كتب اللغة ولو قيل إنه الطغام بفتح الطاء وبالغين المعجمة وهم أسافل الناس أو العامّة جاز والقزازة بقاف مفتوحة وزاءين معجمتين فسره في الكشف بالتباعد عن الناس وفي القاموس التباعد عن الدنس وفي الحواشي هو مدح والكزازة ذم وهو غير مناسب والمناسب ما في أفعال السرقسطي إنه كراهة المأكول والمشروب يقال قززت الشيء إذا عفته وهو ضد النهمة وهي اشتهاء الطعام والرغبة فيه والمعنى أنّ الناس يختلفون في كراهة الطعام ومحبته فمن أحبه كره مشاركة الناس لشرهه. وقوله: من هذه البيوت أي السابقة بقرينة الفاء فمن خصه ببيت نفسه والسلام على أهله لم يصب. قوله: (فسلموا على أنفسكم الخ) يشير إلى أنّ المراد بالأنفس من هم بمنزلتها لشدة الاتصال كقوله ولا تقتلوا أنفسكم ويحتمل أنّ المسلم إذا ردّت تحيته عليه فكأنه سلم على نفسه كما أنّ القاتل لاستحقاقه القتل بفعله كأنه قاتل نفسه وأمّا إبقاؤه على ظاهره لأنه إذا لم يكن في البيت أحد يسن أن يقول السلام علينا على عباد الله الصالحين كما روي عن ابن عباس فبعيد غير مناسب لعموم الآية والسلام بمعنى السلامة من الآفات وقيل إنه اسم من أسمائه وفي الانتصاف
سماهم أنفسا إشارة إلى إباحة اكل كما يباح لكل أحد الأكل
من بيت نفسه وقوله ديناً وقرابة الواو للتقسيم على مغ الخلو فلا يرد أنّ الأولى ترك قوله قرابة لئلا يخرج مثل سلمان وصهيب وبلال أو هو بناء على الغالب في أهل البيوت المدخولة. قوله: (ثابتة بأمره) إشارة إلى أنه صفة وقوله: ويجوز الخ فيتعلق بتحية المصدر على معنى مطلوبة من الله فهو ظرف لغو وأصل معناها أن يقول: حياك الله أي أعطاك الحياة ثم عمم لكل دعاء وقوله: فإنه الضمير للتحية ذكر لرعاية الخبر وطلب الحياة إشارة إلى أنها نقلت للإنشاء ومعنى الطلب وهي مصدر لسلموا من معناه كجلست قعودا. وقوله: زيادة الخير والثواب تفسير للبركة. قوله: (وعن أنس رضي الله تعالى عنه الخ) رواه في شعب الإيمان وغيره وقال البيهقيّ إنه ضعيف وقوله: بطل عمرك جزاء بالمثل لطلبه سلامة أخيه وهي بطول عمره وكذا كثرة الخير والأوابين جمع أوّاب وهو الكثير الرجوع إلى الله بالتوبة وقيل المطيع وقيل المسبح ومنهم من فرق بين هذه الصلوات. قوله: (كرّره الخ) التفخيم نشأ من التكرير لأنّ العظيم يعتني بشأنه فيقتضي زيادة تقريره وتاكيده أو من لفظ كذلك المشار به لما بعده لأنه يفيده كما مر مراراً وقيل: إنه من لفظ الإشارة إلى البعيد لتنزيل بعد المكانة منزلة بعد المكان والإشارة وإن كانت للتبيين فتفخيمه يتضمن تفخيم المبين. وقوله: فصل بالتخفيف أي أورده في الفاصلة وما هو المقتضي بالكسر عليم حكيم لاقتضاء العلم والحكمة التبيين والمقصود منه تعقله المذكور هنا. قوله: (الكاملون الخ) فسره به ليصح الحصر لا لتصحيح الحمل لأن المحمول مجموع ما ذكر وقوله: للمبالغة لجعل السبب للجمع جامعا وهو مجاز عقليّ أو استعارة مكنية وجميع بمعنى جامع أو مجموع له على الحذف والإيصال. قوله: (فيأذن لهم الا بد من تقديره
لأنه هو الغاية لما قبله وضمير اعتباره للاستئذان المفهوم من الفعل وضمير لصحته للإيمان والمصداق بمعنى المصدق وديدنه أي المنافق بمعنى عادته وأورد الكاف لأنه يؤمن بدونه والمميز يجوز رفعه عطفاً على خبران وجرّه عطفا على المصداق. وقوله: ولتعظيم الخ معطوف على قوله لأنه ووجهه عد من لم يستأذن غير مؤمن. قوله: (ولذلك) أي لاعتباره أو لتعظيم جرمه أو لجميع ما ذكر وأبلغ من المبالغة لقوله بعده وفيه أيضا مبالغة يعني لما أراد أن يكرره توكيدا وتقريرا أعاده مؤكداً بأن والاسمية واسم الإشارة للبعيد وقلبه فجعل معنى المسند مسندا إليه وعكسه بقوله: (إن الذين) الخ فأفاد حصر المؤمنين في المستأذنين وعكسه تعريضا للمنافقين المتسللين وعقبه بأولئك معقباً بالإيمانين ليؤذن بأنهم حقيقون بأن يسموا مؤمنين لما اكتسبوه واجتنبوه فتأمّل. قوله: (فإنه الخ) تعليل لكونه أبلغ أو لعظم الجرم ولا محالة من المؤكدات وكون الذاهب ليس كذلك من الحصر وقيل إنه يفهم من التعريض والمهام جمع مهم وهو معنى الشان وقوله: وفيه أيضا مبالغة كما في السابق والمبالغة من جعل الاستئذان ذنبا محتاجا للاستغفار والمغفرة العظيمة فكيف الذهاب بدون إذن والتضييق لعدم القطع بالإذن وتعليقه بالمشيئة وذكر البعض والشان المهم. قوله: (واستدل به الخ (هذه مسألة التفويض المذكورة في الأصول وليست مسألة الاجتهاد كما توهم والمانع لها المعتزلة وليس الخلاف في أن يقال احكم بما شئت ترويا فإنه متفق على جوازه بل أن يقال احكم بما شئت تشهيا كيفما اتفق كما في العضد فلذلك قال: ومن منع الخ ومفوّضة خبر بعض أنثه لإضافته إلى مؤنث وتقديم لهم للمبادرة إلى أنّ الاستغفار للمستاذنين لا للإذن وفي الكشف نقلاً عن شيخه الشهاب السهروردي أنّ هذه الآية تدل على أق ملاك الأمر في الاتباع تسليم نفسه لصاحب الشريعة كالميت بين يدي الغاسل فلا يقدم ولا يحجم دون إشارته. قوله: (لا تقيسوا الخ) هذا
من الكاف وفي الجواز متعلق بتقيسوا والدعاء بمعنى الدعوة إلى أمر وقوله: وقيل الخ فوجه ارتباطه بما قبله أنّ الاستئذان يكون بقولهم يا رسول الله إنا نستأذنك ولأنّ من معه في أمر جامع يخاطبه ويناديه لكن لما كان الأوّل أظهر مرض هذا وأخره فما قيل من أنه لا يلائم السباق واللحاق غير مسلم ولا حاجة إلى بيان المناسبة بأنّ في كل منهما إهانة له ودعاؤه على هذا مصدر مضاف للمفعول والدعاء بمعنى النداء ولقبه المعظم بصيغة المفعول أو الفاعل. قوله: (أو لا تجعلوا دعاءه عليكم الخ)
ومناسبتة لما قبله ما في عدم الاستئذان من عدم المبالاة بسخله كما أشار إليه المصنف رحمه الله مع ارتباطه بالاستغفار لكنه فيه ضعف لفظي لأنه كان الظاهر أن يقول على بعض وأمّا قوله: بينكم فلا يأباه ولو كان كذلك لورد على الأوّل أيضاً. قوله: (فإنّ دعاءه مستجاب) وفيه بحث لأنه ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قالط: سألت الله ثلاثاً فأعطاني وسألته أن لا يسلط عليهم عدوّاً من غنرهم فأعطاني وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعني وهذا وجه تضعيف المصنف رحمه الله. وأمّا قوله: إنّ لكل نبي دعوة مستجابة واني اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي فلا ينافي هذا إلا باعتبار أنه يقتضي أنّ المجاب بعض دعائه كما ذكره الكرماني لكنه يعلم منه الجواب كما سيأتي وليس أبو عذرة هذا وكيف يرد بعض دعائه وقد قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر، الآية: 60] وفي الحديث إنّ الله لا يردّ دعاء المؤمن وإن تأخر وقد قال الإمام السهيلي في الروض: الاستجابة أقسام إما تعجيل ما سأل أو أن يدخر له خير مما طلب أو يصرف عنه من البلاء بقدر ما سأل من الخير وقد أعطى عوضاً من أن يجعل بأسهم بينهم بالشفاعة وقال: أئتي هذه أمّة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب عذابها في الدنيا الزلازل والفتن كما في أبي داود فإذا كانت الفتنة سبباً لصرف عذاب الآخرة عن الأمّة فما أجاب دعاءه لأنّ عدم استجابته أن لا يعطي ما سأل أو لا يعوض عنه ما هو خير منه كما ذكره النووي في الإذكار والكرماني وبقي فيه كلام في الروض فانظره وقوله: فإن دعاءه موجب أي لا يتخلف وفي نسخة مستجاب وهي بمعناها وقد قيل استجابته أغلبية.
قوله: (ينسلون قليلَا قليلَا) فهو نظير تدرج وتدخل في دلالة تفعل على مواصلة العمل في مهلة وهو معنى قولهم: إنّ ذلك الفعل وقع قليلا قليلاً وقد في قوله قد يعلم الله للتحقيق أو لتقليله في جنب معلوماته أو للتكثير. قوله: (ملاو " تم إشارة إلى أنه مصدر لاوذ لعدم قلب واوه ياء تبعا لفعله ولو كان مصدر لاذ قيل لياذا كقيام كما ذكر في التصريف وأما بالفتح فهو مصدر لاذ كطواف وهو منصوب على المصدرية أو الحالية بتأويله بملاوذين وأصل معنى لاذ التجأ. قوله: (وعن لتضمته معنى الإعرا ض) وقيل زائدة وقوله: أو يصدّون الخ لأنه كما في الكشاف يقال خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه بدونه ومنه أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه وعن الأمر إذا صد عنه دونه وفي التلويح معنى خالفني عن كذا إذا أعرض عنه وأنت قاصد إياه مقبل عليه فالمعنى يخالفون المؤمنين عن أمر الله أو أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون على تضمين المخالفة معنى الأعراض أي معرضون عن الأمر ولا يأتون بالمامور به فعلى الأوّل يتعدّ! إلى المفعول الأوّل بنفسه وإلى الثاني بعن حقيقة وعلى الثاني هو لازم مضمن. وفي شرح مقامات الزمخشري له خالف عنه إذا تركه وخالف إليه إذا أقبل نحوه قال ابن الزبعري:
ومن لا يخالف عن ردى الجهل يندم
انتهى وظاهره أنه إذا كان بمعنى الصد لا تضمين فيه وقد قيل: إنه تضمين فيجوز أن
يكون حمل عليه في التعدية دون تضمين لأنه بمعناه أيضاً ويجوز أن يكون مجازاً وقيل إنه إذا تعدّى بعن ضمن معنى الخروج وأصل معنى المخالفة أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو فعله كما قاله الراغب وهو تحقيق لمعنى المفاعلة فيه المبني عليه معناه فتدبر. قوله: (وحذف المفعول) وهو المؤمنين لا الرسول دون المؤمنين أي خلاف المؤمنين فإنهم لا يخالفونه كما قيل لإقدامهم فإنّ معنى مخالفته من حيث الفعل والترك قبل ومنه ظهر أنه لا يناسب كون المفعول الرسول سيما إذا عاد ضمير أمره إليه فافهم وقوله: (فإنّ الأمر له والرسول) مبلغ. وقوله: واستدل به أي بما ذكر في هذه الآية على أنّ الأمر أي مطلقاً ما لم تقم قرينة على خلافه للوجوب كما في الأصول وإنما يتم الاسندلال إذا أريد بالأمر الطلب لا الشأن كما في قوله على أمر جامع وقد جوزا فيه مع إرادتهما معاً وتقريره أنّ تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية فخوفهم وحذرهم من إصابة الفتنة والعذاب يجب أن يكون بسبب
مخالفتهم الأمر بترك المأمور به أو موافقته الإتيان به لأنه المتبادر لا عدم اعتقاده أو حمله على غير ما هو عليه بأن يكون للوجوب أو الندب مثلاً فيحمل على غيره فسوق الآية للتحذير عن مخالفة الأمر وإنما يحسن ذلك إذا كان فيها خوف الفتنة أو العذاب إذ لا معنى للتحذير عما لا مكروه فيه ولا يكون في مخالفة الأمر خوف
الفتنة أو العذاب إلا والمأمور به واجب إذ لا محذور في ترك غيره لا يقال هذا إنما يتم بوجوب الخوف والحذر بقوله: فليحذر وهو محل النزاع وعلى تقدير عموم أمره وهو ممنوع بل هو مطلق ولا نزاع في كون بعض الأوامر للوجوب لأنا نقول لا نزاع في أنّ الأمر قد يستعمل للإيجاب والأمر بالحذر من هذا القبيل إذ لا معنى للندب والإباحة. والحذر عن إصابة المكروه واجب وأمره مصدر مضاف ولا عهد فهو عام لا مطلق وعلى تقدير إطلاقه يتم المطلوب لأنّ المدعي أنّ مطلق الأمر للوجوب إذ لا نزاع في مجيئه لغيره بقرينة والأقرب أن يقال المفهوم من الآية التهديد والوعيد على مخالفة الأمر فيجب أن يكون حراما كذا قيل: وقد أورد على قوله لا معنى هنا للندب والإباحة إنه لا يلزم منه كونه للإيجاب لجواز كونه للتهديد وردّ بأنه بعد تسليم كون التهديد معنى حقيقيا للأمر لا معنى له لأنّ المهدد عليه مدلول ذلك الأمر كما في اعملوا ما شئتم والحذر ليس مما يهدد عليه بل عدمه وفيه أنا لا نسلم كون التهديد دائما كذلك والمثال الجزثي لا يجد به فالصواب أنه على تقدير التهديد يثبت المدعي كما أشار إليه بقوله: والأقرب الخ. وأورد على قوله: وعلى تقدير كونه مطلقاً الخ أنّ المطلق في المدعي بمعنى المطلق عن القرينة وهو غير المطلق في التقرير فلا يثبت المدعي على ذلك التقرير إلا أنه لا بعد بينهما فإنّ المطلق عن القرينة شائع في محتملاته ومثله لا يخفى على مثله ومقتض الأمر المأمور به وقوله بالحذر عنه أي عن أحد العذابين وقوله: فإن تعليل لقوله يدل وبه تندفع المصادرة السابقة. قوله: (يدل على حسنه) أي حسن الحذر لأمر الله به وقد قال: إنّ الله لا يأمر بالفحشاء فذلك الحسن معلوم بأخبار الشارع أنه حكيم لا يأمر بما لش فيه حسن فسقط ما قيل عليه من أنه مخالف لمذهب الأشعرية الذين منهم المصنف إذ الحسن والقبح عندهم لا يعلم إلا من جهة الشرع وأمّا عند الماتريدية ففيه كلام في الأصول وقوله المشروط صفة الحسن. قوله: (بقيام المقتصى له) وهو الترك وضمير له للعذاب لا للحذر كما توهم أي لا يحسن الحذر عن العذأب إلا بعد وجود المقتضي للعذاب وهو ترك المأمور به بقرينة توله: يخالفون. وقوله: وذلك أي قيام مقتضى الحذر يستلزم وجوب ترك المحذر عنه. وهو مخالفة الأمر فيلزم وجوب امتثاله فيكون للوجوب وهو المطلوب. ولا يرد على هذا التقرير أنه متوقف على كون أمر الحذر للوجوب فهو مصادرة كما مر تفصيله لعدم توقفه عليه لكنه قيل عليه إنه يتوقف على كون المرإد بالأمر مقابل النهي وليس بمتعين كما مر مع أنّ الأصل في الإضافة العهد فالظاهر أنّ المراد بأمره الأمر الجامع السابق وما في الكشاف من أنه ليس بوجه لفوات المبالغة والتناول الأولى والعدول عن الحقيقة في لفظ المخالفة والأمر عن ضرورة لا يدفع الإشكال لأنّ فوات المبالغة والتناول لا يقاوم العهد ولا
عدول عن الحقيقة لأنّ الأمر حقيقة في الحادثة وكذا المخالفة فيما ذكر ولو سلم فهو مشترك الإلزام فإنه ليس حقيقة في المعنى العام وقوله: بلا ضرورة ممنوع فإنّ إضافة العهد صارفة عن المعنى الحقيقي وهذا مكابرة ومنع مجرد لا يسمع فإنّ الأبلغية لا شبهة فيها فإنّ تهديد من لم يمتثل أمره أشد من تهديد من تركه بلا إذن وكون الأمر حقيقة في الطلب هو الأصح في الأصول. والمخالفة المقارنة للأمر لا شبهة في أنّ حقيقتها عدم الامتثال واشتراك الإلزام ليس بتام لأنّ أمره إذا عم يشمل الأمر الجامع بمعنى الطلب أيضا وعهد الإضحافة ليس بمتعين حتى يعدّ صارفا فتأمّل. قوله: (أيها المكلفون) فدخل فيه المنافقون السابق ذكرهم كما أشار إليه المصنف لكنه قيل إنه بطريق التغليب لأنّ الخطاب قبله للمؤمنين ويؤيده قوله ويوم يرجعون إليه. قوله: (وإفما كد علمه بقد) في الكشاف ومرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد وذلك أنّ فد ذا دخلت على المضارع كانت بمعنى ربما فوافقتها في الخروج إلى التكثير كقوله: أخوثقة لايهلك الخمرماله ولكنه قديهلك المال نائله
…
فاسنعمل للتأكيد والتقوية ما يدل على التكثير لأنه في قوّة التكرير وقد قيل: إنه يجوز أن يكون إدخال قد على المضارع ليزيد أهل الحق تحقيقاً ويفتح لأهل الريب إلى الاحتمال طريقاً فإنه يكفي للخوف من النكال حروف الإهمال ولا يكفي أنه تكلف ما لا يدل عليه اللفظ فإنها إما للتحقيق أو للتكثير وهو إما حقيقة