المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العلم إذ أصله العلم بالإجازة في شيء وترخيصه ثم تجوز - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٦

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: العلم إذ أصله العلم بالإجازة في شيء وترخيصه ثم تجوز

العلم إذ أصله العلم بالإجازة في شيء وترخيصه ثم تجوز به عن مطلق العلم وصيغ منه الأفعال وصار عبارة عن الإنذار كقوله:

آذنتنا بينها أسماء

وهو يتعدى لمفعولين الثاني منهما مقدر وهو ما ذكره المصنف. وقوله مستوين إشارة إلى

أنّ الجار والمجرور وقع حالاً من المفعول الأوّل ويجوز أن يكون حالاً من المفعول الثاني. وقوله: مستوين إشارة إلى أنه حال من الفاعل والمفعول معا وقوله في العلم بما أعلمتكم به واستواؤهم في العلم إمّا بما أمر به لإعلامهم به أو بأنه سيقع بينهم الحروب كذلك وهم يعلمون أنه الصادق الأمين وإن كانوا يحجدون بعض ذلك عناداً، فلا وجه لما قيل كيف يصح دعوى الاستواء والفاعل متيقن بخلاف المفعول فإنهم لا يذعنون إلا أن يراد بسبب العلم وهو الخبر الصادق وسائر الدلائل الأنفسية والآفاقية والاستواء فيه من حيث التكليف فإنّ الكل مكلف بما أعلمه ىسييرو. قوله: " يذاناً على سواء) إشارة إلى وجه آخر وهو أنه صفة مصدر مقدر. وقوله: أعلمتكم إني على سواء يعني أنّ الجار والمجرور خبر أن المقدرة وهي مع معموليها سادة مسد المفعول. والنير بمعنى الواضح وفي الكشاف إنّ قوله: آذنتكم استعارة تمثيلية شبه بمن بينه وبين أعدائه هدنة فأحص بغدرهم فنبذ إليهم العهد وشهر النبذ وأشاعه

وآذنهم جميعاً بذلك. قوله: (أو الحشر) أو العذاب وقوله: لكنه كائن لا محالة إشارة إلى أنه لا ينافي تردّده في قرب أمور الآخرة قوله: اقترب في أول السورة لأنه عبارة عن تحققه كما مر والقرب هنا على ظاهره المعروف. والأحقاد عطف تفسيري للأحن وهي الضغائن جمع أحنة وقوله فيجازيكم عليه يعني أنّ العلم بما ذكر كناية عن الوعيد بالجزاء، كما يقول الملك لمن عصاه قد عرفت ما صدر منك. وقوله: لعل تأخير جزائكم يعني به أنّ ضمير لعله لما علم من الكلام. قوله: (استدراج لكم الما كان الإمهال فتنة لهم على التحقيق، وقوله: لعل يفهم منه الشك قال ذلك إشارة إلى أنه إما مجاز عن الاستدراج بذكر السبب وارادة المسبب أو عبارة عن زيادة الفتنة ودوامها أو هو بمعناه الأصلي وهو الامتحان والاختبار من فتن الذهب والفضة بمعنى إذا بهما ليعلم غشهما فهو استعارة مصرحة والتمتيع بمعنى الإبقاء والتأخير. قوله: (اقض بيننا الخ) فالحكم بمعناه المعروف والضمير له ولهم لأنه يعلم من المقام والعدل تفسير للحق والمقتضى صفته لأنّ العدل يقتضي تعجيل عذابهم فهو دعاء بتعجيله لهم فلا يتوهم اللغوية لأن كل قضائه عدل وحق وقد استجيبت بوقعة بدر بعده والتشديد إيقاع العذاب الشديد بهم والقراءة بالضم على أنه منادى مفرد وقد قيل إنّ حذف حرف النداء من اسم الجنس نادر شاذ وقال المعرب إنه ليس منادى مفرد بل هي لغة في المضاف إلى ياء المتكلم حال ندائه فيحذف المضاف إليه ويبنى على الضم كقبل وبعد فلا شذوذ فيه. وأحكم أفعل تفضيل أي أنفذ وأعدل حكما أو أعظم حكمة. وقوله: وأحكم من الأحكام أي قرئ به على صيغة الماضي. قوله: (بأنّ الشوكة) أي الغلبة والقوّة وهو تفسير لما يصفونه، وخفق راية الإسلام كناية عن ظهوره والسكون ضمده وأمانيهم بالتشديد والتخفيف جمع أمنية وهي ما يتمنى. قوله:(وعن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) هو

حديث موضوع واقترب علم لهذه السورة تسمية لها بأولها. وقوله: صافحه وسلم عليه هو في الآخرة كما هو الظاهر ووجهه كونه سورة متضمنة لأحوالهم، تمت السورة اللهم إني أتوسل بسيد الأنبياء والمرسلين وبمن ذكر فيها من سائر النبيين أن تيسر لنا أمور الدنيا والآخرة بمنك وكرمك وألطافك المتواترة.

سورة‌

‌ الحج

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (مكية) اختلف فيها فقيل إنها مكية وقيل إنها مدنية وقيل مختلطة بعضها مكيّ وبعضها مدني وهو الأصح واختلف في تعيينه على أقوال منها ما ذكره المصنف. قوله: (وهي ثمان وسبعون آية (قال الداني وقيل خمس وقيل ست وقيل سبع. قوله: (تحريكها للأشياء (حقيقة الزلزلة التحريك بعنف وهو المراد

ص: 279

هنا فإضافتها للساعة إن كان للفاعل فهو مجاز في النسبة كقوله مكر الليل لأنّ المحزك هو الله، والمراد بالأشياء الموجودات أو هو من الإضافة إلى الظرف إضافة على معنى في عند من أثبتها كما أشار إليه بقوله: أو تحريك الأشياء فيها الخ لكن في كلامه شيء وهو أن قوله إضافة معنوية يفهم منه أن إضافة المصدر إلى فاعله لفظية. والذي صرح به النحاة أنها معنوية اختصاصية فإن لم يكن هذا على قول ابن برهان الذاهب إلى أنها غير محضة فيكون المختص بهذا الشق مجموع كونها معنوية على معنى في فيفهم منه أن تلك معنوية على معنى حرف آخر. وقوله: على إجرائه مجرى المفعول به توسعا كما في قوله: يا سارق الليلة أهل الدار على مذهب من لم يثبت الإضافة بمعنى في. قوله: (وقيل هي زلزلة الخ) فتكون الزلزلة على معناها الحقيقي ومرضمه لاحتياج إضافته إلى الساعة إلى التأويل كما أشار إليه ولأنه لا يناسب كونه تعليلا لأمر جميع الناس بالتقوى كما لا يخفى. وفي الكشاف أنّ هذه الآية وما يليها نزلتا ليلا في غزوة بني المصطلق وهو صحيح مسند في سنن الترمذي والنسائيّ والحاكم كما ذكره ابن حجر رحمه الله فينافي كونهما مكيتين. واشراط الساعة علاماتها ومقدماتها. قوله: (هائل (هو معنى عظيم النكرة الموصوف به شيء المبهم. والتعليل يستفاد

من الجملة المصدرة بأن المستأنفة استئنافا بيانيا على ما قرّر أهل المعاني في نحو إذ ذاك النجاح في التبكير. والتدرع لبس الدرع وهو مجاز عن التحفظ وقوله: فيبقوا يقال أبقى على نفسه إذا حفظها وأبقيت عليه إبقاء إذا رحمته وأشفقت عليه والاسم منه البقية كما في التهاية. وقل: (ويقوها) أي يحفظوها وما في بعض النسخ يتقوها تحريف، وقوله: تصوير الهولها والضمير للزلزلة كذا في بعض االئ! ننخ وسقط من بفص! ها لذكره قبكه- يغني أنّ قوله- تذهل الخ استعارة تمثيلية لبيان شدة الأمر وتفاقمه ولذا قال وما هم بسكارى ولكن عذاب ألله- شديدس وقوله: منصوب بتذهل أو بتعظيم أو بإضمار اذكر أو بدل من الساعة وفتح لبنائه أو- فن زلزلة لا منصوب به للفصل بين المصدر ومعموله بالخبر. قوله: (والذهول) وفي نستخه والذهل والذهول وهما بمعنى كما في الصحاح وان ورد الذهل بمعنى السلوّ لأنه لا يختص به كما توهم وقوله الذهاب وفي نسخة والإياب. قوله: (والمقصود الدلالة على أنّ هولها بحيث إذا دهشت الخ) دهش كفرخ تحير وذهب عقله لذهل أو وله والعائد مخذوف أي دهشت به لمفاجأته لها وكلامه يحتمل وجوها لأنه إن كان قبل قيام الساعة خهي مرضعة. و! ملقمة حقيقة وان كان بعدها وقلنا إن كل أحد يحشر على حاله التي فارق فيها الدنيا فتحشر المرضعة مرضعة والحاملة حاملة كما ورد في بعض الأحاديث فكذلك وان لم نقل به فهو على طريق الفرض والتمثيل كما مرّ. والعبارة تحتمله لأنّ إذا شرطية والشرط يكفي فيه- الفرض! والتقدير والحيثية ظاهرة فيه فلا وجه لما توهم من أنه مخصوص بالقول الأوّل وأنّ المصنف ومن حذا حذوه لم يفرق بين القولين ولا حاجة إلى تكلف الجواب عنه كما قيل. قوله: (التي ألقمت الرضع ثديها) إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها والمرضع بلا تاء هي التي من شأنها أن ترضمع وأن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به الخ. قوله: (كأنهم سكارى الخ) يعني أنه تشبيه كما صرح به الزمخشري، وقد قيل عليه ترى بمعنى نظن أي تظن الناس سكارى فهو حقيقة لا تشبيه وردّ بأنّ الرؤيا بصرية وهو الظاهر كما صرحوا به وسكارى حال من المفعول فلا بد من اعتبار التشبيه حتى يصح الكلام وهذا غريب منه فإنّ أهل المعاني صرحوا بأنه قد يذكر فعل ينبئ عن! التشبيه كما في علمت زيداً أسداً إذا قرب التشبيه وحسبت وظننت ونحوه إن بعده. فما ذكروه موافق لكلام القوم وان كان فيه بحث للسعد مذكور مع جوابه في محله فالتشبيه لا يستلزم كونها بصرية كما زعمه. قوله: (وما هم

بسكارى على الحقيقة (قيل: عليه إذا كان معنى قوله ترى الناس سكارى على التشبيه كان قوله وما هم بسكارى على التحقيق مستغنى عنه ولا وجه لجعله تأكيدا لمكان الواو وليس بشيء لأنّ هذه الجملة. حالية والحال المؤكدة! تقترن بالواو لا سيما إذا كانت اسمية وخطاب ترى إما عاثم أو للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد جوّز في سكارى أن يكون استعارة أي خائفين

ص: 280

مضطربين كالسكارى وتحقيقه في شرح الكشاف. وقوله: فأرهقهم الخ بيان لالتئام الاستدراك بما قبله. قوله: (وقرئ ترى من أريتك الخ) أي هو إما من الثلائي أو المزيد وعلى التقديرين الرفع والنصب وقوله على أنه نائب مناب الفاعل أي نائب منابه على أن ترى في هذه القرأءة بضم التاء مجهول رأيتك قائما فأصله ترى الناس سكارى بفتح التاء ورأى إما ظنية أو بصرية وسكارى حال وقد كالط على الأوّل مفعوفي ثانيا وليس من أريتك كما قيل ففي كلامه لف ونشر مرتب. قوله: (وأفراده (أي أفراد لفظ ترى في ترى الناس بعد جمعه في قوله ترونها. وقوله: كل واحد وفي نسخة أحد إشارة إلى أنّ الخطاب عامّ لكل راء وما ذكره المصنف على الوجه الظاهر الأنسب ولو جمع لصح أيضا. وقوله: إجراء للسكر مجرى العلل يعني أنّ الصفة تجمع على فعلى إذا كانت من الآفات والأمراض كقتلى وموتى وحمقى والسكر ليس منها لكنه أجرى مجراها لما فيه من تعطيل القوى والمشاعر. وقد قرئ بضم السين أيضا وهي مذكورة في الكشاف وشروحه. قوله: (وكان جدلاً) كفرج أي شديد الجدال والخصومة وقوله: وهي تعمه يعني أنّ خصوص السبب لا يخرجها من العموم. وقوله في المجادلة تخصيصه بقرينة ما قبله وتعميمه بناء على الظاهر وقوله متجرد للفساد معرى من الخير لأنه من قولهم شجرة مرداء لا ورق لها ومنه الأمر لتجرّده من الشعر. وقوله العرقي بوزن القويّ. قوله: (على الشيطان (كتب بمعنى قضي وقدر ويجوز أن يكون على ظاهره وفي الكشاف أنه تمثيل أي كأنما كتب عليه ذلك لظهوره ولزومه وجعل الضمير للشيطان لأنه الظاهر مما بعده. ويجوز أن يكون ضمير تولاه وأنه لمن يجادل وفاعل تولا. ضمير من الثانية أي المجادلة بالباطل إمام في الضلالة يقتدى به من أضله الله. وتولاه بمعنى جعله مولى له يتبعه. قوله: (خبر لمن) إن كانت من موصولة والفاء تدخل خبره على التشبيه بالشرط أو جواب له إن كانت شرطية وقوله فشأنه يعني أنه خبر مبتدأ محذوف ويجوز

كونه مبتدأ خبره محذوف أي فحق أنه وقوله لا على العطف ردّ على الزمخشريّ في قوله تبعا للزجاج إنه قرئ بالفتح والكسر فمن فتح فلأنّ الأوّل فاعل كتب والثاني عطف عليه فإنه إما أن يعطف مع الخبر أو بدونه ويلزم على الأوّل فقد الجزاء والعطف على أنه قبل تمام صلته وعلى الثاني تخلل العطف بين أجزاء الشرطية والعطف قبل التمام فالظاهر ما مرّ من أنه يقدر بعد الفاء الجزائية مبتدأ أو خبر أي فالأمر أنه يضله أو فحق أنه يضله وقد وجه بأنّ من عليه موصولة أو موصوفة لا جزائية والمعنى يتبع كل شيطان سجل عليه بأنه هو الذي اتخذه بعض الناس وليا وبأنه مضل من اتخذه وليا والأوّل كالتوطئة للثاني أي يتبع شيطاناً مختصا به مكتوبا عليه أنه وليه وأنه مضله فهو لا يألو جهداً في إضلاله وهذا أبلغ من جعلها جزائية. وقيل إنّ المعنى كتب على الشيطان أنّ المجادلة من تولا.. وقوله إنه يضله عطف عليه وهو تعسف. وقيل إنه على نهج قوله ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم من تكرار أن توكيداً وقد مرّ ما فيه وقيل الجزاء محذوف أي كتب عليه أنه من تولاه يهلكه فإنه يضله عن طريق الجنة وثوابها ويهديه إلى طريق السعير وعقابها والفاء تفصيل للإهلاك وكله تعسف مستغنى عنه بما ذكره المصنف. قوله: (وقرئ بالكسر في الموضعين الخ) والمحتاج للتوجيه هي أن الأولى وما ذكره أقوال للنحاة في مثله مبنية على جواز الحكاية بغير القول وقوله: بالحمل الخ إشارة إلى أنّ فيه استعارة تمثيلية تهكمية. قوله: (من إمكانه (لم يفل من وقوعه لأن الدليل المذكور إنما يدل على الإمكان وما وقع في بقعة الإمكان وأحاطت به حظيرة القدرة التامة دال على الوقوع ولذا ذكر بعده قوله وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها فلا يرد عليه أن الظاهر أن يقول من وقوعه فافهم، قلت التحقيق أن يقال إنما ذكر الإمكان هنا لئلا يتكزر مع قوله الآتي وأنّ الله يبعث من في القبور. والبعث بفتح العين لغة إذ هو جائز في كل ما عينه حرف حلق كما مرّ والجلب بالإهمال والإعجام بمعنى المجلوب. قوله: (فانظروا الخ (إشارة إلى أنه وقع جوابا بتأويله بما ذكر لأنه هو المسبب عن الشرط وهو إنما ذكر للنظر فيه بعين الاعتبار فما ذكر دليل الجزاء أو جزاء لتأويله بما ذكر وأما

ص: 281

تقديراً خبركم وأعلمكم فلا يتم إفادته والتئامه بدون ملاحظة ما ذكر ويزيح بزاي معجمة وحاء مهملة بمعنى يزيل ريبكم وفي نسخة عللكم وفي تنكير ريب وإيراد أن إشارة إلى أنه ليس مما ينبغي الريب فيه. قوله: (إذ خلق آدم الخ) فهو مبدأ بعيد وخلق الأغذية منه لأنه أعظم أجزائه. وقوله: منيئ تفسير لنطفة وهي من النطف بمعنى التقاطر.

وقوله: مسوّاة بالتشديد وفسرها بقوله: لا نقص فيها ولا عيب أي في ابتداء خلقها إلا باعتبار المآل. وقوله: أو تامة المراد تامة مدة حملها وليس تحريفا عن ثابتة كما قيل وقوله أو مصوّرة وغير مصوّرة رجحه بعضهم لأنه المشهور فيه. قال الراغب: الخلق والخلق في الأصل واحد كالشرب والشرب لكن خص الخلق بالهيآت والأشكال والصور المدركة بالبصر والخلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة فما قيل إنه يأباه ظاهر الآية المشعر بالتقسيم ليس بشيء لأنه لا فرق بينه وبين وما قبله مآلاً فتدبر. قوله: (قدرتئا وحكمتنا (القدرة ثابتة بأصل الخلق والحكمة بالتدريج وقوله: وانّ ما قبل التغير أي من طور إلى آخر والفساد وهو زوال الصورة الأولى والتكوّن مع صورة أخرى قبلها مرة أخرى فلا وجه لإنكار البعث والإحياء لما كان رميما باليا كما زعموه وإلا لانقلب الإمكان الذاني إلى الامتناع الذاتي. وقوله: وأن من قدر الخ إشارة إلى عدم التمانع لعدم تناهي القدرة والمفعول المحذوف مفعول نبين وأن نقره مفعول نشاء وأدناه أقله وأقصاه أكثره وهذا على مذهب الشافعية وعندنا أكثره سنتان- وقوله: وقرئ الخ هو على قراءة الرفع مستأنف- وقوله: مدرجا بصيغة المفعول والفاعل وقوله تبيين القدرة لم يذكر الحكمة لدلالة الغرض عليها لأنه عبارة عن الحكم والمصالح المترتبة على أفعاله إذ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض! بالمعنى المعروف لا للاكتفاء ولا لبيان أن الفقصود الأصلي هنا بيان القدرة. قوله: (مدرجا لغرضين الخ (فيه إشارة إلى دفع ما قاله ابن الحاجب من أنّ فقرّ يتعذر نصبه إذ لو نصب كان معطوفا على نبين فيكون داخلا في تعليل وسببية قوله: خلقناكم الخ وخلقهم من تراب وما تلاه لا يصلح سببا للإقرار في الأرحام. بأن المعنى خلقناكم مدرجين لغرضين الخ والغرض في الحقيقة الأخير كما سيأتي لكن لما كان الإقرار وما يليه من مقدماته أدخل في التعليل ولذا قيل قراءة الرفع مشكلة وقراءة النصب أوضح منها. قوله: (حتى يولدوا (بيان لحكمة قرارهم فيه على ما جرت به العادة الإلهية- وقوله: ونقز بالضم أي قرئ بضم القاف وهذا مأخوذ في الأصل من القرّ وهو البرد قال

الراغب: قررت القدر أقرها صببت فيها ماء بارداً واسم ذلك الماء القرارة انتهى. قوله: (أجريت) أي مجرى الجمع لوقوعها موقعه لأنها حال من ضمير المخاطيين الجمع مع أنها مفردة إما بتأويل صاحبها بنخرج كل واحد منكم أو لأنّ المراد به جنسه الصادق على الكثير أو لأنه مصدر فيستوي فيه الواحد وغيره حقيقة كما قاله المبرد أو لأنّ المراد به طفلا طفلا فاختصر كما نقله في الأشباه النحوية وان كان الظاهر أن يقال أطفالاً. قوله: (ثم لتبلغوا أشدكم) أعاد فيه اللام وان صح عطفه على ما قبله على قراءة النصب إشارة إلى أنّ المقصود الأصلي من خلقهم أطواراً البلوغ إلى حد من التكليف ينالون به المفازة وقال الطيبي إن معلله محذوف أي كان ذلك الإقرار والإخراج لتبلغوا إلى هذه الحال التي هي أشرف الأحوال لأنها المقصودة من الإخراج من ظلمات العدم إلى أنوار الوجود وفيه كلام لطيف في الكشف. وثم للتراخي الرتبي أو الزماني وقوله: جمع شدّة في القاموس أشدّه ويضم أوّله. بمعنى قوّة وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين واحد جاء على بناء الجمع كأنك ولا نظير لهما أو جمع لا واحد له من لفظه أو جمع شدة بالكسر مع أن فعلة لا تجمع على أفعل أي قياسا فلا يخالفه قوله: إن أنعم جمع نعمة وقد قيل إنه جمع نعم بالضم أيضا أو جمع شد ككلب أو شد كذئب وما هما بمسموعين بل قياس وإذا كان جمعا فهو من مقابلة الجمع بالجمع أو لأنّ ذلك السن فيه قوّة العقل والأعضاء. قوله: (ومنكم من يتوفى عند بلوغ الأشدّ) استيفاء لبيان أقسام الإخراج من الرحم كما استوفى أقسام الأولى وافادة مقارنته لحال الأشد وكونها عنده بجعل هذه الجلة حالية ومن صيغة المضارع وأما كونها قبله أو بعده إلى ما دون أرذل

ص: 282

العمر فلأنّ الثاني يدخل في كونه عند الأشد لأنه في حكمه لبقاء أثره من القوّة والأوّل يؤخذ من الانحوى والقرائن الخارجية وأنه مسوق لبيان استيفاء الأقسام وضمير قبله لبلوغ الأشد، وقيل إنه لبلوغ أرذل العمر بقرينة ما بعده فتأمل. قوله:(وقرئ يتوفى) أي بفتح الياء وصيغة المعلوم وفاعله ضمير الله ففيه التفات ومفعوله محذوف على ما ذكره المصنف رحمه الله، ويجوز كون الضمير المستتر لمن والمعنى أنه يستوفي مدة عمره وهو كناية عن الموت كما ذكره السكاكي في توجيه قراءة عليّ كما مرّ والأرذل الأردأ والأدنى وفسره بما ذكر لأن أردأ العمر ما لا يتم فيه الإدراك من حيث المعنى وما لا يتم فيه القوى وهو صادق بسن الطفولية والهرم والرد يقتضي أنّ المراد ردّ. إلى الأول أي إلى ما يماثله فيما ذكر كما أشار إليه بقوله ليعود الخ وبه يتأيد الاستدلال والخرف فساد العقل من الكبر وتنكير شيئاً في سياق النفي للاستغراق واذا

أنكر ما عرفه ونسي ما علمه فهم أنه لا يعلم غيره فلا يقال إنّ الأولى إبقاؤه على ظاهره واللام هنا لام العاقبة. قوله: (استدلال ثان الخ (يعني قوله ثم نخرجكم طفلا الخ بقرينة قوله: أسنانه جمع سن وهو مقدار مدة العمر بعد الولادة وقوله بعده وتحويله الخ لا من قوله ونقز في الأرحام الخ لأنه توطئة لما بعده فإنّ الظاهر أنه من الدليل الأول، وقوله فإنّ الخ بيان لوجه الاستدلال بأمور الآفاق التي تشاهد فإنّ الإنسان ينظر ما هو خارج عنه غالباً والأوّلان بأمور الأنفس وقيل إنه للدلالة على امتيازه عنهما فإنّ الأول غير مشاهد والثاني مثاهد لكنه ليس مثل هذا في الظهور وقوله: وكونها مشاهدة ملائم للأوّل وهو صريح في أن رأى بصرية لا علمية كما قيل، وقوله: من همدت النار يشير إلى أنه استعارة ويابسة تفسير لقوله ميتة، وقوله: تحرّكت بالنبات أي تحزكت في رأي العين بسبب حركة النبات ولو قال تحرّك نباتها لأنه إسناد مجازي كان أظهر، وقيل المراد الحركة في الكيف ولا يخفى بعده، وقوله: وانتفخت بالخاء المعجمة تفسير لربت أي علت لما يتداخلها من الماء ويعلو من نباتها، والزوج هنا بمعنى الصنف لا بمعناه المعروف، وقوله: رائق أي حسن المنظر وقوله إلى ما ذكر توجيه لإفراد ذلك ومن الخ بيان لما، والأطوار من قوله من نطفة الخ والأحوال من قوله طفلا الخ، وقوله: وهو أي لفظ ذلك. قوله: (أي بسبب أنه الثابت الخ (يعني أن الباء هنا للسببية وأن الحق بمعنى الثابت المتحقق وإنما قال في نفسه بمعنى أنه واجب الوجود لا يستند إلى شيء بل جميع الأشياء مستندة إليه لأن ضمير الفصل يفيد الحصر وهو إنما يتأتى إذا فسر بما ذكر والظاهر ما ذكره بعض شراح الكشات من أن ذلك إشارة إلى البعث المستدل عليه بما سبق أي البعث الثابت بحقية الله واحيائه لا ما قيل إنّ الأنسب بكون المقصود نفي الريب أن يكون التقدير ذلك المذكور مشعر بأن الله هو الحق المحيي للموتى القدير مطلقا لتكلفه وبعده، وقوله: الذي به تتحقق الأشياء توطئة لما بعده أو أنه لما حصر الوجود الذإتي فيه تعالى علم منه أن غيره لا يتحقق إلا به. قوله: (وأنه يقدر على إحيائها (كذا وقع في بعض النسخ يخما بعده تعليل له وسقط من بعضها فيكون أبقاه على ظاهره ولم يؤوّله بالقدرة عليه كما في الكشاف والموت على تفسيره مجاز شامل للإنبات واخراج الولد من النطفة وإنما عممه

ليشتد التئامه بما قبله، وقوله: لأنّ قدرته الخ تعليل لعموم القدرة بأنها ذاتية وذاته نسبة الأشياء إليها على حد سواء فلا تختص قدرته بشيء دون شيء ولما شوهد إحياء بعض الأموات علم قدرته على ما سوى ذلك من الممكنات وإنما خص الأحياء لأنّ الكلام فيه. قوله: (وأن الساعة آتية الخ (في الكشاف بعد ما فسر ذلك بما مرّ تفسيره بأنّ الله هو الحق أي الثابت الموجود وأنه قادر على إحياء الموتى وعلى كل مقدور وأنه حكيم لا يخلف ميعاده وقد وعد الساعة والبعث فلا بد أن يفي بما وعد اص. د! انما أوّله بذلك ليتضح التشبيه في هذا، ولذا قيل إن جعل الإشارة إلى المذكور من الخلق وأن حصوله بسبب أن الله هو الحق الثابت الوجود وأنه قادر على إحياء الموتى على كل مقدور فإنه حكيم لا يخلف ميعاده لأن الإتيان بالساعة وبعث من في القبور من روادف الحكمة فأريد به أنه

ص: 283

حكيم لما في الكناية من النكتة لا سيما والكلام للدفع في نحو منكري البعث انتهى. وقيل: إنّ الظاهر من تصذي المصنف لتعليل الجملتين إنه حملهما على ظاهرهما ولم يحتج إلى الكناية لأنّ معناها الوضعي لا يقصد بنفي ولا إثبات ولا يحتمل الكلام الصدق والكذب باعتباره، إذ القصد إلى لازمه، فحينئذ تعين أن الجملتين غير معطوفتين على ما قبلهما بل خبر مبتدأ مقدر أي والأمر والشأن أنّ الساعة الخ إلا أن يعمّ السبب السبب الغائي اص. ولا يخفى أنّ ما ذكره من التقدير ليس في النظم مقتض له ولا في كلام المصنف إشارة إليه ولا يكون مثله بسلامة الأمير والغائية تكون باللام دون الباء ولو سلم فالتعميم أمر غير مستقيم لذي ذوق سليم، وقد أشار في الكشاف إلى التعليل أيضا في الجملة مع أنه محمول على الكناية عندهم وما ذكره في الكناية غير مسلم عند بعض علماء المعاني فالحق أنه لا خلاف بين الشيخين هنا وصاحب الكشاف أيضا لم يجعله كناية! انما ذكر الحكمة لأن أفعاله تعالى كلها لا تنفك عنها ولو كان تغيرهم من حال بعد خلقهم ثم إماتتهم لا يعقبها جزاء ولا إعادة كان ذلك منافيا للحكمة، والداعي إلى هذا التكلف ظن أنّ ما يذكر في حيز السببية لا بد من كونه سبباً أو جزاء منه فإنه قد يذكره معه ما يلائمه أو يترتب عليه كما إذا قلت عاقبت المسيء بجنايته، وقدرتي عليه وعلمي بما يترتب على ما فعلت فقد أزيل استبعادهم بتذكير ابتداء الفطرة، والتنبيه على كمال قدرته وعلمه كما في شرح المقاصد فتدبر. قوله: (فإنّ التغير الخ (الساعة في عرف الشرع يوم القيامة وهي مغايرة للبعث فأشار إلى أنّ دخله في السببية باعتبار أنّ تغير أطوارهم دليل على فنائهم وزوال الدنيا حتى يعقبها القيامة لأن المراد بالساعة هنا فناء العالم بالكلية حتى لا يتكرر مع البعث كما قيل والانصرام الانقطاع والزوال. وقوله: بمقتضى وعده متعلق بالبعث ويحتمل تعليقه بما قبله

أيضا. قوله: (تكرير للتكيد) كما كرّر كثير من القصص في القرآن له فالمجادل بغير علم ولا هدى والمجادل المتبع لمن ذكر واحد وكلاهما في النضر كما مرّ في سبب النزول أو أنه لا تكرار وان كان هذا في حقه أيضا لتغاير أوصافه فيهما، أو الأوّل في المقلدين بكسر اللام لقوله: ويتغ الخ فالشيطان شيطان أنسيّ، وهذا في المقلدين بفتحها لقوله: ليضل الخ قال: في الكشف وهو أظهر وأوفق بالمقام. قوله: (والمراد بالعلم العلم الفطري) أي الطبيعي الناشئ من سلامة الفطرة أو الضروري فيكون ما بعده إشارة إلى الكسبي لئلا يلزم التكرار بحسب المآل، وان كان هذا مما لا حاجة إليه لظهور التغاير والاستدلال ناظر إلى الهدي والوحي إلى الكتاب. وقوله: أو معرضا بحسب الظاهر أنه كناية أيضا لأنّ المراد عدم القبول والعطف الجانب. قوله: (على أن إعراضه عن الهدى المتمكن منه الخ) جواب عما يخطر بالبال من أنه لم يكن مهتديا حتى يقال يضل بصيغة المضارع ولم يكن غرضه من الجدال الضلال. فدفع بأنه جعل تمكنه من الهدى كالهدي لكونه هدي بالقوّة، ويجوز أن يراد يخستمم! على الضلال أو ليزيد ضلاله أو يجعل ضلاله الأوّل، كالإضلال وأنه كالغرض! له لكونه مآله فاللام للعاقبة فإن قلت هذا السؤال لا يختص بقراءة الفتح قلت هو عليه أظهر وقد قيل: إنه ليس المراد تخصيصه به وقوله الضلال يشمل ضلال نفسه وضلال غيره وفيه نظر، والمتمكن بصيغة الفاعل أو المفعول وما أصابه يوم بدر القتل- وقوله: أو إرادة القول والجملة حالية واقترف بمعنى اكتسب- وقوله: إنما هو مجاز مأخوذ منه بقرينة ما قبله. قوله: (والميالغة لكثرة العبيد) يعني أن نفي المبالغة لا يقتضي نفي أصل الفعل ومطلق الظلم منفيّ عنه فدفعه بأنه لكثرة العبيد والمخلوقين وفيه نظر لأنه لا يلزم من نفي ظلم كثير من العباد نفي ظلم بعضهم، وقيل إنّ الظلم القليل لو صدر منه كان عظيما كما يقال حسنات الأبرار سيئات المقرّبين، وقيل: يجوز أن تعتبر المبالغة بعد النفي فيكون مبالغة في النفي لا نفياً للمبالغة وفيه

نظر لأنه ليس مثل القيد المنفصل الذي يجوز اعتبار تأخره وتقدمه كما قالوه في القيود الواقعة مع المنفيّ. وجعله قيداً في التقدير لأنه بمعنى ما هو بذي ظلم عظيم تكلف لا نظير له فتدبر. قوله: (على طرف الخ (ظاهر قوله: كالذي الخ أنه استعارة ولذا قيل إن قوله: طرف من الدين بيان للمعنى المجازيمما وقوله: فإن أصابه الخ بيان لوجه الشبه

ص: 284

على طريق التفسير له. وقوله: قرّ بمعنى ثبت على حاله وقوله: لإثبات له فيه أي في الدين تفسير لكونه على طرف دينه وعدم الثبات صادق بالرذة والتشكك لأنه مقابل للاطمئنان فلا مخالفة بينه وبين قوله فإن أصابه الخ كما توهم، ونتجت مجهول بمعنى ولدت، وسويا بمعنى كريما نفيسا وأعاريب جمع إعراب فهو جمع الجمع وسويا بمعنى تام الخلقة واطمأنّ بمعنى ثبت هو أو قلبه، وقوله: أقلني أي من بيعة الإسلام واعفني منه وهذا سبب النزول لكن قال ابن حجر: إنه حديث ضعيف، ومعنى انقلب على وجهه رجع سريعاً إلى جهة أخرى فهو مجاز، وقيل: معناه أسرع مستوليا على الجهة التي تواجهه غير ملتفت وهو كناية عن الهزيمة، وقيل هو هنا عبارة عن القلق لأنه في مقابلة اطمأن.

قوله: (خسر الدنيا والآخرة (مستأنف أو بدل من انقلب أو حال مؤكدة من فاعله بتقدير

قد، وقوله: بذهاب عصمته وحبوط عمله بيان لخسرانه الدنيوي، ولم يفسره بالمصيبة السابقة كما في الكشاف لتبادره من السياق لأن مصائب الدنيا لا تعد خسرانا لها ما لم تقترن بترك التسليم للقضاء وما ذكره شامل لها لأن ذهاب عصمته في ماله ونفسه. وأهله مع أنه أشد خسرانا فيها فما قيل إن ما في الكشاف هو الأظهر ليس بشيء وما ذكره المصنف رحمه الله هو المناسب للحصر المستفاد من قوله: ذلك هو الخسران فتأمل. قوله: (بالنصب على الحال)

لأن إضافته لفظية فهو نكرة، وقوله: على الفاعلية أي لا نقلب وفيه وضع الظاهر موضع المضمر حينئذ لأن مقتضى الظاهر أن يكون فاعله ضمير من فعدل ليفيد تعليل انقلابه بخسرانه، وقيل إنه من التجريد ففيه مبالغة ولذا قال الزمخشري أنه وجه سن، وقوله: تنصيصا على خسرانه أي على خسران المنقلب، وهو على الفاعلية أظهر فيه وأبلغ فلا يتوهم أته منصوص عليه مطلقآ، وقوله: خبر مبتدأ أي هو، وقوله: يعيد تفسير ليدعو كما مرّ، وقوله: بنفسه إشارة إلى أنه في عبادته ضرر وهو ظاهر بخلاف عدم نفعه ولذا أطلقه. قوله: (عن المقصد) إشارة إلى أنه من ضل في الطريق وتوطئة لما بعده وهو توله: مستعار أي من الضلال بمعنى فقد الطريق الحسيّ والمستعار منه ضلال من أبعد في التيه ضالاً فطالت وبعدت مسافة ضلاله فصح وصفه بالبعد لكنه أسند إليه مجازاً، وهذه استعارة تصريحية، وقيل إنها مكنية. قوله: (بكونه معبودا (أي الضرر المثبت بطريق التسبب والمنفيّ قدرته على الضرر بنفسه، كما أشار إليه بقوله بنفسه أولا، وعبر بما إذ نفى الضرّ والنفع لأنها لا تعقل، وعبر عنها بمن إذ أثبت لها الضرّ لأنه من شأنه أن يصدر عن العقلاء، وقوله لأنه الخ بيان لما تسبب له. قوله: (الذي يتوقع بعبادته وهو الشفاعة (إشارة إلى توجيه ما في النظم من أنه نفي عنه النفع أوّلاً وكون ضرّه أقرب من نفعه يقتضي ثبوت النفع له وهما متنافيان، فدفع التنافي بأن النفي باعتبار ما في نفس الأمر والإثبات باعتبار زعمهم الباطل فلا تنافي. قوله: (واللام معلقة ليدعو الخ (قد ذكر في توجيهه أكثر من عشرة أوجه، منها ما ذكره المصنف والظاهر أنه تسمح في العبارة لأن مراده أنه ضمن معنى يزعم وهي ملحقة بأفعال القلوب لكونها قولاً مع اعتقاد فلذا جاز فيها التعليق وإليه أشار بقوله: والزعم الخ ولا غبار فيه كما توهم، أو أن يدعو لما كان بمعنى يقول حكيت بعدها هذه الجملة، فاللام على الوجهين ابتدائية وقد رد بعضهم هذا بأن الكافر لا يقول هذا ولا يزعمه لأنه لا يعتقد فيها ضررا في الدنيا ولا نفعا في الآخرة، ويرذه أنه عليه خبر من المبتدا مقدر وهو إله أو إلهي، والمنكر عليهم قولهم أو زعمهم أنه إله وذكر أن ضرّه أقرب من نفعه تهكم بهم فلا يأبى كونه بمعنى يقول لفظ أقرب كما قيل، وأمّا توجيهه بأنّ المعنى من نفعه الذي كان متوقعاً كما ذكره المصنف رحمه الله فليس بتاتم لما عرفت، وقوله: بدعاء وصراخ إشارة إلى وجه اختيار الدعاء على القول. قوله: (أو مستأنفة الخ (فيدعو الثانية تأكيد للأولى، وما بينهما

اعتراض مؤكد أيضا لكنه بعيد كما في المغني لوجهين الفصل والتأكيد ولبئس جملة قسمية وقعت خبراً لمن الموصولة وهذا على الوجهين الأخيرين وفيه إشارة إلى ما قرره النحاة من أن الخبر معنى هو الجواب لا المجموع فلا تسمح فيه كما قيل وتفصيله في المغني وشروحه، وقوله: مستأنفة بصيغة المفعول وهو إمّا منصوب

ص: 285

معطوف على مقولاً أو هو مرفوع خبر مبتدا محذوف أي أو هي جملة مستأنفة، وأمّا عطفه على معلقة وكونه بصيغة الفاعل على الإسناد المجازي فتكلف بارد. قوله:(من إثابته الموحد الخ) ما ذكره معنى الآية بقرينة ذكر هؤلاء واثابتهم بعد ذكر المشركين وخسرانهم. قوله: (كلام فيه اختصار (وايجاز حذف لأنّ المجادلة والكلام معه وهو كعلم لا يخفى. وإذا فسر الرزق بمعنى النصر من قولهم: أرض! منصورة بمعنى مستقية ممطورة فالمعنى من كان يظن إنه لم يرزق والغرض الحث على الرضا بما قسم الله لا كمن يعبد الله على حرف وهو تحذير المؤمنين عن حال هؤلاء والضمير على الأوّل للرسولءش! وعلى هذا لمن ومرضه لبعده وعدم ملايمته لما بعده. وقوله: من غيظه بقرينة ما بعده لأنّ الاحتيال في ذهاب الغيظ يقتضي سبقه ففيه إيجاز أيضا. قوله: (فليستقص) أي يبالغ لأن المبالغ في أمر يبلغ أقصاه، والجزع التضجر وعدم الصبر وازالة الغيظ على المعنى الأوّل للنصر والجزع على الثاني. والممتلئ غضبا بمعنى الشديد غضبه فهو استعارة وجزعا تمييز. وقوله: سماء بيته أي سقفه والسماء ما ارتفع. وقوله: فيختنق هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله: يقطع ومفعوله محذوف أي نفسه بفتحتين أو أجله كما قدره الراغب ثم إنه ترك نسيا منسياً فصار بمعنى اختنق لازم خنقه وهو أي قطع النفس كناية عن الاختناق. قوله: (إلى سماء الدنيا (فالسماء بمعناها المعروف والقطع بمعنى قطع المسافة سيرا أو صعوداً وعنانه بفتح العين على المشهور وهو المصزج به في الصحاح قال كأنه جمع عنن في الأصل وهو وجه السماء وطرفها والكسر فيه عاقي. وقال: في القاموس إنه بالكسر وفي المصباج عنان كسحاب لفظا ومعنى واحد. عنانة وضمير عنانه للسماء ذكره لتأويله بما علا. قوله: (في دفع نصره الف ونشر على تفسيري النصر. وقوله: بكسر اللام أي لام الأمر وتسكن وبه قرأ غير هؤلاء، وقوله: فليتصوّر في نفسه أي فليتأمّل وأوّله لأنه بعد الاختناق لا يتصوّر منه النظر فيكون هذا

سابقا على ما قبله فالتعقيب فيه رتبيئ كما قيل أو في الأخبار ويجوز أن يكون المأمور غيره ممن يصح منه النظر أو هو على التهكم. قوله: (وسماه على الأوّل) من تفسيري فاليقطع بالاختناق لأنّ الكائد إذا كاد أتى بغاية ما يقدر عليه فأطلق على فعله هذا كيدا على التشبيه به أو أنه لما أراد الكيد ولم يقدر عليه وضع هذا موضعه أو على سبيل الاستهزاء والتهكم، وأما على الثاني فلا يظهر وجهه كما في شروح الثشاف فإنما خصه لأنه الراجح عنده لا لأن الكيد فيه حقيقة كما توهم. قوله:(غيظه الخ (يعني ما مصدرية أو موصولة. وقوله: من نصر الله على المعنيين. وقوله: وقيل الخ مرضه لأنّ مثل هذا الظن لا يليق بالمسلمين ظاهرا ولذا قيل إنه حينئذ استعارة تمثيلية والأمر للتخيير وعلى الأوّل كناية عن شدة الغيظ والأمر للإهانة والمعنى من استبطأ نصر الله وطلبه عاجلا فليقتلى نفسه لأن له وقتا له يقع إلا فيه. قوله: (ومثل ذلك الإنزال الخ (الإنزال إمّا إنزال الآيات السابقة أو هو المذكور بعده كما مرّ تحقيقه وقوله: ولأن الله يهدي الخ إشارة إلى حد الوجوه فيه وهو أنه حذف منه اللام وفي محله القولان ومتعلقه محذوف يقدر مؤخراً. كما أشار إليه التقديم للحصر الإضافي، وقيل إنه معطوف على محل مفعول أنزلناه وقيل إنه في محل رفع خبر مبتدأ مقدر أي الأمر أن الله يهدي من يريد. وقوله: يهدي به أي بالقرآن فمتعلقه مقدر أو المراد يثبت على الهداية كما يفيده استمرار المضارع. وقوله: هدايته أو ثباته على الوجهين. وقوله: المشركين هم عبدة الأوثان وغيرهم كالملائكة ولا وجه لتخصيصه فتأمّل. قوله: (وإظهار المحق) عطف تفسيري لأنه لا خصومة بينهم تفصل. وقوله: ما يليق به الظاهر بما يليق لكنه منه معنى يعطي. وقوله: المحل المعد له إشارة إلى أن الفصل بالأماكن. قوله: (وإنما دخلت الخ) يعني أن إن الثانية واسمها وخبرها خبر الأولى أي أن الذين الخ وأدخلت إن على كل واحد من جزأي الجملة لزيادة التأكيد كقوله:

إن الخليفة إن الله سربله سربال ملك به ترجى الخواتيم

قاله المعرب وفيه وجوه أخر. قوله: (يتسخر لقدرته الخ) يعني أن السجود مستعار من

معناه

ص: 286

المتعارف لمطاوعته الأشياء فيما يحدث فيها من أفعاله. ووجه الشبه الحصول على وفق الإرادة من غير امتناع منها فيهما ويجوز أن يكون مجازا مرسلا من استعمال المقيد في المطلق والأوّل أولى وما قيل إنّ الظاهر من تعلق المجوزين لعموم المشترك بهذه الآية كما ذكره الأصوليون كون لفظ السجود حقيقة في معنى التسخير والانقياد أيضا وهذا غفلة عما حققه الراغب وغيره من أهل اللغة من أنّ حقيقته في أصل اللغة التطأمن والتذلل والانقياد، وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد، وهو ضربان سجود باختيار يستحق به الثواب وهو مخصوص بالإنسان وسجود تسخير وهو عام له ولغيره ثم اختص في عرف اللغة والشرع بمعناه المعروف فله حقيقة لغوية وعرفية فما في الأصول باعتبار الأوّل وغيره باعتبار الثاني والنظر إليه لتبادره. قوله:(أو يدلّ بذله على عظمة مدبره (معطوف على قوله يتسخر والمراد أنه مجاز عن انقياده له أو عن دلالة لسان حاله بذلة احتياجه وافتقاره على صانعه وعظمته على حذ قوله: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) كما مرّ. وقوله ومن الخ أي يجوز إبقاؤه على ظاهره فما عطف عليه مغاير ويجوز تعميمه تغليبا ويكون ما بعده على الأوّل المراد به جميع مخلوقاته وتعبيره بيجوز إشارة إلى أنه خلاف الظاهر لما فيه من المجاز وعطف الخاص على العام واستبعاد تسخيرها أو تذللها بحسب الظاهر في بادئ النظر القاصر. قوله: (وقرئ والدواب الخ (قال ابن جني في المحتسب هي قراءة الزهري ولا أعلم من خففها سواه وهو قليل ضعيف قياسا وسماعا لأن التقاء الساكنين على حده وعذره كراهة التضعيف ولذا قالوا في ظللت ظلت وقالوا: جان بالتخفيف وذكر له نظائر كثيرة. قوله: (عطف عليها (أي على المذكورات قبله وقوله: إن جوّز أعمال الخ المراد بأعماله جعله دالاً على معنييه الحقيقيين أو الحقيقي والمجازي على القول بجواز استعمال المشترك في معنييه أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه كما ذهب إليه بعض أهل الأصول من الشافعية وفي متعلقة بأعمال كما يقال أعملت القدوم في الخشب فهي ظرفية لا سببية كما قيل وإسناده إلى الأوّل باعتبار التسخير أو التذليل وإلى كثير باعتبار سجود الطاعة المعروف. قوله: (فإنّ تخصيص الكثير (يعني لو كان السجود المسند إليه بمعنى التسخير وقرينه وهو عام لجميع الناس كان ذكر كثير لا يليق فلا بد من حمله على معناه الخاص ليقع من كثير منهم دون غيرهم كما هو الظاهر. وما قيل إنه يجوز أن يجعل التخصيص للدلالة على شرفهم والتنويه بهم واحتمال إرادة الانقياد اللائق بهم كما في التوضيح أو إرادة الطاعة للأوامر التكليفية أو التكوينية كما وردت وهو يختلف في العقلاء وغيرهم قيل إنه لا يوجد في جميع

الجن مع اندراجه تحت عموم من فكلام واه لأنه كيف يتأتى التنويه وقد قرن به غير العقلاء كالدواب وأمّا التخصيص المذكور فلا قرينة عليه، وكون الجن غير مكلفين خلاف القول الأصح. قوله:(دل عليه خبر) وهو إشارة إلى كثرة الفريقين فلا يتوهم أنه كان ينبغي مقابلته بالقليل. وقوله: سجود طاعة يعني أنّ السجود المقدر غير السجود المذكور فإن قلت هذا يخالف ما في المغني من أن شرط الدليل اللفظي على المحذوف أن يكون طبقه لفظاً ومعنى أو معنى لا لفظاً فقط فلا يجوز زيد ضارب وعمرو على أنّ خبر الثاني محذوف وهو ضارب من الضرب في الأرض! أي مسافر والمذكور بمعناه المعروف وهو الإيلام قلت: هذا غير مسلم لما ذكره النحاة من أنّ المقدر يكون لازما للمذكور نحو زيداً ضربت غلامه، أي أهنت زيداً ولا يكون مشتركا لمثال المذكور إلا أن يكون بينهما ملائمة فيصح إذا اتحدا لفظا وكان من المشترك وبينهما ملازمة تدل على المقدر، ولذا لم يصح المثال المذكور. قوله:(بكفره وآبائه) قدره لدلالة ما قبله عليه. وقوله تكريراً للأوّل لا يخفى ما فيه لأنه إن جعل التكبير للتأكيد مع العاطف وحق خبر الأوّل كما قيل فهو ركيك وان جعل تكريراً لفظا لا معنى كان المراد بالثاني غير المراد بالأوّل ولذا دلّ على كثرة المحقوقين كما قيل فلا تكرار فيه لأنه كقولك أو من قوم وقوم، ويدفع بأن التكرير بحسب اللفظ وهو قد يفيد التكثير والمبالغة كقولك عندي ألف وألف أي ألوف كثير قال:

لو عد قبر وقبر كنت أكرمهم

ص: 287

وهو شائع في كلامهم فالخبر عنهما لا عن الأوّل كما توهم كذا. أفاده المعرب والمحقوقين بمعنى المستحقين. قوله: (وأن يعطف به (كان الظاهر ترك قوله: به وإن أوّل بمعنى يؤتى به معطوفاً أو بالواو أي يجعل معطوفا على من والسجود بالمعنيين الأولين على ما مرّ وحينئذ ينبغي تقدير وصف للاوّل بقرينة مقابله أي حق له الثواب ومن الناس صفة أيضا للإشارة إلى أن ما عداهم ليسوا بمثابين فلا يرد عليه أنه لا وجه لذكر قوله: وكثير من الناس وأمّا عطفه على قوله وكثير من الناس للإشارة إلى ما ذكر فهو كقوله: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ما كنا في أصحاب السعير} [سورة الملك، الآية: 0 ا] فمع ابتنائه على قول مرجوح لا يخفى تكلفه. وقوله: بما بعده أي حق الذي كان خبراً وحق بمعنى تقرر وثبت. وقوله: وحقا بإضمار فعله أي حق حقا على أنه مصدر مؤكد لمعنى الجملة. قوله: (بالفتح (أي بفتح الراء

على أنه مصدر ميمي لا اسم مفعول بمعنى المضدر كما قيل وقله من الإكرام والإهانة خصهما بمقتضى السياق. وقيل: لأولى تفسيره بمن الأشياء التي من جملتها الإكرام والإهانة لأن ما من ألفاظ العموم ولكل وجهة. قوله: (أي فوجان مختصمان (قيل الخصم في الأصل مصدر ولذا يوحد وينكر غالبا وششوي فيه الواحد المذكر وغيره كقوله تعالى نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب فلما كان كل خصم فريقا يجمع طائفة قال اختصموا بصيغة الجمع كقوله: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [سورة الحجرات، الآية: 19] فالجمع لمراعاة المعنى وقرأ ابن أبي عبلة. اختصما مراعاة للفظ وقال الزمخشري: الخصم صفة وصف بها الفوج أو الفريق فكأنه قيل هذان فوجان أو فريقان مختصمان. وقوله: هذان للفظ واختصموا للمعنى كقوله ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا، ولو قيل اختصما صح، واعترض بأن إن أراد أنه صفة حقيقة فخطأ لتصريحهم بأن التوصيف به كرجل عدل فإن أراد هذا فليس نظير ما ذكره وليس بشيء عند التحقيق وكلام المصنف رحمه الله محتمل للوجهين. فقوله: ولذلك أي لكون الخصمين بمعنى الفوجين من المؤمنين والكافرين. وقوله: ولو عكس أي قيل هؤلاء خصمان اختصما جاز لأنه عبارة عن الفريقين لا لو قيل خصوم أو خصماء. قوله: (وقيل تخاصمت الخ (مرضه لأن الخصام ليس في الله بل في أيهما أقرب من الله وقيل إنه عام وما ذكر من التخصيص لا دليل عليه ولا يخفى أن خصوص السبب لا ينافي العموم مع أن اسم الإشارة يقتضي عدم عمومه فالظاهر أن تمريضه لأنه لم يصح عنده كونه سبب النزول وما بعده من الجواب غير موافق له إلا بتأويل فتأمّل. قوله: (وهو المعئى (بصيغة المفعول وكونه جوابا كما تدل عليه الفاء لا ينافي قوله يوم القيامة لأنه ظرف لتحققه وظهوره فلا ينافي ذكره في الدنيا كما قيل وفي هذه الآية من البديع الجمع والتقسيم. قوله: (قدّرت لهم على مقادير جثتهم (بالإفراد وهي البدن أو هو جمع جثة بثاءين مثلثتين، وهو أظهر وهذا بيان لحقيقته لأن الثياب الجدد تقطع وتفصل على مقدار بدن من يلبسها واللباس محيط به والتقطيع مجاز بذكر المسبب وهو التقطيع وارادة السبب وهو التقدير والتخمين والظاهر أنه بعد ذلك جعل تقطيعها استعارة تمثيلية تهكمية شبه إعداد النار المحيطة بهم بتفصيل ثياب لهم كما قيل:

قوم إذا غسلوا الثياب رأيتهم لبسوا البيوت وزرّروا الأبوابا

قوله: (نيران تحيط بهم إحاطة الثياب) ظاهره أنه تشبيه بليغ بجعل النيران كالثياب في الإحاطة والتشبيه على طريق التجريد لكنه ينبغي أن يحمل على الاستعارة كما مرّ وجمع الثياب لأن النار لتراكمها عليهم كالثياب الملبوس بعضها فوق بعض وهذا أبلغ من جعله من مقابلة الجمع بالجمع فيكون لكل نار وان احتملهما كلامه. والتعبير بالماضي لأنه بمعنى إعدادها وتهيئتها لهم ولذا لم يقل ألبسوا وهو قد وقع بخلاف ما بعده فليس من التعبير بالماضي لتحققه كما قيل والحال فيه مقدرة. قوله تعالى: ( {مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} ) هو معطوف على ما قيل وتأخره عنه إمّا لمراعاة الفاصلة أو للإشعار بغاية الحرارة بإيهام أق تأثيرها في الباطن أقدم من تأثيرها في الظاهر مع أنه على العكس، وقيل إن التأثير في الظاهر

ص: 288

ظاهر غنيئ عن البيان وإنما ذكر للإشارة إلى تساويهما ولذا قدم الباطن لأنه المقصود الأهم فلا يتوهم أن حق النظم تقديم الجلود. قوله: (يؤثر من فرط حرارته الخ (التأثر في الظاهر والباطن مأخوذ من البطون والجلود والإذابة معنى الإصهار كما ذكره أهل اللغة لأنه يقال أصهرت الشحم إذا أنبته والجملة حال أو مستأنفة. وقوله: بالتشديد المراد به تشديد الهاء وضمير لهم للكفرة وكونه للزبانية بعيد واللام للاستحقاق أو للفائدة تهكما بهم والمقمعة بكسر الميم الأولى اسم آلة من القمع. وقوله: من النار إشارة إلى أن كونه للثياب ركيك وان كان مآلهما واحداً. وقوله: من غمومها إشارة إلى عموم النكرة لأنّ التنوين للتكثير وذكر الضمير إشارة إلى أنه مقدر لأنه لا بد منه في البدل. ويجوز كون من تعليلية فيتعلق بيخرجوا وعلى البدلية فهو بدل اشتمال قوله: (فخرجوا أعيدوا (كون الإعادة إلى النار يقتضي الخروج منها لا شبهة فيه فلذا قدره المصنف إذ لا بد من التأويل إفا بالتقدير أو بالتجوّز في أعيدوا بجعله بمعنى ابقوا، وقيل الإرادة مجاز هنا للقرب كقوله يريد أن ينقض كما مر والإعادة إلى حاق النار ومعظمها إذ لا خروج لهم لقوله تعالى:{وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} ولذا قال فيها دون إليها والا لقيل كلما خرجوا أعيدوا لئلا تضيع الإرادة واعترض! بأنّ ما ذكره احتمال ولا وجه للجزم به مع تكلفه وأما قوله: وما هم بخارجين منها فالمراد لا يستمرّون على الخروج كما تدل عليه الاسمية بمعونة المقام والعود قد يعدى بفي للدلالة على التمكن والاستقرار وذكر الإرادة للدلالة على رغبتهم في الخروج وطلبهم له ولو لم يلاحظ هذا ضاعت الإرادة فيما اختاره أيضا مع ما فيه من التعقيد الذي ترى التقدير أوفق منه

وأحسن فإن قلت قد ذكر في ألم السجدة أنّ هنعا عبارة عن خلودهم فيها فحينثذ لا حاجة إلى ارتكاب تقدير الخروج لتصحيح الإعادة، قلت تقدير الخروج إنما هو لأجل أن الإعادة لا تترتب على مجرّد إرادة خروجهم والكناية إنما هي في المجموع. قوله:(وقيل يضربهم الخ (ولعل ذكر الإرادة حينئذ لأنّ ما أرادوه ليس هو هذا الإخراج إذ هو ليس بمنج ولذا قيل الإرادة بمعنى المشارفة وقيل إنما مرضه لأنه لا يناسب التعليق على الإرادة وتقدير قيل قبل ذوقوا ليحسن عطفه وينتظم مع ما قبله وقوله: البالغة لأنّ فعيلا بمعنى مفعل صيغة مبالغة. قوله: (غير الأسلوب) إذ صدره بأنّ ولم يعطفه والإحماد بمعنى تصييرها محمودة وحليت كرضيت مخففة وقراءة التخفيف منه وهي بالبناء للفاعل أو للمفعول إذ بهما قرئ وهو بمعنى المشدد ولذا قال والمعنى واحد. وقوله: صفة مفعول محذوف أي حليا من أساور ومن بيانية وقيل إنها زائدة وأساور مفعوله. وقيل: تبعيضية وما ذكره تبع فيه أبا البقاء وهو يشعر بأن حلي المخفف متعد لولد والمشدد لاثنين أحدهما نائب الفاعل، والثاني موصوف من أساور المقدّر وقد قال أبو حيان إن المخفف لازم والمشدد متعد لواحد لا غير فلا حاجة لتقدير موصوف لأن من ابتدائية متعلقة به إلا أن يضمن معنى الإلباس ويجرّد حتى يتعدى لاثنين ولا داعي له إلى التضمين والحذف وهذا كله ليس بشيء لأنّ تعديتة كذلك صزج بها أبو عليّ الفارسي في كتاب الحجة فمن تبع أبا حيان فيه فقد أساء كما تكلف إذ جعل من تبعيضية واقعة موقع المفعول، وسورة بفتح الهمزة كما بينه. وقوله: بيان له أيمما لأساور وهو صفة أو حال. قوله: (عطف عليها (أي في قراءة الجرّ وقوله لم يعهد الخ أي جعل ما نظم منه سواراً وهذا بناء على الظاهر وان جوّز عطفه عليه في فاطر تكثيرا للوجوه على تأويل أنّ الذهب مرصع باللؤلؤ وأمّا كون المراد به أن الذهب في ضياء اللؤلؤ فتكلف وسيأتي ما فيه وأمّا عطفه على أساور فلا ينافيه كونه في معنى يلبسونها كما قيل لقوله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [سورة النحل، الآية: 24] وقوله لم يعهد السوار منه غير مسلم لأنه معهود كما رأيناه. وقوله: عطفا على محلها لأنه صفة للمفعول كما بيناه وقلب الثانية واو الضثم ما قبلها وروي بالعكس أيضا وقد قال في الحجة

أنه غلط س رواية وقلب الثانية ياء لأنه ليس في كلام العرب اسم متمكن آخره واو قبلها ضمة ولذا أعل لول كأدل في جمع دلوا علال قاض. قوله: (غير أسلوب الكلام الخ) أي لم، يقل تلبسون ودلالته

ص: 289

على الاعتياد من الاسمية الدالة على الاستمرار والصحاطة على الفواصل المؤقوف عليها بكون فا قبلها حرف علة: ولم يذكر فاعل هدوا لعحيثه ولكدم تعلق الغرض به وهو في الآخرة على التفسير الأوّل وفي الدنيا على الثاني، ويجوز فيه التعميم، والعكس وكرّر هدوا تفخيما للهدأية واشارة إلى استقلال كل منهما.

قوله: (المحمود نفسه أو عاقبته) هو جار على الوجو لا على التوزيع وان جاز وقوله وهو الجنة فتأخير قولمه وهدوا الخ الثافي على الثاني ظاهر وعلى الأوّل للفواصل وقيل أخر ليتصل قولهم في الجنات ببيان طرف من أفعالهم فيها وفيه نظر وقوله: أو الحق تفسير آخر للحميد ويجوز كونه اسما لله واضافة الصراط إليه إذا أريد به دين الإسلام بيانية. (قوله: لايريد به حالاً ولا استقبالاً) جعل الفعل المضارع دالاً على الدوام كقولهم فلان يحسن إلى الفقراء، إذ المراد به استمرار وجود الإحسان كما في الكشاف وهذا غير الاشتمرار التجددي وغير دلالة الاسمية الخبرية فعلاً على الثبوت لتصريحه به في قوله. تعالى:{فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} ولا وجه لتعليله بأنّ المضارع لما صلح للزمانين جاز أن يستعمل فيهما، لعموم المجاز لا لإعمال المشترك في مفهوميه إذا اقتضاه المقام كما قيل لأنه لا يلائم قوله ولذلك حسن عطفه على الماضي لاشتمال استمراره على المضيّ وقوله استمرا الصدود وفي نسخة الصد وهو المناسب لعطف المسجد الحرام، لكن الأوّل مناسب لتنزيله منزلة اللازم، وجعله حالاً إمّا بتقدير المبتدأ على ما اشتهر أو بدونه أشبه هذه الجملة بالاسمية معنى. قوله:(وخبر أن محذوف الخ) لم يعين محل تقديره فيحتمل تقديره بعد قوله والباد وقدره الزمخشري بعد قوله المسجد الحرام فلعله جعل الذي جعلناه نعتا مقطوعا لئلا يلرم الفصل بين الصفة والموصوف، وقدره في التفسير الكبير نذيقه من عذاب أليم، ولم يرد أنّ جواب الشرط خبراً حتى يلزم توارد عاملين على معمول واحد كما توهم وقوله عطف على اسم الله وقع في نسخة على سبيل الله وكلاهما صحيح. قوله:(وأوّله الحنفية الخ) أي فسروه بمكة لأنّ العاكف بمعنى

المقيم لمقابلته بالبادي وهو الطارئ عليه أي غير المقيم فيه والإقامة لا تكون في البيت نفسه بل في منازل مكة، وكذا قوله: ومن يرد فيه الخ فإنّ المتوعد عليه الظلم في الحرم كله، ومكة منه فقوله واستشهدوا أي بإشارة نصه كما قيل إلا أنه قال: في الكشف أيّ مدخل لحديث التمليك وعدمه في هذا المساق والاستدراك بأنّ له مدخلاً على سبيل الإدماج واشارة النص كلام لا طائل تحته وقد فسروا المسجد الحرام بالمطاف والعاكف بالمعتكف للعبادة فيه المعدود ومن أهله لملازمته له والمساواة في إقامة الشعائر وهو أظهر، وأمّا الاستدلال بأنه أريد بالمسجد الحرام في قوله:{مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [سورة الإسراء، الآية: ا] مكة بأنّ الإسراء كان منها لأنه كان من بيت أنم هانى فغير مسلم عندهم لما روي في الصحيحين وغيرهما في حديث الإسراء من قوله بيش صا أنا في الحطيم أو في الحجر إذ أتاني آت الحديث كما بيناه وأمّا التعارض! بين الحديثين فمبين في محله. قوله: (على عدم جواز بيع دورها (أي مكة وأجارتها أي الدور وقد ورد في الأحاديث الصحيحة التصريح به كقوله صلى الله عليه وسلم: " مكة حرّمها الله لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها " روي من طرق خديدة. وقد نهى عمر رضي الله عنه أهل مكة أن يغلقوا أبواب دورهم دون الحاج. وقال ابن عمر رضي الله عنهما من أكل كراء بيوت مكة فإنما أكل نارا في بطنه لأنّ الناس في الانتفاع به سواء وهذا في الأرض دون البناء. قال في الهداية: لا بأس ببيع بناء مكة ويكره بيع أرضها وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا بأس ببيع أرضها وهو رواية عنه أيضا وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه وعليه الفتوى والى كل ذهب طائفة من الصحابة كما بين في محله وأمّا كراهة الإجارة فمحل نظر. قوله: (وهو مع ضعفه) وجه الضعف إنّ أرضها إذا لم تملك لم يملك بناؤها ولم يقر عليه لأنه بناء غاصب كما لو بنى رجل بيتا له في جامع لا إق الظاهر أنّ المراد بالمسجد الحرام البيت نفسه والعاكف بمعنى الملازم له وأنّ الاستواء في كونه قبلة ومتعبداً وأنه يجب تعظيمه كما قيل لأنه غير مسلم، كيف وقد اعتضد بالأحاديث الصمحيحة مع أنه تقييد للمطلق بلا دليل.

ص: 290

قوله: (معارض الخ) أي حيث أضاف الديار إليهم وظاهر الإضافة الملكية للبناء والأرض لأنّ الدار اسم لهما كما بين في كتب اللغة. وأمّا جعل الإضافة لتملك البناء والانتفاع فخلاف الأصل وما اشتراه عمر رضي الله عنه هو البناء والنقض ويعينه أنه مذهبه كما روي في الآثار الصحيحة عنه وكانت دور مكة تسمى

السوائب في العصر الأوّل. قوله: (وسواء خبر (أي للمبتدأ وهو العاكف وأمّا تجويز أن يكون سواء مبتدأ خبره العاكف فضعيف لما فيه من الأخبار عن النكرة بالمعرفة وقوله مفعول ثان والأوّل الضمير المتصل. قوله: (ويكون للناس حالاً (وفي نسخة فيكون وفي أخرى إن جعل للناس حالاً وهي أظهر لقوله والا المقابل له أي وان لم يكن قوله للناس حالاً بل مفعولا ثانيا أي جعلناه مباحا للناس أو معبداً لهم وهو حال كونهم مستويا فيه هؤلاء ويجوز أن يكون جملة سواء حينئذ تفسيرية لجعله للناس. وقوله ونصبه أي سواء على المفعولية أو الحالية إن كان للناس مفعولاً والعاكف فاعله لأنه بمعنى مستو وان كان في الأصل مصدراً كما سمع في قولهم سواء هو، والعدم والبدلية بدل تفصيل على قراءة النصب في سواء لأنّ النصب في قراءة الجز متعين كما صرّحوا به. قوله: (مما ترك مفعوله (أي من يرد شيثا أو مراد إفا والباء للملابسة. وقيل هي زائدة وإلحاداً مفعوله. وقيل هي للتعدية لتضميته معنى يتلبس وعلى قراءته بفتح الياء من الورود فالباء للملابسة أو للتعدية. والمعنى من أتى فيه بإلحاد أي عدول عن القصد أي الاستقامة المعنوية وهو الميل عن الحق إلى الباطل وقوله: بظلم على الوجوه مؤكد له وقوله: كالإشراك تفسير للظلم لإطلاقه عليه، واقتراف الإثم المتلبس بالخطيئة والذنب. قوله: (جواب لمن) الشرطية والوعيد على الإرادة المقارنة للفعل لا على مجرّد الإرادة لكن في التعبير بها إشارة إلى مضاعفة السيئات فيه والإرادة المصممة مما يؤاخذ عليها أيضاً وان قيل إنها ليست كبيرة ولذا روي عن مالك رحمه الله كراهة المجاورة بمكة. قوله: (واذكر إذ عيناه (يعني أن إذ مفعول اذكر، والمباءة بفتح الميم والمد بمعنى المنزل والمرجع وليس التعيين من معناه الوضعي بل هو لازمه لأنه إذا جعله مكانه فقد عينه له، والتعدية باللام لما فيه من معنى الجعل والتعيين ومكان مفعول به على هذا. قوله: (وقيل اللام رّائدة أليس هذا من محال زيادتها ولذا مرضه ومكان ليس مبهما فلا ينتصب على الظرفية كما قيل وفيه نظر كما يعلم من كتب العربية، وقوله: رفع البيت أي بناؤه الأوّل إذ ليس إبراهيم عليه الصلاة والسلام أوّل من بناه وعلى هذا

فبوّأ بمعنى عين وكنست بمعنى أزالت ما عليه من التراب لتظهر آثاره. قوله: (من حيث إئه تضمن الغ الما كانت إن المفسرة لا بد من اتحاد معنى ما بعدها بما قبلها وأن يتقدمها ما يتضمن معنى القول دون حروفه والتبوئة بالمعنى الماز ليست كذلك جعل مفسراً له باعتبار ما يلزمه وما أريد منه وهو أمرنا بالعبادة كما أشار إليه بقوله لأنّ التبوئة الخ ولأنّ العبادة تكليف بالأمر والنهي أو بوّأناه بمعنى قلنا له تبوّأ. قوله: (أو مصدرية موصولة بالنهي) ولا يتغير معناه بالسبك كما مرّ فقبلها لام مقدرة وهي توصل بالأمر والنهي فلا تنصب لفظا لأنّ ما بعدها مجزوم، وقول أبي حاتم لا بد من نصب الكاف على هذا رذه في الدرّ المصون. وقال ابن عطية إنها مخففة من الثقيلة وكأنه لتأويله بوّأنا باعلمنا فلا يرد عليه أنه لا بدّ أن يتقدمها فعل تحقيق أو ترجيح. قوله:(من الأوثان) فالمراد بالطهارة ما يشمل الحسية والمعنوية. وقوله: عبر عن الصلاة بأركانها وهي القيام والركوع والسجود إن لم يكن القائمين بمعنى المقيمين والطائفين بمعنى الطارئين وقوله باقتضاء ذلك أي التطهير أو التبوئة ولم يعطف السجود لأنه من جنس الركوع في الخضوع. وقيل: الركوع نوع من القيام فالعطف لما بعده في الحقيقة. قوله: (ناد فيهم الخ) هو بالتشديد بمعنى ناد وقرأ الحسن وابن محيصن آذن بالمد والتخفيف بمعنى أعلم قيل وكان ينبغي أن يتعدى بنفسه لا بفي ولذا قيل إنه بمعنى أوقع الإيذان كقوله:

يجرح في عراقيبها نصلي

وقوله: بدعوة الخ متعلق به على التفسيرين وقوله رويا ا (الخ رواه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما مع اختلاف فيه واسماع

ص: 291

من في الأصلاب والأرحام مجاز تمثيليّ لإلهامهم بعد الوجود أو هو على ظاهره وان لم يعلم كيفيته وأبو قبيس اسم جبل معروف. وقوله: وقيل الخ هو على الأوّل لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومرض هذا لعدم القرينة عليه وعلى الضم كظؤار وهو اسم جمع أو جمع نادر محفوظ في ألفاظ مخصوصة كما مرّ وعجالى بضم العين والقصر جمع عجلان كسكارى فرجالي جمع رجلان أو راجل ويأتوك جواب الأمر

وايقاعه على ضميره يجوز لكونه بندائه أي يأتوا بيتك. وقوله: ومثقله جمع راجل كعباد وعابد. قوله: (أي وركباناً) جمع راكب قدر المتعلق خاصا بقرينة مقابله وبعير مهزول تفسير ضامر. وقوله: أتعبه بعد السفر يعلم من صفته فإنه يدلّ على علية مبدأ الاشتقاق وعدل عن ركبانا الأخصر للدلالة على كثرة الآتين من الأماكن البعيدة. قوله: (صفة لضامر) أو لكل كما في الكشاف وكل للتكثير لا للإحاطة. وقوله: محمولة على معناه حيث جمع ضميره واللفظ مفرد وما قاله بعض النحاة من أن كلَا إذا أضيف لنكرة لم يراع معناها إلا قليلا ردّوه بهذه الآية ونظائرها وكذا ما قيل إنه يجوز إذا كانا في جملتين لأنّ هذه جملة واحدة وقول أبي حيان إنّ الضمير شامل لرجال وكل ضامر كما في قراءة يأتون رد بأنه يلزمه تغليب غير العقلاء عليهم وقد صرحوا بمنعه، وقوله أو استئناف عطف على قوله صفة للرجال لا على قوله صفة لضامر كما توهم. قوله:(طريق (جرده عن معنى السعة لأنه لا يناسب هنا بل لا يخلو من الخلل وفسر عميق ببعيد لأنّ معنى العمق المعروف وهو البعد سفلا لا يناسب هنا لكنه يناسب حقيقته وهو كونه بين جبلين وفاصلته ولذا اختير التجوّز وهو مراد من قال ليناسب الغرض! المعتبر في مفهوم الفج وظنه بعضهم العرض مقابل الطول فأطال بلا طائل. قوله: (دينية ودنيوية (هذا تفسر مجاهد وابن عباس ومنافع الدنيا التجارة لأنها جائزة للحاج من غير كراهة إذا لم تكن هي المقصودة من سفره كما مر في قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} كما في كتاب الأحكام. واعترض بأنّ نداءهم ودعوتهم لذلك مستبعد وفيه نظر وقوله نوع إشارة إلى أنّ التنكير للتنويع وان لم يكن فيه تنوين، وقوله: بهذه العبادة أي بسببها وقوله: وذبحها كان الظاهر الاقتصار عليه لأنه يقتضي سنية الذكر عند الإعداد بخصوصها. قوله: (كني بالذكر عن النحر (هو ما اختاره الزمخشري وظاهره أنّ ذكر اسم الله وحده كناية لكن شرّاحة قالوا إنّ قوله لأنّ الخ إشارة إلى علاقة الكناية. وهي من الذكر على بهيمة الأنعام لا مطلقاً لأنه إشارة إلى وجه اللزوم العادي فيه وما قيل إنه مرضه لأنّ المتبادر منه الحقيقة فيه نظر فإنّ وجهه أنه يقتضي أنّ ذكر اسم الله ليس بمقصود هنا على ما عرف في الكناية وليس كذلك وقوله تنبيها بيان لفائدة إيرادها يعني المقصود مما يتقرّب به الإخلاص لله بذكره فتأمّل. قوله: (هي عشر ذي الحجة) هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وما بعده مذهب صاحبيه كما بين في الفروع لكن قيل إنّ الأوّل

لا يناسب قوله عند إعداد الخ. فالأولى أن يضم إليه وسائر النسك وتدخل أيام النحر والتشريق فيه وفيه نظر. قوله: (علق الفعل الخ) أي لم يقل ابتداء على بهيمة الأنعام لما في هذا من الإجمال والتفصيل أو الإبهام المبين بالبهيمة وليكون قرينة على الكناية باذكروا عن اذبحوا إن قيل بها ولا يلزم من هذا ارتضاؤها ولا كون المجموع كناية كما توهم لما مرّ ومن وفي منها تبعيضية والتحريض من كونه رزقا من الله فينبغي إنفاقه في سبيل الله، والمقتضي بالكسر وهو إعطاء الله. قوله:(و0) زاحة الخ) أي إزالة هو بيان لوجه كونه إباحة الأمر بعد المنع يقتضي الإباحة وفيه إشارة لترجيحه. والندب مذهب أبي حنيفة رحمه الله. وقوله: ومساواتهم أي في أصل اكل منها لا في مقداره حتى يقال لا دلالة فيه على المساواة ويتكلف له بأنه من قوله منها كما توهم وقوله وهذا في المتطوّع الخ. هذا مما اختلفوا فيه فذهب الشافعيّ رحمه الله كغيره إلى أنّ الهدي الواجب كدم التمتع والقران وافساد الحج وفواته وجزاء الصيد وما أوجبه على نفسه بندر لا يجوز الأكل منه كما ذكره المصنف رحمه الله وقال ابن عمر رضي الله عنهما لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ويأكل من غيره. وبه قال أحمد رحمه الله وقال مالك رحمه الله: يأكل من دم التمتع وكل هدي وجب عليه الأفدية أذى وجزاء صيد

ص: 292

ومنذور وقال أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه: يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما والبؤس قال الراغب: البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه فالظاهر عطفه بالواو. قوله: (والأمر فيه للوجوب الخ) وعند الحنفية للندب فمن تبع المصنف فيه من الحنفية فقد غفل وسيأتي تفصيله والأوّل هو أكل صاحب الهدي، وقد قيل على قوله: دون الواجب إنه يرد عليه الأضحية فإنها واجبة، والأكل منها جائز بالاتفاق فتأمل. قوله:(ثم ليزيلوا وسخهم) قال الراغب أصل التفت وسخ الظفر ونحوه مما من شأنه أن يزال عن البدن، وقال أعرابيّ: ما أتفثك وأدرنك واليه أشار المصنف رحمه الله فتفسيره بإزالة الوسخ ليس بمعتمد وعلى الأوّل فقضاؤه إزالته كما أشار إليه المصنف رحمه الله لأنّ القضاء في الأصل القطع والفصل فأريد به ذلك مجازاً وقيل إنه عليه لا بد فيه من تقدير مضاف كما أشار إليه الزمخشري بقوله أي ليقضوا إزالة تفثهم والتعبير بالقضاء لأنه لمضي زمان إزالته عد قضاء لما فات، وقوله ونتن الإبط بالنصب معطوف على وسخهم والاستحداد حلق العانة بالحديد والمراد إزالتها مطلقا. قوله:(ما ينذرون الخ) عكس ترتيب الزمخشري لأنّ الأوّل هو المتبادر وقدم الزمخشري الثاني لأنه أنسب بالمقام فهو مجاز على

الثاني في الواجب مطلقا كما في الأساس، وليطوّفوا أتى بصيغة التفعيل فيه للمبالغة، وقوله: المعتق بصيغة المفعول أي الذي أعتقه الله أي صانه وحماه، وقوله: فكم من جبار كصاحب الفيل. وقوله: التسلط عليه أي على البيت وقصة الحجاج مع ابن الزبير رضي الله عنهما مشهورة وذكر ههنا جوابا عن سؤال تقديره لم أهلك أصحاب الفيل لما أهموا بهدم البيت ولم يهلك الحجاج لما هنم برمي المنجنيق. قوله: (وهو وأمثاله (أي من أسماء الإشارة كهذه وتلك والمشهور فيه هذا كقوله: هذا وانّ للطاغين لشرّ مآب. واختيار ذلك هنا لدلالته على تعظيم الأمر وبعد منزلته وهو من الاقتضاب القريب من التخلص لملاءمة ما بعده لما قبله كما هنا فمن قال إنه لا يطرد لم يصب. قوله: (أحكامه الخ) الهتك شق الستارة وتمزيقها ليظهر ما خلفها فالحرمات جمع حرمة وهو ما يحترم شرعاً وتخصيصها ببعض ما ذكر إما لمقتضى لمقام أو غيره فتجوز به هنا عن المخالفة والعصيان كأنه إزالة لستر الشريعة والأحكام ما شرع، والحرم بفتحتين معروف وتخصيصه على هذا بالحرم وأحكام الحج بمفتضى المقام وهو منصوب لأنه عطف بيان لحرمات وكذا ما عطف عليه، وسائر بمعنى باقي أو جميع فالمراد به ما ليس من جنس الأحكام كالحرم أو ما يشملهما واحترام الشهر الحرام بالتعبد فيه أو عدم القتال إن كان هذا قبل نسخه، وقوله: والمحرم أي احترام الشخص المحرم بالحج حتى يحل. قوله: (فالتعظيم (يعني أن الضمير للمصدر المفهوم من يعظم وخير اسم تفضيل حذف متعلقه أي من غيره أو ليس المراد به التفضيل فلا يحتاج لتقدير وقوله: ثواباً إما تقدير أو تفسير لقوله عند ربه وقوله: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ} [سورة الحج، الآية: 30] أي أكلها أو ذبحها لأنّ ذاتها لا توصف بحل ولا حرمة. قوله: (إلا المتلوّ عليكم تحريمه الخ) يشير إلى أنّ في النظم تقدير مضاف وأن الضمير المجرور بعد حذفه ارتفع واستتر في جعل التحريم متلوّاً تسامح. وقد جوّز في هذا الاستئناء الاتصال بأن يراد بالمتلو ما حرم من بهيمة الأنعام بسبب عارض كالموت ونحوه وإليه أشار المصنف بقوله وهو ما حرم منها الخ والانقطاع إن كان إشارة إلى قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} اسورة المائدة، الآبة: 3] الآية لأنه فيها ما ليس من جنس الأنعام. وقوله: كالبحيرة

تمثيل لغير ما حرّمه الله وقد مرّ بيان السائبة والبحيرة وتفسير الموصول وصلته بالمتلوّ إشارة إلى أنّ الاستقبال ليس بمراد هنا لسبق تحريمه فحا قيل إنه أوّله لأنّ نفس المتلوّ لا يستثنى من الأنعام لأنه ليس من جنسها والتعبير بالمضارع الدال على الاستمرار التجددي لمناسبة المقام واللائق بالمصنف اتباعه كما في الكشاف غفلة عن مراده. قيل وفي قوله: يتلى إشارة إلى أن التحريم لا يكون إلا من جهة الشارع بنص متلو، والكييد بالنص المتلو لأنّ ما نحن فيه كذالك أو لأنه الأصل الأقوى فلا يرد عليه أنه قد يحرم بالحديث كتحريم الشرب في أواني الذهب والفضة. قوله تعالى:( {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ} الخ) الفاء. قريعية مسببة عما سبق فإن تفرّعت

ص: 293

على قوله: {ومن يعظم حرمات الله} [سورة الحج، الآية: 30] وهو الظاهر فلما حث على المحافظة على حدوده وترك الشرك وعبادة الأوثان أعظمها تفرّع عنه هذا وان تفرّعت على االمجموع فلا يضر عدم تفزعه على قوله: وأحلت الخ المغدرج تحته وعلى الأوّل فقوله: وأحلت جملة معترضة مقررة لما قبلها فلا يرد عليه أنه يكون أجنبيا في البين كما قيل وأما تفرعه على قوله: {أُحِلَّتْ لَكُم} الخ فقط فإنه نعمة عظيمة تستدعي الشكر لله لا الكفر والإشراك أو أنّ ألمعنى فاجتنبوا الرجس من أجل الأوثان على أن من سببية وهي تخصيص لما أهل به لغير ألله بالذكر فيتسبب عن فوله {إلا ما يتلى} ويؤيده قوله: غير مشركين قإنه إذا حمل على ما حملوه كان تكرارا، فمع كونه تكلفا من غير داع إليه قد رد بأنه لم يصب فيه لأنّ إحلال الأنعام وإن كان من النعم العظام إلا أنه من الأمور الشرعية دون الخارجية التي يعرف بها التوحيد وبطلان الإشراك فلا يحسن اعتبار تسبب اجتناب الأوثان على الإحلال المذكور كما لا يخفى. قوله:(الذي هو الأوثان) إشارة إلى أن من بيانية لا تبعيضية أو ابتدائية كما قيل فإنه تكلف وقوله كما تجتنب الأنجاس إشارة إلى أنه تشبيه بليغ حملى طريق التجريد وغاية المبالغة والتنفير من جغلها نجاسة. وتعريف الرجس بلام الجنس حتى كأنها جنس النجاسة مغ ما فيه من الإبهام والتبيين وقوله: تعميم لشموله جميع أكاذيب الباطلة وكون عبادتها زور الادعاء أنها قتحق العبادة فالزور فطلق الكذب وكونها رأسه أي أعظمه ظاهر وضمير أتبعه للحث أو التعظيم، وذلك إشارة إلى قوله أحلت الخ. قوله:(وقيل شهادة الزور) أي المراد بالزور شهادة الزور لأنّ تلاوة الهيّ صلى الله عليه وسلم لهذه الآية بعد التقريع على شهادة الزور تدل على أنه المراد منها ويؤيده اشتهاره فيها لكنه مرضه لأنّ هذا الحديث وإن وواه الترمذي وغيره لكنه طعن في سنده وقيل إنه ضعيف مع أنها داخلة فيه فيحتمل أنها تليت لشمولها لها وقوله عدلت شهادة الزور الإشراك أي ساوته

في الإثم والقبح لجعلها معه في قرن هذه الآية وهو تشديد وتوبيخ، وثلاثاً متعلق بقال أي كرّرها ثلاث مرّات والزور بفتحتين وكذا الإفك، وقوله: الإشراك بالله في نسخة بواو وليس في محله، وقوله حالان من الواو يحتمل الأولى والثانية. قوله:(لأنه سقط من اوج الإيمان الخ) الأوج ضد الهبوط إلا على والمراد به أوج الفلك لمقابلته بالحضيض وهي لفظة هندية معربة كما في بعض كتب الهيئة وأوج الإيمان استعارة وسقوطه منه إن كان في حق المرتد ظاهر وفي حق غيره باعتبار الفطرة وجعل التمكن والقوّة بمنزلة الفعل. قوله: (فإن الأهواء الرديئة الخ (فيه إشارة إلى أنه تشبيه مفرق حيث شبه الإيمان بالسماء لعلوه والكفر بالسقوط منها والإهواء الموزعة المشتتة لأفكاره بطيور جارحة مختطفة والشيطان المضل بريح عاصفة ألقته في مهاو مهلكة. وتوزع مضارع، وزع بمعنى فرق لا ماض! أصله تتوزع كما توهم والرديئة وقع في نسخة بدله المردية أي المهلكة وهما تشبيهان على التفريق والتركيب. وطوّح فعل مشدد بمعنى ألقى وفي نسخة طرح والأولى أولى وقوله وأو للتخيير بناء على أنه لا يشترط فيها سبق الأمر وقد مرّ في البقرة والمعنى أنه مشبه بهذا النوع وبهذا النوع أو أنت مخير في تشبيهه بأيهما شئت وقوله فإن الخ إشارة إلى أن التشبيه الأوّل لمن لا خلاص! له من الكفر كمن توزج لحمه في بطون الجوارج فإنه بعد هلاكه والثاني لمن يرجى خلاصه فإن من رمته الريح في المهاوي يمكنه الخلاص، وقوله: على بعد من قوله مكان سحيق. قوله: (ويجوز أن يكون الخ (فشبه من أضله الله بالكفر وابتلاه بالأفكار الفاسدة بمن وقع من السماء فتقطع قطعاً اختطفتها الطير. أو بمن حملته ريح عاصفة فألقته بمفازة بعيدة ووجه الشبه الهلاك المتيقن أو المظنون. فقوله: تشبيه أحد الهالكين أو الهلاكين كما في نسخة بصيغة التنبيه بيان لحاصل المعنى المقصود منه واقتصار على أقوى أجزاء التشبيه فلا يرد أنه إذا شبه أحد الهالكين كان مفرداً لأمر كبا لكنه من تشبيه مقيد بمقيد نعم النظم يحتمله أيضاً. قوله: (دين الله الخ) الشعائر إما جمع شعارة وهي العلامة كالشعار فشعائر الله علامات اتباعه وهدايته وهي الدين، أو المراد بها فرائض الحج

ص: 294

ونسكه أي ما فيه من المناسك والعبادة والهدايا جمع هدية وهي كالهدي رالهدي ما يذنجح تقزبأ

وهذا قول الجمهور. ومعالم الحج أفعاله التي يعلم بها فقوله لأنها الخ تعليل لتسميتها شعائر سواء كانت جمع شعيرة أو شعارة لأنها من الشعور بمعنى العلم ومعلم الشيء ما يستدل به عليه.

قوله: (وهو أوفق الخ) أي تفسيره بالهدايا أكثر موافقة ومناسبة لما بعده من قوله لكم فيها

الخ، ولا يبعده قوله والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لأنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف حتى يدعي أن البدن غير الهدايا كما قيل لأنها لم تذكر هناك للإفادة حتى يلغو ذكرها بل ليبني على ذكرها ما بعدها كما إذا قلت زيد كريم وإذا كان كريما غنمت صحبته فاستوص به خيراً وهو ظاهر مع أنّ القاعدة المذكورة فيها كلام ذكرناه في غير هذا المحل. قوله:(وتعظيمها (أي أخذ العظيم منها ثمناً وجسماً وهيئة. وهذا حديث مسند في كتب الحديث والبرة بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة المخففة حلقة تجعل في أنف البعير تزييناً له. وإنما اختار جمل أبي جهل لعنه الله ليغليظ المشركين- وقوله: من ذهب روي من فضة أيضا- وقوله: نجيبة هي الناقة الحسنة وقوله: طلبت أي طلب شراؤها منه وقد سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثفها بدنا فنهاه عن ذلك وقال بل أهدها. قوله: (فإنّ تعظيمها الخ) فيه إشارة إلى مضاف مقدر بعد أنّ أيضا وتقدير العظمة لا وجه له فإنه صفة البدن فلا يكون تقوى إلا بتكلف وتقدير التعظيمة والتعظيمات كما قدره بعضهم ركيك مع أنّ الضمير الراجع إلى المصدر الذي تضمنه الفعل لا يؤنث إلا إذا اشتهر تأنيثه وهذا ليس كذلك، وفيه نظر وأمّا أن الجمع يوهم أن التعظيمة الواحدة ليست من التقوى فليس بشيء لأنه لا اعتبار بالمفهوم ولو سلم فهو من مقابلة الجمع بالجمع وقد جوّز رجوعه إلى الحرمة أو الخصلة أيضا كقوله صلى الله عليه وسلم: فبها ونعمت. قوله: (فحذفت هذه المضافات) وهي تعظيم وأفعال وذوي جمع ذي بمعنى صاحب تبع فيه الزمخشري إذ قال لا يستقيم المعنى بدون هذا إلا أنه لم يقدر منه مع قوله لا بد من عائد من الجزاء لمن واعترض عليه أبو حيان وغيره وقال في الكشف إنه على ما قدره عموم ذوي تقوي فانه بمنزلة الضمير فتقدير المصنف التعظيم منه لتقدير العائد تبعا لأبي البقاء ليس بالوجه. أمّا الحاجة إلى إضمار التعظيم فلا يحتاج إلى البيان وأما إضمار أفعال فلأن المعنى أن التعظيم باب من أعظم أبواب التقوى صادر من ذويها ومنه يظهر أن الحمل على أن التعظيم ناشئ من تقوى القلوب

والاعتراض بأنه إنما يستقيم ما ذكر إذا حمل على التبعيض ليس على ما ينبغي ناشئ من تقوى القلوب والاعتراض بأنه إنما يستقيم ما ذكر إذا حمل على التبعيض ليس على ما ينبغي على أنه إن قدر من تقوى قلوبهم على المذهب الكوفي أو تقوى القلوب منهم اتسع الخرق ثم أن التقوى إن جعلت شاملة للأفعال والتروك كما في عرف الشرع فالتعظيم بعض البتة وان خصت بالتروك فنشأة التعظيم منها غير لائحة إلا على التجوّز انتهى. واعترض عليه بأن دعواه أن المعنى على الأوّل دون الثاني دعوى بلا شاهد ثم إنه لا تظهر الدلالة على أنه من أعاظم أبواب التقوى كما ذكره وأن قوله إذا كان التعظيم بعضا من التقوى لا يحتاج إلى الإضمار صلح لا يرضى به الخصم. وأيضاً إذا صح الكلام على التجوز لا يستقيم قول الزمخشري: لا يستقيم المعنى إلا بتقديرها وهو غير وارد عليه لأن السياق للتحريض على تعظيمها وهو يقتضي عذه من التقوى بل من أعظمها وكونه ناشئاً من التقوى لا يقتضي كونه منها بل ربما يشعر بخلافه والدلالة على الأعظمية مفهومة من السياق كما إذا قلت هذا من أفعال المتقين والصلح من شيم الكرام والظليم من شيم النفوس كما يشهد به الذوق، وقوله: صلح من غير تراض ليس بسديد لأنه يدعي أن من تبعيضية والرابط العموم أيضا وصحة الكلام بدون تقدير على التجوّز لكونه خفياً في قوّة الخطا لأنه لا قرينة عليه والتبعيض متبادر منه فلا غبار عليه غير قصور النظر. قوله: (والعائد إلى من (لأنها إما مبتدأ إن كانت موصولة دخلت الفاء في خبرها أو شرطية وعلى كل حال لا بد منه وهو قوله منه المقدر كما أشار إليه على ما في أكثر النسخ وفيه إشارة إلى الاعتراض على ما في الكشاف وقد علمت توجيهه وما فيه من الوجوه كما نقلناه عن الكشف وقال الدمامينيّ: الذي يظهر أنّ في تقدير الزمخشريءشارة إلى الراجع

ص: 295

لا من الجهة التي ذكرها بل من جهة أنّ المصدر من قوله فإن تعظيمها مضاف إلى المفعول ولا بد له من فاعل وإن لم يلزم ذكره وليس إلا ضميراً يعود إلى من والتقدبهـ فإن تعظيمه إياها فالربط على هذا بالضمير وهو أمر مجمع عليه غايته إنه حذف لفهم المعنى، وأضيف المصدر إلى المفعول فلزم الإتيان به متصلا وهذا الأحرج فيه ويظهر أيضا أن من الجارة يحتمل أن تكون للتعليل أي أن تعظيمها لأجل التقوى أو لابتداء الغاية أي تعظيمها ناشئ من تقوى القلوب وعليهما فلا يحتاج إلى تقدير المضافين المذكورين انتهى. وقيل الجزاء محذوف لدلالة التعليل القائم مقامه عليه وأورد عليه أنّ الحذف خلاف الأصل وما ذكر صالح للجزائية باعتبار الإعلام والأخبار كما عرف في أمثاله وفيه تأمل. قوله: (وذكر القلوب الخ (يعني أن الإضافة إليها مع أنها صفة صاحبها لأن التقوى وضمدها تنشأ منه. ويحتمل أن يريد أنه من إطلاق الجزء على الكل لما ذكر كما في شرح الكشاف ولذا قال تعالى: {آثِمٌ قَلْبُهُ} [سورة البقرة، الآية: 283] وقيل ذكر القلوب لأن المنافق يظهر التقوى وقلبه خال منها وجعلها آمرة مجاز وجملة لكم معترضة. قوله:

(درّها) أي لبنها وظهرها بمعنى ركوب ظهرها ونحوه فهو إما مجاز أو فيه مضاف مقدر وترك قول الزمخشريّ إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها وما ذكره من الانتفاع بها بعد أن تصير بدنة مذهب الأئمة استدلالاً بظاهر الآية والحديث وهو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما وعند أبي حنيفة لا يملك منافعها ولا يركبها بدون ضرورة لأنه لا يؤجرها للركوب فلو ملك منافعها ملك عقد الإجارة عليها كمنافع سائر المملوكات وما وقع في بعض تفاسير الحنفية من ذلك محمول على حال الضرورة. قوله: (ثم وقت نحرها) إشارة إلى أن محل اسم زمان ويجوز أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الوجوب من حل الدين إذا وجب كما في الكشاف. وقوله: منتهية إشارة إلى متعلق إلى ويصح تقديره مقربة. وقوله: أي ما يليه إشارة إلى أن البيت مجاز بعلاقة المجاوزة عما قرب منه لأنها لا تنتهي إلى البيت العتيق نفسه والتراخي في الوقت لا ينافي وقوعه عقبه لأنه باعتبار ابتدائه ولذا جعله بعضهم رتيبا. وقوله: وبعده منافع دينية يعني الثواب وهذا لا يستفاد من النظم. قوله: (وهو (أي قوله لكم فيها الخ والأولين أي من تفسير الشعائر بدين ألله أو فرائض الحج. وقوله: إمّا متصل بحديث الإنعام أي متعلق معنى بقوله أحلت لكم بهيمة الأنعام والضمير فيه أي قوله فيها. وعلى الأوّل أي تفسيرها بدين الله والضمائر للشعائر وفسرها بالدينية ليناسبه والمنافع الدينية إقامة الشعائر تعظيم البيت والانتفاع معنى اللام وهو الثواب ومحلها وقت حلولها والموت موت الحاج. وقوله: أو يكون هو وما قبله توجيه لكونه محلها والبيت المعمور معبد الملائكة في السماء كما ورد في الحديث والجنة معطوفة على البيت وفيه لف ونشر فالبيت المعمور إن أريد رفع الأعمال والجنة إن أريد الثواب. وعلى الثاني أي تفسيرها بفرائض الحج، ومواضع نسكه وضمير فيها للشعائر أيضاً والمراجعة الرجوع من السوق. وقوله: وقت الخروج فالمحل من الإحلال وبالإحلال متعلق بالخروج. قوله: (متعبدأ أو قرباناً) وفي نسخة وقربانا فعلى الأول هو اسم مكان من النسك وهو العبادة ويحتمل المصدرية وعلى الثاني هو مصدر باق على أصله أو بمعنى اسم المفعول. وقوله: أي موضع نسك تفسير لقراءة حمزة وقوله: دون غيره التخصيص من السياق والسباق

وكونه المقصود من جعله غرضاً. وقوله: عند ذبحها إشارة إلى أن على متعلقة بيذكروا. قوله: (وفيه تنبيه) أي في إظهاره والنعم بفتحتين معروف وليس المراد به الإبل فقط والمراد أنه لا يجوز بالخيل وغيرها. وقوله: أخلصوا التقزب فالإسلام الانقياد المراد به التقرّب والإخلاص من تقديم لكم وتشوبوه بمعنى تحلطوه. قوله: (المتواضعين) هذا أصل معناه لأنّ الإخبات نزول الخبت وهو المكان المنخفض وتفسيره بالإخلاص لأنه لازم للتواضحع والتذلل واليه أشار بقوله فإنّ الإخبات صفتهم ولا يخفى حسن موقع المخبتين هنا من حيث أن نزول الخبت مناسب للحاج، وما فيهم من صفات المتضرّعين كالتجرّد عن اللباس. وكشف الرأس

ص: 296

والغربة عن الأوطان ولذا وصفهم بالصبر ووجلت من الوجل، وهو الخوف واشراق أشعة الجلال بتذكر الله إذا ذكر اسمه والكلف جمع كلفة وهي التكاليف الدينية وذكر إقامة الصلاة لأنّ السفر مظنة التقصير فيها- وقوله: على الأصل أي إثبات النون ونصب الصلاة- وقوله: في وجوه الخير هو الصدقة ونحوها وخصها لأنه المناسب لمقام المدح. وقوله: فإلهكم الفاء تعليلية لذكر اسمه دون غيره لا سببية كما بعدها. قوله: (وأصله (أي أصل لفظ صيغة الجمع فيه الضم أي ضم عينه وهي الدال هنا وقوله: وإنما سميت الخ إشارة إلى أصلها وأنها من بدن ككرم بدانة أي عظم بدنه وبدانة مصدر كضخامة ولذا كانت في الأصل النجيبة السمينة ثم عمت. قوله: (ولا يلزم من مشاركة البقرة الخ (رد على الحنفية في قولهم البدنة الإبل والبقر واستدلالهم عليه بالحديث المذكور قيل وهو ظاهر الورود لأنّ الحديث لا يدلّ على أنها تطلق على ذلك لغة أو شرعاً بل على خلافه لأنّ العطف يقتضي المغايرة لكنه ثبت بغير ذلك إمّا لغة فلما قاله الأزهري والجوهري وغيرهما من أئمة اللغة إنها تطلق عليها لغة وان كان صاحب البارع قال إنها لا تطلق على البقر كما قاله الشافعي وأما شرعاً فلما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل والبقرة فقال: هل هي إلا من البدن فقد علمت

أنّ فيها خلافا لغة لما سمعت وشرعا للاختلاف بين الحنفية والشافعية حتى لو نذر نحر بدنة هل يجزئه نحر بقرة أم لا وهل يشترط فيه أيضاً أن يكون في الحرم أم لا، وقوله: من أعلام دينه إشارة إلى ما مرّ وفيه إشارة إلى أن فيه مضافا مقدراً وهو دين ويجوز أن يكون مراده أنّ الإضافة للعهد فشعائر الله دينه. وقوله: شرعها الله إظهار في مقام الإضمار والدنيوية ما مر من الدر وما معه وقوله: منك واليك أي هو عطاء منك يتقرّب به إليك. قوله: (تائمات الخ (يعني أنه جمع صافة ومفعوله مقدر وهو أيديهن وأرجلهن وقوله من صفن الفرس إشارة إلى أن إطلاقه على الإبل المذكورة مجاز بطريق التشبيه وقولهم صفن الرجل إذا صف قدميه مجاز أيضا لكنه يجوز أخذه منه فيكون بمعنى صواف وقوله: حافر الرابعة أي الرجل الرابعة وفي نسخة سنبك الرابعة والسنبك طرف مقدم الحافر واطلاقه على السفينة الصغيرة مجاز. وقوله: تعقل إحدى يديها أي تربط قائمة عند الذبح على ما عرف فيه وصواف منصوب على الحال. قوله: (وقرئ صوافياً (أي قرئ صوافياً منوّنا بياء تحتية جمع صافية- وقوله: بإبدال التنوين الخ توجيه لهذه القراءة فإنه ممنوع من الصرف لأنه صيغة منتهى الجموع وقد خرجت على وجهين أحدهما أنه وقف عليه بألف الإطلاق لأنه منصوب ثم نوّن تنوين الترنم لا تنوين الصرف بدلاً من الألف أو هو على لغة من يصرف ما لا ينصرف وهي كثيرة في الجمع، وحرف الإطلاق مفعول إبدال وعند الوقف متعلق بالإبطال أو الإطلاق- وقوله: وصواف أيمما ترئ صواف بالكسر والتخفيف والتنوين وهي على لغة من ينصب المنقوص بحركة مقدرة كقوله:

ولو أنّ واش بالمدينة داره

وعوض عنها التنوين كما في جوار وغواش كما قرئ صوافي بسكون الياء من غير تنوين إجراء للوصل مجرى لوقف ولو قيل إنه بدل من ضمير عليها سلم من الشذوذ وقوله: مطلقاً أي في حال الرفع والجز والنصب واللغة المشهورة تخصيصه بالأوّلين. توله: (أعط القوس باريها) بسكون الياء والقياس نصبها وهو مثل معناه كما قال الميداني رحمه الله استعن عن عملك بأهل المعرفة والحذق والظاهر أن معناه سلم الأمور لأهلها قال:

يا باري القوس برياً ليس يحسنها لا تفسدنها وأعط القوس باريها

والقوس معروفة وهي مؤنث سماعي والباري من بري القوس والسهم تحته وصنعه وأصل

معناه أعطها من صنعها فإنه أعلم بنحتها. قوله تعالى: ( {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} الخ) قال في التيسير أمر كلوا للإباحة ولو لم يأكل جاز وأمر أطعموا للندب ولو صرفه كله لنفسه لم يضمن شيئاً وهذا في كل هدي نسك ليس بكفارة وكذا الأضحية وأمّا الكفارة فعليه التصدّق بجميعها فما أكله أو أهداه لغني ضمنه

ص: 297

وفي الهداية يستحب له أن يأكل من هدي التطوع والمتعة والقران. وكذا يستحب أن يتصدّق على الوجه الذي عرف في الضحايا وهو يدلّ على أنّ كلا الأمرين للندب كذا قيل وفي الأحكام القرآنية إنّ أهل العلم متفقون على أنّ الأكل منها غير واجب وجائز أن يكون مستحبا مندوبا إليه لأكل النبيّ صلى الله عليه وسلم منها فقد عرفت أن الندب غير منصوص عليه في المذهب وهو مؤيد لما ذكره النسفي وما في الهداية هو ظاهر الآية والحديث فلا مخالفة فيه بينهما. قوله: (الراضي بما عنده) يقال قنع يقنع كتعب يتعب قنعا إذا رضي بما عنده من غير سؤال وقنع يقنع كسأل يسأل لفظاً ومعنى قنوعاً قال الشاعر:

العبد حرّ إن قنع والحرّعبدإن قنع

فاقنع ولاتقنع فما شيءيشين سوى الطمع

ومن كلام الزمخشريّ: يا أبا القأسم اقنع من القناعة لا من القنوع تستغن عن كل معطاء ومنوع فليس من الأضداد كما توهم لاختلاف فعليهما- وقوله: وبؤيده قراءة وفي نسخة أن قرى وفي أخرى أنه قرئ القنع كالحذر صفة مشبهة ووجه التأييد أنّ قنعا لم يرد بمعنى سائل بخلاف قانع فإنه ورد بالمعنيين والأصل توافق القرا آت- وقوله: من قنعت أي بالفتح في العين. قزله: (والمعترض بالسؤال) أو المتعرض بلا سؤال ومقابلته لما قبله على التفسير الأوّل ظاهرة وعلى الثاني لأنّ الأوّل سؤال مع خضوع وتذلل والثاني سؤال بدونه وعرّه وعراه بمعنى اعترض له- وقوله: من نحرها قياماً هو على غير التفسير الأخير، وقوله: سخرناها بمعنى سهلنا انقيادها - ولبات بفتح اللام وتشديد الباء جمع لبة محل النحر من أسفل العنق. وقوله: إنعامنا هو مفعوله المقدر بقرينة المقام وقوله: بالتقرّب إشارة إلى الشكر بالجوارح والإخلاص بالقلب. قوله: (لن يصيب) أي يصادف وفاعله لحومها أي لا يرضى ويقبل وينفع عنده ذلك بدون

خلوص النية وموافقة الشريعة وقوله كرّره فهو تأكيد على الوجه الأوّل وتأسيس على الثاني وقوله: فتوحدو. بالكبرياء أي تعتقدوا انفراده بها وإذا كان معناه التكبير فهو قولهم الله أكبر مثتق من لفظه وقوله المصدرية فهو بمعنى لهداية والخبرية بمعنى الموصولة أو الموصوفة لما في الصلة والصفة من الجملة الخبرية الغير المؤوّلة بمفرد. قوله: (وعلى متعلقة بتكبروا لتضمنه معنى الشكرا لأنه يتعدّى بعلى بخلاف التكبير وقيل على بمعنى اللام التعليلية وحسن العدول تعدى هدى باللام وفي الكشاف في محل آخر إنه مضمن معنى الحمد وأورد عليه ابن هشام رحمه الله قول الداعي على الصفا الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا والأصل عدم التكرار وعلى الثانية ظاهرة في التعليل فكذا الأولى وليس بشيء لأن ثمة مانع بخلاف ما نحن فيه وقوله المخلصين قد ورد تفسير. بها في حديث الإحسان المشهور. قوله: (غائلة المشركين) أي ضررهم قدره لاقتضاء المقام له ولا سيما وقد عقب بالإذن في القتال فما قيل إنه لم يذكر له مفعول تفخيما لهم ليس بشيء ولا حاجة إلى تأييده بأنّ أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل كما قيل. وقوله: يبالغ إشارة إلى أن صيغة المفاعلة مستعارة للمبالغة، أو مجاز عن لازمها لأنّ من يغالب يجتهد كل الاجتهاد، وصيغة خوّان وكفور لأنه في حق المشركين وهم كذلك لا للإشعار بمحبة الخائن والكافر ولأنّ خيانة أمانة الله وكفران نعمته لا يكون حقيرا بل هو أمر عظيم، ولذا قدر المصنف ما قدر وأشار إليه بقوله: كمن الخ وفي تمثيله إشارة إلى مناسبته لما مرّ من الشعائر فإنه يقتضي ذفهم على ما كانوا يذبحونه للأصنام في زمن الحج. قوله: (رخص! (قال الراغب الإذن في الشيء الإعلام بإجازته والرخصة فيه ويطلق إذن الله على إرادة الله وأمره وعلمه والمأذون فيه القتال وهو في قوّة المذكور لأن قوله: {لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ}

كالتصريح به لأنك إذا قلت أذنت للضارب علم أنّ المراد في الضرب. وقوله: بفتح التاء أي بصيغة المجهول وهم تفسير للموصول. قوله: (وهي أوّل آية نزلت في القتال) هذه رواية الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما

ص: 298

وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أن أوّل آية نزلت في القتال {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} وفي الإكليل للحاكم أنّ أوّل آية نزلت في القتال {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} . لكن ما ذكره المصنف رحمه الله مخالف لقوله في أوّل السورة أنها مكية إلا ست آيات إلا أن يقال إنه ترك التنبيه عليه لأن الإذن في القتال لم يكن إلا بعد الهجرة. قوله: (وعد لهم بالنصر) أي على طريق الرمز والكناية كما هو دأب العظماء ودفع أذى الكفار في قوله: أن الله يدفع الخ والذين أخرجوا في محل جز بدل أو صفة للذين قبله ويجوز كونه في محل رفع أو نصب. قوله: (على طريقة قول النابغة الخ) هو من تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو لا يختص بهذا بل كل ما يكون فيه إثبات الشيء بضده فهو من هذا القبيل والبيت من قصيدة معروفة والمعنى كما في الكشاف أخرجوا لله بغير موجب سوى التوحيد الذي يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير ومثله هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله والاستثناء إن كان منقطعا فهو مما اتفق على نصبه نحو ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضرّ فلو توجه إليه العامل جاز فيه لغتان النصب وهو لغة أهل الحجاز وأن يكون كالمتصل في النصب والبدل نحو ما فيها أحد إلا حمار وإنما كانت الآية من الذي لا يتوجه إليه العامل لأنك لو قلت الذين أخرجوا من ديارهم إلا أن يقولوا ربنا الله لم يصح فتقديره ولكن أخرجوا بقولهم ربنا الله وإليه أشار المصنف بقوله وقيل منقطع وقيل إنه في محل جرّ بدل من حق لما في غير من معنى النفي فيؤول الكلام إلى نفي النفي وهو الإثبات فحاصل المعنى أخرجوا من ديارهم بأن يقولوا ربنا الله كذا قيل في تقريره وهو رد على أبي حيان إذ رد هذا الوجه بأن البدل لا يجوز إلا من حيث سبقه نفي أو نهي أو استفهام في معنى النفي وصح تسلط

العامل عليه. ولو قلت أخرج الناس من ديارهم إلا أن يقولوا لا إله إلا الله لم يكن كلاما إلا إذا تخيل أنه بدل من غير وأما إذا كان بدلا من حق فهو في غاية الفساد. لأنه يلي البدل فيه غيرا فيصير التركيب بغير إلا أن يقولوا وهو لا يصح ولو قدر النفي الذي تضمنه الإخراج بغير كما يقدر غيره من النفي لم يصح أيضاً لأنه يصير التركيب بغير غير قولهم ربنا الله بإضافة غير لغير والزمخشري مثله بغير موجب سوى التوحيد. وهو تمثيل للصفة لا وجه لتفسير إلا بسوى وهو على الصفة صحيح وقد التبس عليه باب الصفة بباب البدل. وما ذكره ليس بوارد على الزمخشري لأن ما ذكره بيان لحاصل المعنى وليس مثله ممن يلتبس عليه باب بباب وهو استثناء لكن ظاهر مقابلته بالمنقطع أنه متصل على هذا وهو ظاهر لدخول المستثنى في الحق إذ تقديره في الحقيقة لا موجب لإخراجهم إلا التوحيد وتقديره بغير لا يتعين ولو تعين لم يدخل على الإبل على ما بعدها لأنه هو البدل. فما ذكره مغالطة لا طائل تحتها مع ما فيه من الاختلال وان تبعه بعضهم) وههنا بحث (وهو أنّ التوحيد داخل في الحق فليست الآية كبيت النابغة فلذا أوّله الزمخشري والمصنف بغير موجب مع أنه لا يخلو من الكدر فإن التوحيد والطعن في آلهتهم موجب للإخراج عندهم فلا بد من ملاحظة كونه موجبا في نفس الأمر. ومن جعل إلا بمعنى غير هنا صفة عند المصنف وقال: وعندي أنّ البدل يصح من المضاف وفي أخرجوا معنى النفي أي لم يقروا في ديارهم إلا بأن يقولوا ربنا الله فيصح التسليط. فقد أخطأ فيهما لأن المصنف رحمه الله أراد الاستثناء كما في بيت النابغة وإذا جعل استثناء من غير فسد المعنى كما لا يخفى فتأمل. قوله: (عل أهل الملل (أي في كل عصر وهو إشارة إلى عمومه فالمراد بالمؤمنين مؤمنو كل أتة وأمّا تخصيصه وجعل حفظ البيع ونحوها لحماية أهل الذفة فيأباه مع بعده ما بعده ودفاع قراءة نافع على أنه مصدر فاعل. والرهابنة جمع رهبان وهو مخصوص بالنصارى القسيسين المختلين فالصوامع خاصة بهؤلاء والبغ عامة فيهم وقوله: كنائس اليهود الكنيسة غير مختصة باليهود على قول لأهل اللغة كما يشعر به كلام المصنف رحمه الله. قوله: (سميت بها الخ (وفي نسخة وسميت فهي جمع صلاة سمي بها محلها مجازاً فتنوينه كمسلمات وقيل هي بمعناها الحقيقي وهذمت بمعنى عطلت أو فيه مضاف مقدر وهي مما ألحق بجمع المؤنث من العلم كأذرعات ولا وجه له لأنه جمع

ص: 299

لا علم ولذا فسره بالجمع وقوله: صلوثا بفتح الصاد والثا المثلثة والقصر وبه قرئ في الشواذ ومعناه في لغتهم المصلى فلا يكون مجازاً والظاهر أنه اسم جنس لا علم قبل التعريب، وبعده لكن ما روي عن أبي عمرو من عدم تنوينه ومغ صرفه للعلمية والعجمة يقتضي أنه علم جنس إذ كونه اسم موضع بعينه كما قيل بعيد فعليه كان ينبغي مغ صرفه وعدم تنوينه على القراءة المشهورة فلذا قيل إنه صرف لمشابهته للجمع لفظاً فيكون

كعرفات والظاهر أنه نكر إذ جعل عاما لما عرّب، وأما القول بأن القائل به لا ينوّنه فتكلف.

قوله: (مساجد المسلمين (قيل حضت معابد المسلمين باسم المساجد لاختصاص السجدة في الصلاة بهم وهو مع أنه لا حاجة إليه رد بقوله: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ واركعي مع الراكعين} [سورة آل عمران، الآية: 43] وأخر ذكرها وإن كان الظاهر تقديمها لشرفها قيل إما لأن الترتيب الوجودي كذلك أو ليقع في جوار الصفة المادحة أو للتبعيد عن قرب التهديم، وتأخير صلوات عن معابد النصارى مع مخالفة الترتيب الوجودي له للمناسبة بين الصلاة والمساجد ولا يخفى أنّ الظاهر التوجيه بالتبعيد عن التهديم والاتصال بما بعده من صفات أهلها لأنّ الترتيب الوجودي غير مطرد والصفة المادحة ليست مخصوصة بها، كما فسره المصنف والمناسبة المذكورة لفظية لا معنوية وان كان مثله يتساهل فيه. قوله: (صفة للاربع الخ (وكون الذكر بعد نسيخ الشريعة مما لا يقتضيه المقام ليس بشيء لأن النسخ لا ينافي بقاءها ببركة ذكر الله فيها مع أن معنى الآية عام لما قبل النسخ كما مرّ وبه صرح المفسرون. وقوله: من ينصر دينه إمّا بيان للمعنى أو لتقدير مضاف فيه وقياصرتهم جمع قيصر والضمير للكفرة المفهوم من السياق لأنه لا يكون للعجم إلا بتسمح لا حاجة إليه. قوله: (وصف (لأن الموصول يوصف ويوصف به وقوله ثناء قبل بلاء يعني أن الله أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا وهذا مروي عن عثمان رضي الله عنه هنا. وقوله: وفيه دليل الخ عزاه في الكشاف إلى من قبله من المفسرين لأن دلالته لا تخلو من الخفاء لأنها إنما تتم إذا كان الذين هنا صفة أو بدلاً من الذين الأوّل وكانت إن الشرطية الدالة على الفرض! والتقدير هنا للوقوع كلعل وعسى من العظماء والمراد بالإخراج الهجرة وحقيقة الجمع على ظاهرها فلا وجه للتخصيص بعليئ رضي الله عنه، وقوله: فإن مرجعها الخ بيان لحاصل المعنى أو لتقدير في النظم، وقوله: كذبت بالتأنيث لأنّ القوم اسم جمع يجوز تذكيره وتأنيثه لحاصل المعنى أو لتقدير في النظم، وفوله: كذبت بالتأنيث لأن القوم اسم جمع يجوز تذكيره وتأنيثه ولا حاجة لتأويله بالأمّة أو تشبيههم بالنساء في قلة العقل واستغنى في عاد وثمود عن ذكره لاشتهارهم بهذا الاسم الأخصر والأصل في التعبير العلم فلذا لم يقل قوم صالح وقوم هود ولا علم لغير

هؤلاء. قوله: (وأصحاب مدين الم يقل وقوم شعيب عليه الصلاة والسلام قيل لأن المكذبين له من قومه أصحاب مدين خاصة وكونه مبعوثا إلى أصحاب مدين وأصحاب الأيكة كما يأتي في الشعراء وقومه أصحاب مدين وأصحاب الأيكة أجنبيون وكلاهما كذبوه لا يأباه كما قيل لأن مراده أنّ قومه المكذبين له هم هؤلاء لا غيرهم لأنهم وان كذبوه أجنبيون وتكذيب هؤلاء أسبق وأشد والتخصيص لأنه لتسلية النبيّ صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه فلا غبار عليه. قوله: (تسلية له الخ (قيل وتعيين لكيفية نصره الموعود به والإذن في الجهاد فليس فيه تصريح بالقتل وبكيفية الاتحاد في القتل والهلاك فيهما فلا يضر تغاير الهلاكين كما توهم وأوحدي بمعنى منفرد وياء النسبة للمبالغة. وقوله: قد كذبوا رسلهم إشارة إلى المفعول المحذوف اختصارا لظهوره لا لتنزيله منزلة اللازم. قوله: (غير فيه النظم الخ) بترك القوم وبنائه للمجهول وتكرير الفعل فيه فقوله لأنّ قومه توجيه لترك لفظ القوم. وقوله: وكان تكذيبه الخ توجيه لبنائه للمجهولى والتكرير بأن قبحه في تكذيبه كائنا من كان المكذب فلذا لم يقل كذبه القبط وقوله: وآياته الخ جملة حالية فإن قلت قوم موسى عليه الصلاة والسلام كذبوه وخالفوه فعبدوا العجل كما ورد في آيات كقوله: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [سورة البقرة، الآية: 55] وغيره قلت رذه في الكشف بأنهم لم يكذبوه بأسرهم كالقبط وأقوام غيره فعد تكذيبهم كلا تكذيب مع أنّ أكثرهم تاب وإنما ذكر في محل آخر لبيان أذيتهم له وما قاساه منهم فلا يرد هذا على المصنف كما توهم. قوله: (1 نكاري) إشارة إلى أن النكير مصدر كالنذير

ص: 300

بمعنى الإنذار وأن ياء الضمير المضاف إليها محذوفة في الفاصلة وأثبتها بعض القراء وقوله بتغير إشارة إلى أنّ الإنكار بمعنى تغيير ما هم عليه من النعمة والحياة وعمارة البلاد وتبديله لضده وهو من نكرت وأنكرت عليه إذا فعلت فعلا يردعه كما قاله الراغب لا بمعنى الإنكار اللساني أو القلبي وفي الأساس نكرته غيرته فلا مخالفة بينه وبين الزمخشري كما قيل إن الباء للملابسة وأنه لردّ ما في الكشاف من تفسيره بالتغيير لأن التغيير ليس عين الإنكار بل أثره. قوله: (فكأين) بمعنى كم التكثيرية والكلام فيها مبسوط في النحو. وقوله بإهلاك أهلها يعني أن نسبة الهلاك إليها مجازية أو فيها مضاف مقدر وقيل الإهلاك استعارة لعذم الانتفاع بها بإهلاك أهلها وأنه مراد المصنف لأنّ

الظلم صفة أهلها. وقوله بغير لفظ التعظيم أي أهلكتها. قوله: (ساقطة حيطانها الخ) يعني الخاوي إما بمعنى الساقط من خوي النجم إذا سقط والجار والمجرور لغو متعلق به ولما كان الظاهر ساقطة عليها عروشها أوّله بقوله بأن تعطل الخ. والسقوف تفسير للعروش هنا وأما بمعنى خالية وعلى بمعنى مع كقوله: وآتي المال على حبه واليه أشار بقوله: أو خالية الخ. وقوله: فيكون الجار الخ أي على الوجهين. وما قيل إنّ تعلقه على الثاني معنوي لأنّ الظرف حال خروج عن الظاهر بلا سبب وان صح. وقوله ويجوز أي على كونها بمعنى خالية ومطلة بالطاء المهملة وتشديد اللام بمعنى مشرفة عليها بسبب ميلها بعد سقوط سقوفها إن كان مائلة من الميل. وقيل إنه بالثاء المثلثة من المثول وهو الانتصاب من مثل بين يديه إذا قام ومطل يتعدى بعلى ومظلة بالمعجمة يكون بمعناه لكنه يتعدى بنفسه. قوله: (والجملة معطوفة على أهلكناها الخ (ولما كان المراد بأهلاكها إهلاك أهلها صح ترتبه عليه ولولاه لكان عينه فلا يصح عطفه وأما عطفه على الجملة الحالية فلم يرتضه لأن خواها ليس في حال إهلاك أهلها بل بعده وأما جعلها حالاً مقدرة معطوفة على الحال المقارنة وان ادعى بعضهم صحته وكذا اذعاء مقارنتها بأن يكون هلاكهم بسقوطها عليهم فكلاهما خلاف الظاهر ويجوز عطفه على جملة وكأين الاسمية لترتب الخوا على الهلاك. وقوله: فلا محل لها لأنها جملة مفسرة ولا محل لها كما في المغني وقوله: فمحلها الرفع لعطفها على الخبر. قوله: (وكم بئر عامرة في البوادي (العمارة تفهم من التعطيل لأنه يكون بعدها وكونها في البوادي جمع بادية يفهم من عطفها على القرية وأعطله وعطله بمعنى كما في الكشاف. وقوله: مرفوع تفسير لمشيد من أشاد البناء إذا رفعه أو معناه مبني بالشيد بالكسر يعني وهو الجص وهو يبنى به. وقوله: أخليناه عن ساكنيه صفة مقدرة بقرينة السياق وقوله: معطلة. قوله: (وذلك يقوي الخ (التقوية بحسب المعنى لا بمجرد المناسبة بين خلو القصر وخلو القرية في الخلو عن الانتفاع مع البقاء كما توهم لأنه لر كان كذلك لكان تأكيداً والتأسيس أولى. فلذلك اعترض عليه من لم يتنبه لمراده ووجهه أد القصر في القرية فلو سقط ما فيها من البناء لم يكن القصر مشيدا إلا إذا ادعى أنه خارج عها

وأن كونه مشيداً باعتبار ما كان وكلاهما خلاف الظاهر. قوله: (وقيل المراد الخ (وجه تمريضه أن التنكير والتكثير ظاهر في خلافه وأما كون ذلك مراداً بطريق التعريض حتى لا ينافي ذلك فبعيد. وحضرموت بلدة شرقي عدن وهي بفتح الراء والميم يوضمان ويبنى ويضاف وفي الكشاف وإنما سميت بذلك لأنّ صالحا عليه الصلاة والسلام حين حضرها مات وهذه رواية وقيل إن قبره بالشام بعكا وأما كونه مات ثمة ونقل إلى عكا فخلاف الظاهر ومثله يحتاج إلى النقل وسفح الجبل أسفله أو ما قرب منه وهو المشهور وقلة الجبل أعلاه وحنظلة بن صفوان نبي كما ذكره الزمخشري. قوله: (من بقايا قوم صالح عليه الصلاة والسلام لم يقل أنه نبي لأنه لم يتبين له حاله ولم يصف قومه بالإيمان كما في الكشاف لأن المشهور عدم إيمانهم ولهذا قال المتنبي:

أنا في أمّة تداركها الله غريباً كصالح في ثمود

قوله: (حث لهم على أن يسافروا الخ (يعني أن الاستفهام ليس على حقيقته بل المقصود

به الحث على سفرهم للنظر والاعتبار كما تقول لتارك الصلاة ألم تعلم وجوبها فتصلي هذا إن كانوا

ص: 301

لم يسافروا وان كانوا سافروا فهو حث على النظر وذكر السفر لتوقفه عليه لا للحث عليه فما قيل إن المقصود هو الاعتبار والاتعاظ فإذا ترتب ذلك على سفرهم لا تمس الحاجة إلى أن يكون سفرهم لهذا الغرض وينبغي أن يقول: بدله لم لا ترتب على سفرهم ذلك إلا أن تكون اللام في قوله لذلك للعاقبة كلام ناشئ من قلة التدبر ويجوز أن يكون الاستفهام للإنكار أو التقرير فتأمل. قوله: (فتكون (منصوب في جواب الاستفهام أو النفي وقوله ما يجب الخ هو مفعول يعقلون المحذوف لدلالة المقام عليه اختصاراً ومن التوحيد بيان لما وبما متعلق بيعقلون والاستدلال عطف تفسير للاستبصار وما يجب أن يسمع مفعول يسمعون وبحال متعلق بالتذكير ولم يذكر الأعين لأنها لا عبرة بها مع عمي القلب. قوله: (الضمير للقصة (يعني أنه ضمير شأن مفسر بالجملة بعده وأنث باعتبار القصة فإنه يجوز تذكيره وتأنيثه بدليل أنه قرئ فإنه في الشواذ أو هو ضمير مبهم يفسره الأبصار وكان أصله فإنها الأبصار لا تعمى على أنه خبر بعد خبر فلما ترك الخبر الأوّل أقيم الظاهر مقام الضمير لعدم ما يرجع إليه ظاهراً فصار فاعلا مفسراً

للضمير. واعترض عليه أبو حيان بأنه لا يجوز لأن الضمير المفسر بما بعده محصور في أمور ليس هذا منها وهي باب رب ونعم الأعمال والبدل والخبر وضمير الشأن كما صرح به النحاة. فما قيل إنه ليس بمحصور وانه يلزم تأخير المفسر للضرورة وحقه التقديم وهم ورد بأنه من باب المبتدأ والخبر نحو وان هي إلا حياتنا الدنيا ولا يضره دخول الناسخ عليه فهو غفلة كما قيل وفيه نظر. قوله: (عن الاعتبار (متعلق بتعمي والمشاعر الحواس الظاهرة وإيفت بكسر الهمزة والياء التحتية والفاء مجهول آفه إذا أصابه بآفة فهو مؤف وايف كقيل فعله المبني للمفعول. قوله: (وذكر الصدور للتثيد الخ (فهو مثل يقولون بأفواههم وطائر يطير بجناحيه كذا قال الزجاج: وقال الزمخشري إنه لزيادة التصوير والتعريف ليتقرّر أن مكان العمي هو القلوب لا الإبصار كما نقول ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك فقولك الذي بين فكيك تقرير لما ادعيته للسانك وتثبيت لأن محل المضاء هو هو لا غير وكأنك قلت ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهواً مني، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمداً فقال: بعض شراحه التوكيد في يطير بجناحيه لتقرير معنى الحقيقة وأن المراد بالطير المتعارف وفي تعمي القلوب التي في الصدور لتقرير معنى المجاز وأن العمي مكانه القلب البتة. واليه أشار المصنف وظاهره ينافي قول المصنف نفي التجوّز الموافق لكلام الزجاج ولا منافاة بينهما عند التحقيق فإن توصيف القلوب واللسان بما ذكر يدل على أن المراد بها ظاهرها لكن ما وصفت به كالعمي والمضاء ليس حقيقة إلا بطريق الادعاء فهو لنفي التجوّز عن القلوب وتقرير التجوز في الصفة المثبتة له وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله وفضل التنبيه الخ ومنه يعلم ما في كلام الشارح فتدبر. قوله: (قيل لما نزل الخ (لعل تمريضه لعدم ثبوته عنده لأنّ ابن أم مكتوم رضي الله عنه لا يخفى عليه مثله لا لأن التخصيص يأباه المقام والسياق لأن خصوص السبب لا يخصص لكنه قيل عليه إنه يقتضي أن يكون المعنى لا تعمي الأبصار في الآخرة. ولكن تعمي القلوب ويرده قوله: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا} [سورة طه، الآية: 25 ا] وأجيب بأن كون المعنى ما ذكر يأباه قوله: فإنها الخ ولا يقتضيه ما ذكر من سبب النزول بل هو يقتضي كون المعنى لا تعمي الأبصار في الدنيا فإن عماها ليس بعمي في الحقيقة في جنب عمي القلب فلا اعتبار به، ولكن تعمي القلوب وابن أتم مكتوم رضي الله عنه ليس أعمى القلب فلا يدخل تحته ومن كان في هذه أعمى أي أعمى القلب فهو في الآخرة أعمى أي أعمى البصر لأن فيها تبلى السرائر. وهذا المعنى لا يأباه قوله لم حشرتني أعمى بل يوافقه ومن لم يتنبه له أجاب عنه بأنه لا يتعين قوله أعمى لإرادة أعمى البصر لما سبق من تفسيره بعمي القلب. وابن أثم مكتوم رضي الله عنه صحابيّ معروف. قوله: (ويستعجلونك! هو خبر لفظا واستفهام

وإنشاء معنى وقوله لامتناع الخلف في خبره بناء على أن الوعيد والوعد خبر فلو أخلف لزم الكذب عليه تعالى وهو محال وأما وقوعه في حق العصاة مع قوله لا يبدل القول لدفي فلأن المراد بمثله الأحني ر عن اش! اقه لا عن إيقاعه أو هو مشروط بعدم العفو لقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة طه، الآية: 48] فإن قيل إنه إنشاء فلا إشكال وقوله: فيصيبهم الفاء فيه سببية وقوله

ص: 302

لكنه صبور فليس التأخير للعجز ولا للإهمال. قوله: (بيان لتناهي صبره (يعني أنه لما ذكر استعجالهم وبين أنه لا يتخلف ما استعجلوه وإنما أخر حلما وصبرا منه إشارة إلى تناهي صبره أي بلوغه النهاية لا انتهاؤه ونفاده وهو يرد بهذا المعنى أيضا لأن اليوم ألف سنة عنده فما استطالوه ليس بطويل بالنسبة إليه بل هو أقصر من يوم. فلا يقال إن المناسب حينئذ أن ألف سنة كيوم والقلب لا وجه له هنا والتأني التمهل وعدم العجلة والاسم منه الأناة وههنا فائدة في شروح الكشاف في قوله وهو سبحانه حليم لا يعجل ومن حلمه ووقاره واستقصاره المدد فقال: في الانتصاف الوقار المقرون بالحلم يفهم منه لغة قال: سكون الأعضاء وطمأنينتها فلا يجوز اطلاقه على الله كالتؤدة والتاً ني والأناة وكذا في الانصاف قال: وأما قوله ما لكم لا ترجون الله وقارا فهو بالعظمة ولذا أسقطه المصنف لكنه غفل عن التأني فيلزمه تركه فافهم. قوله: (أيام الشدائد مستطالة (أي تعد طويلة كما قيل:

تمتع أيام السرور فإنها قصار وأيام الهموم طوال

وقوله بالياء أي في قوله: تعدون لموافقة قوله يستعجلونك وعلى المشهورة فيه التفات.

قوله: (وأقيم المضاف إليه الخ (أما قيامه مقامه في الإعراب فظاهر وأما في إرجاع الضمائر ففيه نظر لأن الظاهر أنها راجعة للمضاف المقدر وكذا الأحكام فهو يقتضي أن يكون مجازاً إلا أن يقال إنه بناء على الظاهر وأما التعميم فلأن نسبته إلى المحل يقتضي شمول جميع ما فيه والتهويل من جهة لحوق ما ذكر بسبب من فيه لمحله. وأنه يعذب بما نزل بهم الجماد فضلا عنهم. قوله: (وإنما عطف الأولى بالفاء الخ (يعني أن الأولى أبدلت من جملة مقرونة بها فأعيدت معها لتحقيق البدلية وهذه ليست كذلك بل هي جمل متناسفة ولم يقصد ترتب بعضها

على بعض فناسب عطفها بالواو وقيل الواو فيها وفيما قبلها اعتراضية والاعتراض لا يخلو من الاعتراض وقيل الجملة الأولى مرتبة على ما قبلها بخلاف هذه وقوله: لعادته وهي الاستدراج والصبر وقوله: كما أمهلتكم ومثلكم إشارة لأنه وعيد بأن يحل بهم ما حصل بهم. قوله: (وإلى حكمي مرجع الجميع) فيه إشارة لمضاف مقدر في إليّ وأن الألف واللام في المصير عوض عن المضاف إليه أو استغراقية. ويحتمل أنه بيان لحاصل المعنى والجميع إما جميع الناس أو جميع أهل القرية وتقديم إلى للحصر والفاصلة. قوله: (أوضح لكم ما أنذركم به (الإيضاج معنى قوله مبين والحصر ليفيد أنه ليس بيده إيقاع ما استعجلوه بل الإنذار به ولذا اقتصر عليه وعموم الخطاب في يا أيها الناس لشموله للكافرين والمؤمنين. وقوله: لأن الخ تعليل للاقتصار، وقوله وإنما ذكر المؤمنين توطئة لما بعده، وقد جوّز تخصيصه بالمشركين والمراد بالمؤمنين من آمن منهم ورجع عن كفره أو ذكرهم استطرادي ويجوز حمل كلام المصنف عليه ولا مانع منه، وقوله زيادة في غيظهم يشير إلى أنه بحسب المآل إنذار وقيل الآية واردة لبيان ما يترتب على الإنذار من انتفاع من قبله وهلاك من رذه كأنه قيل أنذر يا محمد هؤلاء الكفرة وبالغ فيه فمن قبل وآمن فله ثواب عظيم ومن دام على كفره فقد أديت حقك فقاتلهم ليعذبهم الله في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالعذاب. وذكر القتل وان لم يكن له ذكر هنا إشارة إلى أن الآيات مرتبطة بقوله: أذن للذين يقاتلون الخ. وان بعد ذكره فلا يرد عليه أنه لا دلالة عليه في النظم مع أنّ عدم ذكر المنذر به للتعميم فيه فيشمل عذاب الدارين. وقيل المنذر به قيام الساعة لأن بعثته من المنذرات كما قال صلى الله عليه وسلم: " أنا النذير العريان " والخطاب عام للمؤمن والكافر ولا مانع منه ما توهم وكون المؤمنين لا ينذرون لا سيما وفيهم الصالح والطالح مما لا وجه له والاشتغال بمثله من الفضول. وقوله: ندر بالنون ودال مهملة أي ظهر وصدر منهم من قولهم ندر فلان من بلده إذا خرج أو المراد صدر على طريق الندور بيان لا غلب حال المؤمنين وهو غلبة حسناتهم على سيئاتهم وإنما ذكره لئلا ينافي قوله عملوا الصالحات لأن من ان عمله كذلك لا ذنب له يغفر. قوله: (هي الجنة (فسره بها لوقوعه بعد المغفرة وتسميتها رزقا لأنه

بمعنى عطاء والكريم بمعنى الفائق في صفات غير

ص: 303

الآدميين كما أشار إليه وقوله بالردّ والإبطال لأنه يقال سعى في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه فيه. قوله: (مسابقين مشاقين (يعني أنه حال من الضمير والمعاجزة بمعنى المسابقة مع المؤمنين على طريق الاستعارة للمشاقة لهم ومعارضتهم فكلما طلبوا إظهار الحق طلب هؤلاء إبطاله كما يقال جاراه في كذا قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا} [سورة العنكبوت، الآية: 4، وقوله: فأعجزه وعجزه فهو مطاوعه وقوله: لأن الخ توجيه لتسمية المسابقة معاجزة لا بيان لأنه مجاز فيها كما يعرف من اللغة وقراءة أبي عمرو معجزين بالتشديد والباقون قرؤوا معاجزين، وقوله: على أنه حال مقدّرة أي على قراءة معجزين لأن التعجيز المطاوع بمعنى السبق وهو لم يحصل لهم وإنما قدروه كذا قيل. ورد بأن الحال المقدرة فسرها النحاة كما في المغني بالمستقبلة كادخلوها خالدين والتعجيز لم يقع في المستقبل غايته أنهم قدروه وزعموه ومثله لا يسمى حالاً مقدرة ودفعه يعرف بالتأمل فيه وكذا ما قيل إنه يجوز أن يكون حالاً مبينة بناء على زعمهم ولا يخفى أنه لا يناسب لأن السبق إنما يكون بعد السعي كما قيل:

والسبق يعرف آخر الميدان

نعم إذا كان بمعنى التثبيط أو النسبة إلى العجز وهو المناسب لقوله: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} لم تكن مقدرة ومن في من قبلك ابتدائية وما بعدها زائدة. قوله: (الرسول من بعثه الله بشريعة مجدّدة الخ (في الفرق بين الرسول والنبيّ أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله وهي ظاهرة وإنما الكلام فيما أورد هنا من الاعتراضات والنقوض منها ما أورد على المصنف رحمه الله أنه قال في سورة مريم أن الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة فإن أولاد إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانوا على شريعته ومنهم رسل. ورد بأنه مشى على قول المرضيئ هنا وذكر ما ذكر ثمة تبعا لغيره مع إشارة ما إلى توجيهه، فإنه يجوز أن يراد برسولاً ثمة معناه العامّ ونبيا بيان له على وجه التأكيد كما أنه مؤكد له إذا أريد به معناه الحاصل أيضا. وقيل الرسول من بعث إلى قوم بشريعة جديدة بالنسبة إليهم وان كانت الشريعة غير جديدة في نفسها كإسماعيل عليه الصلاة والسلام إذ بعث لجرهم أوّلاً لكن حمل كلام المصنف رحمه الله عليه بعيد. وقيل الرسول من له تبليغ في الجملة وإن كان بياناً وتفصيلاً لشريعة سابقة والنبيّ من لا

تبليغ له أصلاً وهو قول مشهور وارتضاه كثير من العلماء، وفي هذا المقام كلمات كثيرة أكثرها مضطرب. وقوله: ولذلك شبه الخ أي لكون علماء هذه الأمة مقررين للشرع كانوا كأنبياء بني إسرائيل. قوله: (ويدل عليه (أي على أن النبيّ عائم لا على عمومه بالوجه المذكور فإن قوله الرسل منهم صريح فيه والحديث المذكور قال ابن الجوزي رحمه الله أنه موضوع وليس كما قال فإنه رواه ابن حبان والحاكم كما قاله ابن حجر وفي سنده ضعف خبز بالمتابعة، وتجفا بالمذ والقصر بمعنى كثيراً وتفصيله في باب المصدر من النحو. قوله: (وقيل الرسول من جمع الخ (هو ما ذهب إليه الزمخشري وضعفه لأنّ بينهما تباينا على هذا وصريح الحديث السابق ينافيه وكذا قوله رسولاً نبياً وأيضا عدد الكتب وهو مائة وأربعة كما روي في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه يأباه وتكرار النزول بعيد وأبعد منه الاكتفاء بكونه معه وإن لم ينزل عليه وأقرب منه ما قيل من له كتاب أو نسخ في الجملة وعدم نسخ إسماعيل عليه الصلاة والسلام ممنوع. قوله: (وقيل الرسول يأتيه الملك (يقظة بالوحي قائله الرازي ووجه ضعفه أنه يقتضي التباين كما مرّ. وكون بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يوح إليه إلا مناما بعيد ومثله لا يقال بالرأي وامّا إنّ المنامات واقعة لازمة لنبينا صلى الله عليه وسلم فليس بشيء كما توهم وفي الإنصاف للعراقي إن حديث سئل عن الأنبياء رواه ابن حبان والحاكم في مستدركه من حديث أبي ذز رضي الله عنه بلفظ أربعة وعشرون ألفا وذكره ابن الجوزي ورواه أحمد واسحق وابن راهويه في مسنديهما من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بلفظ أربعة وعشرون ألفاً وقال الرسل ثلثمائة وخمسة عشر. قوله: (إلا إذا تمنى (جملة شرطية وهي إمّا حال أو صفة أو الاستثناء كقوله: {إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ} [سورة الليل، الآية: 6 ا] الخ وأفرد الضمير

ص: 304

بتأويل كل واحد منهما أو بتقدير كما في قوله والله ورسوله أحق أن يرضوه كما مرّ وقوله زوّر في نفسه أي هيأه وقدره

وليس من الزور بمعناه المعروف كما لا يخفى ووقع في نسخة أزور أي خبئ وهو تحريف وروز بتقديم الراء وهو بمعناه الأوّل وقد ورد في حديث عمر رضي الله عنه المعروف وما يهواه ما يحبه وتشتهيه نفسه وقوله: في تشهيه ظاهره أنها مصدر وقال الراغب الأمنية الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء وما مفعول ألقي مقدر ويجوز أن يكون مفعول تشهيه ويجوز أن يكون المعنى إذا تمنى إيمان قومه وهدايتهم ألقي الشيطان إلى أوليائه شبها فينسخ الله تلك الشبه ويحكم الآيات الدالة على الحقيقة ودفع الشبه.

قوله: (إنه ليغان على قلبي الخ) حديث صحيح وأطمشايخ والشراح فيه كلام طويل والغين قريب من الغيم لفظا ومعنى أن يعرض لقلبي ويغشاه بعض أمور من أمور الدنيا والخواطر البشرية مما يلزمه للتبليغ لكنها لإشغالها عن ذكر الله يعدها كالذنوب فيفزع إلى الاستغفار منها وسبعين للتكثير لا للتخصيص. قوله: (ثم يحكم الله الخ) أتى بثم لأنّ الأحكام أعلى رتبة من النسخ وفسر النسخ بإزالة ما وقع في نفسه بسبب أن يعصمه ويرشده والأحكام بتثبيت أمور الآخرة وازالة غيرها وقوله: حدث نفسه بزوال المسكنة ضعفه لأنه لا يلائم قوله: فتنة للذين في قلوبهم مرض. قوله: (وقيل تمنى لحرصه الخ) النادي بمعنى المجلس والمراد مجلس اجتمع فيه المسلمون والمشركون. وقوله: سبق لسانه سهواً هدّا غير صحيح لأنه صلى الله عليه وسلم محفوظ عن السهو بما يخالف الدين والشرع لأنّ التكلم بما هو كفر سهواً أو نسياناً لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالإجماع وإذا سهاء! ي! في صلاة ونحوها كان تشريعاً حتى قال بعض المشايخ أنّ سجدة السهو في حقه لمجير سجدة شكر. وأيضا السهو بمثل هذا من كلام مسجع مناسب لسباقه ولحاقه بعيد جدا، وكونه عحير أفصح الناس فلا يقال حاله بغيره لا وجه له هنا، وقوله: ألقى الشيطان في أمنيته يأباه ظاهر الآية ولو كان كذلك قال على لسانه، وقوله: أن قال: تقديره إلى أن قال. قوله: (الغرانيق (جمع غرنوق كزنبور أو فردوس طائر مائيّ

أنه

معروف أبيض وقيل أسود كالكركي وقيل إنه الكركي ويتجوّز به عن الشاب الناعم والمراد بها هنا الأصنام لأنها لزعمهم أنها تقرّب إلى الله وتشفع شبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترتفع، وشايعوه بمعنى تابعوه ووافقوه فيه. وقوله: في آخرها الضمير السورة النجم، وقوله: فاغتم لذلك أي بسبب ما وقع منه وعزاه بمعنى سلاه. قوله: (وهو مردود عند المحققين وإن صحأ1 () إشارة إلى عدم صحته رواية ودراية أما الأوّل فلما قال القاضي عياض إنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة بسند صحيح معتمد عليه وبالغ بعضهم فقال: إنه من وضع الزنادقة وأكثر المحدثين على عدم صحته إلا ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف فإنه ردّ على القاضي عياض وقال إنه صحيح روى من طرق عديدة. وأمّا الثاني فلما مرّ فعلى تقدير صحته يكون خرج مخرج الكلام الوارد على زعمهم أو على الإنكار لا غير أو المراد بالغرانيق الملائكة، واجماله للابتلاء به، وأمّا كونه ابتلاء من الله ليختبر به الناس كما ذكره المصنف رحمه الله فلا يليق لأنه إن كان بسهو فقد علمت أنه محفوظ عن مثله وان كان بتكلم الشيطان واسماعه لهم فكذلك لما يلزمه من عدم الوثوق بالوحي. قوله:(وقيل تمنى قرأ (والظاهر أنه مجاز قال الراغب التمني يكون عن ظن وتخمين وقد يكون عن روية وبناء على أصل ولما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يبادر إلى ما ينزل به الروج الأمين على قلبه حتى قيل لا تعجل بالقرآن سميت تلاوته على ذلك تمنيا 0 ونبه أنّ للشيطان تسلطاً على مثله في أمنيته وذلك من حيث بين أن العجلة من الشيطان والشعر لحسان رضي الله عنه، والرسل والترسل في القراءة الترتيل والقراءة بتؤدة وسكينة من غير سرعة. وضمير تمني لعثمان رضي الله عنه. قوله: (وإلقاء الشيطان فيها)

أي في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بناء على تفسير تمني بقرأ وهو بيان لوجه ضعف هذا القول لأنّ إلقاء الشيطان إن كان بتكلمه كما ذكره يرتفع الوثوق بالقرآن وضمن الوثوق معنى الاعتماد فلذا عداه بعلى

ص: 305

كما أنّ وقوع السهو بمثله مخل به أيضا لأنّ من يسمعه قد لا يستمر على صحبته. حتى يقال إن استمراره على قراءته يدفع أن يكون ما صدر منه سهوا لو جوّز عليه السهو في الموحى به. وقيل معنى إلقاء الشيطان فيها إلقاء الشبه والتخيلات فيما يقرؤه على أوليائه ليجادلوه بالباطل وهو المناسب للمقام. ولا يخفى نبوّ ظاهر النظم عنه. قوله: (ولا يندفع بقوله فينسخ الله ما يلقي الشيطان الخ (جواب عما قيل من أنه لا يختل الوثوق بما يلقيه الشيطان لأنه ينبه عليه فينسخ ويزال بأنه إذا لم يوثق بالوحي لا يوثق بقوله فينسخ الله ما يلقي الشيطان فالتوهم باق كما كان. وقوله لأنه أيضاً يحتمله أي كما يحتمل غيره مما يتلوه لو جوّز تكلم الشيطان على لسانه 0 فما قيل إن قوله أيضا تشبيه لهذا القول في المردودية عند أهل الحديث بالقول السابق والا لم يصح التشبيه غفلة عن مراده، وكذا ما قيل إنّ إعجازه إذا انضتم إلى مقدار أقصر سورة يدل على أنه من الله فإنه يحتمل أن يكون الإعجاز للمجموع أو لما انضم إليه. فلا وجه لما قيل إنه ظاهر الورود ولا لقول إن مواظبته صلى الله عليه وسلم على قراءته وتلقى الصحابة عنه يدفع هذا الاحتمال لما مرّ. وقوله: والآية الخ يعني على القولين الأوّلين وفيه نظر لأنك قد عرفت أنّ مثل هذا السهو لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأيضاً هو غير متعين حتى يكون دليلاً فتأمّل. قوله: (ما يلقى الشيطان) ما مصدرية أو موصولة. وقوله: علة لتمكين الشيطان إشارة إلى أنه متعلق بألقى لا بمحذوت دل عليه ألقى لأنه إذا ألقاه فقد تمكن منه، وضمير منه للإلقاء وقيل للرسول صلى الله عليه وسلم لا يقال إذا لم يقدر تمكن من إلقائه على نبينا صلى الله عليه وسلم يكون الجعل والعلم المذكوران سببين للإلقاء في أمنية الرسول والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والعلم بان القرآن حق وليس كذلك لأنه بالنسبة للأنبياء يكفي لصحة التعليق عموم العلة الأولى وكون الثانية لبعض ما تضمنه. وقوله: أمر ظاهر كما يتعلق به سهواً أو ما يشتهيه باعتبار ما يظهر منه من اشتغاله بأمور الدنيا إذ هو بهذا الاعتبار ظاهر كما أشار إليه لا مجرّد الخواطر وحديث النفس كما مر فإنه لا يفتتن بما لم يطلع عليه، وقيل إنه إشارة إلى ضعف ما اختاره في تفسير ألقى الشيطان في أمنيته واًن الأولى التفسير بإلقاء الشبه كما مز. قوله: (شك ونفاق! قيل هذا هو المناسب لقوله تعارى في المنافقين: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} وتخصيص المرض! بالقلب دليل عليه لعدم إظهار كفرهم بخلاف الكافر المجاهر. فقول بعضهم من زعم أن المراد بهذا المنافق فكأنه غافل عن أنه أقسى

قلبا من الكافر المجاهريرده أنه لو سلم فليس في كلام المصنف رحمه الله ما يمنعه إذ مرضه لا يورث رقة قلب. واعترض عليه بأنّ عدم انجلاء صدأ قلبه بصيقل المخالطة للمؤمنين يرشد إلى أنه أقسى قلبا فاندراج من دونه في القسوة دونه يأباه الذوق السليم وهذا كله من ضيق العطن فإن في مرتبة الشك ليس مثل من هو في مرتبة الجحد وإن كان أشد منه من وجه آخر ولذا قدم هنا كما مرّ في سورة البقرة وقوله: موضع ضميرهم بضم الهاء على أنّ المراد لفظه وكسرها على أنه ضمير الفريقين وقوله: قضاء عليهم بالظلم أي حكما عليهم بأنهم ظالمون أو بالفتنة بسبب ظلمهم. قوله: (عن الحق أو عن الرسول الخ (متعلق ببعيد والبعيد صاحبه فإسناده إليه مجاز كما في ضلال بعيد والشقاق والمشاقة المنافرة والعداوة كأنّ كلاً في شق غير شق الآخر. قوله: (إنّ القرآن هو الحق النازل (قدمه لأنه المناسب لقوله ولا يزال الذين كفروا الخ وكونه علة لتمكين الشيطان من الرسل باعتبار اندراجه فيهم فلا يرد عليه أن التخصيص يأباه قوله: من رسوله ولا نبيّ الدال على الاستغراق. وقوله: بالقرآن أو بالله لف ونشر على التفسيرين. وقوله: يوصلهم هو وجه الشبه بين الصراط المستقيم والنظر الصحيح. قوله: (من القرآن (فمن ابتدائية ومما ألقى من فيه ابتدائية أو تعليلية. وقوله: يقولون بيان لافترائهم فيه والمراد بذكرها أي الأصنام بخير قوله تلك الغرانيق العلا. قوله: (حتى تأتيهم الساعة بغتة (هو مع ما بعده غاية لامتراء الكفار كلهم أو جنسهم على التوزيع. وقوله: القيامة هو على ظاهره لأنه يتبين فيه زوال المرية لكل أحد ويؤيده قوله الملك يومئذ الحق كقوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ} [سورة غافر، الآية: 6 ا] وإذا أريد بها الموت

ص: 306

فالتعريف للعهد في الساعة واختصاص الملك بالله حينئذ لنفاذ حكمه فيه دون غيره والتقسيم حينئذ باعتبار حالهم من الإيمان أو الكفر وقيل المراد بالساعة الموت فإنه من طلائعها ضرورة أن منهم من لا يبقى إلى قيام الساعة بل تزول مريته بالموت وقيل إذا أريد بها القيامة أو أشراطها فالمراد بالذين كفروا الجنس والآية تتضمن الأخبار عن بقاء الجنس إلى القيامة لكن لا يصح مقابله قوله: {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ} الخ فإنه ليس غاية لزوال مرية الجنس إلا أن يعود الضمير استخداما للكفرة المعهودين كما إذا أريد بها الموت ولا يخفى ما فيه من التكلف. وأمّا إذا أريد الإشراط فهو مجاز أو بتقدير مضاف وقد عرفت ما فيه. قوله:

) سمي به الخ (يعني أنّ حقيقة العقم عدم الولادة لمن هو من شأنه واليوم ليس كذلك فجعله عقيما مجازا ما في الطرف أو الإسناد بأن يراد بالعقم الشكل استعارة وعليه اقتصر المصنف أو مجازاً مرسلا بإرادة عدم الولد مطلقاً وإسناده إلى اليوم مجاز لأنه صفة من هو فيه من النساء وهذا سماه أهل المعاني المجاز الموجه من قولهم: ثوب موجه له وجهان. قوله: (أو لأنّ المقاتلين أبناء الحرب) أي عرف تسميتهم بأبناء الحرب لملازمتهم لها كما يقال ابن السبيل وأبناء الزمان والعقم مجاز عن الثكل أيضا لكنه شبه فيه يوم الحرب بالنساء الثكالى والمقاتلون بأبنائها تشبيها مضمراً في النفس ففيه استعارة مكنية وتخييلية والإسناد مجازي أيضا والتجوّز لا يمنع التخييل لأنه على حد قوله ينقضون عهد الله. قوله: (أو لأنه لا خير لهم فيه (فالاستعارة تبعية في عقيم متفرّعة على مكنية شبه ما لا خير فيه من الزمان بالنساء العقم كما شبهت الريح التي لا تحمل السحاب ولا تنفع الأشجار ببردها حتى تثمر بها بتلك. قوله: (أو لأنه لا مثل له الخ (فالاستعارة تبعية أيضا جعل اليوم لتفزده عن سائر الأيام كالعقيم كأن كل يوم يلد مثله فما لا مثل له عقيم وعلى هذا يصح أن يراد به يوم بدر وتفرده بقتال الملائكة عليهم الصلاة والسلام فيه أو يوم القيامة كما أشار إليه المصنف وتفرّده ظاهر ولا يلزم إفحام الكاف في قوله كيوم بدر أو لأنه كما قال الجوهرفي قيل: ليوم القيامة عقيم لأنه لا يوم بعده كما قال:

إنّ النساءبمثله لعقيم

قوله: (او يوم القيامة (عطف على قوله يوم حرب وهو مجاز كما في الوجه الثالث والرابع وإنما قال على أنّ المراد بالساعة غيره للعطف باو والظاهر أن غيره الموت أو الإشراط فالمعنى مريتهم مغياة بأحد الأمرين والأوّل بالنسبة لمن يموت قبل يوم القيامة، والثاني بالنسبة لمن بقي له ولو على الفرض إذ المراد عدم زوال شكهم فلا حاجة إلى أن يقال أو لمنع الخلو حتى يتكلف له ما لا داعي له ولا يرد أن عذاب يوم القيامة ليس غاية للمرية. قوله: (أو على وضعه موضع ضميرها للتهويل (أي يجوز أن يراد بالساعة يوم القيامة ويوم عقيم وضع موضع الضمير للتهويل والتخويف منه لأنه بمعنى شديد لا مثل له في شذته وأو في محلها التغاير اليوم وعذابه وهي لمنع الخلو ولا محذور فيه. قوله: (أي يوم تزول مريتهم (تفسير للجملة التي دلت عليها الغاية وقدره الزمخشري يوم يؤمنون لأنه لازم لزوال المرية واختصاص الملك به إن أريد

به يوم القيامة ظاهر وكذا أشراطها لأنها في حكمه وكذا إن أريد الموت كما مرّ لكن موله يحكم بينهم ظاهر في الأوّل لأنه يوم الجزاء وكذا ما بعده وقوله يعم المؤمنين والكافرين لذكرهما أولاً وأن كان ذكر الكافرين قبله ربما يوهم تخصيصه بالكافرين وهذه الجملة إمّا حال أو مستأنفة. قوله: (وإدخال الفاء في خبر الثاني الخ) فالثواب محض إحسان وفضل ولا ينافيه قوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} وقوله: بما كانوا يعملون لأنها بمقتضى وعده على الإثابة عليها قد تجعل سبباً فلا حاجة إلى جعل الباء في الثاني للمقابلة لمخالفته للظاهر وقوله مسبب عن أعمالهم المستوجبة لعقابهم ولذلك جيء بأولئك للإشارة إلى المتصفين بتلك الصفات وقيل لهم بلام الاستحقاق وكان الظاهر في عذاب مهين كما قيل في جنات النعيم. وقول المصنف هم في عذاب كان الظاهر حذف هم. وقوله: في الجهاد قيده به لأنه هو الممدوح مع أنّ المقام يقتضيه. قوله: (الجنة ونعيمها الخ اليرزقنهم جواب قسم والقسم وجوابه خبر أو مقول قول هو الخبر على خلاف بين النحاة والأصيح الأوّل. وفسر الرزق الحسن بالجنة ونعيمها ولا لجضرّه تكرّره مع ما بعده

ص: 307

إن لم نقل إنه يدل على ما لا يدلّ عليه من كونها مدخلاً مرضيا لأنّ الرضا غير معلوم فيما سبق لأنه بدل منه مقصود به تأكيده أو استئناف مقرّر لمضمونه. وأمّا ما قيل من أنّ المراد بالرزق الحسن ما لهم في البرزخ قبل دخول الجنة لأنّ الرزق الحسن فيها لا اختصاص له بمن هاجر أي خرج من وطنه مجاهدا في سبيل الله من المؤمنين. فقد رد بأنه لو صح ما ذكره لم يصح أن يراد بالمدخل الجنة إذ لا اختصاص فيه أيضا مع أنه ممنوع فإنّ تنكير رزقا ومدخلا يجوز أن يكون للتنويع وذلك النوع مختص بهم وهو مما لا وجه له فإنّ وعد من لا يخلف الميعاد المقترن بالتأكيد المسمى بالجنة ونعيمها ودخولهم على ما يحبون ويرضون فيه من التشريف لهم والتبشير ما لا يخفى. والاختصاص وعدمه مما لا حاجة إلى التعرّض له. ولذا قالءلجرو: " حولها ندندن " والتنويع وادعاء أق المدخل درجاتهم المخصوصة بهم مما لا حاجة إليه كما يشهد به تفضيل المبشرين من الصحابة رضي الله عنهم فافهم. قوله: (سوى بين

من قتل (أي في أجر الجهاد وان كانت رتبة الشهادة رتبة علية. وقوله: لاستوائهما في القصد هو نية إعلاء كلمة الله بالجهاد في سبيله وأصل العمل هو الجهاد المذكور المقصود بالمهاجرة. والمدخل اسم مكان أو مصدر ميمي. وقوله: بأحوالهم وأحوال معاهدهم وفي نسخة معاديهم وهي مناسبة لذكر الحليم بعده وهذا مناسب لما قبله. وأمّا حليم فذكره هنا ليأخذ بحجزته ما بعده وما قبله إذ لم يعاقب عاجلا قتلة المجاهدين في سبيله فتأمّل. وقوله: ذلك أتى به للاقتضاب كما مرّ وأشار المصنف إلى أنه خبر مبتدأ محذوف وأنّ الله إظهار في مقام الإضمار للإشارة إلى أنه من مقتضى الألوهية. قوله: (ولم يزد في الاقتصاص) إشارة إلى أنه ابتداء لا تعلق له بما قبله سوى تضمن كل منهما للقتل ولذلك أتى بذلك ومن موصولة أو شرطية مد جواب القسم مسذ جوابها وباء بمثل آلية لا سببية لئلا يتكزر مع قوله به وقوأ، وإنما سمي الابتداء بالعقاب وهو في الأصل شيء يأتي عقب شيء ولذا اختص بالجزاء فإطلاقه على ما وقع ابتداء للمشاكلة وهي المرادة بالازدواج أو لأن الابتداء لما كان سبباً للجزاء أطلق كليه مجازاً مرسلا بعلاقة السببية. وقوله: لا محالة من تأكيد القسم. قوله: (للمنتصر (إشارة إلى أن لينصرنه في معنى الجزاء والجواب لمن وقوله حيث اتبع هواه إشارة إلى بيان مناسبته لما قبله فإنّ الظاهر أن يقال فإنّ الله ينصر المظلومين. ونحوه لأنه لم يذنب حين اقتص حتى يغفر الله له لأنّ العفو ممدوج مندوب إليه فترك الأولى كأنه ذهب مغفور وقيل إن المماثلة من كل الوجوه متعسرة فيعفى ما وقع ف! يها وقيل إنها نزلت في قوم قاتلهم المشركون في المحرّم فقاتلوهم وقيل: إنّ فيه تقديما وتأخيراً أي من عاقب بمثل ما عوقب به إن الله لعفو غفور فلا يكون على ترك الأفضل ثم إذا بغى على المظلوم ثانيا لينصرنه على من ظلمه ولا حاجة إليه. قوله: (وفيه تعريض بالحث الخ) يعني أنه كناية تعريضية لأنّ الله إذا عفا مع أنه منتقم قدير كان اللائق بعباده ذلك وتعالى بصيغة المصدر وملازمة القدرة وعلوّ الشأن للانتقام ظاهرة فإنّ العاجز لا يقدر على الانتقام والسافل لعدم غيرته قد لا ينتقم ومثل هذه الملازمة تكفي في عرف البلاغة وعادة التخاطب فلا يرد أنه ملازمة وإنّ الظاهر أن يقال إنه تعالى يعفو عمن خلقة ورزقه ورباه وان عصاه فغيره أولى وللحث جعل ترك العفو المندوب كالذنب العظيم كما تلوح إليه صيغة المبالغة في قوله عفؤ غفور فمن قال إنها لا تناسب كونه مندوبا ل! ايصب. قوله: (أي ذلك النصر) يعني أنّ الإشارة

إلى المصدر الدال عليه قوله لننصرنه والباء في قوله بأنّ الله سببية وأن السبب ما دلّ عليه قوله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ} الخ بطريق اللزوم من القدرة على تغليب الأحوال وتغليب بعض على بعض في العادة الإلهية وأما كون النصر بتعاقب الليل والنهار وتناوب الأزمان والأدوار إلى أن يجيء الوقت المقدر للانتصار فلا محصل له ما لم يلاحظ قدرة الفاعل لذلك وفي الكشاف أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشرّ. ومآله إلى أنه تعالى عليم خبير وقد أفاده قوله وإن الله سميع بصير ولذا تركه المصنف رحمه الله وكذا جعل الإشارة للعفو والمغفرة

ص: 308

والسبب أنه لم يؤاخذ الناس بذنوبهم فيجعل الليل والنهار سرمدا فيتعطل المصالح فإنه مع كونه لا يناسب السياق وقوله: وإنّ الله سميع بصير قد قيل عليه إنّ المؤاخذة بالذنوب لا تنحصر في الجعل المذكور فلا يلزم من انتفائه انتفاؤها وأنه كان المناسب أن يقول بدله جعل الليل الخ كقوله أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا وفيه نظر والمداولة تعاقبهما والملوان الليل والنهار مثنى ملا بالقصر وقوله: بأن تفسير للإيلاج فإنه ليس المراد به ظاهره والمراد مقدار ما ينقص منه لا عينه فهو على طريق الاستعارة لأنه بإيلاج شيء في شيء يزيد المولج فيه وينقص الاخر أو يذهب في رأي العين أو بحصول أحدهما في مكان الاخر وقد مرّ تفصيله وتخصيص السمع والبصر بما ذكر بمقتضى المقام ولو أبقى على عمومه صح والمبالغة في الكم والكيف لكثرة متعلقهما وعدم تفاوتهما بالسرّ والجهر والنور والظلمة وعدل عن إيلاج أحد الملوين في الآخر وهو أخصر للدلالة على استقلال كل منهما في الدلالة على كمال القدرة. قوله: (الوصف بكمال القدرة والعلم) يعني الإشارة إلى ما دل عليه الكلام السابق من كمال القدرة الدال عليه قوله: يولج الليل في النهار وكمال العلم الدال عليه قوله: سميع بصير وقوله: الثابت في نفسه أي لا كالممكن الثابت بغيره. وقوله: الواجب لذاته إمّا تفسير له أو تعليل له فإن الواجب يلزم أن يكون وجوده من ذاته. قوله: (وحده (مأخوذ من ضمير الفصل مع تعريف الطرفين وقوله: فإن وجوب وجوده الخ بيان لكون كمال قدرته وعلمه ثبت بوجوبه الذاتي ووحدانيته لأنهما يستلزمان أن يكون هو الموجد لسائر المصنوعات فيدل على القدرة التامّة وأمّا كونه بالإيجاب فقد أبطل في الأصول ومن صدرت عنه جميع المصنوعات البديعة لا بد من علمه بسائر الموجودات على ما بين في الكلام. ووجوب الوجود لا يدل على الوحدة ولا يستلزمها وان كان لا يكون إلا كذلك بالدلائل العقلية والسمعية كما مز

وقوله: سواه ليس فيه إشارة إلى أن وجوده عينه لئلا يكون مبدأ لنفسه إذ يجوز أن يكون لا عينا ولا غيراً أو أن يكون غير موجود. قوله: (أو الثابت الإلهية) معطوف على قوله الثابت في نفسه فهو تفسير آخر لقوله هو الحق وقوله: ولا يصلح الخ بيان لإثباته لكمال القدرة والعلم واستلزامه للعلم لما مرّ وقوله: عالما في نسخة بذاته وقوله: يدعون إمّا من الدعاء أو بمعنى يسمون والها مفعوله المقدر. قوله: (على مخاطبة المشركين) وخطاب ذلك لمن يلقى له الكلام أو لكل واحد وقوله: فتكون الواو أي ضمير العقلاء باعتبار معنى ما وأنها آلهة منزلة منزلة العقلاء على زعمهم. وقوله: المعدوم في حدّ ذاته لأنّ ذاته لحدوثها تقتضي العدم لقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} . أو المراد بطلان ألوهيته فهو مقابل للحق بتفسيريه والحصر ليس بمراد هنا أو هو باعتبار كمال بطلانه فتأمّل. قوله: الا شيء أعلى منه شأناً (إشارة إلى أنّ الكبر ليس جسمانياً والعلوّ ليس مكانياً ثم إنه على تفسيره يكون المعنى على نفي الأعلى وا! بر والمساوي فإنه يدل على ذلك في العرف كما في قولهم: ليس في البلد أفقه من زيد مثلا. وقد مرّ تحقيقه فلا وجه لتغيير عبارة المصنف بعن أن يساويه شيء فضلَا عن أن يكون أعلى شأنا وأكبر سلطانا. ولما كان العليّ والكبير صيغة مبالغة فسرها بما يناسبها ولم ينف العلوّ والكبر عن غيره مطلقاً لوجود من له ذلك من مخلوقاته كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وان كان كل علوّ وكبر عنده كالعدم لأنه الموافق لمنطوقه ولنفس الأمر فلا يرد أنّ كلام المصنف يوهم أصل العلوّ والكبر فيما سواه ومدلول الآية حصرهما في الذات الجليلة فالمناسب أن يقول فكل شيء سواه تحت أمره وقهره سافل حقير كما توهم. قوله: (استفهام تقرير ولذلك رفع) إذ لو نصب أعطي ما هو عكس الغرض لأنّ معناه إثبات الإخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الإخضرار كما تقول لصاحبك: ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر إن نصبت فأنت ناف لشكره شاك تفريطه وان رفعته فأنت مثبت للشكر. قال أبو حيان: لم يبينوا كيف يكون النصف نافيا للإخضرار ولا كون المعنى فاسداً وقال سيبوبه: سألت الخليل عنه فقال: هذا واجب كأنك قلت: أتسمع إنزال الله من السماء ماء فكان كذا وكذا

ص: 309

قال ابن خروف قوله: هذا وأجب وقوله: فكان كذا وكذا يريد أنهما ماضيان وفسر الكلام بأتسمع يريد أنه لا يحصل بالاستفهام لضعف حكم الاستفهام فيه. وفي نسخة الكتاب

المشرقية عوض أتسمع أنثبت وفي بعض شروح الكتاب فتصبح لا يمكن نصبه لأنّ الكلام واجب، ألا ترى أنّ المعنى إنّ الله أنزل بأرض هذه حالها. وقال الفراء ألم تر خبر كما تقول في الكلام إن الله يفعل كذا فيكون كذا وقال أبو حيان إنما امتنع النصب جوابا للاستفهام هنا لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام وان كان يقتضي تقريراً في بعض الكلام هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ألا ترى قوله تعالى:{أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} [سورة الأعراف، الآية: 172] وكذلك الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب فإذا قلت ما تأتينا فتحدثنا بالنصب فالمعنى ما تأتينا محذثا إنما تأتينا ولا تحدث ويجوز أن يكون المعنى إنك لا تأتي فكيف تحدّثنا فالحديث منتف في الحالتين والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته همزة الاستفهام وينتفي الجواب فيلزم من هذا الذي قررناه إثبات الرؤية وانتفاء ألاخضرار وهو خلاف المقصود وأيضا فإن جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام السابق شرط وجزاء وهنا لا يقدر أن تر انزال المطر تصبح الأرض مخضرّة لأن اخضرارها ليس مترتبا على علمك أو رؤيتك إنما هو مترتب على الإنزال. وقال الحلبي: قوله فإنّ جواب الخ متفرّع من قول أي البقاء إنما رفع الفعل هنا وإن كان قبله استفهام لأمرين أحدهما أنه بمعنى الخبر فلا يكون له جواب الثاني أن ما بعد الفاء ينصب إذا كان المستفهم عنه سببا له ورؤيته لا توجب الاخضرار إنما يجب من الماء هذا زبدة ما في الكتاب والبحر ومنه علم أنّ الرؤية يجوز كونها بصرية وعلمية نظراً للماء المنزل خلافا لمن مغ الأوّل لأنّ إنزال الله لا يرى فمن جوّز النصب بتقدير إن لم يصب وما قيل من أنّ الاستفهام الداخل على النفي نفي فهو إثبات ردّ باقتضائه الاستقبال وهو غير صحيح كما مرّ وكونه مسبباً عن النفي أو مكتفى فيه بما يشبه السبب فما مرّ في الكتاب يأباه. وإذا عطف على أنزل فالعائد مقدر أي بإنزاله أو يقال الفاء سببية لا عاطفة فلا يحتاج إلى العائد كما في أمالي ابن الحاجب لكن هذا لا يصلح توجيهاً لكلام المصنف فالصواب أنها عاطفة مغنية عن الرابط كما صرّح به ابن هشام في المغني والتعقيب فيها حقيقيّ أو عرفيّ أو هي لمحض السبب فلا تعقيب فيها.

قوله: (يصل علمه) إشارة إلى ما قاله الراغب من أنّ اللطيف ضد الكثيف وقد يراد به ما

لا تدركه الحاسة فيصح أن يكون وصفه تعالى به على هذا الوجه. وأن يكون لمعرفته بدقائق الأمور وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم وفي غير ذلك. قوله: (بالتدابير الخ) هذا بناء على أنه من الخبرة وهي معرفة بواطن الأمور ويلزمه معرفة ظواهرها وقوله خلقا وملكا إشارة إلى أنّ

اللام للاختصاص التام فيشملهما فليس فيه جميع بين الحقيقة والمجاز كما يتوهم. وقوله في ذاته إشارة إلى أنّ الحصر باعتبار الغنى الذاتي. وقوله: عطف على ما فجملة تجري حال وإذا عطف على اسم إنّ فهو خبر والواو عطفت الاسم على الاسم والخبر على الخبر وإذا رفع فهو مبتدأ خبره ما بعده والجملة مستأنفة أو حالية واليه أشار بقوله حال منها أو خبر أي على الاحتمالين الأخيرين. قوله: (من أن تقع أو كراهة أن تقع) إشارة إلى أنّ أن تقع على حذف حرف الجرّ وهو من فهو في محل نصب أو جز على القولين أو في محل نصب على أنه مفعول له والبصريون يقدرون في مثله كراهة أن تقع والكوفيون لئلا تقع وجوّز فيه أن يكون في محل نصب على أنه بدل اشتمال من السماء أي ويمنع وقوع السماء ورد بأنّ الإمساك بمعنى اللزوم يتعدى بالباء وبمعنى الكف بعن وكذا بمعنى الحفظ والبخل كما في التاج، وأمّا بمعنى المنع فهو. غير مشهور وليس بشيء لأنه مشهور مصرّج به في كتب اللغة. قال الراغب: يقال أمسكت عنه كذا أي منعته قال تعالى: {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} وكني عن البخل بالإمساك انتهى. وبه صزج المصنف رحمه الله والزمخشري في تفسير قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا} [سورة فاطر، الآية: 41] فلا وجه لما ذكره. وقوله متداعية أي مقتضية له مجاز من التداعي بمعناه المشهور وهو إشارة إلى أنه ليس بابرلة تحس.

ص: 310

قوله: (إلا بإذئه (الإذن الاعلام بالإجازة وهو في حقه تعالى يكون بمعنى التيسير أو الإرادة كما هنا والاستثناء مفرّغ من أعتم الأحوال والأوقات في الموجب لصحة إرادة العموم أو لكون يمسك فيه معنى النفي وذلك إشارة إلى وقوعها أو إذنه في وقوعها وقوله: وفيه الخ أي رد على من قال إنّ استمساكها لأمر ذاتيّ فيها لا بالاستناد إلى فاعل وممسك وهو قول من ذهب إلى قدم العالم لأن ما كان بالذات لا يزول. قوله: (فإنها الخ (بيان للرد بما برهن عليه في الكلام من أنها مشاركة لسائر الأجسام في الجسمية فتقبل ما تقبلها من الهبوط والوقوع ما لم يمنع منه مانع ولا مانع لما أراد. وقوله: لرؤوف رحيم فيل الرؤوف أبلغ من الرحيم. وقدم للفاصلة كتقديم بالناس واعترض عليه بأنه ينافي ما في التوبة من أن الرحمة أعمّ وما ذكر في تقديم بالناس أيضاً مدخول لأنه يحصل بتوسطه وان كان خلاف الظاهر فالظاهر أنه للاهتمام به لأنه المقصود لا بيان رحمته وقد أشبعنا الكلام عليه في محل آخر فراجعه. وقوله: حيث هيأ الخ إشارة إلى أنّ العقل والنظر به من النعم والى حمة العامة وأسباب الاستدلال إنزال المطر، وفرس بساط الخضر، وتسخير

المخلوقات، والفلك الجاريات، وامساك السموات. وعناصر ونطفا عطف بيان لجمادا وقوله: لجحود إشارة إلى أنه من الكفر أن لأنه المناسب للسياق. قوله: (متعبدا) يحتمل المصدر والزمان والمكان وعلى الأخيرين فالتقدير ما يكون فيه، وإذا كان بمعنى الشريعة فتقديره به وأتى بأحيا ماضياً لسبق الحياة الأولى للمخاطبين بخلاف ما بعده. وقوله: أهل دين تخصيص للأمّة بمن لهم ملة وشرع وان نسخ دون المشركين لقوله: جعلنا وإنما ذكر هذا وان مرّ توطئة لما بعده. وقوله: ينسكونه إشارة إلى أنّ المراد به الحال أو الاستمرار. وقوله: سائر أرباب الملل إشارة إلى خروج أهل ملته عنهم بقرينة الحال وقوله: في أمر الدين إشارة إلى أق تعريفه للعهد والنسائك جمع نسيكة وهي ما يتعبد به. قوله: (لآنهم بين جهال وأهل عناد (بين هنا للتقسيم كما يقال هم ما بين كذا وكذا وهذا تعليل للنهي بأنهم إمّا جهلة لا يليق بهم النزاع أو معاندون فيحرم عليهم المنازعة إن قلنا إنهم مخاطبون بالأحكام ولو في حق المؤاخذة أو لأنه أظهر من أن يقبل النزاع إن لم نقل به. قوله: (وقيل المراد نهي الرسول الخ) قيل إنه بطريق الكناية فهو كالوجه الذي بعده فإن عدم الالتفات والتمكين وعدم منازعته يستلزم عدم منازعتهم فالفرق بينهما يسير وهو أنسب بقوله: واح فلا يظهر وجه تمريضه ووجهه ظاهر لأنه خلاف ولا يظهر تعليق قوله في الأمر به والمغايرة بين الكنايتين تكفي لذكرهما إذ الأوّل نهى عن الكينونة على وصف يكون وصلة لمنازعتهم وهذا نهي عن المنازعة بعينها. قوله: (أو عن منازعتهم كقولك لا يضاربنك الخ (هذا أيضا كناية عن أحد الطرفين في باب المفاعلة بذكرهما الاستلزام الكل لجزئه. وقوله: وهذا إنما يجوز في أفعال المغالبة الخ هذا ما ذكره الزجاج في تفسيره بمعنى أنه لا يجوز في مثل لا يضربنك أن تريد لا تضربنه أمّا لو قلت لا تضاربنه جاز بأن يكون نهى أحد الفاعلين عن فعل كناية عن نهي فاعل آخر عن مثله فلا يرد على الحصر ما مرّ في سورة طه في قوله تعالى: {فَلَا يَصُدَّنَّك عَنْهَا} [سورة طه، الآية: 6 ا] أنه نهى الكافر عن الصد والمراد نهيه عن أن ينصذ إذ الانصداد مسبب عن الصذ فتأئل. توله: (وقيل نزلت في كفار خزاعة الخ) ما قتله الله هو المينة فالنزاع قولهم المذكور في النسائك، وما قيل عليه من أنه لا سبيل إليه لاستدعائه أن يكون أكل الميتة وما يدينونه من الأباطيل من المناسك التي جعلها الله تعالى لبعض الأمم لا يرتاب عاقل في بطلانه إذ معناه على هذا لا ينازعنك بعض أهل الكتاب أو من بين أظهرهم من المشركين في أمر النسائك فإن لكك ملة شريعة شرعناها وأعلمناك بها فكيف

ينازعون بما ليس له عين ولا أثر منها وهو ظاهر. قوله: (وقرئ فلا يتزعنك الخ) أي بكسر عينه وهي الزاي على أنه من باب المغالبة وهي تقال في كل فعل فاعلته ففعلته أفعله بضم العين ولا تكسر إلا شذوذاً كما في هذا وعن الكسائي أنّ ما كان عينه أو لامه حرف حلق لا يضم بل يترك على ما كان عليه والجمهور على خلافه. وقيل إنهم استغنوا بغلبته عن نزعته في هذه المادّة وعلى هذا يكون كناية عن لازمه وهو لا تقصر في منازعتهم حتى يغلبوك فيها فلذا

ص: 311

كان فيه تهييج ومبالغة في تثبيته كما عرفت في مثل لا يغلبئك فلان في كذا وهو ظاً هر فليس نهيا له عن فعل غيره وكونه مطاوعا لا يدفعه كما توهم وعبر بالتثبيت لمناسبته لأصل معنى النزع وهو ال! قلع وهو مغالبة من منازعة الجدال كما صرح به الزمخشريّ ومن لم يقف على مراده قال إن المبالغة في التثبيت على الدين تناسب معنى القلع وهو المعنى المشهور للنزع لا معنى الغلبة، وقولهم استغنوا بغلبته يعنون في الأشهر كما لا يخفى وقوله: إلى توحيده بيان للمراد منه أو لتقدير مضاف فيه وقوله: طريق الخ إشارة إلى أنّ فيه مكنية وهي تشبيه الهدى بالطريق المستقيم وتخييليتها على ومستقيم أو أحدهما تخييل والآخر ترشيح. قوله: (وقد ظهر الحق ولزمت الحجة) وفي نسخة لزمته بالضمير للمجادل وهو مفهوم من كونه على هدي مستقيم لقوّة دلائله وظهور معجزاته وقوله أعلم بما تعملون كالصريح فيه وهو أن أريد به الكف عنهم فهو منسوخ بآية القتال وذكر المجازاة مرّ وجهه مرارا وقوله: بين المؤمنين الخ يعني أن الخطاب عام للفريقين وليس مخصوصاً بالكفمار كالذي قبله وليس من مقول القول ويصح أن يكون منه على التغليب. وقوله: بالثواب والعقاب لأنهم لانكشاف الحق ملزمون. وقوله: بالحجج أي ثبوت حجج المحق دون المبطل والاختلاف ذهاب كل إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر وقوله ألم تعلم مرّ تحقيقه وذلك إشارة إلى ما في السماء والأرض وكذا ضمير كتبه وقوله: فلا يهمنك يشير إلى أنّ المقصود من ذكر. هنا مع تقدمه تسليته ىتجت. قوله: (أن الإحاطة الخ) يعني أن الإشارة إلى ما قبله وان تعدد لتأوبله بما ذكر ولم يفسره بالإحاطة فقط حتى يقال إق الأولى أن يقول حصره تحت علمه لئلا يحتاج إلى تأوبل الإحاطة بمذكر لتذكير اسم الإشارة مع أنّ تأنيثها غير حقيقي والإشارة إلى معناها وهو ما ذكره بعي! نه ولو قال والحكم بالواو كان أولى. قوله: الأنّ

علمه مقتضى ذاته) فإذا كان كذلك لزمه تيسير إثباته وحكمه المترتب عليه لأنه الأصل فيهما فلا يرد أنه يفيد تيسير الإحاطة دون الإثبات في اللوح أو الحكم بينهم إذ لا تعرض في التعليل لهما كما قيل ولا وجه لما قيل: إنه تعليل للتفسير الأوّل لرجحانه. وعدل عن قول الزمخشري لأن العالم الذات لا يتعذر عليه ولا يمتنع تعلق بمعلوم لأنه مع قصوره مبنيّ على الاعتزال. وقوله: المتعلق بكل المعلومات إن كان صفة الذات فالمعنى أنّ نسبة الكل إلى ذاته مستوية وعلمه ذاتيئ فيستوي فيه المعلومات أيضاً وان كان صفة علمه فكذلك. وفيه إشارة إلى أن علمه حضوريمما وأنّ الإثبات في اللوح ليس لحاجته إليه وتنكير سلطانا للتقليل وتقديم الدليل النقلي إشارة إلى أنه الأصل في الدين وأعاد النفي للدلالة على استقلال كل منهما في الذم وضمير استدلاله للعقل وقال للظالمين دون لهم تسجيلا عليهم بالظلم. قوله: (يقرّر مذهبهم الخ (يعني المراد نصير في الدنيا والآخرة ففي الدنيا بتقرير مذاهبهم ويلزمه دفع ما يخالفها وفي الآخرة بدفع العذاب عنهم فمن فسره بمعنى بدفع العذاب عنهم لأنّ معنى الدفع معتبر فيه ردّا لما ذكره المصنف رحمه الله لم يأت بطائل إذ ليس في كلامه ما يخالفه. وقوله: الإنكار إشارة إلى أنه مصدر ميمي، ولا يخفى ما في المنكر بعد تعرف من حسن التورية وقوله لفرط تعليل. لظهور أثره في وجوههم أو دليل لحدوث المنكر وآثاره. والأباطيل تعليل للنكير والغيظ وقوله وللإشعار بذلك أي بأنّ الإنكار لفرط نكيرهم أو بأنه منتهى الجهالة لأن الكفر أشد المفاسد فيشعر بما ذكر على قاعدة التعليق بالمشتق. قوله: (أو ما يقصدونه (عطف على الإنكار فالمنكر بمعنى ما يستقبح بمعناه المعروف. والمراد علاماته لأنها التي تعرف في الوجوه كما أشار إليه في الكشاف وقوله يثبون إشارة إلى أنه معتبر فيه بحسب الأصل ثم استعمل للبطش مطلقا وأنبئكم بمعنى أخبركم وقوله: من غيظكم إشارة إلى أنّ الشرّ إما للتالين وما يحصل للكفرة أشدّ منه أو للشياطين وما يحصل بعده أعظم منه. قوله: (كأنه الخ) أي هو استئناف بيانيئ

والنصب على الاختصاص بتقدير أخص أو أعني أو هو من باب الاشتغال. وقوله: فتكون الخ أي في وجهي النصب والجر والجملة جملة وعدها الله وقوله: كما إذا وقعت. وفي نسخة رفعت أي حال كون! ها خبر المبتدأ مقدر إذا قد رأى هي النار وهو الوجه

ص: 312

الأوّل وإذا كانت حالاً قدر معها قد. وقوله: النار هو ال! خصوص بالذم المحذوف وضمير وعدها الظاهر أنه المفعول الثاني أي وعد الذين كفروا بها ويجوز أن يكون الأوّل كأنها وعدت بهم لتاكلهم. قوله: (بين) بصيغة المجهول يشير إلى ما مر من أنّ المثل في الأصل بمعنى المثل ثم خص بما شبه بمورده من الكلام السائر فصار حقيقة فيه ثم استعير لكل حال غريبة أو قصة وجملة من الكلام فصيحة غريبة بديعة متلقاة بالقبول لمشابتهتها له في ذلك وهو المراد هنا فضرب بمعنى بين وإليه أشار المصنف رحمه الله، ورائعة من راعه أس جبه فهو رائع معجب. وقوله: أو جعل لله مثل هذا وجه آخر بحمل المثل على الممثل به فيكون بمعناه الحقيقي وضرب بمعنى جعل أي أنّ ما ذكر جعل مثلاً لاستحاق الله دون غيره للعبادة، ولا بعد في كون ضرب بمعنى جعل كما قيل لأنه ثابت في العربية فتأمل. قوله:(للمثل) إن كان بمعنى الحال أو القصة أو لبيانه إن كان المراد بيان استحقاته للعبادة وقوله استماع تدبر لأنه ليس مجرد استماعه مقصوداً، وقوله على الأوّلين بخلاف الأخير فإنيه ضمير العقلاء على زعمهم. قوله:(لا يقدرون الخ) يعني أنّ منطوقه وان كان نفي الخلق عنهم في المستقبل لكنها لكونها مفيدة لنفي مؤكد دلت على نفي القدرة عنهم واستحالة صدوره عنهم بقرينة السياق فلا يقال إنّ النفي المؤكد لا يدل على الامتناع ودلالتها على التأكيد والتأبيد مذهب الزمخشريّ، وبعض النحاة وإن خالفه غيره والكلام عليه مفصل في شروح المغني وليس هذا محله ولذا قال لا يستنقذوه دون لن يستنقذوه لأن الاستنقاذ ممكن ليس كالخلق لا يتوهم أنه لو صح ما ذكر من المنافاة قيل لن يستنقذوه. قوله:(دالة) أي لن لإفادتها النفي المؤكد على منافاة المنفي وهو الخلق والمنفي عنه الأصنام فيفيد عدم قدرتها عليه ولا ينقص بقوله فلن أكلم اليوم أنسياً لأن الصوم لمنافاته التكلم في شرعهم جعل كأنه محال أو هي دالة ثمة على امتناع مؤكد وهنا على امتناع محال بمقتضى المقام إذ لو أمكن لم يتم الاستبعاد والمبالغة في التجهيل ولكل مقام مقال. قوله: (والذباب من الذب) أي مأخوذ منه والذب الطرد والدفع ولا حاجة إلى جعل المصدر الماخوذ منه مصدر المبنى للمفعول وأما

كونه بمعنى الاختلاف أي الذهاب والعود فقول آخر حتى قيل إنه منحوت من ذب آب أي طرد فرجع واذبة وذبان بكسر الذال فيهما كما في القاموس. قوله: (هو بجوابه المقدو في موضع الحال) هذا بناء على أن الواو الداخلة على لو وإن الوصلية حالية وهو قول لبعض النحاة وقيلى إنها عاطفة على مقدر وكون جوابها مقدراً قول أيضا، وقيل إنها لا تحتاج إلى تقدير أصلاً لأنها انسلخت عن معنى الشرطية وتمحضث للدلالة على الفرض والتقدير والمعنى مفروضاً اجتماعهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله ولا منافاة بينهما لأنّ التقدير باعتبار أصل الوضع إذ لا بد لكل شرط من جواب وعدمه بعد استعماله لما ذكر فتدبر، وقوله: فكيف الخ بيان لأن الوصلة تدل على خلافه بالطريق الأولى. قوله: (جهلهم) أي نسبهم إلى الجهل وشهرهم به وهذا بيان لمعنى الآية كلها وباء بأن سببية وعدى الإشراك لمفعولين لأنه بمعنى جعله شريكا وكان الظاهر أشركوا التماثيل والأصنام للإله لكنه عكسه لأنه وان استلزم أحدهما الآخر لا وجه للعدول عن الظاهر فلذا قيل إن إلها مفعول ثان لا أوّل حتى برد عليه ما ذكر وإنما قدم مسارعة إلى وصفه بما ذكر وتقديما للمعبود بحق على ضده ولأنه يثبت بما وصفه به ما بعده. قوله: (وبين ذلك (أي كونها أعجز الأشياء ودلالة ما ذكر بتمامه على الأعجزية ظاهرة لأنه لا أعجز مما لا يقدر مع التجمع على دفع الذباب الذي يقدر عليه أضعف-، المخلوقات فلا وجه لما قيل إنّ الثابت بذلك العجز لا الأعجزية فكل ما سوى الله كذلك ولا لتأويله بسلب أسباب القدرة كالحياة والإرادة وقوله تعجز الخ هو مأخوذ من سلبه لها فإنها لو ذبت لم تسلب فلا يرد أنه لا دلالة في النظم عليه وان كان كذلك في الواقع ويتكلف أن الاستنقاذ عطف تفسير للذب. قوله: (قيل كانوا يطلونها) أي الأصنام والطيب المراد به الزغفران ونحوه وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما والكوي بكسر الكاف جمع كوة بفتحها وضمها وهي ما يفتح في الحائط. قوله: (عابد الصنم

ص: 313

ومعبوده (هذا تفسير السدي والضحاك وضمير معبوده للعابد والمعبود الصنم وكونه طالبا لدعائه لها واعتقاده نفعها وكونها مطلوبة ظاهر. قوله: (أو الذباب (هذا هو الوجه الثاني وهو إلى قوله أو يحتمل أن يكون وجها واحداً الطالب فيه الذباب والمطلوب الصنم، وقوله: والصنم الخ إشارة إلى أنّ المطلوب في هذا الوجه بمعنى منه على الحذف والإيصال ويحتمل وجهين هذا واليه أشار بقوله والصنم الخ وآخر وهو أن يكون

المطلوب ما يسلبه الذباب ليأكله وعطف عليه بالواو لتقاربهما وهذا مبني على القيل قبله. قوله: (أو الصنم) فهو الطالب وجعله طالبا على الفرض تهكماً والمطلوب الذباب وهو الوجه الثالث أو الرابع وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما واختاره الزمخشري لما فيه من التهكم وجعل الصنم أضعف من الذباب لأنه مسلوب وجماد وذاك حيوان بخلاف وأخره المصنف لأنّ الأوّل أنسب بالسياق إذ هو لتجهيلهم وتحقيرمعبوداتهم فناسب إرادتهم والأصنام من هذا التذييل وهذه الجملة التذييلية أخبار أو تعجب. قوله: (ما عرفوه حق معرفته (يعني أنه مجاز عن هذا فإن المعرفة تكون بتقدير المقدار وأبعد الأشياء الإضافة ولا حاجة إلى جعلها من الأبعد كما قيل وقوله عن أقلها أي الممكنات والمراد بالأقل الذباب وهو أذلها أيضا ومقهوريتها لأنه مسلوب منها فكيف تعد شريكا له، والاصطفاء الاختيار للصفوة وهي الخيار. وقوله: ومن الناس مقدّم تقديراً أي من الملائكة ومن الناس رسلا فلا حاجة للتقدير فيه، وقوله: يتوسطون إشارة إلى وجه تقديم رسل الملائكة عليهم الصلاة والسلام. قوله: (كأنه لما قرّر وحدانبته الخ (شروع في بيان ارتباط هذه الآية بما قبلها وهو ظاهر وتوله ويتوسل في نسخة بغير واو وهو مستفاد من الاصطفاء. وضمير هوله وقوله: لمن سواه وفي نسخة عداه والضمير لله وتقريراً مفعول له لتعليل بين والتزييف استعارة للإبطال وهو من التخصيص المستفاد من السياق. قوله: (مدرك الخ) يعني أن السمع والبصر كناية عما ذكر بقرينة قوله يعلم الخ لأنه كالتفسير له فسقط ما قيل من أنهما لا يعمان فكيف يكونان كناية عنه وانه حينئذ يكون ما بعده تأكيداً والحمل على التعميم بعد التخصيص أولى وقيل سميع لأقوال الرسل عليهم الصلاة والسلام بصير بأحوال الأمم وقوله عالم بواقعها ومترقبها مما لم يقع لف ونشر لما بين أيديهم وما خلفهم مرتب أو مشوس وقوله بالذات يعني بخلاف غيره فإنه يملك بتمليكه تعالى لها وقوله: لا يسأل الخ

إشارة إلى ارتباطه بما قبله لدخوله في عمومه واتصاله. قوله: (في صلاتكم) وفي نسخة صلواتكم بالجمع فالأمر بالركوع والسجود حقيقة على ظاهره وما ذكره من أنه كان في أوّل الإسلام ركوع بلا سجود وتارة سجود بلا ركوع ذكره في البحر أيضا ولم نره في أثر يعتمد عليه وتوقف فيه صاحب المواهب وذكره الفراء رحمه الله بلا سند. قوله: (أو صلوا الخ) يعني أنه مجاز مرسل مركب بعلاقة الجزئية والكلية وقوله: لأنهما أعظم أركانها الأعظمية إما بمعنى الأكثرية أو من جهة الثواب وكون مجموعهما أفضل مما سواهما لا ينافي تفضيل أحدهما على الآخر كما توهم وفي الأذكار ذهب الشافعي إلى أن القيام أفضل من السجود لقوله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصلاة طول القنوت " أي القيام ولأن ذكر القيام القرآن وذكر السجود التسبيح والقرآن أفضل، وذهب بعضهم إلى أن السجود أفضل لحديث أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وقال الطيبي رحمه الله: الركوع مجاز عن الصلاة لاختصاصه بها والسجود على حقيقته لعموم الفائدة. قوله: (أو اخضعوا لله وخرّوا له سجدا) فهذا مطلق وما قبله بالنظر إلى الصلاة والركوع حقيقة لغوية لأن بمعنى الانخفاض أو مجاز والسجود باق على حقيقته. وقوله: بسائر ما تعبدكم به العموم من ترك المتعلق وقيل إنه مخصوص بالفرائض وما بعده تعميم بعد تخصيص أو مخصوص بالنوافل وفي كلام المصنف رحمه الله إشعار به. قوله: (وتحرّوا ما هو خير وأصلح) أي اقصدوه يقال تحريت الشيء إذا قصدته وتحريت في الأمر أي طلبت أحرى الأمرين وهو أولاهما. ولما كان الفعل يعم ما كان بقصد وغير قصد والمعتبر منه ما كان بنية وقصد وقوله افعلوا الخير معناه افعلوا ما فيه خير لكم

ص: 314

دل على التحرّي بطريق الالتزام لأنه لا يعلمه خيرا له إلا إذا تحزى فيه.

قوله: (وأنتم راجون الخ (إشارة إلى أنها جملة حالية وأن الرجاء من العباد لاستحالته على

الله وقوله: واثقين عطف بيان المتيقنين وفي نسخة بالعطف عليه. قوله: (والآية آية سجدة عندنا (أي في مذهب الشافعيئ رضي الله عنه والأمر للندب باعتبار سجدة التلاوة لأنها سنة عنده وخالف في السجدة هنا أبو حنيفة ومالك واستدل لمذهبه بظاهر الآية والحديث ولنا كما في شرح الهداية

لابن الهمام أنها مقرونة بالأمر بالركوع والمعهود في مثله من القرآن كونه أمرا بما هو ركن للصلاة بالاستقراء نحو اسجدي واركعي. وإذا جاء الاحتمال سقط الاستدلال. وما روي من الحديث المذكور قال: الترمذي رحمه الله إسناده ليس بالقوي وكذا قال أبو داود وغيره لكن يرد عليه ما في الكشاف أن الحق أنّ السجود حيث ثبت ليس من مقتضى خصوص في تلك الآية لأن دلالة الآية غير مقيدة بحال التلاوة البتة بل إنما ذلك بفعل رسول الله في أو قوله: فلا مانع من كون الآية دالة على فرضية سجود الصلاة ومع ذلك يشرع السجود عند تلاوتها لما ثبت من الرواية فيه وفيه بحث. قوله: (دلّه ومن أجله أعداء ديته (يعني أق في مستعارة للتعليل والسببية كما في الحديث أن امرأة دخلت النار في هرة ويجوز حملها على ظاهرها بتقدير في سبيل الله وقيل عليه أن حمل الجهاد على ظاهره يأباه ما مر من أن السورة مكية إلا ست آيات فإن الجهاد إنما أمر به بعد الهجرة إلا أن يؤوّل بالأمر بالثبات على مصمابرة الكفار وتحمل مشاق الدعوة وفيه أنه مع كونه خلاف الظاهر يرجع إلى الجهاد اكبر الآتي ولذا قيل إنّ ما ذكر من كونها مكية إلا ست آيات ليس في أكثر النسخ. ومذهب الجمهور أنها مختلطة من غير تعيين وعليه اعتمد المصنف رحمه الله هنا. وقوله الظاهر صفة أعداء والباطنة معطوفة عليها وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه حمل الجهاد على ما يعمهما وليس من الجمع بين الحقيقة والمجاز وان كان جائزاً عند المصنف رحمه الله لأن حقيقته كما قال الراغب استفراغ الوسع والجهد في دفع ما لا يرتضي قال وهو ثلاثة أضرب مجاهدة العدو الظاهر ومجاهدة الشيطان ومجاهدة النفس وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} انتهى فمن قصره على بعضها فقد قصر 0 قوله: (وعته عليه الصلاة والسلام الخ (هذا الحديث أخرجه البيهقي وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم غزاة فقال: وقدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وفي سنده ضعف مغتفر في مثله وتبوك علم لأرض بين الشام والمدينة ممنوع من الصرف وقعت فيها غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أي جهادا فيه حقاً) أي في الله في الدر المصون أنه منصوب على المصدرية وعند أبي البقاء أنه نعت لمصدر محذوف أي جهاداً حق جهاده وفيه أنه معرفة فكيف توصف به النكرة. وقال الزمخشري إن إضافته لأدنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصا بالله من حيث إنه مفعول من أجله ولوجهه صحت إضافته إليه ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله ويوم شهدناه والمراد بالظرف الجار والمجرور لأنه كان في الأصل حق جهاد فيه. أو جهادكم فيه انتهى وقوله: جهاد إشارة إلى نصبه على

المصدر وأنه من إضافة الموصوف لصفته كجرد قطيفة. وقوله: خالصا لوجهه تفسير لقوله: حقا وهو خلاف الباطل وقد فسر بواجبا أيضاً وفيه شيء وقوله فعكس أي غير الترتيب بالتقديم والتأخير فصار حق جهاد بعدما كان جهاداً حقا. قوله: (مبالغة) كما في قوله اتقوا الله حق تقاته فلما عكس وجعل التابع متبوعا وأضيف دثه لإفادة اختصاصه به وقد كان يفيد أن هنا جهاداً واجباً مطلوبا منهم دل بعد الإضافة على إثبات جهاد مختص بالله وأن المطلوب القيام بمواجبه وشرائطه على وجه التمام والكمال بقدر الطاقة فانقلب التبع أصلاً وفيه من المبالغة في شأن النبع ما لا يخفى كما قيل والذي ذكره النحاة كما صرّح به الرضي وغيره أنّ كل وجذ وحق إذا وقعت تابعة لاسم جنس مضافة لمثل متبوعها لفظا ومعنى نحو أنت عالم كل عالم أو جد عالم أو حق عالم أفادت أنه تجمع فيه من الخلال ما تفرّق في الكل وأنّ ما سواه هزل أو باطل وأنه من باب

ص: 315

جرد قطيفة. وقيل في وجهه أنّ الأمر بالصفة أمر بالموصوف إذ لا غنى لها عنه بخلاف العكس ولا وجه له فتأمّل. قوله: (وأضيف الجهاد إلى الضمير) الراجع دلّه اتساعا قالوا الاتساع لأنه كان أصله حق جهاد فيه فحذف لفظ في وأضيف إليه اتساعا على حذ قوله:

ويوما شهدناه سليماً وعامراً

وأورد عليه أنه لا يناسب تفسيره في الله بقوله: لله ومن أجله الخ ودفعه يعرف بالتأمّل. قوله: (أو لآنه مختص! بالله (فالإضافة لامية وقد كانت في الأوّل على معنى في نظراً للظاهر. قوله: (اختاركم) هو معنى اجتباكم وكون اختيارهم لما ذكر لأنّ هذه جملة مستأنفة لبيان علة الأمر بالجهاد لأنّ المختار إنما يختار من يقوم بخدمته وهي بما ذكر ولأنّ من قربه العظيم يلزمه دفع أعدائه ومجاهدة نفسه بترك ما لا يرضاه. قوله: (في الدين) أي في جميع أموره فالتعريف فيه للاستغراق ولذا لم يلزم الجهاد الأعمى والحج فاقد الاستطاعة ولم يرد عليه التضييق في بعض أموره لحكمة. وقوله لا مانع لهم عنه أي عن الجهاد يعني أنه بين المقتضي بقوله: هو اجتباكم وأشار بعده بما ذكر إلى رفع المانع وحيث وجد المقتضي وارتفع المانع زال العذر ولم يقل فلا عذر وان كان كالنتيجة لما قبله لإيهامه أنه ليس من إشارة النص. قوله: (أو إلى الرخصة في إغفال) أي ترك ما أمرهم به مما في مشقة وحرج والأوّل يقتضي انتفاء الحرج ابتداء وهذا يقتضي انتفاءه بعد ثبوته بالترخيص في تركه بمقتضى الشرع أيضاً فلذا عطفه بأو الفاصلة. قوله: (وقيل ذلك الخ) الإشارة إلى عدم الحرج وهذا ما اختاره الزمخشريّ والظاهر إنّ وجه

ضعفه تعميمه للتوبة والمكفرات والكفارات وان كان ما قبله عاما فيما عداها أيضا لعدم تبادره من اللفظ ومناسبته! سياق إذ الأمر بالطاعة والجهاد قبله وبالصلاة والزكاة بعده وما قارنه لا يشعر بذلك أصلاً بل بخلافه فما قيل من أنه المناسب لعموم من حرج ويدخل فيه الجهاد دخولاً أوّلياً فلا يظهر وجه ضعفه ضعيف جدا لأنّ ما قبله عام أيضا مع أن الحرج لا ينتفي بوجود اهخرج في ا! جلة لأنه عبارة عن الضيق لا عن عدم المخلص! وكون ما هو على شرف الزوال في حكم ما لم يكن تعسف لأنّ كون الذنوب في شرف الزوال بالتوبة مع أن قبولها غير متيقن ممنوع وكون تنوبن حرج للتعظيم والحرج العظيم إنما يكون إذا انتفى المخرج تكلف لا! جة إليه واهضايق! السفر والمرض والاضطرار والظاهر أنّ حق جهاده لما كان متعسرا ذيله بهذا ليبين أنّ المراد ما هو بحسب قدرتهم لا ما يليق به تعالى من كل الوجوه. قوله: (ملة أببكم الخ) في نصبه لاجوه منها ما ذكره المصنف رحمه الله من أنه منصوب على المصدرية بفعل دلّ عليه ما قبلا من نفي الحرج بعد حذف مضاف أي سع دينكم توسيع ملة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة واللام أو النصب على الإغراء بتقدير اتبعوا أو الزموا أو نحوه أو الاختصاص بتقدير أعق بالدين ونحوه ولم يرد ما اصطلح عليه النحاة وقيل إنه منصوب بنزع الخافض أي كملة أ! م وابراهيم منصوب بمقدر أيضاً أو هو بدل أو عطف بيان مما قبله فيكون مجروراً بالفتح. قوله: (كالأب لأمّته) فيه إشارة إلى جواز إطلاق الأب عليه صلى الله عليه وسلم كما أطلقت الأمّهات على زوجاف. ووقل: من حيث تعليل لى ووران لوجه ا! هـ. وقوله: أو لأنّ أكثر العرب إشارة إل! رد ما قيل إنهم جميعهم من ذريته عليه الصلاة والسلام وأنّ أوّل من تكلم بالعربية إسماعيل عليه الصلاة والسلام لضعفه كما بينه المؤرّخون. وقوله: فغلبوا الخ أي غلب أكثر العرب على جميع أهل ملته من العرب وغيرهم. قوله: (هو سماكم) جملة مستأنفة وقيل إنها كالبدل من! دأ: هو اا يهمعنهولذا لم يعطف وقوله: من قبل القرآن أي من قبل نزوله وقراءة الله سماكم قرا! أبيّ رضي وفي قوله: وتسميتهم بمسلمين إشارة إلى أن التسمية تتعدى بنفسها وبالباء دمالى رد ما أورد على جعل ضمير هو لإبراهيم عليه الصلاة والسلام من أن قوله: وفي هذا أي القرآن ياً باه لأنه لا يلزم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام سماهم مسلمين في القرآن النازل بعد، بمدد طوال كما سنبينه. قوله:(كان بسبب تسميته الخ) يعني أنّ قول

إ- اهيم عليه الصلاة والسلام ومن ذزيتنا أقة مسلمة لك كان سبباً لتسميتهم

ص: 316