الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد به إلى آخرها، ويحتمل أن يكون المراد من قرأ أواخرها لأنه ورد في حديث آخر من قرأ في ليلته من كان ب! جو لقاء ربه الآية كان له نور من عدن أبين إلى مكة، والحديث المذكور قال العراقي رحمه الله: له سند إلا أنه ضعيف ومثله لا يضرّ في فضائل الأعمال) تمت السورة) اللهمّ ببركة كلامك العظيم نوّر بصائرنا وأبصارنا بنور الهداية والتوفيق لما يرضيك، وصل وسلم على أشرف مخلوقاتك سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاما دائمين إلى يوم القيامة يا أرحم الراحمين.
سورة
مريم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (إلا آية السجدة) والا آية وان منكم إلا واردها كما في الإتقان، وقوله: أمال أبو عمرو الهاء أي لفظ ها ولفظ يا، وقوله: لأنّ ألفات أسماء التهجمي يا آت الخ، أي منقلبة عن الياء والألف تمال لأسباب منها كونها منقلبة عن ياء فتمال تقريباً لها من أصلها، وقدم وجه الإمالة المذكورة لتعينه في لفظ ها بخلاف يا فإن إمالته تحتمل أن تكون لأجل مناسبة الياء المجاورة لها، كما يمال سيال وإن لم تكن ألفه منقلبة وكأنه إيماء إلى أنه أصلها للتصريح بها في كثير منها كميم وجيم وعين وغين وهذا أمر تقديرفي لأنها لا اشتقاق لها لكن هذا مخالف لما ذهب إليه ابن جني في المحتسب وقال: إنه مذهب الخليل والجمهور وهو: أنّ الإمالة وضدها ويسمى تفخيماً وضماً أيضاً وهو من اصطلاحاً تهم هنا وقد عبر به الزمخشري هنا تبعا لهم على عادته هما ضربان من التصرّف، وهذه كالجوامد لا يعرف لها اشتقاق على الصحيح لكنها لما جعلت أسماء متمكنة قويت على التصرّف فحملت الإمالة والتفخيم فمن فخمها على الأصل ومن أمالها قصد بيان أنها تمكنت وقصدت بالتصرّف، وإلا فألفها وإن كانت مجهولة لعدم اشتقاقها لكنها تقدر منقلبة عن واو لأنه الأكثر، قال: وهذا قول جامع فأعرفه وأغن به، ثم إن قراءة أبي عمرو وجهت بعد صحتها نقلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه خص ها لئلا تلتبس بها التي للتنبيه في مثل هؤلاء، ولم يمل يا لأنّ الكسرة مستثقلة على الياء فكذا ما يعرب منها، واعترض! بأنه مع كونه لا يصلح وجها للتخصيص منتقض بإمالتهم نحو السيال، وليس بشيء لأن التخصيص إضافي ورب شيء يخف وحده ويثقلى إذا ضم إليه مثله، وهو ظاهر مع أن اطراد مثله ليس بلازم. قوله: (وابن عامر وحمزة الياء (تنبيها على ما مر أو لمجاورة الألف للياء أو للفرق بينها وبين ما في النداء ولم يلتفت إليه أبو عمرو للفرار من جمع إمالتين، ولأن حرف النداء لا احتمال له هنا لدخوله على ما يبعد نداؤه، فتأمّل. قوله: (خبر ما قبله (من قوله: كهيعص إن جعل اسما للسورة أو القرآن كما مر، وقوله: فإنه أي ما قبله أو كل واحد مما ذكر من السورة أو القرآن، وقوله: مشتمل عليه أي على الذكر فيسند إليه تجوزاً أو بتقدير مضاف
أي ذو ذكر رحمة أو بتأويل مذكور فيه رحمة ربك لا بتأويل ذاكر كما قيل، فإنه مجاز أيضا وكذا إذا كان مبتدأ. قوله:(وقرئ ذكر وحمة على الماضي (هذه تحتمل قراءة الحسن ذكر فعلا ماضيا مشدداً ورحمة بالنصب على أنها مفعول ثان مقدم على الأوّل، وهو عبده والفاعل إفا ضمير القرآن، أو ضمير الله لعلمه من السياق ويجوز أن يكون رحمة ربك مفعولاً أوّل على المجاز أي جعل الرحمة ذاكرة له وقيل: أصله برحمة فانتصب على نزع الخافض هذا ما في الكشف، وقرأ الكلبي: ذكر ماضياً مخففاً ونصب رحمة ورفع عبده على الفاعلية وكلام المصنف يحتمله. قوله: (وذكر على الأمر) والتشديد وهما مفعولان كما مرّ ولا يلزم ارتباطه بما قبله لجواز كونه حروفا على نمط التعديد كما مرّ فلا محل لها من الإعراب، ولا يلزم في وجوه القرا آت اتحاد معناها وإنما اللازم عدم تخالفها فإن كان اسما للسورة أو القرآن يقدر له مبتدأ أو خبر وتكون هذه جملة مستأنفة وفاعل ذكر هو النبيّ صلى الله عليه وسلم ورحمة الظاهر أنه منصوب على نزع الخافض وعبده مفعوله أي ذكر الناس برحمة ربك لعبده زكريا
فلا وجه لما قيل إنه على هذا غير متصل بما قبله، فالوجه حمل القراآت الأخر عليه ليتوافق ولا داعي للتكلف في دفعه بأنه إن أراد الاتصال المعنوي فهو موجود لجواز كون ضمير ذكر لكهيعص! كما في الماضي وان أريد في الإعراب فليس بلازم مع أنه يجوز جعله خبراً له بالتأويل المشهور في الإنشاء إذا وقع خبراً وكله تعسف مستغنى عته. قوله: (مفعول الرحمة (على أنها مصدر مضاف لفاعله والمصدر وضع هكذا بالتاء لا أنها للوحدة حتى يمنع من العمل لأنّ صيغة الوحدة ليست الصيغة التي اشتق منها الفعل فلا تعمل عمله كما نص عليه النحاة، وقوله: على الاتساع أي التجوّز في النسبة وقوله: بدل أي بدل كل من كل والفرق بينه وبين عطف البيان ظاهر. قوله: الأنّ الإخفاء والجهر عند الله سيان (أصل النداء رفع الصوت وظهوره، وقد يقال لمجرّد الصوت بل لكل ما يدل على شيء وان لم يكن صوتا كما حققه الراغب فلا يرد عليه إنّ النداء يستلزم الرفع والظهور فيلزم الخفاء سواء كان بمعنى المخافتة والسرّ المقابل للجهر كما يشير إليه كلام المصنف أو بمعنى الخفاء على الناس وان كان جهراً في مكان خال عنهم كما يشير إليه قوله: لئلا يلزم الخ قيل: ولدفع هذا الإيراد فسره الحسن بنداء لا رياء فيه فجعل الخفاء مجازاً عن الإخلاص وعدم الرياء والوجه أنه كناية مع أن قوله: وظهوره قد يجعل عطفا تفسيريا للرفع ويكفي في الظهور اطلاع من ناداه عليه وهو يعلم السرّ وأخفى ولذا قيل:
يا من ينادي بالضمير في! سمع
وأشير إلى كونه خفيا ليس فيه رفع بحذف حرف النداء في قوله: قال رب والإخبات بالخاء المعجمة والباء الموحدة والمثناة الفوقية الخشوع وابان الكبر بكسر الهمزة وتشديد الموحدة وفته وقد مر في آل عمران إنّ سنه كان تسعا وتسعين وسن امرأته ثمانياً وتسعين فهو قول آخر، وقوله: تفسير للنداء أي بيان لكيفيته، فالجملة لا محل لها من الإعراب. قوله:(وتخصيص العظم) أي بالوصف بالضعف دون بقية البدن مع أنه المراد لأنه يدل على ضعف غيره بطريق الكناية، وهي أبلغ من التصريح والدعامة بكسر الدال العمود الذي يوضمع عليه البناء والخباء فهو استعارة تصريحية، أو مكنية والمراد بما وراءه غيره. قوله: (وتوحيده (أي إفراده دون جمعه، قال في الكشاف: ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية وقصده إلى أنّ هذا الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ولو جمع لكان قصداً إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه، ولكن كلها وقال السكاكيّ: إنه ترك جمع العظم إلى افراد لطلب شمول الوهن العظام فرداً فرداً لا حصول وهن المجموع دون كل فرد يعني يصح إسناد الوهن إلى صيغة الجمع نحو وهنت العظام عند حصول الوهن لبعض منها دون كل فرد، ولا يصح ذلك في المفرد، واختلف علماء المعاني في أنه هل بين مسلكيهما فرق أم لا وفي أيهما أرجح على ما فصل في شرح التلخيص والمفتاح وتبعهم شراح الكشاف هنا فذهب السعد إلى الفرق بينهما والى أنّ الحق مسلك الزمخشري تبعا للمدقق في الكشف ولم يرتض ما ذهب إليه الشارح العلامة ومن تبعه فقال الوجه: ما في الكشاف وهو أنّ الواحد هو الدال على معنى الجنسية وقصده إلى أن الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ولو جمع لكان قصدا إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها يعني لو قيل: وهنت العظام كان المعنى أنّ الذي أصابه الوهن ليس هو بعض العظام بل كلها حتى، كأنه وقع من سامع شك في الشمول والإحاطة لأنّ القيد في الكلام ناظر إلى نفي ما يقابله وهذا غير مناسب للمقام فهذا الكلام صريح في أن وهنت العظام يفيد شمول الوهن لكل من العظام بحيث لا يخرج منه البعض وكلام المفتاح صريح في أنه يصح وهنت العظام باعتبار وهن بعض العظام دون كل فرد فالتنافي بين الكلامين واضح، وتوهم أنه لا منافاة بينهما بناء على أنّ مراد الكشاف أنه لو جمع لكان قصداً إلى أنّ بعض عظامه مما يصيبه الوهن والوهن إنما أصاب الكل من حيث هو هو والبعض بقي في سوء الفهم وقلة التدبر، وهذا الخلاف مبنيّ على أنّ الجمع المعرّف شامل عمومه لكل فرد فرد، وهو الحق عندهم على ما مرّ تفصيله في سورة البقرة والتعريف هنا محمول على الاستغراق بقرينة الحال فلا يتوهم أنه
! حتمل العهد. (وههنا فائدة (وهي
أن في قوله: وهن العظم مني كناية عن وهن الجسد كله وهي مبنية على تشبيه مضفر وهو تشبيه العظم بعمود وأساس ففيه تخييل كما ذكره شراح الاكشاف ومنه تعلم الفرق بين التشبيه المكنى والاستعارة المكنية فإنّ الثانية لا تحسن بدون تخييلية بخلاف الأولى فاحفظه وتدبر في الفرق بينهما فإنه من دقائق هذا الكتاب، وقوله: ودرئ الخ يعني عين فعله مثلثة مثل كمل والفتح للسبعة وغيره شاذ، وقال: العظم، مني ولم يقل عظمي مع أنه أخصر لما فيه من التفصيل بعد الإجمال ولأنه أصرج في الدلالة على الجنسية لمقصودة هنا. قوله:(شبه الشيب في بياضه الخ) الظاهر أنّ شبه وأخرج مجهول ويجوز خلافه والشواظ اللهب الذي لا دخان فيه والفشوّ بضم الفاء والشين المعجمة وتشديد الواو الانتشار أيضا وانتشاره معطوف على الشيب وظاهر كلام الشيخين أن فيه استعارتين مبنيتين ىلى تشبيهين أولاهما تصريحية تبعية في اشتعل بتشبيه انتشار المبيض في غيره باشتعال النار كلوله:
واشتعل المبيض في مسوذه مثل اشتعال النارفي جزل الغضى
…
والثانية مكنية بتشبيه الشيب في بياضه وإنارته باللهب، وهذا بناء على أن المكنية تنفك
عن التخييلية كما مرّ، وعليه المحققون من أهل المعاني، وقيل: إنّ الاستعارة هنا تمثيلية فشبه حال الشيب بحال النار في بياضه وانتثاره، وتوحيده ضمير أخرج يؤيده وليس بشيء والداعي إلى هذا التكلف ما لزمه من انفكاك المكنية عن التخييلية ولا محذور فيه مع أنه قيل إن من فسر ااخييلية بإثبات شيء لشيء يجوز له أن يقول: إنها موجودة هنا وإن كان الاشتعال استعارة لأن إثباته للرأس أو الشيب وإن كان مجازاً فيه تخييل أيضا وهو بعيد. قوله: (وأسند الاشتعال إلى الرأس الخ (إشارة إلى أن شيبا تمييز للنسبة محوّل عن الفاعل وأصله اشتعل شيب الرأس وأنّ داندة التحويل المبالغة وافادة الشمول لجميع ما فيها، إذ جعل الرأس نفسها شابت والشائب إنما هر ما فيها من الشعر فإنّ إسناد معنى إلى ظرف ما اتصف به زمانيا أو مكانيا يفيد عموم معناه لثل ما فيه في عرف التخاطب فقولك: اشتعل بيتي ناراً يفيد احترق لجميع ما فيه دون اشتعل ناد بيتي ومنه تعلم أن شربت الكأس على الإسناد المجازي أبلغ منه على التجوّز في الطرف وأنّ ذكر الطرفين في المجاز العقلي ليس بمحذور كما في الاستعارة. قوله: (واكتفى باللام عن الإضافة (أي لم يقل رأسي لأن تعريف العهد المقصود. هنا يفيد ما تفيده كما إذا قلت لمن في الدار أغلق الباب إذا لم يكن فيها غير باب واحد ولما كان تعريف العظم السابق للجنس، كما مر لم يكتف به وزاد قوله مني. قوله: (كلما دعوتك استجبت لي (إشارة إلى أنّ المراد بالشقاء
هنا الخيبة وأن قوله: لم أكن تفيد العموم فيما مضى، والمدعو له أي لأجله طلب الولد في الكبر فنبه من يسمعه على سبب طلب غير المعتاد لئلا يلومه فيه، والتوسل بما سلف من عادته يتضمن مبالغة في كرمه كما روي عن معن بن زائدة والكريم أدرى بطرق الكرم أنّ محتاجاً سأله وقال: أنا الذي أحسنت إليّ في وقت كذا فقال: مرحبا بمن توسل بنا إلينا وقضى حاجته. قوله: (بني عمه الأنه أحد معانيه، وكونهم أشراراً المراد به الشر الديني كما أشار إليه لا لؤم النسب فإنّ كل نبيّ يبعث من خير قومه حسبا كما في صحيح البخاري من حديث هرقل وهو بيان لأنّ طلبه عقبا وولدا ليس لأمر دنيوي، وقوله: بعد موتي إشارة إلى أن وراء بمعنى بعد مجازا، والمراد بعد موته كما في حديث أنهم غيروا بعدك، وأصل معناها خلف أو قدام كما مز. قوله: (وعن ابن كثير بالمذّ والقصر) يعني أنه عنه روايتان المد على الأصل وموافقة الجمهور والقصر للتخفيف، ولا عبرة بقول البصريين إنّ قصر الممدود لا يجوز في السبعة، وقد مرّ فيه كلام وقوله: بفتح الياء أي في قراءته فإنه لولاه اجتمع ساكنان. قوله: (أي خفت فعل الموالي الخ الف ونشر فالمقدر الذي تعلق به المضاف المقدر، وهو لفظ فعل أو هو متعلق بالموالي لكونه بمعنى الذين يلون ومن ولي أي بمعناه السابق وحينئذ لا يصح تعلقه بخفت لأنّ الخوف ثابت له الآن لا بعد موته، ولذا قال: في الكشاف لا يتعلق بخفت- لفساد المعنى، وأمّا كونه يكفي لصحة الظرفية كون المفعول فيه لا يشترط
كونه ظرفاً للفعل نحو رميت الصيد في الحرم إذا كان الصيد فيه دون رميك فيجوز تعلقه بخفت عليه ولا فساد فيه كما مرّ في سورة الإنعام فلك أن تقول إنّ المراد امتناعه وفساده بناء على الظاهر المتباد منه وأنه إذا كان ظرفا للمفعول هنا آل معناه إلى تعلقه به ضرورة فلا يكون متعلقا بالفعل حينئذ فتدبر، ويجوز أن يكون حالاً مقدرة من الموالي، وقوله: الذين يلون الأمر أي يتولونه ويقومون به بيان لمعنى الولاية فيه الذي تعلق به الظرف باعتباره، فإنه يكفي فيه وجود معنى الفعل في الجملة بل رائحته ولا يشترط فيه أن يكون دالاً على الحدوث كاسم الفاعل والمفعول حتى يتكلف له، ويقال: إنّ اللام على هذا موصولة والظرف متعلق بصلته، كما ذكره المصنف وأن مولى مخفف مولى، كما قالوا نظيره في لفظ معنى فإنه تعسف لا حاجة إليه. قوله: (وقرئ خفت (
بتشديد الفاء من الخفة ضدّ الثقل وهي قراءة عثمان وعليّ بن الحسين، وقوله: قلوا وعجزوا إشارة إلى خفة المؤن بقلتهم فهو مجاز عن لازم معناه بواسطة أو بدونها وأنّ من ورائي على هذا بمعنى من بعدي أيضاً، وقوله: ودرجوا بمعنى مضوا وذهبوا فهو من الخفوف بمعنى السير مجازاً، وورائي عليه بمعنى قدامي وقبلي أي أنه محتاج إلى العقب إما لعجز قومه بعده عن إقامة الدين أو لأنهم ماتوا قبله فبقي محتاجاً لمن يعتضد به في أمره، وقوله: فعلى هذا أي على القراءة المذكورة وتفسيرها بما ذكره على الوجهين كما في بعض الحواشي، أو على التفسير الثاني لهذه القراءة لأنّ عجزهم وقلتهم إن لوحظ أنه سيقع بعده لا أنه واقع وقت دعائه صح تعلقه بالفعل فيهما فإن لم يكن كذلك تعلق بالموالي على التأويل السابق كما في الكشاف وشروحه وعبارة المصنف رحمه الله محتملة لهما فتأمل. قوله: (فإنّ مثله لا يرجى إلا من فضلك (بيان لفائدة ذكر قوله: من لدنك مع أن طلب الهبة إنما هو مما عنده لأنّ معناه أن ما طلبه إنما يكون بفضله وقدرته، وترك قوله في الكشاف إنه تأكيد لكونه ولياً مرضياً بكونه مضافاً إليه تعالى وصادراً من عنده والا فهب لي وليا يرثني كاف لا لأنه نزغة اعتزالية في أنّ القبيح لا يضاف إليه تعالى أصلا ولو ذكره المصنف رحمه الله لكان له وجه لأن القبيح عندنا أيضا لا يضاف إليه تأدّبا وان أوجده لكنه فر من مواضع التهم بل لأنه لا حاجة إليه مع قوله: رضيا والتأكيد المقدم خلاف الظاهر، وقوله: من صلبي بيان لأن المراد بالوليّ هنا الولد. قوله:
إ صفتان له) أي لولياً لأنه المتبادر من الجمل الواقعة بعد النكرات، واختار السكاكيّ أنها مستأنفة استئنافاً بيانيا لأنه يلزم على ما ذكره المصنف رحمه الله تبعاً للكشاف أن لا يكون قد وهب من وصف لهلاك يحيى قبل زكريا عليهما الصلاة والسلام ودفع بأنّ الروايات متعارضة والأكثر على أنه قتل بعده، كما ارتضاه في تفسير قوله: لتفسدنّ في الأرض! مزتين، وأمّا الجواب بأنه لا غضاضة في أنه يستجاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم بعض سؤله دون بعض كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم وسيأتي تفصيله في سورة النور فردّ بأنه ليس المحذور هذا لمانما المحذور تخلف إخبار الله في قوله: فاستجبنا له في آية أخرى فإنها تدل على أنه-لمجرو أعطى جميع ما سأله لا بعضه، ثم إنّ ظاهر هذه الآية يدل على ضعف الرواية الأخرى وأمّا ما أورده على السكاكي من أنّ ما أورده وارد عليه لأنه وصل معنوفي فليس بشيء لأنه وان اتصل به معنى لكنه علة للمسؤول ولا يلزم أن يكون علة المسؤول مسؤولة، وأما الجواب بأن الإرث هنا إرث العلم والحبورة وقتله في حياته لا يضر لحصول الغرض وهو تلقي ما ذكر عته وافاضة الإفادة على غيره بحيث تبقى آثاره بعد زكريا زمانا طويلا فبعيد لأنّ المعروف بقاء ذات الوارث بعد الموروث عنه. قوله: (على
أنهما جواب الدعاء) أي في جواب الأمر الذي قصد به الدعاء وعبر به تأدباً أو لأنه كذلك في الواقع، وإذا جزم مثله فهو على تقدير شرط أي أن تهب لي ولياً يرثني، والمراد أنه كذلك في ظني ورجائي فلا يلزم الكذب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكون الأنبياء لا يورثون ثابت بحديث إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ولا يورثون مخفف مجهول أو مشدد معلوم، والحبورة مصدر حبر كقضو إذا صار حبرا، وقوله: أو عمران عطف على زكريا. قوله: (يرثني وارث) بوزن فاعل وأو يرث تصغيره وأصله وويرث بواوين الأولى فاء الكلمة
الأصلية والثانية بدل ألف فاعك لأنها تقلب واوا في التصغير كضويرب، ولما وقعت الواو مضمومة في أوّله قلبت همزة كما تقرر في التصريف، وفوله: لصغره يعني التصغير لأن المراد به أنه غلام صغير على ما فسره الجحدري الذي قرأ بها فهو مأثور فلا يرد على المصنف ما قيل: إنه لا يناسب المقام مع أنه لا وجه له لأنه لما طلبه في كبره علم أنه يرثه في صغر سنه ولو حدسا فصغره لذلك، والتجريد في البديع معلوم فعلم البيان أراد به البديع أو ما يشمل الفنون الثلاثة، والتقدير يرثني وارث منه أو به والوارث هو الوليّ فجرده منه وتحقيقه مرّ في آل عمران، وقوله: ترضاه إشارة إلى أن رضيا فعيل بمعنى مفعول ولو جعل بمعنى فاعل صح ولكن هذا أن! سب.
قوله: (ووعد بإجابة دعائه) الوعد يفهم من البشارة به دون أن يقال: أعطينا أو نحوه وما
في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله: في آية أخرى فاستجبنا له لأنه تعقيب عرفيئ، كتزوّج فولد له ولأنّ المراد بالاستجابة الوعد أيضا لأنّ وعد الكريم نقد، وقوله: التسمية بالأسامي الغريبة أي المستغربة النادرة لأنها أقوى في التعيين والشهرة ولأنّ صاحبها لا يحتاج إلى لقب يميزه وهذا أحد الوجوه في تسمية العرب أولادها بمثل كلب وفهد وحجر، وقال: بعض الشعوبية لبعض العرب لم تسمون أولادكم بشر الأسماء، ككلب وحرب وعبيد عليكم بخيرها، كسعد وسعيد فقال: لأنا نلد لأعدائنا ونسترق لأنفسنا، وقيل: لأنهم كانوا إذا ولد لأحدهم خرج من منزله، فأوّل ما يقع بصره عليه يجعله علما فإن رأى كلبا سماه به وتأوّل بالوفاء فهذه ثلاثة أقوال فيه فمن قال: إنّ المراد بالأسماء الغريبة ما لم يكن مستهجنا بقرينة المقام، لم يحم حول المرام ألا ترى استشهاد الزمخشريّ بقوله:
سنع الأسامي مسبلي أزر
نعم الواقع هنا كذلك والتنويه الرفعة بالشهرة. قوله: (وقيل سميا شبيهاً (هو على الأوّل المشابه في الاسم وعلى هذا بمعنى المشابه مطلقاً، وقيل: إن العلاقة فيه السببية وتشاركهما في الاسم أي في اسم جنس جامع لهما كنظير فهو مثل الاشتراك في العلم وإن كان في أحدهما تعدد الوضحع دون الآخر، وظاهره أنه على هذا المراد به المشابه فيما يطلق عليه من الأسماء العامة وليس بمراد لأن تشابههما في ذلك لا يقتضي تشابههما في المعاني أيضا وهو الفرق بين الوجهين فتدبر، وقوله: هل تعلم له سميا أي مثلاً لأن ترتيب قوله: فاعبده عليه يقتضي عدم النظير لا عدم الشريك في الاسم، وقوله: حيى به رحم أمه إن أريد بالرحم مقر الولد فحياته سلامته من العقر وان أريد القرابة فحياتها اتصال النسب وعلى العربية والعجمة يختلف الوزن والتصغير كما بين في محله. قوله تعالى: ( {بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} (مر في آل عمران بلغني الكبر قال الإمام: وهما بمعنى لأن ما بلغك فقد بلغته يعني إذا كان المبلوغ من المعاني كما هنا، أما إذا كان من الأعيان فبينهما فرق لأنّ البلوغ يسند إلى اللاحق بمن سبقه فيقال إن كان المتأخر زيد بلغ زيد عمراً دون العكس وما ذكره الإمام رحمه الله مبنيئ على أن من ابتدائية وعتيا مفعول، وفيه وجوه أخر وقد جعلت تجريدية وتعليلية وعليه يختلف معناهما من حيث المبالغة في أحدهما دون الآخر إن كان الأصل المعنى متحدا فيحتاج إلى بيان نكتة في اختيار أحدهما في كل مقام فتأمل. قوله: (جساوة (بالجيم والسين المهملة بمعنى يبساً وكذا القحول بالقاف والحاء المهملة يقال: جسا وعتا وعسا بمعنى يبس يبسا شديداً، وظاهر كلامه في الأساس أنه مخصوص بمفاصل الحيوان وإعلاله ظاهر، ومثله عصيا. قوله: (وإنما استعجب الولد) أي عده عجيبا وتعجب منه بقوله: إني لمخالفة العادة لما ذكر لا لإنكاره قدرة الله عليه فإنه كفر وهذا ما اختاره الزمخشري في سورة آل عمران، وقال هنا إن السؤال وإن كان صورته صورة تعجب واستبعاد ولكن الاستبعاد ليس بالنسبة إلى المتكلم بل بالنسبة إلى غيره من المبطلين ليزيل استبعادهم ويردعهم عنه ومثله لا بأس به وقوله: اعترافا علة لقوله: استعجب لأن معناه عذه عجيبا لعدم سببه الظاهر وعدم الأسباب يدل على كمال القدرة، كما لا يخفى وليس بمعنى استبعد كما في عبارة الكشاف حتى يصرف إلى غيره من المبطلين ويرد عليه أن
نداءه كان خفيا عنهم كما مرّ فمن المبطلون وهذا إن كان الإخفاء لئلا يسمع فيلام
أما إن كان لكبره ونحوه مما لا ينافي في سماع غيره فلا يرد فإن كان كذلك فقد حمل على أنه جهر به بعد ذلك إظهار النعمة الله عليه وردعا لمن ذكر. قوله: (ولذلك قال (في قال هنا نوع من البديع يسمى التجاذب أي لكون الاستعجاب اعترافا بأنّ المؤثر فيه كمال القدرة الإلهية دون الوسايط والأسباب العادية لا إنكارا أتى بعده بما يفيد تصديقه في الخبر الذي تضمنه كلامه الاستفهامي التعجبي، إذ قال: الأمر كذلك أي كما اعتقدته وقصدته ولو كان الأمر إنكارا ما استحق التصديق، والجملتان أي الأمر كذلك وقال ربك الخ، مقولا القول بدون عطف لأن الثانية كانت مستأنفة فحكيت على صورتها وأتى بقال ثانيا تحقيقا للحكاية ولو تركت صح وأفاد المقصود. قوله: (أي الله تعالى) إن كان القول بلا واسطة أو الملك إن كان بها، ولا ينافي الأوّل قوله: فنادته الملائكة الخ، لجواز وقوع القول مرّتين بواسطة وبدونها، ويرجح الثاني قوله: قال ربك لسلامته حينئذ عن تفكيك النظم. قوله: (ويجوز أن تكون الكاف منصوبة بقال في قال ربك وذلك إشارة إلى مبهم يفسره هو علتي هين) أي القول الأوّل مقوله قال ربك هو عليّ هين وكذلك منصوب بالقول الثاني في موقع مصدر له هو صفته، أي قال لزكريا قال ربك هو عليّ هين قولاً مثل ذلك ولفظ ذلك فيه حينئذ إشارة إلى أمر مبهم مفسر بما يعده وكان فيما قبله إشارة إلى قول وعده زكريا تصديقا له، قال في الكشف: الوجه الثاني المجعول فيه اسم الإشارة مبهما يفسره ما بعده يقدر فيه نصب الكاف بقال الثاني لا الأول والا لكان قال ثانيا تأكيداً لفظيا لئلا يقع الفصل بين المفسر والمفسر باجنبيّ وهو ممتنع إذ لا ينتظم أن يقال: قال رب زكريا قال ربك ويكون الخطاب لزكريا والمخاطب غيره كيف وهذا النوع من الكلام يقع فيه التشبيه متقدّما لا سيما في التنزيل من نحو وكذلك جعلناكم أمة كذلك يفعل الله ما يشاء والتقدير، قال رب زكريا قال ربك قولا مثل ذلك القول الغريب وهو عليّ هين على أن قال الثاني مع ما في صلته مقول القول الأوّل إقحام القول الثاني لما سلف، وقد حقق أن الكاف في مثله مقحمة للتأكيد لا تغفل اهـ، (قلت (هذا من دقائق الكشاف وشروحه التي لا توجد في غيره وقد مرّ فيه كلام في سورة البقرة وقد فصله في الكشاف، وشروحه هنا فقال إن الإشارة إلى مبهم مفسر بما بعده كما في قوله: وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع والتشبيه يقع فيه مقدماً وإنه المطرد في التنزيل، وقد حققه الوزير المغربي في شرح قول زهير:
كذلك خيمهم ولكل قوم إذامستهم الضراءخيم
…
فقال: قال الجرجاني هي تثبيت للمتأخر وهي نقيض كلا فإنها للنفي، والحاصل أنها متعلقة بما بعدها كضمير الشأن وتستعمل في الأمر العجيب الغريب لتثبيته والظاهر أنه كناية لأن
ماله مثل يكون ثابتا محققا لكنه قطع النظر فيها عن التشبيه فلذا قالوا: إنّ الكاف فيه مقحمة فإن نظر إلى أصله كان فيه تشبيه فلذا قيل: إنه من تشبيه الشيء بنفسه، فتدبر. قوله:(وبؤيد الأول قراءة من قرأ وهو علئ هين) وهي قراءة الحسن وإنما كانت مؤيدة لأنّ الواو تمنع من التفسير إذ هي لا تعرض! في مثله ولا يجعل مقول القول المحذوت مفسراً لأن الحذف ينافي التفسير وجعلها مؤيدة لا دالة معينة لأنّ توافق القراءتين ليس بلازم وإنما اللازم عدم تعارضهما وتنافيهما. قوله: (أي الأمر كما قلت) بصيغة الخطاب لزكريا عليه الصلاة والسلام وما قاله هو العقر والكبر فإن كان بصيغة المتكلم أي كما قلت لك في البشارة فالقول المذكور هو المشار إليه بذلك، أو كما وعدت بالبناء للمجهول مع ضمير الخطاب، ويجوز بناؤه للمعلوم مع ضمير المتكلم إذ ما وعده الله هو ما وعده زكريا عليه الصلاة والسلام فلا يتعين الأوّل، كما قيل لكن الداعي لذلك تفسيره بما بعده وستسمع ما فيه وهذا التفسير على الوجه الأوّل والقراءة الثانية، وقوله: وهو على ذلك يهون عليّ فسره بالفعل بناء على أنه مجهول مسند لضمير المخاطب فيكون النظر فيه إلى تنجيز الوعد وهو بالفعل أنسب بخلاف قوله: أو كما وعدت فإنه معلوم مسند لضمير المتكلم وهو الله فلا
يناسب التجذد والحدوث فروعيت المناسبة في الجانبين، وقد أوضحه بعض أهل العصر فقال: كما وعدت على بناء المجهول مسند إلى ضمير الخطاب فحيث كان النظر إلى جانب زكريا عليه الصلاة والسلام قال وهو على ذلك يهون عليّ كأنه قيل الأمر كما وعدت وقد بلغت من الكبر عتياً وكانت امرأتك عاقراً ومع ذلك هو يهون عليّ وان صعب في نظرك، وقوله: أو كما وعدت على صيغة المتكلم المعلوم ولما كان النظر حينئذ إلى جانبه عز وجل قال: وهو عليّ هين أي لا صعوبة فيه بالنسبة إلى قدرتي فإني لا أحتاج فيما أريد أن أفعل أي أمر كان إلى جنس الأسباب بل إنما أمري إذا أردت شيئا أن أقول له: كن فيكون وهذا من جملة ما أريد أن أفعله فلا احتياج لي فيه إلى شيء من الأشياء حتى يتوهم كون العقر والكبر قادحاً فيه هكذا ينبغي أن يلاحظ هذا الكلام، وفي كلام الفاضل المحشي هنا نوع خلل وقصور يعرف بأدنى التفات فإن شئت فراجعه) قلت (قد راجعناه فقل: هذه بضاعتنا ردّت إلينا إذ لا فرق بينه وبين ما ذكر إلا بالأطناب وقيل إن قوله على ذلك معناه أن حصول الولد مع ما ذكر من الكبر والعقر يهون عليّ لكنه يرد عليه أنّ ما ذكر بعده لا يخلو من التكرار، ولذا لم يذكره في الكشاف ودفعه بأن المراد أنه على تقدير أن يكون المعنى إن كان الأمر كما وعدت يمكن أن يفسر قوله: وهو عليئ هين بالتفسير الأول وبالتفسير الثاني أيضا، وأمّا إذا كان المعنى كما قلت يكون معنى قوله تعالى:{هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [سورة مريم، الآية: 9] بالمعنى الأوّل ولا محصل له والأوّل أظهر مع أنه لا يخلو من شائبة كدر، فتأمل. قوله:(ومفعول قال الثاني محذوف) أي على قراءة الواو وتقديره قال ربك هو كذلك لا هو عليّ هين وما بعده
يفسره وقوله: وهو عليّ هين معطوف على مقول القول المقدّر، والزمخشريّ جعل القول نفسه محذوفا على وجه النصب، وقوله: وفيه دليل الخ، هو مذهب أهل السنة والكلام عليه مفصل في الكلام، والزمخشريّ أشار إلى الجواب بأن المنفيّ شيء خاص وهو العندية كما في قوله: إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
وتوله: سوفي الخلق أي تام الخلقة وهو حال من فاعل تكلم. قوله: (ما بك من خرس
ولا بكم) قالوا: إنّ الآية هي تعذر الكلام عليه لأن مجرّد السكوت مع القدرة على الكلام لا يكون معجزة، ثم اختلفوا في أنه أعتقل لسانه أو امتنع عليه الكلام مع القدرة على ذكر الله وهذا هو المختار لأنّ اعتقال اللسان قد يكون لمرض فلا يكون آية أمّا إذا امتنع عليه كلام الناس مع القدرة على ذكر الله تحققت الآية وهو الظاهر من قوله: ألا تكلم الناس واليه أشار المصنف وحمه الله بقوله: استمرّ الخ فتأمل. قوله: (وإنما ذكر الليالي هنا الخ (يعني أنّ القصة واحدة وقد ذكر فيها مرّة الليالي ومرّة الأيام، فدل ذلك على أنّ المراد الأيام بلياليها لأن العرب تتجوّز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر كما ذكره السيرافي والنكتة في الاكتفاء بالليالي هنا وبالأيام ثمة أن هذه السورة مكية سابقة النزول وتلك مدنية والليالي عندهم سابقة على الأيام لأن شهورهم وسنيهم قمرية إنما تعرف بالأهلة ولذلك اعتبروها في التاريخ كما ذكره النحاة فأعطى السى7 بهق للسابق، والمصلى محل الصلاة، والغرفة المحل المرتفع والمحراب يطلق على كل منهما لغة، وأمّا المحراب المعروف الآن فهو محدث كما ذكره السيوطي، وقوله: فأومأ أي أشار وهو مهموز من الإيماء لكنه ورد في كلامهم منقوصا أيضاً وعليه استعمال المصنف رحمه الله كقوله:
أومي إلى الكوفة هذا طارق
وقوله لقوله الأرمز فإنّ القصر الإضافي فيه بالنسبة إلى التكلم لا إلى الكتابة فينافية دونها
ولأنّ قوله: ألا تكلم الناس يقتضي تعيين تفسيره بما ذكر، والكتابة على الأرض بالخط في التراب وهي تسمى وحيا كما في قوله:
لفيه وحيّ في بطون الصحائف
قوله: (صلوا) لأنّ ألتسبيح يطلق على الصلاة مجازا لاشتمالها عليه وهذا قول الجمهور
ولذا قدمه. قوله: (ولعله كان مأمورا الخ) إنما ذكره لما يرد عليه بحسب الظاهر من أنه منع من كلام الناس أو اعتقل لسانه عن غير الشكر والذكر وتخصيص البكرة والعشيّ فهمه من الإشارة بعيد فإما أن يقال لا بعد فيه أو يقال كان مأموراً بهذا والمنع إنما هو من الكلام العادي الذي لم يؤمر به قيل: والأمر بالتسبيح لأنه يكون للتعجب، وما ذكر من الولد ونحوه
مما يتعجب منه، وهو لا يناسب تفسيره السابق إلا بتكلف. قوله:(تحتمل أن تكون مصدرية) فتقدر قبلها الباء الجارّة، وقوله: على تقدير القول وكلام آخر تقديره فلما ولد وبلغ سنا يؤمر مثله فيه، قلنا: الخ، وقوله: واستظهار أي حفظ يقال: استظهر الكتاب إذا حفظه، وقوله: وقيل النبوّة هو مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما والحكمة وردت بمعناها كثيراً، وقوله: واستنباه بالهمزة والألف أي جعله نبياً وان كان أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم ينبأ قبل الأربعين. قوله: (ورحمة منا عليه) أي إيتاؤه ما ذكر بفضل الله ورحمته وعلى تفسيره بالتعطف والشفقة فائدة قوله: من لدنا الإشارة إلى أق ذلك كان مرضيا لله فإنّ منه ما هو غير مقبول، كالذي يؤذي إلى ترك شيء من حقوق الله، كالحدود مثلاً أو هو إشارة إلى أنها زائدة على ما في جبلة غيره لأن ما يهبه العظيم عظيم ولا يرد عليه أنه إفراط وهو مذموم كالتفريط وخير الأمور أوسطها لأن مقام المدح يأباه، ورب إفراط يحمد من شخص ويذمّ من آخر فإنّ السلطان يهب الأمور فيمدح ولو وهبها غيره كان إسرافا مذموما، ومن الحنان قيل لله: حنان بمعنى رحيم خلافاً لبعض أهل اللغة إذ منع لطلاقه على الله وهل هو مجاز بمرتبة أو مرتبتين قولان. قوله: (أو صدقة أي تصدّق الله به على أبويه) وهو معطوف على صبياً الحال والمعنى حال كونه متصدّقا به عليهما، وقيل: معنى إيتائه الصدقة كونه صدقة عليهما فهو معطوف على المفعول، ومعنى مكئه أعطاه قدرة وسعة، وعصيا أصله عصويا فهو فعول للمبالغة، وقوله: من أن يناله فاللام بمعنى السلامة والأمان بما ذكر، وقيل: إنه بمعنى التحية والتشريف بها لكونها من الله في حال كمال عجزه، وما ينال به بني آدم هو مسه له حين يصيح كما مرّ تفصيله في سورة آل عمران، واذكر في النظم معطوف على اذكر مقدراً أي اذكر هذا واذكر الخ، وقوله: قصتها فهو بتقدير مضاف أو
هو مفهوم من السياق وذكر مريم كما سيذكره المصنف، وانتبذ افتعال من النبذ وأصل معناه الطرح ثم أريد به الاعتزال لقربه منه. قوله:(بدل من مريم يدل الاشتمال (وفيه تفخيم لقصتها العجيبة وإنما جعل بدلاً لأنه لا يصح أن يكون ظرفا لا ذكر وأمّا قوله أبي البقاء: إن انزمان إذا لم يقع حالاً من الجثة ولا خبراً عنها ولا صفة لها لم يكن بدلاً منها فرده المعرب بأنه لا يلزم من عدم صحة ما ذكر عدم صحة البدلية ألا ترى سلب زيد ثوبه فالبدل فيه لا يصح فيه ما ذكر مع صحته بلا شبهة وإنما امتنع هناك لتغايرهما والوصف والخبر والحال لا بد من تصادقهما، فالفرق ظاهر، وقوله: لأنّ الأحيان الخ فالثاني هو المشتمل كسلب زيد ثوبه، وقد يعكس كأعجبني زيد علمه، وقوله: لأنّ المراد بمريم قصتها لأنه ليس المراد بذكر مريم إلا ذكر قصتها، وقوله: وبالظرف لا يخفى بعده، والمضاف المقدّر قصة ونحوه، وكون إذ مصدرية ذكره أبو البقاء وهو قول ضعيف للنحاة، وقوله: لا أكرمتك إذ لم تكرمني أي لعدم إكرامك لي والظاهر أنها ظرفية أو تعليلية إن قلنا به، وقوله: فتكون أي إذا انتبذت على هذا القول وهو بدل اشتمال أيضاً، وكون مشرق الشمس قبلة النصارى مرّ الكلام عليه. قوله تعالى:){فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا} ) مشتق من المثال أي تصوّر وأصله أن يتكلف أن يكون مثالاً لشيء، وبشرا جوّز في إعرابه وجوه الحالية المقدرة والتمييز والمفعولية بتضمينه معنى اتخذ ولهم كلام في كيفية التمثيل هل ما زاد من أجزائه يفنى أو يذهب ثم يعود أو يتداخل ويتصاغر أو يخفيه الله عن النظر والظاهر أنها احتمالات عقلية والأولى التوقف في مثله والمشرقة مثلثة الراء محل شروق الشمس والقعود فيه شتاء. قوله:(متمثلَا بصورة شابئ أمرد الخ) اعترض عليه بأنّ فيه هجنة ينبغي أن تنزه مريم عنها وأنه مناف لمقتضى المقام وهو إظهار آثار القدرة الخارقة للعادة كما قال: كادم خلقه من تراب الآية ويكذبه قوله: قالت إني أعوذ الخ دمانما وجهه أنها رأته بهيئة صغير السن مأنوس لئلا تنفر عنه ولا تسمع كلامه وقد أريد إعلامها وليظهر للناس عفتها وزهدها إذ لم ترغب في مثله ولأنّ الملك كلما تمثل تمثل بصور بشر جميل كما كان يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم في صورة دحية رضي ألله عنه فأمّا كونه خارقا للعادة فلا يرد عليه لأنه ليس من أب
ويكفي مثله والولد لا يحصل
من نطفة واحدة، وأمّا الهجنة فقبيحة ولو تركها كان أولى وكأنه أراد أنه وقع كذلك ليكون مظنة لما ذكر ثم يظهر خلافه فيكون أقوى في نزاهتها فتأمّل. قوله:(بالرحمن) قيل: خصته تذكيرا له بالجزاء لينزجر فإنه يقال يا رحمن الآخرة وليس بشيء لأنه ورد رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما كما مر بل طلبت تذكيره بالرحمة ليرحم ضعفها وعجزها عن دفعه، وتحتفل بمعنى تبالي، والمقصود مما ذكر زجره، وقوله: فتتعظ الظاهر إسقاط الفاء حتى لا يحتاج إلى جعله مرفوعاً بتقدير مبتدأ لأنّ المضارع لا يقترن بالفاء. قوله: (ويجورّ أن تكون للمبالغة الخ (وجه المبالغة أنها إذا استعاذت به في حال تقواه فقد بالغت في الاستعاذة كما لا يخفى والظاهر أنها على هذا إن الوصلية وفي مجيئها بدون الواو كلام وهي جملة حالية المقصود بها الالتجاء إلى الله من شرّه لا حثه على الانزجار وما قيل إنه مقتضى المقام غير مسلم لأنه لا يناسب التقوى، ولو كانت مفروضة والذي استعذت به بكسر تاء الخطاب صفة ربك، وقوله: في الدرع أي القميص إشارة إلى ردّ ما قيل إن النفخ في الفرج فإنه غير صحيح ولا مناسب. قوله: (ويجوز أن يكون حكاية لقوله تعالى) يعني أن الهبة إمّا مجاز عن النفخ الذي هو سببها أو حقيقة بتقدير القول أي الذي قال: أرسلت هذا الملك لأهب لك وجعل قراءة الياء مؤيدة لا دليلاً لأنه لا يلزم توافق القراءتين كما مرّ، وأمّا أنّ أصل ليهب لاهب فقلبت الهمزة ياء لانكسار ما قبلها فتعسف من غير داع له، ويعقوب عطف على أبي عمرو لا على نافع إذ لا اختلاف في الرواية عنه، وقوله: طاهر الخ يعني أن الزكاء شامل للزيادة المعنوية كالطهارة والحسية. قوله: (فإق هذه الكنايات إنما تطلق فيه (أي في النكاج الحلال فإنه محل التأدب وفاعله يأنف من التصريح به ومرتكب الزنا لا أدب له ولا حشمة فلا يأنف من مثله، وليس مقامه مقام الكناية بل تطهير اللسان عنه أو التقريع به، وقد راعى المصنف رحمه الله هذا الأدب إذ قال: لم يباشرني دون يجامعني أو ينكحني فهو أحسن مما في الكشاف من النكاج وجمع الكناية، وان كان الواقع هنا واحدة منها إشارة إلى أن لها أخوات كلامستم النساء ودخلتم بهن وبنى بها إلى غير ذلك، وخبث بضم الباء بمعنى عمل ما يكره وهو صريح، وفجر فعلى الفجور مثله وإن كان في الأصل كناية لأنه من الفجر لكنه شاع في الزنا حتى صار صريحآ
وحقيقة فيه، ولا يرد عليه ما في سورة آل عمران من قوله:{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [سورة آل عمران، الآية: 147 إذ جعل كناية عنهما فإنه لم يجعل كناية عن الزنا وحده بل عنهما على سبيل التغليب وهو لا يحسن هنا على أنه قيل إنه استوعب الأقسام هنا لأنه مقام البسط واقتصر على نفي النكاج ثمة لعدم التهمة لعلمها أنهم ملائكة لا تتخيل منهم تهمة بخلاف هذه الحالة لمجيء جبريل عليه الصلاة والسلام في صورة غلام أمرد، ولذا تعوّذت منه ولم يسكن روعها حتى صرّح بأنه رسول من الله على أنه قيل إن ما في آل عمران من الاكتفاء وترك الاكتفاء هنا لأنها تقدم نزولها فهي محل التفصيل بخلاف تلك لسبق العلم، وبقي هنا كلام مفصل في شروح الكشاف. قوله: (ويعضده عطف قوله ولم أك بغيا عليه (أي يعضد أن المراد بما قبله الكناية عن مباشرة الحلال عطف ما ذكر عليه لأن الأصل في العطف المغايرة وأما جعله من التخصيص بعد التعميم على طريق التغليب لزيادة الاعتناء بتبرئة ساحتها عن الفحشاء كما ذهب إليه بعضهم، فخلات الظاهر ولهذا الاحتمال لم يقل يدل عليه. قوله: (وهو (أي لفظ بغيئ فعول وأصله بغوي فأعل الإعلال المشهور وأمّا قول ابن جني: لو كان فعولاً لقيل بغوّ كما قيل نهوّ عن المنكر فمردود بأنه شاذ كما صرّح به ابن جني أيضا لمخالفته القاعدة الصرفية، ولذا لم تلحقه التاء لأن فعولاً يستوي فيه المذكر والمؤنث، وان كان بمعنى فاعل كصبور، وأما فعيل بمعنى فاعل فليس كذلك فلذا وجهه المصنف رحمه الله بأنه للمبالغة التي فيه حمل على فعول، كما قيل ملحفة جديد، وإن قيل فيه إنه بمعنى مفعول أي مجدود ومقطوع لأن الثياب الجديدة تقطع، وأورد عليه العلامة في شرح الكشاف أن نفي الأبلغ لا يستلزم نفي أصل الفعل فلا يناسب المقام وأجيب بأن المراد نفي القيد والمقيد وهو دقيق ولا يخفى أنه لا دقة فيه فإنه مع شهرته المتداول خلافه
وإن السؤال وارد على تخريج الجم! ، ر فالأوجه أن يقال: إنها لشدة طهارتها ونزاهة بيتها عدته عظيماً من مثلها وان قل ولذا سمي الزنا فحشا مع تفسيره بما عظم قبحه، فإن قلت البغي أصل معناه تجاوز الحد فهو في الزنا كناية فينافي ما مر، قلت: هو كذلك بحسب أصل اللغة لكن البغيّ شاعت في الزانية فصارت حقيقة صريحة.
قوله: (أو للئسب) ومثله يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقيل: ترك تأنيثه لاختصاصه في الاستعمال بالمؤنث وتفصيله في المفصل وشروحه. قوله: (ونفعل ذلك لنجعله الخ الما كان العطف هنا مخالفا للظاهر، لأن العلة لا تعطف على المعلل وقد ورد مثله في أماكن خزج على وجهين أحدهما تقدير معلل معطوف على ما قبله وقدره المصنف مقدما على الأصل والزمخشري قدره مؤخراً لأن ذكره دون متعلقه يقتضي الاعتناء به، فهو بالتقديم التقديري أليق وتركه المصنف رحمه الله لإيهامه الحصر وهو غير مقصود، والآخر أن يكون معطوفا على علة
محذوف والضمير عائد على الغلام، وفي الكشف حذف المعلل هنا أولى إذ لو فرض علة أخرى لم يكن بد من معلل محذوف أيضاً إذ ليس قبلها ما يصلح لأن يكون معللا فهو تطويل للمسافة، وهذه الجملة أي العلة ومعلولها معطوفة على قوله: هو عليّ هين وفي إيثار الاسمية في الأولى دلالة على لزوم الهون وازالة الاستبعاد والفعلية في الثاني للدلالة على أنه انتشى ليكون آية متجذدة، فتأمّل. قوله:(وقيل عطف على ليهب على طريقة الالتفات (الالتفات فيه على هذه من الغيبة إلى التكلم فهو مخصوص بها، ويحتمل أن يعم القراءتين لكن الالتفات على قراءة لأهب بمعنى آخر مذكور في المطول، فتأمّل. قوله: (وبرهاناً) إشارة إلى أنّ المراد بالعلامة البرهان، لأنه يدل على وجود المبرهن عليه كدلالة العلامة على ما هي أمارة له، وقوله: حقيقا بأن يقضي لما كان الولد لم يعط في ذلك الزمان أوّله بمقدر ومسطر في اللوح أو بأنّ المراد به أنه من الأمور التي لا بد من تحققها لكونه آية ورحمة فعبر عنه بلفظ المفعول تنبيهاً على تحققه، وعليهما فقوله: وكان أمراً مقضيا تذييل لما قبله قيل والأوّل أنسب بمذهبنا، والثاني بمذهب المعتزلة في رعاية الأصلح لكن مراد المصنف رحمه الله أنه حقيق بمقتضى الحكمة والتفضل لا وجوبا على الله فلا يرد عليه شيء، وقوله أنسب إشارة إلى ذلك، وقوله: لكونه آية ورحمة إشارة إلى أنه تذييل لما قبله على الوجه الثاني وعلى ما قبله وهو تذييل لمجموع الكلام. قوله: (ولم يعش مولود وضع لثمانية غيره (فهو من خواص عيسى عليه الصلاة والسلام عندهم وقد صرّح به أهل التنجيم ونقل النيسابوري له وجهاً يخالف ما ذكره كويشار في دخله ولس هذا محله. قوله: (كما حملته نبذته) أي وضعته وولدته عقيب الحمل من غير مضيّ مدة طويلة وهذه الكاف تسمى كاف المفاجأة وكاف القرآن، وقد نقلها النحاة كصاحب المغني ووقعت في كلام العرب والفقهاء نحو سلم كما تدخل وصل كما يدخل الوقت وهي كاف التشبيه في الأصل كأنه شبه وقت أحد الحدثين المتجاورين بوقت الآخر أو أحدهما بالآخر لوقوعهما في زمن واحد ولكونه خلاف المعروف فيها قال في المغني إنه معنى غريب جذاً. قوله:(وهو في بطنها) يعني أنّ الباء للملابسة والمصاحبة لا للتعدية والجار والمجرور
وظرف مستقر وقع حالاً أي مصاحبة وحاملة له كما في الباء الواقعة في البيت المذكور وهو من قصيدة للمتنبي وقبله:
كأنّ خيولناكانت قديما تسقي في قحوفهم الحليبا
…
فمرّت غير نافرة عليهم تدوس بنا الجماجم والتريبا
…
والقحوف جمع قحف وهو العظم الذي فوق الدماغ، والمراد بالجماجم الرؤوس، والتريب عظم الصدر يقول: كأنّ خيولنا كانت قديما تسقى في قحوف الأعداء اللبن وكانت عادتهم سقيه لكرام خيلهم يعني أنها لاعتيادها لذلك لم تنفر من القتلى وداست رؤوسهم وصدورهم ونحن على ظهورها والدوس الوطء بالرجل ولم يجعلها للتعدية هنا وان صح لأنّ قوله: فأجأها المخاض يقتضي أنها منتبذة بنفسها لا نابذة له. قوله: (وهو في الأصل منقول من جاء الخ (تبع فيه الزمخشري حيث قال: أجاء منقول من جاء إلا
أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء ألا ترى أنك تقول جئت المكان وأجاءنيه زيد كما تقول: بلغته وأبلغنيه، ونظيره آتى حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء ولم تقل أتيت المكان وآتانيه فلان. اهـ. وقد رذه في البحر، وقال: إنّ قوله أنّ الاستعمال غيره لم يقله أهل اللغة والإجاءة تشمل المجيء بالاختيار وبالقسر والإلجاء، وقوله: ألا ترى الخ يرذه أن من يرى التعدية بالهمزة قياسية لا يسلمه ومن رآها سماعية قال: إن ما أنكره مسموع من العرب كما في الصحاح وتنظيره بأتى غير صحيح فإنه بناء على أن همزته للتعدية وأصله أتى وليس كذلك بل هو مما بنى على أفعل وليس منقولاً من أتى بمعنى جاء المتعدي لواحد، ولو كان كذلك لكان مفعوله مفعولاً ثانيا وفاعله مفعولاً أوّل على قاعدتهم في مثله وعلى ما ذكره يكون بالعكس إلى آخر ما ذكره وأطال فيه (قلت) ما ذكره غير وارد على الشيخين أمّا قوله: إنه لم يقله أهل اللغة فغير صحيح لأنه قال في مختصر العين وتاج المصادر أجأت الرجل إلى كذا ألجأته إليه ونقله الجوهري عن الفراء فالحق ما قاله السفاقسي: إن الإجاءة مما نقل بالهمزة إلى الإلجاء كما نقل الإيتاء إلى الإعطاء وان احتمل أن يكون مما بني على أفعل لكن الأوّل يرجحه أنّ الأصل اتحاد الماذة والثاني يرجحه أن اختلاف المعنى دليل على اختلافهما، وما ذكره في التعدية إنما يرد على عدم النقل وأمّا عليه فلا لكنه يرد عليه كما في شروح الكشاف وتبعهم الفاضل المحشي أنه يقال: أجأته إذا جئت به كما يقال: بمعنى ألجأته كما في الصحاح وغيره، ويقال: أتاه بمعنى أتى به كما يقال: بمعنى أعطاه ومنه قوله تعالى: {آتِنَا غَدَاءنَا} [سورة الكهف، الآية: 63] أي ائتنا به كما مرّ فكيف ينكر أيضا ما اعترف به أوّلاً، وأمّا كون أجاء لا يتعدى بإلى كما ذكره السفاقسي فغير صحيح، وقال الراغب: يقال جاءه بكذا وأجاءه قال تعالى: {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ} [سورة مريم، الآية: 22] وقيل معناه ألجأها، وإنما هو معدّى عن جاء اه. والظاهر عدم وروده أيضا لأنهما لم يريدا بنقله نقله إلى معنى تغايره بالكلية بل أنهما خصا بأحد فرديهما فإنك إذا ألجأته إلى شيء جعلته جائيا إليه حقيقة أو حكماً كما يشهد له تفسيره بجئت به، وكذا أتيت به فإنه بمعنى ناولته والمناولة نوع من الإعطاء ألا ترى أن مآل أجاءها المخاض إلى جذع النخلة نقلها من مكانها إليه ولا فرق بينه وبين الإلجاء فلا مخالفة فيه ولا تناقض فتدبره. قوله:(مصدر مخضت) أي بفتح الخاء وكسرها وأصل المخض تحريك سقاء اللبن وهزه ليجتمع زبده وسمنه فاستعمل لطلق الولادة كما ذكره ثم صار حقيقة عرفية فيه، وقوله: وتعتمد عليه حتى تتكي منتصبة والمراد بالعرق أصلها والغصن رأسها ولا خضرة عطف تفسير لقوله: لا رأس لها وهو معه تفسير لقوله: يابسة وإلا فكل نخلة يابسة، وقوله: وكان الوقت شتاء يعني والنخل لا تثمر فيه ولا تتحمل ثمرتها برده فتترك عليه. قوله: (والتعريف إما للجنس) فالمراد واحدة من النخل لا على التعيين أو للعهد فالمراد نخلة مدينة معينة ويكفي لتعينها تعينها في نفسها وان لم يعلمها المخاطب بالقرآن، وهو النبي صلى الله عليه وسلم كما إذا قلت أكل السلطان ما أتى به الطباخ أي طباخه فإنه المعهود، أو يقال إنها معينة له أيضاً بان يكون الله أراها له ليلة المعراج فإن فيه أن جبريل عليه الصلاة والسلام أنزله ببيت لحم وهو محل ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام، فلا يرد عليه ما قيل إنه لا مساغ للعهد هنا فإنه لا بد فيه من علمه للمخاطب وهو مفقود هنا، وقول المصنف رحمه الله: إذ لم يكن ثم عيرها صريح في الجواب الأوّل وما ذكره في العهد غير مسلم مع أنه ليس أبا عذرته والمتعالم بفتح اللام تفاعل من العلم، والخرسة بخاء معجمة مضمومة وراء مهملة ساكنة وسين مهملة ما تأكله النفساء وهو مخصوص بها كالعقيقة لما يذبح عن المولود والوليمة للعرس. قوله:(ولعله الخ) من آياته أي مما خالف العادة فيها وهو إثمارها بدون رأس وفي إثمارها في وقت الشتاء الذي لم يعهد فيه ذلك، وكونها واحدة ليس معها غيرها يلقح طلعها كما هو المعتاد فهو دليل لها على عدم استغراب
الولادة منها بلا زوج وسبب وأن القادر على إيجاد رطب جنيّ من خشبة يابسة في غير زمانه قادر على هذا، وخصت النخلة بذلك لشبهها بالإنسان كما ذكروه وفيه إشارة أيضا إلى أن ولدها نافع كالثمرة الحلوة، وأنه عليه الصلاة والسلام سيحيي الأموات كما أحيا الله بسببه الموات وفيه من اللطف أيضاً ما أشار إليه المصنف رحمه الله وهي أنّ النفساء عقب النفاس تطعم طعاماً
حلواً لأن كل حلو حارّ فبحرارته يسيل الدم فيخرج بقية دم النفاس التي لو بقيت ضرّت وهو معنى قوله: الموافقة لها، وقيل: إنه لذلك جرت العادة بإطعام ذات النفاس تمراً وتحنيك الطفل به وهو ينفع من عسرت ولادتها. قوله: (وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو بكر مت بضم الميم من مات يموت) كقلت وكسرها من مات يمات كخاف يخاف أو من مات يميت، ووافقهم على الضم يعقوب وهذا الاختلاف جار فيه، حيث وقع في القرآن وكان ينبغي تقديم قراءة الضم لأنها الأشهر وعليها أكثر كما هو عادته وقوله: ما من شأنه أن ينسى فقوله: منسيا تأسيس لا تأكيد حتى يرد عليه أنه مجاز حينئذ والتأكيد ينافيه مع أنه ذكر في الكشاف أن العرب استعملته بهذا المعنى فصار حقيقة عرفية، وقوله ة منسيّ الذكر فسره به ليكون تأسيساً أبلغ مما قبله، وقوله: ينسؤه أهله بالهمزة أو يخلطوه بالماء، وقيل: معناه يدفعه وليس من النسيان، وقوله: على الاتباع أي اتباع الميم للين. توله: (وقيل جبريل عليه الصلاة والسلام الخ) مرّضه لأنه محل اللوث ونظر العورة وكلاهما لا يليق بالملك وكأنه لهذا فسر التحتية بما بعده وتوله: يقبل أي يباشر إخراج الولد كالمقابلة، وروح بفتح الراء علم لأحد القراء، وقوله: على أنّ في نادى ضمير أحدهما أي عيسى أو جبريل عليهما الصلاة والسلام وعلى تلك القراءة من الموصولة فاعل وقوله: الضمير للنخلة، وفي التفسير السابق لمريم، وقوله: أي لا تحزني فأن تفسيرية أو مصدرية مقدر قبلها حرف الجرّ، والجدول النهر الصغير، والسري بهذا المعنى يائيّ لأنه من سرى يسري، وبمعنى السيد واوفي من السرو وهو الرفعة كما أشار إليه المصنف رحمه الله وأما السرو اسم شجر فليس بمراد هنا وقوله: وهو أي السري المراد به على هذا عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (وأميليه إليك الخ) يعني أن الهمز مضمن معنى الإمالة ولذا عداه بالى أو أنه جعل مجازا عنه أو اعتبر في تعديته معنى الميل لأنه جزء معناه لأنه تحريك بجذب ودفع أو تحريك يمينا وشمالاً سواء كان بعنف أو لا فلا مغايرة فيه لقول الراغب: إنه التحريك الشديد كما توهم فيتضمن معنى الإمالة، ولما كان متعديا بنفسه وجه ذكر الباء بأنها مزيدة للتأكيد، أو
أنه منزل منزلة اللازم لأنه بمعنى افعلي الهز فالباء للآلة كما في كتبت بالقلم أو مفعوله محذوف وهو على تقدير مضاف أي هزي الثمرة بهزه، ونحوه ما نقل عن المبرد أن مفعوله رطبا على أنه تنازع هو وتساقط فيه لكنه ضعفه في الكشاف لتخلل جواب الأمر بينه وبين معموله وأما قوله: في الكشف إق الهز يقع على الثمرة تبعا للجذع فجعل الأصل تبعا بإدخال باء الاستعانه عليه غير مناسب فرذه بعض شزاح الكشاف بأن الهز دمان وقع بالأصالة على الجذع لكن المقصود منه الثمرة فلهذا النكتة المناسبة جعلت أصلا لأن هز الثمرة ثمرة الهز، وقد تطفل عليه بعضهم فأجاب به من عنده وفيه نظر لأن المفيد لتلك قوله: تساقط عليك رطبا، وهز الثمرة لا يخلو من ركاكة فالوجه ما ذكره في الكشف، وقوله: في القاموص يقال: هزه وهزيه مما لا يلتفت إليه وفي تساقط قرا آت تسع وهي ظاهرة، وقوله: وحذفها أي الثانية. قوله: (فالتاء للنخلة) فيه تسمح أي التأنيث الذي دلت عليه التاء باعتبار النخلة والتذكير باعتبار الجذع وجعل التأنيث باعتباره أيضا لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، كما في قوله: يلتقطه بعض السيارة خلاف الظاهر، دمان صح ولذا لم يلتفتوا إليه وكون رطبا تمييزا أو مفعولا أو حالا موطئة بحسب معنى القراآت. قوله:(رطبا جنيا) قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب كان يجب أن يقول جنية إلا أنه أخرج بعض الكلام على التذكير وبعضه على التأنيث، وجاء في القرآن ما هو أغرب من هذا وهو قوله تعالى:{وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هود أو نصارى} [سورة البقرة، الآية: 111]، فأفرد اسم كان حملا على لفظ من وجمع خبرها حملا على معناه كقولك: لا يدخل الدار إلا من كان عقلاء وهذه مسألة أنكرها كثير من النحويين. قوله: (روي الخ (هذا توطئة لما بعده والخوص بضم الخاء المعجمة والصاد المهملة ورق النخل خاصة، وقوله: وتسليتها الخ إشارة إلى سؤال في الكشات، وهو أن حزنها لم يكن لفقد الطعام والشراب حتى تتسلى بالسري والرطب وجوابه
بأن تسليتها بهما ليست من هذه الحيثية بل من حيث اشتمالهما على أمور خارقة للعادة دالة على براءة ساحتها، وقدرة الله الباهرة التي يهون عندها كل شيء حتى لا ينكر أمرها فقوله: بذلك أي بقوله: قد جعل ربك تحتك سريا الخ، وقوله: لما فيه من المعجزات قيل إن نسب ذلك لمريم فهو كرامة لا معجزة، ولو قيل بنبؤتها لأن المعجزة الأمر الخارق للعادة الواقع للتحذي ولا تحذي هنا، وإن نسب لعيسى صلى الله عليه وسلم فما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم منه قبل ظهور نبؤته كتظليل الغمام للنبيء صلى الله عليه وسلم فهو إرهاص لا معجزة، وأقرب ما قيل فيه أن المراد
بالمعجزة معناها الغوي وهي الأمر المعجز للبشر لكونه خارقا للعادة مطلقا فيصدق على الكرامة والإرهاص أو هي مجاز عرفيي لذلك، وقوله: فجعل الله له ذكر الضمير باعتبار أنها جذع لأنها إنما تكون نخلة إذا كانت تامة هالا فهي جذع من الخشب اليابس والمنبهة معطوفة على الدالة، وعليه حال من مفعول رآها والضمير للشأن، وعلى أن الخ متعلق بالمنبهة وقوله: وأنه أي الحبل من غير فحل، وقوله: مع ما فيه أي فيما ذكر من تهيئة شرابها وطعامها حتى لا تتألم بفقدهما أيضا لكن ذلك ليس مقصودا بالذات. قوله: (ولذلك رتب عليه الأمرين (الإشارة تحتمل أن تكون لما فيه أي لما في الأمر الذي سلاها به من ذكر الطعام والشراب رتب عليه الأمرين يعني المأكول والمشروب يعني بالفاء، ويحتمل أن الإشارة لجميع ما تقدم / أي ولأنه سلاها تسلية أزالت حزنها أمرها بالأكل والشرب لأن الحزين لا يتفرغ لمثله كما نبه عليه بقوله: وقزى عينا، وقدم الماء أولا وأخر الشرب هنا لأن الماء الجاري أظهر في إزالة الحزن، وأصل في النفع عام نفعه للتنظيف ونحوه وحيث ذكره للشرب أخره لأنه إنما يكون بعده ولذا قدم الأكل على الشرب حيث وقع ويحتمل أنه قدم الأكل ليجاور ما يشاكله، وهو الرطب، وقوله: أو من الرطب وعصيره قيل: هو إذا أريد بالسرفي عيسى عليه الصلاة والسلام وليس بمتعين. قوله: (وطيبي نفسك (طيب النفس عبارة عن الاطمئنان وعدم القلق والحزن، فقوله: وارفضي أي اتركي تفسير له يعني أن قزة العين كناية عن السرور ودفع الحزن وهو إفا من القرار والسكون أو من القز بمعنى البرد، ويشهد للأول قوله:
تدور أعينهم من الحزن
وللثاني قولهم: قرة العين وسخنتها وذكروا في وجه برودة دمعة السرور وسخونة غيرها
أن سبب البكاء ارتفاع أبخرة ينعصر بها ما في الدماغ من الرطوبات حتى تسيل وتلك الأبخرة تكون حرارتها في حالة الحزن أشد لعدم انتشارها كما في السرور الظاهر على البشرة، وقوله: وهو لغة نجد أي فإنهم يقولونه بفتح عين الماضي وكسر عين المضارع وغيرهم يكسر عين الماضي ويفتح عين المضارع من القز بمعنى السكون أو البرد، وقوله: لبأت بالحج أصله لبيت من التلبية وهي قولك: لبيك اللهتم لبيك فأبدلت الياء همزة والمؤاخاة بين الهمزة وحرت للين
لأنه يبدل منها ولم يقل والياء لأنه لا يختص بها. قوله: (صمتا (فالمراد به الإمساك مطلقا وهو أصل معناه أو هو مجاز عنه والقرينة قوله: فلن أكلم اليوم الخ وعليه يظهر التفريع، وقوله: وكانوا لا يتكلمون في صيامهم وكان ذلك قى بة في دينهم فيصح نذره، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فهو منسوخ في شرعنا كما ذكره الجصاص في كتاب الأحكام وقد ورد في الحديث كما رواه أبو داود لا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل، وفي شرح البخاري لابن حجر عن ابن قدامة أنه ليس من شريعة الإسلام، وظاهر الإخبار تحريمه فإن نذره لا يلزمه الوفاء به ولا خلاف فيه بين الشافعية والحنفية لما فيه من التضييق، وليس من شرعنا لهان كان قربة في شرع من قبلنا وعليه أيضا فالتفريع ظاهر. قوله: (بعد أن أخبرتكم بنذري (لدفع ما يتوهم من أنها إذا أنذرت عدم الكلام يكون قولها هذا مبطلا له، وحاصله أنها نذرت أن لا تكلم أحدا بغير هذا الإخبار فلا يكون مبطلا له لأنه ليس بمنذور، وقولها: إني نذرت ليس بإنشاء للنذر بل إخبار عن نذر وقع منها ولم تعين زمانه وزمانه كان بعد التكلم بهذا، ويحتمل أن قوله: فلن أكلم اليوم انسيا تفسير للنذر بذكر صيغته فلا وجه لما قيل إن الظاهر أن هذا الكلام إنشاء للنذر، فما ذكره المصنف لكونه في صورة الخبر أو لتضمنه له وكذا ما قيل إنه من تتمة النذر أو هو مستثنى منه عقلا لأنه ضرورفي، وقوله: أكلم الملائكة من مفهوم
قوله: إنسيا دون أحدا، وقوله: مع ولدها إشارة إلى أن الباء للمصاحبة ولو جعلت للتعدية صح أيضا وقوله: حاملة إياه إشارة إلى أن الجملة حال من ضمير مريم أو عيسى، ولذا فصل الضمير ليتحقق تنكيره بخلاف ما لو قال حاملته. قوله: (بديعأ منكرا من فرى الجلد (يعني أن أصل حقيقة الفرى قطع الأديم والجلد مطلقا، ثم فرق بين قطع الإفساد والإصلاح ثم استعير لفعل ما لم يسبق له، ولذا فسره المصنف بقوله: بديعا وأما كونه منكرا فظيعا فمما فعل، واختار الثلاثي لأن فعيلا إنما يصاغ قياسا منه، ومن لم يحققه قال الأولى أن يقول: من أفرى لما في الصحاح من أن أفراه معناه قطعه على جهة الإفساد وفراه قطعه على جهة الصلاح ثم أجاب تارة بأن فرى يرد للإفساد
أيضا، كما في القاموس وأخرى بأن القطع الصالح قد يكون محل تعجب لقلة النظر الصحيح وغلبة الهوى. قوله:(وكانت من أعقاب من كان معه الخ (يعني أنها وصفت بالأخوة لكونها وصف أصلها أو هرون يطلق على نسله كهاشم وتميم، والمراد بالأخت أنها واحدة منهم كما يقال أخا العرب، وقوله: وقيل هو رجل صالح أو طالح فليس المراد هرون موسى بل رجل آخر سمي باسمه، وقوله: شبهوها به لأن الأخ والأخت يستعمل بمعنى المشابه كثيرا والتهكم على أنه صالح والشتم على أنه طالح، وقوله: إن كلموه ليجيبكم يعني أشارت إليه إشارة يفهم منها هذا بدليل قوله: قالوا كيف. قوله: (وكان زائدة الخ (الداعي لما ذكره أنه لو أبقى النظم على ظاهره لم يبق خارقا للعادة ومحلا للتعجب والإنكار فإن كل من يكلمه الناس كان في المهد صبيا قبل زمان تكليمه، فإقا أن تجعل زائدة لمجرد التأكيد من غير دلالة على زمان والمعنى كيف نكلم من هو في المهد الآن حالة كونه صبيا، فصبيا حال مؤكدة لأن كان الزائدة لا عمل لها، ولو لم تكن زائدة كان خبرا وأما على قول من قال: إن كان الزائدة لا تدل على حدث لكنها تدل على زمان ماض مقيد به ما زيدت فيه كالسيرافي فالزيادة لا تدفع السؤال كما في شرح المفصل لابن يعيش، وما وقع هنا في تفسير النيسابوري من أن زيادتها نظرا إلى أصل المعنى وإن كانت تفيد زيادة ارتباط مع رعاية الفاصلة بناء على أنها عاملة في الاسم والخبر كما ذهب إليه الجوهرفي ونقله عنه في شرح التسهيل للدمامينيئ فلا يرد عليه ما قيل إنها غير عاملة فلا دخل لها في انتصاب صبيا في الفاصلة كما قيل نعم المشهور خلافه وهو سهل. قوله: (أو تاقة (بمعنى وجد وصبيا حال مؤكدة أيضا وهي وإن دلت على المضيئ أيضا إلا أن معنى المضيئ هنا تقدمه على زمان التكلم في الجملة، وبقاؤه عليه بحكم الاستصحاب وفيه نظر فإنه على هذا ما الفرق بين التافة والناقصة فتأمل. قوله: (أو دائمة كقوله تعالى: {وكان الله عليما حكيما} ) يعني أنها تدل على الدوام والاستمرار بقطع النظر عن المضيئ، وغيره فهي
بمعنى لم يزل ولا يزال، قال في الغرر: والدرر الرضوية وهو فصيح كثير في كلام العرب وهو مجاز ثم بين وجه التجوز فيه، والدوام هنا يكون بمعنى ثبوت الخبر في الماضي من غير انقطاع له كما ذكره ابن الحاجب، ويصح أن يراد به هذا أيضا فيكون أحد الوجهين المذكورين في الكشاف ولا يرد عليه شيء كما توهم دماذا كان بمعنى صار فالمضيئ بالنسبة لما صار منه وهو يدل على البقاء فيما صار إليه كما هو شأن صار، وفي الكشاف إن كان لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهي هنا لقريبه خاصة بقرينة السياق والتعجب والغرض استمراره على حاله وهو أوكد ممن هو في المهد لأن السابق كالشاهد عليه، ووجه آخر أن يكون نكلم حكاية حال ماضية أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس صبيا في المهد وقال الزجاج: الأجود أن تكون من شرطية لا موصولة أو موصوفة كما قيل أي من كان في المهد فكيف نكلمه وهذا كما يقال: كيف أعط من لا يعمل بموعظتي والماضي بمعنى المستقبل في باب الجزاء فلا إشكال فيه. قوله: الأنه أول المقامات (أي مقامات السالكين أولها الاعتراف بالعبودية وذلك بتفويض أموره كلها لسيده الذي لا يسئل عما يقعل ومراتب هذا المقام متفاوتة، ووجه الرد أنه لو كان ربا لم يكن عبدا بل مالكا متصرفا فلا وجه لما قيل إن الظاهر أن يقول على من زعم أنه ابنه وتفسير الكتاب بالإنجيل لأن تعريفه للعهد.
قوله: (نفاعا (أي كثير النفع لإبرائه الأبرص والأكمه، وتعليمه الخير بإرشاده، وإن ضل
به أقوام لسوء اختيارهم، وقوله: كالواقع أي في الماضي ولو قال: كالذي وقع كان أظهر لأن المتبادر من اسم الفاعل الحال، وقوله: وقيل الخ فهو على ظاهره من غير تأويل. قوله: (زكاة المال إن ملكته (في شرح الشفاء عن ابن عطاء الله أنه لا زكاة على الأنبياء عليهم انصلاة والسلام، لأن الله تعالى نزههم عن الدنيا فما في أيديهم لنه ولذا لا يورثون أو لأن الزكاة تطهير وكسبهم طاهر، وفي قوله إن ملكته وما بعده إشارة إليه، وقيل إنه أمر له بإيجاب الزكاة على أقته فتأمل، وقوله: وصف به أي مبالغة كرجل عدل، أو بتقدير مضاف أي ذا بز، وهو معطوف على قوله: مباركا، وقوله: بفعل دل عليه أوصاني أي ألزمني أو كلفني لدلالة الوضية عليه، ويجوز عطفه على محل قوله: بالصلاة كما قيل في قراءة وأرجلكم بالنصب مع أن أوصى قد يتعدى للمفعول الثاني بنفسه كما وقع في البخاري أوصيناك دينا واحدا فتأمل وقوله: ويؤيده الخ فإن هذه القراءة تدل على أنه موصى به ففي قراءة النصب ينبغي توافقهما معنى فينصب بما دل عليه الوصية لتعلقها به. قوله: (عند الله من فرط تكبره (عند هنا إن كانت هي الظرفية
فالمراد أنه لم يقض له بالشقاوة في علمه الأزليئ وعند الله قد يراد به في علمه وقد يراد به في حكمه كما صرحوا به، فالمراد إق عدم جباريته وشقاوته لا تختص بالماضي كما يفهم من ظاهر النظم بل هي مما لا تتغير لأنها مما قضى وقدر، فلا وجه لما قيل إن الأولى عدم التقييد، ولا لما قيل إق هذا القائل حزف العبارة ولم يقف على مراده يعني أق عند هنا بفتحتين ماض من العناد فإنه خلاف المتبادر من غير ضرورة. قوله: (كما هو على يحى (يعني فيما مر إشارة إلى تفسيره وتوطئة لما بعده من قوله: والتعريف للعهد أي المراد به السلام السابق كما تقول جاءني رجل فأكرمت الرجل أي الذي جاء وجعله غير الأظهر لا لأن المعهود سلام يحيى وعينه لا يكون سلام عيسى عليه الصلاة والسلام لجواز كونه من قبيل هذا الذي رزقنا من قبل أي مثله بل لأن هذا الكلام منقطع عن ذلك وجودا وسردا فيكون معهودا غير سابق لفظا ومعنى مع أن المقام يقتضي التعريض وهو يفوت على ذلك التقدير لأنه إنما نشأ من اختصاص جميع السلام أو جنسه به كذا في الكشف. قوله: (والأظهر أنه للجنس (لما مر من أن العهد غير ظاهر، ولم يقل والصحيح كما في الكشاف لجواز أن يكتفي في العهد به بذكره في الحكاية، والمراد بالجنس ظاهره أو الاستغراق لأنه يحمل عليه إذا تعذر العهد، والتعريض باللعن أي البعد والطرد عن رحمة الله وكرامته لأن السلام دعاء بالسلامة عما يكره واختصاص الجنس به المستلزم لاختصاص جميع الأفراد يفهم منه ذلك بطريق التعريض وأعداؤه اليهود، وكأن القرينة على هذا قوله: بعده ذلك قول الحق الذي فيه يمترون، فيندفع به ما قيل عليه إنا لا نسلم ذلك، وليس في النظم ما يدل عليه لأن أول مقام شاهدوه ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام من غير أب فلا يدل على مناكرة وعناد وليس فيه دليل على أن الخطاب لليهود، فتأمل. وقوله: فإنه أي عيسى عليه الصلاة والسلام أو الضمير للشأن، وقوله: على نفسه أي أصالة وعلى من اتبعه بالتبعية. قوله: (أي الذي تقدم نعته هو عيسى ابن مريم الخ (يعني أق ذلك إشارة إلى الذات الموصوفة بما تقدم من الصفات وأن التركيب يفيد الحصر أي قصر المبتدأ إفا بناء على ما ذكره الكرماني في شرح البخاري من أن تعريف الطرفين مطلقا يفيد الحصر وإن خصه أهل المعاني بتعريف المسند بالألف واللام أو بإضافته إلى ما فيه الألف واللام نحو تلك آيات الكتاب على ما في بعض شروح الكشاف وأما بناء على أن عيسى ابن مريم مؤؤل به لأنه في تأويل المسمى به، أو أن الحصر مستفاد من فحوى الكلام حيث كان الوصف إشارة إلى نفي ما اذعوه فيه بطريق برهانيئ لأنه إذا تحقق وصفه بالعبودية لخالقه لزم أن لا يكون إلها وابنا دته ونحوه وهذا هو الحق لأن كل علم مؤؤل بما ذكر، وما ذكره الكرماني محل بحث فتأمل.
قوله: (فيما يصفونه (أي في وصفهم فما مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة، وقوله:
والطريق البرهاني بيان لما أراده فلا حاجة إلى تكلف الحصر فيه كما قيل، وقوله: ثم عكس الحكم إن كان المراد بالحكم النسبة التاقة، والقضية الخبرية فالمراد أنهم حكموا بأن ابن الله أو الإله عيسى عليه الصلاة والسلام فأتى بما يدل على خلافه من أنه عبد مخلوق له ب! نفخ روح منه، وإن كان المراد به المحكوم به والخبر فالمراد أنه كان الظاهر أن يقال: عيسى عبد الله ومخلوقه لأنه المتنازع فيه والمقصود بالإفادة فعكس لاذعاء أن ذلك الوصف معلوم مسلم ليكون أبلغ في الرد عليهم، وهو الظاهر كما يدل عليه قوله: حيث جعله الموصوف لأن الأصل أن يجعل ما يدل على الذات موضوعآ، وما يدل على الصفات محمولا، وقوله: والإضافة أي إضافة قول إلى الحق للبيان وليست من إضافة الموصوف إلى الصفة أي القول الحق والمراد بالضمير هو المقدر، والكلام السابق قوله: قال إني عبد الفه الخ، أو قوله: ذلك عيسى ابن مريم لأن الإشارة إلى ما قبله، وقوله: أو لتمام القصة أي لقصة عيسى عليه الصلاة والسلام بتمامها، وقيل: المراد بتمام القصة آخرها وهو قوله ذلك عيسى ابن مريم، دياذا كان صفة أو بدلا فالمراد بالحق الله وعلى ما قبله بمعنى الصدق، وكلمة الله أطلقت على عيسى عليه الصلاة والسلام بمعنى أنه خلق بقول: كن من غير أب، وقوله: على أنه مصدر مؤكد أي لمضمون الجملة منصوب بأحق محذوفا وجوبا وشممى مؤكدا لغيره عند النحاة، وقال: وقول بالفتح والضم كما في الكشاف مصدر بمعنى واحد، ويصح نصبه على المدح. قوله: (يشكون (على أنه من المرية وهي الشك أو يتنازعون على أنه من المراء، وهو الجدال والتبكيت إلزام الخصم بالحجة، وبهتوه بمعنى افتروا عليه وعاندوا فيه، ومعنى إيجاده بكن أن إرادته للشيء يتبعها كونه لا محالة من غير توقف فشبه ذلك بأمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور الممتثل على طريق التمثيل كما مر تحقيقه، والنصب على الجواب مر تحقيقه في سورة النحل، وقوله: وإن الله
ربي وربكم في قراءة الكسر بتقدير قل يا محمد إن الله ربي وربكم الخ، وعلى تقديره ولأن فهو متعلق باعبدوه دماذا عطف على الصلاة فهو من مقول عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (اليهود والنصارى أو فرق النصارى (الأحزاب الفرق مطلقآ، واختلف المفسرون في المراد بهم هنا فقيل: اليهود والنصارى بادعاء بعضهم له البنوة ونحوها وبعضهم أنه ساحر كذاب، وقيل: المراد فرق النصارى فإنهم اختلفوا بعد رفعه فيه فقال: نسطور هو ابن الله أظهره ثم رفعه، وقال يعقوب: هو الله هبط ثم صعد وقال ملكاء وهو عظيمهم الذي استولى على الروم هو عبد الله ونبيه فنسبت كل فرقه إلى من اعتقدوا معتقده، وقيل: المراد مطلق الكفار فيشمل اليهود والنصارى، والمشركين الذين كانوا في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ورجحه الإمام بأنه لا مخصص للكفار ومشهد يوم الجزاء عاتم لهم ولم يذكره المصنف لأن ذكر الاختلاف عقيب قصة عيسى عليه الصلاة والسلام يقتضي تخصيصهم بأهل الكتاب لأنهم المختلفون فيه، وما ذكر من مذاهب الفرق الثلاثة ذكره بعض أهل التفسير هنا وحذا حذوهم المصنف رحمه الله وشراح الكشاف وما نقله في الملل والنحل يخالفه، وهو أن الملكانية قالوا: إن الكلمة يعني أقنوم العلم اتحدت بالمسيح عليه الصلاة والسلام وتدرعت بنا سوته والروح عندهم روح القدس وأقنوم الحياة ولا يسمون العلم قبل تدرعه ابنا بل الابن المسيح بعد التدرع، وقال بعضهم إن الكلمة مازجت عيسى عليه الصلاة والسلام كما يمازج الماء اللبن، ثم قالت الملكانية: الجوهر موصوف وهو غير الأقانيم لأنها بمنزلة الصفة له وصرحوا بالتثليث كما نطق به القرآن، وقالت الملكانية أيضا المسيح ناسوت كليئ لا جزئيئ وهو قديم، وقد ولدت مريم إلها قديما أزليا والصلب والقتل وقع على الناسوت واللاهوت معا وأثبتوا الأبؤة والبنوة وهذا مخالف لما ذكره المصنف رحمه الله وغيره هنا بل ما ذكره المصنف هنا مخالف لما قدمه في سورة المائدة وملكاء بالمذ علم غير عربي والنسبة إليه ملكائية بهمزة بعد الألف الممدودة والجاري على الألسنة وفي نسخ القاضي ملكانية نسبة إلى ملكاء على غير القياس كصنعاني نسبة إلى صنعاء وكل هذا محتاج إلى تصحيح النقل فيه فانظره. قوله: (من شهود يوم عظيم (حاصله أن فيه
ستة أوجه لأنه إما مصدر ميميئ أو اسم زمان أو مكان على كل حال فهو إما من الشهود أي الحضور أو من الشهادة، وإذا فسر بشهود يوم فالإضافة إفا بمعنى في أو على الاتساع وكذلك الشهادة، وقوله: وهو أن يشهد الخ تفسير لهذا الوجه وفيه إشارة إلى أن نسبة الشهادة إلى اليوم مجازية كنهاره صائم وتذكير الضمير باعتبار الخبر دماذا جعل زمانا فالإضافة بمعنى من أو للملابسة، وقوله: هوله وحسابه
إشارة إلى أن إسناد العظمة إلى اليوم مجازية أو بتقدير مضاف فتجري الصفة على غير من هي له، وقوله: أو من وقت الشهود وهو بعض ذلك اليوم فلا يلزم أن يكون للزمان زمان مع أنه لا استحالة فيه بناء على أنه متجذد يقدر به متجذد آخر كما بين في محله، وآرابهم أعضاؤهم جمع أرب كعضو وهو القطعة من الشيء وقوله: ما شهدوا به في عيسى عليه الصلاة والسلام وأفه فعظمه لعظم ما فيه أيضا، كقوله: كبرت كلمة تخرج من أفواههم. قوله: (معناه (أي معنى التعجب المراد منه، أن أسماعهم جمع سمع بمعنى المصدر أو القؤة السامعة وأبصارهم جمع بصر بالمعنيين، وجدير أي حقيق ولائق خبر أن وإنما أول التعجب بما ذكر وأنه مصروف للعباد الذين يصدر منهم التعجب لأن صدوره من الله محال إذ هو كيفية نفسانية تنشأ عن استعظام ما لا يدري سببه، ولذا قيل إذا ظهر السبب بطل العجب، والمعنى تعجبوا من سمعهم وأبصارهم حيث لا ينفعهم ذلك كما يشير إليه قوله اليوم في ضلال مبين لإهمالهم النظر والاستماع فهي كقوله تعالى:{فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} [سورة ق، الآية: 22،. قوله: (أو التهديد بما سيسمعون ويبصرون يومئذ (فهو على الأول ذكر فيه اللازم وأريد الملزوم وليس بكناية لامتناع إرادة الملزوم والفعلان منزلان منزلة اللازم إذ ليس المراد أنهما متعلقان بالمفعول والتعجب منه بل المراد نفس الأسماع والأبصار، وعلى هذا المراد تعلقهما بالمفعول وهو ما يسوءهم ويصدع قلوبهم وهو على هذا أيضا مجاز عن أن أسماعهم وأبصارهم جدير أن يتعجب منها لكن لا مطلقا بل متعلقين بالمفعول المذكور، وفيه معنى التهديد لكنه أخره كما مرضه في الكشاف لأن قوله لكن الظالمون الخ أنسب بالأول فهو معطوف على قوله: إن أسماعهم لأنه للتعجب فيهما وأما عطفه على قوله: تعجب فبعيد ينبو عنه اللفظ وإن صح أيضا والمعنى أن الأول تعجب مصروف إلى العباد وهذا تعجب مقصود به التهديد والفرق بينهما ما مر، وقيل: إنه على الأول تعجب راجع إلى العباد وعلى الثاني هو كناية عن مجرد التهديد فيكون معطوفا على قوله: تعجب وفيه نظر، وعلى التعجب المراد أسمع بهم وأبصر بهم. قوله: (وقيل أمر (أي النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسمعهم الخ فهو أمر حقيقي غير منقول للتعجب والمأمور هو النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى أسمع الناس وأبصرهم بهم وحذثهم بما يحل بهم من العذاب، وهو منقول عن أبي العالية كما ذكره المعرب فيتعلق الاستدراك بقوله: فويل للذين كفروا، وقوله: والجار والمجرور على الأول في موضع الرفع يعني على أنه للتعجب سواء أريد به التهديد أو لا، وهذا بناء على القول بأن المجرور في باب التعجب فاعل والباء فيه زائدة على ما فصل في كتب النحو واختاره المصنف، وعلى الثاني أي قول أبي العالية يكون في محل
نصب لأنه أمر حقيقي فاعله مستتر وجوبا وهو ضمير النبي صلى الله عليه وسلم وقيل في التعجب أيضا أنه في محل نصب وفاعله ضمير المصدر، وليس مراد المصنف رحمه الله الإشارة إلى هذا القول كما توهم ثم إنه لا يلزمه حذف الفاعل من وأبصر لأن ابن مالك رحمه الله ذهب إلى أن الجاز حذف من وأبصر ثم استتر الضمير في الفعل لدلالة الأول عليه فلا حذف للفاعل، نعم قال سيبويه: إنه لملازمته الجز وكون الفعل قبله في صورة ما فاعله مضمر والجاز والمجرور بعده مفعوله أشبه الفضلة فجاز حذفه اكتفاء بما تقدمه، واحترز بقيد الملازمة عن نحو كفى بالته شهيدا، وما جاءني من رجل فلا يجوز حذفه لعدم الملازمة فيه، ومن لا يقول إنه فاعل فهو ظاهر عنده. قوله: (أوقع الظالمين موقع الضمير (إذ مقتضى الظاهر لكنهم وكون الظلم لأنفسهم مأخوذ من السياق لأن الإغفال إنما يعود ضرره عليهم وقال في الكشاف: أوقع الظاهر أعني الظالمين موقع الضمير إشعارا بأنه لا ظلم أشد من ظلمهم حيث أغفلوا
الاستماع والنظر حين يجدي عيهم وش! عدهم والمحراد بالضلال المبين إغفال النظر والاستماع اهـ. قيل: ولم يتعرض له المصنف رحمه الله لعدم ظهور وجه الإشعار المذكور إلا أن يقال: إطلاق الظالمين المحلى باللام الاستغراقية على الذين كفروا من الأحزاب من بينهم يدل على كمالهم في الظلم وهو ضعيف لا لأن أل هنا موصولة لدخولها على اسم الفاعل إلا على مذهب المازني لأن الموصولة تفيد ما تفيده أل المعزفة كما ذكره النحاة ولا ينافيه العهد الذي في الصلة بل لأن ما ذكره ليس مراده إذ مراده أن الظلم بمعنى الإغفال نوع من الكفر الموصوفين به أولا فأفراده بالذكر، كعطف جبريل على الملائكة، والتسجيل به على ضلالهم دون غيره يقتضي أنه أشدها وأقواها، وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه فتدبر. قوله: (حيث أغفلوا (أي تركوه وصاروا غافلين عنه، وقوله: بأنه ضلال مبين وقع في نسخة بين وهما بمعنى، وقوله: يوم تتحسر الناس إشارة إلى أن إضافته إليها لوقوعها فيه، وقوله: فرغ من الحساب إشارة إلى أن تعريف الأمر للعهد وأنه واحد لأمور، وتصادر الفريقان أي صدر كل من موقف الحساب إلى مقزه، فإقا إلى الجنة هافا إلى النار، وقوله: وما بينهما اعتراض أي جملة معترضة لا محل لها من الإعراب والواو اعتراضية. قوله: (أو بأنذرهم (معطوف على قوله: بقوله في ضلال مبين، وقوله: غافلين غير مؤمنين إشارة إلى أنه حال من المفعول، وقوله: فيكون حالا متضمنة للتعليل أي أنذرهم لأنهم في حالة يحتاجون فيها للإنذار وهي الغفلة والكفر فاندفع به ما قيل
على هذا الوجه من أنه غير ملائم لقوله: إنما أنت منذر من يخشاها لأن قوله: وهم لا يؤمنون نفي عنهم الإيمان في جميع الأزمنة على سبيل التأكيد والمبالغة لأن لكل مقام مقالا فهنا المقام مقام احتياجهم للإنذار وذاك مقام بيان من ينفعه الإنذار بتنزيل من لا ينفعه منزلة العدم، وهو لا يقتضي منعه من إنذار غيره إذ ما على الرسول إلا البلاغ فهذه الآية كقوله: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم كافلون، ودلالة قوله: وهم لا يؤمنون على الدوام والاستمرار غير مسلمة. قوله: الا يبقى لأحد غيرنا عليها وعليهم ملك ولا ملك (بالكسر والضم ومعنى الأول اختصاص عين المملوك بالمالك بحيث له التصزت فيه والاستقلال بمنافعه، ومعنى الثاني التصزف في المملكة بالأمر والنهي ومنه الملك بكسر اللام فإرث الأرض ومن عليها معناه استقلاله بتملكها ظاهرا وباطنا دون من سواه وانتقال ذلك إليه انتقال ملك الموروث من المورث إلى الوارث ومعناه حينئذ كمعنى قوله تعالى: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [سورة غافر، الآية: 16] ، وقوله: أو نتوفى الأرض أي نستوفيها ونأخذها، ونقبضها بتشبيه الإفناء بأخذ العين وقبضها وقبض الوارث لما قبضه من مورثه وهو استعارة فيهما، وفي الكشاف يحتمل أنه يميتهم ويخزب ديارهم وأنه يفني أجسادهم ويفني الأرض ويذهب بها يعني أن الآية تحتمل معنيين أحدهما أن يكون المراد بإرث الأرض تخريبها وبإرث من عليها إماتتهم، والثاني أن يكون المراد بإرث من على الأرض إفناء أجسادهم وبإرث الأرض إذهابها، وفي الوجه الأول على الأرض الأحياء والأرض ديارهم لأن الإماتة إنما تكون للأحياء والتخريب للديار العامرة فتعريف الأرض للعهد، وفي الثاني من على الأرض شامل للأحياء والأموات والأرض العامرة والخربة جميعا، وقال الفاضل اليمني: إن معناه أنه يحتمل أن يراد بالوراثة الخاصة، وأن يراد بها العامة والتعريف في الأرض للعهد ولذا قال: يخزب ديارهم وعلى الثاني للجنس والذي قال: يفني الأرض أو يذهب بها والثاني أولى لأن الكلام في شأن القيامة ولأنه في معنى قوله تعالى:) لمن الملك، الخ وعليهما ينزل كلام المصنف رحمه الله، وقوله: يرذون للجزاء بيان لمآل إرجاعهم إليه. قوله: (واذكر في الكتاب الآية (قال في الكشاف: والمراد بذكر الرسول إياه وقصته في الكتاب أن يتلو ذلك على الناس ويبلغه إياهم كقوله: واتل عليهم نبأ إبراهيم وإلا فالئه عز وجل هر ذاكره ومورده في تنزيله، وهذا دقيق جدا فتأمله. قوله: (ملازما للصدق (يعني أن صديقا مبالغة كضحيك ونطيق، والمبالغة إفا في الكيف أو في الكم والصيغة إما من الصدق وإما من التصديق، وقال
لراغب الصديق من كثر منه الصدق أو من لا يكذب قط، وقيل: من لا يتأتى منه الكذب لتعؤده الصدق وقيل: بل من صدق بقوله: واعتقاده وحقق صدقه بفعله والصذيقين في قوله: مع النبيين والصديقين قوم دون الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام، وفي الكشاف الصديق من أبنية المبالغة ونظيره الضحيك والنطيق، والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله وكان الرجحان والغلبة في هذا التصديق للكتب والرسل أي كان مصدقا بجميع الأنبياء وكتبهم وكان نبيا في نفسه، كقوله تعالى:{بل جاء بالحق وصدق المرسلين} [سورة الصافات، الآية: 37] ، أو كان بليغا في الصدق لأن ملاك أمر النبؤة الصدق ومصدق الله بآياته ومعجزاته حرفي أن يكون كذلك، وفي الكشف المبالغة فيه تشمل المبالغة كما وكيفا فحمله أولا على الأول بقوله ت والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به والعطف تفسيرفي لأن من صدق كثيرا يكون كثير الصدق في تصديقه، وثانيا على الثاني بقوله: أو كان بليغا في الصدق ولك أن تجعله جامعا للقسمين لكونه في مقام المدح والمبالغة وقد ألئم به الراغب والأول أعني كونه صذيقا تمهيد للثاني وإثبات له بدليله وترق ولا تكميل على الأول ولا تتميم على الثاني لا سيما وقد قدر ذلك، في صديقا وهو تقدم وأما جعله في الأول راجعا إلى المفعول كما في قطعت الحبال على ما في بعض الحواشي فمن الإغلاط. قوله: (أو كثير! في نسخة وكثير التصديق بالواو بدل أو وفي أخرى كثير التصديق بدون عاطف والأولى ظاهرة لظهور مقابلها باعتبارين لأن الأول من الثلاثي والثاني من المزيد، والأول مبالغة في الكيفية والآخر في الكمية وقد عرفت أن صاحب الكشف لم يرتض التكثير باعتبار المفعول، وأما الثانية فوجهها أيضا ما مر من أنه يجوز قصد المبالغة في الكئم والكيف معا بمقتضى مقام المدح لا لأنه يكون مأخوذا من الثلاثي والمزيد معا لعدم صحته بل لأن أحدهما مدلوله والآخر لازمه لأن من كثر تصديقه كان كثير الصدق في تصديقه ويكون العطف تفسيريا، وذكر الأول تمهيدا للثاني، كما مر أيضا والثالثة مثلها في المعنى وأما كون الواو بمعنى أو فخلاف الظاهر وخص ما ذكر بقوله: من غيوب الله الخ لأنه التصديق المعتبر الذي يمدح به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهو الحرفي بالذكر والمصرح به في تلك الآية، وقوله: بدل أي بدل اشتمال كما مز. قوله: (وما بينهما اعتراض (أي جملة أنه كان وقول صاحب الفرائد أق الاعتراض بين المبدل منه، والبدل بدون الواو بعيد عن الطبع لا وجه له وليس الرد والقبول بالتشهي، وقوله: أو بصذيقا نبيا ظاهره أنه معمول لهما معا وتوارد عاملين على معمول واحد غير جائز عند النحاة، وقوله: في الكشاف أي كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه تلك المخاطبات كأنه لجعلهما بتأويل اسم واحد كتأويل حلو حامض بمن ليسلم مما ذكر أو ليكون العامل معناهما ولا يخلو من الكدر، ولو أراد أنه معمول لصديقا لم يكن لذكر نبيأ وجه مع أن الوصف يمنع من العمل عند البصريين، وكذا لو تعلق بنبيا مع أنه يقتضي أنه نبي في وقت هذه
المقالة، وأما ما قيل: إن مراده أنه متعلق بصديقا الموصوف بنبيا أو أنه متعلق بصديقا ونبيا على البدل فلا يخفى ما فيه من الخلل، وقوله: لا يقال يا أبتي لما فيه من الجمع بين العوض والمعؤض وهو لا يجوز إلا شذوذا كقوله:
يا أبتي أزقني القذان
ولما ورد عليه شبهة الجمع في يا أبتا وهو جائز دفعه بأنه جمع بين عوضين كما يجمع صاحب الجبيرة بين المسح والتيمم وهما عوضان عن الغسل، وقيل: المجموع فيه عوض وقيل: الألف للإشباع في مثله وهي علل نحوية بعد الوقوع، وقوله: إنما يذكر للاستعطاف أي لطلب العطف والشفقة لا لمحض النداء، وقوله: فيعرف بالنصب في جواب النفي، وشيئا في النظم يحتمل النصب على المصدر أو المفعولية وعبارة المصنف في تفسيره تحتملهما، وقيل إنها ظاهرة في الأول. قوله: (دعاه إلى الهدى وبين ضلاله الخ (جعله دعوة لأن إنكار عبادة ما لا ينفع في قؤة الأمر بعبادة غيره، وهو إن لم يكن صريحا فهو أخوه وتبيين الضلالة بعبادة ما لا يسمع ولا يبصر، والاحتجاج عليه إذ العبادة لا تصح لمثل هذه الجمادات وأرشقه بالشين المعجمة والقاف بمعنى ألطفه، وقوله: حيث الخ تعليل لما قبله من الأبلغية والألطفية، وطلب العلة بقوله: لم واستخفاف العقل لعدم إدراكه، وفائدته والركون الميل، وقوله: ولا تحق الخ بيان للواقع لا أنه
من النظم وكذا ما بعده، وقوله: ونبه أي بسؤاله المذكور، وقوله: ئم دعاه شروع في تفسير الآية الآتية.
قوله: (ولم يسم أباه (من الوسم وهو العلامة والمراد لم يصفه وهو مجاز مشهور بهذا المعنى، وإنما لم يصفه مع أنه كذلك تأذبا ورفقا ولم يذع العلم الفائق تواضعا ولأنه أقرب إلى الإجابة وذلك بقوله: جاءني من العلم أي بعضه، وقوله: بل جعل نفسه كرفيق الخ، يشير إلى
أن في النظم تشبيها تمثيليا، وقوله: ثم ثبطه الخ توطئة لتفسير ما بعده، وقوله: المولى للنعم كلها مأخوذ من قوله للرحمن، والمطاوع للعاصي عاص يعني إذا طاوعه في المعاصي، وقوله: حقيق الخ بيان لمناسبة ذكر الرحمن هنا فإنه قد يتوهم أن المناسب ما يدل على غضب ونحوه، وقوله: وما يجر إليه الضمير المستتر لسوء العاقبة والمجرور للموصول وفي نسخة ما يجره والبارز المنصوب لأبيه أي الذي يجر سوء العاقبة أباه إليه ويجوز عود الضمير المستتر لما والمنصوب لسوء العاقبة وعكسه والمجرور لأبيه. قوله: (قرينا (تفسير لقوله: وليا إشارة إلى أن المفهوم من الآية ترتب الولاية على ص العذاب والأمر بالعكس فأشار إلى دفعه بأن فسر الولاية بالمقارنة فيما ذكر أو بالثبات المذكور وقيل إنه من إطلاق السبب هارادة المسبب، وقوله: تليه ويليك إشارة إلى وجه دلالته على ذلك لأنه من الولي وهو القرب وكل من المتقاربين قريب من صاحبه فلا تجوز فيه، وقوله: أو ثابتا في موالاته الثبوت يفهم من المضارع الدال على الاستمرار التجذدي ومن صيغة الصفة المشبهة ولأنه كان وليا له قبل ذلك وهو إشارة إلى تفسير آخر له على أنه من الموالاة وهي المتابعة والمصادقة، فإن قلت كيف يتأتى تفسيره بالثبات على موالاته مع أن قوله تعالى:{الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [سورة الزخرت، الآية: 67]، قلت قيل إن أريد بالعذاب عذاب الدنيا فلا إشكال وإن أريد عذاب الآخرة فالمراد الثبات على حكم تلك الموالاة وبقاء آثارها من سخط الله فلا منافاة كما توهم والجواب هو الثاني كما يدل عليه قوله في الكشاف دخوله في جملة أشياعه وأوليائه لأن الأول لا مساس له بما نحن فيه ولا يلائم بقية كلام المصنف كما ستعرفه. قوله: (كما أن رضوان الله أكبر من الثواب (وان عظم في نفسه لقوله تعالى: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر} [سورة التوبة، الآية: 172] فلزم بطريق التعكيس أن يكون سخط الله أكبر من العذاب لأنه منشأ عذابه كما أن الرضوان منشأ الفوز بضده، ولذا رتب عليه وبهذا تعلم أن المراد بموالاته ودخوله في أوليائه كونه مغضوبا عليه غير مرضيئ وأن هذا مبني على التفسير الثاني لا على أي معنى كان للولاية كما قيل. قوله: (وذكر الخوف والمس الخ (أما الأول فلأن الخوف
كما قاله الراغب: توقع المكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف فلم يذكر له أنه جازم بمس العذاب له مجاملة له أي معاملة جميلة في ملاقاته لأن ذلك أجمل من القطع بعذابه أو لإظهار أن عاقبة أمره وخيمة فيجوز أن يعذب وأن لا يعذب وأما الثاني: وهو ذكر المس المشعر بالتقليل فأجمل من ذكر كثرة عذابه ولأن عاقبة أمره منكشفة له فاقتصر منها على الأقل لأنه المتيقن فيه فإنه إذا وقع عذاب فإما أن يعذب عذابا قليلا أو كثيرا وعلى الثاني فهو متضمن له تضمن جمل الأعداد للآحاد، وكذا تنكير العذاب إذا كان للتقليل، فسقط ما قيك إن خفاء العاقبة لا يصح أن يكون علة لذكر المس وتنكير العذاب، وأما ما قيل من أن قصد التقليل من عبارة المس لا يناسب المقام ولا يساعده الكلام لأن المقام مقام تخويف فلا يناسبه التخفيف ولأن المس مما يقصد به المبالغة في الإصابة كما في قوله: وقد مسني الكبر لأن المس اتصال الشيء بالبشرة بحيث تتأثر به الحاسة مع أنه مر ما يخالفه في قوله: لن تمسنا النار في سورة البقرة، فرد بأن المقام مقام إظهار الشفقة ورعاية الأدب وحسن المعاملة فيناسب التقليل والمس منبىء عن قلة الإصابة كما صرح به الأئمة الكثير والإصابة ولا ينافيه قوله: لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم فإن عظم العذاب لا يستلزم شدة الإصابة كما قيل، وقوله: وقد مسني الكبر مع الخطا في التلاوة إذ هي على أن مسني الكبر لا ينافيه إذ الكلام فيما إذا لم يوجد في المقام قرينة حالية أو مقالية تدل على أن المراد به مطلق الإصابة وفي الآية الأولى
وصفه بالعظم قرينة مقالية، وفي الثانية كونه في سن الشيخوخة قرينة حالية، ثم إن الاتصال بالبشرة المذكورة لا يقتضي المبالغة في الإصابة لأن القؤة اللامسة تتأثر بأدنى إصابة فليس فيه نسيان لما قدمه في آية البقرة لأن دعوى اليهود ثتم قلة الإصابة كما وكيفا، والحاصل أن هنا مقامين يمكن اعتبار كل منهما مقام التخويف ومقام إظهار مزيد الشفقة وأدب المعاملة ومقتضى الأول حمل التنكير على التعظيم والمس على مطلق الإصابة ومقتضى الثاني خلافه ولذا قال في المطؤل مما يحتمل التعظيم والتقليل قوله: إني أخاف أن يمسك عذاب الخ أي عذاب هائل أو أفي شيء منه ولا دلالة للفظ المس وإضافة العذاب إلى الرحمن على ترجيح الثاني كما ذكره بعضهم لقوله تعالى: {لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم} [سورة النور، الآية: 14] ، ولأن العقوبة من الكريم الحليم أشد انتهى، واعترف في بحث الشرط أن لفظ المس ينبئ عن قلة الإصابة وترجيح المصنف اعتبار المقام الثاني لكون بناء الكلام هنا على مراعاته فتدبر) أقول (كون المس بل الإصابة مشعرة بالقلة مما لا شبهة فيه لكنها لكونها مقدمة لما بعدها متقدمة عليه تقدم الذوق على الأكل وتقدم مس النار على إحراقها واذابتيا هافنائها لما تحرقه تكون غير مقصودة بالذات والمقصود ما بعدها فدل على وقوع أمر عظيم بعدها ودلالتها على الكثرة والعظمة باعتبار ما يلزمها ويتبعها لا بالنظر إليها في نفسها فيصح وصفها بكل منهما بل بهما باعتبارين كما أشاروا إليه فلا منافاة بين الآيات ولا دلالة في قوله على أن مسني الكبر على
أحدهما بل إبقاؤها على ظاهرها أولى لما فيه من التجلد وعدم التضجر وكون المقام مقام التخفيف لا التخويف مع تصديره بقوله: أخاف غير مسلم بل هو مما روعي فيه مقتضى المقامين وهذا هو المناسب لما مر في تفسير قوله: فتكون للشيطان وليآ، ثم إن المدقق في الكشف ذكر أن الحمل على التفخيم في عذاب كما جوزه في المفتاح يأباه ظاهر المقام لأنه مقام حسن أدبه معه أو أنه مما قيل من الرحمن لقوله: أولا، كان للرحمن عصيا وللدلالة على أنه ليس على وجه الانتقام بل ذلك أيضا رحمة من الله على عباده وتنبيه على سبق الرحمة على الغضب وأن الرحمانية لا تنافي العقاب بل الرحيمية على ما عليه الصوفية رضي الله عنهم، وقيل: إن ذكره الرحمن للتحسر وأنه على حذ قول المتنبي:
وما ينفع الحرمان من كف حازم كما ينفع الحرمان من عند رازق
…
قوله: (ولعل اقتصاره (في النظم على عصيان الشيطان في قوله: إن الشيطان كان للرحمن عصيآ، وقوله: من جناياته وفي نسخة جنايتيه بالتثنية والجناية الأخرى معاداته لآدم عليه الصلاة والسلام، وذريته وهو تلميح إلى ما في الآيات الأخر ومن تبعيضة أي وهو بعض جناياته هأنما جمع على ما في النسخة المشهورة مع أن جنايته المذكورة عصيان الرحمن بالاستكبار وعدم امتثال الأمر والمتروكة المعاداة كما صرح به في الكشاف لاشتمال كل منهما على أنواع من القبائح والمعاصي والوساوس التي لا تتناهى، وقوله: لارتقاء همته في الربانية أي لعلو همته في أمور الألوهية حيث لم ينزل لذكر غيرها ولم يعذها جناية معها فلا جرم عنده أعظم من عصيان الله بل لا جرم غيره، وقوله: أو لأنه أي العصيان نتيجة معاداته لآدم عليه الصلاة والسلام أي لأنه لما عاداه لعدم المناسبة الترابية استكبر عن السجود له فكان عاصيا دثه كافرا فاقتصر على ما ذكره من النتيجة لأنها الأهم ولأنها تنبه على سببها ومقدماتها فتعرف منها مع أن المعاداة إنما عذت جناية لما فيها من معصية الله والحمل عليها فهي مندرجة أو كالمندرجة فيه فتدبر. قوله: (قمابل اسثعطافه ولطفه في الإرشاد (كما مر تفصيله، والفظاظة سوء الخلق وكراهته، وغلظة العناد أي الغلظة الناشئة من العناد أو العناد الغليظ، وجعل مناداته باسمه دليلا على ذلك وهو ظاهر، ويا بنيئ بالتصغير، وأخره أي أخر اللفظ الدال عليه وهو أنت لعدم الاعتناء به والالتفات إليه بعدما تلطف به غاية التلطف وهذا مما يدل على فظاظته وغلظته والقول بأنه لو قدم لكان أشنع وأوقع في الدلالة على ذلك مكابرة. قوله: (وقدم الخبر على المبتدأ الخ (خالف أبا البقاء وابن مالك ممن جعل أنت فاعل الصفة لاعتمادها على حرف الاستفهام وذلك لئلا يلزم الفصل بين راغب ومعموله وهو عت آلهتني بأجنبي وهو
المبتدأ لأنه
غير معمول له أو يحتاج إلى تقدير عامل آخر له وهو خلاف الأصل لأنه قيل عليه أن المبتدأ ليس أجنبيا من كل وجه لا سيما والمفصول ظرف متوسع فيه والمقدم في نية التأخير والبليغ يلتفت لفت المعنى بعد أن كان لما يرتكبه وجه مساغ، وهذا الأسلوب قريب من ترجيح الاستحسان على القياس لقؤة أثره، د! ان زيادة الإنكار إنما تنشأ من تقديم الخبر كأنه قيل: أراغب أنت عنها لا طالب لها راغب فيها منبها له على الخطأ في ذلك، ولو قيل: أترغب لم يكن من هذا الباب في شيء، فتدبر. قوله: (بلسائي يعني (بالرجم الشتم على طريق الاستعارة، أو المراد الرمي بالحجارة فهو حقيقة، وقوله: حتى تموت الخ بيان للمقصود من الرجم، وقوله: عطف الخ يعني أنه لا يصح أو لا يحسن عطفه على ما قبله لتخالفهما خبرا وإنشاء وجواب القسم غير الاستعطافي لا يكون إنشاء، وقوله: لأرجمنك تهديد وتقريع فيدل على الأمر بالحذر وليست الفاء في قوله:
فاحذرني عاطفة حتى يعود المحذور
قوله: (زمانا طويلا (فهذا معناه من الملوين الليل والنهار من الملاوة بتثليث الميم الدهر
فهو منصوب على الظرفية كقول مهلهل:
فبكت عليه المرسلات مليأ
وهذا أحد الوجوه فيه، وقوله: أو مليا بالذهاب عني يعني أنه مجاز من قولهم: مليئ أي
غنيئ، والمراد سالما أو مطيقا قادرا على الهجر والبعد، وهذا تفسير ابن عباس وعداه بالباء لأنه من تمي بكذا إذ تمتع به كما ذكره الراغب وهو على هذا حال من فاعل اهجرني، وقيل: المعنى هجرا مليا أي طويلا فهو منصوب على المصدرية. قوله: (توديع ومتاركة (السلام أصل معناه السلامة من الآفات ويكون للدعاء بذلك عند الملاقاة وهو ظاهر، وعند المفارقة كما في قوله:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا وقت الزيارة فارجعي بسلام
…
ومقابلة السيئة وهي الشقاق والتهديد بالحسنة وهي توديعة له ومتاركته لأن ترك اساءة
للمسيء إحسان، وقوله: أو لا أصيبك بمكروه أي بأمر تكرهه لكفه عن لومه بالتعريض له
بالجهل وغيره مما يؤذيه وعلى كل من الوجهين فهو من السلامة ولا يختص بالثاني، كما قيل:
ولما كان ذلك ليأسه منه وكان حينئذ مشعرا بعدم الدعاء له استدرك ذلك بقوله: ولكن. قوله:
) فإن حقيقة الاستغفار للكافر الخ (جواب عن أنه كيف جاز له أن يستغفر للكافر أو يعده ذلك، بأنه ليس استغفارا له مطلقا حتى يرد ما ذكر بل هو مشروط بإيمانه وتوبته عن كفره على حذ كون الكفار مأمورين بالفروع الشرعية وإنما فعله لأنه وعده أن يؤمن لقوله: إلا عن موعدة وعدها إياه ولم يرتض هذا في الكشاف وتبعه بعضهم بناء على أنه لا مانع عقلا من الاستغفار للكفار وإنما منع سمعا فما فعله قبل ورود السمع وهو متعين لقوله: إلا قول إبراهيم لأبيه لأستمغفرن لك إذ لو كان شارطا للإيمان لم يكن مستنكرا ومستثنى عما وجبت فيه الأسوة وأما الوعد المذكور فليس من أبيه بل منه، ورد بأن الآية دلت على المنع من التأسي لا أن ذلك كان منصبه فجاز أن يكون من خواصه قيل: وليس بشيء لأنه لم يذهب إلى أن صا ارتكبه إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان منكرا بل أنه منكر علينا لورود السمع وفي التقريب إن نفي اللازم ممنوع لأن الاستثناء عما وجبت فيه الأسوة لقوله: قد كانت لكم الآية ولا دلالة فيها على الوجوب، وأجيب بأن جعله مستنكرا مستثنى يدل على أنه منكر لأن الاستثناء عما وجبت فيه فقط، إنما أتى الاستنكار لأنه مستثنى عن الأسوة الحسنة فلو ائتسى به لكان قبيحا أما الدلالة على الوجوب فمبينة من قوله: آخرا لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر كما تقرر في الأصول والحاصل أن فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدل على أنه ليس منكرا في نفسه وقوله: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا الخ يدل على أنه الآن منكر سمعا وأنه كان مستنكرا في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أيضا بعد ما كان غير منكر ولذا تبرا وأمسك عن الاستغفار، وهو ظاهر إلا أن الزمخشري جعل مدرك الجواز قبل النهي العقل على مذهبه، وهو عندنا السمع لدخوله تحت بز الوالدين والشفقة على أمة الدعوة وتبعه فيما ذكر الفاضل المحشي ثم قال: إن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما قاله: هناك فراجعه إن شئت
وما ذكره ثمة في تفسير قوله تعالى: " قد كانت لكم أسوة حسنة في) براهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله، إلى أن قال إلا قول إبراهيم لأبيه فإق استغفاره لأبيه ليس مما ينبغي أن يأتسوا به فإنه كان قبل النهي أو لموعدة وعدها إياه وكتب عليه فيه بحث لأن المذكور في النظم هو الوعد بالاستغفار لا الاستغفار نفسه إلا أن يقاد: مقصوده الإشارة إلى أنه كناية عن الاستغفار لأن عدة الكريم خصوصا مثل إبراهيم عليه الصلاة والسلام وخصوصا إذا كانت بالقسم يلازمها الإنجاز وقوله: فإنه كان الخ مندفع بما قررناه آنفا، وبما عسى أن يقال: المذكور في حيز الاستثناء هو العدة نفسها فكيف يستقيم التعليل) أقول (هذا كله من ضيق العطن فإنه لا تعارض بين هذه الأجوبة فإق محصلها أن استغفاره ىلمجح! إن كان قبل النهي عنه فلا إشكال دمان كان بعده فالنهي والمنع عنه ليس مطلقا بل يجوز أن يستغفر له بشرط إيمانه لأنه كان في حياته إذ لا مغ من أن يقاك: اللهم اغفر لهذا الكافر إن آمن وقد قال الفاضل اليمني: إن الإجماع منعقد على جواز الاستغفار للكافر شرط التوبة من الكفر وكذا استغفاره له
إذا وعده الإيمان فإنه في الحقيقة طلب لإيمانه بطريق الاقتضاء إلا أن الاستثناء يخالف الشق الثاني وقد عرفته، وأما كون المذكور في النظم الوعد أو الاستغفار فلا وجه له لأنه إذا امتنع استغفاره امتنع وعده إذ النبي المعصوم لا يعد بما لا يجوز ولذا قال في الكشاف كيف جاز أن يستغفر للكافر أو يعده فلا حاجة إلى ما تكلفه من حديث الكناية، فتأمل. قوله: (بليغا في البر والألطاف (المبالغة من صيغة فعيل والبر من مادته، يقال: حفي به إذا اعتنى بإكرامه كما قاله الراغب والألطاف بفتح الهمزة جمع لطف بمعنى الرأفة أو بكسرها مصدر لطف به إذا بره، وقوله: بالمهاجرة بديني الباء فيه تحتمل التعدية والسببية والمباعدة بالبدن أو بالقلب والاعتقاد والظاهر الأول، وقوله: وإعبده وحده الوحدة تفهم من اجتناب غيره من المعبودات وفسر الدعاء بالعبادة لقوله: وما تعبدون من دون الله ويجوز أن يراد به الدعاء مطلقا أو ما حكاه في سورة الشعراء، وهو قوله: رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين وقوله: مثلكم في دعاء آلهتكم إشارة إلى أن فيه تعريضا بشقاوتهم وهو النكتة في التعبير به، وقوله: وأن ملاك الأمر خاتمته من السعادة والشقاوة وهي غير معلومة وان كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مأموني العاقبة، وغيب بمعنى غائب أو مغيب، وقوله: منه أي من إسحق، والشجرة بمعنى الأصل هنا وقوله: أو لأنه أراد أن يذكر إسماعيل الخ، والنكتة لا يلم اطرادها فلا يرد عليه أنهما خصصا حيث لم يذكر إسماعيل في العنكبوت كما قيل، وقوله: منهما أي من إسحاق ويعقوب، أو منهم هما لرابراهيم عليهم الصلاة والسلام وفسر الرحمة بما ذكر لأنه المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما والكلبيئ. قوله: (يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم (يعني المراد باللسان كلام
الافتخار والثناء الحسن فأطلق اللسان على ما يوجد به من الكلمات والحروف كما تطلق اليد على العطية بعلاقة السببية، وأحقاء جمع حقيق كأصدقاء وصديق وهو راجع إلى إضافته لأنه لا يكون حقيقا بذلك إلا إذا كان صادقا كما أن ما بعده راجع إلى توصيفه بالعلو على طريق اللف والنشر وإن احتمل رجوعه للأول لأن ما كان صادقا يثيع ويثبت بخلاف الباطل فإنه مضمحل منسيئ، وقوله: لا تخفى الخ إشارة إلى أن العلو مستعار لما ذكر لأن ما ارتفع مكانه ظهر كأنه نار على علم، وقوله: أخلص عبادته إشارة إلى مفعوله المقدر بقرينة ما قبله ليفيد معنى التوحيد وكذا في الوجه الآخر وهو مغاير له معنى لتغاير مفعوليهما، ومعنى كون الله أخلصه أنه خلقه خالصا عما مز. قوله: (أرسله الله تعالى (إشارة إلى أن الرسول بمعنى المرسل، وقوله: فأنبأهم أي أخبرهم إشارة إلى أن النبي بمعنى المنبىء عن الله بالتوحيد والشرائع وأن أصله الهمز فأبدلت في النبي والنبؤة، ولو قيل هنا إنه من النبوة بدليل قوله: مكانا عليا والمعنى رفيع القدر على غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام ليكون بمعنى آخر أخص هنا كان أظهر كما نقله الطيبي عن بعض العلماء، وقوله: ولذلك أي لكونه بمعنى المنبئ عن الله قدم الخ على وفق ما في الواقع وإن كان الرسول أخص منه إذ كل نبي رسول ولا عكس ولذا كان أعلى لاستلزام الرسالة
النبؤة وذكر العام بعد الخاص لا يفيد ولذا يقال: عالم نحرير دون العكس، ويحتمل أن يريد أن المراد بالرسول والنبي هنا معناهما اللغوي، وهو المرسل من الله والمنبى عن الله وليس كل مرسل ينبئ لأنه قد يرسل بعطية ومكتوب فلذا قدم وإن كان في موضع آخر يراد به معنى أخص من هذا فينبغي تأخيره فلا يرد عليه أن كونه أخص مقتض لتأخيره أو أنه غير تاثم في التعليل فتأمل. قوله: (من ناحيته اليمنى من اليمين الخ (إشارة إلى أنه إذا كان المراد من اليمين المقابل لليسار فالمراد به يمين موسى عليه الصلاة والسلام إذ الجبل لا ميمنة له ولا ميسرة وأما إذا كان من اليمن وهو البركة فظاهر، وهو صفة الجانب وجوز فيه الزمخشري على الثاني أن يكون صفة الجانب أو الطور، وتركه المصنف رحمه الله ليتوافق الوجهان. قوله: (بأن تمثل له الكلام من تلك الجهة (أي جهة اليمين أو الجهة الميمونة فهو راجع إلى الوجهين وقال: تمثل إشارة إلى أن الكلام اللفظي مثال للكلام النفسي فلا يلزم من حدوث المثال حدوث الممثل كما لا يلزم من تمثيل جبريل عليه الصلاة والسلام بصورة دحية رضي الله عنه حدوئه وقت التمثيل، ومن أهل الحق من ذهب إلى أن الذي سمعه موسى عليه الصلاة والسلام كان الكلام القديم بلا حرف ولا صوت ولا جهة كما قيل:
إذا ما بدت ليلى فكلي أعين دمان حذثوا عنها فكلي مسامع
…
ولذلك خص باسم الكليم وعليه بنى المصنف رحمه الله كلامه الآتي في سورة طه حيث
قال إنه لما نودي قال من المتكلم قال إنني أنا الله فوسوس إليه إبليس لعنه الله لعلك تسمع كلام شيطان فقال: أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء فلا يرد عليه أن هذا يعين أق كلامه تعالى لا يختص بجهة كما قيل. قوله: (شبهه بمن قربه الملك لمناجاته (يعني أنه شبه قرب موسى عليه الصلاة والسلام في مناجاته ربه بقرب من قرب لمناجاة عظيم من العظماء، ووجه الشبه كونه كلم بغير واسطة قال بعض شراح الكشاف: وهذا لا ينافي أن يكون مقربا حقيقة، ولهذا قال أبو العالية: قربه حتى سمع صرير الأقلام أو صريف الأقلام بالفاء كما وقع في رواية وهو صوتها في الكتابة، وقوله: مناجيا إشارة إلى أن فعيلا بمعنى مفاعل كجليس لمجالس ونديم لمنادم ورضيع لمراضع، والمناجاة المسارة بالكلام قال الراغب وأصله أن يخلو في نجوة من الأرض ثم استعمل مطلقا، والنجو الارتفاع والنجوة المكان المرتفع وقوله: حتى سمع صرير القلم أي الذي كتبت به التوراة، كما في الكشاف يعني الكتابة الثانية والا فقد وقع في الحديث أنها كتبت قبل خلقه بأربعين سنة. قوله: (من أجل رحمتنا أو بعض رحمتنا (يعني من يحتمل أن تكون تعليلية وأن تكون تبعيضية، وقوله: معاضدة أخيه وموازرته، يعني على تقدير مضاف فليس معنى وهبناه أوجدناه لأنه كان أكبر منه سنا فوجوده سابق على وجوده ولكن معناه وهبنا له معاضدته أي معاونته بأن جعلناه وزيرا له كما صرح به في رواية أخرى، وإجابة تعليل لقوله وهبنا، وقوله: وهو أي أخاه مفعول لوهبنا إن كانت من تعليلية أو بدل بعض من كل أو كل من كل أو اشتمال وهذا إذا كانت تبعيضية بمعنى بعض وهي مفعول وهبنا ولا يخفى ما فيه لأن كون من اسما لكونها بمعنى بعض خلاف الظاهر، وابدال الاسم من الحرف لا نظير له، ولذا قال في البحر الظاهر أن أخاه مفعول وهبنا ولا يرادف من بعضا حتى يبدل منها، وقيل: التقدير وهبنا له شيئا من رحمتنا فأخاه بدل من شيئا المقدر، إلا أن يقال إنها اسم وليس موجودا في كلامهم، وهرون عطف بيان وجوز فيه البدلية. قوله: (ذكره بذلك (أي وصفه بذلك دهان كان موجودا في كيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فجعله كاللقب له تشريفا وإكراما ولشهرته بذلك ألا تراه وعد أباه الصبر على الذبح
فصدق وعده ووفى به، وهذا أعظم ما يتصؤر فيه وناهيك بمعنى يكفيك في صدقه هذا فكيف ومعه أمور أخر. قوله: (يدل على أق الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة (أي مستقلة مأمورا بتبليغها لما ذكر وقد اشتهر خلافه بل اشترط بعضهم فيه أن يكون صاحب كتاب أيضا فهو مبنيئ على الأغلب فيه
لا أنه أمر لام، وما قيل إن المراد بكونه صاحب شريعة أن يكون له شريعة بالنسبة إلى المبعوث إليهم وإسماعيل صلى الله عليه وسلم، كذلك لأنه بعث إلى جرهم بثريعة أبيه ولم يبعث إبراهيم عليه الصلاة والسلام إليهم لا يخفى أنه لا يتم به الجواب إلا بضميمة أخرى فتأمل. قوله: (اشتغالا بالأهئم (يعني ذكر الأهل ليس للتخصيص بل لأنه الأهم، وقوله: على نفسه أدرجه في الأهل لاستلزام إصلاح الغير لإصلاح النفس أو المراد بالأهل أفة الإجابة لكون النبي بمنزلة الأب لأتته فلا ينافي هذا قوله أنه ليس من أهلك بل يؤيده، والسبط ولد الولد وأخنوخ بضم الهمزة وفتحها. قوله: (واشتقاق إدرش! من الدرس يرذه الخ (لأنه لو كان مشتقا كان عربيا وهو أعجمي لمنع صرفه بالاتفاق وجريان الاشتقاق في غير العربي مما لم يقل به أحد، وقوله: قريبا من ذلك أي من ذلك المعنى لا من إدرشى المشتق من الدراسة، وقوله: يعني شرف النبؤة فالعلؤ معنوفي قيل: والثاني أقرب لأن الرفعة المقترنة بالمكان لا تكون معنوية، وفيه نظر لأنه ورد مثله بل ما هو أظهر منه كقوله:
وكن في مكان إذا ما سقطت تقوم ورجلك في عافيه
…
والرفع إلى الجنة بجسده بناء على أنه حيئ الآن فيها، وما ذكره من الاختلاف في السماء لاختلاف الرواية في حديث المعراج ورؤية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكن كونه في الرابعة في الصحيحين. قوله: (بيان للموصول (وهو الذين أنعم الله عليهم لأن جميع الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام منعم عليهم فلو جعلت تبعيضية لزم أن يكون المنعم عليهم بعض الأنبياء وأن لا يكون البعض الآخر منهم منعما عليه، فإن قلت المشار إليه بأولئك الأنبياء المذكورون سابقا عليهم الصلاة والسلام وهم بعض النبيين فالذين أنعم عليهم بعضهم فصح جعل من للتبعيض، قلت هذا إذا كان تعريف الذين للعهد والوجه أنه للجنس والعموم على أن المعنى أولئك بعض المنعم عليهم فلا بد من كونها للبيان لئلا يلزم الفساد كذا قيل، وفيه بحث فإن الظاهر أن يقال: الذين أنعم الله عليهم إن أريد به النعم المعهودة المذكورة هنا فالمحمول والموضوع مخصوص بهؤلاء فهم بعض النبيين فتكون من تبعيضية بدون تقدير كما ذهب إليه البعض ولا يرد عليه أنه تقرر في الميزان أن المحمول يراد به المفهوم ولا شك في عمومه كما قيل لأن عموم المفهوم في نفسه ومن حيث هو في الذهن لا ينافي أن يقصد به أمر خاص في الخارج، صمالا لزم أن لا يصح وقوع المعرف بأل العهدية خبرا كما إذا قلت جاءني رجل فأكرمته وزيد الجائي فهذا غلط أو مغالطة ولا يكون الخبر مساويا نحو الزوج الذي ينقسم بمتساويين وأن لا يقع الجزئي الحقيقي خبرا نحو هذا زيد والجمهور على جوازه والمانعون لا يقولون إنه لا يقع في كلام البلغاء بل العقلاء بل يؤؤلونه بأمر يعم في التصؤر دون الخارج، ثم إن شراح الكشاف قالوا: إن المشار إليه بأولئك الأنبياء المذكورون لا الكل فوجب أن يحمل التعريف في الخبر على الجنس للمبالغة، كقوله: ذلك الكتاب أو يقدر مضاف أي بعض الذين أنعم الخ ورد الأول بأنه يلزمه جعل غيرهم ومن جملتهم نبينا صلى الله عليه وسلم كأنهم لم ينعم عليهم وليسوا بأنبياء وهو باطل، وأورد عليه أن القصر فيه إضافيئ بالنسبة إلى الدولة الدنيوية لا حقيقي فلا محذور فيه وهو مع ما فيه مناف لتفسير المصنف رحمه الله ولكون من بيانية لأن النعم الدنيوية لا تختص بهم مع أن المبتدأ والخبر إذا تعزفا يتحدان في الما صدف وفي إفادته للحصر كلام في المعاني فيتعين أحد التأويلين فالحق في الجواب أن يقال على إطلاق النعم: إن الحصر بالنسبة إلى غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنهم معروفون بكونهم منعما عليهم فتنزل النعم على غير الأنبياء منزلة العدم ولا يتوهم ما ذكر كما لا يتوهم في ذلك الكتاب عدم كمال غيره من الكتب السماوية أو يقدر بعض، ومن على هذا بيانية فلكل وجهة فتدبر. قوله: (بدل منه بإعادة الجار (يعني ذرية آدم بدل من النبيين بدل بعض من كل لأن المراد ذزيته الأنبياء وهي غير شاملة لآدم عليه الصلاة والسلام ومن بيانية أيضا ولو جعل الجار والمجرور بدلا من الجار والمجرور لم يكن فيه إعادة، وقوله: من فيه للتبعيض
أي في من ذرية آدم لأن المنعم عليه أعتم من الأنبياء فالمبين بعض المقدر وأخص من الذرية إذ بينهما عموم وخصوص من وجه لشمول المنعم عليه لآدم
والملك ومؤمني الجت، وشمول ذرية آدم إذا أريد به ظاهره غير من أنعم عليه فيجوز الحمل على الإبدال والتبعيض باعتبار الوجهين فتأمل. قوله: (من عدا إدريس عليه الصلاة والسلام لأنه سبط شيث كما مر، وقوله: فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام الخ هذا متفق عليه فذكر من حملنا تذكيرا لهذه النعمة، وقوله: وفيه دليل الخ لدخول عيسى عليه الصلاة والسلام ولا أب له وجعل إطلاق الذرية، عليه بطريق التغليب خلاف الظاهر. قوله: (ومن جملة من هديناه إلى الحق (إشارة إلى أن من تبعيضية وأنه معطوف على قوله: من ذرية آدم وأما جعله معطوفا على قوله من النبيين أي ممن جمعنا له بين النبؤة والهداية والاجتباء لعدم التغاير فخلاف الظاهر وإن جوزوه، وقوله: لبيان الخ متعلق بالاستئناف، والإخبات الخشوع والتواضع وقوله: وعن النبي صلى الله عليه وسلم رواه البزار وغيره وقوله: جمع باك وقياسه بكاة كقاض وقضاة لكنه لم يسمع كما قاله المعرب، وهو مخالف لما في القاموس وغيره أو هو مصدر كالقعود والكسر اتباع عليهما، وقوله: لأن التأنيث غير حقيقي ولوجود الفاصل أيضا. قوله: (وجاء بعدهم (تفسير لعقبهم وأصله من وطى عقبهم، والفرق بين خلف بالفتح والسكون باستعمال الأول في الحسن والذرية الصالحة والثاني في ضده هو المشهور في اللغة وقال أبو حاتم الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع فيه سواء، والخلف البدل ولدا كان أو غريبا، وقال ابن الأعرابي: الخلف بالفتح الصالح وبالسكون الطالح، وقال النضر بن شميل الخلف بتحريك اللام دماسكانها في القرن السوء أما الطالح فبالتحريك لا غير، وقال ابن جرير: أكثر ما جاء في المدح بفتح اللام
وفي الذتم بتسكينها وقد يعكس!. قوله: (تركوها (بناء على أن المراد الكفار لأنه من شأنهم أو على أنه عام وما بعده على أنه في المسلمين وأخره لما سيأتي واستحلال نكاح الأخت من الأب ذهب إليه اليهود، ومن بني بالموصول والماضي والمشيد العالي، وفي نسخة الشديد أي المحكم، والمنظور هو المركوب الحسن من فرس أو بغل لم يعد للجهاد بل للتكبر لأنه لحسنه ينظر الناس إليه كما قيل:
لا يجمع الطرف المحاسن كلها حتى يكون الطرف من أسرائه
…
والمشهور من الثياب الفاخر الزاهي لونه وتسمى الثياب مشتهرة. قوله: (شزا (فسره به
لأنه المناسب ولما كان المعروف فيه أنه بمعنى الضلال أثبته بالبيت المذكور والاستدلال به ظاهر لوقوعه فيه مقابلا للخير وقال الفاضل اليمني: يحتمل أن يكون التقابل فيه معنويا كقول المتنبي:
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها سرور محب أوإساءة مجرم
…
والبيت لمرقش الأصغر من قصيدة وقبله:
تألي جناب حلفة فأطعته فنفسك ول اللوم إن كنت لائما
…
قالوا: والمراد بالغي الشز وبالخير المال، ومن يغو أي يفتقر ولا مانع من حمله على ظاهره، وقوله: كقوله تعالى: {يلق أثاما} [سورة الفرقان، الآية: 68] ، أي شرا وعقابا فأطلق عليه كما أطلق الغي على مجازاته المسببة عنه مجازآ، وقوله: أو غيا عن طريق الجنة أي ضلالا فهو بمعناه المشهور واستعاذة الأودية منه عبارة عن كونه فظيعا بالنسبة إليها. قوله: (يدل على أن الآية في الكفرة (وهو قول عليئ رضي الله عنه وقتادة لأن من آمن لا يقال إلا لمن كان كافرا إلا بحسب التغليظ كقوله: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن لكنه استشكل وجه الدلالة بأنه يجوز أن يكون المعنى إلا من جمع التوبة مع الإيمان فلو قال: يؤيده كما في الكشات كان أولى وهو سهل لأنه لم يرد بالدلالة الدلالة القطعية بل إنها تدل على ذلك بحسب الظاهر وهو
كثير إما يريد به ذلك وقال بعض الفضلاء إنما تدل على عمومها لهم لا على خصوصها فيهم مع أنه قد يراد بالإيمان الإيمان الكامل ثم إنه لا دلالة في الآية لمذهب المعتزلة من أن العمل شرط دخول الجنة فإنه بحسب التفضل
مع أنه إنما شرط ظاهر العدم نقص شيء من ثواب أعمالهم أو لدخولهم جنة عدن لا مطلق الجنة فتأئل. قوله: (ولا ينقصون شيئا من جزاء اعمالهم (لأنه في الأصل عند بعض أهل اللغة تنقيص الحق من نقصت الأرض إذا حفرتها ثم أريد به التجاوز مطلقآ، وقوله: ولا ينقص أجورهم لأنها إنما تحبط بالكفر وقوله: لاشتمالها عليها أي اشتمال الكل على الجزء فليس في عبارته إيهام أنه بدل إشتمال، وقوله: على أنه خبر الخ أو مبتدأ خبره محذوف. قوله: (وعدن علم لأنه المضاف إليه في العلم الخ (أقول يريد أنه لما شاع في الاستعمال جنة عدن احتمل ثلاثة وجوه، كون عدن وحده علمآ، وكون جنة عدن علما كعبد الله وكونه نكرة، وعلى الأول يلزم إضافة الأعثم مطلقا إلى الأخص وهو لغو قبيح كإنسان زيد بناء على أن المتبادر من الجنة المكان المعروف لا الأشجار والبستان والسعد رحمه الله يرى أن هذه الإضافة تكون قبيحة كما في المثال المذكور، وحسنة كشجر الآراك ومدينة بغداد إذ لا فارق بينهما إلا الذوق كما ذكره الفاضل الليثي، والمصنف رحمه الله ذهب إلى أنه حينئذ علم للإقامة فيكونان متغايرين كما ذكره النحاة في نحو بزة علم للمبزة بمعنى الإحسان علم جنس لأن الذوق غير مضبوط فاندفع المحذور بلا نزاع، ولم يحتج إلى الثالث وإن جوزوه لأمر ما وأنا كون مجموعه علما فلا إشكال فيه لأنه قطع النظر فيه عن المعنى الإضافي فارتفعت مؤنة التوجيه فإن قيل إن العلم هو جنات عدن فلا غبار عليه ديان قيل جنة عدن بالإفراد احتجنا إلى القول بأنه حذف فيه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه بدليل تعرف المضاف إليه وتوصيفه بالمعرفة التي هي الموصول إنما حسن إقامته مقامه لأن المعتبر علميته في المنقول الإضافي هو الجزء الثاني حتى كأنه نقل وحده بدليل منعه من الصرف في بنات أو بر وابن داية وامتناعهم من إدخال اللام عليه في نحو أبي تراب إلا أن يقارن الوضع أو يكون للمح الصفة وهذه الفاعدة مقررة في النحو مفصلة في شروح المفصل وقد بينها في الكشف في شهر رمضان فقال: إذا كانت التسمية بالمضاف والمضاف إليه جعلوا المضاف إليه في نحوه مقدر العلمية لأن المعهود في كلامهم في هذا الباب الإضافة إلى الإعلام والكنى فإذ أضافوا إلى غيرها أجروه مجراها كأبي تراب ألا ترى أنهم لا يجوزون إدخال اللام في نحو ابن داية وأبى تراب ويوجبونه في نحو امرئ القيس وماء السماء كل ذلك نظرا إلى أنه لا يغير عن حاله كالعلم، وان كان لقائل أن يقول إق التغيير لا يوجب تغيير المجموع ولا نزاع في أنه علم إلا
9
أنه لولا العلمية لم امتنعوا من إدخال اللام فإنهم نظروا إلى المعنى لا إلى التعبير بدليل الحسن وحسن وامتناع ذلك في نحو عمرو اهـ وما فهمه بعضهم من قول المصنف رحمه الله لأنه المضاف إليه في العلم من أن المنقول الإضافي يلزم كون المضاف إليه فيه علما قبل النقل فلما ورد عليه عبد شمس علما اعتذر بأنه كليئ انحصر في فرد في الخارج فأشبه العلم مما لا وجه له وليت شعري بماذا يعتذر عن أبي تراب وأمثاله، وهو ناشئ من قلة التدبر لأن المراد بالعلمية العلمية التقديرية الاعتبارية بعد النقل كما صرحوا به، وهذا مراد القائل أن جنة عدن علم لإحدى الجنان الثمان دون عدن وإلا كانت إضافة جنة إليه ك! ضافة إنسان زيد لكنه قد يحذف المضاف فيقال: عدن كرمضان الخ يعني وجنات بمعنى بساتين لئلا يقع فيما فز منه إلا أنه يفهم من ظاهره أق جزء اأحلم لما قام مقامه أعطى حكمه بخلاف عبد شمس فإنه ليس كذلك وهو تعسف لمخالفته لكلام القوم كما عرفت، وقد جنح بعضهم إلى أن جنات عدن علم لأجنة عدم حتى يذعي الحذف من غير داع له، فلو قيل من أول الأمر جنات عدن علم كبنات أو بر لم يحتج إلى ما تكلفوه، هذا غاية ما يقال هنا فدع عنك القيل والقال.
تنبيه: واعلم أن بعض فضلاء العصر قال: إن جنات الجمع المضاف علم لإحدى الجنات الثمان كعلمية بنات أو بر والمضاف فيها يقدر علما فإنهم لما أجروه بعد العلمية مجرى المضاف قدروا الثاني علما على قياس المعارف إذ لا يضاف معرفة إلى نكرة ولذا مغ صرف قزة في ابن قزة، وامتنع في طبق من بنت طبق ونحوه إذ لم يقع على انفراده علما كما في شروح المفصل وغيرها والفاضل المحشي لغفلته تعسف في الكلام
كما رأيت فقال: جنة عدن علم لإحدى الجنان دون عدن دمالا كان كإنسان زيد كما قيل لكنه قد يحذف المضاف ويقام المجموع فيستعمل استعمال الإعلام كما في رمضان وكذا عدن والمعنى جنات جنة عدن فلا يتوجه النقض بمثل عبد شمس، ولا يحتاج إلى الجواب بأق الشمس لانحصارها في فرد بمنزلة العلم اص. ولا يخفى أنه على ما ذكرنا الكلام على ظاهره وليس إضافة جنة إلى عدن كإضافة إنسان زيد ولا نقض بمثل عبد شمس لأن لفظ شمس فيه يقدر علما دران لم يستعمل على انفراده علما، ولا حاجة إلى الجواب بما ذكر فتأمل وتدبر. قوله: (أو علم للعدن بمعنى الإقامة (يعني أنه علم جنس للمعاني مفرد وفيما قبله هو علم شخص للذات ومركب وهذا ما اختاره في الكشاف من أنه علم لمعنى العدن بسكون الدال بمعنى الإقامة كسحر وأمس وفينة وكأنه لما رأى المضاف فيه يجمع ويفرد ويوصف ذهب إلى هذا والمصنف لما رأى الإضافة فيها نوع ركاكة خالفه! ان ما ذكر يقتضي بناءه كما بين في النحو كما مر، وقوله: للعدن يعني أن المجرد من اللام علم للمعزف بها، كسحر علم للسحر وأ!! للأمس وبرة بفتح الباء رمنع الصرف علم للبز والإحسان، وقوله: رلذلك الخ دليل لعلمية عدن لكنه بناء على الظاهر لعدم تعينه إذ لا نسلم العلمية بل نقول هو بدل ولم يذكر ما
في الكشاف من الاستدلال على العلمية ب! بداله من الجنة فإن النكرة لا تبدل من المعرفة فإنه غير متفق عليه فقد جوزه كثير من النحاة مطلقا، وبعضهم إذا كان في إبداله فائدة لا تستفاد من المبدل منه مع أنه لا تتعين البدلية لجواز نصبه على المدح كما ذكروه، واعلم أن العلم المنقول من المضاف والمضاف إليه كأبي هريرة تعتبر علميته وأحكامها كمنع الصرف في الجزء الثاني، كما في شروح المفصل والكتاب كما فصلناه في شرح الشفاء وقد غفل عنه بعض علماء المغرب. قوله: (أي وعدها إياهم الخ (يشير إلى أن عائد الموصوف محذوف وأن الباء إفا للملابسة والجار والمجرور إتا حال من العائد بمعنى غائبة أو من عباده بمعنى غائبين عنها، أو للسببية متعلقة بوعد أي وعدها بسبب تصديق الغيب والإيمان به والغيب على هذا بمعنى الغائب، وقوله: إنه أي الله ويجوز أن يكون ضمير الشان. قوله: (كان وعده الذي هو الجنة (فالوعد بمعنى الموعود أو أطلق عليها مبالغة وفسره بها لأن ما قبله يقتضيه، ولأن الإخبار عنه بمأتيا ظاهر لأن الجنة تؤتى كما تؤتى الأمكنة والمساكن، وقوله: لا محالة مأخوذ من التأكيد ومن التعبير عن المستقبل بالماضي المقتضي لتحقق وقوعه ولا دخل لاسم المفعول فيه. قوله: (وقيل هو من أتى إليه إحسانا (أي فعل به ما يعد إحسانا، وجميلا فمعناه على هذا مفعولا كما ذكره بقوله: أي مفعولا، والوعد بالمعنى المصدري وكون الوعد المصدري مفعولا لا طائل تحته إذ كل وعد بل كل فعل كذلك فلذا أشار إلى أن المراد من كونه مفعولا أنه منجز لأن فعل الوعد بعد صدوره أي إيجاده، إنما هو تنجيزه فمنجزا عطف بيان لمفعولا مفسر له. قوله: (ولكن يسمعون قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة (أشار بلكن إلى أنه استثناء منقطع كما في الوجه الثاني، والسلام بمعنى الكلام السالم من العيب والنقص فهو مصدر بمعنى السلامة أريد به ما ذكر إما مبالغة أو بالتأويل المعروف فيه، وعلى ما بعده المراد به معناه المعروف وهو إتا من الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو من بعضهم على بعض والاستثناء عليه منقطع أيضا لأن السلام لا يعد لغوا إلا على الوجه الأخير ولكونه خلاف الظاهر استحق التأويل والتأخير. قوله: (أو على معنى إق التسليم الخ (فهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم المذكور في البديع وهو يفيد نفي اللغوية بالطريق البرهاني الأقوى إلا أن ظاهر سياقه كالكشاف أن الاستثناء على هذا الوجه متصل، وقد قال المعرب: إنه بعيد وقد صرح بعض النحاة بأنه من قبيل المنفصل لكن ما ذهب إليه الشيخان من الاتصال إنما هو على
طريق الفرض والتقدير ولولا ذلك لم يقع موقعه من الحسن والمبالغة، والبيت المذكور للنابغة من قصيدته المعروفة وأولها:
كليني لهئم يا أميمة ناصب وليل أقسيه بطيء الكواكب
…
والفلول مصدر أو جمع فل وهو ما ينثلم به حذ السيف والقراع الضرب. قوله: (أو على
أن معناه الدعاء بالسلامة الخ (يعني أن السلام المعروف دعاء بالسلامة من الآفات ولا آفة في الجنة فالدعاء بالسلامة منها لا فائدة فيه فيكون لغوا بحسب الظاهر ويصح فيه الاتصال من هذا الوجه،! انما قال ظاهرا لأن هذا! ان كان معناه بحسب وضعه لكن المقصود منه الإكرام داظهار التحالت حتى لو ترك عد إهانة فلذا كان لائقا بأهل الجنة. قوله: (على عادة المتثعمين الخ (بيان لوجه تخصيص البكرة والعشية بأنه الوسط المحمود في التنعم فإن المرة الواحدة في اليوم والليلة تسمى الوجبة وأكلها يوجب زهادة وما عداها رغبة في كثرة الأكل أو كناية عن الدوام بذكر الطرفين والدرور الدوام ومنه رزق داز أي لا ينقطع. قويه) نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه (أشار بقوله: كما إلى أن فيه استعارة تبعية استعير الإيراث للإبقاء ويحتمل التمثيل، وقوله: والوراثة أقوى لفظ أي أقوى الألفاظ إشارة إلى اختيارها على غيرها مما يدل على بقائها كالبيع والهبة ونحوهما لأنها أقوى في الدلالة على المراد وقؤتها بما ذكر كما هو معروف في الكتب الفقهية، وقوله: أقوى لفظ من وصف الدال بصفة مدلوله لأن القؤة صفة معنى الوراثة كما يدل عليه قوله: من حيث الخ وإنما اختاره لأنه لا وراثة هنا وإنما المذكور لفظها المستعار لمعنى آخر فتأئل. قوله: (وقيل يورث المتقون الخ (وهو استعارة أيضا دمانما مزضه لأنه يدل على أن بعض الجنة موروث والنظم يدل على أنها كلها كذلك ولأن الإيراث ينبني على ملك سابق لا على فرضه مع أنه لا داعي للفرض هنا. قوله: (حكاية تول جبريل عليه الصلاة والسلام الخ (وهذا من عطف القصة على القصة فلا يقال إن العطف فيه حزازة لعدم التناسب، والمناسبة بين القصتين ما قيل إنه لما فرغ من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثبتا له وعقبه بما أحدثه الخلف وذكر جزاءهم عقبه بحكاية نزول جبريل
عليه الصلاة والسلام بعدما قاله المشركون تسلية له لمجيرو وأن الأمر ليس على ما زعم هؤلاء الخلف وأدمج ما يناسب حديث التقوى من كون الملائكة عليهم الصلاة والسلام مأمورين مطيعين ولذا قال: فاعبده وعطف عليه مقالة الكفار لتباين المقامين، وأما ما قيل إن التقدير هذا وقال جبريل: وما نتنزل الخ وبه يظهر حسن العطف ووجهه فلا محصل له وفي الآية وجوه أخر تركناها لعدم الحاجة إليها، والحديث المذكور رواه أبو نعيم في الدلائل وغيره وفيه تخالف، وسبب الإبطاء عنهءلمجيه أنه وعدهم بأن يخبرهم لانتظاره الوحي ولم يقل إن شاء الله وقد مر، وقوله: ودعه ربه إلى آخره كما سيأتي في سورة والضحى فإن هذا سبب نزولها أيضا، وقوله: ثم نزل أي جبريل عليه الصلاة والسلام معطوف على أبطأ وبيانه مر في النحل والكهف. قوله: (والتنزل النزول على مهل (بفتح الهاء وتسكن أي وقتا بعد وقت والتنزل مطاوع نزل يقال نزلته فتنزل، ونزل يكون بمعنى أنزل الدال على عدم التدريج ويكون بمعنى التدريج فمطاوعه كذلك أو التضعيف للتكثير وهو المناسب هنا وقد تقدم الكلام على نزل وأنزل في أول الكتاب، وقوله: مطلقا أي من غير نظر إلى تدريج وعدمه، وكونه بمعنى أنزل أي دال على عدم التدريج، وقوله: وقتا غب وقت بيان للتدريج وغب بمعنى بعد ومنه قولهم غست السلام وغمت ذا ذكره في المصباح وأهمله في القاموس. قوله: (والضمير للوحي (بقرينة الحال وسبب النزول، وقيل: إنه لجبريل عليه الصلاة والسلام، وقوله: ما بين أيدينا بإضمار قائلا ولا بد منه على الوجهين كما في الدر المصون والقائل جبريل عليه الصلاة والسلام بدليل ما بعده، وهو ما نحن فيه أي من الزمان وهو الحال وهو تفسير لما بين ذلك على أنه من عموم المجاز شامل للزمان والمكان فما بين أيديهم المستقبل وما خلفهم الماضي وأما في المكان فظاهر والأحايين جمع أحيان جمع حين فهو جمع الجمع، وقوله: من الأماكن الخ بيان للماآت كلها، ويحتمل أن يكون بيانا لما فيما نحن فيه وجمعه باعتبار تعدده وتبذله ويعلم منه بيان لما قبله وفيه تفاسير أخر كما في الكشاف وغيره، وقوله: لا تنتقل الخ يريد أنه كناية عما
ذكر
لأنه إذا أحاط ملكه وعلمه بكل شيء لا يمكن إقدامهم على ما لم يكن بأمره مما يوافق حكمه وحكمته.
قوله: (تاركا الخ (يحتمل أن يبقى النسيان على ظاهره بمعنى أنه تعالى لإحاطة علمه وملكه لا يطرأ عليه الغفلة والنسيان حتى يغفل عنك وعن الإيحاء إليك، وأن يكون مجازا عن الترك واختاره المصنف رحمه الله لأن الأول لا يجوز عليه تعالى فلا حاجة إلى نفيه عنه ولأنه هو الموافق لسبب النزول كما أشار إليه ولذا خالف الزمخشري رحمه الله في ترجيح الأول، وذلك إشارة إلى عدم النزول. قوله: (وقيل أول الآية حكاية قول المتقين الخ (القائل له اختاره ليناسب ما قبله ويظهر عطفه عليه، والتنزل هنا من النزول في المكان أي ما نحلها ونتخذها منازل كما أشار إليه بقوله: تنزل الجنة لكنه خلاف الظاهر، وأيضا مقتضاه بأمر ربنا لأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم كما في الوجه الأول غير ظاهر إلا أن يكون حكاه الله على المعنى لأن ربهم وربه واحد ولو حكاه على لفظهم لقال ربنا وإنما حكى كذلك ليجعل تمهيدا لما بعده وكذا وما كان ربك نسيا إذ لم يقل ربهم ومرضه لأنه لا يوافق سبب النزول، وأما كون الخطاب من جماعة المتقين لواحد منهم فبعيد، وقوله: ولطفه إشارة إلى أن الأمر هنا أمر تكريم ولطف، كقولك: للمسافر انزل هنا. قوله: (وما كان ربك ناسيا لأعمال العاملين (إشارة إلى أن المنفي أصل النسيان لا زيادته حتى يقتضي ثبوت أصله وإنما المبالغة باعتبار كثرة من فرض تعلقه به كما في وما ربك بظلام للعبيد في أحد الوجوه، وقوله: بيان لامتناع النسيان لأن رلث هذه المخلوقات العظيمة المدبر لأمرها والممسك لها في كل حال لا يمكن أن يجري عليه الغفلة والنسيان على ما مر في قوله: {لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض} [سورة البقرة، الآية: 255] . قوله: (وهو خبر محذوف أو بدل من ربك (في قوله: وما كان ربك نسيا وفي الكشاف بدل من ربك ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو رلث السموات والأرض) فاعبده (كقوله:
وقائله خولان فانكح فتاتهم
وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون وما كان ربك نسيا من كلام المتقين وما بعده من كلام
رب العزة انتهى وإنما لم يجز على البدل أن يكون من كلامهم لأنه لا يظهر إذ ذاك ترتب قوله:
فاعبده الخ عليه لأنه من كلام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا بلا شك وجعله جواب شرط محذوف على تقدير إذا عرفت أحوال أهل الجنة وأقوالهم فأقبل على العمل لا يلائم فصاحة التنزيل للعدول عن السبب الظاهر إلى الخفيئ كذا في الكشف ولم يذكره المصنف لما فيه من التكلف بل جعله من كلام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كما مر. قوله: (خطاب للرسول الخ (الترتب مأخوذ من الفاء، وقوله: لما الخ إشارة إلى وجه الترتب، وقوله: أو إعمال بالنصب عطف على مفعول ينساك إشارة إلى تفسيره على كونه حكاية قول المتقين، وقوله: فأقبل لم يقل فاستمر لأن الإقبال كان حاصلا قبل لئلا يتكزر مع ما بعده لأن معناه الثبات والاستمرار فلا يتوهم ما ذكر كما قيل. قوله: (وإنما محدى باللام الخ (أي والمعروف تعديته بعلى لما فيه من معنى الثبوت المتعذي بها كأنه فيل اصبر ثابتا على طريق التضمين المعروفة وجعل العبادة بمنزلة القرن إشارة إلى قوله: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد اكبر، وقيل إنه استعارة تبعية ملوحة إلى مكنية بجعل العبادة بمنزلة القرن والصبر والمداومة عليها بمنزلة الثبات له ولو كان تضمينا لم يحتج إلى أن العبادة بمنزلة القرن، رفيه نظر. قوله: (مثلا يستحق أن يسمى إلها الخ (يعني أن أصل السميئ المشارك في الاسم وذلك يقتضي المماثلة خصوصا في أسماء الأجناس فأريد بنفي السمي نفي المثل على طريق الكناية ونفي السمي حينئذ يجوز أن يراد به نفي المشاركة فما يطلق عليه مطلقا كإله لأن الكفرة وان سموا أصنامهم آلهة لكنها تسمية باطلة لا اعتداد بها وأن يراد به نفي المشاركة فيما يختص به، كالته والرحمن كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما وأشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: أو أحدا يسمى الله، وقوله: فإن المشركين الخ تعليل للأول أولهما لأن الله أصله الإله كما مر فتأمل، وقوله: لظهور أحديته الذاتية المقتضية للتفرد بأسمائه العلية وتعالى بكسر اللام اسم مصدر مضاف، وقوله: وهو تقرير للأمر أي كونه لا يفعل إلا بإذنه وأمره، وقوله:
ولا يستحق العبادة التي هي غاية الخضوع أي لا تليق بغيره المتعددة الأمثال وهذا يعلم من ذكره بعد الأمر بعبادته فلا يرد أن التفزد بالتسمية لا يدل على التفزد بالعبادة. قوله: (المراد به الجنس بأسره الخ (لما كان هذا القول لم يصدر إلا من الكفار المنكرين للبعث اختلف في
تفسيره فقيل أل فيه للعهد والمراد شخص معين وهو أبيئ بن خلف لعنه الله أو جماعة معينون وهم هؤلاء الكفرة وقيل إنها للجنس وهو حينئذ مجازا ما في الطرف بأن أطلق جنس الإنسان وأريد بعض أفراده كما يطلق الكل على أجزائه أو في الإسناد بأن يسند إلى الكل ما صدر عن البعض، كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلا والقاتل واحد منهم ولا تجوز في الطرف على هذا ولا منافاة بين كون التعريف للجنس المفيد للعموم دهارادة البعض كما توهم، دمانما الكلام في أنه هل يشترط في مثله لصحته أو لحسنه رضا الباقين به أو مطاوعتهم ومساعدتهم حتى يعد كأنه صدر منهم أم لا فإن قلنا بالأول ورد عليه الاعتراض بأن بقية الناس من المؤمنين لم يرضوه وأيضا صرح المصنف رحمه الله باشتراطه في سورة السجدة فإن لم يقل به هنا تناقض كلامه لمان وفق بينهما بعض أهل العصر بما لا طائل تحته فيحتاج إلى تكلف ما قيل إن الاستغراب مركوز في طبائع الكل قبل النظر في الدليل فالرضا حاصل بالنظر إلى الطبع والجبلة لكن كلام المصنف لا يساعده كما ستراه والحق عدم اشتراط ذلك،! انما يشترط لحسنه نكتة يقتضيها مقام الكلام حتى يعد كأنه صدر عن الجميع فقد تكون الرضا وقد تكون المظاهرة وقد تكون عدم الغوث والمدد ولذا أوجب الشرع القسامة والدية وقد تكون غير ذلك فذكر المصنف رحمه الله وجها في محل لا يقتضي تعينه فكأق النكتة هنا أنه لما وقع بينهم إعلان قول لا ينبغي أن يقال مثله، هاذا قيل لا ينبغي أن يترك قائله بدون منع أو قتل جعل ذلك بمنزلة الرضا حثا لهم على إنكاره قولا وفعلا فتأمل، واعلم أن ما ذكر لا يختصى بالنسبة الإسنادية بل يجري في الإضافة كقوله:
فسيف بني عبس وقد ضربوا به
كما في الكشاف، وقوله: على الخبر المراد به ما يقابل الإنشاء الذي منه الاستفهام ولبعض الناس هنا كلام مختل لا حاجة إلى إيراده، وقيل إن المراد بكونه على الخبر بحسب الظاهر! الا فالهمزة مقدرة فيه وليس بمتعين كما ذكره المعرب، وقوله: من الأرض فالخروج حقيقي أو من حال الموت فهو مجاز عن الانتقال من حال إلى أخرى. قوله: الأن المنكر كون ما بعد الموت وتت الحياة الخ (يعني أن تقديم الظرف لأن الإخراج إلى الحياة ليس بمنكر مطلقا وإنما المنكر كونه بعد الموت فقدم الظرف لأنه محل الإنكار والأصل في المنكر أن يلي الهمزة ويحتمل أنه أريد إنكار وقته بعينه مبالغة لأنه يفيد إنكاره بطريق برهاني كما ذكره الطيبي ولما كان وقت إخراجه وخروج الروح ليس وقت إخراجه حيا بل بعده بزمان طويل قال الرضي: إن فيه معطوفا محذوفا لقيام القرينة عليه والمعنى أئذا ما مت وصرت رميما أبعث أي مع اجتماع الأمرين كقوله: أئذا متنا وكنا عظاما ما ورفاتا نبعث خلقا جديدا فمن قال إنه لا حاجة إليه لم يصب، اللهم إلا أن يراد بحال الموت زمان ممتذ إلى أول زهوق الروح كما هو
المتبادر منه وربما يكون في كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه، أو يقال: إنهم إذا أحالوه في تلك الحال علم إحالته إذا كانوا رفاتا بالطريق الأولى، وفي ثلام الفاضل المحشي هنا شيء فتأمل. قوله: (وانتصابه بفعل دل عليه أخرج (سواء كان من لفظه أو معناه كأبعث ونحوه وعد المانع اللام وحدها دون سوف لأنها لا تمنع على الصحيح خلافا لابن عطية، قيل: إن الرضي ذكر أن كلمة الشرط تدل على لزوم الجزاء والشرط ولتحصيل هذا الغرض عمل في إذا جزاؤه مع كونه بعد حرف لا يعمل ما بعده فيما قبله كالفاء في فسبح دمان في قولك إذا جئتني فإني مكرم ولام الابتداء في قوله: أئذا ما مت لسوف أخرج حيا انتهى، فإن قلت هذا مبناه على أن العامل الجواب، والجمهور على أنه الشرط كما في المغني قلت: ذاك في إذ الشرطية وهذه ظرفية انتهى، ولا يخفى أن كلام الرضي ليس بمتفق عليه كما في كتب العربية، وأما ما ذكره من السؤال والجواب فإنه لا يصح أن يكون على كلام الرضي فإنه مخالف لصريح
كلامه من جعلها شرطية، ولا من قبل المصنف رحمه الله فإنه لا يعارض كلام الرضي فلا حاجة لإيراده برقته وسياقه يأباه فتدبر. قوله: (وهي ههنا مخلصة الخ (هذا بناء على أن اللام إذا دخلت على المضارع خلصته للحال، وهو قول للنحاة: ومن قال! إنها لا تخلصه يحتج بمثل هذه الآية ولا يحتاج إلى دعوى تجريدها للتوكيد، وقوله: كما خلصت بصيغة المجهول، وهذا أيضا بناء على أن أصله الإله وأل فيه للتعريف والتعويض عن الهمزة المحذوفة فإذا اجتمعت مع حرف النداء جعلت لمحض التعويض لئلا يجتمع تعريفان وهذا أحد الأقوال المشهورة فيه أيضا ولذا قطعت همزته، وقوله: فساغ الخ تعليل لما نحن فيه. قوله: (مع أن الأصل أن تتقدمهما الخ (تبع في هذا الزمخشري حيث قال: ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف يعني أيقول ذاك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر الأخرى، فإن تلك أعجب وأغرب الخ، وهو مخالف للمذهبين في مثله بحسب ألظاهر من أنها مقدمة من تأخير فأصله وألا يذكر الخ أو داخلة على مقدر، وأصله أيقول كذا ولا الخ وأما كونها مؤخرة من تقديم فلم يقله أحد مع أنه قيل عليه إن الهمزة ليست من المعطوف لتقدمها عليه ولا من المعطوف عليه لتأخرها عنه، وكيف يدخل الإنكار على يقول مع تأخر الهمزة عنه وفيه إبطال صدارتها فالأولى أن يقال لا يذكر معطوف على يقرل مقدرا بعد الهمزة لدلالة الأول عليه فيرتفع الإشكال، وقيل: لا يخلو إما أن يعطف لا يذكر على يقول المذكور أو على المقدر، فعلى الأول لا يستقيم تقديره المعنى بقوله: أيقول ذاك ولا يذكر لأن التقدير حينئذ وألا يذكر وعلى الثاني لا يصح قوله:
ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف، قيل ويمكن أن يجاب باختيار الأول وقوله: أيقول ذاك ولا يذكر بيان لمحصل المعنى لا لتقدير اللفظ وذلك لأن الهمزة أفادت إنكار الجمع لدخولها على الواو المفيدة له وكأنه قيل: الجمع بين القول وعدم التذكر منكر فصح قوله: أيقول ذاك ولا يذكر وأما السؤال ببطلان صدارة الهمزة فلا وجه له لما ثبت من التوسع فيها خاصة اهـ) أقول (في هذا كله تكلف ما لا حاجة إليه مع خروجه كله عن القانون النحوي، أما الأول فلأن كلامهم غير محتاج لما ذكروه كما ستسمعه عن كتب، وأما الثاني فلمخالفته لما ذهب إليه النحاة من المذهبين لأنه لم يقل أحد أنها مؤخرة من تقديم وأيضا صدارتها إنما هي بالنسبة إلى جملتها بالاتفاق وتقدمها على الواو أتنم فيها كما صرح به في المغني فلا حاجة إلى التوسع المذكور كما أنه لا حاجة إلى ما قيل إن وجوب التصدير إنما هو إذا بقيت على معناها الأصليئ الاستفهامي أما إذا تولد منها معنى آخر كالإنكار والتوبيخ فلا يبقى وجوب التصدير، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى: مع أن الأصل الخ إذا عرفت هذا فمعنى كلام الشيخين هنا وهو بيان لمعنى النظم مبنيئ على القول بعدم التقدير د! انه لم أدخل حرف الإنكار على العاطف فتوسط في الكلام مع أن القول المذكور منكر كعدم التذكر فأجابوا بأنه لمان كان أصل المعنى المراد منه هذا ومقتضاه أن يقال أيقول: أئذا الخ إلا أنه عدل عنه للدلالة على أن المنكر بالذات عدم التذكر، والقول إنما نشأ منه، فلا وجه لما قاله المحشي فإنه لو تأمل لم يقله. قوله: (بل كان عدما صرفا الخ (بناء على أن الشيء يختص بالموجود وقد تقدم تفصيله، وقوله: فإنه أي الخلق المفهوم من خلقنا لمانما كان أعجب لأنه لم يسبق له مثال يحذي حذوه ولم تجمع له مادة قبل حتى يعاد على أحد المذهبين المعروفين في المعاد كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله: على الأصل أي بدون إدغام فإنه خلافه، والتفخيم لشأنه صلى الله عليه وسلم من الإضافة فإنها للتعظيم كبيت الله، وقوله: لما روي الخ تأييد للمعية للتصريح بها في الحديث، وقوله: مخصوصا بهم أي بالكفرة، وقوله: ساغ بالغين المعجمة أي جاز ونسبته
إلى الجنس بأسره نسبة مجازية كما مر، وقوله: فإنهم بيان لوجه التجوز فيه، وقوله: فقد حشروا جميعا معهم فجاز نسبته مجازا لهم، وقوله: ليرى بيان لحكمة حشرهم معهم، والغبطة هنا حسن الحال والمسرة وقوله: وشماتتهم عليهم كان الظاهر أن يقول بهم فكأنه علقه بمقدر أي مغتاظين عليهم، وقوله: يدهمهم
بالدال المهملة أي يفجؤهم وهذا بناء على العموم في الإنسان فالمؤمن يجثو إذا قرب منها والكفار مستمرون على الجثيئ لعدم استطاعة القيام فلا ينافي جمع ضمير نحشرهم أن يراد بالإنسان واحد كما تقدم والعذة بضم العين المهملة ما يعد لما بعده. قوله: (أو لأنه من توابع التواقف (أي من لرازمه والتواقف تفاعل من الوقوف، والتقاول تفاعل من القول، والمفاعلة فيه حفيقة بخلاف أخواته فإنها فيها للمشاكلة يعني أن الجثيئ وهو جلوس المستوفز على ركبه شأن من يجيء لمجلس لغو في حساب أمر، وقوله: قبل التواصل الخ أي قبل الوصول إلى جزاء ما حوسب به، وهذا عام لجميع أهل الموقف كما في الآية المذكورة على أحد تفسيريها لا خاص كما قيل، وإنما الفرق أن المؤمنين يقومون بعد تلك الحالة والكفار يجثون على هيآتهم الأولى فليس في تقريره سوء ترتيب، وقوله: على المعتاد أي في الحساب حال من ضمير جاثون أو متعلق به، وقوله: وإن كان الظاهر الفاء لأنه لف ونشر، وقوله: فلعلهم عبر به لأنه من المغيبات وقوله يتجاثرن أي للهول كما مز. قوله: أعلى أن جثيا حال مقدرة (بخلافه على ما قبله لأن قوله لنحضرنهم حول جهنم جثيا يقتضي أن يكونوا في الإحضار وهو أمر ممتذ كذلك من أوله إلى آخره وهو إنما يصح في الأشقياء لأنهم يسحبون كذلك، فإن أريد العموم لا يكون كذلك لأن منهم السعداء وهم يمشون على أقدامهم فإذا وصلوا إلى شاطىء النار تجاثوا، فإن قلت جثيا حال مقدرة بالنسبة إلى السعداء وغير مقدرة بالنسبة إلى الأشقياء فكيف يصح التقدير وعدمه في حالة واحدة قلت إذا أريد بالجثيئ الجثيئ حول جهنم فهي مقدرة بالنسبة إلى الكل، ويمكن أن يكون من إسناد ما للبعض إلى الكل كما مر، وكل منهما مجاز فتأئل، والقراءة بكسر الجيم للاتباع قرأ حمزة والكسائيئ وحفص جثيا بكسر الجيم اتباعا والباقون بالضم ووقع في النسخ هنا تحريف. قوله: (من كل أمة شايعت دينا (أي تبعت دينا من الأديان وفي نسخة رئيسا فيكون تفسيرا للأشد عتيا مقدما عليه كما سيأتي والأولى هي المشهورة، وهذا بناء على إبقاء الشيعة على معناها المتبادر منها وهي الفرقة
والفئة مطلقا فتشمل المؤمنين كما أشار إليه بقوله: ولو خص الخ وبقوله تنبيه، ولم يفسره بما في الكشاف بطائفة تبعت غاويا من الغواة لأن المقام يقتضي التخصيص وإن كان عافا للاتباع بحسب الوضع لكنه أورد عليه أن قوله: أشد عتيا يقتضي اشتراكهم في المعنى بل في أشديته وهو لا يناسب المؤمنين، وأجيب عنه بأنه يكتفي بالتقدير أو يجعل من نسبة ما للبعض إلى الكل وهذا أظهر ولا بعد فيه من جهة العربية لأن التفضيل على طائفة لا يقتضي مشاركة كل فرد فرد كما إذا قلت هو أشجع العرب لا يلزمه وجود الشجاعة في جميع أفرادهم وقوله أعصى إشارة إلى أن العتؤ على هذا بمعنى العصيان لأنه كما فسره الراغب النبؤ عن الطاعة، وبه يهون ما مر ووجه التنبيه على هذا أنه خص العذاب بالأشد معصية ففيه إيماء إلى التجاوز عن كثير منهم فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة له عليه، وقوله: ويطرحهم أو يدخل فيه إشارة إلى أق في النظم حذفا دمايجازا وكثيرا منصوب على نزع الخافض وهو عن لا اللام، وقوله: طبقاتها وفي نسخة طبقتها أي النار. قوله: (وأيهم مبنتي على الضم عند سيبويه (أي المشددة تكون موصولة واستفهامية وشرطية واختلف فيها وفي إعرابها هنا فذهب سيبويه إلى أنها موصولة وكان حقها أن تبنى كسائر الموصولات لشبهها بالحرف بافتقارها لما بعدها من الصلة لكنها لما لزمت الإضافة إلى المفرد لفظا نحو أيهم أو تقديرا نحو أيا وهي من خواص الأسماء بعد الشبه فرجعت إلى الأصل في الأسماء وهو الإعراب ولأنها إذا أضيفت إلى نكرة كانت بمعنى كل نحو أفي رجل وإذا أضيفت إلى معرفة كانت بمعنى بعض نحو أفي الرجلين كما ذكره النحاة فحملت في الإعراب على ما هي بمعناه كما ذكره المصنف رحمه الله لكنها إذا حذف صدر صلتها عنده ازداد نقصها المعنوي وهو الإبهام والافتقار للصلة بنقص الصلة التي هي كجزئها فقوي مشابهتها للحرف فعادت إلى ما هو حق الموصول وهو البناء فهي على هذا منصوبة محلا والجملة بعدها المحذوفة المبتدأ لا محل لها من الإعراب والقراءة بالنصب عن طلحة بن مصرف تقتضي أنها مفعول ننزعن، وقد خطئ في هذا بأنه لم يسمع
مثله وبأنه يقول بإعرابها إذا أفردت عن الإضافة فكيف إذا أضيفت كما في المغني وهو مفصل في محله ومرفوع معطوف على قوله: منصوب المحل. قوله: (والجملة محكية (أي بالقول الذي هو صلة الموصول المحذوف الذي هو مفعول لننزعن، وأفي استفهامية لا موصولة كما بينه وهذا قول الخليل رحمه الله ولما كان لا معنى لجعل النزع لمن يسأل عنه بهذا الاستفهام أوله بعضهم بأنه مجاز عن تقارب أحوالهم وتشابهها في العتو حتى يستحق أن يسأل عنها أو المراد الذين يجاب بهم عن هذا السؤال وهو مع تكلفه فيه حذف الموصول مع بعض الصلة وهو تكلف على تكلف
ومثله لا ينقاس، وقوله: أو معلق عنها فالجملة في محل نصب والمعنى لننزعن جواب من يسثل عنه بهذا، ولما كان التعليق عند الجمهور يختص بأفعال القلوب أجاب عنه بأن نزع شيء عن شيء يقتضي إفرازه وتمييزه عنه وهو سبب للعلم به فهو لتضمنه معنى يلزمه العلم عومل معاملته، والأولى أن يقال: إنه مستلزم لعلم من يراهم بذلك ومن لا يرى التعليق مختصا بأفعال القلوب كيونس لا يحتاج إلى التأويل. قوله: (أو مستأئفة) أي استئنافا نحويا أو بيانيا إن كانت أي موصولة كأنه قيل من المنزوعون فقيل: هم الذين هم أشد، وأما إذا كانت استفهامية فالظاهر الأول، ويجوز الثاني على التأويل السابق، وجعل من زائدة على مذهب الأخفش الذي يجوز زيادتها في الإثبات وكونها مفعولا لتأويلها باسم وهو بعض قيل: وهو على تقدير تخصيصه بالكفرة وفيه نظر. قوله: (وأما بشيعة (معطوف على قوله: بالابتداء وهذا منقول عن المبرد في الإعراب، فمن قال إنه لم يقله غير المصنف لم يصب قال أبو البقاء: يعني أن أيهم فاعل لما تضمنه شيعة من معنى الفعل والتقدير لننزعن من كل فريق يشيع أيهم أشد وأفي موصولة بمعنى الذي فتأمل وقيل: أفي هنا شرطية. قوله: (وعلى للبيان الخ (يعني أن الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف أو بمصدر مبين لأن المعنى على من والصليئ بماذا كما في سقيا له ورعيا له كأنه قيل على من عتوا فقال: عتوا على الرحمن وبماذا يصلون فقيل: يصلون بالنار لا بالمصدر المذكور لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه، فمن جوزه مطلقا أو في الجار والمجرور للتوسع فيه جوزه هنا، وكذا من قال: إن عتيا وصليا جمع عات وصال وهو منصوب على الحالية. قوله: النحن أعلم بالذين أولى بالصلتي الخ (قيل: هذا على كون صليا تمييزا عن النسبة بين أولى والمجرور ما بعده على أنه تمييز عن النسبة التي بين المبتدأ والخبر، وقيل: إن الأول على تقدير كونه للبيان، وما بعده على تعلقه بأفعل فتأمل وقوله: وقرأ حمزة الخ وقع في بعض النسخ وقد قرؤوا به في جثيا كما مر، وهو اتباع وكذا في عتيا فالأولى ذكره أيضا، وقوله: ويجوز كان المراد أولا الفرق بأجمعها. قوله: (التفات (أي من الغيبة للحضور
وهو جار على التفسيرين في الإنسان بالعموم والخصوص وعلى الثاني الورود بين ويجوز أن يكون خطابأ للناس دون التفات لما مر كما في الكشاف، وقوله: إلا وأصلها الخ يعني أن المراد بالورود إنا دخولهم في حقيقتها لكنها لا تحرقهم بل تصير عليهم بردا وسلاما كنار إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما ورد في الحديث وعليه كثير من سلف المفسرين وأهل السنة أو المراد به الجواز على الصراط أو القرب منها أو الجثو حولها ورجحه الشيخان كغيرهم لأنه يلائم قوله: ثم ننجي الذين الخ لأن الظاهر منه أنه تفصيل وتفريق بعدما اشتركوا فيه ويقدر فيه مضاف أيضا أي ونذر الظالمين فيما حولها بقرينة قوله: لنحضرنهم حول جهنم والمراد المرور على الصراط بعده، وأما على التفسير الأول فيحتاج إلى تأويله فتأمله وقوله: خامدة بالخاء المعجمة والجيم والأول أولى أي ساكنة، وتنهار أي تسقط وتقع والمراد أنها تحرقهم وتشعل كما يقال: وقع في البلد حريق وقوله: واجبا أي كالواجب في تحتم وقوعه والمقصود المبالغة إذ لا يجب على الله شيء عند أهل السنة هاليه أشار بقوله: وقضى الخ وهو تفسير مقضيا كما أن ما قبله تفسير حتما. قوله: (وقيل أقسم عليه (أي معنى كان حتما مقضيا كان قسما لازما والمقصود منه إنشاء القسم وقد يقال: إن على ربك لمقصود منه اليمين كما تقول لئه عليئ كذا إذ لا معنى له إلا تأكد اللزوم والقسم لا يذكر إلا لمثله وعلى ورد في كلامهم كثيرا للقسم كقوله:
عليئ إذا ما جئت ليلى أزورها زيارة بيت الله رجلان حافيا
…
فإن صيغة النذر قد يراد بها اليمين كما صرحوا به، أو المراد بهذه الجملة القسم كقولهم: عزمت عليك إلا فعلت كذا، وورد في الحديث لا يموت لأحدكم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم فقال أبو عبيد وتبعه جماعة من المفسرين: إن المراد بالقسم في الحديث قوله: (وإن منكم إلا واردها، الآية واعترضه الأزهرفي في التهذيب بأنه لا قسم فيها فكيف يكون له تحلة، وقيل: إن أصل معناه ولكن لما كان ما يتحلل به يكون أمرا قليلا إن أريد به إيقاع شيء من المحلوف عليه كتر قسمه أو ذكر ما يمنعه من الحنث وهو قوله: إن شاء
الله فعبر به عن القلة، كقول كعب:
وقعهق الأرض تحليل
قال ابن هشام في شرح بانت سعاد اللهم إلا أن يقال إن قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} [سورة مريم، الآية: 171] معطوف على ما أجيب به القسم في قوله: فوربك لنحشرنهم الخ وهذا مراد من قال: إن الواو للقسم وفيه بعد وقال السبكيئ: هذا عجيب فإن القسم مقدر في قوله: دمان منكم، ويدل عليه شيآن أحدهما قوله: كان على ربك حتما مقضيا قال الحسن وقتادة قسما واجبا، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه، والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم منه القسم كما مر في الحديث، ولك أن تقول إنه لا تقدير فيه والمعنى ما قررناه كما مر، أو يقال: الجملة معطوفة على جواب القسم أو حال، وحديث البعد غير مسموع لعدم تخلل الفاصل. قوله: (وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو الخ (وجه الدلالة أنه لما ذكر أن الجميع واردون لها ثم قسمهم إلى ناج هالى متروك على حالة في الجثي علم أن مقابله جاث لكنه غير متروك على جثيه فجاء ما ذكر، وهو ظاهر والدليل هو قوله: ونذر الظالمين الخ، وقد بين أيضا بأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد نجاتهم وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين، والتركيب يدل على إنجاء المتقين من الورطة التي يبقى الظالمون فيها للتقابل بينهما فدل على أن تلك الورطة هي الجثؤ حولها وأنهما يشتركان فيها وقد كانا اشتركا في الورود فدل هذا على أن المراد بالورود هو الجثيئ وهذا إنما يتأتى بتقدير مضاف في قوله: فيها أي في حواليها بقرينة الجثؤ كما أشار إليه المصنف رحمه الله فمن قال: إنه لا يجري في كلام المصنف رحمه الله لم يصب لكنه قيل عليه إن الجثو إنما يصلح قرينة إن ثبت أنه لا جثؤ في النار وهو غير مسلم وأيد بأن الظالمين لا يتركون حولها بل يدخلون النار، ورد بأق الجثو حول جهنم علم من الآية السابقة فرد هذا إليها والتفصيل بالمعلوم أولى، وليس المراد بالدلالة الدلالة القطعية حتى يخل بها الاحتمال، وقوله: لا يتركون الخ لا دليل فيه، ولا يخفى أن ما اذعاه من الأولوية الظاهر خلافه لأن جثيا نكرة أعيدت فالظاهر أنها غير الأولى لا سيما وقد وقعت فاصلة، وهي كالقافية لا يحسن تكرارها مع ما فيها من التقدير المخالف للظاهر فتأمل. قوله: (أو ببيان الرسول الخ (أو هنا لمنع الجمع لأن ما هو بين اللفظ والمعنى بنفسه لا يكون مبنيا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، كالمجمل ونحوه لا سيما ومبينة على الأول بمعنى متبينة بصيغة اسم الفاعل وهذا بمعنى مبينة بصيغة اسم المفعولى فلا حاجة إلى القول بأنها لمنع الخلو حتى يقال: إن فيه تغليبا إذا أريد بالآيات جميعها ليخرج المتشابهات، وقوله: واضحات الإعجاز فهو من بأن بمعنى ظهر،
كالأول فلو قدمه كان أظهر وعلى هذا فالإسناد لها مجاز أو بتقدير مضات، وقوله: لأجلهم فاللام للتعليل وقوله أو معهم فاللام صلة القول كقلت له كذا إذا خاطبته به وما وقع في بعض النسخ منهم تحريف. قوله: (موضع قيام أو مكانا) كان الظاهر أي مكانا لأن أصل معناه الأول ثم استعمل لمطلق المكان كما في الكشاف وما قيل إن أو للتخيير في التعبير والتفسير لا يجدي لأنهما ليسا مترادفين فالظاهر أنه أراد أن المقام محل القيام فإن كان القيام بمعنى المعاش كما ذكره الراغب في قوله: قياما للناس فهو على ظاهره، وإن كان مقابل القعود فهو خاص أريد به عام ففيه زيادة على ما في الكشاف وهو على الأول بمعنى المنزل فتتوافق القراءتان ولا يتكزر مع قوله نديا، ولذا قدمه والندي كالنادي مجتمع لندوة القوم ومحادثتهم، ومنزل إن كان بضم الميم بمعنى النزول فهو عطف على إقامة وإن كان بفتحها فهو عطف على موضع وكان الظاهر نصبه حينئذ. قوله: (والمعنى الخ (ناظر إلى ما مر
في تفسير بينات، وعلمهم معطوف على الحال، وبظاهر متعلق به لا بقصور حتى يكون الظاهر إبدال الباء بعلى كما قيل، وقوله: أيضا أي كما رد عليهم إنكار الحشر بقوله: أو لا يذكر الخ والتهديد بما فيه من الإشارة لإهلاكهم والنقض هنا لما استدلوا به من حسن حالهم في الدنيا على حسن حالهم في الآخرة لتخلفه فيمن قبلهم من القرون وهو نقض إجماليئ كما فصل وبين في آداب البحث، أو هو بمعناه اللغوي وهو الإبطال وكم خبرية أو استفهامية، وهي على كل حال لها الصدر فلذا قدمت، والقرن أهل كل عصر وقد اختلف في مذته وهو من قرن الحيوان سمي به لتقدمه كما أشار إليه، ومنه قرن الشمس لأول ما يطلع منها. قوله: (وهم أحسن صفة لكم (بناء على أنه يجوز وصفها كما ذكره الزمخشري وتبعه أبو البقاء ورذه أبو حيان بأن النحاة صرحوا بأن كم سواء كانت خبرية أو استفهامية لا توصف ولا يوصف بها، كالضمير وجعله صفة قرن ولا يرد عليه كم من رجل قام وكم من قرية هلكت بناء على أن الجاز والمجرور يتعين تعلقه بمحذوف هو صفة لكم كما ادعى بعضهم أن الرضي أشار إليه لأنه يجوز في الجاز والمجرور أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف والجملة مفسرة لا محل لها، فما ادعاه غير مسلم عندهم، والخرثي بضم الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة وثاء مثلثة ومثناة تحتية مارت أي قدم وبلي، وقيل: ما لبس،
وقيل: أردأ المتاع. قوله: (والزي المنظر فعل من الرؤية الخ (يعني أنه على هذا فعل بمعنى مفعول، وأما على القراءة الأخرى فيحتمل أنه منه أيضا لكن أبدلت همزته ياء وأدغمت، ويحتمل أنه لا إبدال فيه وأنه من روي بالماء يروى ريا ضد عطش ولما كان الرقي به النضارة والحسن استعمل فيه كما يقال: هو ريان من النعيم كما قلت:
ريان من ماء النعب! م يلفه ورق الشباب
وقوله: أو على أنه من الرقي إن كان بفتح الراء فهو ظاهر لأن الري اسم مأخوذ من ذلك المصدر وإن كان بالكسر كما ضبط بالقلم في أكثرها فهو مصدر، والنعمة بفتح النون ويجوز كسرها التنعم والترفه، فأتى بمن الابتدائية المقتضية لتغايرهما كما في الكشاف مع اتحادهما لفظا ومعنى لأن مدخول من معناه الحقيقي هو الترفه والمراد به على طريق المجاز أو الكناية المنظر الجميل والهيئة الحسنة فما قيل إنه نظر إلى المغايرة باعتبار كونه مذكورا في النظم ومنقولا عن أهل اللغة أو إلى أن الثاني مصدر وما في النظم اسم فإنه كذلك في القاموس وهذا أولى تكلف بارد، وقوله: على القلب أي القلب المكاني بتقديم اللام على العين فوزنه فلع كما يقال: في رأي راء. قوله: (كالطحن (بكسر الطاء وسكون الحاء المهملتين ونون الحب المطحون، والخبر بكسر الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وراء مهملة من خبر الأرض إذا زرعها وهو مصدر بمعنى المزارعة وبمعنى ما يزارع عليه أو اسم كالطحن كما ذكره ابن السيد في مثلثاته. قوله: (وقرئ ريا بحذت الهمزة (والقصر وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، وقد قرئ أيضا بالمذ ومعناها مرا آة بعضهم بعضا كما في الدر المصون، وأما هذه القراءة فقد خرجت على وجهين أحدهما أن يكون أصلها ريا بتشديد الياء فخففت بحذف إحدى الياءين وهي الثانية لأنها التي حصل بها الثقل ولأن الآخر محل التغيير، والثاني أن يكون أصلها ريئا بياء ساكنة بعدها همزة فنقلت حركة الهمزة إلى الياء ثم حذفت على القاعدة المعروفة. قوله: (وزيا من الزي الخ (الزفي الثاني بالفتح مصدر زواه بمعنى جمعه لأن الزي بمعنى الهيئة ويكون بمعنى الأثاث أيضا كما ذكره المبرد في قول الثقفي:
أشاقتك الظعائن يوم بانوا بذي الزفي الجميل من الأثاث
…
وهو واوي لا يائي، كما في القاموس وقوله: فإنه أي الزفي بالكسر. توله:) ثم بين الخ (
أي بين بعد النقض والجواب عما تمسكوا به، وإنما العيار هو من قولهم: عايرت بين المكيال والميزان إذا امتحنته، وعذاه بعلى لتضمنه معنى الدلالة، والفضل هنا بمعنى الزيادة ولذا قابله
بالنقص. قوله: (فيمده يمهله بطول العمر (إشارة إلى أن معنى المد وهو تطويل الحبل ونحوه أريد به تطويل العمر، وقوله: دمانما أخرجه الخ إشارة إلى أن صيغة الأمر مستعارة للخبر كما يستعار الخبر للأمر وقد أشار إليه بقوله: أولا فيمده لأنه لكونه كائنا لا محالة كالمأمور به الممتئل لتنقطع أعذارهم وتقوم عليهم الحجة، كما في الآيتين المذكورتين أو هو
دعاء بامهالهم وتنفيس مدة حياتهم كما في الكشاف. قوله: (فاية المذ (فيه تسمح لأن الغاية إما مجموع الشرط وجوابه إن قلنا إن المجموع هو الكلام أو مفهوم الجواب إن قلنا إنه هو الكلام والشرط قيد له، وعلى القول الثاني فما بينهما اعتراض، ومرضه لبعده وصاحب الكشاف اختار هذا وقدمه. قوله: (تفصيل للموعود (التفصيل مستفاد من أما كما ذكره النحاة ولا كلام فيه دىانما الكلام في قوله: يوم القيامة، فإن قيل إن المذ والقول ينقطعان حين الموت وعند معاينة العذاب ولذلك يؤمن عنده كل كافر فالمراد بالساعة ما يشمله، ومن مات فقد قاصت قيامته، ولا يخفى أن ما ذكره من التأويل لتتصل الغاية بالمغيي لا يناسب ما في النظم لأن الساعة لا تطلق عليه كيوم القيامة وأمر الفاصل سهل لأن أمور هذه الدار لزوالها لا تعد فاصلة لتقضيها، ألا ترى قوله تعالى: إ أفرقوا فأدخلوا نارا، والمناسب وعيدهم بما يشاهدونه في الدارين لأنه الدال على الخزي. قوله: (والجملة محكية بعد حتى (فهي مستأنفة وحتى ليست جارة ولا عاطفة وهكذا هي حيث دخلت على إذا الشرطية عند الجمهور وهي منصوبة بالشرط أو الجزاء على الخلاف المشهور، وذهب ابن مالك إلى أنها جازة كما في المغني، وقوله: محكية إشارة إلى أنها غاية للقول بأحد القولين، فهو جار عليهما فليس هذا على أنه غاية للمد نعم ما بعده صريح فيه. قوله: (أي فئة وأنصارا الخ (وجه التقابل فيه ظاهر فالمراد بالندفي من فيه كما يقال: المجلس العالي للتعظيم فلذا عبر به وبالمقام ثمة، وعبر هنا بالمكان والجند إشارة إلى أن الأول فيه مسرة وحبور بخلاف هذا فإنه مكان شر ومحاربة فتأمل. قوله: (عطف على الشرطية المحكية بعد القول الخ (في هذه الجملة وجوه فقيل إنها مستأنفة لا محل لها، وقيل إنها
معطوفة على جواب من وهو قوله: فليمدد الخ، واختاره في الكشاف واعترض بأنه غير مناسب معنى إذ لا يتجه أن يقال: من كان في الضلالة يزيد الله الذين اهتدوا هدى ولا إعرابا سواء كان دعاء أو خبرا في صورة الأمر لأنه في موضع الخبر إن كانت موصولة وفي موضع الجزاء إن كانت شرطية فهو في حكم الجزاء وعلى كلا التقديرين فهي خالية من ضمير يربط الخبر بالمبتدأ والجواب بالشرط، وأجيب بأن المعنى من كان في الضلالة زيد في ضلالته وزيد في هداية أعدائه لأنه مما يغبطه، ومن شرطية لا موصولة واشتراط ضمير يعود من الجزاء على اسم الشرط غير الظرفيئ ممنوع فإنه غير متفق عليه عند النحاة كما في الدر المصون مع أنه مقدر كما سمعته، وفي كلام المصنف إشارة إليه لكنه لما كان لا يخلو من تكلف لم يختره، والثالث ما اختاره المصنف وهو أنه عطف! لى مجموع الجملة الشرطية ليتم التقابل فإنه! أمر أن يجيبهم فليؤت بذكر القسمين أصالة كما في الأول وهذا أولى كما في الكشف. قوله: (أراد أن يبين الخ (إرادة الخير والتعويض من قوله: والباقيات الصالحات الخ فهذا بدل عن قصور حظوظه الدنيوية التي كانت لغيره للاستدراج وقطع المعاذير، وقوله: وقيل قد علمت وجه تمريضه وقوله: كأنه قيل الخ فلا يلزم عطف الخبر على الإنشاء ولا عدم الربط المعنوي واللفظي كما مر، وأنه وضع فيه الظاهر موضع الضمير. قوله: (الطاعات التي تبقى عائدتها (أي فائدتها فبقاؤها ببقاء ثوابها وقوله ويدخل إشارة إلى أن المراد بها ما ذكر وأن ما وتع في بعض التفاسير المأثورة من تفسيرها بما ذكر على سبيل التمئيل لا التخصيص والحصر. قوله: (المخدجة (أي الناقصة وقوله: سيما بحذف لا كما أجازه الرضيئ وقال أبو حيان: إنه لم يسمع في كلام العرب، وقوله: كما أشار إليه الخ لأن المرد بمعنى ما يرد إليه والمراد به العاقبة وهي بمعنى المآل وقيل إنها بمعنى النفعة من قولهم: ليس لهذا الأمر مرد وهو قريب منه. قوله: (والخير ههنا إما لمجرد الزيادة الخ (جواب عما قيل كيف فضلوا عليهم في خيرية الثواب والعاقبة والتفضيل يقتضي المشاركة فيهما وهم لا ثواب لهم وعاقبتهم لا خير فيها وهو ظاهر، وقوله: هاهنا أي في هذه الآية في المحلين كما صرح به بعض أرباب الحواشي لا في قوله: خير مردا فقط لأنه لما فسر الثواب بالعائدة الشاملة للعائدة الدنيوية لا بالثواب المتعارف لم يحتج إلى تأويل الخيرية فيه كما قيل: وتأويلها سترى تفصيله فأجاب أولا بأن المقصود مجرد
الزيادة بقطع النظر عن مفضل عليه مخصوص يشاركه في ذلك وتحقيقه كما ذكره بعض علماء العربية أن لا فعل أربع حالات، إحداها وهي الأصل أن يدل على ثلاثة أمور اتصاف من هوله بالحدث الذي اشتق منه وبهذا كان وصفا ومشاركة مصحوبة في تلك الصفة ومزية موصوفة على مصحوبه فيها وبالأخيرين فارق غيره من الصفات، والثانية: أن يخلع عنه ما امتاز به عن الصفات ويتجزد للمعنى الوصفي، والثالثة: أن تبقى عليه معانيه، الثلاثة: ولكن يخلع عنه المعنى الثاني ويخلقه قيد آخر فإن الاشتراك مقيد بتلك الصفة التي هي المعنى الأول فيصير مقيدا بالثالث وهو الزيادة لكن لا في المشتق منه كقولهم: العسل أحلى من الخل فإن للعسل زيادة في حلاوته وهي أكثر من زيادة الخل في حموضته، قال ابن هشام في شرح التسهيل وهو بديع جدا، والرابعة: أن يخلع عنه المعنى الثاني وهو المشاركة وقيد المعنى الثالث وهو كون الزيادة على مصاحبه فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى الزيادة مطلقا لا مقيدة، وذلك نحو يوسف أحسن إخوته اهـ. وهذا الأخير هو الذي أراده المصنف رحمه الله بجوابه الأول فالمعنى أن ثوابهم ومرذهم متصف بالزيادة في الخيرية على من اتصف بها بقطع النظر عن هؤلاء المفتخرين بدنياهم فلا يلزم مشاركتهم في الخيرية حتى يرد السؤال. قوله: (أو على طريقة قولهم الصيف أحر من الشتاء أي أبلغ في حزه منه في برده (ثم اختصر وعبر عنه بذلك على طريقة إيجاز الحذف كما في التبيان، وقد أتى في الكشاف هنا بسؤالين جعلهما المصنف شيئا واحدا، وذلك أنه قال إنه لا ثواب لمفاخرتهم حتى يجعل ثواب الصالحات خيرا منه وأجاب بأنه جعل النار ثوابا تهكما كقوله:
تحية بينهم ضرب وجيع
ثم بني عليه خير ثوابا وهو أغيظ للمتهذد من أن يقال له عقابك النار، ثم سأل عن وجه التفضيل وأجاب بأنه من وجيز كلامهم كالصيف أحز من الشتاء، وحاصله كما قاله الفاضل اليمني إنه سأل عن الاشتراك في الثواب وأجاب بأنه من التهكم فتبين به وجهه، ثم سأل عن وجه التفضيل وأجاب بوجه غير ما لزم من كلامه أولا أي ثواب المؤمنين أبلغ في بابه من عقابهم فلا تكرار ولا استدراك، وفي الفرائد هذا بعيد عن الطبع والاستعمال وليس في كلامهم ما يشهد له وإنما المراد أن خيرية الأعمال في الآخرة خير لهم مما حصل لهم بزعمهم في الدنيا، وفي التقريب الاعتراض بأن كون ثوابهم في بابه أبلغ من عقابهم في بابه غير محقق ولا مناسب للتهديد فالأولى حمله على التهكم، ورد إنكاره له بأن الزجاج ذكره في غير هذه الآية وأن له نظائر وهو محقق وإن لم يقصد التهكم وهو مناسب للتهديد لاستلزامه لثبوت العقاب وزيادة ثواب أعدائهم فإنه مما يغيظهم ففيه تهديد من جهتين، وقيل الذي يقتضيه النظم أن قوله: والباقيات الصالحات خير الخ تتميم لقوله: ويزيد الله الذين اهتدوا هدي المشتمل على تسلية المؤمنين عما افتخروا به، كما أن قوله: من هو شر مكانا وأضعف جندا تتميم لوعيد
الكفار وكلاهما تتمة لقوله: فليمدد الخ الواقع جوابا عن قولهم: أفي الفريقين خير، وتحقيقه أن الكفار لما ذكروا الخيرية على زعمهم أتى بها في الجواب مشاكلة مع ما فيه من الوعيد والتهكم بهم فتحصل منه أن التفضيل إما للزيادة المطلقة أو لزيادة الثواب في بابه على العقاب في بابه أو يعد العقاب خيرا تهكما بهم أو الخيرية في المفضل عليه خيرية مالهم في الدنيا في نظرهم القاصر أو هو للمشاكلة فتنبه له واحفظه لتسلم من الخلط والخبط. قوله: إ نزلت في العاص بن وائل الخ (هذا هو الصحيح في كتب الحديث، وقيل: إنها نزلت في الوليد بن المغيرة وخباب بخاء معجمة وباءين موحدتين كشداد صحابيئ معروف ابن الأرت والأرت أفعل من الرتة براء مهملة وتاء مثناة فوقية وهي ثقل في اللسان علم والعاص بن وائل هو أبو عمرو بن العاص وكان من عظماء قريش ولم يوفق للإسلام، وقوله: ولا حين بعثت بفتح التاء خطابا للعاص أي لا أكفر أبدأ لا في حال حياتي ولا في حال مماتي ولا في حال بعثك أيها الكافر وأنت معذب يعني أنه مؤمن بثوابه بعد الموت وعقاب الكفرة بعد البعث ولذا ذكر الموت والبعث وفي نسخة حين تبعث بضم التاء الفوقية. قوله: (ولما كانت الرؤية أقوى إلى آخره (يعني أن رأى هنا بصرية لا علمية كما ذهب إليه بعض النحاة
وتجوز بها عن المسبب وهو الإخبار فهو مجاز مرسل والاستفهام مجاز عن الأمر به لأن المقصود من نحو قولك: ما فعلت أخبرني فهو إنشاء تجوز به عن إنشاء آخر، كما حققه النحاة وقد مر تفصيله وأنه قد يراد به التعجب ومن لم يقف على هذا قال: إرادة معنى الأمر من هذا لا تخلو عن بعد فلو جعل لإنشاء التعجب لكان أظهر فإنه شائع فيه وأما عطف الإنشاء على الخبر فجائز لأنه من عطف القصة على القصة وقوله: على أصلها أي للتعقيب كما بينه وقوله: بقصة إشارة إلى ما مز. قوله: (ولذا (بضم الواو وسكون اللام ورد في كلام العرب مفردا وجمعا كما ذكره المصنف رحمه الله وكلاهما صحيح هنا، وقرىء بكسر الواو وسكون اللام أيضا وهو بمعناه. قوله: (أقد بلغ من عظمة الخ (في قوله أقد إشارة إلى أنه بفتح الهمزة الاستفهامية وأصله اطلع فحذفت همزة الوصل تخفيفا واطلع متعد بنفسه تقول اطلع الجبل قال المعرب وليس متعديا بعلى كما توهمه بعضهم حتى يكون من الحذف والإيصال لكن في القاموس اطلع عليه فكأنه يتعدى ولا يتعدى، وعظمة الشأن تستفاد من الطلوع لأنه الظهور على وجه العلو والتملك ولذا اختير هذا التعبير كما في الكشاف،
وقوله: وتألي أي أتى بألية وهي القسم وهو مستفاد من قوله: لأوتيت لأن اللام واقعة في جواب قسم مقدر وهو يفيد جزمه به، وتحققه ليس من الآلاء بمعنى النعم والمعنى ادعى أنه ينعم عليه كما قيل. قوله: (أو اتخذ من عالم الغيب الخ (أي كأن الله أعطاه عهدا موثوتا على أن يعطيه ذلك، والعلم بوقوع أمر مغيب له إما بعلم الغيب أو بقول الله له إنه كائن لا محالة ولا يرد عليه أنه يجوز أن يكون بواسطة إخبار ملك أو نبي مرسل لأنه لتعظمه وكفره لا يزعمه فلا يرد على الحصر شيء، وإطلاق العهد على ما بعده بينه المصنف رحمه الله والمعنى عليه أعلم الغيب أم عمل عملا يرجو ذلك في مقابلته، وقوله: رح الخ هو مذهب الجمهور وهو أنها حرف ردع وزجر عن أمر ذكر تبل فيفيد ما ذكره من التنبيه. قوله: (سنظهر له أنا كتبنا قوله الخ (لما كانت كتابة الأعمال والأقوال لا تتأخر عن وجودها تأخرا يقتضي أن يقرن بالسين أو سوف كما بينه أوله بأن الفعل أطلق وأريد به ظهوره والعلم به اللازم له إما مجازا أو كناية كما في البيت المذكور فإن لم تلدني جواب إذا وهو مستقبل وعدم الولادة ماض لوقوعه قبل انتسابه أي إذا انتسبنا علمت يا فلانة وتبين أني لست بابن لئيمة، فقوله: لم تلدني عبارة عن تبين عدم ولادتها له لشهرة نسبه فهو نظير ما نحن فيه كما في شروح الكشاف لا أنه مقدر فيه تبين أني حتى يعترض عليه بأنه ليس مما نحن فيه مع أنه لو سلم فهو نظير له في أنه محتاج للتأويل مثله والتأويل إما بالتجوز أو بالتقدير وتمام البيت المذكور:
ولم تجدي من أن تقزي به بذآ
وإنما ذكر الأئم دون الأب لأنه يعلم بالطريق الأولى لأنهم كانوا لا يزؤجون غير الإكفاء
أو خصه لمكان التعريض بلؤم المخاطبة. قوله: (أو سننتقم منه الخ (ظاهره أنه مجاز واستعارة للوعيد بالانتقام قيل: ولو قيل إن السين للتأكيد والمراد نكتب في الحال كما في المغني كان فيه غنية عن هذا التطويل وفيه نظر لأن الذي في المغني منقولا عن الزمخشري أنها لتأكيد الوعد والوعيد هافادة أنه كائن لا محالة يعني في المستقبل إذ لا تؤكد علامة الاستقبال ما يراد به الحال فتأمل. قوله: (فإن نفس الكتبة الخ (الكتبة بكسر الكاف الكتابة وبما قررناه سابقا علم أنه لا يرد عليه أن ما ذكره هنا يعارض ما سيذكره في سورة ق من حديث أن كاتب الحسنات أمين
على كاتب السيئات فإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر لأن ما ذكر لقربه في حكم الحال فلا يقال بكلمة السين مع أنه في حق المؤمنين رحمة بهم وما ذكر في الكفرة وسيأتي ثمة بيانه. قوله: القوله تعالى الخ (قيل عليه إنه قال في تفسير هذه الآية ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب فالتردد فيه ينافي الجزم به هنا فالأولى أن يستشهد بقوله تعالى: {ورسلنا لديهم يكتبون} [سورة الزخرف، الآية: 180] وليس بوارد لأنه ليس بتردد في أصل الكتابة بل في تخصيصها بما فيه ثواب أو عقاب مع أن قوله: ما يلفظ عائم. قوله: (ونطؤل له من العذاب ما يستأهله الخ (يعني أن المراد بالمذ تطويل مدة عذابه فالمذ بمعنى الزيادة لا التطويل، وقيل
عليه أنه مخالف لما مر في البقرة في تفسير قوله تعالى: {ونمدهم في طغيانهم يعمهون} [سورة البقرة، الآية: 15] ، أنه من مد الجيش وأمده إذا زاده وليس من المذ في العمر، وهو الإملاء والإمهال لأنه يتعدى بنفسه لا باللام كاملي له ورذه في الكشف بأنه لا يخالفه لأن المدعي هناك أن الذي بمعنى الإمهال لا يستعمل إلا باللام لا إن الذي من المدد لا يجوز أن يستعمل باللام ومعناه يفعل المذ ليكون أبلغ من نمده، وأما كون المذعي غير مسلم لأن في القاموس ما يخالفه فلا يدفع السؤال ولا يصح مقابلا لما قاله.
قوله: (ونرثه (أي نسلبه ما ذكر ونأخذه أخذ الوارث أو نزويه ونمنعه، وله معان أخر ستأتي وفي الكشاف فيه وجوه أربعة أحدها: أن معناه نزوي ونحجب عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة من المال والولد ونعطيه من يستحقه وما يقول: بدل من الضمير أو مفعول والمراد مسماه ومدلوله الثاني أنه تمني مالا وولدا في الدنيا بأشعبيته وتألي على الله فقال تعالى: هب أنه أعطيه، أما نرثه ونأخذه منه في العاقبة ويأتينا فردا مجردا عنه فما فائدة تمنيه وتأليه، وثالثها: أن هذا القول يقوله ما دام حيا فإذا قبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله ويأتينا فردا أي رافضا تاركا لمقاله ورابعها: أنا لا ننسى ما يقول ولا نلغيه بل نثبته في صحيفته لنضرب به وجهه، ونعيره فيأتي على فقره ومسكنته فردا من ماله وولده لم يؤت منه غير تبعته وفردا على الأول حال مقدرة هذا محصله وإنما كانت مقدرة على الأول وهو أن يراد مسمى القول من المال والولد في الآخرة دون غيره كما في الشروح لأن المراد بالانفراد الانقطاع عنهما في العاقبة بالكلية بعد البعث لا في حال الإتيان والبعث لأنه لا يختص به لقوله: ولقد جئتمونا فرادى والآية وردت لتهديده ووعيده بأنه ينفرد عما ذكر حيث يجتمع المؤمنون بأهليهم في النعيم المقيم، وقيل: لا حاجة إلى جعل الحال مقدرة في كلام المصنف فإن محل إرضاء الخصوم وأداء الحقوق إنما هو الموقف فإذا أتاه منفردا عن المال والولد تم المقصود، وإنما
جعلها الزمخشري مقدرة في الأول فقط لأنه على تفسيره بالزوي عنه والصرف لمستحقه الانفراد عليه يقتضي التفاوت بين الضال والمهتدي، وهو إنما يكون بعد الموقف بخلاف الوجوه الباقية لعدم اقتضائها التفاوت بينهما وكفاية فردية الموقف في صحتها وان كانت مشتركة، وبهذا ظهر اندفاع ما ذكره العلامة في شرحه (أقول) يعني اعتراضه بأن المراد بالفردية في الوجوه المذكورة إما الانفراد عن المال والولد وهو في الوجهين الأولين والرابع، أو الانفراد عن القول وهو الوجه الثالث وأياما كان يجب أن يراد به دوام الانفراد أما على الأول فلما مر وأما على الثاني، فلأن الحيلولة بينه وبين القول لا تتحقق إلا بنفي القول دائما والآخرة زمان يأس الكافر وانكشاف السرائر فامتنع طلب المال والولد فالحال مقدرة على جميع الوجوه ولا وجه للتخصيص بالأول اهـ وفيه بحث لأن المصنف لم يفسر الوراثة بالزوي ولا بالأخذ وكلامه الأول محتمل لوجوه ثلاثة فلا قرينة على ما عينه وأما اندفاع كلام العلامة فقد سبقه إليه الشراح فتأمل. قوله:(ليتعززوا) أي يتقؤوا وينتصروا بهم، وقوله: حيث يكونون الخ للتعليل أي لأنهم يكونون وصلة أي مقربا بزعمهم، كقوله: ما نعبدهم إلا ليقزبونا إلى الله، وقوله: رح أي زجر لهم عما زعموه من التعزز المذكور كما مر تقريره. قوله: (ستجحد الآلهة الخ (جوز فيه أن يكون الضمير الأول للآلهة والثاني للكفرة وعكسه والمعنى على الأول أن الآلهة تنكر عبادتهم وتتبرا منهم فالكفر هنا بمعناه اللغوي وهو الجحد والمراد بالآلهة من عبد من ذوي العلم لإطلاق ضمير العقلاء عليهم ونطقهم أو الأصنام بأن يخلق الله فيهم قؤة النطق فيطلق عليهم ما يطلق على العقلاء أو الأعم منها والمراد بإنكارهم على هذا عدم رضاهم به وإلا فهم قد عبدوهم فيكون كقوله: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله أو هو على ظاهره كقوله: وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون، وعلى الثاني هو على ظاهره قيل: ومواطن القيامة متعددة فهذا في موطن وقولهم: هؤلاء شركاؤنا في موطن آخر فلا تنافي بينهما، وقوله: لم تكن فتنتهم أي عاقبة فتنتهم، وتفسيرها معلوم في محله. قوله: (يؤيد الأول الخ (أي هذا يؤيد التفسير الأول
الذي جعل فيه الضمير الأول للآلهة والثاني للكفرة لأنه في هذه الاية كذلك بحسب الظاهر المتبادر فينبغي أن يجعل على نسق ليتسق المعنى والنظم، وإنما كان هذا هو المتبادر لأنه في مقابلة الكائنين عزا وهم الآلهة فكذا الضد فالتأييد لفظي ومعنوفي، ولذا قال: إلا إذا
فسر الضد بضد العز يعني إذا كان ضدا بمعناه المتبادر والضد لوقوعه في مقابلة العز للآلهة فإذا كانوا هم الضد يكون الجحد المراد من الكفر صفة لهم، فالضمير عبارة عنهم أما إذا كان الضد بمعنى ضد العز وهو الذل أو ضد ما أملوه منهم وهو النفع والتقزب بهم إلى الله لتضررهم وتعذيبهم كما سيأتي بيانه فلا يكون مؤيدا ولو قيل: إق الكفار ينكرون عباك! ة ألهتهم لكونها ذلا أو ضررا لهم انتظم الكلام أحسن انتظام فمن جعل التأييد لاتساق الضمائر فقد قصر ووقع في ابعض النسخ إن فسر الضد الخ والصحيح هو النسخة الأولى. قوله: (أو جعل الواو للكفرة الخ (أن في قوله: يكونون وهذا معطوف على قوله: فسر ووجهه أنه لو لم يحمل على الأول كان تأكيدا وتكريرا والتأسيس خير منه، وقوله: على معنى أنها تكون معونة إشارة إلى أن الضد قبله ضد العز وهو الذل وعلى هذا بمعنى العون فانه يطلق عليه لأنه يضاذهم وينافيهم وعبر به على التهكم، وقوله: أي يكونون كافرين فسره به لأن كونهم ذلا لآلهتهم أو عونا في عذابهم لا يصح في حقهم فتأمل. قوله: (وتوحيده لوحدة المعنى الخ (يعني أنه وحد وحقه أن يجمع لأنه إما عبارة عن الآلهة أو الكفار وهم أضداد لا ضد واحد فإنهم لاتحاد معنى الضدية فيهم كأنهم شيء واحد، وفي القاموس أن الضد يكون واحدا وجمعا وفيه نظر، وقيل: إنه إنما يحتاج إلى التأويل إذا لم يكن بمعنى الذذ فإنه مصدر، وقوله: وهم يد على من سواهم من حديث صحيح رواه النسائي، وأوله المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم أي متفقون في دفع من سواهم وأيديهم كاليد الواحدة وإطلاق اليد على الدافع مجاز اما مرسل أو استعارة وبقية شرحه في كتب الحديث وشروحها وفي الآية مقابلة العز بالذل واللام بعلى. قوله: (وقرئ كلا بالتنوين) هي قراءة شاذة لأبي نهيك ووجهت بوجوه منها أنها حرف وأبدلت ألفها تنوينا لأنه نوى الوقف فصارت الألف كألف الإطلاق وهي الألف التي تزاد في أواخر القوافي والفواصل المحركة وتسمى تلك القافية مطلقة وضدها مفيدة ولم يجعلها ألف) طلاق بل شبهها بها لأنها مخصوصة بالشعر ولم يمثل له بقوله: قواريرا كما في الكشاف لأنه صرف للتناسب فتنوينه تنوين صرف وهذا يسمى التنوين الغالي وهو يلحق الحروف وغيرها ويجتمع مع الألف واللام كقوله:
أقلي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن
…
قوله: (أو على معنى كل هذا الرأي كلا (فيكون اسما مصدرا منونا بمعنى التعب وهو
مجاز عن ضعفه منصوب على المصدرية، وفيل: إنه مفعول به بتقدير حملوا كلأ، وقوله: وكلأ أي وقرئ كلأ بضم الكاف وتشديد اللام وهي منصوبة بفعل يقدر متعذيأ على حذ زيدأ مررت به أي جاوزته فهو من باب الاشتغال كما أشار إليه المصنف بقوله: سيجحدون كلأ أي عبادة كل من الآلهة ففيه مضاف مقدر، وقد لا يقدر. قوله: (بأن سلطناهم (فسره به على التجوز أو التضمين لتعديته بعلى والتسليط بأغوائهم والوسوسة لهم، وقوله: أو قيضنا لهم قرناء أي سخرنا وهيأنا لهم قرناء من الشياطين مسلطين عليهم غالبين عليهم، وقوله: نهزهم وتغريهم تفسير للأز والهز والأز والاستفزاز متقاربة المعاني، وقوله: والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ يعني أن في النظم المذكور من قوله: ويقول الإنسان أئذا ما مت إلى هنا ذكر أمور عجيبة تقتضي تعجبه منها وهذا كالتذييل لما قبله كما بينه شراح الكشاف وأشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله: بأن يهلكوا أي بطلب هلاكهم، وفي قوله: وتطهر الأرض مت فسادهم مكنية وتخييلية والأجل في قوله أيام آجالهم بمعنى العمر لأنه يطلق عليه كما يطلق على نهايته وقوله: إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة، يعني أن العد كناية عن القلة كما مر تحقيقه في قوله: دراهم
معدودة، وقلته لتقضيه وفنائه كما قال المأمون: ما كان ذا عدد
…
ليس له مدد
…
فما أسرع ما نفسد ولا ينافي هذا ما مر من أنه يمد لمن كان في الضلالة أي يطول لأنه بالنسبة لظاهر الحال عندهم وهو قليل باعتبار عاقبته وعند الله، ولله در القائل:
إن الحبيب من الأحباب مختلس لايمنع الموت بؤاب ولا حرس
…
وكيف يفرح بالدنيا ولذتها فتى يعد عليه اللفظ والنفس
…
قوله: (ولعله (أي اختيار اسم الرحمن وتكرار التعبير به في هذه السورة الكريمة كما تراه
أي لأنه ذكر فيها نعم جسام والرحمن بمعنى المنعم فكأنه قيل: نحشر المتقين إلى ربهم الذي شملهم رحمته ورأفته قال الطيبي: وفي التقابل بين الوفد والرحمن وبين الورد وجهنم إعلام بتبجيل الوافد وظفره بجلائل النعم وأعظم بوافد على رب رحمن كريم وإشعار بإهانة الوارد وتهكم كما في عتابه السيف وكفى بعطش يكون ورده أعظم النيران، وقوله: وافدين إشارة إلى أنه حال، وأصل الوفود القدوم على العظماء للعطايا والاسترفاد ففيه إشارة إلى تبجيلهم وتعظيمهم المزور والزائر، وقوله: كما تساق البهائم ففيه إشارة إلى تحقيرهم وإهانتهم، وقوله: عطاشا فالورد مجاز عنه لأنه لازمه، كما بينه وعلى ما بعده فالمراد مجرد سوقهم بقطع النظر عن العطش فهو تشبيه والورد الذهاب إلى الماء، ويطلق على الذاهبين إليه، وقوله: المدلول عليها وفي نسخة عليه والتذكير لتأويله بالذي دل عليه وهو سهل، والقسمان هم المتقون والمجرمون المقسم إليهما فجعل عبارة عن جميعهم بقرينة الحشر ويوم القيامة، فإنه يشمل الجميع ولذا قال: وهو الناصب الخ قيل: ولم يجعل الضمير للمتقين والمجرمين المذكورين لأن المجرم لا يشفع ولا يشفع له عند المعتزلة ولا للمتقين لتفكيك النظم ففي كلام المصنف شيء يمكن دفعه. قوله: (الا من تحلى (أي اتصف وقوله: من الإيمان الخ بيان لما ووعد الله هر ما نطقت به الآيات والأحاديث الناطقة بأنه أكرم صلحاء المؤمنين بإذنه لهم في الشفاعة لغيرهم فالمراد بالعهد الإيمان والعمل الصالح تشبيها له به، وقوله: على ما وعد الله حال أي جاربا على مقتضى وعده وقيل: متعلق بيستعذ، وقوله: إلا من اتخذ الخ فالمراد بالعهد الإذن والأمر، قيل: وفي لفظ الاتخاذ إباء عنه لأن المأمور لا يقال له اتخذ الأمر وإن أول بأنه بمعنى قبل وفيه نظر لأن الأمر إذن وكما يقال: أخذت الإذن في كذا يقال: اتخذته فلا محذور فيه. قوله: (ومحله (أي من الموصول الخ قال المعرب: الضميران عاد على المتقين أو العباد أو الفريقين فالاستثناء متصل ومحله إفا رفع
…
أو نصب على وجهي الاستثناء، دمان عاد على المجرمين فقط كان منقطعا لازم النصب عند الحجازيين جائزا نصبه وإبداله عند تميم، فإن كان مستثنى ممن الشفاعة بتقدير مضاف وهو شفاعة فهو متصل جاز فيه اللغتان أيضا وقيل: المستئنى منه محذوف والتقدير لا يملكون الشفاعة لأحد إلا لمن اتخذ الخ وقال ابن عطية: الاستثناء متصل دران كان الضمير للمجرمين لشمولهم للكفرة والعصاة، ولا يرد عليه شيء كما قيل والمصنف رحمه الله بعد اختيار عموم الضمير جوز فيه لأنه متصل الرفع على البدلية والنصب
على الاستثناء إذا استثنى من الضمير وجوز فيه الاستثناء من الشفاعة وهو حينئذ متعين النصب فذكر ثلاثة وجوه وترك الباقي، وقوله: على تقدير مضاف أي دياقامة المضاف إليه مقامه، وعلى الاستثناء معطوف عليه. قوله: (أي الا شفاعة الخ (والمصدر مضاف لفاعله أو مفعوله أي لا يملك العباد الشفاعة لغيرهم إلا شفاعة من اتخذ الخ ولا تجوز في إسناد ما يصدر من البعض للكل هنا ويحتمل أن المراد شفاعة كيرهم لهم على أنه مصدر المبنيئ للمفعول أي ليس لهم مشفوعية من غيرهم إلا مشفوعية من اتخذ لخ. قوله: (وقيل الضمير للمجرمين الخ (هذا أحد الوجوه السابقة والمراد بالمجرمين ما يشمل العصاة من المؤمنين كما مر والشفاعة شفاعة غيرهم فيهم، وقوله: يحتمل الوجهين أي العود على العباد أو المجرمين، وقوله: لأن الخ تعليل لكونه للعباد إذ الثاني لا يحتاج لتوجيه وفي الوجه الأول أنه لا نكتة في نسبة ما صدر من الكفار إلى الجميع مع أنهم لم يرضوه فتأئله، والالتفات من الغيبة للخطاب، والتسجيل بذكره في مقابلة من لا ينكر والجراءة في نسبة الولد إليه، والمفتوح
والمكسور بمعنى وقيل: المفتوح مصدر والمكسور اسم. قوله: (يتشققن مرة بعد أخرى (لأنه من الفطر وهو الشق، وقال الراغب: الشق طولا، والتفعل يدل على التكثير في الفعل أو في الفاعل أو المفعول، وقوله: مرة بعد أخرى إشارة إلى أن التكثير في المفعول، لأنها لكونها طبقات يتصؤر وقوع الانفطارات مرتبا ترتبا حقيقيا أو رتبيا كما في غلقت الأبواب يقع في الذهن غلق البراني قبل الجؤاني! ان كان ذلك قد يقع دفعة واحدة فلا يرد ما قيل إن المناسب لعظم هذه الكلمة أن يقال: يتشققن شقوقآكثيرة بمزة واحدة من هولها، ثم توافق القرا آت يقتضي الحمل على تكثير المفعول لا الفعل ولذا اختير الانفعال في تنشق الأرض إذ لا كثرة في المفعول ولذا أول ومن الأرض مثلهت بالأقاليم ونحوه كما سيأتي، وقوله: فعل أي المشدد العين وهو دال على المبالغة أي والمطاوع أثره فيكون فيه مبالغة أيضا، وقوله: مطاوع فعل أي المخفف العين، وقوله: ولأن أصل التفعل للتكلف كتحلم وهو يقتضي التعمل والمبالغة فيما يتكلفه لأنه على خلاف مقتضى الطبع فمجرد للمبالغة ولذا وصف الله تعالى بالمتوحد والمتفرد كما حققوه. قوله: (تهذ هذا (
الهد الهدم وأشار بهذا إلى أنه مفعول مطلق لتهذ مقدرا أو لتخز لأنه بمعناه، وقوله: أو مهدودة إشارة إلى أنه حال مؤؤل باسم المفعول من هذ المتعذي، وقوله: أو لأنها الخ إشارة إلى أنه مفعول له من هذ الحائط اللازم بمعنى انهدم لأنه يرد لازما أيضا وهو هذ يهذ بالكسر بمعنى سقط أثبته المعرب تبعا لشيخه أبي حيان وهو إمام اللغة والنحو فلا عبرة بمن أنكره وهو بمعنى المجهول فلذا فسره به لأن كسر العود بمعنى انكسر أي هو إشارة إلى أنه إذا هذ حصل له الهذ فصح أن يكون مفعولأله أو هو مصدر مجهول فيكون فعل الفاعل الفعل المعلل كما في بعض شروح الكشاف، وتهذ في قوله: تهذ هذا مجهول هذ المتعذي أو معلوم اللازم والمشهور الأول وقول المصنف رحمه الله: مهدودة دون هاذة لأنه الأكثر، وقوله: أو مهدودة إشارة إلى الحالية كما مر بتأويله بالوصف، ويصح فيه بتقدير المضاف أي ذات هذ، وقوله: أو لأنها الخ تقدم بيانه وأما إسناده إلى الجبال على معنى أنها تهذ نفسها من هول هذه الكلمة فتكلف دمان ادعى أنه أنسب بالمقام، وقوله: وهو تقرير الخ أي قوله: تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض الخ لكونه دالا على أنه منكر عجيب صدوره منهم إلا أنه لكونه أبلغ عطف عليه لاذعاء التغاير. قوله: (والمعنى أن هول هذه الكلمة الخ (ذكر الزمخشري في تفسيره وجهين كما ذكره المصنف أيضا أحدهما أن المعنى كدت أن أفعل هذا غضبا على من تفؤه بهذه الكلمة لولا حلمي كقوله: إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده أنه كان حليما غفورا، والثاني أنه استعظام لهذه الكلمة وتهويل لفظاعتها وتصوير لأثر! في الدين وهدمها لأركانه وقواعده وإن مثل ذلك لو أصاب هذه الإجرام العظيمة التي هي قوام العالم تهذمت وخربت فعلى الأول ليس خراب العالم المجرد هذه الكلمة بل هو كناية عن غضب الله على قائلها، وأنه لولا حلمه لوقع ذلك وهلك القائل وغيره، كما في قوله:{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [سورة الأنفال، الآية: 125] فلا يرد عليه آية {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ، [سورة الأنعام، الآية: 164] ، كما قيل، وعلى الثاني هو تمثيل لفظاعة هذه الكلمة بأخذ الزبدة والنظر إلى المجموع كقوله: والأرض جميعا قبضته كما قرر في محله وهو من المبالغة المقبولة، كقوله: يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، وقيل إنما خلقت هذه الإجرام والموجودات لتدل على وجود ذاته وصفاته وعلى تنزهه عن الضد والنذ والتوالد فمن اعتقد خلافه أبطل دلالته فكأنه أبطل وجودها واستجاز عدمها بهذها وتخريبها لنفي دلالتها كما قيل:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
…
فهو استعارة واعترض عليه بأن الموجودات إنما تدل على خالق قادر عالم حكيم لدلالة
الأثر على المؤثر والقدرة على المقدور واتقان العمل يدل على العلم والحكمة وأما دلالتها على الوحدانية فلا وجه له ولا يثبت مثله بالشعر والجواب عنه أنها دلت على عظم شأنه وأنه لا يشابهه ولا يدانيه شيء فلزم أن لا يكون له شريك ولا ولد لأنه لو كان كذلك لكان نظيرا له ولذا عبر عن هذه الدلالة بالتسبيح والتنزيه فتأمل.
قوله: (يحتمل النصب على العلة لتكاد الخ (لأنه علة للسقوط والخرور فيكون علة لقربه أيضا وقد جوز فيه أن يكون علة لفوله: تخز وهذا فيكون قد علل الخرور بالهذ والهذ بدعاء الولد، وقد قيل: عليه إنه قد علل الخرور للهذ بدعاء الولد قبل بقوله: منه لأن من للتعليل فيفيد أن الانفطار والخرور للهذ من أجل هذه الكلمة وهي قولهم: اتخذ الرحمن ولدا فلا وجه للتعليل به ثانيا، والفاضل المحشي ذكر هذا من عنده فاصطاد من المقلاة، ولا يخفى أن المصنف لم يذع أنه جار على الوجهين، وهو على الأول غير مكزر لأن سببيته لانهدامها ثقله كما في المحسوسات والإجرام الثقيلة التي لا يتحملها البناء القوي والسببية هنا بوجه آخر كإهلاكهم والغضب عليهم بسببه مع أق التمثيل يدفع التكرار فتأئل، ثم إنه قيل عليه إن شرط النصب مففود هنا، وهو اتحاد الفاعل والمفعولط له ورد بأنه على إسقاط الجاز وهو مطرد مع أن وأن ولذا قال المصنف رحمه الله على حذف اللام الخ، والنصب بعد حذف الجار من مثله مذهب سيبويه رحمه الله، وقوله: والجز الخ معطوف على النصب وهو مذهب الخليل والكسائيئ وأيد الأول بأن حرف الجز ضعيف لا يعمل محذوفا ومثله شاذ كقوله:
أشارت كليب باكف الأصابع
وتفصيله في كتب العربية. قوله: (أو بالإبدال من الهاء الخ (قيل هو ضعيف للفصل بينهما، وقوله: والرفع الخ أورد عليه التكرار الماز وقد عرفت جوابه، وقوله: أو فاعل هذا أي هذها إشارة إلى أنه يقدر مصدرا مبنيا للفاعل لا مبنيا للمفعول كما مر فإنه لا فاعل له ولا تسامح في كلامه كما قيل والمصدر يعمل إن لم يكن أمرا كضربا زيدا أو بعد استفهام نحو أضربا زيدا إذا لم يكن مؤكدا كقوله:
وقوفا بها صحبي عليئ مطيهم
! ان كان نادرا فلا وجه للاعتراض عليه. قوله: (وهو من دعا بمعنى سمي (وهو يتعدى لمفعولين بنفسه وقد يتعدى للثاني بالباء، كسمي فحذف المفعول الأول للدلالة على العموم
والإحاطة، أو هو متعد لواحد من دعا بعني نسب ومنه الدقي وادعى في النسب بمعنى انتسب. قوله: (ولا يليق به أثخاذ الولد الخ (ينبغي مضارع أنبقى مطاوع بغي بمعنى طلب ولذا فسره المصنف رحمه الله بقوله: ولا ينطلب الخ وأن يتخذ فاعله وعد ابن مالك رحمه الله ينبغي في الأفعال التي لا تتصزف ورد بأنه سمع فيه الماضي قالوا: انبغي ودفع بأن مراده أنه لا يتصزف تصرفا تاما كغيره، وقوله: ولا ينطلب انفعال من الطلب أي لا يحصل، وقوله: لو طلب قيل إنه مجهول وسيأتي ما فيه، وقوله: لأنه مستحيل الضمير لاتخاذ الولد وهو مستحيل في حقه تعالى أما الولادة فظاهر، وأما التبني فلأنه لا يجانسه شيء وأورد عليه بعدما فسر ينبغي بيتأتي أن المحال قد يستلزم المحال فيجوز أن يتطلب على تقدير تحقق الطلب المحال فبالتعليل المذكور لا يتم التقرير ورد بأنه ظن لفظ طلب معلوما إذ المحال طلب نفسه لا طلب غيره كما أثبته الكفرة ولو سلم فإيراده مع لا يضر لأن فيه تسليم المطلوب وهو استحالة الولد واستحالة طلبه وهو تطويل بلا طائل. قوله: (ولعل ترتيب الحكم الخ (الحكم هو عدم الانبغاء المعلق بالمشتق المقتضي لأن مبدأ اشتقاقه علة له، فهو مترتب عليه كما مر تقريره وهذا مبني على اختصاص هذا الاسم به كما صرح به في الكشاف، وقوله: صرح به أي بما ذكر وهو أن ما عداه كذلك لكونه عبدا منعما عليه، وقوله: ما منهم أي أق أن نافية، ومن هنا موصولة أو موصوفة دمان قصره على الثانية في الكشاف، وقوله: على الأصل أي بالتنوين ونصب المفعول وفيه دليل على أن الوالد لا يملك ولده، وأنه يعتق عليه إذا ملكه وقوله: يأوي الخ إشارة إلى أن الإتيان معنوفي يراد به الذهاب بالانقياد والتسليم، وحوزة بمعنى الحيازة والجمع وقبضة تدرته تخييلية ومكنية. قوله: (منفردا عن الإثباع والأنصار (يعني أنه حال من فاعل آتيه المستتر فيه أي ينفرد العابدون عن الآلهة التي زعموا أنها أنصار أو شفعاء والمعبودون عن الاتباع الذين عبدوهم والتفرقة تقتضي عدم النفع ومن لا ي! نفع لا يفيد فكيف يشابه من بيده الضر والنفع ففي هذا إشارة إلى الاستدلال به على ما قبله كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (وعن النبئ
يك! الخ (حديث متفق عليه رواه أبو هريرة رضي الله عنه وهو مؤيد لتفسيره المذكور
والمقت البغض! ، وقوله: إذا دجا الإسلام أي قوي وكثر وهو بعد الهجرة وهو من قولهم: ثوب داج أي سابغ مغط للجسد كله فأسلم أكثر الكفرة والمنافقين وألف الله بين قلرب المؤمنين، وفي نسخة إذا جاء الإسلام وهو تحريف من الناسخ، وقيل: إنه بدال وحاء مهملتين بمعنى بسط أو هو في يوم القيامة أو في الجنة إذ يكونون إخوانا على سرر متقابلين والكفار يلعن بعضهم بعضا كما صرح به في غير هذه الآية، وقوله: بلغتك فاللسان بمعنى اللغة وهو مجاز مشهور ونزل كذلك ليتيسر له ولقومه فهمه وحفظه وتبليغه، وقوله: أو على أصله يعني للإلصاق وضمنه معنى أنزل مبينا ميسرا على أحد الطريقين فيه لأنه يتعدى بالباء، وقوله: الصائرين إلى التقوي فهو من مجاز الأول ولو أبقاه على ظاهره صح ولذا جمع ألذ كأحمر وحمر وهو الشديد الخصومة كما بينه المصنف رحمه الله، وقوله: آخذين الخ إشارة إلى أنه من اللديد وهو الجانب ومنه اللدود وهو دواء يجعل في أحد جانبي الفم، وقوله: فبشر الخ معلوم من فحوى الكلام لأنه إذا أنزله الله لذلك فقد أمره به، ووجه التجسير أنهم مهلكون بالفتح لا مهلكون بالكسر. قوله: (وأصل التركيب هو الخفاء (يعني معانيه كلها تدور عليه ولو قلبت حروفه وهذا دأب أهل اللغة في مثله قيل وإنما خص الصوت الخفي لأنه الأصل الأكثر ولأن الأثر الخفيئ إذا زال فزوال غيره بطريق الأولى، وقيل: المعنى لا تسمع لهم ركز الغاية ضعفهم فضلا عن الجهر. قوله: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو موضوع ووجه التكثير وتعديد حسناته بمن ذكر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لذكرهم في هذه السورة كما أشار إليه وذكر الدعاء لوقوعه فيها ولوقوعه في مقابلة من
دعا غير الله، تمت السورة بحمد الله وعونه والصلاة والسلام على أفضل المرسلين، وآله وصحبه أجمعين.
سووة طه
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (سورة طه (قيل اتفاق أشمصاحن! على ذكر سورة هنا يمنع احتمال كون طه اسم السورة لأنه يكون كإنسان زيد، وقد حكموا بقبحه وليس كذلك لأنه قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا قال الليثي: ولا فارق إلا الذوق وقد قلنا بالفرق إذ هي تحسن حيث يكون في ذكر العام فائدة ولو الإيضاح، ومنه مدينة بغداد وما نحن فيه ويقبح في خلافه لأنه لغو ولا يقصد به التأكيد لأن الإضافة مبنية على التغاير فتغاير مقام التأكيد كما لا يخفى ألا ترى أنه وقع في القرآن بهيمة الأن! ام لأن الأنعام قد يخص، لإبل بذكر بهيمة يفيد أنها عامة هنا، فاحفظه فإنه فرق لطيف، وقرله: مكية في الإتقان إلا آيتين منها وهما فاصبر على ما يقولون الخ، ولا تمذدق عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم فما ذكره باعتبار اكثر منها. قوله: (وهي مائة الخ (قال الداني رحمه الله: هب مائة وثلاثون واثنان في البصرى وأربع مدنيئ ومكيئ وخمس كوفيئ وأربعون شاميئ. قوله: (فحمها تالون وابن كثير الخ (التفخيم ضد الإمالة هنا ويكون مقابل الترقيق أيضا وليس بمراد هنا وفي نسخة فتحها والفتح يراد به عدم الإمالة أيضا في اصطلاح القراء، وما ذكر عن قالون هو الرواية المشهورة وعنه فتح الطاء وامالة الهاء بين بين وقد سقط ذكر قالون في بعض النسخ كما سقط منها ورش وله وجهان فيها، أحدهما المذكور والآخر فتح الطاء دىامالة الهاء بين بين والاستعلاء يمنع الإمالة لأنها تسفل، ومن أمال قصد التجانس وحروف الاستعلاء الصادر والطاء والخاء والقاف والغين والضاد والظاء، والباقون من القراء السبعة حمزة والكسائيئ وأبو بكر. وقل:) وفخم الطاء وحده (يعلم منه أن قوله: فحمها قبله بمعنى فحم الكلمة ومجموع الحرفين فلا وجه لما قيل صوابه فحمهما كما في الكشاف. قوله: (وقيل معناه يا رجل على لنة عك (بفتح العين وتشديد الكاف وهو ابن عدنان أخو معد سمي باسمه أولاده وقبيلته وهم سكنوا اليمن، وقيل: إنها لغة عكل وهي قبيلة معروفة، وقيل: معناه يا محمد بالحبشية وقيا! : لغة قريش، وقيل: هي نبطية وهو مروفي عن السلف كما في شرح البخاري، وقوله: بالقلب أي قلب
الباء طاء والاختصار حذف ذا، والبيت الذي استشهدوا به غير معلوم قائله ولذا شكك في صحة 11 لغة مع احتماله التأويل المذكور، والسفاهة كالسفه
الحقد والخلائق جمع خليقة وهي الطبيعة ولا قدس الله جملة دعائية أي لا طهرها ولا زكاها، والملاعين جمع ملعون وقد رد أبو حيان ما خزجه عليه بأنه لا نظير له ولم يقل به أحد من النحاة. قوله: (والاستشهاد اللخ (أي أن السفاهة يا هؤلاء في طبائعكم لا يطهرها الله فإنكم ملاعين وفي الكشاف أنه مصنوع لا شاهد فيه مع بعده، واحتماله لغير ما ذكر. قوله: إ أن يكون قسما (أي بالحروت المقطعة أو اسم السورة على أنه شعر إسلاي "، كقوله: حم لا ينصرون وهو حديث رواه النسائيئ عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب أنه قال إذا بيتكم العدو فليكن شعاركم حم لا ينصرون أي إذا هجم عليكم العدو ليلا وخفتم أن لا يعرف بعضكم بعضا فيقتله، فليكن التلفظ بهذا اللفظ علامة فيما بينكم يعرف بها المسلم دون غيره، وهذا معروف الآن في العساكر إذ يجعل لكل طائفة لفظة ينادون بها، إذا ضلوا ونحوه، والتشبيه به في القسمية على وجه فيه، وليس في سياق الحديث دليل عليه، وقيل: إنه منصوب بفعل مضمر أي قولوا حم وقوله: لا ينصرون مستأنف في جواب ماذا يكون، وهذا أنسب بأوله ويشهد له قوله:
يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم عند التقدم
…
قوله: (وقرئ طه (أي بفتح الطاء وسكون الهاء كبل وهي قراءة عكرمة وورش والحسن وكونه أمرا سيأتي بيانه، وقيل: هو بمعنى يا رجل أيضا، وقوله: فإنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه الخ هذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما!! اذكره البزار وغيره في سبب نزول هذه الآية وفي ألفاظهم اختلاف فروي أنه لما نزل {يا أيها المزمل قم الليل} [سورة المزمل، الآية: 2] ، كان يقوم حتى توزمت قدماه فكان يبذل الاعتماد على إحدى رجليه، وقيل: كان يقوم على صدور قدميه، وقيل: إنه قام على رجل واحدة فنزلت، وقوله: فقلبت همزته هاء كما قالوا: في أرقت ولأنك هرقت ولهنك ونحوه، وقوله: أو قلبت أي الهمزة في فعله الماضي والمضارع ألفا كما قالوا في سأل سال وفي هناك هناك فحذفت في الأمر لكونه معتل الآخر كارم وق، وقوله: بني عليه الأمر أي بني على المضارع وأجرى مجراه بجعل آخره ألفا لأنه مأخوذ منه على المشهور فالهاء أصلية. قوله: الا هناك المرتع (هو دعاء عليه أي لا هناك الله بمحل أنت ترتع فيه، وأصله مهموز فأبدلت همزته ألفا وهو مطرد في الساكنة ويكون
لازما، وغير لازم ونادر في المتحزكة ولذا أتى بدليله، وهو من شعر للفرزدق يهجو به عمرو ابن هبيرة الفزاري وقد ولى العواق بدل عبد الملك بن بثر بن مروان وكان على البصرة وعمرو ابن محمد بن الوليد بن عقبة وكان على الكوفة، وأوله:
نزع ابن بشر وابن عمرو قبله وأخو هراة! لها يتو! ح
…
راحت بمسلمة البغال عشية فارعى فزارة لا هناك المرتع
…
وأخو هراة أي صاحبها وحاكمها وهو سعد بن عمرو بن الحرث بن الحكم بن أبي العاص، ومسلمة هو ابن عبد الملك وكان على المغرب وهؤلاء ممدوحو الفرزدق بذلوا وعزلوا، وفزارة منادى حذف منه حرف النداء أي يا فزارة وهم حيئ من غطفان وليس خطاب أرعى لناقته أي اقصدي بني فزارة ومرعاها كما قيل وضتم هاء السكت للأمر إذا كان على حرف واحد خطأ ووقفا لازم ولا تثبت لفظا في الوصل لكنه أجرى هنا مجرى الوقف كما ذكره المعرب. قوله: (وعلى هذا يحتمل أن يكون أصل طه (أي على تقدير ما روي وتسليمه من أنه أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يط الأرض بقدميه فالقراءة المشهورة يحتمل أن أصلها ما ذكروها حينئذ ضمير مؤنث عائد على الأرض، وهو معنى قوله: كناية الأرض لأن الضمير تسميه النحاة كناية كما فصله الرضي، واعترض عليه بأنه لو كان كذلك لم تسقط منه الألفان وكتابته في الرسم على خلافه، ورسم المصحف وإن كان لا ينقاس لكن الأصل فيه موافقته
للقياس فلا يعدل عنه لغير داع وليست هذه الألف في اسم ولا وسطا كما في الحرث ونحوه لا سيما وفي حذفها لبس، كما فصل في باب الخط من التسهيل فلا وجه لما قيل من أنه لا يرد الرذ، لأن الرسم على حذف الألفات الواقعة في الوسط، وقوله: وكذا التفسير بيا رجل أي يرد عليه ما ذكر وقد علمت ما أورد عليه ودفعه. قوله: (أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبر عنهما باسمهما (معطوف على قوله: والألف مبدلة أو أو بمعنى إلا والفعل بعدها منصوب أي يرد هذا إلا أن يقال الخ وهو توجيه للمشهورة على أق أصلها طأها بما لا يرد عليه ما أورد أولا وهو أن يكتفي من طا بطاء متحزكة ومن ها الضمير بهاء ثم يعبر عنهما باسمهما فها ليست ضميرأبل هي كالقاف في قرله:
قلت لها قفي قالت قاف
وهذا تفسير كلامه بما يندفع عنه الأوهام، وكتابة أسماء حروف التهجي بصورة مسماها مخصوص بها كما مر وفيه نظر لأنه لا يدفع الإيراد إذ لو كان كذلك لانفصل الحرفان في الخط هكذا طه فإن رجع إلى أق خط المصحف لا ينقاس لم يكن لنا حاجة إلى هذا الكلام برفته ومن هذا علم وجه آخر لقراءة الحسن السابقة. قوله: (خبر طه الخ (ظاهر قوله: مؤؤل أنه
حروف مقطعة مؤؤلة بالمتحذي به من جنس هذه الحروف لا علم وضع ابتداء لها، هاذا كان خبرا على الوجهين ولا بد له من عائد فقد أقيم فيه الظاهر مقامه للربط لنكتة وهي أن القرآن رحمة يرتاح لها، فكيف يكون نازلا لتشفي والقرآن حينئذ إن كان خاصا بهذه السورة على أن تعريفه عهدقي حضورقي فظاهر إن كان عما فالربط به لشموله للمبتدأ كما في قوله: نعم الرجل زيد فهو جاره على الوجهين، وقوله: ومنادى له أي لأجل أن يذكر له والجملة مستأنفة أيضا لكنها مرتبطة بما قبلها. قوله: (واستئناف ان كانت (أي لفظة طه جملة فعلية على أنها أمر كما مر وهو استئناف نحوفي أو بياني أي لم أطؤها وكذا إذا نصب بمقدر وهو اتل أو جعل مبتدأ محذوف الخبر كما إذا كان خبرا لكن الاستئناف عليه نحوفي فهو في كلامه عائم لهما، وقوله: أو طائفة أي غير مؤؤلة بما مز. قوله: التتعب بفرط تأسفك (أي لتستمر على التعب أو لتتعب بعد نزوله وذكر فيه ثلاثة وجوه لأن الشقاء بمعناه المعروف وهو ضد السعادة لا يليق بمقامه عتيم فإذا كان بمعنى التعب فهو إقا لأمر روحاني كحزنه أو جسماني كرياضته ومجاهدته، وقوله: على ساق هو بالمهملة في أكثر النسخ وفي بعضها بالمعجمة أي المداومة على أمر شاق والأولى أولى. قوله: (والشقاء الخ (كقوله:
ذوالعقل يشقى في النعيم بعقله وأخوالجهالة بالشقاءينعم
…
وقوله: أشقى من رائض المهر بضم الميم وسكون الهاء الصغير من الخيل، وروى أتعب
قال الميداني وهذا كقولهم: لا يعدم الشقيئ مهرا يعني أن رياضة المهارة أي تعليم صغار الخيل شقاوة لما فيها من التعب وقوله: ولعله عدل إليه أي لم يقل لتتعب، والأشعار بطريق الإيهام لأنه نفى عنه الشقاء بمعنى التعب وأوهم نفيه بمعناه المعروف لتبادره منه فيفيد ثبوت ضده، وقوله: وقيل عطف على قوله: والمعنى الخ فهو مشاكلة، وهو في كلام الكفرة يحتمل معناه الحقيقي وهذا هو الوجه الثالث. قوله: الكن تذكيرا (إشارة إلى انقطاعه، وقوله: بدلا من محل لتشقي لأنه في محل نصب، وقوله: لاختلاف الجنسين لأن الاستثناء من غير الموجب يجوز فيه الإبدال لكنه إذا كان متصلا بأن يكون من جنسه وهو رد على الزجاج في تجويزه البدلية فيه بأنه ليس بعضا منه ولا كلأ، وقيل: عليه إن التذكرة تشتمل على التعب فلم لا يجوز أن يكون بدل اشتمال منه وليس كل بدل من جنس المبدل منه ألا ترى قولهم: سلب زيد ثوبه
وأيضا لك أن تعتبر التذكرة من جنس الشقاء لاشتمالها عليه فكأنها متحدة معه فتجوز البدلية، وهذا من قلة التدبر فإن اتباع الاستثناء لما قبله كما صرحوا به إنما هو في المتصل بطريق البدلية البعضية، وقيل: إنها بدل كل من كل ولم يقل أحد إنه يكون بدل اشتمال وتقدير الدخول فيه لا يجعله متصلا فهذا كله من ضيق العطن فتدبر، وليس المراد باختلاف الجنسين جنسي الإعراب لأن أحدهما لفظي والآخر محليئ كما توهمه أبو حيان فرد على الزمخشري فيه وما ذكره الشيخان هو ما ذهب إليه
أبو عليئ الفارسي نعم قيل إنه يصح فيه البدلية من القرآن. قوله: (ولا مفعولا له لأنزلنا الخ (هو رد على الكشاف تبع فيه أبا البقاء حيث جوز فيه أن يكون مفعولا له وقال: كل واحد من لتشقى وتذكرة علة للفعل، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل النهعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط، وما علل به الرد ليس بشيء لأنه يجوز أن يعلل الفعل بعلتين، وإنما الرد عليه بأنه لا يعمل عامل واحد في معمولين من جنس الفضلات بدون عطف أو بدلية، كما قيل ولك أن تقول أنه مراده وليس في كلامه ما يأباه ويدفع بما في الكشف من أن المعنى ما أنزلناه عليك لتحتمل مشاقه ومتاعبه إلا ليكون تذكرة، وحاصلة أنه نظير ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا ويرجع المعنى إلى ما أذبتك بالضرب إلا للإشفاق، كذلك المعنى هنا ما أشقيناك بإنزال القرآن، إلا للتذكرة أو إلا حال كونه مذكرا، وما يتوهم أن قوله: لتشقى على هذا ظرف مستقر أي ما أنزلنا القرآن الكائن لشقائك وتعبك إلا للتذكرة مضمحل بما مثلناه، وحاصله حسبك ما حملته من متاعب التبليغ ولا تنهك بدنك ففي ذلك بلاغ اهـ. والحاصل أنه يجوز تعدد العلة بدون عطف وإبدال إذا اختلفت جهة العمل فيهما كما هنا فإن أحدهما جار ومجرور والآخر مفعول له وإن اقتضى كلاها المعرب خلافه فإنه غير مسلم، كما اقتضاه كلامهم في غير هذا المحل، وفي كلام الزمخشري هنا إشارة إليه حيث جعله مفعولا صريحا لا على إسقاط اللام، هاذا اتحدت وكانت إحداهما علة للفعل والأخرى علة له بعد تعليله فيكون تعليلا لمجموعهما نحو أكرمته لكونه غريبا لرجاء الثواب فإن الغريب إكرامه لغربته ورجاء الثواب علة لإكرام الغريب، أو لكون العلة الثانية علة للعلة الأولى نحو لا يعذب الله التائب لمغفرته له لإسلامه إذا تعلقا بالفعل المنفيئ إذ لا يلزم تعلقه بالمغفرة وإن صح فالأولى علة لعدم العذاب والثانية للمغفرة وهما يرجعان إلى تغاير المتعلق تقديرا بالإطلاق والتقييد على القاعدة السابقة في أكلت من بستانك من عنبه، وهذا مراد المدقق فاحفظه فإنه نفيس، وأما ما قيل من أنه ما المانع من جواز تعديته إلى أحدهما باعتبار النفي وإلى الآخر باعتبار الإثبات وقد جوز تعلق الحرفين المتماثلين بأفعل التفضيل باعتبارين ثم لا يجوز أن يكون التعليل الثاني للعلة الأولى لا لنفس الفعل المعلل بأن يكون الفعل المعلل بالشقاء معللا بالتذكرة بطريق الحصر بالنفي والاستثناء، والأولى أن يعلك بفقدان المستثنى منه على هذا الاحتمال إذ لا مجال للتفريغ لمكان
لتشقى حتى يندفع الإيراد الأول، فلا وجه له لأنه إذا كان مفعرلا له لا يكون منصوبا على الاستثناء لأنه قسيم له فلا بد أن يكون مفرغا على أن الإنزال تعلق بعلتين إحداهما مثبتة والأخرى عامة منفية استثنى منها أخرى مثبتة وهما الشقاء والتعب وغيره من العلل أي ما أنزلنا عليك القرآن لتحمل مشاق التكليف وتتعب بها لعلة من العلل إلا لهذه العلة أو في حال من الأحوال إلا في هذه الحال، وما قيل إنه لا شقاء فيه وإن هذا ينافي قوله: فلا يكن في صدرك حرج منه فليس بشيء ألا ترى قوله تعالى: {سنلقي عليك قولآثقيلا} [سورة المزمل، الآية: 5] ، والفرق بين المقامين ظاهر، فتأمل. قوله: (وقيل هو مصدر في موقع الحال (فالاستثناء مفرغ والمصدر مؤؤل بالصفة أو قصد به المبالغة ولقلة وقوع المصدر حالا مزضه، وقوله: متعلق بمحذوف لدفع ما مر من تعذي الفعل الواحد لعلتين وقد دفعه المعرب بوجه آخر ادعى أنه المقصود في الكشاف وهو أنه معمول لتشقى أي لا تتعب لشيء إلا لكونه تذكرة وما ذكره المصنف رحمه الله من أن الظرف مستقر لم يرتضه في الكشف مع أق فيه تقدير متعلقه معرفة، وهو غير معروف وحذف الموصول مع بعض صلته وقد أباه بعض النحاة وكون أل حرف تعريف خلاف الظاهر، وقيل: إنه لو جعل حالالم يلزم شيء من ذلك وفيه نظر.
تنبيه: قال الشاطبي: الفعل لا ينصب مصدرين، ولذا قالوا في قول سيبويه رحمه الله:
أعلم الله زيدا العلم البين إعلاما إن العلم انتصب بإضمار فعل لا بأعلم لأن الفعل لا يعمل في مصدرين ولا ظرفي زمان ولا ظرفي مكان ولا حالين، ولا تمييزين فإن جاء ما يوهمه حمل على البدل أو إضمار فعل وأجاز ابن الطراوة عمله في مصدرين أحدهما مؤكد
والآخر مبين ورد بأن الفعل إنما يطلب المؤكد وإذا عمل في المبين فقد عمل في المؤكد لأنه بعض ما يعطيه وزيادة فلا يعمل في المبين إلا عند عدم المؤكد أو يؤتى به وأنا نحو دكا دكا فليس منه. قوله: (فإنه المنتفع به (ذكره لأن القرآن تذكير للخاشي وغيره فأشار إلى أن التخصيص به على الوجهين لتنزيل غيره منزلة العدم والجار والمجرور متعلق بتذكرة أو صفة له وليس فيه إشارة إلى أن اللام للعاقبة، كما قيل: بناء على أن يخشى بمعنى يؤول أمره إلى الخشية كما في هدى للمتقين وكذا ليس المراد من شأنه الخشية فإنه لا يلائم كلامه. قوله: (بإضمار فعله (فهو مفعول مطلق أي نزله تنزيلآ، وقوله: أو بيخشى، والمعنى إلا تذكرة لمن يخشى المنزل الذي هو من قادر قاهر فإن من لم يخش غير مؤمن، فيقدم على الارتياب والتكذيب والنصب على المدح بتقدير أعني والبدل بدل اشتمال، وقوله: أو معنى يعني إذا كان استثناء منقطعا فإنه يفيد
التعليل. قوله: الأن الشيء لا يعلل بنفسه (إن كان التنزيل والإنزال، بمعنى بحسب الوضع ولا بنوعه إن كان الإنزال عاما والتنزيل بالتدريجي فإن البدل هو المقصود فيصير المعنى أنزلناه لأجل التنزيل وعلى الحالية فهي حال مؤكدة لا موطئة كما في بعض شروح الكشاف وان وجه بأن مراد قائله أنها كالموطئة لأنه لو اكتفى بقوله: ممن خلق الخ كفى. قوله: (مع ما بعده (خبر مبتدأ محذوف أي هذا مع ما بعده، والتفخيم لشأن المنزل وهو الله جل وعلا أي تعظيمه بذكر مخلوقاته العظيمة ولذا وصف السموات بالعلى وقوله: بعرض الظاهر أنه بضم فسكون بمعنى التعريض به على طريق الكناية كما في بعض الحواشي والباء فيه للمصاحبة أو السببية ومن فسره بإظهار تعظيمه جعله بفتح العين وسكون الراء والظاهر الأول، وقوله: الذي هو عند العقل لأنه يدرك أفعاله أولا ثم يستدل بها على سائر صفاته ولذا قدم الخلق وثنى بالرحمة التي تنال الموجودات قبل كل شيء لأن الخلق منها وليس الترتيب بحسب الوجود فإنه بعكسه ولذا قدم الأرض كما أشار إليه والعليا بضم العين والقصر كالكبرى وقوله: بأن قصد الخ إن كان المعنى بأن ذكر قصده لذلك فهو متعلق بأشار هالا فهو خبر مبتدأ محدوف أي وهو بأن قصد الخ واجراء الكلام والتقادير بناء على أن قوله: على العرش استوى تمثيل لإجرائه ذلك، كالملك إذا جلس على سرير ملكه لتنفيذ أوامره ونواهيه، وقيل: إنه من إطلاق العرش على المحيط تشبيها له بسرير ملك يصدر أمره ونهيه عليه. قوله: اليدل بذلك محلى كمال قدرته الخ (كمال القدرة والإرادة مأخوذ من قصد ما ذكر كما مر بيانه، وقوله: ولما كانت القدرة الخ قيل عليه إنه لا مدخل لتبعية القدرة لإرادة في ترتيب الجزاء على الشرط بل يكفي فيه وجود الإرادة المعلوم مما سبق وكان وجهه أن ما في النظم يدل بصريحه على كمال القدرة كما يدل عليه قوله: أولا حسبما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته فتأمل، وقوله: بجليات الأمور وخفياتها إشارة إلى أن قوله: السز وأخفى كناية عما ذكر، وقوله: عقب ذلك أي القول المذكور ببيان إحاطة علمه. قوله: (أي وأن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم الخ (أشار بقوله: فاعلم إلى أن ما ذكر لا يصلح
لأن يكون جوابا للشرط لأن علمه للسز، وأخفى ثابت قبل جهره وبعده وبدونه فهو يقام مقام الجواب وهو أمر الله له بعلمه لترتبه عليه والمقصود منه ترك ملازمته له لا فائدة الخبر وسيأتي بيانه وتخصيص القول بذكر الله مع إطلاقه لأن التعريف للعهد بقرينة الجواب فإن استواء الجهر والسز عنده يقتضي أن الجهر المذكور في خطابه، وهو الدعاء كما لا يخفى. قوله: (وأخفى منه وهو ضمير النفس (فالسز ما أسر به إلى الغير وأخفى منه ما أضمره في نفسه ولم يظهره، وقيل: السز ما أسررته في نفسك وأخفى منه ما ستسره فيها، وأخفى أفعل تفضيل من الخفاء، وقيل: فعل ماض يعني أنه يعلم أسرار العباد وأخفى عنهم ما يعلمه وقد قال الزمخشري: إنه ليس بذاك. قوله: (وفيه تنبيه على أن شرع الذكر الخ (ذكر في الكشاف بعد تقدير الجواب بما مر إنه إتا نهى عن الجهر كقوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك} [سورة الأعراف، الآية: 255] ، لماتا تعليم للعباد أن الجهر ليس لإسماع الله بل لغرض آخر كما ذكره المصنف رحمه الله هنا واختاره لأن الجهر ليس بمنهيئ عنه بل هو لحكمة، وتصوير النفس
إثباتا صورته ورسوخه فيها، والجواز بضم الجيم وفتح الهمزة والراء المهملة، كالصراخ لفظا ومعنى.
قوله: (المستجمع لصفات الألوهية (عداه باللام لأنه لازم يقال: استجمع الليل أي اجتمع، وأما قول الفقهاء مستجمعا شرائط الصحة فليس بثبت كما في المغرب وظاهر كلام الجوهري خلافه فإنه ذكر مما سمع من قولهم: استجمع الفرس جريا واستجمع كل مجمع، وجعل الأول تمييزا والثاني منصوبا على الظرفية غير لازم وكذا في تاج المصادر فما قيل إن الصواب أن يقول المصنف الجامع الخ لا وجه له. قوله: (بين أنه المنفرد بها الخ (تفرده بالألوهية من الحصر وتفرده بمقتضاها هو مدلول له الأسماء الحسنى ولام الاختصاص والتقديم يفيد ذلك، وقوله: صلة أي ظرف لغو متعلق به دماذا كان صفة فهو مستقر. قوله: (والانتقال من التكلم الخ (فهو التفات لأن الظاهر من قبيل الغيبة فهو مثل ضميره، وقيل: إنه من وضع
الظاهر موضع المضمر ولذا عبر بالتفنن لأنه أعئم منه، وفي الوجه الآتي لا تفنن فيه، ونسبته أي الإنزال إلى من وصف بهذه الصفات ولذا وضع الظاهر موضع المضمر لتجري عليه الصفات ووجه التنبيه ظاهر، وما ذكره من الحكاية بعيد جدا وفي قوله: ويجوز إشارة إلى ضعفه، وقوله: صفة لمن قيل اللى هر البدلية فإن من وما الموصولة لا توصف، وكأنه أراد الصفة المعنوية، وإن كانت في اللفظ بدلا وفي بعض الحواشي أنهم يطلقون الصفة على كل تابع وكله قصور فإن ما ذكر مذهب الكوفيين ومذهب البصريين أنه يجوز وصفهما كالذي والتي فإنهما يوصفان ويوصف بهما، وكذا ذو الطائية لأكره أبو حيان رحمه الله، وقوله: خبر محذوف تقديره هو كما أن الرحمن إذا رفع على المدح مثله أو هو حينئذ خبر ثان د! افادته المدح لأنه نعت مقطوع لا أنه بتقدير نعم كما توهم وطبقات الأرض سبع طينية وترابية وسيأتي بيانها، قيل: الطبقة الترابية لا تحت لها على القول بكرية الأرض، فالأحسن تفسيرها بالطينية ويشهد له قول أهل اللغة: الثرى الأرض الندية، ولذا قالط الزمخشري: ما تحت الأرضين السبع، ولا يخفى أنه بعد تفسير المصنف لمراده بقوله: وهي آخر طبقاتها لا يرد عليه شيء فإنها متلاصقة لا متداخلة فتأمل، وتأنيث الحسنى لأنها صفة الجمع وكل جمع مؤنث، وقوله: لدلالتها الخ أو لشرف الذات الموصوفة بها. قوله تعالى:) أوهل أتاك " الخ (من عطف القصة فلا يضر تخالفهما خبرا وإنشاء مع أنها قد تؤؤل بالخبر والاستفهام تقريرفي لا إنكاري بناء على أنه أول إتيانه له، وقوله: ففي أي اتبع والمعنى أتى بها عقبها وتمهيد نبؤته بنزول القرآن والوحي عليه كما يدل عليه ما قبله وقوله ليأتثم أي ليقتدي به ويتسلى بقصصه، والأعباء جمع عبء كحمل لفظا ومعنى، والمراد بأعباء النبة مشاق التبليغ فعطفه عليه تفسيري، وقوله: فإن هذه السورة الخ تعليل لمقدر أو لما يفهم مما قبله أي لأنه محتاج إلى التثبيت والإرشاد في أول أمره ونزول هذه السورة، كذلك لأنها من أوائل ما نزل عليه. قوله: الأنه حدث الخ (أي مصدر هنا لأنه يكون اسما للكلام وهو كالجوامد لا يعمل، ومصدر بمعنى التكلم فيعمل ويتعلق به الظرف حينئذ، وفي شروح الكشاف أن القرينة على أنه أريد المعنى المصدري قوله: فقال لأهله امكثوا بخلاف قوله: هل أتاك حديث الغاشية فإنه بمعنى الخبر، وقيل عليه إن الظاهر أن المراد القصة بتمامها والظرف يكفي لتعلقه رائحة الفعل ولذا نقل الشريف عن بعضهم أن القصة والحديث
والخبر والنبأ يجوز أعمالها في الظروف خاصة وإن لم يرد بها المعنى المصدري لتضمن معناها الحصول والكون، وحماى عليه بعضهم هنا كلام الشيخين فمعنى لأنه حدث لأنه متضمن معنى حدث وهو الحصول أو التحذث والإخبار ولا يخفى بعده لكن إبقاؤه على ظاهره أظهر لأنه هو المعروف فيه وأن وصف القصة بالإتيان أولى من وصف التحدث به وكونه مفعولا لا ذكر بتقدير فاذكر إذ رأى أي وقته والمراد ما وقع فيه من الأمر الغريب الجدير بأن يذكر، وقوله: وفيه الطور أي عنده، وقوله: شاتية أي باردة برد الشتاء ومثلجة وقع فيها الثلج والتاء فيها للتأنيث لكونها صفة لليلة، ولا حاجة لجعلها للمبالغة ولا إلى ادعاء التجوز في الإسناد على أنها من شتوت بمعنى أقمت شتاء، وقوله: إذ رأى قيل
إنه بتقدير فبينما هو كذلك إذ رأى فإذ فيه فجائية بخلاف ما في التنزيل ولك أن تبقيها على ظاهرها وضم هاء الفمير للاتباع وهر الأصلى فيها عند أهل الحجاز، وهو اتباع لما بعده، وقوله: أقيموا مكانكم أي فيه وفي نسخة بمكانكم. قوله: (أبصرتها (وقد ورد بهذا المعنى في كلام العرب أيضا في أبيات ومنه إنسان العين، وقيل: الوجدان وقيل الإحساس وقيل غير ذلك وكقوله:
آنست نبأة وقد راعها الف ضاص يوما وقد دنا الإمساء
…
والقبس معناه الشعلة عند أهل اللغة فعل بمعنى مفعول ولذا مرض تفسيره بجمرة ويشهد
له قوله تعالى: {بشهاب قبس} ، [سورة النمل، الآية: 7] ، أي شعلة ساطعة تقتبس من نار، وأو في النظم الظاهر أنها لمنع الخلؤ، وقوله: هاديا إشارة إلى أن المصدر مؤؤل باسم الفاعل واقتصر على المفرد ولم يقل: قوما يهدوني كما في الكشاف اكتفاء بما هو المتيقن وأشار إلى أن الهداية تحتمل معنيين الدلالة على الطريق لأنه ضل عنها كما تذمه وهو الظاهر وفي تقديمه ما يدل على ترجيحه لمناسبته للمقال، ولذا قال: فإن الخ لكنه قيل إنه لا يدفع البعد عنه ويعن لهم بمعنى يعرض ويطرأ، وقوله: ولذلك حققه لهم بأن إشارة إلى أن التأكيد قد يكون لإفادة أنه أمر محقق وإن لم يكن ثمة تردد أو إنكار، وما ذكر في المعاني بناء على الأغلب كما صرحوا به. قوله: (ومعنى الاستعلاء الخ (لما كان الاستعلاء عليها بحسب الظاهر غير مراد لأنه يقتضي دخولها أوله بأنه بتقدير مشرفين عليها، والإشراف الاطلاع وهر يتعدى بعلى أو هو مجاز
مشهور صار حقيقة عرفية في الاستعلاء على مكان قريب ملاصق لها كما في قوله:
وبات على النار الندى والمحلق
ونحوه ما نقله عن سيبويه رحمه الله والمراد بأهلها من هو عندها للإصطلاء والانتفاع بها وبياضها بالنور ورؤية النار منها مع خضرتها من أسفلها إلى أعلاها من خوارق العادة، واختلف في تلك الشجرة هل هي من شجر العوسج أو غيره مما لا حاجة إلى تعيينه، وقوله تعالى: " ئودي، في الدر المصون القائم مقام الفاعل ضمير موسى وقيل: ضمير المصدر أي نودي النداء، وقوله: يا موسى تفسير له وهو ضعيف ومنعوا أن يكون القائم مقامه الجملة لأن الجملة لا تكون فاعلا ولا قائما مقامه يعني إلا أن يعتبر تضمينه معنى القول ويقصد بهذا لفظه وحينئذ فلا يظهر وجه منعه فتأمل. قوله: (أي بأني (يعني بحذف الجار وهو مطرد فيه ونادى يتعدى بالباء وقوله بإضمار القول لأنه لا يعمل في الجمل عند البصريين والكوفيون يجرون ما هو في معناه مجراه وإليه أشار بقوله: أو إجراء الخ، وقوله: وتكرير الضمير يعني أنا سواء كان تأكيدا لاسم إن أو مبتدأ أو الجملة خبرها ويحتمل أنه ضمير فصل. قوله: (قيل إنه لما نودي الخ (اعلم أن المتكلمين بين مثبت للكلام وناف له والمثبتون له فرقتان منهم من قال: إنه كلام نفسيئ بلا حرف ولا صوت وتحقيق الكلام النفسي، والفرق بينه وبين العلم مفصل مذلل في الأصول، ومنهم من قال: إنه لفظي واستلزام اللفظ للحدوث لأنه لا يوجد بعضه إلا بتقضي بعض آخر إنما يلزم من التلفظ بآلة وجارحة وهي اللسان أما إذا كان بدونها فيوجد دفعة واحدة، كما يشاهد في الحروف المرسومة بطبع الخاتم دون القلم وهذا ما اختاره الشهرستاني، وموسى كلمه الله تعالى بغير واسطة ولذا اختص باسم الكليم فكلام الله له لمجييه وكونه من جميع الجهات لصدوره عن الذات المنزهة عن الجهة والمكان على مذهب الشهرستاني لا إشكال فيه وإن كنا لا نعرف حقيقته لأن من لم يذق لم يعرف، وأما على مذهب غيره فسماع الكلام النفسي مشكل فلذا حققه المصنف رحمه الله بأنه تلق روحانيئ، كما تتلقى الملائكة كلام الله لا من جارحة، ثم أفاضته الروح بواسطة قؤة العقل على القوى النفسية ورسمته في الحس المشترك بصور ألفاظ مخصوصة فصار لقؤة تصؤره كأنه يسمعه من خارج فشاهده في اليقظة كما يرى النائم أنه يكلم ويتكلم ووقوف الشيطان حيحثذ عليه إفا أن يكون كذلك أو بالتفرس من كونه على هيئة المصغي المتأمل لما يسمعه، وهذا تحقيق لكلامه بما لا مزيد عليه، فقوله: من جميع الجهات وبجميع الأعضاء نفي لكونه صوتا كالأصوات كما ورد في الحديث يمين الله، وكلتا يديه يمين لنفي
الجارحة كما في الانتصاف دماليه أشار العارف بهلول رحمه الله ونفعنا
ببركاته بقوله:
إذا ما بدت ليلى فكلي أعين وإن حذثوا عنها فكلي سامع
…
فما وقع في شرح الكشاف للفاضل اليمني وتبعه غيره من أن المسموع هو الحرف رالصوت ولا يعقل كون غيره مسموعا، وأن المراد بسماعه من جميع الجهات أنه يسمع من كل جهة مثل ما يسمع من الأخرى لا أنه واحد بعينه فليس بسديد لمن ألقى السمع وهو شهيد، وما ظن من أنه يعارضه قوله تعالى:{وناديناه من جانب الطور الأيمن} [سورة مريم، الآية: 52] ، فإنه صريح في سماعه من جهة واحدة فليس بشيء فإن الظرت حال من المفعول وقيد له لا للفعل ولا للفاعل أي حال كونه قريبا من جانب الطور، ويجوز تعلقه به على حذ رميت الصيد في الحرم، وكذا قوله: نودي من شاطىء الوادي ونحوه، وكذا لا حاجة إلى أن يقال: إنه محمول على ظاهره، وهو تعالى قادر على أن يجعل في كل عضو قؤة سامعة مدركة! لأصوات فلا يختص إدراكه بجهة وقد صرح به بعض العارفين، وقوله: وانتقك إلى الحس المشترك أي انتقلت صورة منه إليه فلا يرد أنه يأباه كونه كلامه تعالى حقيقة إذ هو غير منتقل عنه تعالى. قوله: الأن الحفوة (بكسر الحاء وجوز ضمها وهي المشي بدون نعل، وقوله: فزغ قلبك من الأهل والمال وقيل: من الدنيا والآخرة وفيه بعد ووجهه أن يراد بالنعل كل ما يرتفق به وغلب على ما سواه تحقيرا ولذا أطلق على الزوجة نعل كما في كتب اللغة فما قيل: إن وجهه ليس بواضح ليس بواضح، وقوله: باحترام البقعة أي تعظيمها لشرفها، وقوله: يحتمل المعنين أي يجري على التفسيرين في النعلين لأن المقدس بمعنى المنزه عن الأمور الدنيوية فيناسب التجزد منها أو المطهر عن الدنس الحسي والمعنوي فيقتضي خلع ما فيه نجاسة، وقيل: المراد بالمعنيين كونه اسم مفعول أو مكان ووجه التعليل ظاهر. قوله: (عطف بيان للوادي (أو بدل فهو مجرور على أن معناه المكان وقيل إنه جبل الطور وعلى الوجه الآخر فهو منصوب على المصدر إما بمقدس أو نودي وعلى عدم تنوينه هو ممنوع من الصرف للعلمية، والتأنيث باعتبار البقعة كما في سائر أسماء الأماكن، أو للعدل كعمر، وقيل للعجمة وكذا هو إذا كسرت طاؤه كما قرئ به، وقوله: كثني أي لفظا ومعنى وظاهر أنه مصدر وقال ابن السيد أنه ما يطوى من جلد الحية ويقال: فعل الشيء طوي أي مزتين فيكون موضوعا موضع المصدر، واخترتك حذف مفعوله الثاني أي من الناس أو من قومك، وقرأ حمزة بفتح هصش ة أنا عطف على أني أنا
ربك لأنه قرأه بالفتح أيضا وجوز أبو البقاء رحمه الله أن يكون على تقدير ولأنا اخترناك فاستمع فعلق باستمع والأول أولى كذا في الدر المصون، وقيل: إنه بتقدير فاعلم أنا الخ وهو معطوف على اخلع ولا يجوز عطفه على إني أنا ربك لأن حمزة رحمه الله لم يقرأه بالفتح. قوله: اللذي الخ (يعني أن ما موصولة أو مصدرية، وقوله: واللام الخ أي إن لم تكن زائدة كما في ردف لكم كما قيل، وتعلقه بكل منهما أي على البدل لا على أنه من التنازع كما فهمه أبو حيان حتى يرد الرد بأنه لا يجوز تعليقه باخترتك لأنه يجب إعادة الضمير مع الثاني فيقال: فاستمع له لما يوحي فيجاب عنه بأنه أراد التعليق المعنوي من حيث الصلاحية ومراده ما قدمناه وعبارته تحتمله لا تأباه كما توهم مع أن امتناع الحذف فيه ممنوع، وفاء فاستمع سببية. قوله: (داذ على أنه مقصور الخ (ضمير أنه للوحي لا لئه كما توهم هافادته القصر من البدلية البعضية لأنك إذا قلت أكلت الرغيف ثلثه أفاد أن المأكول ثلثه لا غير، ولا حاجة إلى القول بأنه من التخصيص بالذكر في مقام الاحتياج إلى البيان، وأشار بقوله: الذي هو منتهى العلم والتي هي كمال العمل إلى أن القصر فيه اذعائي بجعل ما عدا النهاية والكمال لكونه كير مقصود بالذات بل بالتبعية والعرض كأنه ليس بوحي فما قيل إنه لا يصح القصر لأن ما بعده إلى قوله: رب اشرح لي صدري الخ مما يوحي إليه لا وجه له، ويلزم من التوحيد معرفة الصفات والأفعال الإلهية. قوله: (خصها بالذكر (أي مع دخولها في العبادة، كما خص جبريل بالذكر بعد الملائكة، وفي جعل إقامة الصلاة لأجل ذكره الله على أنه مضاف للمفعول ما يدل على أنها مخ العبادة وفصها ولذا قدم هذا الوجه لدلالته على ما ذكر بخلاف ما بعده وهو ظاهر، وقيل:
المراد بقوله: خصها بالذكر بلفظه فيكون ما بعده تأسيسآ، ويجوز كونه تأكيدا وفيه نظر، وقوله: للعلة أي إظهارا للعلة الخ، وهو ضمير العلة وذكره لتذكير الخبر وقوله: وشغل القلب واللسان فالذكر شامل للقلبي واللساني. قوله: (وقيل لذكري (أي معنى لذكري فهو مضاف للفاعل والأمر بها يستفاد من كتابتها في الكتب الإلهية، ومعنى لأن أذكرك بالثناء لأثني عليك أي لأثيبك عليها، وقوله: ولا تشوبها أي لا تخالطها وهو مستفاد من التخصيص بالذكر، وقوله: لأوقات ذكري فاللام وقتية بمعنى عند كما في كتبتها لخمس خلون، وقوله: لذكر صلاتي اللام فيه وقتية أو تعليلية أي عند تذكرها أو لأجل تذكرها. قوله: الما روي الخ (هذا
حديث صحيح رواه أصحاب السنن ووقع في البخاري، ولذا قال التوربشتي: ءن الآية تحتمل وجوها ولكن الواجب المصير إلى وجه يوافق الحديث فالمعنى أقم الصلاة لذكرها لأنه إذا ذكرها فقد ذكر الله أو يقدر فيه مضاف أي لذكر صلاتي، أو وقع ضمير الله موقع ضمير الصلاة لشرفها وخصوصيتها اهـ. وقيل: تبعا لصاحب الكشف وغيره لا نسلم أن الحديث يقتضي تعيين هذا الوجه لصحة إرادة الوجه الأول منه لأن وضع الصلاة إذا كان لتذكر المعبود وهي محله فإذا ذكرها المكلف تبادرت الحكمة في مشروعيتها إلى ذهنه فيكون حاملا على إقامتها، ولذا جعل الزمخشري تأوبل الحديث تمحلا وبهذا اندفع ما قيل: إنه لو أريد هذا القيل أقم الصلاة لذكرها كما في الحديث، والجواب بأن ذكر الصلاة سبب لذكر الله فأطلق المسبب على السبب أو المضاف مقدر، أو المراد للذكر الحاصل مني فأضيف الذكر إلى الله لهذه الملابسة تكلف ولا يخفى أنه لا يزيل التكلف بل يزيده، ثم إنه لا وجه لتخصيص الوجه الأول كما سترى والأظهر ما في بعض شروح الكشاف من أنه لما جعل المقصود الأصلي من الصلاة ذكر الله وهو حاصل مطلوب في كل وقت فإذا فاته الوقت المحدود له يخبغي المبادرة إليه ما أمكنه فهو من إشارة النص لا من منطوقه حتى يحتاج لما ذكر، ولذا قال في أحكام الجصاص هذا لا ينافي كون المعاني الأخر مرادة من الآية فكأنه قال: أقم الصلاة المنسية لتذكرني فيها بالتسبيح والتعظيم أو لأذكرك بالثناء والمدح أو لأنها مكتوبة أو لتخصني بالذكر فيها فتدبر. قوله: (كائنة لا محالة (هذا مستفاد من تأكيدان والجملة الاسمية. قوله: (أريد إخفاء وقتها (لما كان الإخبار بأنها ستأتي تحقيقا إظهارا لها في الجملة ينافي إخفاءها أولوه بما ذكر من أن المراد إخفاء وقتها المعين، ولما كان كونه من المغيبات يناسب أن يقال: أخفيها بدون أكاد فسروا أكاد بأريد وهو أحد معانيها كما نقله ابن جني في المحتسب عن الأخفش رحمه الله تعالى واستدلوا عليه بقوله:
كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى
…
يعني أرادت وأردت لقوله: وتلك خير إرادة، وقيل: أكاد هنا زائدة اهـ. قوله: (أو أقرب
أن أخفيها الخ (يعني أنها بمعناها المعروف من أفعال المقاربة فالمراد إخفاء ذكرها الإجمالي، والمعنى أنه تعالى كاد أن لا يذكرها ولو إجمالا لكونها أخفى المغيبات لكنه ذكرها إجمالا كما
في قوله: إن الساعة آتية لحكمة وهي اللطف بالمؤمنين لحثهم على الأعمال الصالحة وعدم المبالاة بأمور الدنيا وقطع أعذار غيرهم حتى لا يعتذروا بعدم العلم ولما بالتشديد ويجوز تخفيفها وضمير به للإتيان. قوله: (أو كاد أظهرها (أي أعين وقتها ومتعلق الإخفاء والإظهار ليس بشيء واحد حتى يتعارض القراءتان، قال أبو عليئ: المعنى أزيل عنها خفاءها والخفاء بالفتح والمذ ما يلف به القربة ونحوها من كساء، وما يجري مجراه وهو الواقع في كلام المصنف أيضا وهو من ألفاظ السلب يقال: أخفيته إذا أزلت عنه خفاءه أي غطاءه، وساتره فيظهر لا محالة، ومنه يعلم كلام المصنف، وأما خفاه فمعناه أظهره لا غير فلذا جعل قراءة الهمزة على أنه مضارع الثلاثي مؤيدة لهذا التفسير، وذهب أكثر المفسرين إلى أن تقديره أكاد أخفيها من نفسي وكذلك هو في مصحف أبيئ وابن مسعود رضي الله عنهما ولم يرتضه الزمخشري، وقال: إنه لا دليل على هذا المحذوف ولا قرينة عليه لأن ما قبله يقتضي أن يقدر أخفى إتيانها، وقيل: إن الدال عليه أنه لا بد له من
متعلق، وهو من يخفى منه ولا يجوز أن يكون من الخلق لأنه أخفاها عنهم لقوله: إن الله عنده علم الساعة فيتعين ما ذكر، والمراد المبالغة في الإخفاء كما قالوا: كتمت سري عن نفسي، هاثباته في المصاحف قرينة خارجية عليه إذ لا يلزم وجودها في الكلام، وقيل: إنه محال فلا يناسب دخول كاد عليه وقد مر ما يدفعه لكن عدم صحة تقدير من الخلق ممنوع لجواز إرادة إخفاء تفصيلها وتعيينها منهم مع أنه يجوز أن لا يقدر له متعلق والمعنى أوجد إخفاءها ولا أقول إنها آتية كما في بعض شروح الكشاف: ثم إنه قيل: إنه لا مخالفة بين تفسيره بأكاد أظهرها وما قبله لأن المراد من هذا بيان قرب قيامها، كقوله: اقتربت الساعة ونحوه، كظهور إشراطها والمراد من كيدودة إخفائها وسترها إرادة إخفاء وقتها أو القرب من أن لا يخبر بأنها آتية وفيه أنه لا يناسب تعلق لتجزي به كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (متعلق بآتية (وما بينهما اعتراض لا صفة حتى يلزم إعمال اسم الفاعل الموصوف، وقوله: على المعنى الأخير لأنه يصير المعنى أظهرها لأجل الجزاء، وهو صحيح بخلاف أخفيها وأسترها لأجل الجزاء فإنه لا وجه له، وما قيل إنه غير بعيد لأن تعمية وقتها لتنتظر ساعة فساعة فيحترز عن المعصية ويجتهد في الطاعة لا يخفى ما فيه من التكلف الظاهر مع أنه لا صحة له إلا بتقدير لينتظر الجزاء أو لتخاف وتخشى. قوله: (عن تصديق الساعة (أي التصديق بالساعة إذ ليس المراد الصذ عنها نفسها، وقوله: أو عن الصلاة فالضمير لها وفيما قبله للساعة وقوله: نهى الكافر الخ إشارة إلى ما في الكشاف من أن المراد نهى موسى عليه الصلاة والسلام عن التكذيب باللبعث أو أمره بالتصديق والعبارة لا تؤديه لأنها لنهي من لا يؤمن عن صذه فلذا أوله بوجهين، أحدهما أنه ذكر السبب وهو الصذ وأريد مسببه
ولازمه وهو الانصداد أو عدم التصديق مجازا أو كناية كما في لا أرينك ههنا فإنه نهى عن رؤيته، والمراد النهي عن لازمه وسببه وهو مجيئه وكونه هنا لكنه عكس الأول في السببية والمسببية، وإلى هذا أشار بقوله: والمراد الخ والثاني أنه ذكر المسبب وهو الصذ وأريد النهي عن سببه وهو لينه لهم وملايمته حتى يتجزؤوا على صذه فكأنه قيل: كن شديدا عليهم، هاليه أشار بقوله: وأنه ينبغي الخ ولو أخر المثال كما في الكشاف لكان أولى ومن ظنهما وجها واحدا قال: لا يقال على هذا تكون الآية من ذكر المسبب وإرادة السبب فلا يناسب جعله مما يتفزع على ذكر الصذ د ارادة الانصداد لأنا لا نسلمه لظهور أن التنبيه على شيء غير إرادته ولا يستلزمه كما في مستتبعات التراكيب ولا يخفى أنه مخالف لما في الكشاف وشروحه مع بعده ثم إن هذا مبنيئ على إرجاع الضمير إلى الساعة لا إلى الصلاة كما توهم، وقوله: فتردى مرفوع أي فأنت تردى أو منصوب في جواب النهي، والمخدجة بمعنى الناقصة، ووجه التنبيه أنه جعل ذلك بالصذ لا بالفطرة والسليقة ولذا لم يجعل النهي له بحسب الظاهر. قوله: (استفهام (أي تقريري عن الجنس أو الصفة على ما فصل في شروح الكشاف، وقوله: يتضمن استيقاظا يعني المقصود من السؤال تعديد منافعها ليريه ما فيها من العجائب التي هي أعظم مما عنده فما طالبة للوصف وما تلك بمعنى ما منافع تلك، وقوله: حال من معنى الإشارة فيه تسمح والمقصود أنه حال من اسم الإشارة الواقع خبرا أو مبتدأ على القولين، والعامل في الحال ما فيه من معنى الفعل لأنه فيه معنى أشير وتسمية ااخحاة عاملا معنويا كما في قوله: وهذا بعلى شيخا. قوله: (وقيل صله تلك (وهذا على مذهب الكوفيين الذين يقولون: إن كل اسم إشارة يجوز أن يكون اسما موصولا والبصريون لا يقولون به إلا في ذا في ماذا، وما قيل:! ت أن المراد بالصلة أنا " متعلق باسم الإشارة لتضمنه معنى الفعل على أنه لغو لا وجه له. قوله: (على لغة هذيل (وهي قلب الألف التي قبل ياء المتكلم ياء للمجانسة كما يكسر ما قبلها في الصحيح، والقطيع العما
المجتمعة وقوله: وأخبط الورق يعني أن أهش بفتح الهمزة وضم الهاء بمعنى أخبط ومفعوله محذوف وهو الورق أي اليابس، والمعنى أضربه ليسقط على رؤوس الغنم ويقع عندها فتأكله، وقوله: وقرئ أهش أي بفتح فكسر أو بضم فكسر كما نقل عن النخعيئ وكونه من هش الخبز يلائم الضم، والهشاشة الرخاوة، وزجر الغنم منعها وأنجى عليه بالعصا
ونحوها رفعها عليه موهما للضرب، وهو بيان للتعذي بعل! اعلى هذا، وفي كتاب السين والشين لصاحب القاموس يقال: هس الشيء وهشه إذا فتنه وكسره، والهسيس مثل الفتيت فهما بمعنى، وأن في أن كان مخففة أو مصدرية هاداوته بكسر الهمزة والدال المهملة هي المطهرة وفي نسخة إدوائه جمع أداة وهي الآلة كالقوس والكنانة وغيرها وعرض بالتخفيف والتشديد، والزندان هما عودان يحك أحدهما بالآخر فتخرج النار والرشاء بالكسر الحبل الذي يستقى به.
قوله: (وكأئه لجيور الخ (إشارة إلى نكتة الأطناب وقد كان يكفي عصاي أو عصيئ وقال:
كأنه لاحتمال أنه للاستئناس وإزالة ما لحقه من الهيبة، وقوله: يشتعل شعبتاها بالليل، كالشمع قيل هذا ينافي ما مر في تفسير قوله: إذ رأى نارا، وأجيب بأن النار للاستدفاء لا للاستصباح، ورد بأن قوله: مظلمة يدفعه فلعل الله طمس نورها إذ ذاك كما أصلد الزند ليضطره للطلب، وينضب بالضاد المعجمة والموحدة يغور ويغيب، وقوله: علم أن ذلك آيات باهرة جواب إذا وهو يدل على أن هذا بعد الاستنباء دىالا كان إرهاصا أو كرامة، وقوله: فذكر معطوف على فهم وليطابق متعلق به، وحقيقتها إذ قال: هي عصاي، ومنافعها ما بعده، والإجمال في قوله: مآرب أخرى. قوله: (يغلظ العصا ثم تورمت الخ (جواب عما بالخاطر من أنها سميت حية وتارة ثعبانا، وتارة جانا وهي واحدة والحية دىان عمت أصنافها لكن الثعبان العظيم من الحيات، والجان الدقيق منها فبينهما تناف فدفعه بأنه باعتبار أطوارها وحالاتها فإنها في ابتداء
الانقلاب كانت دقيقة ثم تورمت وانتفخت فتزايد جرمها في رأي- المحين فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها، أو أن جرمها جرم ثعبان وهي في خفتها وسرعة حركتها وقدرتها على الحركة والانتصاب كالجان فلذا أتى بأداة التشبيه في أية أخرى فلا تنافي، وقيل: على قوله: سماها جانا أنه لم يقع في التنزيل إلا التشبيه به وهو ليس بتسمية، وأجيب بأن كل تشبيه يصح فيه الاستعارة وهي إطلاق وتسمية ولا يخفى تكلفه، والأولى أن التشبيه قد يكون في الجنسية والنوعية فهو إطلاق في الحقيقة كما يقال: هذا الثوب كذا أي في كونه خرأ مثلا كما فصل في محله، وقوله: فإنه تعليل لنهيه عن الخوف المقتضي لوجوده، وقيل لقوله خذها. قوله: (هيئتها (لأن فعلة للهيئة والحالة الواقعة في السير بحسب الوضع، والمتقدمة تفسير للأولى، وقوله: تجوز بها للطريقة والهيئة الهيئة هنا بمعنى الحالة والكيفية وكان معناها الحقيقي هيئة السير فجزدت لمطلق الهيئة، والطريق أيضا بمعناها كما يقال طريقة فلأن كذا أي حاله. قوله: (وانتصابها على نزع الخافض الخ (وأصله إلى سيرتها أو لسيرتها فإنه يتعدى باللام أيضا، كقوله تعالى:{يعودون لما قالوا} [سورة المجادلة، الآية: 3] وهو كثير وإن لم يكن مقيسا وجوز فيه أن يكون بدل اشتمال من الضمير، وقوله: أو على إن أعاد منقول الخ هذا معنى قوله: في الكشاف ويجوز أن يكون إعاد منقولا من عادة بمعنى عاد إليه ومنه بيت زهير:
وعادك أن تلاقيها عداء
فيتعدى إلى مفعولين اهـ وقد قيل على المث! نف رحمه الله أنه لم يذكره أهل اللغة وما في
بيت زهير من نزع الخافض فيتحد مع الأول ولهذا اقتصر الزمخشري على هذا الوجه ولم يذكر الأول) أقول (كيف يصح تفسير كلام الزمخشري بما ذكر ولو كان كذلك لم يكن فيه نقل لأن الخافض يحذف من هذا من غير نظر إلى ثلائيه، وقوله: فيتعدى إلى مفعولين صريح فيما ذكره المصنف رحمه الله، وقوله: لم يذكره أهل اللغة غير صحيح فقد نقل الشارح الطيبي عن الأصمعي أن عادك في البيت متعد بمعنى صيرك فيتعدى بالهمزة إلى مفعولين وكذا نقل الفاضل اليمني وفي المغرب العود الصيرورة ابتداء وثانيا ويتعدى بنفسه وبإلى وعلى وفي واللام، وفي مشارق اللغة للقاضي عياش مثله ونقل الحديث أعدت فتانا يا معاذ. قوله: (أو على الظرف لأنه بمعنى الطريقة والمذهب فهو مجاز عن الظرف المكاني كما أشار إليه المصنف رحمه أدته، واعترض عليه أبو حيان بأن شرط الانتصاب على الظرفية المكانية وهو الإبهام مفقود هنا وتبعه المحشي، وعندي أنه غلط نشأ من تفسيره فإن كون نصب الطريق شاذا وضرورة كما في قوله: ع! سل الطريق الثعلب
مردود كما في شرح الكتاب فإن نحاة المغرب كما في
شرح التسهيل قسموا المبهم إلى أقسام، منها المشتق من الفعل كالمذهب، والمصدر الموضوع موضع الظرف نحو قصدك ولم يفرقوا بين المختوم بالتاء وغيره. قوله: (بعد ذهابها (أي ذهاب صورتها وتسير سيرتها إشارة إلى أنه مفعول مطلق والجملة استئنافية أو حالية، وقيل إنها مقدرة وفيه نظر ولحييها تثنية لحي وهو منبت الأسنان وتالوا: إن لحييها كانا شعبتيها. قوله: (إلى جنبك تحت العضد (وهو من المرفق إلى الإبط، وفي الكشاف إلى جنبك تحت العضد دل على ذلك قوله: تخرج وقيل عليه يرذه قوله أدخل يدك في جيبك لأنه صريح في أن المراد الدخول في الجيب والخروج منه يعني أن الدلالة غير مسلمة ولذا تركها المصنف، والجيب ما انفتح من القميص عند النحر وهو بمعناه المعروف صحيح لكنه مولد وتسميه العامة طوقا، والمراد أدخل يدك اليمني من طوقك واجعلها تحت عضد اليسرى عند الإبط فلا منافاة بين الآيتين، ومن لم يفهم مراده رذه بأنه لا منافاة بين الإدخال تحت العضد بعد الإدخال في الجيب وبين الإخراج من الجيب بعد الإخراج من تحت العضد فتأمل. قوله: (استعارة من جناحي الطائر الخ (قيل هي استعارة لغوية كالمرسن للأنف قيل وليس كذلك، والحق معه لأن تشبيه الجنب بجناح الطائر لا حسن فيه بخلاف ما لو أريد به اليد كما فسره به في سورة القصص فإنه وجه آخر والتشبيه فيه حسن فتأمل. قوله: (بجنحهما عند الطيران (أي يميلهما وقوله: تخرج مجزوم في جواب أمر مقدر كأنه كما قال المعرب: اضمم يدك تنضم وأخرجها تخرج فحذف من الأول والثاني وأبقى ما يدل عليه فهو إيجاز يسمى بالاحتباك، وقوله: مشعة بضم الميم وكسر الثين المعجمة وتشديد العين المهملة المفتوحة وتاء التأنيث، وقيل: إنها للمبالغة يقال: أشعث الشمس إذا أخرجت شعاعها. قوله: (من غير سوء (من تعليلية وهو احتراس وهو متعلق بتخرج أو ببيضاء لأنه في تأويل ابيضت، ويجوش أن يكون حالا من الضمير فيها أو صفة لها وقوله: عابه بمعنى عيب، وهو معروف يقال: عابه عيبا وعابة، وعطف القبح عليه تفسيري وقوله: كني به أي لم يصرح به بل أتى بما يشمله وغيره ويصح أن يراد به الكناية المصطلحة، والطبائع جمع طبع كما ذكره ابن السيد ويكون مفردا قيل: البرص غير محتمل في مقام الإعجاز والكرامة فلا وجه للاحتراس عنه فالوجه أن خروج انشيء عن خلقته مما يستقبح فلذا ذكر أنه ليس كذلك، ورد بأن الوهم شيطان فتبادر ذلك إليه يكفي للنكتة ولولا هذا لم يكن لما ذكره وجه، وقوله ة لأن الخ تعليل لقوله: كني وإذا نفرت عنه الطباع مجته الأسماع، وقوله: معجزة ثانية والأولى هي العصا.
قوله: (وهي حال من ضمير تخرج الخ (لجواز تعدد الحال على الصحيح، ويجوز أن تكون بدلا من بيضاء، وقوله: أو دونك الذي هو اسم فعل بمعنى خذ بناء على جواز عمله محذوفا كما هو ظاهر كلام سيبويه وإن منعه بعض النحاة لأنه نائب عن الفعل ولا يحذت النائب والمنوب عنه فإنه منقوض بيا الندائية فإنها تحذف مع أنها نائبة عن أدعو، وقال السفاقسي: هو تقدير معنى لا إعراب فلا يرد عليه شيء مما قيل، وقوله: بما دل عليه لأنها علامة دالة فتدل على معنى دللنا، ولم يعلقه بآية لأنها وصفت، وما دل عليه القصة قوله: فعلنا ذلك ففي كلامه لف ونشر، وجوز الحوفي تعلقه باضمم وجوز غيره تعلقه بتخرج وألق وإذا كانت الكبرى صفة فمن تبعيضية ومن آياتنا هو المفعول الثاني. قوله: (أو مفعول نريك الخ (قيل: الأول أولى لدلالته على أن آياته كلها كبرى بخلاف هذا وعلى الثاني لا تكون الكبرى صفة العصا واليد لمالا لقيل الكبر بين مع أن إعجاز العصا أكبر من اليد، إلا أن يقال لاتحاد المقصود جعلا آية واحدة فوصفت بالمفرد كقوله: يكونون عليهم ضدا أو أفرد باعتبار كل واحد، أو يقال: لا حاجة إلى بيان كون العصا كبرى لظهوره بخلاف اليد لاحتمال ذهاب الوهم إلى أمر آخر، وهو مما لا طائل تحته لأنه جوز في المراد بالكبرى أن تكون الأولى والثانية وهما لأن من على هذا تحتمل الابتداء والتبعيض والبيان أيضا بأن يراد الكبرى أو يقدر موصوفها آيات ولا بعد فيه كما ذكره شراح الكشاف. قوله: (بهاتين الآيتين وادعه إلى العبادة (كون الذهاب بهاتين الآيتين علم من تقديمهما، وذهاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بالمعجزة إنما هو للدعوة فلذا قدر المعطوف الدال عليه ما بعده لكنه جعل المدعؤ إليه العبادة دون الطاعة أو الإيمان مع أنه المتبادر لدلالة، قوله: إنه طغى المسوق للتعليل عليه، فإن تكبره عن عبادة الله ولقوله:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [سورة الذاريات، الآية: 56] . قوله: (بخطب عظيم (هو دعوة فرعون الجبار، وقوله: ويفسح قلبه إشارة إلى أنه ليس المراد بالشرح هنا الشق بل لازمه وهو الفسخة والتوسيع وأن توسيعه عبارة عن عدم الضجر والقلق القلبي لأن القلب هو المدرك، وأعبائه بمعنى مثاقه والتلقي معطوف على تحمل أي يفسح قلبه لتلقي الوحي النازل عليه، ويسهل معطوت على يشرح وبإحداث متعلق به. قوله: (وفائدة الخ (أي ذكر لي مع أن المعنى تام بدون ذكره فذكره أطناب فائدته أنه يحصل بذكره إجمال لأنه لما قال اشرح لي لم يعلم ما المشروح إلا إجمالأ
لأنه لا بد له من متعلق، فلما قال صدري علم تعيينا وتفضيلا وفي الإجمال والتفضيل تأكيد لأنه كذكره مزتين ومبالغة بذكر الصدر مع أنه في الحقيقة للقلب الذي فيه، كما أشار إليه بقوله: ويفسح قلبه وقيل عليه إنه كما أن اشرح لي يدل على أن ثمة مشروحا كذلك اشرح وحده يدل عليه لما فيه من الإبها اأيضا، وأجيب بأنه لما كان المطلوب شرح شيء ما له لا على التعيين بخلاف اشرح فإنه لا يدل عليه أتى بذلك وإليه مال في المفتاح، ويمكن أن يقال تقديم الظرف على المفعول به مؤيس عن ذكره فيحصل الإبهام بخلاف اشرح صدري فإنه لا يلتفت الخاطر فيه إلى غيره، وقد يقال: إن هذا هو المراد بالمبالغة وقيل: المبالغة فيئ البيان وهو يرجع إلى التأكيد وقيل: ذكر لي لزيادة الربط كما في قوله: اقترب للناس حسابهم، وفي الانتصاف إن فائدة ذكره الدلالة على أن منفعة شرح الصدر راجعة إليه فإنه تعالى لا يبالي بوجوده وعدمه وقس عليه يسر لي أمري. قوله: (فإنما يحسن التبليغ من البليغ (أي من يقدر على إبلاع كلامه من غير اعتقال لسان، وليس المراد به معناه المصطلح، ورتة بضم الراء المهملة وتشديد المثناة الفوقية حبسة ولكنة في اللسان وكذا كانت في الحسين رضي الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه إنه ورثها من عمه موسى عليه الصلاة والسلام وآسية هي امرأة فرعون، وأحضرا مجهول وضمير التثنية للياقوت والجمرة، وقوله: ولعل تبيض تفعل، وفي نسخة تفعيل أي جعلى الله لها بياضا كما مر، وقوله: كان لذلك أي كان كرامة في مقابلة ذلك أي أخذه بلحيته أو أخذه النار بيده، وقوله: عنه أي عن إبرائها، وقوله: تمسك الخ لأن إيتاء سؤله بإجابة دعائه ومن جملته حل العقدة. قوله: (احتج بقوله هو أفصح مني لسانا الخ (فإن المراد بأفصح أبين فيقتضي نقص بيانه وقيل عليه أن ا! فصاحة اللغوية مقولة بالتشكيك كما يدل عليه صيغة أفعل فيجوز أن تكون فصاحة موسى بزوال الرتة وفصاحة أخيه بقؤة القدرة على الكلام مثلا مع أنه يجوز أن يكون قوله: هو أفصح قبل استجابة دعائه، ووقل فرعون بناء على ما عرفه منه قبل ذلك، والاستدلال به وإن كان من كلام عدوه لتقرير الله له، ثم إن خاتمة المفسرين قالي: إن قوله أفصح شاهد عليه لا له لأن فيه دلالة على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان
فصيحا غايته أن فصاحة أخيه كثر، وبقية اللكنة تنافي الفصاحة اللغوية المرادة هنا بدلالة قوله: لسانا اص. ووجه الدلالة بين قال ابن هلال في كتاب الصناعتين: الفصاحة تمام آلة البيان ولذا لا يقال لله فصيح، دمان قيل لكلامه فصيح ولذلك لا يسمى إلا لثغ والتمتام فصيحين لنقصان آلتيهما عن إقامة الحروف، وقيل لزيادة الأعجم لذلك اهـ. فلا وجه لما قيل إن منافاة رتة اللسان للفصاحة اللغوية غير بينة ولو صح ما ذكره يكون بين قوله: هو أفصح، وقوله: ولا يكاد يبين منافاة. قوله: (بل عقدة تمنع الإفهام! فلا يقتضي زوالها بكمالها، وقوله: نكرها تنكير تقليل وتنويع ولم يضفها مع أنه أخصر، وجعل يفقهوا جوابا دليل على أن المراد ذلك هاذا كان صفة فمن ابتدائية أي عقدة ناشئة من لساني أو بمعنى في أو تبعيضية والتقدير من عقد لساني. قوله: (يعينئي الخ ((بيان لحاصل المعنى المقصود من طلبه ذلك، وقوله: من الوزر بكسر فسكون بمعنى الحمل الثقيل يثقل به فوزير صفة منه بمعنى صاحب وزر أي حامل لا بمعنى ثقيل لأن من يحمل الثقيل يثقل به، والمراد بالأمير السلطان كما يقال: أمير
المؤمنين، والوزر بفتحتين أصل معناه الجبل يتحصن به ثم استعمل بمعنى الملجأ مطلقا وأخذت منه الموازرة بمعنى المعاونة لأن المعين يلجأ إليه فهو فعيل بمعنى مفعول على الحذف والإيصال أي ملجأ إليه أو هو للنسب كما يجوز فيما قبله. قوله: (قلبت همزته واوا كقلبها في موازر (يعني أن قلبها في موازر قياسيئ لانضمام ما قبلها وكذا في هذا قلبت لكونها بمعناه فهو من حمل النظير على النظير وهو كثير في كلامهم فلا يخالف القياس. قوله: (ومفعولا اجعل الخ (فالمعنى اجعل هرون وزير إلى ولما كانت الوزارة هي المطلوبة قدمت اهتماما، وهذا ظاهر ومن أاهي على هذا صفة وزيرا أو متعلق باجعل، وقوله: وهرون عطف بيان بناء على ما ذهب إليه الزمخشري، وتبعه الرضيئ من أنه لا يشترط توافقهما تعريفا وتنكيرا خلافا لغيره من النحاة فلا يرد عليه اعتراض المعرب وابن هشام، ولم يجعله بدلا كما ذهب إليه بعض المعربين لأنه يكون هو المقصود بالنسبة وهو غير مناسب للمقام لأن وزارته هي المقصودة بالقصد الأولى هنا ويجوز نصبه بفعل مقدر في جواب مت أجعل أي اجعل هرون. قوله: (أو وزيرا من أهلي (قيل عليه إن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية منهما ولو ابتدأت بوزير أو أخبرت عنه بمن أهلي لم يصح إذ لا مسؤغ للابتداء به، وأجيب بأن مرإده أن من أهلي هو
المفعول الأول لتأويله ببعض كأنه قيل اجعل بعض أهلي وزيرا فقدم للاهتمام به وسداد المعنى يقتضيه ولا يخفى بعده والأحسن أن يقال: إن الجملة دعائية والنكرة يبتدأ بها فيها نحو سلام على آل ياسين وويل للمطففين كما صرح به النحاة فكذا بعد دخول الناسخ. قوله: (ولي تبيين (كما في سقيا له أي إرادته لي ويجوز فيه الإعراب السابق كما يجوز هذا فيما قبله لكنهم فرقوا بينهما في إعرابه فتأمل، في وجهه وسيأتي فيه كلام في سورة الإخلاصى. قوله: (وأخي على الوجوه بدل من هرون (قيل عليه هو عطف بيان لا بدل لأن إبدال الشيء مما هو أقل منه فاسد لا يتصؤر كما في دلائل الإعجاز، ورد بأن مراد الشيخ رد بدل الكل من البعض كنظرت إلى القمر فلكه الذي ذهب إليه بعض النحاة والنحاة مثلوا له بجاء زيد أخوك من غير نكير قتأمله، وكونه عطف بيان حسن، ولا يشترط فيه كون الثاني أشهر كما توهم لأن الإيضاح حاصل من المجموع كما حقق في المطؤل وحواشيه ولا حاجة إلى أن المضاف إلى الضمير أعرف من العلم لما فيه، وقوله أو مبتدأ خبره اشدد على التأويل المشهور والجملة استئنافية عليه. قوله: (على لفظ الأمر (إذ المقصود به الدعاء، وقوله: قرأهما أي اشدد وأشرك وليس المراد بالأمر النبؤة لأنه ليس في يده بل أمور الدعوة والأمر هو اجعل، وقوله: فإن التعاون المستفاد من الوزارة والمعنى أنه لتعاونه يقتضي قدرته على التبليغ وأداء خدمته فيؤذي لكفايته مهمه إلى تفزغه للعبادة، ولذا قال في الكشاف بعده وبأن التعاضد مما يصلحنا، وفيه أيضا إشارة إلى أنه تعليلى للمعلل الأول بعد تقييده بالعلة الأولى، وقوله: في وقت إشارة إلى أن مرة ظرف زمان وآخر بمعنى مغاير لهذا الوقت وهو شامل لجميع أوقات النعم وفيه دلالة على أن ما قبله منها!! اذ بدل منه أو تعليل، وذلك عند ولادته والخوف من فرعون. قوله: (بإلهام (قيل إنه بعيد لأنه قال في سورة القصص إنا راذره إليك وجاعلوه من المرسلين ومثله لا يعلم بالإلهام، وليس بشيء لأنها قد تكون شاهدت منه ما يدل على نبؤته صلى الله عليه وسلم وأنه تعالى لا يضيعه وإلهام الأنفس القدسية مثل ذلك لا بعد فيه فإنه كشف ألا ترى قول عبد المطلب وقد سمي نبينا كييه محمدا أنه سيحمد في السماء والأرض مع أن كونه داخلا في الملهم ليس بلازم كما سيأتي في قوله: فرجعناك الخ وقوله أو على لسان نبي في وقتها لكثرة أنبياء بني إسرائيل ولا عبرة بقوله: في الكشف أنه خلاف الظاهر المنقول، وقوله: أو ملك بناء على أنه يراه غير الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام وهو الصحيح لكنه قيل إنه حينئذ ينتقض تعريف النبي بأنه من أوحى إليه ولو قيل من أوحى إليه على وجه النبؤة دار التعريف، ولا ورود له لأن المراد أوحى إليه بأحكام شرعية لكنه لم يؤمر بتبليغها فتأمل وقوله: لا على وجه النبؤة لاختصاصها بالذكور عند الجمهرر. قوله: (ما لا يعلم إلا بالوحي (فسره به ليفيد فإن مفعول
الوحي لا يكون إلا بوحي، ويخل بضم الياء وفتح الخاء من أخل الفارس بمركزه إذا ترك موضعه المعين له ولعظم متعلق بينبغي، وقوله: بأن الخ فهي مصدرية قبلها جار مقدر أو تفسيرية لما يوحي، ويجوز على المصدرية كونه بدلا من ما أيضا. قوله: (والقذف يقال للألقاء وللوضع الخ (أصل القذف والرمي بمعنى الإلقاء ولكنه لاستلزامه للوضع قد يطلق عليه وان لم يكن الموضوع محسوسا وهو المراد هنا في الموضعين ويجوز أن يكون بمعنى الوضع في الأول والإلقاء في الثاني أي ألقيه في اليم وهو ظاهر. قوله: (فلام الخ (أي وضع فيه الحسن وتمامه:
له سيمياءلاتشق على البصر
ويافعا حال واليفع راليافع الصغير السن وهو القريب من العشرين سنة أو الذي لم يبلغ،
وهو من شعر عويف القوافي بن معاوية الفزاري الكوفي يمدح به عبد الرحمن بن محمد بن مروان وكان شابا في غاية الجمال أنزله عنده وكفاه مؤنته بما أغدقه عليه، وقد لقيه من غير معرفة بينهما فقال يمدحه:
غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياءلاتشق على البصر
…
كأن الثريا علقت في جبينه وفي وجهه الشعري وفي خذه القمر
…
ولما رأى لمجد استعيرت ثيابه ترذى رداء واسع الذيل واتزر
…
إذا قيلت العوراء اغضي كأنه ذليل بلا ذل ولوشاء لانتصر
…
دعاني فآساني ولو صذلم ألم على حين لا باد يرجى ولا حضر
…
وسمي عويف القوافي لقوله:
سأكذب من قد كان يزعم أنني إذا قلت قولالا أجيد القوافيا
…
والسيمياء بالمذ والقصر العلامة. قوله: الما كان القاء البحر الخ (إنما قال: لتعلق
الإرادة لأنه لا يجب على الله شيء لكن إذا تعلقت الإرادة بشيء فلا بد من وتوعه كالواجب، وقوله: كأنه ذو تمييز إشارة إلى أنه استعارة بالكناية بتشبيه أليم بمأمور منقاد! ماثبات الأمر تخييل، وقيل: إن قوله فليلقه استعارة تصريحية تبعية والمراد بالجواب جواب الأمر، وقوله: والأولى أن يجعل الخ إشارة إلى أن بعض الضمائر يحتمل أن يعود إلى التابوت لأنه المقذوف والملقي لكن فيه تفكيك للنظم لكنه أشار بقوله: الأولى إلى أنه جائز إذا قامت عليه قرينة أو رجحه مرجح كالقرب هنا لو لم يعارضه أن المقصود بيان أحوال موسى عليه الصلاة والسلام وهذا يحتمل أنه رد على الزمخشري إذ قال فيه هجنة لما يؤذي إليه من تنافر النظم. قوله: (فموسى عليه الصلاة والسلام بالعرض (إنما كان بالعرض لأن التابوت خشب يعلو الماء ويدفعه الموج لكنه بإلقائه يلقى ما فيه، والظاهر أنه حقيقة لا مجاز كما قيل، وقوله: جواب لأن القراءة بالجزم ووجه المبالغة في التكرير أنه يدل على أن عداوته كثيرة لا واحدة، ولو قيل: عدو لي وله جاز ولا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز،! ان كان جائزا عند المصنف رحمه الله لأنه صفة مشبهة دالة على الثبوت الشامل للواقع والمتوقع أو هو عدو لموسى عليه الصلاة والسلام حينئذ في الواقع إذ هو يبغض كل مولود في تلك السنة، وقيل: إنه من عموم المجاز، وقوله: قيرته أي طلته بالقار وهو الزفت لئلا يدخل فيه الماء فيهلك والبركة بكسر الموحدة وسكون الراء المهملة مستنقع الماء من غير بناء، والحوض ما بنى منه في الأكثر وقوله: يشرع أي يدخل فيه، وقوله: فأمر به أي بإخراجه ففيه مضاف مقدر، وأصبح من الصباحة بالموحدة وهي الجمال، وقوله: فأذاه إلى بركة يخالف قوله: بالساحل فإما أن يكون ألقاه أولا إلى الساحل ثم بعد ذلك إلى البركة أو يراد بالساحل الطرف والجانب مطلقا وهو الأولى وإليهما سيشير المصنف رحمه الله. قوله: (أي محبة كائنة مني (فالجار والمجرور صفة لها، وزرعها في القلوب استعارة لإظهارها وايجادها كما قلت:
أنبتت حبة الفؤادبقلبي لك حبآماشأنه تبذير
…
وعدم الصبر لانجذاب القلوب له، وقوله: أي أحببتك الخ فالمعنى على هذا أن الملقي
محبة الله تعالى ومحبة العباد له لأن من أحبه الله أحبه الناس كما ورد في الحديث، وعلى الأول الملقي محبة الناس التي هي
من الله لأنه ركزها في القلوب حتى أحبه فرعون وكل من أبصره كذا قرروه في الكشاف وشروحه واعترض عليه بأن وجه التخصيص غير ظاهر، فإنه على تقدير الوصفية يجوز أن يكون معناه أحببتك بأن يراد ألقيت عليك محبة كائنة من محباتي، وعلى التعلق بألقيت يكون المعنى ألقيت عليك محبة الناس إلقاء ناشئا مني لا سبب له غير تفضلي وإحساني، وما ذكره وإن تراءى في بادئ النظر لكن الظاهر أنه لا وجه له فإنه إذا كان مستقرا يكون المعنى ألقيت عليك محبة كائنة مني والكائن من الله هو إن كان في غيره إذ لا فائدة في جعل صفته كائنة منه، ولذا احتاج هذا القائل إلى تقدير مضاف وهو من محباتي وهو مع ركاكته لا قرينة عليه، فتعين على هذا أنها محبة العباد، وأما إذا تعلق بألقيت فيفيد أن مبدأ الملقى له اتصال به فيكون صفته وكون الاتصال سبب الاتخاذ لا وجه له، فتعين بحسب الذوق ما ذكر فتدبر.
قوله: (وظاهر اللفظ أن أليم (معطوف على مجموع ما قبله من قوله: قيل الخ بيان لتأويل النظم لأنه مخالف لما في تلك الروإية بحسب الظاهر كما مر لأن فيه أنه ألقى بالبركة وما في النظم بالساحل فبين أن المراد بالساحل جنب طرت نهر فرعون مما يليه. قوله: الأن الماء يسحله (أي يقشره ويحفره من سحل الحديد إذا برده فساحل للنسب ومعناه ذو سحل أي مسحول، وقيل: إنه تصؤر منه أنه يسحل الماء أي يفزقه ويضيعه أو هو من السحيل وهو النهيق لأنه يسمع منه صوت، وقوله فالتقط منه أي من الساحل معطوف على ألقاه ولكون الفاء للسببية لم يحتج إلى رابط أو فيه رابط وهو عوده على ما أضيف إلى ضمير أليم كما مر مرارا، وفؤهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة وهاء مفتوحة بعدها تاء تأنيث كقبرة أعلى النهر والطريق كما في كتب اللغة ويجوز تخفيف واوه ساكنة. قوله: (ولتربي ويحسن إليك وأنا راعيك (لأن تصنع معناه يفعل بك الصنعة ومعناها الإحسان والتربية إحسان وأنا راعيك معنى قوله: على عيني وقرنه بالواو للإشارة إلى أق الجار والمجرور حال من المستتر في تصنع وليس صلته ومعنى راعيك حافظك وأصله من رعي الحيوان وهو حفظه إفا بغذائه الحافظ لحياته أو يذب العدو عنه وكذا راقب معناه حافظ أيضا من المراقبة، وفي نسخة من الكشاف رافيك بالفاء من رفوته إذا سكنت رعيه وعلى عيني هنا استعارة تمثيلية للحفظ والصون لأن المصون يجعل بمرأى وقال الواحدي الصحيح!! معناه لترهـ بي على محبتي وإرادتي لأن جميع الأشياء بمرأى من الله قيل: وليس بذاك لأنه غفوك عن كونه تمثيلا ولا يرد عليه ما ذكر لأنه مراده فتأمل! قيل وعلى بمعنى الباء لأنه بمعنى بمرأى مني في الأصل، وقوله والعطف الخ مثله وقع في مواضع والتأويلان
مشهوران فيه وقد مر تفصيله، وقوله: معلل أي بهذه العلة وهي لتصنع. قوله: (وقرئ ولتصنع الخ (وهو معطوف على قوله: فليلقه كما في اللوامح فلا عطف فيه للإنشاء على الخبر وأمر المخاطب باللام شاذ لكونه مجهولا هنا وأصله الغيبة نحو ليصنع زيد وعمرو وهو جائز فيه فلما نقل إلى المجهول للاختصار أبقى على حاله كما في لتعن بحاجتي جاز فيه ذلك، ويحتمل أنها لام كي سكنت تخفيفا ولم يظهر فتح العين للإدغام وهذا حسن جدا وقوله: ولتصنع أي قرئ به وفيه التأويل السابق، وقوله: على عين مني هو تمثيل كما مز. قوله: (طرف لألقيت أو لتصنع الخ (في الكشف كونه بدلا أوفق لمقام الامتنان لما فيه من تعداد المنة على وجه أبلغ ولما في تخصيص الإلقاء والتربية بزمان مشي الأخت من العدول عن الظاهر فقيل: كان محبوبا محفوظا ثم أولى الوجهين جعله ظرفا لتصنع وأما إضمار اذكر فضعيف وتبع فيه صاحب الانتصاف لأن زمان التربية هو زمان رده إلى أف وأما إلقاء المحبة فقبله، وقد قيل عليه أن آل فرعون كانوا يربونه أيضا بغير الارتضاع من حين الالتقاط فالزمان متسع أيضا فلا غبار عليه فتأمل. قوله: (المراد بها وقت متسع (فيتحدان وتصح البدلية فلا يكون من إبدال أحد المتغايرين الذي لا يقع في فصيح الكلام ويكفله بمعنى يربيه ومتفحصة أي طالبة للوقوف على خبره وتقز عينها بمعنى تسز، وقوله: هي إشارة إلى أن المستتر ضمير الام وقدمه لظهوره إذ حزن الطفل غير ظاهر ولتعيينه في سورة القصص لقوله: بعده
ولتعلم أن وعد الله حق د ان كان النظم لا يأباه هنا فلذا ذكره تكثيرا للفائدة فلا غبار عليه كما توهم نعم توافقهما أولى لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، وقوله: غم قتله أي الغم الناشئ من قتله لما ذكر واقتصاص بالجز عطف على عقاب، وبالمغفرة متعلق بنجيناك ومدين قرية شعيب عليه الصلاة والسلام. قوله: (وابتليناك ابتلاء الخ (ففعول مصدر المتعذي ديان كان اكثر فيه أن يكون مصدر اللازم، وقوله: على ترك الاعتداد لأنها في حكم الانفصال وإنما ذكره لأن فعولا مطرد في جمع فعل دون فعلة فما سمع منه جار على هذا التقدير كحجزة بضم فسكون وزاي معجمة وهي ما يوضع
فيه تكة السراويل ونحوها والبدرة مقدار من النقد معروف. قوله: (فخلصناك مرة بعد أخرى (فهو من فتن الذهب بالنار إذا خلصه من غشه بالسبك ولذا يستعمل في الخير والشز كالابتلاء، ولذا يقال: بلاء حسن وإنما فسره به لأن الكلام في ذكر ما امتن الله به عليه، وقوله: مرة بعد أخرى ظاهر على أنه جمع وعلى غيره من السياق والتفعيل، وقوله: وهو أي قوله فتناك فتونا، والآلات جمع آلف بالمذ ككافر وكفار وفي نسخة الألف بمعنى المألوف والمراد الأصحاب الذين ألفهم وعلى حذر أي خوف من فرعون، وقوله: وآجر بالمذ فعل ماض معطوف على ما قبله معنى أي هاجر وآجر، ويصح عطفه على ناله ويجوز أن يكون بصيغة المصدر وغير ذلك كضلاله الطريق ونحوه. قوله: (أو له (أي لما ذكر ولما سبق من وضعه في التابوت والقذف في اليم والقتل ونحوه، قيل إنه يأبى الحمل على هذا عطف فتناك على نجيناك المرتب بالفاء على قتلت نفسا لتقدم ما سبق ذكره على القتل وإن كان أثر سعيد بن جبير يؤيده وهذا غفلة عن قول المصنف رحمه الله كما في الأثر المروي: خلصناك فإن تقدم تلك الأمور لا ينافي تأخر الخلاص عن بقيتها والأمن منها وكيف يتوهم هذا وهو تفسير ابن عباس كما في الكشاف وهو من أهل اللسان الذين لا يخفى عليهم مثله وكذا ما قيل إنه لا يناسب مقام الامتنان ولولا ما ذكر لم يكن بين قوله: خلصناك، وقوله: وهو إجمال التئام أصلا، قال الراغب: الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ثم استعمل في العذاب وما يؤذي إليه وقد يراد به الاختبار كقوله: ولقد فتناك فتونا وجعلت الفتنة كالبلاء للخير والشز، وإن كانت في الثاني أظهر اهـ. محصله فأشار بقوله: ابتليناك إلى أنه بمعنى الاختبار بالإيقاع في شدة إذا صبر عليها خلص عنها فالإجمال باعتبار ما في ضمنه من الشدائد المختبر بها والتعقيب باعتبار النحاة والخلاص ولذا قرنه بالفاء فتدبر. قوله: اليثبت فيهم عشر سنين (وفي أخرى ثمانيا وعشرين قيل: وهو الأوفق بكون سن نبؤته على رأس الأربعين، وقوله: على ثمان مراحل هذا هو المعتمد لا ما وقع في بعضها ثلاث مراحل، وقوله: قدرته إشارة إلى أن القدر بمعنى التقدير والمراد به المقدرة، والمعنى أنك جئت على وفق الوقت المقدر فيه استنباؤك بلا تقدم ولا تأخر عنه وكونه بمعنى المقدار من الزمان ضعيف، ولذا أخره لأن المعروف فيه القدر بالسكون لا التحريك والمراد به رأس الأربعين كما صرحوا به، وقوله: للتنبيه على ذلك أي على ما ذكر أو على الانتهاء. قوله: (واصطفيتك لمحبتي الخ (الاصطناع افتعال من الصنع بمعنى الصنيعة أي
جعله محلا لإكرامه باختياره وتقريبه منه بجعله من خواص نفسه وندماته فاستعير استعارة تمثيلية من ذلك المعنى المشبه به إلى المشبه وهو جعله نبيا مكرمأكليما منعما عليه بجلائل النعم وخؤله بالخاء المعجمة بمعنى أعطاه، وقوله: بمعجزاتي كالعصا وبياض اليد وحل العقدة مع ما استظهره على يده، ولا داعي لحملها على اليد والعصا والقول بأن الجمع أطلق على المثنى أو أن العصا تشتمأن على آيات. قوله: (ولا تفتروا ولا تقصرا الخ (هو مضارع من الونى وهو الفتور والقراءة بكسر التاء لاتباع النون وهو يتعدى بفي وعن، وزعم ابن مالك أنه يكون من أخوات زال وانفك، وقوله: حيثما تقلبتما أي في أي! كان تحزكتما وتثقلتما فيه وهذا يفهم من ذكره بعد الأمر بالذهاب فإنك إذا قلت سر ولا تنس فالمراد في مدة مسيرك ولا وجه لما قيل إنه يفهم من جعل الذكر ظرفا لهما كما لا يخفى، وقوله وقيل في تبليغ ذكرى في الكشاف الذكر يطلق مجازا على العبادة وتبليغ الرسالة من أجلها فلذا أطلق عليه مجازآ
قيل: وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه على تقدير مضاف، ومنهم من أرجعه إلى ما في الكشاف وهو الظاهر من قوله: والدعاء إليئ وهر المناسب لقوله: وقيل فتدبر. قوله: (أمر به أولا الخ (قيل عليه أنه خطأ وكان حقه أن يذكر عند قوله: اذهب أنت وأخوك، كقوله: ولا تنيا فإنه لم يؤمر وحده فيهما، وأجيب بأن المراد دفع توهم التكرار الناشئ من ذكر من يذهب إليه مع التعليل وإنما هو في قول:{اذهب إلى فرعون إنه طغى} [سورة طه، الآية: 24] فقوله: أمر به معناه بالذهاب إلى فرعون الطاغي فمحل ذكره هنا لا فيما قبله، ويؤيده قوله: أولا فإن قوله: اذهب أنت وأخوك ثان لا أول ولذا قيل إن الثاني أمر بالذهاب لعموم أهل دعوته وهذا أمر بالذهاب إلى فرعون خاصة وأما كون قوله: ولا تنيا من قبيل قوله دماذ قتلتم نفسا على أن المأمور موسى عليه الصلاة والسلام وحده وذكر هرون لأنه تابع له فجعل الخطاب مع موسى خطابا معه كما نقل عن القفال رحمه الله فلا يخفى بعده، وكذا كون اذهب أنت وأخوك أمرا بذهاب كل منهما على الانفراد متفزقين وهذا بخلافه أو أن الأول يحتمله فدفع الاحتمال بهذا فلا تكرار فيه لأن دلالة التثنية على الاجتماع غير مسلمة. قوله: (إلى هرون (الظاهر أنه وحي حقيقي لا إلهام، وقوله بمقبله بضم الميم وفتح الباء مصدر ميميئ بمعنى الإقبال أو اسم مكان وإقباله من الطور إلى مصر، ويحتمل ذهاب هرون للطور والمقصود بيان اجتماعهما حتى يؤمرا بالذهاب. قوله: (مثل هل لك إلى أن تزكى (سيأتي تفسيره وهذا ظاهر غاية والظهور في اللين ولذا خصه بالذكر، وقوله: مثل إشارة إلى عدم انحصاره فيما ذكر فيشمل قوله: فقولا إنا رسولا ربك الخ قلا وجه
لما قيل إنه يرذه توله فقولا الخ مع أنه ذكر في تفسير هذه الآية أنها تفصيل لقوله: فقولا له قولا لينا الخ. قوله: (في صورة عرض (بسكون الراء أي عرض عليه ذلك من غير أمر ليهتدي، ومشورة بفتح الميم وضم الشين وسكون الواو كمثوبة وهو الأفصح، ويجوز سكون الشين صر فتح الواو، ومعناها المشاورة، وقوله: حذرا تعليل لقوله: فقولا له قولا لينا، أو لكونه في صورة العرض لأنه بمعناه وأن يسطو أي يبطش بهما، وقوله أو احتراما أي تعظيما منهما لحقه على موسى بتربيته وعلى هرون بتربية أخيه. قوله: (وقيل كنياه (أي خاطباه بكنيته وهي ما ذكر وزيد فيها أبو الصعب، ومزضه لأن الكنية تدل على التعظيم لا على اللين ولا وجه لتخصيص القول اللين بها، وما قيل إنه لا بد من زيادة قول أو لقباه بفرعون مثلا فإنه لقب كل من ملك مصر أو القبط لأنه المخاطب به في القرآن فيه نظر لأن دلالة اللقب على التعظيم غير مسلمة لقوله:{ولا تنابذوا بالألقاب} [سورة الحجرات، الآية: 11] وقد قيل:
ولا ألقبه والسوأة اللقبا
كما سيأتي وكيف يعظم بدعوته ملكا من يذعي الربوبية وأما عدم حكايته في القرآن فلا
ئدل على عدم وقوعه كما لا يخفى واذعاء أنه يعلم بطريق الدلالة غير مسلم. قوله: (متعلق باذهبا (المراد أنه متعلق به مع ما بعده تعلقا معنويا إذ بمجرد الذهاب لا يحصل له تذكر وخشية وكونهما لهما مهابة يقع بها في قلبه ما ذكر ليس بشيء إلا أنه على هذا ليس بينه وبين ما بعده كبير فرق فلعل المراد بالذهاب الذهاب بالآيات كما يدل عليه ما قبله. قوله: (باشرا الأمر على رجائكما وطمعكما الخ (إشارة إلى أن الرجاء منهما لا من الله فإنه لا يصح منه، وقد مر تحقيقه، وقوله: أنه الضمير إفا للأمر أو للرجاء أو للشأن ويثمر بمعنى يفيد وقد تنازع هو ويخيب سعيكما وقوله: فإن الراجي الخ يعني أنه أمرهما بما ذكر مع الرجاء ليجتهدا ويجدا فيه لأنه شأن الراجي بخلاف من أيس من شيء فإنه لا يجذ فيه ولا يباشره مباشرة تاقة عن صميم قلب. قوله: (والفائدة في إرسالهما الخ (إرسالهما من قوله: اذهبا الخ والمبالغة من قوله لعله الخ، كما مر وهذا رد على الإمام رحمه الله في قوله: هذا التكليف لا يعلم سره إلا الله لأنه لما علم أنه لا يؤمن قط كان إيمانه ضدا لذلك العلم الذي يمنع إيمانه فيكون سبحانه عالما باستحالة إيمانه فكيف أمر موسى عليه الصلاة والسلام بذلك الرفق وكيف بالغ في الأمر بتلطيف دعوته إلى الله مع علمه بامتناع حصول ذلك منه فلا سبيل في أمثال هذا المقام لغير التسليم
وترك الاعتراض ولا شبهة في أق في أفعاله حكما ومصالح تترتب عليها، وإن العقل طالب الوقوف عليها بقدر الإمكان ولا ضير في عدم الوقوف
على بعضها، وهذا مما اتفق عليه أهل السنة وغيرهم فلا وجه لما قيل إنه مناسب لمذهب الاعتزال ولا تخصيص لفرعون بهذا حتى يقال: كم من جبار طاع لم يرسل إليه فإنه من الأوهام الواهية. قوله: (والتذكر للمتحقق الخ (حاصله أن التذكر والخوف داعيان إلى الإيمان إلا أن الأول للراسخين المتحققين صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولذا قدم والخشية لمن يتوهمه فالمعنى باشراه على رجاء تحقق فرعون صدقكما فيتذكر ويتعظ أو يتوهمه فيخشى. قوله: (أن يعجل محلينا الخ (قيل إنه يرذه قوله تعالى: {ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما} [سورة القصص، الآية: 35] فإنه مذكور قبل قولهما هذا وهو يدل على حفظهما عن عقوبته ورد بأنه تفسير مأثور عن كثير من السلف كمجاهد فلا ينبغي المبادرة لرذه ولا تعيين في قوله: فلا يصلون إليكما فيجوز أن يكون معناه فلا يصلون إلى إلزامكما بالحجة مع أن تقدمه غير معلوم ولو قدم في الحكاية لا سيما والواو لا تدل على ترتيب مع أنه قدم في تفسير قوله: فقولا له قولا لينا ما ينافيه والفارط المتقدم للمورد والمنزل وفرس فرط بضمتين معناه ما ذكر وفي القاموس أنه بفتحتين فليحزر وقوله: وقرئ يفرط أي بضم الياء وفتح الراء وفي القراءة الآتية بكسرها، وقوله: أن يزداد طغيانا لأن أن للاستقبال والطغيان صفة له قبل ذلك لق! وله إنه طغى فلا بد من تأويله بما ذكر أو بطغيان مخصوص كما أشار إليه بقوله: فيتجزأ أي يحصل له جراءة وجسارة على الله وفي كلامه إشارة إلى أن فاعل يفرط ضمير فرعون، وقيل هو راجع إلى القول المفهوم من السياق. قوله: (وإطلاقه (بالرفع أي إطلاق يطغى إذ لم يقيد بقوله: عليك أو علينا قيل وجوز جزه عطفا على جراءته أي لكونه غير مقيد بحسن الأدب مع الله أو معنا، ومثله داع إلى التخطي عن حذه والوجه الأول وهو المذكور في الكشاف. قوله: (بالحفظ والنصر (إشارة إلى ما قاله الإمام من أن كونه معهما عبارة عن الحراسة والحفظ كما يقال: الله معك على سبيل الدعاء، وأكد ذلك بقوله:{أسمع وأرى} ، كما أشار إليه المصنف بقوله: فأحدث الخ. قوله: (ما يجري بينكما الخ (عدم ذكر المفعول إفا بتنزيله منزلة اللازم أو لقصد العموا بتقديره عاما لعدم قرينة
الخصوص كما تقول الله خالق أي كل شيء أو بحذفه وهو خاص لدلالة القرينة عليه إيجازا فقوله: ما يجري الخ إشارة إلى تقدير مفعول خاص بقرينة السياق أو عام بقدر الحاجة لا من كل الوجوه حتى يقال: تخصيصه بما جرى ينافيه. قوله: (ويجوز أن لا يقدر شيء الخ (إشارة إلى الوجه الثالث وتنزيله منزلة اللازم من غير نظر إلى المفعول لأنه تتميم لما يستقل به الحفظ وليس من باب أن يرى مبصر وشممع واع على ما أظن فتأمل، وقوله: أطلقهم فهو من قولهم: أرسلت الصيد إذا أطلقته. قوله: (وتعقيب الإتيان بذلك الخ (إنما جعله معقبا على الإتيان دون دعوى الرسالة الدال عليه قوله: إنا رسولا ربك مع أنه الظاهر لأنه من جملة- مقول القول المتعقب فيكون متعقبا عليه أيضا وهو المقصود وقوله: إنا الخ في نية التأخير ولو كان متعقبا على ما قبله لكان لمنع القبط لبني إسرائيل عن اتباعه فتأمل. قوله: (تخليص المؤمنين من الكفرة الخ (قيل: تعقيب دعوى الرسالة بإطلالتى بني إسرائيل لما فيه من إزالة المانع عن دعوتهم واتباعهم، وهي أهنم من دعوة القبط فلا دلالة فيه على ما ذكر مع أته تقدم في سورة يوف! أنه ما آمن لموسى عليه الصلاة والسلام إلا ذرية وأولاد من قومه فلا يكون المخلصون مؤمنيمت، ورد بأن السياق هنا لدعوة فرعون ودفع طغيانه وكون ما آمن به أولا إلا الذرية لا ينافي كوشهم مؤمنين بغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد قاق المصنف رحمه الله: هناك أق عدء إجابتهم له لخوفهم من فرعون وهو يدل على إيمانهم في الباطن. قوله: (ويجوز أن يكون للتدريج في الدعوة (بأن يأمره بما لا يشق عليه من إطلاق الأسرى ثم يأمره بتبديل اعتقاده أو ليتبعه قومه ثم يتبعه فرعون والقبط. قوله: (قد جئناك الخ) أتى بقد لتحققه وتأكيده فإن قيل إنها تدل على التوقع مع الماضي كما في قد قامت الصلاة قيك: لا مانع منه ولأنه إذا ذكرت الرسالة توقع ذكر ما يدل عليها ويثبتها وفيه كلام في المغني وف وحه، وقوله: جملة مقررة الخ أي مؤكدة ومبينة
لما في من الكلام الأول من دعوى الرسالة في قوله: إنا رسولا ربك يذكر الدليل المثبت لها وهي جملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل به يعلم ذلك ونحوه والاستئناف لا ينافي ذلك وإنما قال: لما تضمنه لأنها لا تقرر قوله: أرسل الخ، وقوله: من دعوى الرسالة بيان لما كان بيناه، وأما كونه بيانا للكلام السابق وما تضنف، هو المجيء بالآية التي لا تنفك عن الرسالة والتضمن هنا بمعنى الدلالة الالتزامية فتكلف ظاهر فإن قلت إذا كان هذا تقريرا لقوله إنا رسولا ربك، كان ينبغي أذ يقرن به قلت قد أشار المصنف إلى دفعه في قوله: وتعقيب الإتيان الخ فلا حاجة إلى القول بأنه من تتمة دعوى الرسالة. قوله: (معه آيتان (أي العصا واليد بل
آيات كما مر يعني مقتضى المقام بعد الدعوى أن يذكر أن له حجة وبرهانا على مذعاه من غير تعرض لوحدته وكثرته فلذا أفرد في هذه الآية ونظائرها ولو ذكر تعدده كان فضولا. قوله: (وسلام الملافكة الخ (في الكشاف يريد وسلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام الذين هم خزنة الجنة على المهتدين وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين وتحقيقه كما في بعض الشروح أنه جعل السلام تحية خزنة الجنة للمهتدين المتضمنة لوعدهم بالجنة، وفيه تعريض لغيره! بتوبيخ خزنة النار المتضمن لوعيدهم بعذابها لأن المقام للترغيب فيما هو حسن العاقبة وهو تصديق الرسل عليهم الصلاة والسلام والتنفير عن خلافه فلو جعل السلام بمعنى السلامة، كما في قول عيسى صلى الله عليه وسلم: يوم ولدت الخ لم يفد أن ذلك في العاقبة وما قيل أن الدليل على أنه ليس بتحية أنه ليس ابتداء إلقاء ليس بشيء لأنه لم يجعل تحية موسى عليه الصلاة والسلام بل تحية الملائكة فما قيل إنه لا إشعار في اللفظ بهذا التخصيص مع مخالفته لما مر في قوله: والسلام عليئ يوم ولدت الآية غير مسلم. قوله: (أو السلامة في الدارين لهم (فالسلام مصدر بمعنى السلامة كالرضاع والرضاعة، وقوله: لهم إشارة إلى أن على بمعنى اللام على هذا الوجه كما ورد عكسه في قوله لهم: اللعنة والحروف كثيرا ما تتقارض، وقد حسنه هنا مقابلة المشاكلة في قوله: على من كذب فلا وجه لاستبعاده. قوله: (إن عذاب المشركين الخ (في عبارته قلق وركاكة وقد اختلفت النسخ وضبطها والمشهور فيها المشركين بثين معجمة وراء مهملة وكاف جمع مشرك والمراد به هنا مطلق الكافر فإنه أحد معنييه ومراده دفع ما يتوهم من حصر العذاب فيهم مع أن غيرهم معذب بأنه إنما يفيده إذا كان التعريف للجنس أو الاستغراق أما إذا كان للعهد والمراد به العذاب المعد للكفرة وهو المخلد فلا يفيده ولو سلم فلا محذور فيه كما إذا جعلته للاستغراق الادعائي مبالغة وهذا معنى قوك الإمام المراد من هذا العذاب العذاب الدائم فكان العذاب المتناهي عنده كلا عذاب وللنظر إلى ظاهرها قال ابن عباس رضي الله عنهما إنها أرجى آية في القرآن، ووقع في بعض النسخ المنزلين بالنون والزاي المعجمة واللام ففي بعض الحواشي بالتثنية وفتح الميم تثنية منزل، والمراد بهما الدنيا والآخرة وجعله مفهوما من مقام التهديد والإطلاق، وهذا يناسب تفسير السلام الثاني وظاهر كلام بعضهم أنه حينئذ منزل بضم الميم أي منزلي العذاب وهم خزنة النار لوقوعه في مقابلة خزنة الجنة وهو بعيد جدا، والمعؤل على النسخة الأولى عندهم، وقواسه: على المكذبين الخ إشارة إلى أن من للعموم ولم يقل والمتولين أول خولهم فيهم. قوله: (ولعل تغيير التظم (إذ كان الظاهر أن ينفي السلام عن غيره،
والوعيد هو العذاب والتوكيد بأن وقد، وأول الأمر أي أمر الدعوة أنجع أي أنفع وأوفق وأليق بالواقع لأنه معذب لإصراره على كفره وطغيانه وهذا لا ينافي ما مر في قوله تعالى:{فقولا له قولا لينا} [سورة طه، الآية: 44]، لأنه لم يوجه بهذا ولم يصرح بأنه له ولذا قدم الترغيب فيه على الترهيب. قوله: (أي بعد ما أتياه وقالا له الخ (خطابهما وجهه ظاهر لأن الكلام معهما وأما كونه لم يقل من ربي فأظهر لأنه لا يعترف بالربوبية في الظاهر، وقوله: لأنه الأصل أي في الدعوة والرسالة ويحتمل أنه لأنه يزعم أنه ربه لتربيته له فهذا أوفق بتلبيسه على الأسلوب الأحمق، ويجوز أنه لتكبره عن أن يخاطب هرون. قوله: (أو لأنه عرف أن له رتة (قيل-: يرده ما شاهده منه عليه الصلاة والسلام من حيث البيان القاطع
لطمعه الفارغ وأما قوله: ولا يكاد يبين فمن غلوه في الخبث والذعاة، وليس بشيء لما مرج من أنها لم تذهب بالكلية عند كثير من المفسرين، وحسن بيانه بقطعية حججه وهو لا ينافي الرتة، ويفحمه بمعنى يسكته وقوله: ويدل عليه أي على أن موسى خص بالخطاب لهذا الوجه وكونه من غلؤه لا ينافيه كما توهم ولا خفاء في وجه الدلالة كما توهم إذ ليس المراد بها الدلالة القطعية بل التأييد له كما هو دأبه.
قوله: (من الأنواع (إشارة إلى أن كل لعموم الأنواع لا ل! صموم الأفراد لئلا يلزم الخلف
ويرد النقض بأن بعض الأفراد لم يكمل لعارض يعرض له، وفسر خلقه بمعنى مخلوقه بالصورة والشكل وهو الهيئة التي بها تشكله لأن نفس الخلق المصدري ليس بمعطي ولأنه لا بد من تغاير المعطي وهو ما ذكر والمعطى له وهو المادة والضمير لشيء لا لكل، والإضافة اختصاصية اتصالية. قوله: (وأعطى خليقته الخ (أي مخلوقاته فالخلق بمعنى المخلوق والضمير للموصول ويرتفقون بمعنى ينتفعون، وقوله: لأنه المقصود الخ إذ المقصود الامتنان به، وقوله: وقيل أعطى كل حيوان نظيره الخ فيختص بالحيوان بخلاف ما قبله ولذا مزضه لأنه لا يلائم لفظة كل، واعترض عليه بأن من الحيوان ما يحصل بالتولد فلا نظير له ورد بأن كل للتكثير وهو كثير في كلامهم وبأن المصنف لم يرتضه حتى يرد عليه شيء بل هو يؤيد تمريضه وقيل: المراد من الزوج الأنثى لا الإزدواج فالمعنى أنه جعل كل حيوان ذكرا وأنثى والإضافة على هذا من إضافة المشبه للمشبه به. قوله: (وقرئ خلقه الخ (أي بصيغة الماضي المعلوم وكونه صفة
لأنه شأن الجملة الواقعة بعد النكرات، وقوله: على شذوذ لأن الشائع في الاستعمال وصف مدخول كل والمفعول الثاني محذوف لقصد التعميم وهو ما يصلحه وجعله الزمخشري من باب يعطي ويمنع والمعنى لم يخله من إعطائه وإنعامه وهذا أبلغ معنى ما ذكره المصنف أحسن صناعة، وموافقة للمقام. قوله: (ثغ عزفه كيف يرتفق بما أعطى (على العموم فيه تجوز لأن كل شيء لا يوصف بالمعرفة وفي جري هذا على الوجه الأول تأمل، وقوله: في غاية البلاغة أي الحسن والفصاحة لأنها تستعمل بهذا المعنى ويصح أن يراد بها معناها المصطلح لمطابقته لمقتضى المقام لما فيه من الإلزام والإفحام دفعة واحدة هاعرابه بمعنى إظهاره ودلالته، وقوله: عن الموجودات بأسرها هو مناسب للوجهين الأولين، وقوله: على مراتبها يفهم من الإضافة. قوله: (ودلالته على أن الغنتي القادر الخ (لأن الإنعام على الكل بالكل منه فيلزم أنه غنيئ قادر منعم على الإطلاق، وقيل: إن الشيء في الآية بمعنى المشيء فلو لم يكن تعالى غنيا قادرا بالذات لكان شيئا بهذا المعنى أيضا ولا شائي إلا هو فتكون قدرته مثلا حادثة بالشيئة وهو باطل لأن القدرة صفة تؤثر على وفق تعلق الإرادة فيلزم وجودها حال فرض عدمها وفيه تأمل. قوله: (في حذ ذاته الخ (لاندراجها تحت الشيء وصفاته على ما دل عليه قوله: خلقه وأفعاله من قوله: هدى وقوله: عن الدخل عليه من قولهم دخل عليه بالبناء للمجهول إذا غلط وصرف الكلام عنه بقوله، قال الخ. قوله: (فما حالهم (البال الفكر يقال: خطر ببالي كذا ثم أطلق على الحال التي يعتني بها وهو مراده ولا يثنى ولا يجمع إلا شذوذا في قولهم بالات، وقوله: من السعادة والشقاوة يعني أن المسؤول عنه حالهم في الآخرة أي تفصيلا درالا فقد سبق إجماله في قوله والسلام على من اتبع الهدى وأن العذاب على من كذب وتولى، ولذا قرنه بالفاء لأنه تفصيل متفزع على ذلك الإجمال. قوله: (أي أنه غيب لا يعلمه إلا الله (يجوز أن يكون الحصر والدلالة على كونه غيبا مستفادا من معنى الكلام لأنه إذا كان عند الله فهو من المغيبات وهي لا يعلمها إلا الله، وأن يكون الغيب من عند الله لأن معناه في حفظه والمحفوظ مصان مغيب والحصر من المصدر المضاف المفيد للعموم، والاستغراق كما قرروه في ضربي زيدا قائما فالمعنى جميع علمها تفصيلا عنده ولو علم شيئا منه غيره لم يكن كذلك. قوله: (مثبت في
اللوح المحفوظ (مرفوع تفسير لقوله في كتاب على أنه خبر بعد خبر والمثبت فيه وإن كان النقوش الدالة على الألفاظ الدالة على المعاني بمنزلة إثبات المعاني ولا حاجة إلى جعله حالا من الضمير المستتر
في قوله: عند ربي لإيهامه أن علمه تعالى بها مخصوص بتلك الحال أو ناشئ منه. قوله: (ويجوز أن يكون تمثيلا (فيشبه علمه تعالى بتفاصيل الأمور علما ثابتا لا يتغير بمن علم شيئا علما متقنا وكتبه في جريدته حتى لا يذهب أصلا فيكون قوله لا يضل ربي ولا ينسى ترشيحا للتمثيل واحتراسا أيضا لأن من يفعل ذلك إنما يفعله لخوف النسيان، والله تعالى منزه عنه دمانما تثبت معلوماته في اللوح المحفوظ ليطلع عليها الملائكة فتعلم أن ما فيه معمول معلوم له فالكتاب على هذا بمعناه اللغوي وهو الدفتر لا اللوح المحفوظ فسقط ما قيل إنه إنما يستحسن هذا إذا لم يوجد اللوح فلا مجال للاستعارة أصلا. قو-له:) ويؤيده لا يضل ربي الخ (وجه التأييد ما عرفت من أنه ترشيح مناسب للمستعار منه، وأيضا عدم الضلال والنسيان يناسب إتقان العلم لا كتابته فإن من يكتب قد يغيب عنه كتابه وينسى ما فيه، وقيل: وجه التأييد أن قوله: لا يضل الخ تذييل لتأكيد الجملة السابقة وعلى الأول هو تكميل لدفع ما يتوهم من أن إثباتها في اللوح لاحتياجه إليه لاحتمال خطأ أو نسيان تعالى عنه فلا وجه لما قيل إن المصنف رحمه الله لم يتنبه لما قاله فحمله على التمثيل وإنما يظهر عدم تنبيهه لو اقتصر على احتمال التمثيل وليس كذلك ولا تأييد فيما ذكره أصلا كيف وهو على الأول تأسيس وعلى هذا تأكيد كما اعترف به والتأسيس أولى، نعم ما ذكره من الاعتراض ساقط كما عرفت، وقوله: والضلال الخ محصله فقد الشيء وعدم معرفة مكانه وهو حاضر في الذهن، والنسيان أن يغيب عن الذهن وان كان يعلم مكانه وأن تذهب وقع في نسخة وأن تذهب بدله، وقوله: على العالم بالذات أي على من علمه صفة ذاتية لا صورة عارضة قد يذهل عنها وليس المراد أن علمه عين ذاته كما هو مذهب المعتزلة. قوله: (ويجوز أن يكون سؤاله الخ (لما قال أولا ولذلك بهت الذي كفر وأفحم عن الدخل عطف عليه وجها آخر يغايره بكونه دخلا والفاء في محلها أيضا لتعلقه بجواب موسى عليه الصلاة والسلام هاحاطة القدرة من قوله: أعطى كل شيء كما مر، وتخصيصه معطوف على الأشياء وهو مبنيئ على التفسير الأول، وقوله: بأن ذلك متعلق بقوله دخلا، واستدعاؤه للعلم ظاهر وتمادى المدة تباعدها، وتباعد أطرافهم بمعنى كثرتهم، وقوله: لا يضل أي عنه ولا ينساه، ويصح قراءة ينسى مجهولا وهذا ما في الكشاف بعينه إلا أنه أسقط
منه قوله: ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان كما يجوز أن عليك أيها العبد الذليل والبشر الضئيل إشارة إلى أن قوله لا يضل الخ على هذا من تتمة الجواب وفيه تعريض به يستلزم إبطال دعواه الربوبية ولذا أقيم الظاهر مقام المضمر وهو أمر حسن كان ينبغي ذكره، وتخصيص القرون الأولى عليه مع أولوية التعميم لعلم فرعون ببعضها وبذلك يتمكن من معرفة صدق موسى عليه الصلاة والسلام أن بين أحوالها، وقيل إنه لإلزام موسى كي! وتبكيته عند قومه في أسرع وقت لزعمه أنه لو عمم ربما اشتغل موسى عليه الصلاة والسلام بتفصيل علمه تعالى بها فتطول المدة ولا يتمشى ما أراده فسقط ما قيل إنه يأبى هذا الوجه تخصيص القرون الأولى من بين الكائنات فإنه لو أخذها بجملتها كان أظهر وأقوى في تمشية مراده. قوله: (مرفوع صفة لربي أو خبر لمحذوف الخ (قال الإمام معينا لأحد الوجوه لأمر حجا كما قيل يجب الجزم بأنه خبر مبتدأ محذوف إذ لو كان وصفا أو نصبا على المدح لزم أن يكون من كلام موسى عليه الصلاة والسلام، وهو باطل فإن قوله: فأخرجنا حينئذ إفا من كلام موسى أو من كلامه تعالى، ولا سبيل لهما لأن قوله: بعده كلوا وارعوا الخ لا يليق بموسى عليه الصلاة والسلام، والفاء تتعلق بما بعدها فلا يكون من كلام الله وما قبله من كلام موسى عليه الصلاة والسلام فلم يبق إلا أن كلام موسى صلى الله عليه وسلم تتم عند قوله: ولا ينسى وابتداء كلام الله من قوله: الذي جعل لكم الأرض الخ ورد بأنه يحتمل وجهين أحدهما ما ذكره الإمام كأنه تعالى لما حكى كلام موسى عليه الصلاة والسلام إلى قوله: لا يضل ربي ولا ينسى سئل ما أراد موسى بقوله: ربي فقال الذي الخ فهو استئناف بياني خبر مبتدأ محذوف، والثاني أنه من كلام موسى عليه الصلاة والسلام وأنه لما سمع هذا من الله أدرجه
بعينه في كلامه اقتباسا وسيأتي مثله في الزخرف أو يكون موسى عليه الصلاة والسلام وصفه تعالى على سبيل الغيبة فلما حكاه تعالى أسنده إلى نفسه لأن الحاكي هو المحكني عنه أو قوله: أخرجنا كقول خواص الملك أمرنا وفعلنا والمراد الملك ولا يخفى أن وقوع الاقتباس في القرآن لا وجه له مع أنه لا يكون إلا بالوجه الأخير فيتحد معه. قوله: (كالمهد (فهو تشبيه بليغ وتقدم له بسط في سورة البقرة، وقوله: سمي به أي جعل اسم جنس لما يمهد للصبي، وهو مفعول جعل الثاني إن كانت بمعنى صير وهو الظاهر أو حال إن كانت بمعنى خلق وجوز فيه الزمخشري بقاءه على مصدريته ونصبه بفعل مقدر من لفظه أي مهدها مهدا بمعنى بسطها ووطأها والجملة حال من الفاعل أو المفعولى، وإذا كان جمعا فهو ككعب وكعاب والمشهور في جمعه مهود، وقوله: كالمهد متعلق بقوله: تتمهدونها مقدم عليه، وقيل: تتمهدونها صفة المهد لأنه معنى نكرة، وقوله: كالفراش أي معنى ووزنا. قوله: التبلغوا
منافعها (إشارة إلى وجه ذكرها على سبيل الامتنان ولذا كزر ذكر لكم الدال على الانتفاع المخصوص بالإنسان بخلافه في الأول فانه ذكر لبيان أن المقصود بالذات منها الإنسان وبه يظهر بلاغة ذكر المهد هنا. قوله تعالى:) أفأخرجنا بها (قال بعض المفسرين: إنزاله تعالى دهاخراجه عبارتان من إرادته النزول والخروج لاستحالة مزاولة العمل في شأنه والفاء للتعقيب، فإن ثانية الإرادتين لا تتراخى عن الأولى د ران تراخى ثاني المرادين، وإنما قلنا إنها للتعقيب لأن معنى السببية علم من باثها، وقيل عليه إن الإنزال! والإخراج عبارتان عن صفة التكوين عند الحنفية وهو منهم ولا يلزمه المزاولة كما قال مع أن تعقيب الإرادة الأولى للثانية ممنوع إن أريد بها الصفة الأزلية فإنه لا يعقل ذلك في الأزليات دمان أريد تعلقها التجذدي فهو متراخ بحسب تراخي المرادين فالقول بالسببية والتأكيد أهون، ويمكن أن يحمل على التأسيس بأن يشبه التراخي بالتعقيب في أنه ترتب لا محالة وبعبر عنه بلفظه) أقول (لا خلاف بين الماتريدية والأشعرية في إثبات صفة قديمة هي مبدأ صفات الأفعال وإنما الخلاف في أنها عين القدرة كما اذعت الأشاعرة أو صفة أخرى مغايرة لغيرها من الصفات كما ذهب إليه الحنفية وعلى كل حال فالمقصود هنا الاستدلال عليه بأفعاله تعالى الواقعة في الخارج لا بالصفات الذاتية لأنه لا يعوف الله حتى يعترف بصفاته فلما لم يصح إرادة ذلك كما لا تصح إرادة المزاو-لة لأنه تعالى إنما أمره لشيء إذا أراده أن يقول له: كن فيكون كان إسناد ذلك على معنى أنه تعلقت إرادته بإيجاده، وأما قوله: لا تعقيب بين الإرادتين فليس كذلك لأن لها تعلقات تعلقا أزليا بمعنى أنه أراد وقوعه في زمانه ولا تعقيب بين إرادة دمارادة فيه، وتعلقا قبيل وقوعه بتهيئة أسبابه العادية كالمطر للنبات وبينهما تعقيب كما قيل إذا أراد الله شيئا هيأ أسبابه ولذا تطلق الإرادة على قرب الوقوع كقوله: جدارا يريد أن ينقض، وتعلقا تنجيزيا مع أن قوله: دمان تراخى ثاني المرادين غير مسلم لأنه تعقيب عرفي إذ ايجاد النبات على أشكال لطيفة في مثل هذه المدة يعد تعقيبا كما ذكروه على أن بين الإرادتين باعتبار المرادين تعقيبا رتيبا مثل ضربته فانكسر ولك أن تقول إن الفاء لسببية الإرادة عن الإنزال والباء لسببية النبات عن الماء فلا تكرار كما في توله تعالى: إ لنحيي به، ولعل هذا أقرب. قوله: (عدل به الخ (عدل فعل مجهول وليس معلوما والضمير لموسى عليه الصلاة والسلام كما قيل وإنما عبر به لأنه يحتمل أن يكون من كلام مرسى ومن كلام الله كما مر تحقيقه ولم يذكر أن فيه التفاتا وافتنانا لأن فيه ترددا فقيل إنه ليس بالتفات لأن الالتفات يكون في كلام متكلم واحد، وقيل إنه التفات، وفي الكشف وجه الالتفات أن المصنف رحمه الله حمله على أن موسى عليه الصلاة والسلا احاك قوله تعالى: إ كما هو والدليل عليه " قوله: الذي جعل لكم دون لنا وحكاه الله لنبينا صلى الله عليه وسلم على ما حكاه موسى، وأما أن الله تعالى لما حكى غير العبارة لأن الحاكي هو المحكي فلا يصح لتوجيه الالتفات وإن ظن فتأئله. قوله: (على الحكاية لكلام الله (يحتمل أن المراد حكاية موسى عليه الصلاة والسلام لكلام الله بعينه ثم إن الله حكى ما
حكاه موسى لنبينا صلى الله عليه وسلم
فلا يكون فيه التفات عند بعضهم ويكون أدراجا، وأما جعله اقتباسا فلا وجه له كما مر، ويحتمل أنه حكاية الله لكلام موسى عليه الصلاة والسلام بالمعنى وقد عرقت وجهه. قوله: (تنبيها على ظهور ما فيه (وجه التنبيه أنه لما عدل عن ضمير الغيبة إلى ضمير العظمة والتكلم دل على أن ما أسند إليه أمر عظيم وصدور عظام الأمور يدل على كمال القدرة والحكمة وأن حكمه مطاع لا يتخلف شيء عن إرادته فإن مثل هذا التعبير يعبر به الملوك والعظماء النافذ أمرهم ونهيهم، ويقؤي هذا الفاء والماضي الدالان على السرعة والتحقق، واختلات ذلك مع اتحاد المواذ والأسباب الفلكية عند المثبتين لها أدر دليل عليه ومن لم يتنبه لهذا قال إن التنبيه يحصل لو قيل أخرج لأن كمال القدرة يتفزع على الإخراج إذ لم يفم! ق بين كمال القدرة والتنبيه عليه، وقوله: المختلفة من قوله شتى. قوله: (وعلى هذا نظائره الخ (أي ورد على هذا النمط من العدول ما وقع في غير هذه الآية من ذكر الإخراج وما هو بمعضاه كالإنبات لهذه النكتة وإن لم يكن فيه حكاية كما هنا فالتشبيه ليس من كل الوجوه، وقوله: سميت أي أطلق عليها هذا اللفظ وقوله: وكذلك أي هو صفة أيضا كالجاز والمجرور بمن البيانية، والضمير في قوله: فإنه للنبات توجيه لتوصيف المفرد بالجمع بأنه صالح لمعنى الجمعية لما ذكر، وشتى جمع شتيت وألفه للتأنيث، ونقل في شروح الكشاف عن الزمخشري أنه ليسر على هذا الوزن إلا حتى ومتى اسم أبي يونس عليه الصلاة والسلام وهو غير ظاهر لأن فعلي كثير إلا أن يكون أراد أنه ليس على وزن فعلى مما عينه ولامه تاء. قوله: (حال من ضمير الخ (أي من الفاعل وهو أنسب لأنه يدل على بذله المناسب دلامتنان، ويصح أن يكون من المفعول أي مقولا فيها فهي مقول قول هو الحال، وقوله ة آذنين إشارة إلى أن الأمر للإباحة فليست وجها آخر كما توهم. قوله: الذوي العقول الئاهية (لأن م! ت شأن العقل منع صاحبه عما لا يليهت
ولذا سمي عقلا من العقال لمنعه أيضا وتخصيصهم لأن معرفة كونها آيات دالة على خالقها مخصوص بالعقلاء، ولذا جعل نفعها عائدا إليهم في الحقيقة فقال: وارعوا فتفطن، والنهية بضم النون العفل ثم إنه ذكر قوله: منها خلقناكم الخ بعد ذكر النبات وما فيه من الآيات لدلالته على قدرته ب! خراج هذه الأجسام اللطيفة من تراب كثيف هاخراجها من صندوق العدم إلى صفة التجلي كما تخرج الأبدان من صناديق القبور إلى سوق النشور فتأمل ما فيه من الحس إن كنت من أولي النهي، وقوله: أصل خلقة أول آبائكم تقدم تقريره، وقوله: بتأليف أجزإئكم على القول بأنه ليس بإعادة للمعدوم كما بين في الأصول. قوله: (ورد الأرواح إليها (أي رذها من مقزها إلى الأبدان المخرجة من الأرض فليس فيه ما يدل على أنها بعد مفارقة الأبدان في الأرض وأنها مخرجة منها حتى يرد عليه شيء كما توهم مع أنه لا مانع منه عقلا وشرعا. قوله: (بصرناه إياها أو عزفناه صحتها (كذا في الكشاف يعني أنه إفا من الرؤية بمعنى الأبصار أو بمعنى المعرفة فهو متعد إلى مفعولين بالهمزة بعدما كان متعذيا لواحد ولا يجوز أن يكون بمعنى العلم لما يلزمه من حذف المفعول الثالث من الإعلام وهو غير جائز وقدر في الوجه الثاني مضافا وهو الصحة وفي شرح الكشاف للعلامة أنه لا حاجة إليه وتبعه بعضهم هنا وإنما قدره ليكون تكذيبه عنادا وهو أوفق في ذقه وقد صرح بمثله في غير هذه السورة كقوله واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا كما أشار إليه الزمخشري (قوله: الشمول الأنواع الخ) لما كان لم يره جميع آيات الله ومعجزاته مطلقا مما كان في عصره وما قبله وظاهر قوله كلها يقتضي ذلك أوله بما ذكر سواء كانت الرؤية بصرية أو قلبية فالمراد على هذا أنه أراه جميع أنواعها أو أجناسها لأن المعجزات كما قاله السخاوندي ترجع إلى إيجاد معدوم أو إعدام موجود أو تغيير موجود كإيجاد الضوء من يده دماعدام حبال السحرة وتغيير العصا إلى الحية وفي انحصارها فيما ذكر وتخصيص البعض بالبعض نظر ظاهر. قوله: (أو لشمول الأفراد (على أن تعريف الإضافة تجري فيه جميع معاني اللام كما صرح به الزمخشري فالمراد به هنا العهد وهي آيات موسى عليه الصلاة والسلام المعهردة وكل لشمول الأفراد المعهودة أيضا فيندفع الاشكال وجوز فيه
أن يكون أيضا للاستغراق العرفي كما في جمع الأمير الصاغة وقوله وهي الآيات التسع وفي نسخة السبع والصحيح هي الأولى رواية وهذه أولى دراية وقد عذها المصنف رحمه الله في سورة النحل رهي العصا واليد وفلق البحر والحجر والجراد والقمل والضفاح والدم ونتق الجبل واعترخس عليه بأن الحجر ونتق الجبل جاء بهما موسى عليه الصلاة والسلام لبني إسرائيل بعد هلاك فرعون وأنه لم يكذب بعد فلق البحر ورد بأنه قد كذب إلى أن أدركه الغرق وغرضه من دخوله البحر بعد فلقه أهلاك موسى عليه الصلاة والسلام وأما الأوليان فلعل اراءتهما بمعنى الاخبار
بأنهما سيقعان وفيه كلام تقدم. قوله: (أو أنه عليه السلام أراه آياته الخ (فالتعريف للاستغراق والاراءة بالمعنى الثاني، وجوز فيه المعنى الأول بجعل تعدادها له بمنزلة رؤيتها وهو بعيد وقوله: فكذب موسى عليه الصلاة والسلام إشارة إلى مفعوله المقدر وتكذيب موسى عليه الصلاة والسلام يستلزم تكذيبه في نبؤته وآياته فلا وجه لما قيل إلا ظهر تقدير الآيات. قوله: (هذا تعلل وتحير (المراد بالتعلل تكلف علة وحجة لا أصل لها تمويها وتلبيسا على غيره وقد أشار إليه الفارابي كما في المصباح ونقله المحشي عن تاج المصادر، وقوله: فإن ساحرا الخ تعليل لكونه تعللا وما بعده وذكر إخراجهم من أرضهم إغضابا لهم لأنه مما يشق، وذكر الإتيان بمثله استدلالط على كونه سحرا يمكن معارضته لا معجزة، وقوله وعدا إشارة إلى أنه مصدر لا اسم زمان أو مكان كما سيأتي. قوله: (فإن الإخلاف لا يلانم الزمان الخ (بيان لكونه مصدرا يعني موعدا إفا أن يكون اسم مكان أو زمان أو مصدرا والأولان ممتنعان عند الزمخشري غير مناسبين عند المصنف لأن قوله لا نخلفه صفة لموعدا فلزم تعلق الإخلاف بالزمان أو المكان والأخلاف إنما يتعلق بالوعد يقال أخلف وعده لا زمانه ومكانه ولا يجوز عود الضمير إلى الوعد الذي تضمنه على حذ قوله: من صدق كان خيرا له وكذا عوده عليه بمعنى آخر على طريق الاستخدام لأن جملة لا نخلفه صفة لموعدا فلا بد فيه من ضمير يعود على الموصوف بعينه ومن جوزه لا يرى أن الجملة صفة لجواز كونها معترضة ل! ان كان خلاف الظاهر فلا وجه للجزم ببطلان توله: وقد قيل أيضا أنه يجوز جعل المكان مخلفا على التوسع كما في قوله: ويوما شهدناه. قوله: (وانتصاب مكانا الخ (دفع لإشكال أن قوله مكانا يقتضي أن يكون الموعد اسم مكان لا مصدرا فأوله بأنه منصوب بفعل مقدر يدل عليه الموعد أي عد مكانا لأنه إنما يدل على ما ذكر لو كان بدلا أو عطف بيان له وليس منصوبا على الظرفية بالمصدر لأن المصدر إذا تقدم وصفه لا يجوز عمله عندهم بخلاف ما إذا تأخر كقولك إن هجرك إياي المفرط لمهلك فإنه لا ينعت قبل تمامه فالمانع هو عدم تماميته وهو الصحيح المصرح به أر فصل الصفة بينه وبين معموله لا الوصفية كما صرح به في شرح التسهيل وذكره بعضهم هنا ردا على من علل به كما توهمه عبارة المصنف، نعم هي محمولة على ما ذكر فلا وجه للرد عليه والقول بأن ما ارتضاه عين ما رذه وهو رد على تجويز الزمخشري له لكنه مجاب بأنه يجوز في الظرف لتوسعهم فيه مع أن بعض النحاة جوزه مطلقا وهو مذهب الزمخشري كما ذكره المعرب، ويجوز أن يضمن لا
نخلفه معنى المجيء والإتيان أو يقدر بقرينته أي آتين وجائين مكانا وقد جوز فيه أيضا أن يكون ظرفا لغوا لأجعل أي اجعل بيننا وبينك في مكان منتصف زمان وعد لا نختلف فيه ولا يرد عليه أن تعين زمان الوعد إنما هو في مكان التكلم لا في مكان سوى وأنه مفقود فيه شرط النصب على الظرفية، كما قيل لأنه بناء على أن الموعد اسم مكان وأن معناه زمان يقع فيه ما وعد لا زمان الوعد نفسه فإنه معنى الوعد والميعاد في كلام العرب إذ المكان يكون لمعناه لا للفظه ألا ترى فوله:
قالوا الفراق فقلت موعده غد
وهذا منشأ غلطه، وأما قوله: إنه إذا انتصب فهو مفعول به لا ظرف لأن الرضي شرط في
عامله أن يكون فيه معنى الاستقرار كقمت وقعدت وتحزكت مكانك بخلاف ما ليس كذلك نحو كتبت الكتاب مكانك وقتلته أو شتمته ففيه بحث لأن ما ذكره الرضي غير مسلم إذ لا يمانع من قولك: لمن أراد التقزب منك ليكلمك تكلم مكانك فإن فيه استقرارا لتبعية، الا ترى قوله:
حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي
نعم هو لا يطرد حسنه في كل مكان فحزره. وأما قول الشارح العلامة أق مكانا منصوب
على أنه مفعول ثان لأجعلى فبناه على تقدير المضاف أي مكان وعد فلا يرد عليه أنه من النواسخ وحمل المكان على الموعد غير صحيح إلا بتكلف ما لا يجدي. قوله: (أو بأنه بدل من موعدا (وقع في نسخة أو به بأنه الخ وفيها مسامحة من جهتين: لأنه بدلا من موعدا بل من مكان مقدر وليس منصوبا به بل بعامل المبدل منه، وجاز الإبدال المغايرة الثاني للأول بالوصف. وقوله على تقدير مكان مضاف إليه بناء على أن الموعد مكان وقوع المرعود به كما تقول رميت الصيد في الحرم فإنه مكان الصيد لا الرمي، كما حققناه، فلا يقال إنه لا بد فيه من تقدير مضافين أي مكان إنجاز الوعد، أو جعل الإضافة لأدنى ملابسة، أو هي من إضافة الصفة، لموصوفها والوعد بمعنى الموعود فإق الوعد في مكان التكلم. قوله: (وعلى هذا (أي على تقدير البدلية ودلالته على المكان التزامية، وهو جواب عن قولهم إنه اسم زمان ليطابق الجواب، وقوله: مشتهر بكسر الهاء ويجوز فتحها. قال المطرزي في شرح المقامات: اشتهر لازم مطاوع، ومتعد فيصح في المشتهر فتح الهاء وكسرها اا هـ وقوله: بإضمار مضاف أو منؤن وهو معطوف على قرله من حيث المعنى قيل والمعنى مكان إنجاز وعدكم. مكان اجتماع يوم الزينة، كما مزي تفصيله. دمالا ظهر تأويل المصدر بالمفعول في الأول وتقدير المضاف في الثاني أي موعودكم مكان يوم الزينة وقد عرفت ما فيه. قوله: (ما هو على الأول (أي كما هو
مطابق على الأول إن كان مصدرا ومكانا منصوب بمقدر أو يجعل الموعد هنا مصدرا ويقدر في الثاني مضاف وهو وعد ليصح الحمل وقوله: أو وعدكم، معطوف على قوله كما هو على الأؤد بحسب المعنى لأنه في معنى يطابقه، بحسب المعنى أو يجعل موعد بمعنى وعدكم الخ، أو هو معطوت على مقدر. قوله:(وهو ظاهر في أن المراد بهما المصدر) لأن الثاني عين الأول لإعادة النكرة معرفة، والمكان والزمان لا يقعان في زمان بخلاف الحدث أنا الأول فلأنه لا فائدة فيه، لحصوله في جميع الأزمنة، وأما الثاني فلأن الزمان لا يكون ظرفا لزمان ظرفية حقيقية، لأنه يلزم حلول الشيء في نفسه. وأما مثل ضحى اليوم في اليوم فهو من ظرفية الكل لإجزائه، وهي ظرفية مجازية، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل، فلا وجه لما قيل إنه لا يدري ما المانع منه. قوله: (ومعنى سوى منتصفا (أي وسطا للطريق، واقعا بين نصفيها، وقوله: يستوي الخ بيان لوجه تخصيصه وقوله: وهو في النعت، كقولهم قوم عدى أي بكسر العين والقصر. قال أهل اللغة: إن هذا الوزن مختص بالأسماء الجامدة كعنب ولم يأت منه في الصفة إلا عدى بمعنى عدو، وزاد هنا الزمخشري سوى وزاد غيره روي بمعنى مرو والنيروز فيعول بفتح أوله والنوروز لغة فيه وهو معزب، اسم لوقت نزول الشمس في أول الحمل والياء أشهر لفقد فوعول في كلام العرب، وقوله: على رؤوس الاشهاد لأنه مجمع عظيم. قوله: (عطف على اليوم الخ (والثاني أظهر لعدم احتياجه إلى التأويل، دماذا جعل الضمير لليوم فالإسناد مجازي، كنهاره صائم، والمراد بالخطاب ما في موعدكم فهو له والتفت وجعل الضمير غائبا تأدبا على عادة الكلام مع الملوك، وجمع ضمير الخطاب لأن الخطاب له ولقومه لا له تعظيما أو الخطاب لقومه، والضمير الغائب له وإن كان حاضرا لما ذكر، وقوله: ما يكاد به يعني أن المصدر بمعنى اسم المفعول أو بتقدير مضاف على ما اشتهر في مثله، وقوله: بالموعد إن كانت الباء بمعنى في فهو اسم مكان أو زمان وإلا فهو مصدر بمعنى الموعود، وقوله: بأن
تدعوا الظاهر أنه من الدعوى، ويصح أن يكون من الدعوة وقوله: ويستأصلكم تفسير ليسحتكم ومعناه يهلككم أجمعين، يقال أسحته وسحته بمعنى على اللغتين وقوله: كما خاب فرعون تصديق لقول موسى عليه الصلاة والسلام وقد خاب من افترى لأنه من كلامه لا تفسير له. قوله: (أي تنازعت السحرة الخ (فمرجع الضمير معلوم من قرله كيده، وقوله: في أمر موسى عليه الصلاة والسلام فإضافة الأمر إليه لأدنى ملابسة لوقوعه فيما بينهم واهتمامهم به وعلى هذا نجواهم ما ذكر، وقوله: أو تنازعوا على أن الضمير للسحرة، ومخالفته لما قبله بتغاير المتنازع فيه، وكون
الضمير لفرعون وقومه أظهر لسبق ذكرهم ولذا ذهب إليه الآكثر، وقوله: تفسير لأسروا النجوى على القول الأخير أو على الأول، ولا ينافيه قوله: فيه ليس هذا من كلام السحرة لأنه أحد شقي النزاع ولا تفسير النجوى أولا، بقوله: بأن موسى إن غلبنا الخ لأنه بعض ما ذكروه أو هو عليه كلام مستأنف كأنه قيل: فما قالوا للناس بعد تماء التنازع فقيل: قالوا: إن هذان الخ تنفيرا للناس وتقربا لفرعون وأما كونه تفسيرا على الوجه الثاني في رجوع الضمير للسحرة، فإنما يصح إذا كانت المعارضة شاملة للمعارضة القولية لا إذا كان المراد بها السحر الذي قابلوه به فتأمل. قوله: (على لنة بلحارث بن كعب (بفتح الباء وسكون اللام وأصله بني الحرث وهم قبيلة معروفة فخففه بحذف النون بعد حذف النون الجمع للإضافة وحرف العلة لالتقاء الساكنين كما قالوا علماء في على الماء وهو مخالف للقياس لكنه مسموع عن العرب فيهما، وقيل إنها لغة كنانة قال في العباب هذا من شواذ التخفيف لأن النون واللام قريبا المخرج فلما لم يمكنهم الإدغام بسكون اللام حذفوا النون كما قالوا: ظلت ومست وكذلك يفعلون بكل قبيلة يظهر فيها لام التعريف نحر بلعنبر فإذا لم تظهر لم يكن ذلك، وقوله: فإنهم جعلوا الألف الخ، يعني أن هذه اللام عندهم علامة التثنية لا علامة إعراب حتى تتغير كغيرها فأعربوه بحركات مقدرة، كالمقصور وكون اسمها ضمير الشأن غير مرضيئ لأن حذفه مع المشددة ضعيف، وقيل: مخصوص بالشعر وكون اللام لا تدخل الخبر لاختصاصها في الفصيح بالمبتدأ ولذا سميت لام الابتداء وتقدير لهما لتدخل على المبتدأ المقدر فيندفع المحذور وقيل: إنها لام زائدة لا لام الابتداء أو هي دخلت بعد إن بمعنى نعم لشبهها بالمؤكدة لفظا كما زيدت أن بعد ما المصدرية لمشابهتها للنافية ورد الأول بأن زيادتها في الخبر
خاصة بالشعر. وقول النيسابوري أن القراءة حجة عليهم استدلال بمحل النزاع مع احتمال غيره لكن دخول اللام المؤكدة المقتضية للاعتناء بما دخلت عليه وحذفه يشعر بخلافه فيه هجنة وأما أن الحذف لا يجوز بدون قرينة ومعها هو مستغن عن التأكيد فليس بشيء لقيام القرينة والاستغناء غير مسلم وهو للنسبة لا للمحذوف، وأما إنكار بعض القدماء له فلا يسمع كما قيل إنه جمع بين متنافيين وهما الإيجاز والإطناب، وقد ضعف كونها بمعنى نعم بأنه لم يثبت أو هو نادر وعلى تقدير ثبوته ليس قبلها ما يقتضي جوابا حتى تقع نعم في جوابه والقول بأنه يفهم من النجرى لأنها تشعر بأن منهما من قال: هما ساحران فصدق وقيل نعم تكلف. قوله: (وقرأ أبو عمرو أن هذين وهو ظاهر (لفظا ومعنى لكن في الدر المصون أنها استشكلت بأنها مخالفة لرسم عثمان رضي الله عنه فإنه فيه بدون ألف وياء فإثبات الياء زيادة عليه ولذا قال! الزجاج: أنا لا أجيزها رليس بشيء لأنه مشترك الإلزام ولو سلم فكم في القراآت ما خالف رسمه القياس مع أن حذف الألف ليس على القياس أيضا. وأما قول عثمان رضي الله عنه إني أرى في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فكلام مشكل وتفصيله في شرح الرائية للسخاوي، وقواءة ابن كثير وحفص قرأ بها كثير وهي أقوى وأظهر وتشديد النون على خلاف القياس فرقا بين الأسماء المتمكنة وغيرها. قوله: (الدي هو أفضل المذاهب (لأن المثلى تأنيث أمثل بمعنى أفضل كما في قوله ىسيرو إلا مثل فالأمثل، وقوله: ب! ظهار مذهبه متعلق بيذهبا وأفرده لاتحاده فيهما، ولأنه مذهب موسى عليه الصلاة والسلام وغيره تبع له فيه ولموافقة قوله: أخاف أن يبذل دينكم. وقوله: لقوله تعليل لكونه مرادا المفهوم من السياق. قوله: (وفيل أرادوا أهل طريقتكم الخ (فهو على تقدير مضاف ولا ينافيه إضافة طريقتكم الاختصاصية لأن من كان معهم من بني إسرائيل كان على طريقتم ظاهرا وليس لهم طريقة أخرى وإنما جعلهم أهل طريقتهم لعلمهم بها، وقوله: لقول موسى عليه الصلاة والسلام تعليل لإرادة ما ذكر. قوله: (وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم الخ (فلا تقدير فيه وهو مجاز واستعارة لاتباعهم كما يتبع الطريق كما
أثار إليه المصنف رحمه الله والوجوه بمعنى الإشراف والأكابر وهم بنو إسرائيل على هذين القولين لأنهم كانوا أكثر منهم عددا وأموالآ
وعلمآ، كما قيل ولا ينافيه استبعادهم واستخدامهم وقتل أولادهم وسومهم العذاب كما قيل لأنه كم من متبوع مقهور يكون فيه ذلك فتأمل. قوله: (نازمعو. واجعلوه مجمعا عليه (أي متفقا عليه يقال: أزمع الأمر وأزمع على الأمر كأجمع الأمر وأجمع عليه إذا عزم عزما مصمما متفقا عليه من غير اختلاف ولأهل اللغة كلام في الفرق بين جمع وأجمع فصلناه في شرح الدرة، وقوله: فهو قول بعضهم لبعضى هذا على القرل الأول والثاني في تفسير تنازعوا لا على الوجه الثاني كما قيل. قوله: (فاز بالمطلوب من غلب (إشارة الى أن المراد بالفلاح الفوز والظفر بالمطلوب، ولما كان الظفر بالمطلوب لا يكون بمجرد طلب العلؤ المعنوي وهو الغلبة بل بالعلؤ نفسه فسره به فالسين للتأكيد لأن ما حصل بطلب ومزاولة يكون أتم من غيره، وإذا ثبت الفلاح للغالب أفاد بطريق المفهوم أق غيره خائب لكن التعريض لا يتوقف على إرادة الطلب بالسين فمن فسره بظفر وفاز ببغية من طلب العلؤ في أمره وسعى سعيه، وأيده بأن في تفسير غيره إخلالا بمعنى السين وتقصيرا في حق التعريض لم يصب وقد فسر الجوهري وغيره استعلى بعلا فهذا أتم رواية ودراية. وقوله: مصطفين إشارة الى أن المصدر حال بهذا التأويل وقال أبر عبيدة: إن المراد موضع الاجتماع وهو المصلى والظاهر الأول. قوله: (وهو اعتراض (قال الراغب: الاستعلاء قد يكون لطلب العلؤ المذموم وقد يكون لغيره وهو هنا يحتملهما فلذا جاز أن يكون محكيا عن هؤلاء القائلين للتحريض على اجتماعهم واهتمامهم وأن يكون من كلام الله فالمستعلي موسى وهرون ولا تحريض فيه. وقيل: وجه الاعتراض أنه جيء بهذه الجملة أجنبية بين مقولاتهم من كلامه تعالى فهي اعتراض وفيه نظر لأن الظاهر أنها من مقولاتهم قالوا: ذلك تحريضا لقومهم فلا اعتراض اهـ والظاهر أنه لا مانع من الاعتراض على الوجهين، فتأمل. قوله: (أي بعدما أتوا مراعاة للأب (حيث قدموه على أنفسهم ومثله ما تقدم في تفويض جعل الموعد وضربه إليه، وقيل: إنه لإظهار تجلدهم لعلمهم بأنها أعظم من آياته، وقوله: اختر إلقاءك أولا أو إلقاءنا قدر الاختيار بقرينة أو الدالة على التخيير لكن ما ذكره تفسير معنى لا إعراب، وتقدير إعرابه إفا أن تختر الإلقاء أو نختاره وعلى تقديره خبرا الغرض منه العرض وهو يفيد التخيير أيضا، وقال أبو حيان: يجوز أن يكون
مبتدأ خبره محذوف أي إلقاؤك أول بقرينة قوله: وأما أن نكون أول من ألقى وبه تتم المقابلة، ولذا قدر في قوله الأمر إلقاؤك أولا أو إلقاؤنا مبتدئين. قوله:(مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم (أي لما تأدبوا معه كما مر عاملهم بمقتضاه، وهو تقديم فعلهم فليس وعيدا على لسحر كما قيل، كما تقول للعبد العاصي افعل ما أردت وليس فيه تجويز السحر المنهيئ عنه ولا الأمر به بل هو كالأمر بذكر الشبهة لتكشف، وتقديم الباطل ليقذف بالحق عليه فيدمغه بتسليط المعجزة على السحر لتمحقه كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وفي قوله: عدم مبالاة بسحرهم رد لما قيل إن تقديم إسماع الشبهة على الحجة غير جائز لجواز أن لا يتفزع لإدراك الحجة بعد ذاك، فتبقى ولا حاجة إلى القول بتقدير شرط وهو ألقوا إن كنتم محقين لأنه يعلم عدم إحقاقهم فيه فلا يجدي التقدير بدون ملاحظة غيره. قوله: (وإسعافا (أيمما مساعدة على ما أوهموا أي أتوا بكلام فيه إيهام به واحتمال له دون الجزم ببدئهم، وقوله: بذكر متعلق بأوهموا وهو ظاهر، وتغيير النظم إلى وجه أبلغ في شقهم حيث لم يقولوا، وأما أن نلقى أولا إذ أتى بكان الدالة على كون مطلق، ثم كون مخصوص يفيده الخبر كما بينه الرضي وجعلوا المفضل عليه من الموصولة بماض ليفيد التحقق وعموم تقدمهم على كل من يتأتى منه الإلقاء سواء هو أو غيره. قوله: (ولأن يبرزوا ما معهم ويسنفدوا الخ (وجه آخر للجواب عن الأمر مآله أن الأمر في الحقيقة بازالته لا بإثباته ويستنفدوا بالدال المهملة أي يستوفوه حتى ينفد ويفنى، وأما النفاذ بالذال المعجمة فهو من نفذ السهم الرمية إذا خرقها وليس بمناسب هنا. قوله: (فألقوا) إشارة إلى أن الفاء عاطفة على مقدر علم مما تقدم وإذا الفجائية تدل بواسطة نيابتها في الدلالة عن الفعل المقدر على وقوع ما بعدها بغتة، وقوله: والتحقيق أنها ظرفية أي منصوبة
على الظرفية الزمانية لا المكانية كما ذهب إليه بعض النحاة، وظاهره أنها الآن ظرفية دياليه ذهب بعض النحاة، وقيل إنها كانت كذلك ثم جعلت مفعولا به لفاجأ فما ذكر باعتبار أصلها، وقوله: خصت بأن يكون المتعلق فعل المفاجأة ولذا أضيفت لها وسميت فجائية، وقوله: والجملة ابتدائية أي اسمية من مبتدأ وخبر، وهذا هو المشهور، وقيل إنه في الأكثر فيجوز إضافتها لفعلية مضرة بقد لمشابهتها الاسمية في دخول واو الحال عليها. قوله: (والجملة ابتدائية (ليس فيه حصر حتى يرد عليه قول أبي حيان أنه يليها الجملة الفعلية المصحوبة بقد كما أورده عليه بعضهم. قوله: (ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت تخييل سعي حبالهم (إيقاع
المفاجأة على الوقت توسع لأن المفاجئ إنما هو الحبال والعصيئ مخيلا أنها تسعى وقيل إنه مجاز لأن مفاجأة الوقت تستلزم مفاجأة ما فيه، وكونه استعارة تمثيلية كما في بعض شروح الكشاف بعيد، وقال أبو حيان: هذا مذهب الرياشي إن إذا الفجائية ظرف زمان وهو قول مرجوح. وقوله: ضربت عليها الشمس أي استمرت زمانا من ضربت الخيمة إذا نصبتها. قوله: (على إسناد. إلى ضمير الحبال والعصتي (المؤنث وهو الرابط للخببر ولا يضر الإبدال منه لأنه ليس ساقطا من كل الوجوه، وقوله: قرئ يخيل أي بضم الياء التختية الأولى وكسر الثانية والرابط ما في المفعول من ضمير أنها وتخيل معطوف على تخيل أي قرئ تخيل بالفوقية المفتوحة وفاعله ضمير الحبال والعصيئ وأنها الخ بدل كما مز. قوله: (فأضمر فيها خوفا (الإيجاس هنا الإخفاء في النفس والخيفة الخوف لكن يكون فعله دالا على الهيئة والحالة اللازمة كما ذكره الراغب، ولذا فسره بعضهم هنا بخوف عظيم لأن صيرورته حالا له ربما يشعر بذلك ولذا اختير على الخوف في قوله: والملائكة من خيفته فلا وجه لما قيل إنه يأباه صيغة خيفة، والإيجاس فتأئل. قوله: (أو من أن يخالج الناس شك (أي يعرض لهم ويختلج في خواطرهم شك وشبهة في معجزة العصا لما رأوا من عصيهم دماضمار خوفه من ذلك لئلا تقوي نفوسهم إذا رأوا خوفه ذلك فيؤذي إلى عدم اتباعهم فلا وجه لما قيل إن الخوف منه ليس مما يحتاط في كتمانه فلا وجه للأطناب بذكر الإيجاس والإضمار اهـ وعلى الأول خوفه من مفاجأته لاحتمال عدم إبطاله. قوله: (ما توهمت (من غلبة سحرهم على الأول ومخالجة الشك على الثاني ولا تخف بمعنى لا تخف بعد هذا ولا تستمر على خوفك الأول وليس معناه لا يصدر منك خوف أصلا! ما هو ظاهره لوقوعه بحسب الجبلة كما أشار إليه ولذا قيل: إن النهي خرج عن معناه للتشجيع وتقوية القلب لا للنهي عن الخوف المذكور في قوله: خيفة لأنه ليس اختياريا، ولا يضرنا أق الأمور الاضطرارية تدخل تحت الاختيار والكسب باعتبار البقاء ولذا بين في علم الأخلاق دفع الخصال الذميمة، كما قيل لأنه عين ما اذعاه القائل. قوله: (تعليل للنهي (لأنه في جواب لم لا أخات والغلبة معنى العلؤ فظهورها يجعلها بمنزلة العلؤ المحسوس رالاستئناف بياني وحرف التحقيق أن وقوله وصيغة التفضيل إشارة إلى أنه ليس لمجرد الزيادة لأن السحرة لهم علؤ بالنسبة للعامة ولذلك استرهبوهم وأوجس منهم خيفة أولا وقوله تعالى: {وألق ما في
يمينك} [سورة طه، الآية: 69] عطف على قوله: لا تخف ولا حاجة إلى تقدير تثبت وألق من غير حاجة إليه دمان ذكره بعضهم. قوله: (أبهمه ولم يقل عصاك (التحقير والتعظيم من ما الدالة على الإبهام المستعمل تارة للتحقير لأن الحقير لا يعتني به فيعرف وللتعظيم لأن العظيم لعظمته قد لا يحيط به نطاق العلم نحو فغشيهم من أليم ما غشيهم سواء كانت ما موصولة أو موصوفة، رقيل: التحقير على كونها موصولة والتعظيم على كونها موصوفة، وهذا بناء على المتبادر د! الا فلا وجه للتخصيص، كما قيل وهذا لا ينافي أن يكون له نكتة أخرى وهي ما في اليمين من الإشعار باليمن والبركة كما ذكره أبو حيان ولأنه قال في سورة الأعرافا ألق عصاك، والقصة واحدة لأنه لا مانع من رعاية هذه النكتة فيما وقع وحكاية الأول بالمعنى وإنما لم يذهب للعكس د! ان احتمل لأنه تفوت فيه النكتة فلذا آثر هذا، وفيما ذكروه نظر لأنه إنما يتتم إذا كان الخطاب بلفظ عربي أو مرادف له يجري فيه ما يجري فيه والأول خلاف الواقع
والثاني دونه خرط القتاد فتأمل. قوله: (تلقف (التلقف هو التناول باليد أو بالفم والمراد هنا الثاني. وقوله: والخطاب أي لموسى عليه الصلاة والسلام لأنه تسبب بإلقائها لتلقفها، وقوله: على الحال أي المقدرة من الفاعل بناء على تسببه أو من المفعول وهو ما المراد بها العصا المؤنثة أي متلقفا أو متلقفة، والاستئناف بيانيئ والجزم في جواب الأمر، وقوله: بتشديد التاء أي بإدغام التاء الأولى في الئانية في حالة الوصل لئلا يلزم الابتداء بالساكن على ما بين في علم النحو والقرا آت. قوله: (إن الذي زوروا (إشارة إلى أن ما موصولة وافتعلوا أي كذبوا يقال: افتعل الكذب إذا اختلقه وعلى قراءة الرفع فالعائد محذوف أي صنعوه، وقوله: على المبالغة بجعله عين السحر لكثرة مزاولته له. قوله: اللبيان (ظاهره أنه على معنى من البيانية، والمشهور أنها في العموم والخصوص المطلق لامية لا بيانية لكنه قال في شرح الهادي: إن إضافة العام إلى الخاص في نحو إنسالط زيد بمعنى اللام، وقيل: إنها بمعنى من لأنه يحمل عليه كما يقال في شهر المحرم الشهر المحزم اهـ. وهو ظاهر كلام الشريف في أزل شرح المفتاح في إضافة علم المعاني وشجر الأراك فمن قال: هنا شرط الإضافة البيانية أن يكون المضاف إليه جنسا للمضاف يصح إطلاقه كليه وعلى غيره أي يكون بينهما عموم وخصوص وجهيئ فقد قصر ولم يصب فيما فسر! -
ومثله في شرح الكتاب وشرح التسهيل. قوله: الأن المراد به الجنس المطلق (يعني أن المراد كيد هذا الجنس والطائفة ولذا لم يقل لا يفلح السحرة، وقوله: وتنكير الأول لتنكير المضاف يعني أنه إنه إذا كان المراد الجنس فلم لم يعرف الأول فأجاب بأنه قصد منه بمقتضى المقام تنكير المضاف فلذا نكر الثاني لأنه لو عرف كان الأول معرفة بالإضافة، فإن قلت فليكن تعريفه الإضافي للجنس وهو كالنكرة معنى وإنما الفرق بينهما حضوره في الذهن، قلت لا حاجة إلى تعين جنسه فإنه علم مما قبله من قوله: تخيل الخ وإنما الغرض بعد تعينه أن يذكر أنه أمر مموه لا حقيقة له، وهذا مما يعرف بالذوق وأما القصد إلى تحقيره كما قيل فبعد تسليم إفادته من غير تنوين لا يناسب المقام لما عرفت ولأنه يفيد انقسام السحر إلى حقير وعظيم، وليس بمقصود، وأما الاعتراض بأنه ينافي قوله: وجاؤوا بسحر عظيم في آية أخرى وعظم سحره يدل على عظم الساحر وأنه لو قيل: كيد الساحر لدل على أنه ساحر معروف فليس بشيء فإن عظمه من وجه لا ينافي حقارته في نفسه والتعريف الجنسيئ لا يدل على أنه ساحر معين إلا أن يريد أنه يحتمله فتأمل. قوله: (يوم ترى النفوس ما أعدت الخ (هو من قصيدة للعجاج أولها: الحمد لله الذي استقلت بإذنه السماء واطمأنت
ب! ذنه الأرض وما تعنت
الخ ومنها:
يوم ترى النفوس ما أعذت من نزل إذا الأمور رغبت
في سعي دنيا طالما قد مذت
والمراد بيوم ترى الخ يوم القيامة الذي ترى فيه ما أعذته أي جعلته عذة مما فعلته في
سعي دنيوي ومذت دنياه أمهل فيها وغبت أي صارت إلى آخرها، وقوله: في سعي دنيا متعلق بغبت رليس تنكير دنيا ضرورة لأنها تأنيث أدنى أفعل تفضيل وهو لا يؤنث إلا إذا عرف بالألف واللام أو الإضافة لأنها غلبت عليها الاسمية فلذا أثبتت من غير ضرورة كما في حديث البخاري إلى دنيا يصيبها وقول عمر رضي الله عنه: لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة، ولذا قلبت واوها ياء فإنه مخصوص بالأسماء، وأما قوله:
لمان دعوت إلى جلي ومكرمة
فالظاهر أنه ضرورة وتمكنه من أن يقول الجلي فلا يجدي لأن الضرورة ما وقع في الشعر
لا ما ليس! عنه مندوحة على ما بين في العربية. قوله: (حيث كان وأين أقبك (يعني أنه ظرف
مكان أريد به التعميم لا التعيين، وقوله: إنه أي ما صنعه أو التلقف، وقوله: فألقاهم ذلك على وجوههم فيه إشارة إلى أن تكرير لفظ الإلقاء والعدول عن فسجدوا فيه مع المشاكلة والتناسب إنهم لم يتمالكوا حتى وقعوا سجدا ونسب الإلقاء إلى ذلك وهو التلقف وما صدر منه إسناد مجازي والفاعل الحقيقي هو الله، وتوبة مفعول له لسجد أو إعتابا أي رجوعا عما يعتب فيه من قولهم: أعتبه إذا أزال عتبه والهمزة للسلب كما في المصباح. قوله: (قدم هرون لكبر سنه الخ (لما قدم
موسى في الأعراف وهو الظاهر لأنه أشرف من هرون والدعوة والرسالة إنما هي له فتقديمه على الأصل لا يحتاج لنكته وإنما المحتاج إليه تأخيره كما هنا فلذا أشار إليه بما ذكره، وهذه النكتة إنما هي في الحكاية لا في المحكي حتى يحتاخ إلى أن يقال إنه كلام فريقين من السحرة أو أنه حكى في أحد الموضعين بالمعنى ليدفع التعارض فتقديمه لكبر سنه أو لرعاية الفاصلة، أو لأنه لو قدم موسى ربما توهم أن المراد بربه من رباه وذكر هرون بطريق التبعية، وأورد على الأخير أن المقام لا يتحمله لأن سجودهم تعظيما يأباه، وتقديمه ثمة يدل على أنه ليس في الترتيب نكتة لا سيما والواو لا تقتضي ترتيبا وليس بشيء لأن التوهم لا يلزم أن يكون منهم بل من غيرهم، والمعظم غير معين عندهم، وتقديمه ثمة على الأصل فلا يحتاج لوجه وكون الواو لا تفيد الترتيب لا يستلزم أنه ليس لتقديمه نكتة إذ مثل الكلام المعجز لا يعدل فيه عن الأصل لغير داع وقد ذكر هذا القائل في سورة الأعراف ما يعارض ما ذكره هنا وما وقع في شرح المفتاح من أن موسى عليه الصلاة والسلام أكبر من هرون سهو، ورؤية منازلهم في الجنة بطريق الكشف بعد رفع غطاء الكفر مروي عن عكرمة رحمه الله.
قوله: (أي لموسى عليه الصلاة والسلام لما كان الإيمان في الأصل متعذيا بنفسه ثم
شاع تعديته بالباء لما فيه من معنى التصديق حتى صار حقيقة أول تعديته باللام بتضمينه معنى الانقياد لأنه يقال انقاد له لا التسليم لأنه بمعنى الإيصال وأما الذي بمعنى الانقياد فالمعروف فيه أسلم نحو أسلم أمره دثه وسلم لغة قليلة، كما في المصباح مع ما فيه من كثرة الحذف وأما ما ذكره فغير ظاهر لأن الاتباع متعد بنفسه يقال: اتبعته ولا يقال اتبعت له، وهذا إذا لم تكن اللام تعليلية فإنه حينئذ يكون على أصله والتقدير والذي آمن بالله لأجل موسى عليه الصلاة والسلام
وما شاهدتم منه ولذا اختاره بعضهم ولا تفكيك فيه كما توهم لكنه معارض لما تدره في الأعراف وهو بموسى لا بالئه لأن قوله: في الشعراء إنه لكبيركم الذي علمكم السحر لا ينتظمه لهان كان فيه إبقاؤه على أصله أيضا وفيه نظر، وقوله: أو لأستاذكم أي معلمكم لأن الأستاذ يستعمل في العرف بهذا المعنى، وهو معرب لأن السين والذال لم تجتمعا في كلمة عربية ومعناه الماهر، ويطلق على الخصيئ أيضا في العرف والمقصود مما ذكر التوبيخ لا فائدة الخبر أو لازمها. وقوله: إنه لكبيركم استئناف للتعليل، وتواطأتم بمعنى اتفقتم وهذا تلبيس منه لتنفير الناس والا فهم سحرة قبل قدومه ولم يعرف تعلمهم منه. قوله:(اليد اليمنى الخ (يعني معنى ئوله: من خلاف من جهتين مختلفتين وهو تخفيف قصد به التشديد، وقيل: إن في قطعها من وفاق إهلاكا وتفويتا للمنفعة فلا يكون القطع مرة أخرى عقوبة وفيه نظر، وقوله: كأن القطع ابتدئ من مخالفة العضو العضو يعني أن مبدأ القطع من الجانب المخالف لا من الخلاف نفسه لكنه جعله مبتدأ على التجوز وكون الخلاف بمعنى الجانب المخالف مجاز أيضا. قوله: (في حيز النصب على الحال (قيل المناسب لقوله: كأن القطع أن يكون صفة مصدر أي تقطيعا كائنا من خلاف أو قطعا وفيما اختاره تقليل التقدير. قوا! هـ:) شبه تمكن المصلوب الخ (يعني أنه استعارة تبعية بتشبيه شدة حاله بدخول المظروف في ظرفه لشدة تمكنه فيه والياء في قوله: بالجذع بمعنى في أو على والظاهر الئاني كما في مررت به وعليه، أو للإلصاق فلا يرد عليه ما ورد على قول الزمخشري في الجذع بأن الوجه أن يقرل على الجذع لأن المشبه لا ظرفية فيه. قوله: (وهو أول من صلب) ظاهره أنه أوقع بهم الوعيد، ولا يقال مثله بالرأي لكن الإمام قال: إنه لم يثبت في الأخبار ولا ينافيه قوله: أنتما ومن اتبعكما الغالبون وهو ظاهر. قوله: (يريد ئفسه وموسى (تفسير لضمير المتكلم مع غيره فالمراد بالغير على هذا موسى بقرينة تقدم ذكره في قوله: آمنتم له ولاحتمال كون الضمير دنه أشار إلى دفعه بأن الإيمان إذا تعدى باللام فهو بمعنى الانقياد ومجرورها غير الله كما وقع في آيات كثيرة تعليم بالتتغ وقولنا بمعنى الانقياد لم نقل الاتباع لما مر، ورأيته في نسخة فيما مر بمعنى الاتباع بالباء وحينئذ لا يرد عليه ما مز. قوله: (واللام الخ (قيل الحق أنها للتعنيل وليست بصلة للإيمان ولا دلالة
في قوله تعالى: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} [سورة التربة، الآية: 61]، عليه إذ معناه ويصدر عنه الإيمان لأجل المؤمنين وموافقتهم ودعوتهم وإلا لقيل يؤمن بالته وللمؤمنين وقوله: وموافقتهم ودعوتهم تفسير لقوله: لأجل المؤمنين إذ ليس المراد من كونه لأجلهم إلا أن إظهاره وقوله: آمنت بالئه لموافقته
لهم ودعوتهم إلى التلفظ به وإظهاره لا إحداث الإيمان لأجلهم فإنه لا يخطر ببال أحد، فاندفع عنه ما قيل إنّ ما ذكره في آية التوبة يحتاج إلى الاستغفار والتوبة فإن ضمير يؤمن للنبي صلى الله عليه وسلم وكيف يجوز أن يقول: تلك العظيمة في حقه اللهم اغفر له نعم لا مانع من جعلها صلة له بمعنى الانقياد، وقد اعترف به القائل ثمة، وأما قوله: وإلا لقيل الخ فيرد عليه أنه جمع بين معنيي المشترك أو الحقيقة والمجاز فإنه في الأوّل بمعنى التصديق وفي الثاني بمعنى الانقياد ولو كانت اللام للتعليل لترك الفعل والعاطف فالحق ما ذكره المصنف إذ لا حاجة إلى ما ارتكبه من التغلف. قوله: (توضيع موسى (أي إهانته، وقوله: لم يكن من التعذيب في شيء أي لم يكن شارعا في شيء من التعذيب والمراد لا قدرة له عليه حينئذ، وقوله: وقيل رب موسى معطوف على موسى بحسب المعنى أي المراد من الضمير نفسه ورب موسى ووجه ضعفه ما مر من أنّ التعدية باللام لغير الله. قوله: (وأدوم عقابا (وفي نسخة عذابا وهما بمعنى، وأما كونه من البقاء بمعنى العطاء فبعيد وان جمع فيه بين الثواب والعقاب، كقول نمروذ أحيي وأميت، وقوله: ما جاءنا موسى به إشارة إلى تقدير العائد وإنما جعلوا المجيء إليهم وإن عم لأنهم المنتفعون به والعارفون من غير تقليد وقوله ة الضمير فيه أي المستتر الذي كان لموسى عليه الصلاة والسلام فلا حاجة لتقدير العائد والمراد الذي جاءنا مع موسى لأنه المراد ولكونه خلاف الظاهر أخره. قوله: (ما أنت قاضيه الخ (إشارة إلى أنّ ما موصولة عائدها محذوف لا مصدرية كما جوّزه أبو البقاء لأنّ دخولها على الاسمية ممتنع أو نادر، وقوله: صانعه إشارة إلى أنه يجوز أن يراد بالقضاء الإيجاد الإبداعي كما في قوله: فقضاهن سبع سموات كما ذكره الراغب، وقوله: أو حاكم به إشارة إلى معناه الآخر المعروف وإليهما أشار أيضاً في قوله: إنما تصنع ما تهواه أو تحكم ما تراه أي بما تراه لأنه يتعدى بالباء وفيه إشارة إلى أن مفعوله محذوف ويجوز أن ينزل منزلة اللازم، وأن تكون ما مصدرية وهذه الحياة المنصوب محلاً على الظرفية خبره، وقوله: في هذه الدنيا إشارة إلى إعرابها لمذكور على الوجه الأوّل. وقوله: صيم يوم الجمعة أي على التوسع بجعل الظرف مفعولا به. وقوله: أكرهتنا أي على تعلمه كما روي
وفعله كما مز. قوله: (فإنّ الساحر إذا نام بطل سحره (الإضافة عهدية أي السحر الذي يكون بالتسخير والعزائم لا ما يكون شعبذة وعملا كالزئبق المار ذكره ولا ينافي هذه الرواية قوله: إنا لنحن الغالبون لاحتمال أن يكون قبل ذلك أو تجلداً كما أنّ قوله: إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قبله، وقوله: إلا أن يعارضوه استثناء مفرغ لأن أبي نفى معنى، وقوله: وأبقى فيه ما مرّ، وقوله: أي الأمر إشارة إلى أن الضمير للشأن وهو المراد بالأمر واحد الأمور، وقوله: بأن يموت تفسير لإتيان ربه، وقوله: حياة مهنأة بألهمز دفع للتناقض وقوله: المنازل الرفيعة تفسير له لأنّ المعروف فيها درجة السلم. قوله: (والعامل فيها معنى الإشارة الخ) أي هو حال من الضمير المستتر في لهم والعامل فيه ما في أولئك من معنى أشير والحال مقدرة ومن لم يفهها المراد منه قال إنه لم يظهر وجهه أو معنى الاستقرار في الظرف والآيات الثلاث. قوله: إنه من يأت ربه مجرما الخ، وأن في إن أسر تفسيرية أو مصدرية وإضافة عبادي تشريعية. قوله: (فاجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهما (يعني أن الضرب إما بمعنى الجعل وحينئذ قيل إنه ينصب مفعولين فلهم المفعول الثاني كما يقال ضرب عليهم الخراج وسهماً بمعنى نصيب أو بمعنى اتخذ وقد ورد في كلام العرب بهذين المعنيين وطريقا مفعول به وهو ظرف في الأصل، وقال المعرب أنّ الضرب بمعناه المشهور وأصله اضرب البحر ليصير لهم طريقاً فأوقع الضرب على الطريق اتساعا فهو مجاز عقليئ. قوله: (مصدر وصف به (أي جعل وصفا لقوله: طريقاً مبالغة وهو يستوي فيه الواحد المذكر، وغيره واليبس بالتحريك ما كان فيه رطوبة فذحبت والمكان إذا كان فيه ماء فذهب كذا قال الراغب: وفي القاموس
ما أصله اليبوسة ولم يعهد رطباً فيبس بالتحريك، وأما طريق موسى عليه الصلاة والسلام في البحر فإنه لم يعهد قط طويقا لا رطبا ولا يابسا وهو مخالف له، ويبس من باب علم، وقوله: إفا مخفف أي حذفت حركته
للتخفيف فهو مصدرا وهو صفة مشبهة كصعب أو جمع لصاحب وقيل إنه اسم جمع، وهذا الاحتمال ذكره في الفتح أيضاً فيكون كخادم وخدم لكن لندوره لم يذكره المصنف رحمه الله وقوله: مبالغة لجعله في السعة كالطرق أو قدر كل جزء منه طريقا لأنه كان اثني عشر بعدد الإسباط كما سيأتي. قوله: (كان قتود الخ) القتود جمع قتد وهو خشب الرحل ويجمع على أقتاد والرحل ما يوضع على الناقة والمراد به الناقة هنا، والحوالب بالحاء المهملة جمع حالب، والحالبان عرقان يكتنفان السرة، وغرزا جمع غارز بالغين المعجمة وتقديم الراء المهملة على الزاي المعجمة وهي الناقة التي قل لبنها والغرازة ضد الغزارة فعكس اللفظ لعكس المعنى وهو منصوب على الحال، وقيل: صفة حوالب، ومعى واحد الأمعاء وهي معروفة وجياع جمع جائع وصف به المفرد، وضمت بفتح الضاد بمعنى جمعت، وحوالب مفعوله وفاعله ضمير الرحل ولا مضاف فيه مقدر وهو ذات وهو كناية عن هزالها، والبيت من قصيدة للقطامي أوّلها:
قفي قبل التفرّق يا ضباعا ولايك موقف منك الوداعا
…
وبعد البيت:
على وحشية خذلت خلوج وكان لهاطلاطفل فضاعا
…
قوله: (من المأمور (وهو فاعل أضرب أو أسر بقطع الهمزة، وقوله: يدرككم المراد موسى وقومه على التغليب والدرك والدرك اللحوق، وقوله: على جواب الأمر يعني أسر، ويحتمل أنه نهى مستأنف كما ذكره الزجاج. قوله: (استئناف (أي على قراءة حمزة وأما على قراءة غيره فهو معطوف، وأما تقدير المبتدأ فهو دأبهم في الاستئناف وقد مر فيه كلام، وقوله: والألف فيه للإطلاق يعني أنه مجزوم بحذف آخره، وهذه ألف زائدة لوقوعه فاصلة وأما كونه مجزوما بحذف الحركة المقدرة كقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
فضعيف بل ضرورة فلذا تركه المصنف رحمه الله وإذا كانت حالية فاقترانها بالواو للنفيئ
إذ لو كان مثبتا لم يقترن بها في الفصيح. قوله: (فاتبعهم الخ (اتبع متعد لاثنين في الأكثر كقوله: أتبعناهم ذرياتهم فلذا قيل إن الثاني مقدر أي عقابه أو رؤساء جيشه وقدره المصنف نفسه ولا محصل له) قلت (بل هو مفيد لأنه كناية عن أنه تبعهم فلا وجه لما ذكر، وقيل إنه
جنوده والباء زائدة فيه كما نقل عن الأزهرفي، وقصق أئرهم أي اتبعه، وقوله: ومعه جنوده إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال وأن الباء للمصاحبة، وقيل: إنه قد يتعدى لواحد بمعنى اتبع كما أشار إليه بقوله: وقيل الخ ورجحه على تفسيره بأدركهم كما فسره به يونس لأن تلك القراءة تناسب ما ذكره، وقوله: لا تخاف دركاً ياً باه هنا فمن اعترض عليه غفل عن مرأده، والقراءة بهما تؤيد أنهما بمعنى وإن نقل عن يونس أن اتبع بقطع الهمزة معناه أسرع ووجه، ويوصلها معناه اقتفى وتبع وقوله: والباء للتعدية أي على الثاني. قوله: (والمعنى فأتبعهم جنوده وذادهم خلفهم (بالذال المعجمة بمعنى ساقهم وحثهم وهو تفسير لاتبعهم على كونه متعدياً لاثنين والباء زائدة إشارة إلى أنه كان معهم يحثهم على لحوقهم بهم لأن السائق لا بد من كونه مع المسوق وهذا من منطوقه لأنه معنى الاتباع إذ لم يرد به الإرسال وليس من دليل آخر كما قيل: ولا معارضة بينه وبين قوله: فاتبعهم فرعون وجنوده ولا إيهام فيه لعدم اتباع فرعون بنفسه كما توهم ومن ظنه على الوجه الثاني وأنه بدل من فرعون بدل اشتمال فقدسها، وما وقع في بعض النسخ زادهم بالزاي المعجمة من تحريف الناسخ قوله: (الضمير لجنوده (لقربه وجنئذ لم يذكر فرعون لأنه ألقى بالساحك ولم يتغط بالبحر لقوله: ننجيك ببدنك فوجهه ملاءمته للسباق والسياق فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له وأنه يوهم أمرا باطلا وأما تفسير ما هدى بما نجا فجواب بما لم يقله مع بعده عن المقام، ووجه المبالغة من الإيهام كما أشار إليه بقوله: ولا يعرف كنهه وإذا كان الفاعل ضميرا لله فما مفعول، وإذا كان ما فاعلاً فترك مفعوله لزيادة الإيهام، وقيل: إنه من أليم أي بعض أليم وإذا كان الفاعل ضمير فرعون
فالإسناد مجازي كما أشار إليه. قوله: (أي أضلهم في الدين (لا في الفريق كما يشير إليه ما قبله وفي قوله: هداهم إشارة إلى أن المفعول حذف للفاصلة وقيام القرينة وهو الظاهر لا تنزيله منزدة اللازم ولا جعله بمعنى اهتدى، وأما توهم تكريره مع أضل وأنه توكيد له فينبغي فيه ترك العاطف فيدفعه أنه قصد التهكم به ففيه فائدة أخرى تقتضي المغايرة فلا وجه لما ذكر، وإذا أريد ما هداهم في وقت ما يفيد ما لم يفده لكنه ليس بلازم لدفع التكرار. قوله: (وهو تهكم به الخ (فإن قلت التهكم أن يؤتى بما قصد به ضده استعاة ونحوها وكونه لم يهد مجرد إخبار عما هو كذلك في الواقع، قلت قا أسا في الأنتصاف وغيره من شروح الكشاف هو كذلك ونكن العرف في مثله يدل
على كونه عالماً بطريق الهداية مهتديا في نفسه لكنه لم يهد وفرعون ليس كذلك فلما ذكر كونه
مضلاً تعين كون هذا المعنى سواه وهو التهكم، وهذا معنى لطيف فاحفظه، وقيل: ليس المراد
الاستعارة التهكمية بل التهكم اللغوي وهو الاستهزاء وفيه بحث ثم قال: إنه كمن ادعى دعوى
وبالغ فيها فلما حان وقتها قيل له: لم لم تأت بما ادعيت تهكما واستهزاء، ولا يخفى أن دلالته
على ما ذكر بواسطة التلميح. قوله: (في قوله وما أهديكم الخ (يعني أنه من التلميح لما ذكر
مما ادّعاه وبما تضمنه من الاستهزاء غاير ما قبله فلا يرد عليه أنّ حقه عدم العطف وقوله: أو
أضلهم الخ، فالضلال بمعنى آخر، وقوله بما فعل الخ متعلق بخطاب، وقيل: تقديره امتنانا بما
الخ. قوله: (بمناجاة موسى الخ (هو تفسير معنى لا إعراب فإن كان تفسير إعراب فمفعوله
مقدر وهو المناجاة، وجانب الطور منصوب على الظرفية لأن جنب وما بمعناه سمع نصبه على
الظرفية من العرب كما ذكره الراغب وابن مالك في شرح التسهيل فمن قال إنه محدود لا
ينتصب بتقدير في وأن الأولى ما في بعض النسخ لمناجاة باللام وجانب مفعول واعدنا على
الاتساع أو بتقدير مضاف أي إتيان جانب الخ لم يصب، والذي غره فيه كلام المعرب، وقوله:
للملابسة أي هو مجاز في النسبة بجعلهم كأنهم كلهم مواعدون، وقوله: على التاء أي بضمير
المتكلم. قوله: (والأيمن بالجرّ على الجوار) أي قرئ به وهو صفة لجانب بدليل قراءة النصب
ولأنّ الموصوف بأنه أيمن جانبه لا هو وما قيل إن الجز الجوارفي شاذ لا ينبغي تخريج القرآن
عليه والصحيح أنه صفة للطور من اليمن أي البركة أو لكونه على يمين من يستقبل الجبل رذ
بأن شذوذه على تسليمه لا ينافي تخريج قراءة شاذة عليه وقوله: لكونه على يمين الخ، غير
ظاهر. قوله: (والتعدي لما حد الله الخ (كان الظاهر عما حد الله لأنه يتعدى بعن لما ترك
وباللام لما فعل، ولذا قيل: المراد بما حده المحرّمات وهو مع إخراجه للمشتبهات عن
الطغيان غير مناسب في الأولى أنه من المتعدي بنفسه كقوله: ومن يتعد حدود الله واللام زائدة
لتقوية المصدر من غير احتياج لما تكلفوه وانبطر عدم القيام بحقوق النعمة. قوله: (فيلزمكم (
أي يتيقن ويتحقق وقوعه وأصله من الحلول وهو في الأجسام فاستعير لغير هائم شاع حتى صار حقيقة فيه، وتردّى هلك من الردا ولذا عطفه عليه للتفسير وأصله كالهوفي الوقوع من علو، وقوله: وقع في الهاوية أي النار فيكون بمعنا. الأصلي إذا أريد به فرد مخصوص منه لا بخصوصه، وقوله: بالضم الخ إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ الذي في معنى الوجوب بالكسر والمضموم في معنى النزول، وفي المصباج حل العذاب يحل ويحل حلولاً هذه وحدها بالضم والكسر والباقي بالكسر فقط، وحللت بالبلد من باب قعد إذا نزلت به، وقوله: عن الشرك قيده به لاقتضاء المقام، ولذا فسر آمن بمعنى عام ليفيد ذكره بعده. قوله:(ثم استقام الخ) أي استمرّ عميه وهو تفسير لقوله: ثم اهتدى بما ورد التصريح به في آية أخرى وثم إما للتراخي باعتبار الانتهاء لبعده عن أوّل الاهتداء، أو للدلالة على بعد ما بين المرتبتين فإنّ المداومة أعظم وأعلى من الشروع كما قيل:
لكل إلى شأو العلا حركات ولكن قليل في الرجال ثبات
…
وهذا هو المختار في الكشاف وشروحه. قوله: (سؤال عن سبب العجلة (ما الاستفهامية
في الأصل للسؤال عن الشيء، وقد تكون للسؤال عن وجهه وسببه، والثاني هو المراد هنا والسؤال يقع من الله
تعالى لكنه ليس لاستدعاء المعرفة من علام الغيوب، بل إما لتعريف غيره أو لتبكيته أو تنبيهه، كما صرح به الراغب في مفرداته وظاهره أنه ليس بمجاز كما يقول التلميذ: سألني الأستاذ عن كذا ليعرف فهمي ونحوه فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز، حتى يقال الإنكار مستفاد من السياق، ولا يرد عليه أنّ حقيقة الاستفهام محال عليه تعالى فلا وجه لبناء الكلام عليه فالمعنى ما أعجلك متباعداً عن قومك والإنكار بالذات للبعد عنهم، فهو منصب على القيد كما عرف في أمثاله، وإنكار العجلة لأنها وسيلة له فاعتذار موسى عليه الصلاة والسلام بخطئه في اجتهاده لظن هذا المقدار من البعد لا يضر كما جرت به العادة لا سيما والحامل عليه طلب مرضاة الله بالمبادرة لامتثال أمره، فالجواب {هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ} [سورة طه، الآية: 84] الخ تميم كما قيل، ومحصل كلامه تطبيق الجواب على السؤال لما يرى من عدم مطابقته ظاهراً. قوله: (من حبث إنها نقبصة في نفسها (تعليل للإنكار. وقوله: في نفسها أي بقطع النظر عما يقتضي تحسينها في بعض المواضع كخوف الفوات. وكونه مما ينبغي المبادرة له فلا يرد عليه قوله: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم واغفال القوم تركهم، وقوله: وايهام التعظم أي ربما يتوهم أنه يعظم عن صحبتهم. قوله: (أجاب موسى
عليه الصلاة والسلام عن الأمرين (أي عن السبب والإنكار وقد عرفت ما يرد على السؤال ودفعه، وقوله: وقدم جواب الإنكار في قوله: هم أولاء على أثري فإن محصله أنهم لم يبعدوا عني وان تقدمي على معتاد الناس وظني أن مثله لا ينكر ويعد نقيصة فاندفع ما قيل إنه لا يدفع الإنكار إلا بما بعده وكذا ما قيل إنه على هذا لا وجه للسؤال والإنكار لأنه تعالى أعلم بمرتبة تقدّمه التي هي غير منكرة ولو جعل هذا جوابا عن عدم إغفاله كان أحسن لكنه يفوت وجه التقديم وأهميته لأنّ السؤال سيق له، وترك ما في الكشاف بأنه للمهابة ذهل عن الترتيب اللائق بالجواب لأنه إنما يلتجأ لمثله عند عدم غيره لأنه آخر الدواء، وقيل: لما فيه من إساءة الأدب بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقيل: السؤال في المعنى عن الانفصال الذي يتضمنه أعجلك المتعدي بعن، وقيل: الجواب إنما هو قوله: وعجلت الخ وما قبله تمهيد له فتأمل. وقوله: بخطا يسيرة من قوله: على أثري، والرفقة جمع رفيق وقوله: ببعض لو سقطت الباء كان أولى، وقوله: توجب مرضحاتك أي رضاك بحسب وعدك. قوله تعالى: ( {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا} الآية (استئناف كلام وقصة أخرى ولذا أعاد قال: والفاء للتعقيب من غير تعليل أي أقول لك عقب ما ذكر إنا قد فتنا الخ، وقيل إنها تعليل لما سبق أي لا ينبغي البعد عن فومك فإنهم لحداثة عهدهم بمكان يحيق فيه مكر الشيطان ويتمكن من إضلالهم فإنّ القوم الذين خلفتهم مع أخيك أضلهم السامري فكيف تأمن على هؤلاء، وقوله: ابتليناهم أي أوجدنا وخلقنا فيهم تلك البلية، وقوله: وهم الذين خلفهم إشارة إلى انّ المراد بقوله: قومك غير المراد بما قبله ولذا لم يأت بضميرهم وقد جوّز في الكشف أن يكون عين الأوّل لإعادة المعرفة بعينها لأن المراد بالقوم الجنس في الموضعين لكن المقصود منه أوّلاً النقباء وثانياً المتخلفون ومثله كثير فتأمل. وقوله: وقرئ وأضلهم أي بأفعل التفضيل وقوله: أشدهم ضلالاً إشارة إلى أنه من الثلاثي لا من المزيد لكنه يفيده لأنه أشدية ضلاله بالإضلال لأنه ضلال على ضلال. قوله: (فإن صح الخ (وفي نسخة وان صح يعني إن صح ما ذكر مما يقتضي وقوع قصة السامرفي بعد عشرين من ذهابه لجانب الطور وما في الآية من التعبير بالماضي يقتضي وقوعه قبيل خطاب الله له وخطابه له كان عند
مقدمه للطور فيتعارض ما ذكر في الرواية وما في النظم فأجاب بأن الخطاب عند مقدمه، وأن ما ذكر وقع بعده لكنه عبر عنه بلفظ الماضي لأنه قريب الوقوع مترقب فهو من مجاز الأوّل لا استعارة، وقوله: إن صح إشارة إلى جواب آخر، وهو إنا لا نسلم صحته وإذا سلم فالجواب ما مرّ، وقوله: أقاموا معناه استمرّوا عليه ولم يتعرّض لكون مقدمه قبل عشرين لظهوره لأن قرب المسافة بينهم معلوم، وقوله: وإن هذا وفي نسخة وهذا الخطاب معطوف على قوله إنهم أقاموا: إشارة إلى التردد في صحته لأن الجمهور على أن المكالمة إنما وقعت بعد الأربعين أو في العشر الأخير ويدل عليه قوله: فرجع موسى إلى قومه غضبان وقوله: كان جواب
أن الشرطية. قوله: (بلفظ الواقع (أي الماضي لأنه كالعليم فيه، فلا يتوهم أن اسم الفاعل للحال مع أنه لا يضرّنا. وذكر في الكشاف وجها آخر: وهو أن السامري عد ذهابه فرصة فباشر أسباب إضلالهم، فنزل مباشرة الأسباب منزلة الوقوع من جانبه، والجواب المذكور هنا نظ! هـ فيه إلى جانب إيجاد الخالق. قوله: (فإنّ أصل وقوع الشيء أن يكون في علمه ومقتضى مشيئته (أي مبناه ذلك، لأنّ تعلق العلم والمشيئة يقتضي وقوعه لا محالة فلذلك يعبر عنه بالماضي، وهذا تعليل لجري العادة الإلهية به. قوله: (والسامري الخ (وقيل السامرة اسم موضع والعلج الرجل من كفار العجم، وأصله الحمار الوحشي، وبأجر ما بالقصر قرية قريبة من مصر، أو من الموصل، وظفر بفتحتين علم. قوله: (حزيناً بما فعلوا (قال الراغب: الأسف الغضب والحزن معا، وقد يقال: لكل منهما على الانفراد لتقاربهما كما قال:
وحزن كل أخي حزن أخو الغضب
فلذا فسره هنا بالحزن، لئلا يتكرّر مع قوله غضبان، وفسره بالغضب في الأعراف، ولم يرتض هذا ثمة. قوله: (أفطال (فيه مذهبان مشهوران: فهو إفا معطوت على مقدر، أي أوعدكم فطال، والإنكار للمعطوف أو هي مقدمة من تأخير، لصدارتها والمعطوف عليه لم يعدكم لأنه بمعنى قد وعدكم، والزمان تفسير للعهد لأنه يرد بمعناه، وقوله: زمان مفارقته إشارة إلى أن أل في العهد للعهد، وقوله: يجب عليكم، مرّ تحقيقه، وما هو مثل في الغباوة البقر كما قيل:
وما عليئ إذا لم تفهم البقر
قوله تعالى:) {أَمْ أَرَدتُّمْ} الخ (أي فعلتم ما يقتضي حلوله لأن مباشرة ما يقتضيه بمنزلة إرادته، وهو من بديع الكلام. وقوله: وعدكم إياي فالمصدر مضاف لمفعوله، وقوله: إذا وجدت الخلف فيه الخ فأفعل للوجدان كما يقال: أحمدته إذا وجدته محمودآ، وقوله: وهو لا يناسب الترتيب أي بالفاء على الترديد أي على كلا شقي الترديد بالهمزة وأم ولا على الأخير لأنه إفا عليهما أو على الأخير منهما وأما ترتبه على الأول وإن احتمل فلا يحسن مع الفاصل بينهما لأن طول العهد ومباشرة ما يقتضي غضب الله لا يترتب عليه وجدان خلفه للعهد وكذا الأخير وكذا قولهم في الجواب بملكنا فتأمل. قوله: (بأن ملكنا أمرنا (ملك الأمر عبارة عن تخليتهم واً نفسهم من غير أمر ورأى آخر وفسره الطيبي بالقدرة ويسوّل بمعنى يزين ولحسن، وقوله: مصدر ملكت الشيء هذا في أصل الوضع وقد يفرق بينها. قوله: (أحمالاً (هذا أصل معناه ولذا سمي به الإثم، وقوله: باسم العرس الباء للسببية واسم إمّا مقحم كما في ثم اسم السلام عليكما، أو المراد بتسمية العرس بأن قالوا لهم: إن لنا عرسا أي جمعية للزواج فأعيروها لنتزين بها فيه وهذا الاستعمال معروف في لساننا تقول أخذته باسم كذا، وقوله مخافة أن يعلمرا به أي بالخروج لورودها لهم وكأن خروجهم كان قبله أو في أثنائه إذ لو كان بعده لم يعلم خروجهم. قوله: (ولعلهم سموها أوزارا الخ (قال بعض أهل العصر عليه أنه مخالف لما ذكره فيئ تفسير قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ} [سورة الأعرات، الآية: 148، الخ في الأعراف من أنّ إضافتها إليهم لأنهم ملكوها بعد هلاكهم كما ملكوا غيرها من أملاكهم ألا ترى إلى قوله: كم تركوا من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل فإنه يدل على حل مال الغنيمة حينئذ وهو مخالف لما في صحيح البخاري وغيره من أن الغنائم لم تحل لأحد قبل نبينا جمتن ولعله في غير العقار والأراضي لما صرح بهه في الآية
المذكورة فما ذكره القاضي ثمة محتاج للجواب بتخصيص الغنائم بما أخذ بالقتال ونحوه من المنقولات، وقوله: وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي أي بغير رضاه كما صرّج به، وهذا مبنيّ على أنّ الأوزار أشهر في الآثام وان كان أصل معناها ما مرّ. قوله:(أو لآنهم كانوا مستأمنين الخ) معطوف على قوله فإن الغنائم الخ والظاهر أنهما راجعان لما تقدم بجملته، وقيل: الأوّل ناظر إلى كون المراد بالأوزار ما ألقاه البحر والثاني إلى كونه ما استعاروه. قوله: (أي ما كان معه منها) أي من الحليّ التي عنده مما أخذه من القبط، وقيل: الذي ألقاه هو تراب أثر فرس جبريل عليه الصلاة والسلام وأيده بعضهم بتغيير الأسلوب إذ لم يعبر بالقذف المتبادر منه أنّ ما رماه جرم مجتمع وفيه نظر، وقد قيل
إنه ألقى الحليّ ومعها ذلك التراب، وكان صنع في الحفرة قالب عجل. وقوله: حسبوا أن العدة أي الوعد بحساب الليالي مع الأيام كما مرّ، ونسجر بالجيم المشددة بمعنى نوقد. توله:) جسداً (بدل من قوله عجلا ليبتليهم الله به فيميز الخبيث من الطيب وإن كان لا يسأل عما يفعل، وقوله صوت العجل هو معناه لغة وفعلل يكثر فيما يدل على صوت. وأوّل ما رآه منصوب على الظرفية بافتتن. وقوله: أي ترك فهو مجاز كما مرّ وليس من مقول القول على هذا بخلافه في الوجه الأول. وقوله: من إظهار الإيمان إشارة إلى ما مرّ من أنه كان منافقا. قوله: (ألا يرجع إليهما الخ) رجع يكون متعديا فقولا مفعوله، ومعنى رد الكلام مخاطبتهم، ولو ابتداء وجعله ردّاً بناء على الاكثر. وقراءة النصب
مروية عن إبان وغيره، وضعفها المصنف بأنّ أن الواقعة بعد أفعال القلوب مما يدل على يقين أو ظن غالب كما ذكره الرضي وغيره، وهي المخففة من الثقيلة لا لأنها تدخل على المبتدأ والخبر وأن المشددة كذلك وان كنت مؤوّلة بمصدر والمخففة فرعها ولو دخلت على المصدرية لزم الاقتصار على أحد المفعولين لأنه يشاركها في ذلك ظن وأخواتها مطلقا بل لأدق أن الناصبة لكونها للاستقبال تدخل على ما ليس بثابت مستقرّ فلا يناسب وقوعها بعد ما يدل على يقين ونحوه بخلاف المخففة ولم يجعلها بصرية، كما ذكره المعرب لأن رجع القول ليس بمرئي وقد قيل إنه جعل بمنزلة المرئيئ المحسوس لظهوره، وقيل إنها تقع بعد رأي البصرية أيضاً لأنها تفيد العلم بواسطة إحساس البصر كما في إيضاج المفصل، وأجاز الفراء وابن الأنباري وقوع الناصبة بعد أفعال العلم، وقوله: أفعال اليقين خصها لأن الظن الغالب بطريق الحمل عليها، والقول بأن القرآن حجة على غيره، هنا مما لا وجه له بعدما سمعت. قوله: (على أنفاعهم وأضرارهم (لم يوجد في كتب اللغة أنفع وقد خطئ فيه المصنف ش حمه الله، وكأنه لمشاكلة الأضرار هنا، وقوله أو قول السامري هو قوله: هذا إلهكم واله موسى. وقوله: توهم اًي تفرس ولو بالظن للقرائن المشاهدة منهم وإنما يكون هذا قبل قوله، وقوله: وبادر تحذيرهم أي إلى تحذيرهم، وقوله لا غير الحصر من تعريف الطرفين. قوله: (وهذا الجواب يؤيد الوجه الأول (وهو تفسير قوله من قبل بقوله من قبل رجوع موسى، ورد التأييد بأن هذا القول على الوجهين قبل مجيء موسى، فيصح على الوجهىيئ، وأجيب بأن قولهم لن نبرج الخ يدل على عكوفهم حال قوله والعكوف إنما كان بعد قول السامري، وأما احتمال كون القائلين هم الذين افتتنوا به أول ما رأوه فبعيد فتأقك. قوله: (في الفضب الخ (فإنه كان معروفا بذلك. وقوله ولا مزيدة الخ، لأن ما امتنع عنه هو الاتباع لا عدمه، وقيل إنها غير مزيدة، بجعله بمعنى دعاك وحملك بحمل النقيض على النقيض. كما حقق في المفتاح وشروحه ومر تفصيله في سورة الأعراف. وقوله إذا الخ متعلق بمنع، ولا حاجة إلى جعله متعلقا بتتبعن، كما قيل إذ ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها، وإن تكلف الجواب عنه هنا. وقوله: بالصلابة متعلق بأمري. قوله: (استعطافا وترقيقاً (كان
وجهه أنّ الأمّ أشفق وأرق قلباً فنسبته إليها تذكير بالرقة البشرية ولذا قالت العرب: ويلمه دون أبيه فإذا أرادوا المدح قالوا لله در أبيه. وقوله: بشعر الخ أصل وضع اللحية والرأس للعضوين النابت عليهما الشعر، ويطلق على شعرهما للمجاورة، وهو شائع في الأوّل والأخذ أنسب بالثاني، فلذا قدر شعر. قوله:(من شدّة غيظه الخ (لما كان غضوبا، وغضب لله لاعتقاده تقصيرا في هرون يستحق به التأديب، عند. فعل به ما فعل، وباشر ذلك بنفسه ولا محذور فيه أصلا ولا مخالفة للشرع، حتى يرد ما توهمه الإمام، فقال: لا يخلو الغضب من أن يزيل عقله، أولاً والأول لا ينبغي اعتقاده، والثاني لا يزيل السؤال، وأجاب بما لا طائل تحته، وقوله: ببعض أي مع بعض منهم، ولم ترقب بمعنى لم تراع والدهماء بالدال المهملة الجماعة الكثيرة وضمن المداراة بمعنى الرفق، ولذا قال بهم، وقوله: فتدارك بالنصب في حذف إحدى التاءين وأصله فتتدارك. قوله: (ما طلبك له وما الذي حملك عليه) هذا أصل معنى الخطب، ثم شاع في معنى الشأن، والأمر العظيم لأنه يطلب ويرغب فيه، والاستفهام هنا عن السبب الباعث لما صدر عنه على وجه الإنكار البليغ، حيث لم يسأله
عما صدر منه، ولا عن سببه بل عن سبب طلبه، ولذا لم يفسره بالشأن وان كان هو المشهور، وما يكون سؤالاً عن السبب، كما مرّ في قوله:{مَا أَعْجَلَكَ} فلا وجه لما قيل إنّ قوله: ما حملك عطف تفسيري للإشارة إلى تقدير مضاف، أي ما سبب خطبك ومن لم يتنبه له قال ما قال. وقوله: بالتاء أي في يبصروا وهو إمّا على التغليب، أو على أنّ الخطاب لموسى عليه الصلاة والسلام تعظيما له وهذا منقول عن قدماء النحاة. وقد صرّح به الثعالبي في سر العربية فما ذكره الرضي من أن التعظيم إنما يكون في ضمير المتكلم مع الغير كفعلنا مخالف له فلا يلتفت إليه وان اتبعه فيه كثير منهم. قوله:(علمت) إشارة إلى أن بصر بمعنى علم وأبصر، بمعنى نظر ورأى، وقيل إنهما بمعنى، وقوله: روحاني، أي ملك، وقوله محض أي ليس بجنيئ، وقوله: لا يصس أثره
شيئا إلا أحياه، وكون الفرس فرس الحياة، تحيي آثارها، مما لا يدرك بالبحث، فإن كان تمويها منه وتدليسا في الحجة فظاهر فلا يقال إنه بعيد لأنه لو كان كذلك لكان الأثر نفسه أولى بالحياة، ألا ترى الإكسير يجعل ما يلقى عليه ذهبا، ولا يكون هو بنفسه ذهبا، مع أنه قال إنه لم أنها فرس الحياة لأنه رأى ما وطئته من التراب يخضر، أو سمعه من موسى عليه الصلاة والسلام فتدبر. قوله: (جاءك على فرس الحياة (لما أتاه ليذهب للميعاد، وقوله: وقيل إنما عرفه الخ الظاهر أنّ المراد إنما عريخه السامري لما ذكر، لا موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يناسب السياق ولا بعد فيه، فإق بعض أرباب الحواشي، ذكر أق جبريل عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك بأولاد بني إسرائيل في زمان قتل فرعون لهم، ولا بعد فيه لكن الكلام في صحته، ولذا مرضه المصنف رحمه الله، وقوله: يغذوه أي يأتيه بغذائه وطعامه حتى استقل، أي تمّ مدة رضاعه واستغنى عن الرضاع. قوله: (من تربة موطئة (إشارة إلى أنه لا حاجة إلى تقدير مضاف، أي من أثر فرس الرسول لأنّ أثر فرسه أثره. وقيل إنّ المراد وطئة بنفسه وأنه المناسب للتفسير الأوّل في قوله: بصرت وعلى الثاني فيه مضاف مقدر، وهو فرس ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه به واليه ذهب كثير من المفسرين وموطئه مصدر أي وطئه. قوله: (والقبضة المرّة من القبض فأطلق على المقبوض (في الدر المصون النحاة يقولون إن المصدر الواقع كذلك لا يؤنث بالتاء ويقولون هذه حلة نسج اليمن لا نسيجة اليمن ويعترضون بهذه الآية ثم يجيبون بأنّ الممنوع إنما هو التاء الدالة على التحديد، لا على مجرّد التأنيث، وهذه لمجرّد التأنيث، وكذلك قوله:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} [سورة الزمر، الآية: 67] وفيه نظر لأن لفظ اله زة فيه بعض نبوة عنه فتأمّل. قوله: (والأوّل للأخذ بجميع الكف الخ (يعني أنه مما غير لفظه لمناسبة معناه فإنّ الضاد المعجمة لتفشيها واستطالة مخرجها جعلت فيما يدل على الأكثر وهو القبص، بكل الكف والصاد المهملة لضيق محلها، وخفائه جعلت للقليل المأخوذ بأطراف الأصابع، وكذا الخضم وهو ا! ل بجميع الفم، والقضم بأطراف الأسنان، وهذا مراد من قال إن دلالة الألفاظ طبيعية، وقد تقدم تفصيله. قوله: (لم يعرف أنه جبريل عليه الصلاة والسلام وإن عرف أنه ملك فلا ينافي أخذه أثر فرسه، وقوله: على الوقت أي تعين زمان قبضه وهو وقت إرساله له لما ذكر لا بعده، ونبذتها أي ألقيتها، وقوله في الحلي المذاب، أي قبل
تصويره، وفي الوجه الأخير هو بعده. قوله: (زينته وحسنتة لي (أي أنه فعله لهوى نفسه، فهو اعتذار باعترافه بخطئه، وقوله: من مسك بفتح الميم معطوف على الكاف الواقعة مفعولاً وليس خوفه من مجرد أخذ الحمى لغيره، بلى له ولنفسه مع أنه لا بعد في خوفه من ضرر غيره منه المورث للنفرة عنه فلا غبار عليه، والسرّ في عقوبته على جنايته مما ذكر أنه ضد ما قصده، من إظهار ذلك ليجتمع عليه الناس ويعزروه فكان سببا لبعدهم عنه وتحقيره وهذا أحسن مما قيل إنّ بينهما مناسبة التضاد فإنه أنشأ الفتنة مما كانت ملابسته سببا الحياة الجماد فعوقب بضده، وهو الحمى التي هي من أسباب موت الأحياء. وقوله فتحاصي بالنصب عطف على تقول. قوله: (وقرئ لا مساس كفجار وهو علم للمسة (يعني أنه علم جنس للمعاني مبنيّ على الكسر كفجار عالم للفجرة ولا الداخلة عليه ليست ناصبة لاختصاصها بالنكرات، والمعنى لا يكن منك م! لنا
وعلى قراءة الجمهور هو مصدر ماس كقاتل قتالاً وهو نكرة. قوله تعالى:) {لَّنْ تُخْلَفَهُ} ) هو بالتاء الفوقية المضمومة وكسر اللام في قراءة ابن كثير وأبي عمرو كما ذكره المعرب وابن كثير والبصريين كما ذكره المصنف ولا خلاف بينهما، وبفتح اللام على البناء للمفعول في قراءة الباقين، وعلى الثاني قول المصنف لت يخلفك الله إشارة إلى فاعله المحذوف، والمفعول القائم، مقامه وأنّ الهمزة للتعدية، وعقوبته في الدنيا بما مر وهو ظاهر، وقوله: بكسر اللام على البناء للفاعل، وقوله: لن تخلف الواعد إياه، فالضمير الأوّل للواعد وهو المفعول الأوّل والثاني محذوف، أي لا تقدر أن تجعله مخلفاً لوعده وسيأتيك أي يصل إليك، وفي نسخة ستأتيه: أي ستفعله من أتى إليه إحساناً ومنه كان وعده مأتياً، وقوله: لأن المقصود الخ فلذا خص بالذكر اعتناء به. قوله: (ويجورّ أن يكون الخ (كأجبنته وجدته جباناً، وقوله: على عبادته ففيه مضاف مقدر. واختلف في هذا الحذف فقال سيبويه رحمه الله أنه مخالف للقياس وقال غيره أنه مقيس في المضاعف، واختار المعرب أنه مقيس فيما كانت عينه منه مكسورة أو مضمومة ومثله قرن كما سيأتي، وقوله حركة اللام هي الكسرة، ويؤيده قراءة لنحرقنه بالأفعال فإنه لا يستعمل إلا في النار. قوله: (أو بالمبرد الخ (قال ابن السيد يقال
حرقت الحديد حرقاً بفتح الراء إذا بردته لتحرفه، والحرق أيضا صوت الأنياب إذا حك بعضها على بعض، من شدة الغيظ، وقوله قراءة لنحرقنه، أي بفتح النون وضم الراء فإنه مختص بهذا المعنى، قيل ولا بعد في تحريق العجل، على تقدير كونه حياً بالمبرد، إذ يجوز خلق الحياة في الذهب، مع بقائه على الذهبية عندنا، وقال النسفيّ تفريقه بالمبرد، طريق تحريقه بالنار، فإنه لا يفرق الذهب إلا بهذا الطريق، وفيه أن النار تذيبه، وتجمعه لا تحرقه، وتفرقه فلعله بانضمام الحيل الإكسيرية ولا يخفى أنّ قوله لا بعد الخ مما لا وجه له وأمّا قول النسفيّ تفريقه الخ فقد مرّ عن ابن السيد مثله ووجهه، أنه إذا جعل أجزاء صغيرة دقيقة يكون أقرب إلى إحراقه، وجعله كالرماد، وقوله لنذرينه بالذال المعجمة من التذرية، وهو جعله كالتراب المرتفع بالهواء، وقوله فلا يصادف، بصيغة المجهول أي يوجد فيؤخذ. قوله:(والمقصود من ذلك الخ (زيادة العقوبة ظاهرة لأنّ الضمير للسامرقي، لرؤية معبوده هكذا، وابطال سعيه، والغباوة لعبادة عجل صار هباء بمرأى منهم، وقوله: إذ لا أحد يماثله ليس هذا من المنطوق بل لازم من انحصار الألوهية. قوله ة (لا العجل) معطوف على الله في قوله: إنما إلهكم الله، وقوله: وان كان حيا في نفسه أي هو لا يصلح للألوهية، ولو كان حيا بحياة أصلية، فكيف بالعارضة وهذا معنى قوله في نفسه، ومن غفل عن مراده، قال إنه يشعر بأنه لم يكن فيه حياة، وفيه مخالفة لما أسلفه آنفا، وقال العلامة: إن إحراقه يدلّ على أنه صار لحما ودما لأن الذهب لا يمكن إحراقه وفيه نظر. قوله: (وقرئ الخ) أي بالتشديد للتعذية، وقوله: في المشهورة أي في القراءة المشهورة وهي قراءة التخفيف. وقوله لكنه فاعل الخ دفع لسؤال وهو أنّ التعدية لا تنقل التمييز إلى المفعولية، وإنما تنفل الفاعل، كما تقول في خاف زيد خوّفت زيداً فأجاب بأنه فاعل في الأصل فلذا صار مفعولاً في هذه القراءة. قوله:(مثل ذلك الاقتصاص) فالمشبه قصص بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بقصة موسى صلى الله عليه وسلم في كونه إخبارا بالغيب معجزا ويصح أن يكون
المشار إليه تصدر الفعل، المذكور بعده كما مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وكذلك أو الكاف في محل نصب صفة مصدر مقدر أي اقتصاصا مثل ذلك، والأمم الدارجة أي السابقة من درج إذا ذهب، وقوله وتكثيرا لمعجزاتك لكثرة الإخبار بالمعجزات لفظا، ومعنى لأخبارها بالغيب وهو وعد له بذلك. قوله:(كتاباً (فالمراد بالذكر القرآن لأنه يطلق عليه لكونه حقيقا بالتذكر والتفكر فيه، ولأنه يذكر فيه أخبار الأوّلين ووصفه بالعظمة لدلالة قوله من لدنا وتقديمه ونون العظمة والتنكير عليه. قوله: (وقيل ذكراً جميلا الخ) فالمراد ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم بنعوته الجميلة ومرضه لعدم ملايمته للسياق، ولذا قيل إنّ ضمير عنه حينئذ للقرآن المفهوم من السياق ولا يخفى ما فيه ولذا فسر ما بعده على الوجه الأوّل دونه، وقوله الجامع لوجوه السعادة والنجاة يفهم
من كونه الإعراض! عنه مؤذياً للإثم والشقاوة الأبدية، وما قيل إنه لا يبعد أن يستفاد من تنوين ذكراً في غاية البعد لأنه إنما غايته الدلالة على تعظيمه. وقوله: وقيل عن الله ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة ولبعده، وكون المقام لا يقتضي الالتفات مرضه. قوله:(عقوبة ثقيلة فادحة) بالفاء والدال والحاء المهملتين بمعنى مثقلة وليس بتكرار لأنه لا يلزم من الثقيل أن يكون مثقلا، وعلى كفره متعلق بعقوبة وذنوبه بالجرّ عطف على كفره، وفي الكشاف أن الوزر يطلق في اللغة على معنيين الحمل الثقيل، والإثم فيجوز أن يقال في وجه تسمية العقوبة بالوزر، شبهت العقوبة بالحمل الثقيل، ثم استعيل استعارة مصرّحة بقرينة ذكر يوم القيامة أو يقال العقوبة جزاء الإثم فهي لازمة له أو مسببة فأطلق الوزر وهو الإثم على العقوبة مجازاً مرسلا، هكذا قرّره الشارح العلامة وغيره ومحصله أنه مجاز عن العقوبة إمّا من الحمل الثقيل على طريق الاستعارة أو من الإثم على طريق المجاز المرسل، ولا يخفى انّ الأوّل هو المناسب لقوله: وساء لهم يوم القيامة حملا لأنه ترشيح له، ويؤيده قوله في آية أخرى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} وأمّا ما ذكره المصنف رحمه الله فلا يخلو عن الكدر لأن قوله أو إثما عظيما المعطوف على قوله عقوبة لا يناسب السياق. والسباق إلا بتكلف أن يراد بالإثم جزاؤه كما قيل أو يقدّر في النظم مضاف على التفسير به، أي جزاء وزر ويفدح وينقض بمعنى يثقل. قوله:(سماها وزرا تشبيهاً الخ) أي استعارة مصرّحة كما قررنا قيل ويجورّ أن يكون من ذكر السبب وارادة المسبب والوزر على الأوّل بمعنى الحمل، وعلى الثاني بمعنى الإثم، ويجوز أن يكون من حذف المضاف أي عقوبة وزر ففي المضاف استعارة بالكناية ولا يخفى ما فيه كما يعلم مما قرّرنا.. قوله:(أو إثماً عظيماً) العظم من التنكير، وقد مرّ ما فيه قيل والمراد حينئذ بضمير الوزر في قوله خالدين فيه
العقوبة استخداما إلا أن يقال إق الأوزار تجسم فلا حاجة إلى الاستخدام، ولا إلى جعله استعارة مكنية، وهو تكلف أنت في غنية عنه بما مرّ، وقوله: في الوزر أي بمعنى العقوبة، وقوله: والجمع فيه أي في خالدين بعد توحيد ضميرا عرض المستتر مراعاة للفظ من ومعناها. قوله: (أي بئس لهم الخ) ساء يكون فعلا متصرّفاً بمعنى أحزن ويكون فعل ذم، بمعنى بئس وحينئذ ففاعله مستتر يعود على حملا التمييز لا على الورّر، لأن فاعل بئس لا يكون إلا ضميراً بهما يفسره التمييز العائد إليه وان تأخر لأنه من خصائص هذا الباب والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير ساء حملهم حملا وزرهم ولام لهم للبيان كما في سقيا له، وهيت لك متعلقة بمحذوف تقديره يقال لهم كأنه قيل هذا فقيل يقال لهم وفي شأنهم. قوله:(أشكل أمر اللام ونصب حملَا ولم يفد مزيد معنى) يعني أنه لا يساعده اللفظ ولا المعنى لأنّ ساء بمعنى أحزن متعد بنفسه، وليس المحل محل زيادة اللام ولا داعي للتكلف في توجيهه كما قيل أنّ التقدير أحزنهم الوزر حال كونه حملا لهم، وقد رذه في الكشف بأنه أفي فائدة فيه، والوزر أدل على الثقل من قيده ثم التقييد بلهم وتقديمه وحذف المفعول لا يطابق المقام. وسياق الكلام ولا مبالغة في الوعيد به بعدما تقدمه. وقال الطيبي رحمه الله وتبعه المحشي المعنى أحزنهم حمل الوزر على أنه تمييز واللام للبيان ورده بأنه مفوّت لفخامة المعنى وأن البيان إن كان لاختصاص الحمل بهم ففيه غنية، وان كان لمحل الأحزان فلا كذلك طريق بيانه، وان كان على أن هذا الوعيد لهم فليس موقعه قبل يوم القيامة وأنّ المناسب حينئذ وزراً ساء لهم حملا على الوصف لا هكذا. وقيل يجوز أن يكون ساء لازماً بمعنى قبح وحملا تمييز ولهم حال ويوم القيامة متعلق بالظرف أي قبح ذلك الوزر من جهة كونه حملاً لهم في يوم القيامة، وفي ورود ساء بهذا المعنى في كتب اللغة وكلام الفصحاء على أنه معنى حقيقي نظر، وإن ذكره صاحب القاموس فتأمل. قوله: (إلى الآمر به (وهو الله فإسناده إليه تعظيم للفعل وهو النفخ لأنّ ما يصدر عن العظيم عظيم، أو هو تعظيم لإسرافيل النافخ بجعل فعله بمنزلة فعله وهو إنما يقال فيمن له مزيد اختصاص وقرب مرتبة، وقيل إنه يجوز أن يكون تعظيما لليوم الواقع فيه ويتمشى على هذه القراءة التي تليه أيضاً. قوله: (وقرئ في الصور (بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة كغرفة وغرف والمراد به
الجسم المصوّر، وبه فسر أيضا على القراءة المشهورة
بسكون الواو وجوّز فيها أن تكون بمعنى القرن الذي ينفخ فيه وهو المشهور، وأورد على كونه جمع صورة أنّ النفخ يتكرر لقوله: ثم نفخ فيه أخرى والنفخ في الصورة إحياء والإحياء غير متكرّر بعد الموت وما في القبر ليس بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق والجواب أن من يقرأ به، ويفسره به لا يجعل الثانية مثل الأولى في الإحياء ولا يلزم أن يجعلها في كل موضع بمعنى واحد فتأمّل.
قوله: (زرق العيون (فهو وصف للشيء بصفة جزئه كما يقال غلام أكحل وأحور والكحل والحور صفة العين والظاهر أنه مجاز وأسوأ بمعنى أقبح، وقوله: لأن الخ علة لكونها أبغض، وأعدى بمعنى أشد عداوة فأزرق مجاز عن كونه قبيحا مكروهاً لأنه لازم له عندهم ولذا يقال: العدوّ الأزرق وعلى الثاني هو كناية عن العمي لأن الزرقة من لوازمه، والكبد بالباء الموحدة عضو باطني معروف وهم يتوهمون أنّ الحقد والعداوة في الكبد ولذا قالوا للأعداء سود اكباد كما ذكره أهل اللغة، ومن ضبطه الكتد بالمثناة الفوقية وهو مجمع الكتفين فقدسها وأصهب من الصهبة بالصاد المهملة وهي حمرة أو شقرة في الشعر، والسبال بكسر السين المهملة جمع سبلة والمراد بها هنا اللحية أو ما استرسل منها ومن الشارب، وتزراق بتشديد القاف مضارع إزراق كاد لهامّ بمعنى تشتد زرقتها، وقوله: لما يملأ الخ أي أو لضعفهم والخفت قريب من الخفض لفظا ومعنى. قوله تعالى: ( {إِن لَّبِثْتُمْ} الخ (بتقدير حال أي قائلين إن الخ، وقوله: أي في الدنيا. ييان لمرادهم بالعشر ويستقصرون بمعنى يعذونها قصيرة قليلة إمّا لتقضيها كما قاله ابن المعتز كفى بالانتهاء قصراً أو بالنسبة للآخرة أو للتأسف أي الحزن على سرعة تقضيها قبل علمهم بما صاروا إليه وتداركهم لما نالهم فيه كما في قولك: ليت الزمان امتذ حتى يكون كذا وكذا وهو معنى قوله: وعلموا الخ فلا وجه لما قيل إنه لا مدخل له في استقصار مدة لبثهم في الدنيا وما في الكشاف من استقصار أيام السرور أظهر منه. كوله: (أو في القبر لقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} إلى آخر الآيات (معطوف على قوله في الدنيا الخ وظاهره أنّ هذه الآية تعين أن المراد اللبث في القبور رلذا استدل بها تبعا للزمخشري، وأوردوا عليه أنه غير متعين كهذه الآية وقد ذكر الحسن في تفسيرها أن المراد لبثهم في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء
الدنيا إلى البعث فكيف يتأتى الاستدلال بها، وأجيب بأنّ قوله تعالى:{لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [سورة الروم، الآية: 56] صريح في أنه اللبث في القبور وبه يرجح هذا الوجه في الموضعين واليه أشار المصنف بقوله إلى آخر الآيات وأورد عليه أنه لا صراحة فيها لاحتمال أن يراد به ما قبل البعث الشامل لما في الدنيا ولما في القبر وأنّ المذكور هناك أقسامهم أنهم ما لبثوا غير ساعة، وهنا أنهم ما. لبثوا إلا عشرا والا يوما، في أخرى فكيف يتحد المراد في الموضعين ولا يندفع بأنه لا مخالفة بينهما لاختلافهم في مدة اللبث فقائل عشرا وقائل يوما وقائل ساعة والقائل ساعة أمثلهم طريقة فلذا ذكر هناك، وهذا صلح من غير تراض وهو غريب من قائله فإنه ليس المراد حقيقته ولا الشك في تعيينه بل المراد أنه لسرعة زواله عبر عن قلته بما ذكر فتفنن في الحكاية وأتى في كل مقام بما يليق به، فإن سلم إنه على طريق الشك في تعيينه فالجواب هو ما ذكره، وما قيل إن المراد باليوم معناه اللغوي وهو مطلق الوقت وتنكيره للتقليل والتحقير فالمراد إلا زمنا قليلا فلا تعارض! فيها، يأباه مقابلته بالعشر فتأمّل. قوله:(وهو مدّة لبثهم) إشارة إلى المراد بما الموصولة، وقله: أعدلهم لأنّ الأمثل الأفضل والمراد به بقرينة المقام ما ذكر، وقوله: استرجاع أي بيان لرجحانه والتقالّ تفاعل من القلة ووجه الرجحان أنه أبلغ في الطريقة المذكورة، وهو جار على الوجوه السابقة ويؤيد ما ذكرناه وسؤال الثقفي عن حالها في القيامة. قوله تعالى:( {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} الخ) قال النسفي وغيره: الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا سألوك فقل وهذا بناء على أنه لم يقع السؤال عنه كقصة الروج وغيرها فلذا استؤنف الجواب ثمة بدون فاء وقرن بها هنا لأنّ هناك استشراف النفس للجواب فيسألونك بمعنى سيسألونك واستبعده أبو حيان وكلام المصنف
يخالفه أيضا فالفاء عند. متمحضة للسببية للدلالة على أنّ أمر قل تسبب عن سؤالهم والظاهر أنه إنما قرن بها هنا، ولم يقرن بها ثمة للإشارة إلى أنه معلوم له قبل ذلك فأمر بالمبادرة إليه بخلاف ذاك. قوله:(يجعلها كالرمل الخ) قال الراغب نسفت الريح الشيء إذا قلعته وأزالته وأنسفته وأصل معناه تطرحه طرح النسافة وهي ما يثور من غبار الأرض اهـ فما ذكره المصنف رحمه الله في تفسيره هنا معناه الحقيقي، وجعله رملاً أو غبارا داخل في معناه فليس تفسيراً باللازم تسامحاً كما قيل، وقوله: فيذرها بالفاء التعقيبية السببية على ظاهره ومن توهم أنّ حق الكلام لو كان معناه ما ذكر وبدرها بالواو الفصيحة لم يأت بشيء يعتد به، وقوله: فيذر مقارّها فالضمير للجبال وفي الكلام مضاف مقدر لا للمقارّ المعلومة منها بدلالة الالتزام أو للأرض التي دلت الجبال عليها كما في الآية المذكورة، وقوله: خاليا أي عن الجبال وكل مرتفع لأن معنى القاع
المستوي من الأرض كما ذكره الراغب وهو يستلزم خلوها عما ذكر فلا وجه للاعتراض! على تفسيره بما ذكر، وظاهر كلام القاموس وقوله: والقاع أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام إن كان الخلوّ من منطوقه فدلالته عليه على ما ذكره الراغب بطريق الكناية وعلى ما في القاموس ومن تجريده لجزء معناه كالمشفر ليفيد ذكر قوله: صفصفا بعده على تفسيره. قوله: (اعوجاجاً ولا نتوءا (الإعوجاج ضد الاستقامة والنتوء الارتفاع اليسير، وقوله: إن تأملت التامّل أصله إطالة النظر ويكون بمعنى التفكر فليس فيه إشارة إلى أن رأي هنا علمية كما قيل وان كان قوله بالقياس يميل إلى كونها علمية والخطاب هنا عام لكل من يصح منه الرؤية والتأمل، والقياس الهندسي ما يعرف بالمساحة لأنه أحد فروع الهندسة، وقوله: وثلاثتها وفي نسخة وهو ثلاثتها والأولى أولى وهي قاعا وصفصفا ولا ترى الخ وهو إشارة إلى دفع ما يتوهم من التكرار فيها وهو يعلم مما فسر به وترتبها لأنّ استواءها يترتب على خلؤها عن الجبال والتضاريس، وكونها لا يعلم اعوجاجها بالمقاييس مترتب على الاستواء. قوله: (ولذلك ذكر العوج بالكسر وهو يخص المعاني) إشارة إلى الفرق بين العوج والعوج المنقول عن أهل اللغة كما في الجمهرة بأنه بالكسر في عدم الاستقامة المعنوية وهو ما لا يدرك بالعين بل بالبصيرة كعوج الدين، وبفتح العين فيما يدرك بها كعوج الحائط والعود، ولما كانت الأرض محسوسة واستقامتها واعوجاجها يدرك بالبصر فكان ينبغي فتح عينه بح! سب الظاهر، وجهه بأنه لما أريد به ما خفي منه حتى احتاج إثباته إلى المساحة الهندسية المدركة بالعقل ألحق بما هو عقليّ صرف فأطلق عليه ذلك لذلك، وما في القاموس من أنّ الاسم منه كعنب أو يقال: لكل منتصب كالحائط والعصا كفرج وفي غيره كعنب وكذا هو عن ابن السكيت لا يخالف ما هنا كما توهم لأن ذكر القائم المنتصب لأنه في رأي العين أظهر، وليس المراد الحصر ولذا جمع بينهما الراغب في مفرداته، واختار المرزوقي في شرح الفصيح أنه لا فرق بينهما قال أبو عمرو يقال في الكل عوج بالكسر وأما العوج بالفتح فمصدر عوج وصح الواو فيه لأنه منقوص من أعوج ولما صح في الفعل صح في المصدر أيضا. قوله:(وقيل لا ترى استئناف مبين للحالين) قبله كأنه قيل إلى أي حذ هي في ذلك فقيل لا ترى الخ ويصح أن تكون صفة لما قبلها، وقوله: على إضافة اليوم إلى وقت من إضافة العام إلى الخاص فلا يلزم أنه يكون للزمان ظرف وان كان لا مانع منه عند من عرفه بمتجذد يقدر به متجذد آخر، وقيل إنه من إضافة المسمى إلى الاسم كشهر رمضان وهذا بناء على ما ارتضاه سيبويه من أن العلم رمضان كما مرّ تحقيقه،
وعلى هذا فهو متعلق بيتبعون المذكور بعده وقدمه لما في الثاني من الفصل الكثير وفوات ارتباط يتبعون بما قبله وعليه فقوله: ويسألونك الخ استطراد معترض وما بعده استئناف فاندفع ما ذكر عنه، وقوله: بدلاً إشارة إلى أنّ قوله: يوم ينفخ بدل أوّل والعامل ساء حينئذ. قوله: (من كل أوب إلى صوبه (الأوب الجانب والصوب الناحية، كما في قوله: صوب الصواب وقد أهمله في القاموس حتى خفي على بعضهم فجعله استعارة من المطر وفي نسخة صوته بالتاء الفوقية أي دعائه. قوله: (لا يعوج له مدعوّ ولا يعدل عنه (بالبناء
للمجهول فيهما وفي شروح الكشاف أن هذا كما يقال لا عصيان له أي لا يعصى ولا ظلم له أي لا يظلم وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت، كما هو بالفاعل، وفي بعضها وأصله أن المصدر تارة يضاف إلى الفاعل وتارة إلى المفعول يعنون بذلك أن دلالة المصدر على الفعل وعلى كونه مبنياً للمجهول باعتبار أنه يستعمل تارة مضافا إلى فاعله فيدل على المبني للفاعل وتارة مضافاً للمفعول فيدلّ على المجهول لا أن لنا مصدرين أحدهما معلوم والآخر مجهول، كما وقع في عبارتهم وقد خفي مرادهم على بعض، أرباب الحواشي وما ذكرناه مصرّج به في بعض كتب العربية، وضمير له للداعي، وقيل إنه للمصدر أي لا عوج لذلك الاتباع والعبارة تحتملهما، وقيل لا يعدل عنه تفسير لما قبله. قوله: (خفضت لمهابته (تقرير لحاصل المعنى ويحتمل تقدير المضاف، وقيل المراد أصحاب الأصوات ولا حاجة إليه لقرينة ما بعده، وقوله: وقد فسر الخ فهو من الهميس، ولذا قدمه فإن اعتبر فيه الخفاء أيضاً كما في كتب اللغة فهو ظاهر، وتكون الأصوات في النظم شاملة لها فإن لم تشملها فالمراد بخشوعها سكونها وعدم استماعها فيغاير التفسير السابق. قوله: (الاستثناء من الشفاعة (أي مع تقدير مضاف في المستثنى كما أشار إليه ولا يقدر مفعول له لتنزيله منزلة اللازم بخلافه في الثاني وأعتم المفاعيل أحد المحذوف وفيه إشارة إلى أن حذفه لقصد العموم، وله متعلق بمقدر اًي أذن في الشفاعة له كما أشار إليه أو تعليلية والحاصل كما في الدر المصون أنه إفا منصوب على المفعولية لتنفع ومن واقعة على المشفوع له أو في محل رفع بدلآمن الشفاعة بتقدير مضاف أو منصوب على الاستثناء من الشفاعة بتقديره أيضا وهو استثناء متصل ويجوز أن يكون منقطعا إذا لم يقدر شيء وحينئذ هو إمّا منصوب أو مرفوع على لغة الحجازيين والتميميين والإذن الأول بفتحتين بمعنى الاستماع والمراد به القبول كما في سمع الله لمن حمده واللام تعليلية أي إلا من استمع
الرحمن لأجله كلام الشافعين. قوله: (أي ورضي لمكانه عند الله قوله (أي مكان الشافع يعني أنّ اللام للتعليل لا أنه من قبيل حذف المضاف كما توهم، وقوله: لأجله وفي شأنه أي قول الشافع لأجل المشفوع وفي شأنه والفرق بينه وبين ما تقدم أنّ قوله له متعلق برضى على الأوّل ومتعلق بقولاً على الثاني كما قيل، وقيل هو على الثاني حال قدمت على ذيها ومآل المعنيين واحد وضمير قوله للشافع أيضا. وذكر الكواشي أن المعنى رضي قولاً كائنا له وهو كلمة التوحيد فالضمير المضاف إليه للمشفوع، وهو في غيره للشافع، فهو غير ما ذكره المصنف رحمه الله لأن اللام ليست للأجل فيه خلافا لمن توهم أن هو والوجه أنه على الأوّل اللام تعليلية متعلقة برضي والمراد بقوله: شفاعته وكذا هو على الثاني لكن المراد بقوله قوله في شأن المشفوع له أعمّ من الشفاعة كالاعتذار وعلى الثالث هو متعلق بلفظ قولاً وهي متقاربة فتدبر. قوله: (ما تقدّمهم من الأحوال الخ (قال المصنف في سورة البقرة بعدما ذكر هذا أو بالعكس لأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي أو أمور الدنيا وأمور الآخرة أو عكسه أو ما يحسونه وما يعقلونه أو ما يدركونه وما لا يدركونه، وقد مرّ ما فيه. قوله: (ولا يحيط علمهم بمعلوماته (إشارة إلى أن علما تمييز محوّل عن الفاعل وأنّ في به مضافا مقدراً وقوله بذاته يقتضي صحة أنه يقال علمت الله إذ المنفيئ العلم على طريق الإحاطة وإذا كان الضمير لمجموعهما فهو بتأويل ما ذكر ونحوه. وقوله وهم الأسارى جمع عان بمعنى أسير من العناء والأولى ترك قوله في يد الملك. قوله: (وظاهرها يقتضي العموم (والمراد بالوجوه الذوات لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة وعليها يظهر آثار الذل. وقوله وقد خاب الخ ومن يعمل من الصالحات تقسيم له وإذا أريد وجوه المجرمين فهو حقيقة، وقوله: وهو يحتمل الحال الخ ويحتمل الاعتراض! أيضاً وعلى الحالية الرابط الواو فمن قال الرابط اتحاد من حمل بالوجوه أو الرابط محذوف على تقدير العموم أي منهم لم يصب، وقوله: ويؤيده الخ فيه نظر خصوصا في وجه الحالية، وقوله لأن
الإيمان بناء على خروجه عنها، وقوله بعض الطاعات إشارة إلى أن من تبعيضية، وقوله: مستحق بالوعد إشارة إلى أن تسميته ظلما مجاز والهضم
في اللغة النقص ومنه هضيم الكشحين أي ضامرهما، ومنه هضم الطعام لتلاشيه في المعدة والظلم والهضم متقاربان، وقيل الظلم منع جميع الحق، والهضم منع بعضه، وقوله أو جزاء الخ فهو بتقدير مضاف أو المراد بما ذكر جزاؤ. مجازا والمراد أن هذا شأنه لصون الله له عنه ولأنه لا يعتد بالعمل الصالح معه فلا يرد ما قيل إنه لا يلزم من الإيمان وبعض العمل أن لا يظلم غيره ويهضم حقه. قوله:(مثل ذلك الإنزال) أي إنزال ما مرّ من القصص المشتمل على قصص الأوّلين والوعد والوعيد، وعلى ما بعده هو تشبيه للكل بالجزء والمراد أنه على نمط واحد والوتيرة الطريقة والمراد طريقته في الإعجاز والإخبار بالمغيبات. قوله:(مكرّرين فيه آيات الوعيد) بيان لمعنى التصريف لا إشارة إلى إعرابه، فإنّ الجملة ليست حالية بقرينة ما سيأتي من المعطوف عليها وفي بعض شروح الكشات أنه يدلّ على أنه جعله حالاً قيداً للإنزال وهو محتاج إلى التكلف في عطف قوله: ولقد عهدنا الخ عليه. وقوله: المعاصي بيان لمفعوله المحذوف، وقوله: فتصير التقوى لهم ملكة إشارة إلى معنى لعل كما مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وأوّل التقوى بما ذكر لئلا يلغو الكلام والملكة تحصل من التكرار، وقوله: عظة فالذكر بمعنى تذكره للاتعاظ، ويثبطهم بمعنى يعوقهم عنها أي عن المعاصي. قوله:(ولهذه النكتة أسند الخ) أي لكون المراد بالتقوى ملكتها وبالذكر العظة الحاصلة من استماعه أسندت التقوى إليهم لأنها ملكة نفسانية تناسب الإسناد لمن قامت به والعظة أمر يتجدّد بسبب استماعه فناسب الإسناد إليه ووصفه بالحدوث المناسب لتجدد الألفاظ المسموعة وليس المراد أنه أسند إليهم تشريفا لهم ولم يسند الذكر لعدم استئهالهم للتشريف بهذا الفعل، ولا مخالفة فيه أيضا لما مرّ في قوله:{لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} من أنّ التذكر للمتحقق والخشية للمتوهم كما توهم، وقيل لأنّ الملكة تحصل بالتكرار لا بالقرآن بخلاف العظة فتأمّل. قوله:(في ذاته وصفاته) أخذه من إطلاق التعالي، وأن اسم الذات مستلزم لجميع الصفات، وخص الكلام بالتصريح لذكر القرآن والذكر قبله، ونفوذ الأمر وما بعده من عنوان الملكية لأنه من شأنها. وقوله: يستحقه أي الملكوت وهو مصدر مذكر بمعنى الملك وليس تاؤه للتأنيث ولذا وقف عليها بالتاء، والتفسير الأوّل على جعل الحقية
للملك والثاني على جعلها لله وأيضا الأوّل على جعل الحق خلاف الباطل والثاني بمعنى الثابت. قوله: (نهي) وهو مستأنف أو معطوف على تعالى لأنه لإنشاء التعجب ومساوقته بمعنى متابعته قال الأزهري تساوقت الإبل تتابعت كأنّ بعضها يسوق بعضا قال في المصباج واستعماله بمعنى المقارنة لم يوجد في كتب اللغة، وقوله: حتى يتمّ وحيه أي تبليغه للوحي تفسير لقوله من قبل أن يقضي إليك وحيه، وعلى سبيل الاستطراد متعلق بنهي وقوله: وقيل مرضه لعدم ما يدلّ عليه وزيادة العلم في القرآن أو مطلقاً، وكونه بدل الاستعجال يفهم من السياق، وقوله: فإنّ ما الخ تعليل لتبديل الاستعجال فإنّ ما لا بد منه لا حاجة لاستعجاله بخلاف زيادة العلم فإنها مطلوبة، وتقدم بمعنى أمر كناية لأنه قد يقوم ويتقدم، وأوعز بعين مهملة وزاي معجمة بمعنى أمر كوعز. قوله: (وإنما عطف قصة آدم الخ (أي هو من عطف القصة على القصة فلا يضرّ تخالفهما خبراً، وانشاء مع أن المقصود بالعطف جواب القسم وجعله معطوفا على صرّفنا دون أنزلنا وان كان هو المتبادر لتمام المناسبة بينهما إذ ذكر تكرار الوعد والوعيد للتذكر وهم لم يتذكروا كما لم يتذكر أبوهم إشارة إلى أنها شنشنة أخزمية وتتضمن حكمة التكرير وهو النسيان فكأنه قيل: صرّفنا الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً لكنهم لم يلتفتوا لذلك ونسوه كما نسي آدم عليه الصلاة والسلام، وقد قيل عليه أنّ فيه غضاضة من مقام آدم لمجر إذ ضربت قصشه مثلاً للجاحدين لآيات الله فهو إتا مستأنف أو معطوف على توله ولا تعجل، وفيه نظر، وقوله عرقهم: أي أصلهم وآدم عليه الصلاة والسلام يقال له عرق الثرى، وقيل إنه مستأنف والنكتة تفهم من تعقيبه له. قوله: (ولم يعن به (أي لم يهتم به ويشغل بحفظه وهو بصيغة المجهول أو المعلوم، قال في المصباج يقال عناني كذا شغلني ولتعن بحاجتي
أي لتكن حاجتي شاغلة لسزك، وربما قيل عنيت بأمره بالبناء للفاعل فأنا عان، والتعقيب عرفي وليست الفاء فصيحة أي عهدنا فلم يعن فنسي كما قيل، وقوله أو ترك إشارة إلى أن النسيان يجوز أدط يكون مجازاً عن الترك. قوله: (تصميم رأي الخ (هذا يناسب تفسير النسيان بالترك وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقوله: ولعل ذلك كان في بدء أمره كأنه يريد أنه قبل النبوّة
فهو اعتذار عما صدر منه، والشرى بفتح المعجمة وسكون الراء المهملة الحنظل والأري العسل وهو إقا استعارة تمثيلية لمزاولة الأمور أو الشرى مستعار للصعب، والأري للسهل استعارة تصريحية ويذوق ترشيح، وهو مثل ضرب للمزاولة، والأحلام العقول جمع حلم والمراد بوزنها مقايستها، والرجحان بمعنى الزيادة هنا يعني أنه مع زيادة عقله قد نسي، ولم يصمم أمره فكيف بغيره. قوله:(وقيل عزما على الذنب (مرضه لعدم تبادره ومناسبته للمقام ولأن محصله أنه نسي فيتكزر مع ما قبله، وقوله: مقدر باذكر قد مرّ تحقيق أمثاله، قيل وهو معطوف حينئذ على مقدر أي اذكر هذا واذكر إذ الخ أو من عطف القصة على القصة وتحقيق الاستثناء واتصاله وانفصاله مر تفصيله. قوله: (وهو الاستكبار (أصل معنى الإباء الامتناع أو شدته وإذا كان لازما فالمراد منه الإباء عن الطاعة وهو إنما يكون في الأكثر من التكبر فجاز دلالته عليه بطريق الكناية أو المجاز حيث لم يذكر معه الاستكبار كما في قوله: أبى واستكبر فإذا جمع بينهما فهو بمعناه الحقيقي فلذا اتتصر تارة على أبي وتارة على استكبر وجمع بينهما أخرى والى هذا أشار القائل: يرشدك إلى هذا قوله في سورة ص استكبر بدل أبى فلا يعارضه قوله: {أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} فإنه يدل على تقدير المفعول، والتكبر أي يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره، والاستكبار طلبه والتشبع به، وقوله: عن الطاعة وقع في نسخة عن المطاوعة. قوله تعالى: ( {عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} ) أعاد اللام لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار. وما قيل إنه للدلالة على أن عداوته لها أصالة لا تبعا رد بأنه أمر لازم لما مر فلا يفيد هذه النكتة نعم لو قال عدو لك وعذو لزوجك اتجه ما ذكره ولم يسبق للزوجة ذكر حتى يقال إنه يمكن أن لا يعاد الجار ويقال لكما فتئم الدلالة نعم كونه أمرا لازما بحسب القاعدة النحوية لا ينافي قصد إفادة ما يقتضيه المقام، ولذا جعل في المفتاح تنكير التمييز في قوله: اشتعل الراًس شيبا لإفادة المبالغة مع أنّ التنكير لازم للتمييز، وقال الشريف: وكون التنكير لازماً للتمييز لا ينافي قصد التعظيم وافادة المبالغة، وفيه نظر لأن التمييز قد يعرف كما في سفه نفسه
على قول وهذه مناقشة في المثال لا تضر في المدعي مع أنه نادر كالعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار كما في تساءلون به والأرحام في وجه. قوله: (فلا يكونن سبباً لإخراجكما (يعني أن الإسناد إلى الشيطان مجازي لأنه سبب والمخرج هو الله، وقوله: والمراد الخ يعني أنه كناية عن نهيهما عن مطاوعتهما له وإتيان ما يقتضي تسببه وتسلطه عليهما على حد قوله: {فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} وقوله: بحيث يتسبب الشيطان أي يكونان بمكان وحال يقتضي تسبب الشيطان إلى الإخراج وضمن يتسبب معنى يتوصل فعداه بإلى وفي نسخة ينسب ولا قلب فيها كما توهم. قوله: (قتشقى (منصوب بإضمار أن في جواب النهي وأمّا رفعه على الاستئناف بتقدير فأنت تشقى فقد استبعده المعرب بأنه ليس المراد الإخبار عنه بالشقاء بل المراد أنه إن وقع الإخراج حصل الشقاء وقوله: قيم عليها أي قائم بأمورها فهي تابعة له في الشقاوة والسعادة وفيه نظر ألا ترى امرأة نوح ولوط وامرأة فرعون، وقوله: محافظة على الفواصل أي رؤوس الآي المناسب فيها كونها على روقي واحد متناسبة في الإفراد وغيره فلا يرد أنه لو قيل فتشقيا حصلت المحافظة أيضا، ووجه التأييد بهذه الجملة المستأنفة لبيان بعض ما في الجنة تعقيبه بأصول المعاس وإقطابها الأربعة، وهذا لا يلزم منه ترجيحه وتقديمه على الوجه الأوّل لعدم ظهور معنى الشقاء فيه إذ المتبادر خلافه فتأمل. قوله تعالى:){إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} (الآية فيها سرّ بديع من أسرار المعاني وهو الوصل الخفي وسماه في الانتصاف تطع النظير عن النظير وهو أنه كان الظاهر أن يقال لا تجوع فيها ولا تظمأ ولا تعرى ولا تضحى وهذا
كما قال الكندي في قول امرئ القيس:
كأني لم أركب جواد اللذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
…
ولم أسبأ الزق الروقي ولم أقل لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال. 00
فإنه كان الظاهر عكس صدري البيتين وقد أورد هذا الكندي على المتنبي في مجلس
سيف الدولة في قوله:
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم
…
تمز بك الأبطال كلمي هزيمة ووجهك وضاج وثغرك باسم
…
ووجهه أنه عدل عن المناسبة المكشوفة إلى مناسبة أتم منها وهي أنّ الجوع خلؤ الباطن
والعرى خلوّ الظاهر، فكأنه قيل لا يخلو باطنك وظاهرك عما يهمهما، وجمع بين الظمأ المورث حرارة الباطن والبروز للشمس المورث حرارة الظاهر، فكأنه قيل لا يؤلمك حرارة الباطن والظاهر، وهذا مآل ما ذكره المتنبي كما فصله الواحدي وغيره، وقيل إنه عدل عنه تنبيها على أن الأوّلين أعني الشبع والكسوة أصلان وأن الأخيرين متممان فالامتنان على هذا أظهر، ولذا فرق بين القرينتين فقيل إن لك وانك وأيضا روعي مناسبة الشبع والكسوة لأن الأوّل يكسو العظام لحماً وأما الظمأ والضحى، فمن واد واحد وهذا الثاني هو ما أشرنا إليه، وقيل إن الغرض تعديد هذه النعم ولو قرن كل بما يشاكله لتوهم المقرونان، نعمة واحدة مع قصد تناسب الفواصل والأحسن ما قلناه وعدم التناسب غير مسلم، وقوله: فإنه الخ بيان لوجه التأييد والمراد بأقطابها أصولها وما عليه مدارها، وقوله: والكن أي المنزل معنى لا تضجي أي لا يبرز للشمس باكتنانه في ظله، يقال ضحى يضحا إذا برز لها، واكتفى بوقاية الحرّ عن وقاية البرد وقرن المصنف الشبع بالرفي، والكسوة بالكن إشارة إلى أنه مقتضى الظاهر وتوجيهه، ما مر والكفاف بفتح الكاف ما أغنى عن الناس، ومستغنيا حال من ضمير له، والاستغناء من قوله إن لك وأغراض في نسخة أعواض! جمع عوض ونقائضها مقابلاتها المفهومة من السلب وبذكر متعلق ببيان وتذكير على التنازع، ويطرق سمعه من باب نصر يصل إليه وهو مجاز مشهور كيقرع سمعه. قوله: (والعاطف وإن ناب الخ (جواب سؤال وهو أنّ الواو نائبة عن العامل وهو أنّ وإن لا تدخل على أن فلا يقال إن أنك منطلق، فكذا نائبها فأجاب بأنها نائبة عن العامل مطلقا لا عن أن بخصوصها والمانع هو الثاني وأجيب أيضاً بأنه إنما يمتنع الدخول بدون فاصل، وقد فصل بينهما ألا تراك تقول أن عندي أنك منطلق وعلى قراءة الكسر لا يرد السؤال لأنه معطوف عليها مع معموليها لا على اسمها ونسب الطيبي هذه القراءة إلى ابن كثير، وهو مخالف لما في كتب القرا آت المشهورة. قوله: الا من حيث إنه حرف تحقيق (أي لا أنه ناب عن أق بخصوصها وعبر عنها بما ذكر لأنه أشهر معانيها فلا يرد عليه أنه يفهم منه أنه لو ناب عنها لا من هذه الحيثية لم يمتنع كما توهم وهو أمر سهل وعلته نحوية. قوله: (فأنهى إليه وسوسته (إشارة إلى أن الوسوسة لازمة منقولة من اسم صوت وتعديتها بإلى لتضمين معنى الانتهاء وقد تتعدى باللام كذا في الكشاف وهو ينافي ما في الأساس من ذكر وسوس إليه في قسم الحقيقة فتأمّل. قوله: (الشجرة التي الخ (جملة قال الخ بيان للوسوسة وتفصيل لها ووقع
في الأعراف ما نهاكما الخ وقد مرّ تفسيره، ولا دلالة في النظم على تأخر أحدهما عن الآخر، كما قيل ويبلى معناه يفني أو يصير بالياً خلقا، كما أشار إلى الأوّل بقوله: لا يزول والى الثاني بما بعده، وهو من لوازم الخلود فذكره للتأكيد والترغيب. وقوله: أحض اتفسير لطفقا، لأنها من أفعال الشروع ويلزقان: تفسير يخضعان وكونه ورب التين رواية ذكرها المصنف رحمه الله ممرضة في الأعراف. قوله: (فضل الخ (الضلال معنى الغواية والخيبة من لوازمها، والمطلوب هو الخلد والمأمور به عدم الأكل منها، وقوله وقرئ فغوي أي بفتح الغين وكسر الواو وفتح الياء فالمراد تخمته باكله وبه فسرت القراءة الأخرى ولم يرتضه
الزمخشري لأنه إنما يخرج على لغة من يقول في بقي بقاء والنعي أصل معناه الأخبار بموت شخص ثم أطلق على إشاعة ما لا يرضى، وقوله بالعصيان متعلق به، والمراد بالعصيان ما كان عن تعمد وقصد لمقابلته للزلة، وهي ما لا يكون كذلك وإن كان قد يطلق كل منهما على الآخر فلا غبار عليه كما توهم ووجه الزجر أنه إذا استعظم الصغير من الكبير فكيف بالكبير من الصغير. قوله:(وأصل معنى الكلمة الجمع (فالمجتبي كأنه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتى اختاره غيره وقوله إلى الثبات فسره به ليفيد ذكره. قوله: (أو له ولإبليس) فالأمر بالخروج بعد ما قيل له اخرج منها فإنك رجيم لأنه دخلها ثانيا للوسوسة، أو للدلالة على تأبيد طرده، وقوله: ولما كانا الخ دفع لسؤال أن العداوة بين أولادهما لا بينهما، وهذا إنما يرد على الوجه الأوّل، وفيه توجيه لصيغة الجمع، بعد التثنية أيضاً وهو عكس مخاطبة اليهود لآبائهم من بني إسرائيل، كما مر والتجاذب مجاز عن المخاصمة وخص المعاش لأنه الأصل الأغلب. قوله: (أو لاختلال حال كل من النوعين (يعني بني آدم وابليس وذريته وهذا على التفسير الثاني واختلال بني آدم بوسوسة الشياطين، واختلال أمر الشياطين ببني آدم لأنهم سبب عنائهم ولعنهم وطردهم، وقوله: ويؤيد الأوّل الخ أي يؤيد أن المراد آدم وحؤاء وبتفسير النوع الثاني بالشياطين دون الجن اندفع ما قيل إنّ للجن كتابا ورسولا مع ما فيه. قوله تعالى: ( {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم} الخ (في الكشاف عن ابن
عباس رضي الله عنهما الهدى القرآن وخصصه به وعممه في سورة البقرة والقصة واحدة لقيام القرينة عليه وهي قوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} [سورة طه، الآية: 124] وقوله: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [سورة طه، الآية: 26 ا] ووجه التأييد أن التقسيم لا يستقيم بالنسبة إلى كل من النوعين وإذا أريد به ذرية آدم عليه الصلاة والسلام لا يخدشه دخول النوع الآخر في أحد قسميه مع أن دخوله فيه غير ظاهر لأن قوله من أعرض يقتضي تجدد إعراضه بعد هذه القصة ونوع إبليس ليس كذلك ووصفه بضنك المعيشة غير مراد أيضا فتأمّل. قوله: (فلا يضل في الدنيا الخ (فمره بما ذكر لأنه المتبادر منه مع تقابل القسمين في الترتيب وأمّا العكس بأن يراد فلا يضل طريق الجنة ولا يشقى أي لا يتعب في معيشته وان قدم فيه أمر الآخرة لأنه مطمح نظرهم فتكلف وفسر الذكر بالهدى لوقوعه في مقابلة قوله فمن اتبع هداي وبين بقوله الذاكر كوجه التجوّز فيه بأنّ الهدى سبب ذكره، فأطلق المسبب وأريد سببه ثم بين أن المراد بكونه ذاكرا له أنه داع لعبادته، فهو عطف تفسيري مبين لأن المراد بالذكر العبادة فإنه شاع فيها، وقوله ضيقا إشارة إلى أنه مصدر مؤوّل بالوصف، ولذا أنث في قراءة والتذكير باعتبار أصله، وقوله وذلك أي ضنك معيشته وضيقها لحرصه ومحبته للدنيا يغلب عليه الشح، وتضييق المعيشة بخلاف المؤمن فإنه ينفق ما في يده وشممح به، كما قال تعالى:{فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [سورة النحل، الآية: 97]، وقوله مع أنه الخ توجيه آخر بإبقائه على ظاهره والمسكنة الفقر أو أشده وقوله: ولو أنهم أقاموا الآية تمامها: {كَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [سورة المائدة، الآية: 66] أي لوسع رزقهم وكذا قوله في الآية التي بعدها: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة الأعراف، الآية: 96، وقال بعض المشايخ لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوّس عليه رزقه وإذا فسر بالضريع ونحوه فهو في الاخرة وأخره مع ما بعده لبعدهما. قوله: (بسكون الهاء على لفظ الوقف (أقحم لفظاً إشارة إلى أنه أجرى فيه الوصل
مجرى الوقف، أو هو على لغة من يسكن هاء الضمير وهي قراءة أبان وتسكين الراء إفا لما ذكره أو للتخفيف، وقوله: ويؤيد الأوّل وجه التأييد ظاهر، واحتمال كنت بصيراً بالحجج والحيل لا يضر لأنه خلاف الظاهر وقوله إما لهما أي أمال لفظ أعمى في الموضعين، وأبو عمرو أمال ما وقع فاصلة لما ذكر، وقوله من الياء أي منقلبة منها.
تنبيه: تقدم في سورة الإسراء أنه أمال أعمى في الموضعين أبو بكر وحمزة والكسائيّ وخلف لأنهما من ذوات الياء وقرأ ورس فيهما بالفتح وبين اللفظين وقرأ أبو عمرو ويعقوب بإمالة الأوّل لأنه ليس أفعل تفضيل فألفه متطزفة لفظاً وتقديراً والأطراف محل التغيير غالباً لأنها تصير ياء في التثنية وفتحا الثاني لأنه للتفضيل ولذا عطف عليه فألفه في حكم المتوسطة
لأن من الجارة للمفضول، كالملفوظ بها، وهي شديدة الاتصال باسم التفضيل، فكان الألف حشوا فتحصنت عن التغيير كما قرّره الفارسيئ، وأوردوا عليه أنهم أمالوا أدنى من ذلك مع التصريح بمن فلان يمال أعمى مقدرا معه من أولى، وقرأ الباقون فيهما بالفتح على الأص!! ، وأمّا أعمى بطه فأماله حمزة والكسائيئ وخلف وأماله بين بين أبو عمر وورش والباقون بالفتح ولم يمله أبو بكر هنا وإن أماله هناك جمعا بين الأمرين اتباعا للأثر وفرق بعضهم بان أعمى في طه من عمي البصر وفي الإسراء من البصيرة، ولذا فسر بالجهل، وأميل ولم يمل هنا للفرق بين المعنيين، قال في الدر والسؤال باق إذ يقال لم خصت هذه بالإمالة وقد قدمنا ما فيه شفاء للصدور. قوله:(أي مثل ذلك فعلت (ويحتمل أن الكاف مقحمة وهو أبلغ كما مر تحقيقه، وقيل تقديره الأمر كذلك وقوله: واضحة نيرة كالمكان النير وهو إما بيان للواقع أو لأن الإضافة تدل عليه لأنه شأن الآيات الإلهية وقوله فعميت فسره به بمقتضى السياق. وقوله: غير منظور إليها أي بعين العبرة، وقوله تركك لأن النسيان يتجوّز به عن الترك إذ معناه الحقيقي لا يصح هنا وقوله بالانهماك تفسير للإسراف وقوله: والنار بعد ذلك أي بعد الحشر على العمى، وقوله: من ضنك العيش ناظر إلى التفسير الأوّل وما بعده ناظر إلى الثاني. قوله: (ولعله إذا دخل الئار الخ) جواب عما يقال إنه إذا بقي العمى كيف يكون عذاب الآخرة أبقى مما عداه وهو تأييد للوجه الثاني إذ حينئذ قوله أبقى لا يصح بالنسبة إلى العمى فالمراد النار والتعبير، بلعل تأذبا لعدم الجزم بمراد الله وبالنسبة إلى قوله ليرى الخ لا لعدم الدليل عليه، وأنه يكفي في عدم بقاء الكل عدم بقاء جزئه، فالكل ينتفي بانتفاء جزئه. قوله: (أو مما فعله من ترك الآيات (هذا وجه
آخر جار على التفسيرين وقوله من ترك الخ بيان لما فلا وجه بتفسيره بأنهه أزيد في الشدة والبقاء من الشدّة التي لحقت الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في الدنيا وأما عطفه على قوله من العمى فمع مخالفته لما في الكشاف خلاف الظاهر من غير مقتض له. قوله تعالى: ( {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} (معناه يبين لهم والمراد ألم يعلموا ومفعوله محذوف أي ألم يبين لهم العير وفعله بمن كذلك أو الجملة بعده كما سيأتي وفي فاعله وجوه أحدها أنه ضمير الله والثاني أنه ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه المبين لهم أو هو ضمير الإهلاك المفهوم من قوله كم أهلكنا الخ والجملة مفسرة له ومفعوله محذوف كما مر، وقوله أي إهلاكنا، تفسير لقوله ما دل عليه الخ والإسناد مجازي. قوله: (أو الجملة بمضمونها) بالجرّ معطوف على الله أي الفاعل هو هذا اللفظ باعتبار دلالته على معناه لا بقطع النظر عنه بناء على وأن الجملة تكون فاعلاً كما تقع مفعولاً إما مطلقاً أو بشرط كون الفعل قلبيا ووجود معلق عن العمل الجمهور على خلافه. قوله: (والفعل على الأوّلين معلق يجري مجرى أعلم) وفي نسخة يعلم لأنّ التعليق يكون لأفعال القلوب أو ما تضمن معناها وهذا من الثاني فهي مفعوله أي ألم يبين الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم لهم إهلاكهم بخلافه على الأخيرين فإنها فاعل أو مفسرة له وقوله: ويدل عليه القراءة بالنون أي نهد فإنها تدل على أنها ليست فاعلاً لفظاً أو معنى فإن نون العظمة تأباه كما لا يخفى والمعلق كم لأن لها المصدر. قوله: (يمشون الخ) الجملة حالية من القرون أو من مفعول أهلكنا والضمير على هذا للقرون المهلكة والمعنى أهلكناهم بغتة وهم متقلبون في أمورهم، أو من الضمير في لهم فالضمير للمشركين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والعامل يهد والمعنى ما ذكره المصنف فالوجه الثاني مراده، أي فينبغي أن يعتبروا فكني بالمشي عن المشاهدة، وبها عن الاعتبار وليس صفة للقرون، كما توهم. قوله: (لذوي العقول الخ (تفسير للنهي جمع نهية وبيان لوجه التسمية، وقوله التعامي وقع في نسخة المعاصي بدله، وقوله هذه الأتة أي أمة الدعوة الشاملة للكفرة فإنهم يؤخر عنهم عذاب الاستئصال في الدنيا كما وعد الله به في قوله موعدهم الساعة إما إكراماً لنبيه صلى الله عليه وسلم أو لأن من نسلهم من يؤمن به أو لحكمة خفية. قوله: الكان مثل ما نزل بعاد وثمود (يعني أن اسم كان ضمير عائد على إهلاك القرون المفهوم مما قبله وما ذكره بيان للمراد منه فلا يقال إنه لو قال لكان
الإهلاك كان أظهر وأقصر للمسافة، واللزام إما مصدر لازم كالخصام وصف به مبالغة أو اسم آلة لأنها تبنى عليه كحزام وركاب واسم الآلة يوصف به
مبالغة أيضا كقولهم: مسعر حرب ولزاز خصم بمعنى ملح على خصمه من لزم بمعنى ضيق عليه ولزمه وجوّز أبو البقاء فيه كونه جمع لازم كقيام جمع قائم. قوله: (أو لعذابهم الخ) قيل عليه إنه على هذا يتخذ مآله بالكلمة التي سبقت فلا يصح قوله للدلالة على استقلال كل منهما إلا أن يكون هذا إشارة إلى ترجيح الوجه الأوّل ويدفع بأنه لا يلزم من تأخير العذاب عن الدنيا أن يكون لهم وقت معين لا يتأخر عنه ولا يتخلف عنه فلا مانع من استقلال كل منهما. وأمّا ما ذكره من الجواب فليس بشيء. قوله: (أو بدر (هذا لا ينافي كون الكلمة التي سبقت هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة كما قيل لأن ما سبق هو عذاب الاستئصال ولم يقع يوم بدر. قوله: (ويجوز عطفه على المستكن الخ) أورد عليه أن لزاما إذا كان مصدراً أو جمعاً فلا إشكال فيه أما إذا كان اسم آلة كان يلزم تثنيته فعلى هذا يتعين ما ذكر ليندفع الإشكال واليه أشار المصنف بقوله: لازمين والمراد بالأخذ الهلاك والعذاب وهو بصيغة المصدر. قوله: (فاصبر الخ) أي إذا لم نعذبهم عاجلاً فاصبر فالفاء سببية والمراد بالصبر عدم الاضطراب لما صدر منهم، لا ترك القتال حتى تكون الآية منسوخة وقوله: وصل تفسير لسبح وقوله: وأنت حامد إشارة إلى أنّ قوله: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} حال وقوله على هدايته وتوفيقه مأخوذ من السياق. قوله:
(أو نزهه عن الشرك الخ) هذا رجحه الإمام على الآخر وقيل عليه لا وجه حينئذ لتخصيص هذه الأوقات بالذكر وأجيب بأنّ المراد بذكرها الدلالة على الدوام كما في قوله: {بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} مع أن لبعض الأوقات مزية لأمر لا يعلمه إلا الله، ورد بأنه يأباه من التبعيضية في قوله:{وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ} [سورة طه، الآية: 26 ا] على أنّ هذه الدلالة يكفيها أن يقال قبل طلوع الشمس وبعد، لتناوله الليل والنهار فالزيادة تدل على أنّ المراد خصوصية الوقت ولا يخفى أن قوله من آناء الليل له متعلق آخر وهو سبح الثاني فليكن الأوّل للتعميم والثاني لتخصيص بعضه اعتناء به كما أشار إليه المصنف نعم يرد على علاوته أن التنزيه عن الشرك لا معنى لتخصيصه إلا إذا أريد به أن يقول سبحان الله مريدا ما ذكر وقيل: إنه على هذا يكون المراد من الحمد الصلاة والظرت متعلق به فتظهر حكمة التخصيص وهو صلح من غير تراضي الخصمين إذ كلام المصنف رحمه الله صريح في خلافه فتأمل. قوله: (على ما ميزك بالهدى (أي ميزك عمن لم يتبع الهدى وهو المحمود عليه وتعيينه نشأ من المقام وقوله: معترفا الخ هو المحمود به ويدل على عموم الجميل إضافة الحمد إلى الله، وعدم ذكر محمود عليه وقوله: (يعني الفجر) أي
صلاة الفجر وهذا على التفسير الأوّل والمراد بآخر النهار نصفه الأخير وكون المراد العصر أظهر. توله:) جمع أتي الخ (ذكروا في واحده أنا وأناء بفتح الهمزة وكسرها وأني وأنو بالياء والواو وكسر الهمزة ومثله آلاء بمعنى النعم وفي مفرده هذه اللغات بعينها كما ذكره الواحدي وأما قوله: أناء بالفتح والمد فقيل إنه لم يوجد في كتب اللغة. قلت قال في المصباج آنيته بالفتح والمذ آخرته والاسم إناء بوزن سلام والتاني بمعنى التأخير إلى وقت آت فهو من هذه المادة بعينها. قوله: (وإنما قدّم الزمان فيه (يعني تقديم قوله من آناء الليل على قوله: فسبح الذي تعلق به وقد أخر متعلق سبح السابق للاهتمام به لا للحصر كما توهمه عبارة الاختصاص فإنه لو أريد ذلك ذكر اختصاصه بالتسبيح لا بمزيد الفضل المذكور وأقحم مزيد لما في غيره من الأوقات المذكورة من الفضل وفي هذه الفاء ثلاثة أوجه أنها عاطفة على مقدر أو في جواب شرط مقدر أو متوهم أو زائدة وليس في كلام المصنف رحمه الله تعرض لها أصلاً فمن قال إن المصنف رحمه الله يعني أن الفاء زائدة فائدتها الدلالة على لزوم ما بعدها لما قبلها لم يأت بشيء إذ لا حاجة إلية، وهذه الفاء لا تمنع عمل ما بعدها فيما قبلها كما صرح به النحاة فلا حاجة لدعوى زيادتها هنا كما لا حاجة إلى تقدير الشرط الذي ذكر بعضهم هنا ومزيد الفضل، أما لنفس الوقت إذ لا مانع منه أو لما وقع فيه من الصلاة والتسبيح وقوله: اجمع أي أكثر جمعيه بمعنى جمعية خواطره وتوجهه والإسناد مجازي وقوله: والنفس أميل إلى الاستراحة وجه
الفضيلة فيه ما بعده وأحمز بالحاء المهملة والزاي المعجمة بمعنى أشق وأقوى، وناشئة الليل الصلاة الناشئة فيه وأشد وطأ أي أشق وأثبت، وقيلا أي قراءة لعدم الشواغل وسيأتي تفسيرها ودلالتها على ما ذكر ظاهرة. قوله: (تكرير لصلائئى الصبح والمغرب (إن قيل: ليت شعري لم لم يذكر العصر بدل المغرب وقد فسر به هو طرفي النهار في هود والعصر لما فيه من مزيد الفضل لأنه المناسب للتكرير. قلت: الطرف ما ينتهي به الشيء منه وهو أوله وآخره وما ينتهي عنده الشيء مما يلاصقهما وهو حقيقة في الأوّل لكنه شائع في الثاني فهو يحتملهما في الآيتين فحملهما هنا على الثاني ليكونا على وتيرة واحدة بناء على أن ابتداء النهار طلوع الشمس لا الفجر وفسرهما هناك بالصبح والعصر وأشار إلى وتت الظهر كما مر وأدخل صلاة الليل في الزلف ليشمل الأوقات وأراد بالطرفين معناهما الأوّل بناء على أن أول النهار الفجر فهما على وتيرة واحدة خلافا لمن توهم خلافه ومزيد فضل العصر لا يستلزم إعادتها لأنه صرح به في آية أخرى {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} بالنصب في قراءة الجمهور معطوف على محل قوله: {مِنْ آنَاء اللَّيْلِ} وقوله: إرادة الاختصاص قيل إنه للعهد أي لبيان إرادة اختصاصهما بمزيد فضل والظاهر أن المراد الاختصاص بالذكر بعد
التعميم اهتماما كذكر جبريل بعد الملائكة لضيق وقت المغرب وكون الصبح وقت النوم وبه صرح به الكشاف. قوله: (ومجيئه بلفظ الجمع) مع أنّ المراد اثنان لا من اللبس إذ النهار ليس له إلا طرفان والمرجح مشاكلته لآناء الليل. قوله: (ظهراهما مثل ظهور الترسين (جعله في الكشاف نظيراً والمصنف رحمه الله مثل به بناء على ظاهره إذ جمع في محل التثنية، كما هنا ووجه ما في الكشاف أنّ ذلك الشيء وما نحن فيه شيء آخر فإنه من قبيل ما أضيف فيه مثنى لمثنى هو جزؤه أو كالجزء والعرب لما استثقلوا فيه جمع تثنيتين جوّزوا فيه الأفراد والجمع عند أمن اللبس كما ذكره النحاة كقوله:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وهو من أرجوزة للعجاج قبله:
ومهمهين فدفدين مرتين
وبعده:
جئتهما بالنعت لا بالنعتين
والمهمه المفازة البعيدة والفدفد الأرض المستوية والمرت ما لا نبات ولا ماء فيه وهو المراد بقوله: (ظهراهما (الخ والمراد وصف نفسه بالجراءة على الإسفار وأنه يعرف القفار بوصفها له مرة واحدة ومهمهين مجرور برب مقدرة. قوله: (أو أمر بصلاة الظهر (معطوف على قوله: تكرير أي قوله: {أَطْرَافَ النَّهَارِ} باعتبار أنه معمول سبح أتى به للأمر بصلاة الظهر وقوله: فإنه الخ بيان لوجه إطلاقه عليها إطلاق الزمان على ما فيه وجمعه فإنه نهاية النصف الأوّل وبداية الثاني ففيه بهذين الاعتبارين تعدد فلذا جمع ولا يخفى بعده لأنّ البداية والنهاية فيه ليست على وتيرة واحدة لأنه نهاية باعتبار أنه انتهى عنده وليس منه وبداية باعتبار ابتدائه منه. قوله: (أو لآن النهار جنس (أي تعريفه للجنس الشامل لكل نهار فجمع أطراف باعتبار تعدد النهار وأنّ لكل طرفا وفيه أيضا أن إطلاق الطرف على طرف أحد نصفيه تكلف فإنه ليس طرفاً له بل لنصفه فلا وجه لمن قال إنه أوجه وكذا قوله بالتطوّع في أجزاء النهار لما فيه من صرف الأمر عن ظاهره وآخر النهار ليس محل التطوع لما فيه من وقت الكراهة. قوله: (متعلق بسبح (المراد النعلق المعنوي وقوله: طمعا إشارة إلى أن الترجي من المخاطب لا من الله لاستحالته في حقه وما به ترضى نفسك هو الثواب وما يتبعه، وإرضاء الله له إعطاؤه ما يجب ويرضى. قوله: (أي نظر عينيك (إشارة إلى تقدير مضات أو تجوز في النسبة لأنّ المذ تطويل النظر
للاستحسان والإعجاب وتمنى مثله فاستحساناً متعلق بلا تمدن أو بالنظر. قوله: (أصنافاً من الكفرة (تفسير لأزواجا واشارة إلى أن من بيانية، وقوله: أن يكون أي أزواجاً والضمير ما في قوله به وقوله: المفعول منهم أي لفظ منهم على أنّ من تبعيضية وتأويلها باسم وهو بعض وقوله وهو أصناف تفسير للحال وبعضهم بالنصب هو المفعول وناساً منهم تفسير له واشارة إلى أنه صفة للمفعول في الأصل وقال: المعرب أزواجا مفعول به أو حال من ضمير به. قوله: (دل عليه متعنا) كجعلنا أو ملكنا أو آتينا لدلالة التمتع عليه وإذا ضمن معنى أعطينا نصب مفعولين وهما أزواجاً وزهرة وقوله: أو بالبدل من محل به وهو النصب وقد ضعفه ابن الحاجب في أماليه لأن إبدال منصوب من محل جار
ومجرور ضعيف كمررت بزيد أخاك ولأن الإبدال من العائد مختلف فيه وكذا إذا بدل من ما الموصولة وقوله: بتقدير مضاف أي ذا زهرة أو أهل وعدم التقدير يجعلهم نفس الزهرة مبالغة أو على كون أزواجاً حال بمعنى أصناف التمتعات والأوّل ضعيف لأن مثله يجري في النعت لا في البدل لمشابهته لبدل الغلط حينئذ والزهرة النور والبريق منه إلا نجم الزهر وفيه كما قال: المعرب تسعة أوجه منها أنه تمييز وصفة أزواجا وقد رذا لتعريف التمييز وتعريف وصف النكرة.
قوله: (أو بالذم (أي أذمّ زهرة الحياة الدنيا قيل يأباه المقام لأن المراد أنّ النفوس مجبولة
على النظر إليها والرغبة فيها ولا يلائم تحقيرها ورد بأن في إضافة الزهرة إلى الحياة الدنيا كل ذمّ وما ذكر من الرغبة من شهوة العقول القاصرة التي لم تنظر بعين الهداية ونور التوفيق. قوله: (وهو لغة كالجهرة في الجهرة (قال ابن جني: في المحتسب مذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتحة أنه لا يحرك إلا على أنه لغة كنهر ونهر وشعر وشعر ومذهب الكوفيين أنه يطرد تحريك الثاني لكونه حرفا حلقياً وإن لم يسمع ما لم يمنع منه مانع كما في لفظ نحو لأنه لو حرّك قلبت الواو ألفاً، وقوله: أو جمع زاهر ككافر وكفرة وقوله: وصف أي نعت لأزواجاً على هذا الوجه أو حال لأن إضحافته لفظية وفيه تأمل، وزاهر والدنيا أي زاهرون بالدنيا فسقطت نونه للإضافة وزاهرون بمعنى منعمين كما أشار إليه، وبهاء بمعنى حسن وبهجة والزي الهيئة
وقوله: {لِنَفْتِنَهُمْ} متعلق بمتعنا وفسره بنختبرهم وهو ظاهر أو بنعذبهم أنه من الفتن وهو إذابة الفضة والذهب كما مرّ وقوله: بسببه أي بسبب ما متعناهم به. قوله: (واصطبر عليها ودوام الخ) فسر الصبر بلازم معناه وفيه إشارة إلى أنّ العبادة في رعايتها حق رعايتها مشقة على النفس. قوله: (ولا أهلك نحن نررّقك واياهم) إشارة إلى أن الحكم عامّ في الموضعين وان كان في صورة الخاص لخصوص الخطاب لأنّ رزقه رزق لأهله وا-دباعه وكفايته كفاية لهم فلذا ذكرهما في الموضعين وإن لم يذكرا في النظم فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له ولا حاجة إليه والمراد بالعموم هنا شمول خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم هنا لأهله كما ذكره المصنف لا لجميع الناس، فمن قال لو كان الحكم عاما لرخص لكل مسلم المداومة على الصلاة وترك الاكتساب وليس كذلك، فالحكم خاص. كالخطاب لم يصب والعاقبة المحمودة أعم من الجنة أو هي المراد هنا وقوله: لذوي التقوى قدره لموافقة قوله: في آية أخرى للمتقين ولو لم يقدر صح وقوله: روي الخ رواه البيهقي والطبري، والضرّ هنا الفقر وأمرهم بالصلاة لإزالته كما مرّ. قوله:(أو! بآية عقترحة) من كل ما اقترحوه لا على التعيين، حتى يقال الت! نكير ينافيه وانكاراً علة لقالوا وقوله: للاعتداد معطوف على لما جاء به وتعنتا وعنادا تعليل للإنكار المعلل به القول وقوله: فألزمهم أي الله توطئة لقوله: {أَوَلَمْ تَأْتِهِم} الخ وما ذكره من كون القرآن أمّ المعجزات أي أصلها وأعظمها وأبقاها ظاهر في نفسه، وأنما الكلام فيما نوره المصنف رحمه الله به. قوله:(لأن حقيقة المعجزة اخكصاص مدّعي الخ) فيه تسمح لأنّ المعجزة هي الخارق نفسه، والمراد اختصاصه دون من تحداه والمبراد بالعلم ما لم يكن بمزاولة الجوارج المعشادة، وكون العلم أصل العمل لأنه ما لم يتصوّر شيء لم يصنع وهذا وجه كونه أما، وعلو قدره وجه لأعظميته وما بعده لبقائه والمراد ببقاء أثره بقاء ما يدل عليه غالباً وهو الألفاظ وقوله: ما كان من هذا القبيل أي آثار العلم والمراد به القرآن فما قيل إنّ بقاء القرآن محسوس لا يحتاج لدليل، وسيما وما ذكره لا يفيده لأنّ بقاء أثر العلم لا يستلزم بقاءه كما نشاهده من الطلسمات الباقية دون علمها، والمدعي بقاء القرآن نفسه وعلوه بضمه إلى الإعجاز أنواع العلوم والمغيبات وهو ظاهر، لكق ليس في كلامه ما يفيد أصالته إلا أن يراد أصالة جنسه وهو مع بعده غير مختص به
من قلة التأمل. قوله: (وئبههم الخ (أبين بمعنى أبعد ولذا عداه بعن وفي نسخة من بدلها فهو بمعنى أظهر والمراد بهذا الباب باب الألفاظ الدالة على العلوم أو باب العلم وهو معطوف على قوله: ألزمهم والمراد كونه بينة ومهيمنا على ما تقدمه من الكتب السماوية فإنه انفرد به عما عداه. وقوله: اشتمالها الضمير للبينة والمراد بها القرآن لأنّ آياته مبينة لما ذكر، وضمير فيها للصحف وقيد الأحكام بالكلية والمراد بها