المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بمسلمين في القرآن لدخول أكثرهم في الذرّية فجعل مسميا لهم - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٦

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: بمسلمين في القرآن لدخول أكثرهم في الذرّية فجعل مسميا لهم

بمسلمين في القرآن لدخول أكثرهم في الذرّية فجعل مسميا لهم مجازا. وقد قيل عليه إنّ فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز ونحن لا نقول به وإنّ في كون التسمية به في القرآن بسبب تسميته شبهة. وكونه مرويا عن الحسن كما في الكشف يدفع الشبهة وأما الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من لا يجوّزه فيدفع بالتقدير أي وسميتكم في هذا القرآن المسلمين كما قال ابن عطية رحمه الله وقال أبو البقاء إنه على هذا المعنى وفي هذا القرآن سبب تسميتهم واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله وقيل الخ وضعفه لتكلفه كما في الكشف.

تنبيه: قال السيوطيّ رحمه الله التسمية بالمسلمين مخصوص بهذه الأمّة، وفي فتاوى ابن الصلاج أنه غير مختص بهم كما تشهد به الآيات والأحاديث وهو الظاهر فكأنه لم يقف عليه. قوله:(متلعق بسماكم) على الوجهين في الضمير واللام للعاقبة لأنّ التعليل غير ظاهر هنا كما قيل والظاهر أنه لا مانع منه فإنّ تسمية الله أو إبراهيم عليه الصلاة والسلام لهم به حكم بإسلامهم وعدالتهم وهو سبب لقبول شهادة الرسول عليه الصلاة والسلام الداخل فيهم دخولاً أوّليا وقبول شهادتهم على الأمم. قوله: (فيدلّ) أي هذا القول من الله وقوله: أو بطاعة الخ فالشهادة على ظاهرها وقيل المراد بشهادته بها لهم تزكيته لهم إذ شهدوا على الأمم فأنكروا كما فصل في قوله: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] الآية ثم العلة والمعلول علة للحكم بإقامة الصلاة وما بعدها وإليه أشار بقوله: لما خصكم والفضل الاجتباء وما بعده. وقوله: فتقزبوا إلى الله تعالى بأنواع الطاعات إشارة إلى أن ما ذكر عبارة عن الجميع لجمع العبادة البدنية والمالية. قوله: (في مجامع أموركم (أي في جميعها وفيه إشارة إلى العموم الذي يفيده حذف المتعلق للاختصار. وقوله: ولا تطلبوا الخ مأخوذ من الجملة الثانية بعده لبيان علته مع تعريف طرفيها وهي قوله: هو مولاكم وهو هو المخصوص بالمدح. قوله: (إذ لا مثل له الخ) فإنّ من تولاه لم يضع ومن نصره لم يخذل. وقوله: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ هو حديث موضوع كما ذكره العراقيئ رحمه الله وركاكة لفظه شاهدة لوضعه وتخصيص أجره بأجر الحج

لذكره في هذه السورة. وقوله: كحجة تقديره أجوراً بعدد الخ كل أجر منها كأجر حجة ففيه تقديم وتأخير وتقدير. تمت السورة فالحمد لله والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه وعلى آله وصحبه وخلص أوليائه وأصفيائه.

سورة‌

‌ المؤمنون

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (مكية بالاتفاق) واستثنى في الإتقان قوله: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ} إلى قوله {مُبْلِسُونَ} وكلام المصنف رحمه الله ثم شاهد عليه وأمّا ذكر الزكاة فيها وهي إنما فرضت بالمدينة فبعد تسليم أنّ ما ذكر فيها يدل على فرضيتها فقد قيل إنها كانت واجبة بمكة والمفروض بالمدينة ذات النصب وستسمع ما فيه عن قريب والاختلاف في عدد آيها للاختلاف في قوله {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ} والمناسبة بين خاتمة الحج وفاتحتها ظاهرة. قوله: (وهي مائة الخ) الذي في كتاب العدد للداني إنها ثماني عشرة في الكوفي وسبع عشرة آية عند الباقي. قوله: (بأمانيهم) بالتخفيف والتشديد يعني أنّ الفلاح معناه الفوز والظفر بالأماني وهي ما يحب ويتمنى. قوله: (وقد ثبت المتوقع) أي تدل على تحقق أمر متوقع وثبوته سواء أكان ماضياً أم مستقبلاً وهو القول المشهور، وأنكر بعضهم كونها للتوقع في الماضي لأنّ التوقع انتظار الوقوع وهو قد وقع وردّه ابن هشام رحمه الله بأنّ المراد أنها تدل على أنّ الماضي كان قيل الأخبار متوقعاً لا أنه الآن متوقع. وقوله: كما أنّ لما تنفيه أي تنفي ما يتوقع ثبوته. كقوله: بل لما يذوقوا عذاب أي هم لم يذوقوه إلى الان وأن ذوقهم له متوقع فيما بعده. فإن قلت قال ابن هشام في المغني الصحيح أنها لا تفيد التوقع أصلاً أمّا في المضارع فلأنّ قولك يقدم الغائب يفيد التوقع بدون قد إذ الظاهر من حال المخبر

ص: 317

عن مستقبل أنه متوقع له. وأما في الماضي فلأنه لو صح دلالتها على التوقع لدخولها على متوقع لصح أن يقال في لا رجل في الدار أنّ لا للاستفهام لأنها تدخل في جواب من قال هل من رجل فيها فما بعدها مستفهم عنه ولذا قال ابن مالك إنها تدخل على ماض متوقع ولم يقل إنها تفيده (قلت (أما الملازمة فغير صحيحة كما في شرحه إذ الفرق بين ما نحن فيه وبين ما أورده ظاهر. وما أنكره قد صرّح به الثقات من أهل النحو واللغة ولو لم يكونوا فهموه من كلام العرب لم يذكروه والعجب منه أنه سلمه في لما النافية مع أنّ ما ذكره جار فيها بالطريق الأولى ومحصله أنها تكون حرف جواب للمخاطب عما هو متوقع منتظر له في نفسه كبقية أحرف الجواب وهو مراد ابن مالك من عبارته المذكورة أيضا إذ لو لم يرده يكون لا معنى لها فيه ولم يقل أحد أنها من الزوائد فما ذكره مكابرة ومنع للنقل ومثله لا يسمع. قوله: (وتدل على ثباته (أي ثبات المتوقع في الماضي كما أنها إذا دخلت على المضارع دلت على ثبات أمر متوقع في المستقبل وليس المراد بالثبات

الدوام والاستمرار بل الثبوت فلا يرد عليه أنه لم يقل أحد من أهل العربية بدلالتها على الدوام فإنه من التزام ما لا يلزم فتأمّل. قوله: (ولذلك تقرّ به من الحال) أي من أجل دلالتها على ثبات أمر ماض متوقع قربت الماضي من الحال أي دلت على أنّ زمانه ليس ببعيد العهد بل هو قريب من هذا الزمان الذي نحن فيه لأنّ العلم بتوقعه إنما يكون فيما قرب العهد به لأنّ ما بعد ينسى ويترك غالبا وهذا بناء على أنّ التوقع والتقريب من الحال لا يفترقان وقيل إنه قد ينفك أحدهما عن الآخر وعلى القول بعدم الانفكاك اختلف في أيهما الأصل والآخر التبع على قولين وهل هو حقيقة إذا اقتصر على أحدهما أو مجاز احتمال. قوله: (ولما كان المؤمنون المتوقعين الخ) المتوقعين خبر كان وذلك إشارة إلى الفلاج والفوز بالأماني ولما كان الفلاح فلاح الدارين وهم وان فازوا بالهدى عاجلا لكن الفوز الحقيقي لا يثبت إلا في الآخرة فالأخبار به منه تعالى بشارة كما صرح به في شروح الكشاف قال المصنف صدرت بها بشارتهم فلا يقال إنّ المتوقع الفلاج لا البشارة به وحينئذ فقوله: قد أفلح مجاز لكنه محل تأمل. قوله: (بإلقاء حركة الهمزة الخ (فتحذف لالتقاء الساكنين الهمزة الساكنة بعد نقل حركتها والدال الساكنة بحسب الأصل لأنه لا يعتذ بحركتها العارضة كما قاله أبو البقاء وحذفها لفظاً لا خطا ولغة أكلوني البراغيث تجمع الضمير والفاعل الظاهر سميت بها لاشتهار تمثيلها بهذا المثال وتوجيهها مفصل في النحو والواو فيها حرف علامة للجمع وإذا كان على الإبهام والتفسير فهي ضمير والظاهر بدل منها. قوله: (وأفلح اجتزاء) بالجيم والزاي المعجمة أي اكتفاء بما يجزي في الدلالة على الواو وهي الضمة ولم يذكر ما في الكشاف من تشبيهه بقول الشاعر:

ولو أق الأطبا كان حولي وكان مع الأطباء الإساة

بضم نون كان على أن أصله كانوا لأنه اعترض عليه بأنّ الوإو في أفلحوا هنا حذفت لالتقاء الساكنين على القياس وفي البيت ليس كذلك. وهو ضرورة عند بعض النحاة. والجواب عنه بأن التشبيه في مجرّد الحذف للاكتفاء بالضمة الدالة عليها لا في سبب الحذف يأباه سياقه ثم إنه معطوف على نائب فاعل قرئ ولا تغاير بين القراءتين لحذف الواو فيها لفظا لالتقاء الساكنين كما في قوله: سندع الزبانية اللهئم إلا أن يقال إنه أثبت الواو لفظا في القراءة الأولى ولذا قال المعرب إنه ذم في هذه القراءة فما قيل إنّ المراد بحذفها خطاً لا لفظاً لاشتراكهما فيه وأنه يكفي ظهور الفرق بينهما في حال الوقف سهو لأنّ من قرأ بها أثبتها في الرسم كما نقله المعرب عن ابن خالويه وأنه إذا وقف عليه ردّت الواو فيه لأنه لا يوقف على متحرّك فلا يحصل الفرق بينهما فتدبر. قوله: (وأفلح (أي قرئ به على أنه من أفلحه لأنه سمع متعديا على

أنّ همزته للتصيير ولازما. وقوله: المؤمنون الخ إشارة إلى سبب الفلاح. قوله: (خائفون من الله متذللون الأن الخشوع التذلل مع خوف وسكون للجوارح والمسجد بفتح الميم موضع السجود ومساجد جمعه ورمى البصر مجاز عن توجهه. وقوله: خشع قلب هذا في نسخة بدله خشي وقوله لما بهم من الجد بكسر

ص: 318

الجيم وهو ضد الهزل. وأورد عليه أنّ اللغو أعم من الهزل لتناوله الفعل فالأولى أن يقول لما هو فيه مما يعنيهم وبهم جار ومجرور وقع صلة لما. وما ذكره هو ما في الكشاف بعينه وإنما فسره بالأخص لعلم غيره بالطريق الأولى ومثله سه!! وقوله أبلغ من المبالغة لإفادته أنه مع عدم لهوهم لا ينظرون إلى جانب اللهو فضلا عن الاتصاف به مع ما ذكره من الاسمية الدالة على الثبات وتقديم الضمير المفيد لتقوّي الحكم بتكرّره وتقديم الصلة المفيد للحصر. وقوله: ليدل متعلق بإقامة وعرض بضم فسكون بمعنى ناحية. قوله: (وكذلك قوله الخ) أي هو مثل ما قبله في العدول لما ذكر لأنه أبلغ من الذين

يزكون حيث جعلت الجملة اسمية وبني الحكم على الضمير، وعبر عنه بالاسم هكذا قيل فاقتصر من الوجوه الخمسة على الثلاثة الأول قيل لأنّ الأخيرين لا يجريان هنا لأنه إعراض هنا فلا إقامة ولأنّ التخصيص لا يعتبر هنا مع أنّ المقدم هنا ليس بصلة كيف واللام زائدة لتقوية العمل من وجهين تقديم المعمول وكون العامل اسما ولا يخفى عليك جريان مثلهما حيث قدم مع ضعف عامله لا للتخصيص بل لكونه مصب الفائدة ويجوز فيه اعتبار التخصيص الإضافي أيضا بالنسبة إلى الإنفاق فيما لا يليق ولو قال المصنف وتقديم المعمول لكان أظهر وأقيم الفعل مقام الإيتاء المذكور في مثله في مواضع من التنزيل مبالغة لدلالته على المداومة لأنه يقال هذا فعله أي شأنه ودأبه المداومة عليه، وذلك في قوله وصفهم بذلك إشارة إلى قوله:{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ} الخ من الإعراض! عن اللغو وفعل الزكاة وما بعد والطاعات البدنية معلومة من الصلاة والمالية من الزكاة. والتجتب المذكور من الأعراض عن اللغو دلالة ومن قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 5] صراحة ولم يقرن المحرّمات بالطاعات البدنية لتأخر ما يدل عليها فما قيل أنّ حقه التقديم على المالية إلا أنه أخره لاحتياجه إلى نوع تفصيل ولتقع المالية في جواز البدنية فإنهما كثيراً ما يذكران معا لا وجه له. والمروءة معروفة وأصل معناها الرجولية. قوله: (والزكاة الخ (المراد بالعين ما يعطي وفيه إيهام لطيف والمضاف أداء ونحوه ووجه العدول عن الأخصر الأظهر ما مرّ. وفاعلون مفعوله الزكاة واللام للتقوية ولم يلتفت إلى ما آثره الراغب من أنّ المعنى الذين يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكيهم الله أو ليزكوا أنفسهم على أنه لازم واللام للتعليل قيل لأنّ اقترانه بالصلاة ينادي عليه وسيأتي نظيره في سورة المعارج وقد يقال الفصل بينهما يشعر بما جنح إليه الراغب بخلافه ثمة وأيضا كون السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة يؤيده لئلا يحتاج إلى التأويل بما مرّ فتدبر. قوله: (رّوجاتهم أو سرياتهم الف ونشر وخص ما ملكت بالإناث بقرينة الإجماع وان عتم لفظه وجعل الزمخشري إطلاق ما قرينة على إرادتهن لإجرائهن مجرى غير العقلاء لقلة عقل النساء ولم يذكره المصنف رحمه الله لخفائه. بل ولأنه غير مسلم عنده فلا يغني عن التخصيص كما توهم لا لمعارضة قوله: {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [سورة النور، الآية: 33] فكاتبوهم لتناوله العبيد ثمة لأنه قد يقال الضمير المذكور ثمة قرينة على العموم ونكتة الإجراء المملوكية لا الأنوثة كما سيصرّح به المصنف رحمه الله ولا مانع من تعدد النكت. قوله: (من قولك احفظ علئ عنان فرسي) ظاهره أنه متعد بعلى دون تضمين كما في الكشاف وحفظ العنان بمعنى إرساله كما في

حواشيه. فما قيل إنه غير متعارف لا يسمع في مقابلة نقل الثقة. وقيل أيضا الوجه أن يقال إنه من قبيل حفظت على الصبيّ ماله إذا ضبطته مقصورا عليه لا يتعداه والأصل حافظون فروجهم على الأزواج لا تتعداهن ثم قيل غير حافظين إلا على الأزواج تأكيداً على تأكيد وقول الزمخشري: أنه متضمن معنى النفي من السياق واستدعاء المفرّغ ذلك. ولم يؤخذ مما في الحفظ من معنى المنع والإمساك لأنّ حرف الاستعلاء يمنعه ولا يخفى أنه تكلف وتعسف إذ لا حاجة إلى التضمين كما مرّ وكون تضمينه ليس بتاويله بما يفيده بل بتقدير مضاف يفيده وهو غير مما يأباه أسلوب العربية. كما قاله أبو حيان رحمه الله: والتأويل المذكور أسهل منه وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: لا يبذلونها ومن لم يقف على المراد قال: إن المصنف ساكت عن تضمينه معنى النفي لكن لا بدّ منه ليصح الاستثناء

ص: 319

مع أنّ ادعاء اللزوم غير مسلم لصحة العموم هنا فيصح التفريع في الإيجاب لأنها محفوظة عن جميع النساء إلا من ذكر والإمساك يتعدى بعلى كقوله: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} كما ذكره المعرب فعد حرف الاستعلاء مانعاً غير متوجه. واعلم أن الفاضل العلائيّ قال: في تذكرته عدى حفظ بعلى وإنما يتعدى بعن فقيل على بمعنى عن. وقيل تقديره دالين وهو حال. وقيل فيه حذف دل عليه قوله: غير ملومين أي يلامون الأعلى أزواجهم أو هو متعلق بحافظون من قولهم احفظ عليه عنان فرسه وهو مضمن معنى النفي أي لا تفلته ولا تسلمه لغيرك وفيه خفاء. وقيل من مختص بالعقلاء وما يعم الفريقين فإن قيل إنه مختص بغير العقلاء فإطلاقه على السراري لأنهن يشبهن السلع بيعا وشراء انتهى من خطه.

قوله: (أو حال) أي هو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال والظرف مستقر أي الأوالين أو قوّامين عليهن من قولهم كان فلان على فلانة فمات عنها ولذا قيل للزوجة أنها تحته وفراش له. وقوله في كافة الأحوال استعمل كافة مجرورة مضافة كما وقع للزمخشري هنا وفي خطبة المفصل وقد ورد مثله فلا عبرة بمن لحنهم فيه لأنها تلزم النصب على الظرفية كما فصلناه في شرح الدرّة. قوله: (او بفعل دلّ عليه غير ملومين) كأنه قيل يلامون على كل مباشرة إلا على ما أبيح لهم من هذا فإنهم غير ملامين عليه وقد سقط هذا من بعض النسخ لأنه أورد عليه أنّ إثبات اللوم لهم في أثناء المدح غير مناسب مع أنه لا يختص بهم ولا شبهة في عدم مناسبته للسياق ولذا أخر وكونه على فرض! عصيانهم وهو مثل قوله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [سورة المؤمنون، 1 لآية: 7، المعارج، الآية: 31] لا يدفعه كما توهم. وقوله: إجراء للمماليك لا للإناث كما في الكشاف. وقوله شائع فيه أي في غير العقلاء. وقوله: وإفراد ذلك أي حفظ الفروج وقوله أشهى الملاهي بيان لوجه دخول المباشرة في اللغو بناء على أنّ المراد

به الملاهي واللذات وتوجيه لإفراده بالذكر والخطر بمعنى الوقع في النفوس أو الضرر وفد استدل القاسم بن محمد بهذه الآية على تحريم نكاج المتعة. وردّه في الكشاف وفي الكشف فيه كلام دقيق كفاناً مؤنته ترك المصنف رحمه الله له وبسط الكلام فيه في التحقيق. قوله: (أو لمن دل عليه الاستثناء (وهم الباذلوها لأزواجهم وإمائهم. وقوله: (فإن الخ) إشارة إلى أن الفاء في جواب شرط مقدر والمستثنى الزوجات الأربع والسراري مطلقاً. وقوله: الكاملون في العدوان الكمال من الإشارة والتعريف وتوسيط الضمير المفيد لجعلهم جنس العادين أو جميعهم كما مرّ تقريره في أولئك هم المفلحون. قوله: (لما يؤتمنون عليه (يعني أن الإمانة والعهد وان كانا مصدرين في الأصل فالمراد العين هنا ولذا جمعت الأمانة فإن أفردت نظر للأصل لأنّ الحفظ والإصلاج للعين لا للمعنى. وأمن الإلباس لإضافته للجمع. وأمانة الحق شرائعه وتكليفه كما سيأتي في قوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ} [سورة الأحزاب، الآية: 72، الآية وأمانة الخلق ظاهرة. قوله: (ولفظ الفعل فيه) أي في النظم أو في هذا المقام أو في يحافظون على أنه من ظرفية الخاص للعام لكونه في ضمنه وقد يعكس أيضا وتقديم الخشوع اهتماما به حتى كأنّ الصلاة لا يعتذ بها بدونه أو لعموم هذا له. وقوله: بأمر الصلاة أي بحالها وهو الخشوع والمواظبة. وقوله: ولذلك جمعه لمناسبة الجمع للتكرّر كما لا يخفى. قوله: (الجامعون لهذه الصفات (هو مأخوذ من كون الإشارة إلى من وصف بالصفات السابقة المتعاطفة بالواو الجامعة. وقوله: الأحقاء الخ الاستحقاق لأنّ أولئك يوجب أنّ ما بعده جدير بما يدل عليه لاتصافه بتلك الصفات السنية وبه اندفع أنّ من لم يجمعها بل من لم يعمل أصلاً يرث الجنة أيضا عندنا فلا يتتم الحصر وأمّا القول بأنه لعظم شأن ما ورثوه بخلاف متاع الدنيا فلا يدفعه ودون الخ إشارة إلى دلالته على الحصر لتعريف الخبر وتوسط ضمير الفصل. قوله: (بيان لما يرثوئه (يحتمل البيان اللغوي وهو التفسير بعد الإبهام فيجوز كونه بدلاً أو صفة كاشفة وهو الأظهر أو عطف بيان. والاصطلاحي فيكون عطف بيان وببيانه لما يرثونه أغنى عن ذكلر

مفعوله. وقوله: وتقييد للوراثة بالتنوين قبل اللام الجارّة وفي نسخة ترك اللام فهو مضاف. وتنوينه ونصب الوراثة على المفعولية خلاف الظاهر وان صح وهو معطوف على قوله: بيان. قوله: (تفخيماً لها (الظاهر أنه تعليل للإطلاق لأن ترك المعمول لإشعاره بعدم إحاطة نطاق البيان به

ص: 320

يفيده فيكون قوله تأكيداً تعليلاً للتقييد على اللف والنشر المشوّش. وقيل إنه تعليل للمعطوف عليه وتأكيدا تعليل للمعطوف. والتأكيد بتكرير ذكر وراثتهم وقيلى إنه مفعول للتقييد والتفخيم فيه من حيث كونه وراثة الفردوس لا من مجرد البيان. قوله: (وهي مستعارة (يعني أن الوراثة مستعارة لما ذكر كاستعارة فعلها استعارة تبعية للمبالغة في الاستحقاق لأنها أقوى أسباب الملك، كما مرّ تحقيقه في سورة مريم في قوله تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ولظهور قوله يرثني ويرث من آل يعقوب بل قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [سورة مريم، الآية: 40] في الاستعارة إذ الإرث في الآية الأولى غير مراد وفي الثانية غير متصوّر استشهد به الشارح الطيبي فلا غرابة فيه لعدم ذكر المؤمنين والجنة كما توهم. قوله: (وقيل إنهم يرثون الخ) هذا ورد في حديث مسند صححه القرطبي وذكر فيه أنه ىلمجم فسر به هذه الآية فلا وجه لتمريضه ولا معنى للقول بأنه لا يناسب المقام فتأمل. وقوله: للجنة فالتأنيث باعتبارها وعلى ما بعده باعتبار الطبقة والأولى أن يقول العليا بدل الأعلى. قوله تعالى:) {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ} الخ (مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أوّلا أحوال السعداء عقبه بذكر مبدئهم ومآل أمرهم أو لما ذكر إرث الجنة عقبه بذكر البعث لتوقفه عليه أو لما حث على الصفات الحميدة عقبه بما يبعث عليه أو لما حث على عبادته وامتثال أوامره عقبه بما يدل على ألوهيته لتوقف العبادة عليه. وقوله: من خلاصة سلمت من بين الكدر بوزن الحذر أي المختلط أو هو بالفتح مبالغة في إطلاقه على المتكدر وهو إشارة إلى أنّ السلالة ما سل واستخرج وصيغة فعالة كما في الديوان لما بقي بعد المصدر فالسلالة لما بقي بعد السل كالقلامة والبراية ولذا قال الزمخشري: إنها تدلّ على القلة. وقوله: متعلق بمحذوف ومن تبعيضية أو ابتدائية ولم يصرّج

به لظهوره ولمقابلته بقوله: أو بيانية وان كان فيه ركاكة فلا يرد أنّ من البيانية لا تنافي الوصفية إذ لا مانع منها وإن احتمل البدلية أو البيانية. ولا يتوهم أنّ المراد بالصفة المخصصة لأنّ السلالة أعئم من الطين فهي على البيان كذلك. وكون أو بمعنى الواو والبيان لغوي تعسف بارد وسيأتي تتمة له. وقيل إنه عطف على اسم إنّ وخبره وانه بيان لتعلقها بمحذوف بوجه آخر لأنّ البيانية لا بد من حذف متعلقها وهو تعسف. قوله: (أو بمعنى سلالة) معطوف على قوله بمحذوف فهو متعلق به بلا تقدير. وقوله: كالأولى الظاهر أنّ المراد به من في قوله: من سلالة. وقد جوّز فيه أن يكون المراد به من الثانية في الوجه الأوّل وهو كونها صفة أو بتقدير الطريقة الأولى وأخر ذكرها للاختصار وهو بعيد. قوله: (أو الجنس (أي المراد الجنس كله. وقوله: فإنهم الخ بيان له بأنه مبدأ بعيد فإنهم من النطف الحاصلة من الغذاء الذي هو سلالة الطين وصفوته، وآدم عليه الصلاة والسلام ليس كذلك فإمّا أن يترك بيان حاله لأنه معلوم وتبين حال أولاده أو يكون وصفا للجنس بوصف أكثر أفراده. وقيل إنه جعل الجنس كذلك لأن أوّل أفراده الذي هو أصله كذلك وهذا غير ما ذكره المصنف رحمه الله ولكل وجهة. وقوله بعد أدوار أي بعد سنين لأنّ السنة مقدار دور الفلك. قوله: (وقيل المراد بالطين آدم) عليه الصلاة والسلام فهو من مجاز الكون ولعدم القرينة عليه وعدم تبادر النطفة من السلالة مرّضه والمراد بالإنسان حينئذ الجنس ووصفه بما ذكر باعتبار أكثر أفراده فلا يعد في خروج آدم نفسه منه كما توهم لذكره بعد. وقوله: فحذف المضاف وهو نسل إن لم يحمل على الاستخدام لكنه خلاف الظاهر ولذا لم يلتفتوا له هنا وان كان من المحسنات وقد جوّز تقديره قبل الإنسان أي أصل الإنسان. قوله: (بأن خلقناه منها) إشارة إلى أنّ جعل بمعنى خلق ونطفة منصوب بنزع الخافض وأمّا كونه بمعنى التصيير والإنسان ما سيصير إنسانا على أنه من مجاز الأول فقليل الجدوى مع تكلفه. قوله: (أو ثم جعلنا السلالة الخ) فالجعل بمعنى التصيير والإنسان الجنس أو آدم عليه الصلاة والسلام والسلالة ما يخلق ويصوّر منه كما سيشير إليه وتأويله بالجوهر لا يخلو من كدر. لأنه بهذا المعنى غير معروف عند العرب وفي اللغة حتى يأتي به القرآن وإنما هو اصطلاح للمتكلمين كما صرّحوا به. قوله: (مستقر حصين)

ص: 321

أصل القرار مصدر قرّ يقر قراراً بمعنى ثبت ثبوتا ثم أطلق على المستقر بالفتح وهو محله مبالغة كقوله: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ

قَرَارًا} ولذا فسره المصنف رحمه الله به والمراد به هنا الرحم والمكين المتمكن ولذا تيل لذي القدرة والمنزلة فهو وصف لذي المكان وهو النطفة هنا فوصف به محلها على أنه مجاز أو كناية عن حصين أو إسناد مجازي أي مكين صاحبه فحصين بيان احاصل معناه فقوله: يعني الرحم تفسير المستقرّ بالفتح. وقوله: وهو يعني به المكين وللمستقر بكسر القاف وهو المتمكن. وقوله مبالغة على الإسناد المجازي كطريق سائر وفي الكشاف وجه آخر وهو أن الرحم نفسها متمكنة فلا تنفصل لثقل حملها أو لا تمج ما فيها فهوكناية عن جعل النطفة محرزة مصونة. وقوله: كما عبر عنه بالقرار التشبيه في مجرّد المبالغة إذ جعل عين القرار كرجل عدل لا في وصف المحل بوصف المستقرّ كما قيل لأنّ القرار من الأمور النسبية. وقوله: علقة حمراء أي قطعة دم متجمدة. قوله: (بأن صلبناها) الخلق هنا بمعنى الإحالة لا الإيجاد المتعارف أو إيجاد صورة أخرى وتغيير التعبير ليس مجرّد تفنن كما قيل لأن إحالة الأولى ظاهرة لتغيير ماهيته ولونه وفي الثاني هو باق على لونه وإنما ازداد تماسكا واكتنازاً فلذا عبر بالتصيير وفي الثالث جعل بعضه صلباً يابسا كبقية العظام. قوله: (فكسونا العظام لحما) أي جعلنا. محيطا بها ساتراً لها كاللباس وذلك اللحم يحتمل أن يكون من لحم المضغة بأن لم تجعل كلها عظاما بل بعضها، وهو الظاهر ولذلك قدمه بقوله: مما بقي الخ ويحتمل أن يكون خلقه الله عليها من دم في الرحم واليه أشار بقوله أو مما أنبتنا الخ. قوله: (واختلاف العواطف الخ (يعني عطف بعضها بثم الدالة على التراخي وبعضها بالفاء التعقيبية مع أنّ الوارد في الحديث من أن مدة كل استحالة أربعين يوما يقتضي أن يعطف الجميع بثم إن نظر لتمام المدة أو لأولها. أو بالفاء إن نظر لآخرها كما قال النحاة إنّ إفادة الفاء الترتيب بلا مهلة لا ينافي كون الثاني المترتب يحصل بتمامه في زمان طويل إذا كان أوّل أجزائه متعقبا لآخر ما قبله وهذا يصحح عطف بعضها على بعض بثم وبعضها بالفاء لكنه لا يتمّ به الجواب كما توهم إذ لا بدّ من المرجح للتخصيص واليه أشار المصنف بقوله لتفاوت الاستحالات يعني أنّ بعضها مستبعد حصوله مما قبله وهو المعطوف بثم فجعل الاستبعاد عقلاً أو رتبة بمنزلة التراخي والبعد الحسيّ لأنّ حصول النطفة من أجزاء ترابية غريب جدا. وكذا جعل تلك النطفة البيضاء دماً أحمر بخلاف جعل الدم لحماً مشابها له في اللون والصورة وكذا تثبيتها وتصليبها حتى تصير عظماً لأنه قد يحصل ذلك بالمكث فيما يشاهد وكذا مد لحم المضغة عليه ليستره وهذا ما عناه المصنف فافهم. قوله:

(والجمع لاختلافهابم أي جمع العظام دون غيرها مما في الأطوار لأن العظام متغايرة هيئة وصلابة بخلاف غيرها ألا ترى عظم الساق وعظم الأصابع وأطراف الأضلاع. وقوله: اكتفاء باسم الجنس الصادق على القليل والكثير مع عدم اللبس هنا كما في نحو قوله:

كلوا في بعض بطنكم تعفوا

وفيه مشاكلة لما قبله كما ذكره ابن جني وأفراد أحدهما صادق بأفراد الأوّل وجمع الثاني وعكسه وبهما قرئ. قوله: (هو صورة البدن (أي المراد بهذا الخلق تمييز أعضائه وتصويره وجعله في أحسن تقويم وهو المناسب لقوله: فتبارك أو المراد بالخلق الآخر الروح لأنه مغاير للأوّل وأعظم ورتبته أعلى فلذا عطف بثم ووصف بآخر فمعنى أنشأناه أنشأنا له أو فيه وكذا إذا أريد به القوى الحساسة ونحوها. وقوله: بنفخه فيه ضمير نفخه للروج وذكر لتأويله بمخلوف ونحوه وضمير فيه للبدن أو للإنسان المفهوم منه والجار والمجرور إمّا متعلق بأنشأنا أو بمقدر وهو إما ناظر إلى القوى أو إليها لىالى الروح يعني أن إنشاء الروح نفخها في البدن وانشاء القوى بسبب نفخ الروح فمن قصر فقد قصر ومن قال: يعني نفخ الله الروح أو القوى في البدن فقد تساهل فتدبر. وقوله لما بين الحلقين من التفاوت أي الرتبي أو الزماني. وقيل: المراد الرتبي لا الزماني لتحققه في الجميع بخلاف الرتبي كما مرّ. قوله: (واحتج به أبو حتيفة الخ (أفرخت بمعنى أخرجت فرخها وقد قيل إن في احتجاج الحنفية بهذا نظراً لأن مباينته للأوّل لا تخرجه عن ملكه. ورد بأن بالمباينة يزول الاسم وبزواله يزول الملك عنده كما تقرّر في الفروع. وقيل تضمينه الفرخ لكونه جزءاً من المغصوب

ص: 322

لا لكونه عينه أو مسمى باسمه وفيه بحث. قوله: (قتبارك الله أحسن الخالقين (بدل لكنه يقل في المشتقات أو خبر مبتدأ مقدر ولكن الأصل عدم الإضمار أو صفة قيل وهو الأولى لأن إضافة أفعل من محضة على الأصح وقيل إنها غير محضة وارتضاه أبو البقاء والخلق بمعنى التقدير كما في قوله:

ولأنت تفري ما خلقت وب! ض القوم يخلق ثم لا يفري

لا بمعنى الإيجاد إذ لا خالق غيره إلا أن يكون على الفرض والتقدير واليه أشار المصنف والمميز المحذوف قوله تقديرا وفي الكشاف وروي أن عبد القه بن سعد بن أبي سرج كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنطق بذلك قبل إملائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اكتب هكذا نزلت " فقال عبد الله: إن كان محمد نبيا يوحى إليه فأنا نبيّ يوحى إليئ فلحق بمكة كافراً ثم أسلم يوم الفتح. وقد أورد عليه أنه مخالف لما قدمه في الأنعام من أنه رجع مسلماً قبل الفتح إلا أن يكون فيه روايتان وأما القول بأنّ الرواية غير صحيحة لأنّ السورة مكية وارتداده بالمدينة كما اعترف به الراوي فجراءة على الحديث بالرد وكونها مكية باعتبار أكثرها وقد مر ما يشير له ولهذا تفصيل في محله. قوله: الصائرون إلى الموت (هذا من قوله بعد ذلك. وقوله: لا

محالة من الاسمية وأن واللام وصيغة الثبوت. وقوله: ولذلك أي ولدلالته على أنه لا محالة أي لا بد منه واسم الفاعل مائت الدال على الحدوث وبه قرئ. وزيد تأكيد الجملة الدالة على الموت مع أنه غير منكر دون ما ذكر فيه البعث المتردّد فيه وكان الظاهر العكس لأنّ تأكيد الموت في المعنى عائد إلى توكيد ما هو متوقف عليه من الجزاء ومن ثمة كزر إنكم ونقل من الغيبة إلى الخطاب ولأنّ الموت كالمقدمة للبعث فكان توكيده توكيدا له. وقيل إنه بولغ في القرينة الأولى لتمادي المخاطبين في الغفلة فنزلوا منزلة المنكرين وأخليت الثانية لسطوع براهينها وتكرير حرف التراخي للإيذان بتفاوت المراتب. قوله تعالى:) {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} الخ) ارتباطه بما قبله إمّا لأنه استدلال على البعث أو بيان لما يحتاجون إليه في البقاء بعد خلقهم. وقوله: لأنها طورق الخ يعني أنها جمع طريقة بمعنى مطروقة من طرق النعل والحوافر إذا وضع طاقاتها بعضها فوق بعض قيل فعلى هذا لا تكون السماء الدنيا من الطرائق إذ لا سماء تحتها فجعلها منها من باب التغليب ولا يخفى أنّ المعنى وضمع طاق فوق طاق مساو له فيندرج ما تحت الكل لكونه مطارقا أن له نسبة وتعلق بالمطارقة فلا حاجة إلى التغليب. وقوله وكل ما فوقه مثله فهو طريقه قيل: وعلى هذا كل من السبع طريقة فإن فوق السابعة الكرسي، وهو ذلك الثوابت وظاهر أنه مثل ما تحته في أكثر الوجوه فجعله وجها آخر للإطلاق المذكور. وقد قيل: إنه من تتمة قوله لأنها طورق الخ لبيان أنّ مدار إطلاق الطريقة على السماء فوقية مثلها عليها لا فوقيتها على مثلها فهو لتعيين أحد محتملي هذا القول وهذا مع ظهوره خفي على هذا القائل فتأمل. قوله: (أو لآنها) أي السموات طرق الملائكة فالطريقة بمعناها المعروت ولا يأباه كون المقام لبيان ما قاض على المخاطبين من النعم الجسيمة لأنه غير مسلم مع أنّ الملائكة منها ما هو وسايط لما يصل إليهم مع أنّ قوله وما كنا الخ قيل: إنّ معناه أنا خلقنا السماء لأجل منافعهم ولسنا غافلين عن مصالحهم. وقوله: الكواكب معطوف على الملائكة. وقوله: فيها مسيرها بيان لكونها طرقا للكواكب والمسير مصدر ميمي بمعنى السير. وقوله: عن ذلك المخلوق إشارة إلى أنّ الخلق بمعنى المخلوق وأفرد لأنه مصدر في الأصل أو لأنها في حكم شيء واحد فالتعريف على هذا عهدي وعلى ما بعده استغراقي وأفراده لما ذكر أوّلاً والإظهار في مقام الإضمار للاعتناء بشأنها. قوله: (مهملين أمرها (هذا جار على

الوجهين وإن كان أوّله ظاهراً في الأوّل. وتوله: من السماء إمّا على ظاهره على ما ورد في الحديث أنّ بعض الأنهار من الجنة أو بمعنى السحاب أو المطر أو جهة العلو. وقوله: بتقدير تفسير لقدر بوجهين متقاربين وهما التقدير والمقدار لكنه على هذا صفة ماء أو حال من الضمير وعلى الثاني صلة أنزلنا. وقوله: يكثر نفعه ويقل ضرره بيان لحكمة تقديره وفي الكشاف يسلمون معه من المضرة وعدل المصنف عنه لأنه قد يضرّ لكن الضرر

ص: 323

القليل مع الخير الكثير كلا ضرر فمالهما عند التحقيق متحد ولذا اقتصر على الصلاج في الثاني واستقرارها شامل لما في ظاهرها كالأنهار وما في باطنها كالآبار. قوله: (بالإفساد (أي إخراجه عن المائية أو رفعه إلى محل آخر والاستنباط الاستخراج. وقوله: كما كنا قادرين الخ إشارة إلى أنّ هذه الجملة حالية. قوله: (إيماء إلى كثرة طرقه (لعموم النكرة وان كانت في الإثبات. والمبالغة في الإبعاد ناشئة من كثرة الذهاب فلذا كان أبلغ أي أكثر مبالغة من تلك الاية لأنّ فيها ذهاباً واحداً وهو التغوير المشعر ببقائه غائراً ولذا عقب بقوله: {فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} [سورة الملك، الآية: 30] وذكر في التقريب للأبلغية ثمانية عشر وجهاً لكنها ليست كلها من التنكير واختيرت المبالغة هنا لأن المقام يقتضيها إذ هو لتعداد آيات الآفاق والأنفس على وجه يتضمن الدلالة على القدرة والرحمة مع كمال عظمة ا! متصف بهما ولدّا ابتدئ بضمير العظمة مع التأكيد بخلاف مائة فإنه تتميم للحث على العبادة والترغيب عما هو فإن فلا يتوهم أنه عدل عن الأبلغ ثمة لأنه أبلغ في مقامه كما فصله في الكشف. قوله: (من نخيل وأعناب) قدمهما لكثرتهما وكثرة الانتفاع بهما والمراد بالفواكه ما عداهما وثمارها وزروعها بدل من الجنات إشارة إلى أنّ من ابتدائية لأنّ الزروع ليست بعضاً منها وإنما هي في خلالها وقيل إنها تبعيضية ومضمونها مفعول تكلون وتغذيا تمييز أو منصوب بنزع الخافض. قوله: (أو ترثزقون (يعني أن ا! ل مجاز أو كناية عن التعيش مطلقاً فيشمل غيره ومن ابتدائية أو تبعيضية والأوّل متعين للمثال.

وقوله: أنواع توجيه لجمع الفاكهتين باعتبار تعدد أنواعهما وما يحصل منهما. وطعام معطوف على قوله: أنواع يعني أن ثمرتها جامعة للتفكه والغذاء بخلاف بقية الفواكه والدبس بكسر وكسرتين عسل النخل، والعامة تطلقه على عسل الزبيب وكلام المصنف ظاهر فيه وقال المعري العرب تسمي عسل النخل دبساً والحرفة الصنعة. وقوله: في ثمرتها إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى أنّ الضمير للثمرة المفهومة منها. قوله: (ومما أنشأنا لكم به شجرة) إشارة إلى الخبر المقدر وقدره مقدما وان كانت النكرة موصوفة لأنه الأولى كما مرّ. والشجرة شجرة الزيتون نسبت إلى الطور لأنه مبدؤها أو لكثرتها فيه وجبل موسى عليه الصلاة والسلام أي جبل عرف به لمناجاته عليه. وأيلة بالفتح محل معروف يسمى اليوم العقبة وهو على مراحل من مصر وفلسطين بكسر الفاء وفتحها بلدة بالشام. وتوله: الطور للجبل أي اسم للجبل المخصوص أو لكل جبل وهو عربيئ وقيل معرّب. وقوله: كامرئ القيس أي هو مركب إضافيّ جعل علما وفي نسخة وبعلبك أي فيمن أضافه كما في الكشاف وهو لغة فيه وقوله: ومنع صرفه أي صرف سيناء سواء كان اسم البقعة أو جزء العلم الأخير لأنه يعامل معاملة العلم كما مرّ في جنات عدن فما قيل إنّ هذا على الثاني وأمّا على الأوّل فمنع الصرف للعلمية والتركيب إن لم يكن فيه إضافة وإلا فكالثاني لا يخفى ما فيه. قوله: (لا للألف) أي ألف التأنيث الممدودة لما سيذكره من أنه ليس في كلام العرب فعلاء بكسر الفاء والمد وآخره ألف تأنيث كما أشار إليه بقوله إذ لا فعلاء الخ قال المعرب رحمه الله هذا قول البصريين وأمّا الكوفيون فلا يسلمونه ويقولون ألفه للتأنيث وكسر السين لغة كنانة وقوله في نسخة كديماس بالدال والسين المهملتين هو الحمام ووقع في بعض النسخ ديماء وهو تحريف وبقوله فيعال سقط ما أورد على قوله: من السناء بالمدّ من أنه ليس بعربيئ كما نصوا عليه ولو سلم فالمادّتان مختلفتان لأن عين السناء نون وعين سيناء ياء لأنّ عجمته غير متفق عليها وعين سيناء أيضا نون وياؤها مزيدة وهمزتها منقلبة عن واو ووزنه فيعال وهو موجود في كلامهم كقيتال في المصدر ويؤيده ما في بعض النسخ من قوله كديماس. قوله: (أو ملحق بفعلال) فهمزته ليست للتأنيث بل للإلحاق بشمراخ وقرطاس فهو كعلباء بالعين المهملة والباء الموحدة وهي عصبة في العنق وهمزته منقلبة عن واو أو ياء لتطرفها بعد ألف زائدة كرداء وكساء لأنّ الإلحاق يكون بهما. وقال أبو البقاء: إنها أصلية. وقوله: من السين أي من هذه المادّة. قوله: (بخلاف سيناء) أي في القراءة بفتح السين فيجوز

كون منع صرفه للألف الممدودة أو للعلمية والتأنيث أو العجمة وكيسان علم لشخص أو لمعنى الغدر. وقوله: إذ ليس في كلامهم

ص: 324

يعني فعلال بالفتح لا يوجد في كلام العرب إلا نادراً كخزعال لطلع الإبل لكن المراد في غير المضاعف فإنه فيه كثير كزلزال وصلصال ووسواس كما صرّج به النحاة ولا يختص بالمصادر كما قيل: وعلى قراءة القصر فألفه للتأنيث كذكري إن لم يكن أعجمياً.

قوله: (أي تنبت ملتبساً بالدهن الخ (يعني أنه على القراءة بفتح التاء وضم الباء من الثلاثي اللازم تكون الباء للملابسة والمصاحبة كجاء بثياب سفره والجار والمجرور حال وكان الظاهر أن يقدره ملتبسة لكنه في النسخة التي عندنا ملتبساً فكأنه أوّل بملتبسا ثمرها. لأنه الملابس للدهن في الحقيقة. وقوله: معدية تفسير لقوله: صلة لأنّ الصلة تكون بمعنى الزائدة، ومن توهم أنه المراد هنا اعترض! عليه بأن المعدية لا تكون صلة وبالعكس فالأولى الاكتفاء بكونها معذية فإن المراد أنها متعلقة بالمذكور وأخره لأنّ إنبات الدهن غير معروف في الاستعمال وإنما يضاف الإنبات للثمر ونحوه. قوله: (وهو إمّا من أنبت بمعنى نبت (والهمزة فيه ليست للتعدية عند من أثبت أنبت بمعنى نبت واستشهد عليه ببيت زهير المذكور وأنكره الأصمعي وقال: إنّ الرواية في البيت نبمت لا أنبت مع أنه يحتمل التعدية بتقدير مفعول له. ورأيت بفتح تاء الخطاب بتصحيح الصاغاني وذوي الحاجات الفقراء وتطينا جمع قاطن بمعنى مقيم والقطين الخدم والاتباع أيضا والمعنى رأيت ذوي الحاجات مقيمين حول بيوتهم لقضاء أوطارهم لأنها معاهد الكرم وموارد النعم حتى إذا ظهر الخصب انفضوا من حولها للانتجاع والتعيش وعلى تقدير زيتونها الجارّ والمجرور حال من المفعول المحذوف أو من الضمير المستتر وقيل الباء زائدة كقوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ويحتمل أيضا تعدية أنبت بالباء لمفعول ثان دماسناد الإنبات إلى الشجرة بل وإلى الدهن مجازي. قوله: (وقرئ على البناء للمفعول (على أنه مجهول أنبت وهو كالأوّل معنى وإعرابا بجعل الباء للملابسة لا غير وتثمر معطوف على نائب فاعل قرئ وكذا ما بعده وقيل إنه تفسير ظن قراءة وقرئ تنت من الثلاثيئ بالدهان بكسر الدال وهو جمع دهن كرماج أو مصدر كالدباغ. والدهن بالضم ما يعصر من الدسم وبالفتح مصدر بمعنى العصر. قوله: (عطف أحد وصفي الشيء (منصوب بمعطوف على

أنه مفعول مطلق له وهو إشارة إلى أنّ الصبغ هو الإدام من المائعات على الاسنعارة لأنه إذا غمس فيه تلوّن بلونه وأن كان المراد به الدهن أيضا لكن لكونهما وصفين نزل تغاير مفهوميهما منزلة تغاير ذاتيهما فعطف أحدهما على الآخر كقوله:

إلى الملك القرم وابن الهمام

كما مرّ. وقوله: الجامع هو معنى الواو العاطفة ودبغ بكسر الدال هنا ما يدبغ به وبالفتح مصدر. قوله: (وتستدلون بها) أي بالأنعام أي بحالها وهو عطف تفسيريّ وضمير بطونها للأنعام باعتبار نسبة ما للبعض إلى الكل لا للإنات منها على الاستخدام لأنّ عموم ما بعده يأباه وقوله: أو من العلف وهو ما تاكله الدوات وهذا ما يحتمله النظم لأنه المناسب لكونه في بطونها إذ اللبن في الضرع لا في البطن ولأنه أليق بالعبرة ولذا جوّزه المصنف وإن كان لا يحتمله ما في سورة النحل. قوله: (في ظهووها وأصوافها وشعورها (إشارة إلى أنّ الأنعام شامل للأزواج الثمانية لا مخصوص بالإبل ولذا لم يذكر الوبر وأدخله في الشعر لأنه يطلق عليه ودخوله فيه غير محتاج للبيان مع الشعور وما ذكر إرشاد لبقية المنافع كالنسل اعتماداً على ما مرّ من أصيله وقوله فتنتفعون بأعيانها إشارة إلى أنّ ما قبله انتفاع بمرافقها وتقديم الظرف للفاصلة أو للحصر الإضافي بالنسبة للحمير ونحوها كما في الكشاف أو الحصر باعتبار ما في تأكلون من الدلالة على العادة المستمرّة ومن تبعيضية لأنّ منها ما لا يؤكل وقوله وعلى الأنعام أي الأزواج الثمانية كما بينه ما بعده وهذا أيضاً من نسبة ما للبعض إلى الكل كما أشار إليه بقوله: منها. وقوله: وقيل: قائله الزمخشريّ لكن كلامه محتمل لتخصيص الأنعام وتخصيص ضميره بالاستخدام والمصنف رحمه الله حمله على الثاني لقوله: فيكون الضمير الخ لأنّ الأوّل بعيد وقيل الأولى عدم تمريضه لأنّ الحمل على البقر ليس بمعتاد عند المخاطبين كما يشير إليه التعبير بالمضارع الدال على الاعتياد والاستمرار وقوله لأنيا هي المحمول عليها أي دون البقر. قوله: (والمناسب للفلك) الظاهر المناسبة والأمر فيه سهل ولم يستدل به الزمخشري لكنه يفهم من سياقه

ص: 325

فلذا ذكره المصنف رحمه الله والشعر لذي الرمّة من قصيدة مشهورة له وقبله:

ألاخيلت ميّ وقدنام صحبتي فمانقرالتهويم إلاسلامها

طروفا وجلب الرحل مشدودة به سفينة برّ تحت خذي زمامها

وجعل الإبل سفائن البر معروف مشهور وهي استعارة لطيفة وقد تصرّفوا فيها تصزفات

بديعة كقول بعض المتأخرين:

لمن شجر قد أثقلتها ثمارها سفائن برّ والسراب بحارها

قوله: (فيكون الضمير فيه الخ) أي هو مما رجع الضمير فيه إلى بعض أفراد عام مذكور

قبله باعتبار بعضه فانّ المذكور في هذه الآية أوّلاً مطلق المطلقات والضمير من بعولتهن راجع إلى بعضهن وهي المطلقات الرجعية لكنه هنا أظهر لأنّ الأنعام بحسب الأصل مخصوص بالإبل فالاستخدام فيه ظاهر قيل وهو اعترا ضعلى الزمخشريّ حيث خص الأنعام بالإبل وهو لا يناسب مقام الامتنان ولا سياق الكلام وما جنح إليه من اقتضاء الحمل إنما يقتضي تخصيص الضمير وله نظائر في القرآن مع اشتماله على نوع من البديع فتأئل. قوله تعالى: ( {تُحْمَلُونَ} ) أي بأنفسكم وأثقالكم وليس مما حذف فيه المضاف فأقيم المضاف إليه مقامه كما قيل وقوله في البر والبحر لف ونشر مرتب وللجمع بينها وبين الفلك في هذه الخاصة الدال على المبالغة في تحملها أخرت في الذكر ولكونها غير عامة أيضاً كما مرّ. قوله: (مسوق الخ) بيان لارتباطه بما قبله وهو ظاهر. وقوله حاقهم ضمنه معنى أصابهم فعداه بنفسه وأصله أن يتعدى بالباء وناداهم وأضافهم له استعطافاً وشفقة. وقوله استئناف أي قوله ما لكم من إله جملة مستأنفة استئنافا بيانياً بتقدير سؤال هو لم أمرتنا بعبادته فكأنه قيل لأنكم لا إله لكم غيره وهي تفيد تخصيصه بالعبادة وما كان علة لتخصيص العبادة كان علة لها أو هو بيان لوجه اختصاص الله بالعبادة لأنّ عبادة الله لا تصح مع التخليط فالعلة تدلّ على الاختصاص كالمعلل فلا حاجة إلى أن يقال المراد بعبادة الله وحده وقوله: على اللفظ إشارة إلى أنّ قراءة الرفع على المحل. قوله: (افلا تخافون) أصل معنى التقوى الوقاية مما يخاف ثم استعملت في الخوف نفسه كما هنا. وقوله: أن يزيل الخ هو مفعوله المقدر بقرينة المقام وقدّره الزمخشريّ أن ترفضوا عبادة الله الذي هو خالقكم ورازقكم أي عاقبة ذلك وهو مآلاً متحد مع ما ذكره المصنف رحمه الله وفسر الملا بالإشراف لأنّ معناه كما قال الراغب جماعة مجتمعون على رأي فيملؤون العيون رواء. والقلوب جلالة وبهاء فيختص بأشراف القوم وان استعمل بمعنى الجماعة مطلقا. قوله: ( {الَّذِينَ كَفَرُوا} ) الظاهر أنّ

الوصف ذكر للذم لأنّ تائل هذه المقالة لا يكون مؤمنا ولأنّ أشرافهم لم يتبعوه لقوله ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ويصح أن تكون للتمييز وان لم يؤمن بعض أشرافهم وقت التكلم بهذا الكلام لأنّ من أهله المتبعين له أشرافا وأمّا تلك الآية فعلى زعمهم أو لقلة المتبعين منهم. قوله: (أن يطلب الفضل عليكم ويسودكم) جعل طلب الفضل الدال عليه صيغة التفعل كناية عن السيادة ولذا عطفه عليه عطفا تفسيريا فلا يرد عليه أنّ الإرادة عين الطلب فيكون التقدير يطلب أن يطلب الفضل عليكم والمطلوب هو الفضل لا طلبه حتى يقال إنّ صيغة التفعل مستعارة للكمال فإن ما يتكلف له بكون على أكمل وجه مع أن الطلب ينبعث عن الإرادة لا عينها فتأمل. قوله: (أن يرسل رسولاً) هو مفعول المشيئة المقدر المفهوم من السياق وأمّا القول بأنه إنما يحذف إذا لم يكن أمراً غريناً وكان مضمون الجزاء كما قرّر في المعاني فليس بلازم وان أوهمه كلامهم لأنّ ما ذكروه ض! ابطة للحذف المطرد في فعل المشيئة لا مطلقا فإنه كسائر المفاعيل يحذف ويقدر بحسب القرائن مع أنه هنا غير مخالف لكلامهم كما توهم ولذا فسر ملائكة برسلاً وقد مر تفصيله. قوله: (ما سمعنا به أنه نبي) بدل من الضمير المجرور ليتعلق السماع به فإنه لا يكون متعلقه جثة فيكون معنى السماع به السماع بخبر نبؤته وقد جوّزوا فيه أن يكون هذا إشارة إلى الاسم وهو لفظ نوح عليه الصلاة والسلام

ص: 326

والمعنى لو كان نبياً لكان له ذكر في آبائنا الأوّلين وهذا الوجه وما قبله إنما يتأتى من متأخري قومه المولودين بعد بعثته بمدة طويلة فيكون المراد بابائهم من مضى قبلهم في زمنه صلى الله عليه وسلم وهذا القول صدر منهم بعد مضيهم ولا يلزم أن يكون في آخر أمره فالفاء فيه للسببية لا للتعقيب كما أثبته النحاة. وقوله: ما كلمهم به معطوف على نوحا وعلى هذا لا يحتاج إلى تأويل. وفي الكشاف أي ما سمعنا بمثل هذا الكلام أو بمثل هذا الذي يدعي وهو بشر أنه رسول الله وما أعجب شأن الضلال لم يرضوا للنبوّة ببشر، وقد رضوا للإلهية بحجر. وقد قيل إنه قدر المثل إشارة إلى أنه لا بد من تقديره لأن عدم السماع بنوح عليه الصلاة والسلام أو بكلامه المذكور لا يصلح للرد لأن السماع بمثله كاف للقبول كما أفاده بعض المحققين من شرّاحه ومن لم يقف على مراده قال إنه لا حاجة إلى تقديره فإنّ الإشارة إلى نفس هذا الكلام مع قطع النظر عن المشخصات وفي قوله من الحث دون حثه إيماء إليه. نعم هو وجه آخر لا غبار عليه والظاهر أنه ليس إشارة إلى التقدير بل هو تقرير للمعنى فيتحد كلامهما فتدبر. قوله: (وذلك (أي كلامهم المذكور على الوجهين الأخيرين من أنه لم يحث أحد على عبادة الله أو لم يدع بشر النبوّة مع وقوعه إفا إنكار للواقع عناداً أو

لكونهم في زمان فترة فلم يسمعوه قبله وما قيل إنه على جميع الوجوه لا وجه له. والتربص التوقف وباؤه للتعدية أو السببية فتفيد الاحتمال أو الانتظار وفاعل قال ضمير نوح عليه الصلاة والسلام. قوله: (بإهلاكهم (لا شك أن إهلاك العدوّ مستلزم لنصرته وسبب له لا عينه وهو معنى قول الزمخشريّ: في نصرته إهلاكهم فكأنه قال أهلكهم. ولو كانا مترادفين لم يقل كأنه فما قيل إنّ الزمخشريّ جعل النصرة عين إهلاكهم ولا وجه لعدول المصنف عنه سهو. قوله: (أو بإنجارّ ما وعدتهم) بقوله: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [سورة الأعراف، الآية: 26] والإهلاك الأوّل غير ما توعدوا به فمن قال الواو أحسن لعدم التنافي بينهما لم يصب والزمخشري جعل هذا معنى قوله: بما كذبون فالباء فيه آلية وعلى ما ذكره المصنف لا يلزم تعلق حر في جرّ بمتعلق واحد لتغايرهما وترك هذا أولى فتدبر. وقوله. بدل تكذيبهم فما مصدرية والباء للبدل كخذ هذا بذاك فنصرته بدل تكذيبهم لأنه جزاء لصبره أو بدل عن تكذيبهم. قوله: (بحفظنا) مرّ في سورة هود أنّ المعنى ملتبسا بأعيننا عبر بكثرة آلة الحس التي بها يحفظ الشيء ويراعى من الاختلال والزيغ عن المبالغة في الحفظ، والرعاية على طريق التمثيل وقد سبق تحقيقه. ونزول العذاب مرفوع معطوف على أمرنا أو مجرور معطوف على الركوب في السفينة. والتنور كانون الخبز ووجه الأرض! ومنبع الماء وقوله: ومحله أي محل التنور وباب كندة باب لذلك المسجد معروف وكندة علم لقبيلة. وعين وردة علم بقعة بالشام. وقيل: بالجزيرة كما مرّ في هود وفسر عليّ كرّم الله وجهه فار التنور بطلع الفجر فقيل معناه إنّ فوران التنور كان عند طلوع الفجر وفيه بعد وقيل هو مثل كحمى الوطيس. قوله: (فأدخل (بهمزة قطع وسلك متعد هنا وأمتي الذكر والأنثى بمعنى طائفتيهما والإضافة بيانية. وقوله: واثنين تأكيد أي على هذه القراءة. وواحدين مزدوجين تفسير لزوجين إشارة إلى أنّ المراد فردان لا صنفان. قوله: (وأهل بيتك أو ومن آمن معك) من قومك لا من آمن من أهلك والتفسير هو الثاني لذكرهم معهم في سورة هود والقرآن يفسر بعضه بعضاً والأهل كما يطلق

على العشيرة يطلق على أقة الإجابة وهو المراد بالثاني والاستثناء منقطع وإنما ذكر الثاني هنا ولم يذكره في سورة هود للزوم ترك المؤمنين هنا بخلافه ثمة للتصريح بهم فكان ينبغي الاقتصار عليه كما فعله بعض المتأخرين ولا يلزمه الجمع بين معنيي المشترك كما توهم وكونه تفسيراً بما لا يحتمله اللفظ لا يجدي نفعاً فلعله أدخل من آمن به في أهله وفي أهل بيته تغليبا بقرينة ما بعده ولعلمه من التصريح به ثمة، وضمير منهم لأهله بمعنييه لا لقومه كما قيل إذ هو تكلف بلا فائدة فتدبر. قوله: (بإهلاكه للكفرة (وفي نسخة الكفرة. وقوله: الذين ظلموا أقامه مقام الضمير للتنبيه على علة النهي كما أشار إليه بقوله لظلمهم بالإشراك. وقوله: بالدعاء لهم بالإنجاء قدره بقرينة ما بعده ولو عمم لصح ودخل فيه هذا بالطريق الأولى. وقوله لا محالة من التأكيدات. وقوله: إنهم مغرقون استئناف بيانيّ لتعليل

ص: 327

ما قبله. وقوله: لا يشفع له أي لا يخبغي أن يشفع له. وقوله: ولا يشفع فيه بالتشديد. والتشفيع قبول الشفاعة كما ورد الشفيع المشفع في المحشر وقوله: كيف أي كيف يليق أن يشفع له أو يشفع فيه وهلاكه من النعم التي أمره بالحمد عليها. وفي أمره بالحمد على نجاة اتباعه إشارة إلى أنه نعمة عليه، والحمد هنا رديف الشكر ولما كان وقوعه في مقابلة الإهلاك غير متبادر أورد الآية الأخرى تنظيراً له. قوله:(وههنا نكتة (وهي أنّ في هذه الآية إشارة إلى أنه لا ينبغي المسزة بمصيبة أحد ولو عدواً من حيث كونها مصيبة له بل لما تضمنه من السلامة من ضرره أو تطهير الأرض من وسخ شركه وإضلاله ولذا قال: نجانا دون أهلكهم لأمره بالحمد هنا وصزج بقطع دايرهم ثمة فافهم. قوله: (في السفينة) إن كان قبل دخولها أو المراد أدم بركة منزلي فيها أو وفقني للنزول في أبرك منازلها لأنها واسعة إن كان بعده. فلا يقال كان حقه أن يقول اجعل منزلي. وقوله: أو في الأرض إن كان الدعاء بعد قراره في السفينة. وأعاد قل لتعدد الدعاء. والأوّل بدفع ضرر ولذا قدمه وهذا لجلب منفعة. قوله: (يتسبب لمزيد الخير في الدارين (بيان لكونه مباركاً في الدنيا بالسلامة واهلاك العدوّ وفي الآخرة لنصرة دينه وابطال الشرك الذي لم يغسل درنه غيو الطوفان وقال: يتسبب للدلالة على قوّته في السببية حتى كأنه بدون مسبب مع أن قوله ر! ت نداء بمسببه فلا يتوهم أنّ الأولى بسبب. وقوله: وقرأ غير أبي بكر منزلاً أي بضم الميم وفتح الزاي والباقون بفتح فكسر وإنما خالف عادته في جعل ما عليه أكثر القراء أصلا مع أنه المناسب

لأنزلني أيضا لأنّ المنزل بالفتح أكثر في الاستعمال فيبادر إليه القارئ والتخريج المذكور جار

فيهما. وفي الكشف خص المشهورة بالذكر على خلاف العادة ليفسرها. قوله: (ثناء مطابق

الخ) لأنّ خبر المنزلين لا ينزل إلا منزلاً مباركا. وقوله: أمره بأن يشفعه به أي يقرن الدعاء

بالثناء أو الثنا بالدعاء. وأشار إلى أنه من مقول قل. وقوله: مبالغة فيه أي في الأمر لأنّ الطلب

للخير من المنازل ممن هو خير منزل يقتضي أنه ينزله وان لم يطلب حتى كأنه محقق قبل

الطلب وأمّا التوسل فلأنّ الثناء على المحسن يكون مستدعيا لإحسانه وقد قالوا إنّ الثناء على

الكريم يغني عن سؤاله. وقوله: أفرده أي نوحاً عليه الصلاة والسلام بالأمر بقوله قل والمعلق

به أي الشرط المعلق به الأمر الذي هو جوابه وهو قوله إذا استويت أتت ومن معك. وقوله:

إظهاراً لفضله وعلوّ مرتبته بأنه لا يليق غيره منهم للقرب من الله والفوز بعز الحضور في مقام

الإحسان، وفيه أيضاً الدلالة على كبريائه إذ لا يخاطب كل أحد من عباده. وقوله: مندوحة أي

غنى وأصل معناه السعة والغنى لأنّ المنزل ليس مخصوصاً به ولأنّ ما يصلى إليه من البركة يصل

لاتباعه. وقوله: فإنه أي دعاءه محيط بهم أي يشملهم لما ذكرناه. قوله: (فيما فعل بنوح (عليه

الصلاة والسلام يعني الإشارة إلى ما ذكر من أوّل قصة نوح عليه الصلاة والسلام إلى هنا.

وقوله: لمصيبين إشارة إلى أنّ الابتلاء إمّا من البلية بمعنى المصيبة أو بمعنى الاختبار وان

مخففة على الأصح. وقيل نافية واللام بمعنى إلا والجملة حالية. قوله: (هم عاد) أي قوم هود

وليس في الآية تعيين لهؤلاء لكن هذا مأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وأيده في الكشاف

بمجيء قصتهم بعد قصة نوح في سورة الأعراف وهود وغيرهما وعليه أكثر المفسرين ولذا قدمه

المصنف رحمه الله ومن ذهب إلى أنهم ثمود قوم صالح استدل بذكر الصيحة لأنهم المهلكون

بها كما صرّح به في هذه السورة. قوله: (وإنما جعل القرن موضع الإرسال) جواب عن سؤال

وهو أنّ أرسل وما بمعناه كبعث يتعدى بإلى فلم ذكر في هنا فأجاب بأنها ظرفية لبيان ما ذكر.

وجعله في الكشاف من قبيل قوله:

تجرج في عراقيبها نصلي

وفيه نظر. قوله: (تفسير لأرسلنا (يعني أن أن فيه تفسيرية بمعنى أي وشرطها تقدم ما فيه

معنى القول دون حروفه وارسال الرسل لما كان للتبليغ كان كذلك. وإليه أشار بقوله: أي قلنا الخ ويجوز كونها مصدرية وقبلها جار مقدر أي بأن الخ ثم إنه قيل إنه قدم من قومه ليتصل البيان بالمبين ويدفع توهم تعلقه بالذين كفروا لو أخر عن تمام الصلة. وهذه النكتة إنما تتأتى إذا لم يكن الذين صفة قومه بل صفة الملا ولا حاجة إلى ارتكابه. قوله: (لعله ذكر بالواو الخ) إشارة إلى نكتة ذكر الفاء في قصة نوح عليه الصلاة والسلام والواو في قصة هود عليه الصلاة والسلام هنا وتركها في هذه القصة في محل آخر

ص: 328

وان كان التفنن كافيا في مثله لكن اللائق بشأن التنزيل أن يكون له نكتة خاصة. وفي الكشف أنه قيل إنما الإشكال في اختصاص كل بموقعه ولم يحم الزمخشري حوله. والجواب أنه بين الفرق على وجه يتضمن دفعه وأشار إليه بقوله: وشتان ما هما كأنه قال هناك يحق الاستئناف لأنه في حكاية المقاولة بين المرسل والمرسل إليه واستدعاء مقام المخاطبة ذلك بين وما نحن فيه حكاية لتفاوت ما بين المقالتين لأنّ المرسل إليهم قالوه بعضهم لبعض. وظاهرا باؤه على الاستئناف فالجواب من الأسلوب الحكيم اهـ. وما ذكره المصنف من عدم الاتصال يفهم من العدول من الفاء إلى الواو مع ما فيه من نكتة التضاد. وكونه جواب سؤال يقتضي عدم العطف لكن اختياره ثمة يحتاج إلى مخصص فالجواب غير تام إلا بملاحظة ما في الكشف وهو لا يخلو من الإشكال فتدبر وقوله على تقدير سؤال هو ما قاله قومه في جوابه. قوله: (بلقاء ما فيها) يعني أنه مضاف إلى الظرف وترك ما يلقونه كجوار مكة أي جوار الله في مكة أو إلى المفعول على أنّ الآخرة عبارة عما فيها كما إذا أريد بالآخرة المعاد أو المراد بالآخرة الحياة الثانية وجملة أترفنا معطوفة أو حالية بتقدير قد وهو أبلغ معنى لإفادته الإشارة إلى من أحسن وهو أقوى في الذم وقوله: والعائد إلى الثاني منصوب محذوف والفاصلة ترجحه. قوله: (وإذا جزاء للشرط) كذا في الكشاف وردّه أبو حيان بأنه ليس واقعا في الجزاء بل بين أنّ وخبرها وجملتها جواب القسم على القاعدة المشهورة ولو كان جوابه صدر بالفاء عند من أجازه. وغاية ما يعتذر له بأنه تسمح في العبارة لظهور المراد فأراد أنه سادّ مسد جواب الشرط كما تسمع في جعل إذا جوابا وإنما الجواب جملة إنكم الخ. وهذا عناية القاضي وسلامة الأمير لكن يوضحه أنّ القسم غير مذكور وتقديره إنما هو للتأكيد. وقوله

أيعدكم أنكم أي بأنكم، ويجوز أن لا يقدر فيه حرف كوعدته خيراً وقوله: مجرّدة الخ ما ذكره يفهم من فحوى الكلام. قوله: (وأنكم تكرير للاوّل اللتذكير والتأكيد ولما بالفتح والتشديد أو الكسر والتخفيف وخبره مخرجون وإذا متعلقة به وإذا كان مبتدأ خبره الظرف فالجملة خبر أنّ الأولى والفعل المقدر وقع. وقوله: جوابا للشرط هو إذا وفي الوجه المتقدم هي ظرفية وهو جار في هذا الوجه أيضا والجملة يعني إذا مع شرطها وجوابها وقوله أي أنكم الخ بيان لما قبله على اللف والنشر المرتب. وقوله: ويجوز الخ وتقديره إنكم تبعثون وإذا متعلقة به وهو اختيار سيبويه وقوله لا أن يكون أي خبر أنكم الظرف لأنّ ظرف الزمان لا يخبر به عن الجثة إلا بتأويل كان يقدّر أنّ بعثكم واخراجكم وهو خلاف الظاهر. قوله: (بعد التصديق أو الصحة) يعني أنّ فاعله ضمير مستتر عائد لما ذكر لفهمه من السياق. ولما توعدون بيان له فهو متعلق بمقدر كسقيا لك أي البعد المذكور كائن لما توعدون وليس متعلقاً بالمستتر لأنه لا يصخ تعلق الجارّ به على الصحيح وكلامه بعد. مصرّح بخلافه فلا يصح حمله عليه تشبثا بتجويز بعض النحاة له كما في المغني ولما كان المبين مفسراً للضمير المستتر فسره بقوله أي بعدما توعدون لأنه مآل معناه لا أنه فاعل واللام فيه زائدة لأنّ سياقه وسباقه يأباه لكنه ذهب إليه بعض المعربين وردّ بأنّ اللام لم يعهد زيادتها في الفاعل. قوله: (كأنهم لما صوّتوا الخ) إشارة إلى ما قاله الزجاج وغيره من النحاة من أنه في الأصل اسم صوت كاف للتضجر وليست مشتقة. وقوله: فما له هذا الاستبعاد أي أيّ شيء له هذا الاستبعاد كقوله تعالى {مَا جِئْتُم} به وهو أمر تقديرفي وما قيل إنّ أصله ما الذي فحذف منه الموصول لا وجه له لارتكابه الحذف من غير ضرورة فيه. قوله: (وقيل هيهات بمعنى البعد) هذا وقل الزجاج رحمه الله وهو على القول بأن أسماء الأفعال لها محل من الإعراب. وقيل: إنّ ما ذكره الزجاج بيان لحاصل المعنى- وفيها أكثر من أربعين لغة- منها ما ذكره المصنف من القراآت. وقوله: منوّناً للتنكير كما في غيره من أسماء الأفعال فإنّ ما نوّن منها نكرة وما لم ينوّن معرفة. وقوله: وبالضم منوّناً على أنه جمع هيهة كبيضة وبيضات وقد قيل: إنه مرفوع على الفاعلية أي وقع بعد وليس بشيء كالقول بنصبه على المصدرية وهذا منقول عن سيبويه وما وقع في بعض النسخ هيهية بياء بعد الهاء الثانية من

غلط الناسخ. وقوله: تشبيهاً بقبل أي في مجرّد البناء على الضم. وقوله على الوجهين أي التنوين وعدمه وقوله: بالسكون الخ

ص: 329

إشارة إلى ما للقراء من الطريقين فيها الوقوف بالتاء كمسلمات وبالهاء تشبيهاً بتاء التأنيث لا اتباعا للرسم كما قيل. قوله: (أصله أن الحياة إلا حياتنا الدنيا) يعني أنّ الضمير ليس للشأن بل للحياة والضمير يعود على متأخر في صور فصلها النحاة منها ذا فسر بالخير كما هنا قال الزمخشريّ هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه وأصله أن الحياة إلا حياتنا الدنيا ثم وضع هي موضع الحياة لأنّ الخبر يدلّ عليها وببينها ومنه:

هي النفس تحمل ماحملت وهي العرب تقول ماشاءت

قال ابن مالك وهو من جيد كلامهم لكن في تمثيله ضعف لإمكان جعل النفس والعرب بدلين وتحمل وتقول خبرين. وفي المغني أنّ في كلامه أيضاً ضعفاً لإمكان جعله ضمير القصة وأورد على كونه مفسراً بالخبر أنّ الخبر إذا كان مضافاً أو موصوفاً عاد عليه الضمير باعتبار قيده فيصير التقديران حياتنا الدنيا إلا حياتنا الدنيا فليس مراد الزمخشريّ إنه عائد على الخبر بل على ما دلّ عليه السياق وليس بشيء لأنه في المحكي ابتداء كلام ليس فيه ما يدل عليه غير الخبر ولذا لم يجعل عائداً على ما قبله من قوله: وأترفناهم في الحياة الدنيا والضمير قد يعود على الموصوف بدون صفته وقوله: تعينها لحضورها عندهم إذ لا همّ لهم غيرهم. قوله: (كقوله هي النفس ما حملتها تتحمل) تمامه:

وللدهر أيام تجور وتعدل

قيل عليه إنه يحتمل أن يكون النفس بدلاً من الضمير والجملة خبر أو هو ضمير الشأن

وأمّا على هذا فالخبر مفسر للضمير كما في التسهيل وليس من قبيل شعري شعري كما توهم لأنّ المراد أنّ هذا شانها كقوله:

فقلت لهاياعزكل مصيبة إذاوطنت يومالها النفس ذلت

وهذا معنى قوله: في الكشف ليس المعنى النفس النفس لأنه لا يصلح الثاني حينئذ تفسيرا والجملة بعدها بيان بل الضمير راجع إلى معهود ذهني أشير إليه ثم أخبر بما بعد. كما في نحو هذا أخوك فتأمّل. قوله: (ومعناه لا حياة إلا هذه الحياة) يعني الضمير عائد إلى ما

يفهم منها من جنس الحياة ليفيد الحمل ما قصدوه من نفي البعث. ومنه تعلم خطا من قال إنه كشعري شعري. وقوله ويولد بعضنا يعني المراد بالحياة ما ذكر لا حياة أخرى بعد الموت لقوله وما نحن بمبعوثين ولم يجعل الضميرين للجميع على أنّ المراد بالموت العدم قبل الوجود أو الحياة بقاء الأولاد أو على أنهم قائلون بالتناسخ كما سيأتي في الجاثية لبعده وقوله: بمصدقين لأنه معنى الإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وسلم والمتعذي بالباء. قوله: (بسبب قكذيبهم) يعني ما مصدرية والباء سببية. ويصح أن تكون بدلية أو آلية كما مرّ. وقوله: عن زمان قليل يعني أنّ قليلاً وكثيراً يقع صفة للزمان ويحذف ويستغنى عنه كهقريب وقديم وحديث وعن للمجاوزة بمعنى بعد هنا وصلة بمعنى زائدة لأنّ الزائد لما كان بمعنى الحشو المهمل وهو لا يقع في كلامه تعالى إذ الزائد فيه لا يخلو عن فائدة كالتأكيد وتحسين اللفظ منعوا من إطلاقه عليه إجلالاً لكلامه تعالى عنه وان كان زائداً بالنسبة لأصل المعنى المراد ولهذا ذهب بعضهم إلى أنه لا زائد فيه أصلاً ففسروه بوجوه أخر كما جعلت ما هنا تامة وقليل بدل منه أو موصوفة به وإلجار والمجرور متعلق بيصبحن وان كانت اللام للابتداء لتوسعهم في الظروف أو بمقدّر دل عليه الكلام كننصر أو نصبح ويصبح بمعنى يدخل في وقت الصباج ويكون بمعنى يصير وهو المراد هنا. قوله: (واستدلّ به) أي بذكر الصيحة لأنّ المهلك بها قوم صالح لا قوم هود فإنهم أهلكوا بريح عاتية كما صرّح به غير هذه السورة ومن فسره بهم قال إنّ جبريل عليه الصلاة والسلام صاج بهم مع الريح كما روي في بعض الأحاديث أو المراد بالصيحة العقوبة الهائلة كما في قوله:

صاج الزمان بأهل برمك صيحة خرّوا لشدتها على الأذقان

قوله: (بالوجه الثابت) يعني الحق بمعنى الثابت المحقق والمعنى أنه لا دافع له وإذا كان بمعنى الوعد الصدق فهو ضد الباطل ويصح أن يراد الوجوب بمقتضى وعيده إذ لا وجوب على الله عندنا. قوله: (شبههم في دمارهم بغثاء السيل (السيل معروف وغثاؤه حميله أي ما يحمله من الورق والعيدان البالية وغثاء القدر زبده. ويستعار لما يذهب غير معتد به واليه أشار المصنف رحمه الله ويجوز أن يكون تشبيهاً بليغا

ص: 330

وسال به الوادي إذا هلك استعارة تمثيلية

كطارت به العنقاء والدمار بالمهملة! يهالهلاك لفظا ومعنى. قوله: (يحتمل الإخبار والدعاء) البعد ضد القرب والهلاك وفعلهما ككرم وفرح والمتعارف الأوّل في الأوّل والثاني في الثاني والمصدر يكون بعدا وبعداً كرشد ورشد وهو منصوب بمقدر أي بعدوا بعداً والإخبار ببعدهم من رحمة الله من كل خير أو النجاة والدعاء بذلك والمراد أنهم مستوجبون للعذاب فقوله: بعد بضم العين أو كسرها من في قوله لا يستعمل إظهارها نظر لأنّ وجوب حذف عامله عند سيبويه إنما ذكروه فيما! إذا كان دعائيا كما صرّح به في الدر المصون ففي كلامه إطلاق في محل التقييد وقوله: إظهارها من إضافة الصفة للموصوف أي لا تستعمل مظهرة. قوله: (لبيان من دعى عليه) أو من أخبر ببعده وفي الاقتصار على الدعاء إشارة إلى ترجيحه فهي متعلقة بمحذوف كما في سقيا لك والتعليل بأن إبعادهم لظلمهم كما تقرّر في التعليق بالمشتق وقوله يعني قوم صالح عليه الصلاة والسلام فيه إشارة إلى أنّ الدليل على أنّ القرن السابق قوم صالح غير صالح للتعويل وقوله: ومن مزيدة للاستغراق يعني أنها زيدت في الفاعل لتأكيد الاستغراق المستفاد من النكرة الواقعة في سياق النفي وضمير يستأخرون لأنه باعتبار معناه. قوله: (متوا! لرين (أي متتابعين فردا فردا واختلف أهل اللغة في معناه بعد الاختلاف في لفظه هل هو مصدر أو جمع أو اسم جمع فقيل إنه التتابع والتوالي مطلقا وقيل تتابع مع فصل ومهلة كما اختاره الحريري في الدرّة وانتصابه على الحال كما أشار إليه بقوله متواترين وقيل إنه صفة مصدر مقدر أي إرسالاً تترى وقيل مصدر لأرسلنا لأنه بمعنى واترنا وقوله والتاء أي الأولى بدل من الواو كما في تجا. وتجيه وهو كثير والدليل عليه الاشتقاق وكثرة فعلى في الأسماء ومفعول كديجور دون تفعل وتفعول كما في تولج المقرّ الوحش وكناسه لأنه يلج فيه. وتيقور بمعنى الوقار وقوله على أنه مصدر ظاهره أنه في القراءة الأولى ليس بمصدر مع أنه قيل به كما مرّ ونظيره دعوى وألف التأنيث في المصادر كثيرة فتعليله غير تام فالظاهر أن يقول على أن ألفه للإلحاق كارطي لكن ألف الإلحاق في المصادر نادرة وقيل إنها لا توجد فيه وقيل إنه عليه تتر بوزن فعل ورد بأنه لم يسمع إجراء حركات الإعراب على رائه وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير وقوله بمعنى المواترة إن أراد أنه حال من ضمير أرسلنا فهو على ظاهره وان كالف حالاً من المفعول ففيه مسامحة ولذا وقع في بعض النسغ المتواترة أي الوسل المتوإترة وهي أظههـ.

قوله: (أضاف الرسول) أي في قوله رسلنا ورسولها لما ذكر ولأنّ الإضافة للملابسة والرسول ملابس المرسل والمرسل إليه وقوله لم يبق منهم إلا حكايات يسمر بها بالبناء للمجهول مخفف من السمر وهو حديث الليل يعني أنهم فنوا ولم يبق إلا خبرهم إن خيرا وان شرّا:

وانما المرءحديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى

قيل وهو ردّ على الزمخشريّ في دعوى تعين المعنى الثاني أي كونه جمع أحدوثة للإرادة

هنا فإنّ الأوّل صحيح كما لا يخفى ولعله إنما اختاره لأنه أنسب وأقيس كما لا يخفى. قوله: (وهو اسم جمع للحديث) تبع فيه الزمخشريّ وقد مرّ أنّ اصطلاحه أن يطلق اسم الجمع على الجمع الذي ليس بقياسيّ كاسم المصدر للمصدر غير القياسي لا على ما اصطلح عليه النحاة من أنه ما دل على الجمعية ولم يكن على شيء من أوزانها وليس اسم جنس جمعيّ فلا يرد عليه ما قاله أبو حيان من تخطئته بأنّ أفاعيل ليس من أبنية اسم الجمع فالصحواب أنه جمع حديث على غير القياس وأنّ كون الأحدوثة أمراً مستغربا يحدث به للتلهي والإضحاك هو الأكثر وقد ذكر بعض أئمة اللغة أنه ورد بمعنى الحديث كقوله:

فيا حبذا أحدوثة لو تعيدها

فتذكر وقوله بالآيات التسع مرّ تفصيلها والكلام عليها في سورة بني إسرائيل وهرون بدل

أو عطف بيان وتعرّض لإخوّته للإشارة إلى تبعيته له في الرسالة. قوله: (وحجة وا! حة ملزمة للخصم) لأنّ السلطان يطلق عليها فعطفه حينئذ ظاهر وقوله واضحة على أنه من أبان اللازم لأنه يكون لازماً ومتعديا فقوله ملزمة لأنه شأن الواضح ولازمه وفيه إيماء إلى جواز كونه من المتعدي فإن أريد به العصا يكون من ذكر بعض الأفراد

ص: 331

بعدما يشمله لتفرّده بالمزايا كأنه شيء آخر واليه أشار بقوله وإفرادها وقوله ما أفكته السحرة أي ما لبسته من الخيال وهو من قولهم أفكه عن رأيه إذا صرفه عنه كما في الأساس والمراد بحراستها حراستها لموسى عليه الصلاة والسلام أو غنمه كما مرّ والرشاء بالكسر حبل الدلو وقوله وأن يراد بها المعجزات هو عكس

تفسيره الأوّل وإذا أريد بها المعجزات فهو من تعاطف المتحدين في الما صدق لتغاير مدلوليهما كعطف الصفة على الصفة مع اتحاد الذات أو هو من باب قولك مررت بالرجل والنسمة المباركة حيث جرّد من نفس الآيات سلطان مبين وعطف عليه مبالغة وأفراده حينئذ لأنه مصدر في الأصل أو لاتحادهما في المراد وقوله فإنها بيان لإطلاقهما عليها. قوله: (عن الإيمان والمتابعة الأنهما دعوا فرعون وملأه إلى ذلك كما صرّح به في آيات أخر كقوله فقل هل لك إلى أن تزكي وأهديك إلى ربك فتخشى ولا ينافيه أنهما طلبا منه خلاص بني إسرائيل ليذهبوا معه إلى الشام لأنهما ذكراه تدريجاً في الدعوة واهتماما بخلاصهم من الأسر فدعوى أنه هو المراد لا ما ذكره المصنف رحمه الله مكابرة كيف لا والإرسال بالمعجزات لم يكن لذلك. وقوله بعده فكذبوهما تفسير هنا وعدم إجابة سؤاله لا يناسبه الاستكبار ظاهرا. وقوله متكبرين أو متطاولين بالبغي والظلم فالعلوّ معنوفي. قوله: (البشر) يطلق على الواحد وغيره لأنه اسم جنى والمثل في الأصل مصدر وقد ثنيا وجمعا كقوله لبشرين هنا وعباد أمثالكم فلذا ثني بشر وأفرد مثلى وهذا هو المصحح وإنما الكلام في المرجح لتثنية الأوّل وأفراد الثاني وهو الإشارة بالأوّل إلى قلتهما وانفرادهما عن قومهما مع كثرة ملتهم واجتماعهم وشدة تماثلهم حتى كأنهم شيء واحد وهو أدل على ما عنوا. قوله: (بأن قصارى شبه المنكرين) أي غايتها وأعظمها لتكرّره منهم كما سمعته في الآيات المسابقة والحقيقة البشرية والإنسانية وقوله متباينة بمعنى متباعدة والأقدام جمع قدم وهي معروفة وتباين الإقدام كناية عن التفاوت فيما بينها والمراد تفاوتها بجعل الله لا بأمر ذاتيّ كما تدعيه الحكماء كما مرّ وكما ترى متعلق بقوله يمكن وقدم لأنه دليل لما بعده وأغبياء بالموحدة جمع غبيّ وبينه وبين أغنياء تجنيس وعاد عليه بمعنى أفاده والراذة كالمردّة الفائدة كالعائدة وقوله أغنياء عن التعلم لكونها أنفسا قدسية ملهمة محدثة وهذه مرتبة من مراتب النبوّة يعلم من إثباتها إثبات غيرها كتخصيصم بالوحي فلا يتوهم أنّ ما ذكره لا يثبت المدّعي واليه أشار بقوله فيدركون الخ. قوله: (وإليه أشار بقوله الخ الأنه كما قال الراغب تنبيه على أنّ الناس متساوون في البشرية وإنما يتفاضملون بما يختصون به من المعارف

الجليلة والأعمال الجميلة ولذا قال بعده يوحى إليّ تنبيها على أني بذلك تميزت عنكم. قوله: (خادمون متقادون كالعباد) قيل ففي عابدون استعارة تبعية بناء على أنه مجاز فيه في متعارف اللغة وان صرّح الراغب أن العابد بمعنى الخادم حقيقة وفي الكشاف أنه كان يدعي الإلهية فادّعى للناس العبادة وأنّ طاعتهم له عبادة على الحقيقة. واعترض عليه بأنّ الإسناد إلى ملئه يأباه والتغليب خلاف الظاهر ولذا لم يعرّج المصنف رحمه الله على هذا الاحتمال مع كونه حقيقة ومنهم من وجهه بأنه لم يثبت عند المصنف وقوله أنا ربكم إلا على ليس بقطعيّ فيه وقد ذكر المصنف رحمه الله أنّ بني إسرائيل كانوا مؤمنين والقول بأنه ليس بموجه إذ اذعاء الإلهية صرّج به المصنف وكون بني إسرائيل مؤمنين لا ينافي اذعاءه أنّ طاعتهم له عبادة لا يخفى ضعفه فإنّ هذا القائل لا ينكر ادّعاءه الألوهية وإنما ينكر عبادة بني إسرائيل له أو كونه يعتقد أو يذعي عبادتهم له. وكونه ليس بثبت مما لا شبهة فيه. قوله: (فكانوا من المهلكين بالغرق في بحر قلزم (التعقيب أمّا لأن المراد محكوم عليهم بالإهلاك أو الفاء لمحض السببية أو هم لما استمرّوا على التكذيب صح التعقيب باعتبار آخره وهذا أولى لعدم التجوّز فيه وقلزم كقنفذ بلد بين مصر ومكة بقرب الطور وإليه يضاف بحر القلزم والمعروف فيه التعريف بأل. قوله: (لعل بني إسرائيل الخ الم يذكر هرون عليه الصلاة والسلام لأنها نزلت بالطور وهو غائب لكونه خليفة في قومه والرجاء بالنسبة لموسى عليه الصلاة والسلام وفي الكلام مضاف مقدر أي قوم موسى وضمير لعلهم عائد عليه بقرينة الجمعية وانفهامهم من ذكر موسى

ص: 332

ولذا فسره المصنف بلعل بني إسرائيل وأمّا كونه أريد بموسى قومه كما يقال تميم وثقيف فيرد عليه أنّ المعروف في مثله إطلاق أبي القبيلة عليهم واطلاق موسى على قومه وفرعون على ملئه ليس من هذا القبيل وان كان لا مانع منه ثم إن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما مرّ في سورة هود في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} الآية إذ جوّز فيها إرادة التوراة والقول بأنّ تمام الإرسال ودوامه إرسال فيصح ملابسته للتوراة ولو بعد غرق فرعون وقوله لعلهم يهتدون هنا مانع منه. تكلف وتعسف وأقرب منه أن يقال إن كونه كذلك وجه لهم والمصنف ليس على يقين منه لأنه استشهد في الكشاف على أق نزولها بعد غرقه بقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} وردّ بأنه لا سبيل إليه ضرورة أنه ليس المراد بالقرون الأولى ما يتناول قوم فرعون بل هم من قبلهم من المهلكين خاصة كقوم نوج وهود وصالح ولوط كما سيأتي في القصص ولا يخفى أنّ تقييد الأخبار بإتيانه التوراة بأنه بعد إهلاك من قبله من الأمم معلوم فلو لم يدخل هؤلاء فيهم لم يكن فيه فائدة. وأمّا ما ذكر ثمة من النكتة فيه فسيأتي الكلام عليه في محله إن شاء الله تعالى. قوله: " لى المعارف والأحكام) قيل الاهتداء بالعمل بشرائعها ومواعظها لأنّ

الاهتداء بالكتب الإلهية إنما يحصل بالعمل بما فيها لا بعلمها وردّ بأنّ المراد بالأحكام الأحكام العملية فتفسيره شامل للعلم والعمل وهو أفيد. وقوله لا بعلمها مما لا وجه له فإنّ فيها ما هو محض اعتقاد وإذعان كالعقائد وما هو عمليّ كالفروع. وكونه من الاقتصار على ما هو الأصل والعمدة وان جاز لا داير له مع تحمل عبارته للتعميم وهو أولى. قوله: (بولادتها إياه) يعني أنه كان المتبادر آيتين فجعلهما آية واحدة لأن الخارق للعادة أمر واحد مشترك بينهما وهو ولادتها من غير زوج هو أب له فافرده لأنه مفرد في الواقع متعدد باعتبار أنه أمر نسبيّ متعدد باعتبار طرفيه أو هو على تقدير مضاف أي حالهما أو ذوي آية أو هو على حذف آية من الأوّل لدلالة الثاني عليه ولم يجعل الحذف من الثاً ني لما فيه من عدم الفصل على هذا وفي الآخر الفصل بين المفعولين وليس هذا من التنازع كما توهم ولك أن تقول إن إفراده لأن الآية إذا كانت بمعنى المعجزة أو الإرهاص فإنما هي لعيسى عليه الصلاة والسلام لنبوّته دون مريم والسؤال إنما يتاتى إذا أريد أنها آية على قدرة الله وقوله بأن تكلم في المهد الخ قيل عليه إنه يدلي على أنّ تكلمه صلى الله عليه وسلم في المهد معجزة له وهو مخالف لجعله قوله في المهد وجعلني نبياً من التعبير بالماضي عما يستقبل الخ وليس بشيء لأنه في المهد لا يتصؤر دعوته صلى الله عليه وسلم للخلق حتى يكون نبيا بالفعل وما صدر منه إرهاص وتسميته معجزة تجوز كما لا يخفى فلا غبار عليه. قوله: (وآويناهما إلى ربوة) لأنّ الملك همّ بقتله ففرّت به والربوة ما ارتفع من الأرض دون الجبل ودمشق علم لولد لنمروذ سميت به المدينة كما قاله أبو عبيدة وقرى مصر كل واحدة منها على ربوة مرتفعة لعموم النيل في زيادته لجميع أرضها كما هو مشاهد، ورباوة بمعنى ربوة وبيت المقدس قيل إنه أرفع بقعة في الأرض! ولذا كان المعراج ورفع عيسى عليه الصلاة والسلام منه وقوله: مستقرّ من الأرض منبسطة يعني به أنّ القرار بمعنى الثبات ويكون بمعنى مستقرّ كما مرّ وكون الربا الهضبات قازة ثابتة معلوم لا فائدة في التوصيف به فالمراد أنها ربوة في واد فسيح تنبسط به نفس من يأوي إليه أو المراد أنها محل صالح لقرار الناس لما فيه من الزروع والثمار وهو المناسب لقوله ومعين فقوله مستقرّ تفسير للمضاف أو المضاف إليه ومنبسطة بمعنى مستوية، ويجوز أن يريد سارة فإنه يستعمل بهذا المعنى. قوله: (وماء معين (إشارة إلى أنه صفة موصوف مقدر وقوله ظاهر جار تفسير له على الوجوه الآتية واختلف في وزنه فقيل الميم أصلية ووزنه فعيل من معن بمعنى جرى ويلزمه الظهور لأن الماء الجاري

يكون ظاهر أو المراد اللزوم العرفي الاغلبي فلا يرد عليه إنّ من الماء ما يجري تحت الأرض وأصل معناه الإبعاد ومنه أمعن النظر وقوله أو من الماعون وهو المنفعة أي أو هو ماخوذ من الماعون ومشتق منه بالاشتقاق الكبير وهو المنفعة وله معان أخر فإطلاقه على الماء الجاري لنفعه واليه أشار بقوله لأنه الخ. قوله: (أو مفعول) أي وزنه في الأصل مفعول فأعل إعلال معيب وبابه

ص: 333

فالميم زائدة وهو من عانه بمعنى أبصره بعينه كرأسه بمعنى أصاب رأسه وركبه ضربه بركبته. قوله: (وصف ماؤها) أي الربوة بذلك أي بالمعين والتنزه المسرّة وانشراح الصدر من النزهة وأصل معناه التباعد ثم استعمل في العرف للخروج للبساتين ونحوها وقيل مكان نزه لما فيه من الرياض والرياحين لأنه يكون غالبا متباعداً عن العمران وليس بخطا كما زعمه الحريري وصاحب القاموس كما فصلناه في شرح الدرة. قوله: (نداء) يعني أنّ النداء والخطاب ليس وضعهما فيه على ظاهرهما لاختلاف أزمنتهم وهو كذلك سواء جوّز خطاب المعدوم أو لا لأنّ تعلق التخيير بالاتفاق لا يجوز فليس نفحة اعتزالية وقد غفل عنها المصنف كما توهم. قوله: (فيدخل تحتة عيسى عليه الصلاة والسلام دخولاً أوّليا الخ) فالمعنى وكنا نقول لهؤلاء يا أيها الخ وإضمار القول كثير وإنما صرّح بدخول عيسى عليه الصلاة والسلام دخولاً أوّلياً ليظهر اتصاله بما قبله بخلافه على الحكاية فانه لا يدخل في منطوقه وإنما يدخل التزاما لاقتدائه بهم. قوله: (أو يكون ابتداء كلام الخ) بالعطف بأو الفاصلة أي من غير تقدير فهو استئناف نحويّ أو بياني بتقدير هل هذه التهيئة مخصوصة بعيسى عليه الصلاة والسلام أولاً وهو معطوف على ما قبله في الوجه الأوّل وقوله لم تكن له خاصة أي لعيسى عليه الصلاة والسلام خاصة، وكونها له من قوله آويناها الخ وقوله: واحتجاجا على الرهبانية أي احتجاجاً على تركها أو خلافها والرفض كالترك لفظاً ومعنى. وقوله: إباحة الطيبات إشارة إلى أنّ الأمر للإباحة والترفيه على أنّ المراد بالطيبات ما ذكره المصنف واعترض! عليه بأنه يحتمل أن يراد بالطيب ما حل والأمر تكليفيّ فلا يتمّ الاحتجاج وردّه بأنّ السياق يقتضي الأوّل ويؤيده تعقيبه لقوله وآويناهما كما في الكشاف يعارضه قوله واعملوا صالحا فإنه يرجح ما ذكره المعترضى وفي نسخة وبكون بالواو على أنه ابتداء كلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أي وقلنا يا محمد إنا قلنا للرسل الخ فهو معطوف على ما قبله وهو مع ما قبله كلام واحد أو هو جواب سؤال مقدر كما مرّ قيل وهو الوجه فتأمّل. قوله: (أو

حكاية الخ) معطوف على قوله ابتداء كلام وقيل على قوله نداء وفي نسخة بدون أو فهو تتميم لقوله احتجاجا على الرهبانية التي ابتدعتها النصارى والصحيح في النسخ الأولى وهو متصل حينئذ بما قبله لا ابتداء كلام والتقدير آويناهما وقلنا لهما هذا أي أعلمناهما أنّ الرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم خوطبوا بهذا فكلا واعملا اقتداء بهم هذا على تقدير وجود العاطف ويحتمل أن يكون حالاً أي يوحى إليهما أو قائلين لهما. وقوله: لما ذكر اللام فيه زائدة للتقوية وهو متعلق بقوله حكاية ولعيسى أيضاً متعلق به ولا يلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد كما توهم حتى يقال إنّ الجارّ الثاني متعلق بذكر مع أنه أورد عليه أنّ الحكاية لهما لا لمحمد بأن يكون حكاية ما أوحى إليهما ودخول عيسى عليه الصلاة والسلام أولى بطريق الوحي لا الاقتداء فظهر أنّ قوله لعيسى ليس متعلقا بذكر ليكون المعنى حكاية لمحمد ما ذكر لعيسى كما توهم وليقتديا متعلق به أيضا. قوله: (وقيل النداء له) أي لعيسى عليه الصلاة والسلام وهو معطوف على قوله نداء وخطاب لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد قيل إنّ ضمير الجمع أيضا لنبينا صلى الله عليه وسلم تعظيما بما شرّفه الله به وما وقع في شرح التلخيص تبعا للرضي من أنّ قصد التعظيم بصيغة الجمع في غير ضمير المتكلم لم يقع في الكلام القديم خطأ لكثرته في كلام العرب مطلقاً بل في جميع الألسنة وقد صرّح به الثعالبي في فقه اللغة وكان فيه شبهة عندي لكونه من الأدباء حتى رأيته في كثير من كلام المتقدمين ولولا خوف الملل لأوردت لك من النقول ما لا يحصى. فحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. قوله: (والطيبات ما يستلذ به) فالأمر للإباحة والترفيه وإذا كان الحلال فهو تكليفي كما مرّ وقوله الحلال الخ في الكشاف الرزق حلال وصاف وقوام فالحلال الذي لا يعصى الله فيه والصافي الذي لا ينسى الله فيه والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل انتهى لأنّ فعالاً اسم آلة فالمراد ما به قوام الإنسانية وهذا تقسيم للرزق أمّا القسم الأوّل منه فظاهر وأمّا الثاني فأخص من الأوّل لأنه حلال لا يمنع عن حقوق العبودية وأمّ الثالث فمقدار الكفاية وهو أخص من الثاني فقوله الصافي القوام صفتان

ص: 334

للحلال وقوله فأجازيكم عليه لأنّ علم الله يذكر ويراد به الجزاء كما مرّ تحقيقه. قوله: (والمعلل به فاتقون الخ) يعني أنه على قراءة الفتح والتشديد قبله لام تعليل جارة مقدرة فلما حذفت جرى فيه الخلاف المشهور وهذه اللام متعلقة باتقون والكلام في الفاء كالكلام في فاء قوله تعالى {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} وهي للسببية أو للعطف على ما قبله وهو اعملوا والمعنى اتقوني لأنّ العقول متفقة على ربوبيتي والعقائد الحقة الموجبة للتقوى. وقوله أو واعلموا معطوف على قوله ولأنّ أو هو مفعول لأعلموا مقدر معطوف على اعملوا.

587

قوله: (معطوف على ما تعملون (والمعنى إني عليم بما تعملون وبأن هذه أمّتكم أمّة واحدة الخ فهو داخل في حيز المعلوم قيل إنه مرضه لعدم جزالة معناه وقوله على الاستئناف لأنه معطوف على جملة إني المستأنفة والمعطوف على المستأنف مستأنف لا لأنّ الواو ليست بعاطفة كما قيل وهذه إشارة إلى ما بعده أو إلى الملة وقوله بالتخفيف أي بفتح الهمزة وسكون النون مخففة من أنّ الثقيلة. قوله: (ملتكم الخ (أصل معنى الأمّة جماعة تجتمع على أمر ديني أو غيره ثم أطلقت على ما يجتمعون عليه كما أشار إليه الزجاج بتفسيره بالطريقة والى المعنيين أشار المصنف رحمه الله والحال المذكورة مبينة لا مؤكدة وهي من الخبر والعامل معنى الإشارة وخطاب أفتكم للرسل عليهم الصلاة والسلام أو عامّ وقوله فاتقون قيل إنه اختير على قوله فاعبدون الواقع في سورة الأنبياء لأنه أبلغ في التخويف لذكره بعد إهلاك الأمم بخلاف ما ثمة وهذا بناء على أنه تذييل للقصص السابقة أو لقصة عيسى عليه الصلاة والسلام لا ابتداء كلام فإنه حينئذ لا يفيده إلا أن يراد أنه وقع في الحكاية لهذه المناسبة كما قيل. قوله: (في شق العصا ومخالفة الكلمة) شق العصا العصيان ومخالفة الكلمة مفارقة الدين والجماعة أو هو عطف تفسيري واتحاد الملة سبب لإبقائه وكذا علم الله به فلا ركاكة فيه معنى. قوله: (فتقطعوا أمرهم (يعني أنّ تقطع بمعنى قطع كتقدم بمعنى قدم متعد وفي نسخة فتقطعوا أي تقسموا وقوله جعلوه أديانا تفسير له والمراد بأمرهم أمر دينهم أمّا على تقدير مضاف أو على جعل الإضافة عهدية فالأمر هو الديني وهذا جار على تفسيري الأمّة وليس ناظراً إلى تفسير الأمّة بالملة كما قيل وقوله فتفزقوا على طريق المجاز وجعل التفعل لازما وليس ناظراً إلى تفسير الأمّة بالجماعة وعلى هذا أمرهم منصوب بنزع الخافض أي في أمرهم أو التمييز عند من أجاز تعريفه وهم الكوفيون. قوله: (والضمير لما دل عليه الآمّة (إن كانت بمعنى الملة أولها إن كانت بمعنى جماعة الناس أو بمعنى الملة على الاستخدام ولا يتعين هذا على الثاني كما توهم فتأمّل ولم يجعله للمخاطبين التفاتاً لأنهم أنبياء ولا يصح إسناد التقطع إليهم بالمعنى المذكور بخلاف ما في سورة الأنبياء ولا إلى الناس كما قيل. قوله: (قطعاً جمع زيور الذي بمعنى الفرقة (بضمتين بمعنى قطعاً جمع زبور بمعنى فرتة قال الراغب قوله فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً أي صاروا فيه أحزابا وهو مروفي عن الحسن وذكره في القاموس وقوله ويؤيده أي كونه بمعنى قطعا وفرقا

القراءة بضم الزاي وفتح الباء فإنه مشهور ثابت في جمع زبرة بمعنى قطعة وإنما غير المشهور فيه زبور فما قيل إنه رد للزمخشري في جزمه بكون زبرا بضمتين جمع زبور بمعنى الكتاب لا غير إلا أن هذا إنما يتم إذا ثبت ما ذكره عن أئمة اللغة لا وجه لما سمعته وقوله حال من أمرهم أو من الواو أو مفعول ثان على التفسيرين. قوله: (وقيل كتبا (جمع زبور وزبرت بمعنى كتبت وزبور فعول بمعنى مفعول كرسول وقوله مفعولاً ثانياً لتقطعوا المتعذي بمعنى الجعل أو حال على لزومه وقيك إنها حال مقدرة أو بنزع الخافض أي في كتب ومرضه لما فيه من الخفاء لاحتياجه إلى التأويل بأن يراد فرقوها في كتب كتبوها أو يراد بالكتب الأديان أو يقدر مضاف أي مثل الكتب السماوية عندهم أو في اختلافهما فتأمل وقوله من المتحزبين أي المجتمعين لا المنقطعين وقوله معجبون بيان للمراد منه وأصل معناه السرور وانشراح الصدر. قوله: (شبهها بالماء الذي يغمر الخ (لما ذكر توزعهم واقتسامهم ما كان يجب الاتفاق عليه وفرحهم بباطلهم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم دعهم في جهلهم تخلية وخذلانا لعدم فائدة القول لهم وسلاه بالغاية وعلى الثاني لما ذكر فرحهم بالغفلة والغرور جعلهم لاعبين

ص: 335

والأوّلء أظهر وعلى الوجهين هو استعارة تمثيلية مبنية على التشبيه لكن وجه الشبه مختلف فيهما كذا قرّره شراح الكشاف ويصح أن يكون استعارة تصريحية أو مكنية والجامع الغلبة والاستهلاك فيه وقوله إنّ ما نعطيهم إشارة إلى أنّ ما موصولة لا كافة وقد جوّز فيها أن تكون مصدرية. قوله: (بيان لما (فهو حال وقوله وليس خبرا له أي لما التي هي اسم وإن وليس خبراً لها لأنّ الله أمدهم بالمال والبنين فلا يعاب ولا ينكر عليهم اعتقاد المدد بهما كما يفيده الاستفهام الإنكاري وقد قيل عليه إنه لا يبعد أن يكون المراد ما يجعله مددا نافعاً لهم في الآخرة ليس المال والبنين بل الاعتقاد والعمل الصالح كقوله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ورد بأنه خلاف الظاهر فلا يحمل عليه بدون قرينة وأنه يبعده تعلق الإمداد بهم فإن المناسب أن لا يذكر المفعول على معنى نمد من نمده أو نفعل الإمداد وفيه نظر وقوله فإنه أي الحسبان المتعلق به!. قوله: (والراجع محذوف) أي العائد من الخبر وهو قوله به بقرينة ذكره في

الصلة إلا أنّ حذف مثله قليل وقيل الرابط الاسم الظاهر وهو الخيرات وهو مذهب الأخفش واكرامهم مهم عطف تفسير للخير وقوله بل هم كالبهائم حمل قوله لا يشعرون على أنه ليس من شأنهم الشعور لأنه أبلغ والمسارعة في الخير المبادرة إلى ما هو خير لهم وقوله وكذلك أي قرئ وقوله فيهما أي في يسرع ويسارع والممد به المال والبنون وقوله ويسارع أي قرى يسارع. قوله: (من خوف عذابه) إمّا إشارة لتقدير مضاف أو بيان للمراد من خشية الله ومن في المفسر والمفسر تعليلية أو صلة لمشفقون كما ذهب إليه المعرب لكنه لا يلائم تفسير المصنف لأنّ الحذر والخوف ليس من نفس الخوف بل من المخوف إلا أن تجعل إضافة الخوف إلى العذاب والخشية إليه على تقديره من إضافة الصفة إلى الموصوف أي العذاب المخشى والمخوف وقد تقدّم في سورة الأنبياء الفرق بين الشفقة والخشية وذكرنا ما فيه ثمة وقول ابن عطية هنا أنّ من خشية لبيان جنس الإشفاق يريد أنها صلة له مبينة للمشفق منه فلا قلاقة فيه كما زعمه المعرب. قوله: (بآيات ربهم) أي بعلامات ربوبيته واليه أشار بقوله المنصوبة أو بكلامه واليه أشار بقوله المنزلة وهو متعلق بقوله يؤمنون والباء للملابسة وقوله بتصديق مدلولها بدل منه أو عطف بيان لتفشر الملابسة فيه فلا حاجة إلى جعله متعلقاً به بعد اعتبار تعلق الأوّل لدفع المحذور كما توهم. قوله: (شركا مليا ولا خفياً) كالنفاق وقوله يعطون ما أعطوه تفسير على قراءة اكثر من الإيتاء فيهما بمعنى الإعطاء للصدقات وقراءة غيرهم من الإتيان فيهما وهو الفعل للطاعات وهو المروي عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم كما أسنده المحدّثون متصلاً وان قيل إنّ في سنده ضعفا واقتصر أبو البقاء على الخلاف في أتوا وليس بجيد قالوا وهي قرأءة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنون أن المحذثين نقلوها عنه ولم يدوّنها القراء من طرقهم والا فجميع القراآت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو اصورح للمفسرين كما في التوشيح. قوله: (خائفة) وهو معنى قوله في غير هذه السورة الوجل اضطراب النفس لتوقع ما يكره وهذا التفسير جار على الوجهين وقوله فيؤاخذ به بصيغة المجهول وبه قائم مقام الفاعل أو المعلوم والضمير لله فليس الأظهر أن يقال فيؤاخذوا بالجمع كما قيل وخص الخوف بما ذكر لمناسبته ولو عممه صح. قوله: (لأن مرجعهم) أي رجوعهم إلى الله فهو على تقدير اللام التعليلية أو على تقدير من الابتدائية التي يتعدى بها الخوف في نحو خاف من ألله وليست من السببية حتى يقال أو للتخيير في التعبير والتقدير فإنه خلاف الظاهر وقوله وهو يعلم ما يخفى عليهم أي من عدم القبول أو وقوعه على ما لا يليق فيؤاخذهم به وهو بيان لوجه التعليل فيه

وليس هذا ناظرا إلى قوله أن لا يقع على الوجه اللائق فقط كما توهم. قوله: (يرغبون في الطاعات الخ) إشارة إلى أنه ضمن معنى الرغبة أو هو كناية عنها فلذا عدى بفي دون إلى والمبادرة العجلة وهي تتعدى بإلى وبنفسها كما في القاموس ولذا استعمله المصنف بهما والنيل بمعنى الوصول أو الأخذ وبالمبادرة متعلق به أو بيسارعون ولو عمم لهما صح وقوله فيكون إثباتا لهم الخ ففيه مقابلة وطباق للآية المتقدمة ولذا قال في الكشاف إنه أحسن مما قبله وجملة أولئك خبر أنّ. قوله: (لأجلها فاعلون السبق) بمعنى أن سبق المتعدي نزل هنا منزلة اللازم واللام تعليلية لا مقوّية وقوله لأجلها

ص: 336

أي الخيرات الدنيوية لأنها هي المتصفة بأنهم فاعلون لها فكونه ناظرا إليهما كما قيل خلاف الظاهر فتأمّل وفيه إشارة إلى ترجيح الثاني كما مرّ. قوله: (أو سابقون الناس إلى الطاعة) فهو متعد لمفعولين أحدهما مفعول وهو ما تعدى إليه بنفسه والثاني بواسطة لأنه يتعدى بإلى واللام وقوله أو الثواب بمعناه المعروف وهو أعمّ من الجنة لا الدنيوي. قيل المراد بالخيرات المعنى الأوّل وهو الطاعات والمفعول غاية متأخرة وقد يتوهم أنّ إلى الطاعة وما بعده تفسير ولذا قيل الأظهر المثوبة لتأنيثه فتأمّله وقوله أو الجنة فسبقهم في القيامة وليس وجها آخر كما توهم. قوله: (أو سابقونها) يعني أنه متعد للضمير بنفسه واللام مزيدة حسن زيادتها كون العامل فرعيا وتقديم المعمول المضمر وأعترض عليه في البحر بأنه غير صحيح لأنّ سبق الشيء الشيء يدل على تقدم السابق على المسبوق فكيف يقال هم يسبقون الخيرات وهذا معنى قول بعض شرإح الكشاف فيه أنّ الخيرات على هذا مسبوق إليها لا مسبوقة وفي الدر المصون كلام في ردّه لا طائل تحته وهذا كله غفلة عن قوله ينالونها فإنه أراد به أنّ المراد به حينئذ لازم معناه وهو النيل فلا يتوجه عليه شيء لكنه لا يخلو عن تكلف لما فيه من دعوى التجوّز والزيادة من غير ضرورة وقوله هم لها عاملون أي إياها عاملون كما فيما نحن فيه وفي الكشاف ويجوز أن يكون لها سابقون خبراً بعد خبر ومعنى وهم لها كمعنى قوله:

أنت لها أحمد من بين البشر

يقال لمن يطلب منه أمر لا يرجى من غيره أنت لها أي أنت معد لفعل مثلها من الأمور العظيمة وهي من بليغ كلامهم وهو معنى الآية على إعرابه خبراً بعد خبر كقوله:

مشكلات أعضلت ودهت يارسول الله أنت لها

قوله: (قدر طافتها) تفسير للوسع والتحريض لأنّ الأعمال الصالحة إذا كانت مقدورة

فتركها من قصور الهمم والمراد بصحيفة الأعمال جنسها وقوله لا يوجد فيه الخ إشارة إلى أنّ النطق استعارة هنا وقوله في غفلة إشارة إلى ما مرّ وهؤلاء إشارة إلى الصالحين أو إلى الجميع. قوله: (متجاوزة لما وصفوا الخ) وصفوا بصيغة المجهول والمتجاوز! عنه من الصفات إمّا صفات الكفار بأن يكون لهم صفات أخبث مما وصفوا به أو صفات المؤمنين فهم متجاوزون عما يحمد إلى ما يذم وقوله متخطية بالباء من التخطية للرقاب والصفوف بمعنى التجاوز وفي بعض التفاسير وقيل متخطية لما وصف به المؤمنون من الأعمال الصالحة المذكورة وفيه أنه لا مزية في وصف أعمالهم الخبيثة بالتخطي لأعمال المؤمنين الحسنة وقيل متخطية عما هم عليه من الشرك ولا يخفى بعده لعدم جريان ذكره ولا يخفى سقوطه لأنّ ما وصف به المؤمنون ما في حيز الصلات من عدم الشرك والخوف من الله والطاعة والصدقة وتجاوزهم عنها اتصافهم بأضدادها وأيّ مزية أتمّ من هذا والشرك مستفاد من قوله في غمرة من هذا وهو غنيّ عن البيان. قوله: (معتادون فعلها) هو من جعلها عملَا كما هو في المتعارف ومن التعبير بالاسم الدال على الثبوت والغاية الدالة على امتداده وقوله: أو الجوع الخ هو وارد في الحديث الححيح عن ابن مسعود رضي الله عنه كما سيأتي تفسير. في سورة الدخان والوطأة المشي لشدة وهي مجاز عن الوقعة المزلة وسني يوسف جمع سنة والمراد بها القحط وهي معروفة بالقحط وقوله فاجؤوا إشارة إلى أنّ إذا فجائية والجؤار الصراخ وخصه بالاستغاثة بقرينة المقام والشرط إذا وقوله والجملة مبتدأة يعني أنّ حتى هنا حرف ابتداء لا عاطفة ولا جازة وقد مرّ تفصيله في سورة الأنعام. قوله: (ويجوز أن يكون الجواب الخ) وقدره بالقول لأن النهي لا يكون جوابا بدون الفاء وحينئذ يكون إذا هم يجأرون قيداً للشرط أو بدلاً من إذا الأولى وعلى

الأوّل المعنى أخذنا مترفيهم وقت جؤارهم أو حال مفاجأتهم الجؤار لجواز كون إذا ظرفية أو فجائية حينئذ. قوله: (تعليل للنهي الخ) يعني أن النصر ضصور، معني! المنع أو تجوز به عنه فمن صلته أو هو بمعناه ومن ابتدائية وقيل إنه سمع نصره الله منه أي جعله منتصرا منه بلا تضمين وقوله تعرض! ون مدبرين يعني أنّ النكوص الرجوع فاستعير للإعراض والأدبار والإعقاب جمع عقب وهو مؤخر الرجل والرجوع على عقبيه الرجوع في طريقه الأولى كما يقال رجع عوده على بدئه قاله الراغب وقيل إنه للتاكيد كاً بصرته بعيني. قوله: (الضمير للبيت (أي الكعبة وقريب منه أنه للحرم ولما لم يجر له ذكر هنا

ص: 337

اعتذر عنه بأنه معلوم بقرينة ذكر المشركين وأنّ استكبارهم وافتخارهم به أشهر من أن يذكر واليه أشار بقوله وشهرة الخ وقوّام بالتشديد جمع قائم على الأمر أي معتنون بخدمته وسدإنته والباء فيه سببية وكون لضمير للنكوص كما في البحر ليس فيه كبير فائدة ومستكبرين حال كذا قيل وفيه أنه لا يلزم من النكوص التكذيب به فالتضمين يدفع اللغوية فتأمّل. قوله: (أو لآياتي الخ) والتضمين على هذا فالباء للتعدية أو سببية أو للتالي المعلوم منه وقوله بمعنى مكذبين أي على التضمين والتجوّز ركيك وقوله بذكر القرآن أي الضمير على هذا للقرآن المفهوم من الآيات أو المؤوّلة هي به ولم يذكر تعلقه بتهجرون لبعده لفظا ومعنى لما فيه من الإيهام وقوله تسمرون عبر به دون سامرين لإفادة استمرارهم عليه ولذا قدّم متعلقه. قوله: (وهو في الأصل مصدر الخ الما أريد به الجمع وهو بوزن المفرد هنا وقد ورد كذلك اختلف في توجيهه فذهب بعضم إلى أنه اسم جمع لأنهم يقولون السامر! ماعة الذين يسمرون فهو كالحاج والحاضر والجامل والباقر وهذا أحسن الوجوه والسمر الحديث بالليل وقيل إنه واحد أقيم مقام الجمع وقيل إنه مصدر في الأصل فيشمل القليل والكثير باعتبار أصله لكن مجيء المصدر على وزن فاعل نادر وقرئ سمرا بضم وتشديد وسما بزيادة ألف. قوله: (من الهجرة بالفتح (إقا بمعنى القطيعة أو الهذيان وهو التكلم بما لا يعقل لمرض! ونحوه وفيه أنه قال في الدؤ المصون إنّ الهجر بمعنى القطع والصد بفتح الهاء وسكون الجيم وبمعنى الهذيان بفتح اا! اء والجيم وفعله أهجر فليس مصدرهما واحدا كص ذكره المصنف رحمه الله وأمّا قوله في الكشاف والهجر بالفقح الهذيان فمحتمل لفتع الهاء والجيم إلا

أنّ ما ذكره المصنف بعينيه في الصحاح فليحرّر. قوله: (أي تعرضون عن القرآن) هذا على معنى الهجر الأوّل وما بعده على الثاني والفحش التكلم بالقبيح أو نفس الكلام القبيح وقوله ويؤيد الثاني وهو الهذيان تأييده له لما عرفت أنّ فعله مزيد دون الأوّل وسيأتي تحريره وقراءة التشديد تحتمل المعاني الثلاثة وقوله والهجر بالضم لم يعطفه بأو وان كان هو الظاهر كما قيل لقربه من الهذيان وقمد ورد بمعناه في اللغة كما في لسان العرب وبينهما مغايرة على الأوّل هذا على تقدير جرّه عطافا على الهجو بالفتح وأمّا على كونه مرفوعا مبتدأ خبر. الفحش وذكر إشارة إلى فائدة التقييد بالفتح يعني أنّ الفعل من الهجر المفتوح بمعنييه لا من المضموم الذي هو اسم لقبيح الكلام ولا مصدر فلا يرد عليه شيء لكن هذا إنما يتمشى إذا كان لم يسمع منه هجر بل أهجر كما مرّ وهو الظاهر من كلام المصنف كذا قيل ويرد عليه ما في القاموس حيث قال هجره هجراً بالفتح وهجرانا بالكسر صرمه والشيء تركه كأهجره انتهى وقوله في المصباج هجرته هجرا من باب قتل قطعته وهجر المريض في كلامه هذي والهجر بالضم اسم ومصدر بمعنى الفحش من هجر كقتل وفيه لغة أخرى أهجر بالألف انتهى فلا وجه لما ذكر وفوله وبؤيد الثاني أي كونه بمعنى الهذيان لا كونه بمعنى الفحش كما قيل لأنه ثالث إلا أن يعدا وجهاً واحداً ووجه التأييد غير تام إلا أن ينبني على اكثر الأفصح وما ذكره هذا القائل يقتضي أن الفعل المذكور في النظم لا يصح أن يكون من الهجر بالضم مع أنه فسر به أيضا في كتب اللغة وغيرها فتأمّل. قوله: (أفلم يدبزوا القول) الاستفهام إنكاريّ لعدم تدبرهم ويجوز أن يكون تقريرياً انضمّ لمن تدبر وأورد عليه أن دلالة الإعجاز على كونه كلام الله ظاهرة وأمّا دلالة الوضوح فغير واضحة فكم للعرب من كلام واضح ويدفع بأنه على تقدير تسليم دخله في الدلالة فإنه ذكر لتسليم دلالة الإعجاز فإنّ المعجز بما يتوهم لكونه غير معهود لهم صعوبة فهمه لا سيما إذا نصب وضوح على أنه مفعول معه والمراد بالوضوح وضوح خاص وهو كونه على نهج من الفصاحة بحيث يفهمه كل من خوطب به من العوب لعدم تعقيده وكونه على أحسن الوجوه من أوّله إلى آخر. على نسق نير سالكاً طريقا سهلاً محمياً عن سلوك أحد فيه وهو الذي يقول له الأدباء السهل الممتنع فلا حاجة إلى أن يقال المراد وضوح دلالته على كونه ليس من كلام البشر فإنه مصادرة فتأمّل وقوله ليعلموا أي فيصدقوا به وبمن جاء به. قوله: (من الرسول والكتاب) فاستبعدوه فهو كقوله لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم لا مخالفة بينهما حتى يقال الآباء هنا الأوّلون

ص: 338

وثمة الأقربون لعدم توصيفهم فيها فالمراد بالآباء على هذا الكفرة والاستفهام تقريريّ لا إنكاريّ كما توهم. قوله: (او من الأمن من عذاب الله) أي لهم من الأمن من عذاب الله وخوفه

ما ليس لآبائهم الأوّلين والمراد المؤمنون منهم كما صرّج به المصنف وفي الآية المتلوّة آنفا الكفرة وتوصيفهم بالأوّلين لإخراجهم لا للتأكيد كما في الوجه السابق والاستفهام إمّا إنكارفي أو تقريريّ فتأمّل وأعقابه من بعد. من أولاده كعدنان ومضر فإنّ الكفر حدث بعدهم كما يعلم من كتب الآثار وأخره لأنّ إسناد المجيء إليه غير ظاهر ظهوره في الأوّل. قوله: (بالآمانة والصدق) إشارة إلى أنّ الاستفهام إنكارفي لأنهم عرفوه بما ذكر فأم للإضراب عما قبله مع الإنكار. قوله: (فهم له منكرون) الفاء فيه سببية لتسبب الإنكار عن عدم المعرفة فهو داخل في حيز الإنكار وماك! المعنى هم عرفوه بما ذكر فكيف ينكرونه والضمير للرسول صلى الله عليه وسلم واللام فيه للتقوية وتقديمه للتخصيص أو الفاصلة وهو على تقدير مضاف أي منكرون لدعواه وهي الرسالة من الله مع قيام البرهان الشاهد على خلافه مما ذكر واليه أشار بقوله دعواه لأنه لا يمكن إنكار ذاته وهو فيهم. قوله: (لأحد هذه الوجوه) المذكورة تعليل للإنكار بوجوه مذكورة في قوله أفلم يدبروا إلى هنا فإنها وجوه للإنكار ترتب عليها لا وجه له أي للإنكار غيرها إذ إنكار ما جاء به القرآن الدال على مدعي الرسالة من الله إمّا من عدم تدبره والنظر في مدلوله ووجوه إعجازه أو لكونه لم يسبق مثله حتى سمعوه هم وآباؤهم أو لكون من أتى به معروفا بصفات تنافي مدّعاه كعدم علمه وصدقه وقد بين هذا بقوله فإنّ إنكار الشيء الخ وقوله بحسب النوع ناظر إلى قوله أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين وقوله أو الشخص ناظر إلى قوله أفلم يدبروا القول وأقصى ما يمكن فاعل يدل وهو إشارة إلى التدبر لأنه النظر في أدبار الأمور وعواقبها وغاياتها وقوله: قطعا راجع إلى الامتناع بحسب النوع أو الشخص وظناً راجع للبحث وقوله فلم يوجد أي ما يدل على امتناعه فلا وج! لإشكاره هذا تحقيق كلامه وتوضيح مرامه ولأرباب الحواشي هنا كلام يتعجب منه أفلم يدئروا القول ولولا خوف الإطالة لأوردنإه مع بيان ماله وعليه. قوله: (أم يقولون به جنة) إضراب انتقاليّ عما قبله فلذا قاد فلا يبالون لأنّ ما قبله ناشئ من التقليد والمبالاة وقوله وكانوا الخ إشارة إلى أنه ناشئ من حيرتهم في عنادهم لا عن سبب وأثقب استعارة من الثقب بمعنى التنفيذ أو التنوير والمراد أشدهم وأسدّهم نظرا. قوله تعالى: ( {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} ) ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه عين الحق الأوّل على قاعدة إعادة المعرفة وأظهر في مقام الإضمار لأنه أظهر في الذمّ والضمير ربما يتوهم عوده للرسول، وقيل: اللام في الأوّل للعهد وفي الثاني للاستغراق أو للجنس أي كثرهم للحق أيّ حق كان لا لهذا الحق فقط

كما ينبئ عته الإظهار وتخصيص أكثرهم بهذا لا يقتضي إلا عدم كراهة الباقين لكل حق وهو لا ينافي كراهتهم لهذا الحق والتعرّض لعدم كراهة بعضهم للحق مع اتفاق الكل على الكفر به لا يساعده المقام وهو وجه آخر مناسب للتذييل لكن ما ردّ به على المصنف غير متجه كيف وهو المناسب للواقع بخلاف ما ذكره فإنه ليس أكثرهم يكره الحق مطلقا وعدم الكراهة من وجه لا ينافي الكفر كما مرّ. قوله: (لآنه يخالف شهواتهم) بيان لسبب كراهته وقوله فلذلك أي لمخالفة طبائعهم الفاسدة أو لكراهته وقوله: وإنما قيد الحكم بالأكثر الخ ويجوز أن يكون الضمير للناس لا لقريش كقوله وما أكثر النار ولو حرصت بمؤمنين ومن المستنكمين أبو طالب ومن قلت فطنته البله منهم والرعاع وقوله لا كراهة للحق من حيث هو حق فلا وجه لما قيل إن من أحب شيئاً كره ضده فإذا أحبوا البقاء على الكفر فقد كرهوا الانتقال إلى الإيمان ضرورة وحمل الأكثر على الكل بعيد. قوله: (بأن كان ني الواقع آلهة شتى (فالمراد بالحق ما يطابق الواقع خلاف الباطل لا الله خالى! الفته وان صح واتباعه موافقته لأهوائهم وعقائدهم الفاسدة فليس بحقيقه كما توهم إذ ليس حقيقة الاتباع الموافقة وان لزمته كما لا يخفى وقوله وقيل لو اتبع الخ فالمراد بالحقي أيضاً ما مرّ والفرق بينه وبين ما قبله أنّ المعنى فيه لو كان الواقع مطابقا لأهوائهم ابتداء وفي هذا لو كان موافقاً بعد مخالفته كما أشار إليه بقوله

ص: 339

وانقلب والحق في الأوّل مخصوص بالألوهية وكذا في هذا لكن فيه إيماء للعموم وفي الكشاف إنه يدلّ على عظم شأن الحق وأنّ السموات والأرض! ما قامت ولا من فيهن إلا به وفي قوله العالم إيماء إلى أنّ المراد بالسموات والأرض الموجودات بأسرها. قوله: (أو لو اتبع الحق الخ (فتعريف الحق بالمعنى السابق للعهد والإسناد مجازي والاتباع حقيقيّ أي لو اتبع النبيّ صلى الله عليه وسلم أهواءهم فجاءهم بالشرك بدل ما أرسل به لخرّب الله العالم وأقام القيامة لفرط غضبه، وهو فرض محال من تبديله ما أرسل به من عنده.

قوله: (أو لو اتبع الله) فالمراد بالحق الله تعالى، وقوله: لخرج عن الألوهية أي لم يكن

إلها لأنه لا يأمر بالفحشاء فالآمر بها ليس ب! له وهذا في الكشاف منقول عن قتادة وقال الطيبي:

إنه لا يليق نسبته له لما فيه من سوء الأدب ولذا غير المصنف رحمه الله عبارته، وقوله: ولم يقدر الخ لأنه ليس بإله ولا يمسكهما غيره وقوله وهو أي هذا التفسير مبنيّ على أصل المعتزلة المراد بأصلهم هنا إنّ الله لا يوجد الكفر والمعاصي ويخلقها إذ هو ظلم ونقص تعالى الله عنه وأهل السنة لا يقولون بهذا، وفرق بين إنزاله كإنزال الشرائع وايجاده كما تقرّر في الكلام وأشار إليه بعضى الفضلاء هنا فما ذكره الزمخشري هنا حق أريد به باطل وليس مراد المصنف رحمه الله أنه مبنيّ على إيجاب الأصلح وقاعدة الحسن والقبح كما قيل لأنّ عدم جواز هذا مستفاد من الشرع كهذه الآية ونظائرها وقد قام عليه الدليل العقلي لأنّ إنزال الشرك والمعاصي نقص مخالف للواقع يجب تنزيه الله عنه بلا خلاف. قوله:(بل أتيناهم الخ) إضراب عن كراهته أي ليس ما جاءهم به مكروها بل هو عظة لهم لو اتعظوا أو فخرهم أو متمناهم، وفسر الذكر بالوعظ والصيت هو الذكر الجميل والفخر وفي نسخة ووصيتهم والأولى أولى وأصح. وقوله: تمنوه إشارة إلى أنّ لو للتمني لأنه الأنسب هنا وان جاز كونها شرطية، وذكرا بمعنى كتابا. وقوله: عن ذكرهم أعاده تفخيما وإضافة لهم لسبقه وفي سورة، لأنبياء ذكر ربهم لاقتضاء ما قبله له، وقوله: قسيم أي مقابله وغير للخطاب لمناسبة ما بعده وقا له أو ثوابه أو لمنع الخلوّ لأنه يعلم من خيرية كل منهما خيرية المجموع. وقوله ففيه مندو- تة لك عن عطائهم إشارة إلى المفضل عليه. وقوله: بإزاء الدخل أي يستعمل في مقابلته، والضريبة ما يوظف على الأرض، وإشعاره بالكثرة لأنه معتاد في الخراج، واللزوم لأنه يكون في كل سنة ومن جانب الله بفضل وعده وقوله: فيكون أبلغ أي من الخرج، وتوله: عبر به عن عطاء الله أي دون الأجر في هذه القراءة لأن زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى والمزاوجة بمعنى المشاكلة لا ما ذكر في البديع والمشاكلة في القراءتين وإلا فالمناسب ما يدلّ على القلة في جانبه والكثرة في جانب الله لا تساويهما ولا معنى لتعليله بأن طلب الأجر منتف منه قليلا أو كثيراً. قوله: (تقرير لخيرية خراجه (أي تأكيد له لأنّ من كان خير الرازقين يكون رزقه خيراً من رزق غيره، وقوله: يوجب اتهامهم له اللام صلة الاتهام أو تعليلية والضمير للصراط أو للنبيّ بسببه. وقوله: أزاح العلة أي أزال ما يتعللون به في عدم القبول له. قوله: (بأن حصر الخ) أي في قوله: أفلم يدبروا القول

إلى قوله فهم له منكرون، كما تشهد له الفاء وقد مرّ تقريره لأنّ الإنكار منهم والاتهام إما لعدم معرفة ما أتى به لعدم فهمه أو لعدم مثله أو لعدم معرفة من أتى به وتبيين انتفائها بالاستفهام الإنكارفي الذي في معنى النفي، وكراهة الحق من قوله: أكثرهم للحق كارهون، وعدم الفطنة من نفي التدبر ولا وجه لما قيل إنه اكتفى بذكرهما عن ذكر الاستنكاف إذ لا ذكر له في النظم ولم يذكر أمر الجنة وطلب الأجر لأنه داخل في معرفته بكمال العلم وحسن الخلق الشامل للكرم وعلوّ الهمة بحيث لا يرجو من غير مولاه الكريم. وقوله الصراط السويّ أي المستقيم إشارة إلى أنّ تعريفه للعهد إلا أنه يفهم من ذكره هنا أنها تمت هنا لأنّ منها الجنة والخرج فينافي قوله: لا وجه له غيرها ودفعه بما مرّ من أنها داخلة في الثلاثة الأول لكنها ذكرت للبسط والتصريح بما صرّحوا به. قوله: (فإنّ خوف الآخرة الخ) إشارة إلى أنّ الصلة علة لما في الخبر من الحكم كما تقرّر في المعاني. وقوله: لثبتوا هذا تفسير للجاج لأنّ التمادي تفاعل من المدى وهو يفيد الاستمرار والثبات، ويحتمل أنه تأويل له لأنّ لجاجهم ثابت قبل الكشف

ص: 340

ولذا قيل إنّ معناه لعادوا إلى اللجاج وقوله في الكفر مأخوذ مما سبق والعمه الحيرة وعمى البصيرة. قوله: (العلهز) بكسر العين والهاء وبينهما لام ساكنة وفي الفائق هو دم كان يخلط بوبر ويعالج بالنار وقيل كان فيه قراد والقراد الضخم يقال له علهز وقيل هو شيء كأصل البردى أي القصب وقيل دم القراد مع الصوف كأنهم ركبوه من العل وهو القراد واللهز وهو الدق. قوله: (أنشدك الله والرحم) مضارع نشد ينشد بمعنى سأل أي أسألك بالله والله منصوب بنزع الخافض وهو قسم استعطافي وقوله تزعم لغلوّه في الكفر قبل إسلامه وقوله قتلت الخ يعني فكيف تكون رحمة فنزلت هذه الآية جواباً له بأنه يكتب رحمته لن يستحقها وهم لعنادهم لا يرحمون وقوله: فما

استكانوا الخ أي ما خضعوا ولا تضرّعوا بعده وقوله أقاموا ليس فيه ترجيح لكونه من الكون كما قيل وقوله: يعني القتل يوم بدر يدلّ على أنّ هذه الآيات من قوله حتى إذا أخذنا مترفيهم مدنية وأمّا كونه إخبارا عن المستقبل بالماضي فبعيد. قوله: (واستكان) هو بمعنى ذل وخضع بلا خلاف فمعنى استكانو! انتقلوا من كون العمه والتحير إلى كون الخضوع وإنما الخلاف في وزنه هل هو استفعل من الكون أي انتقل من كون إلى كون كاستحال إذا انتقل من حال إلى حال كما في الكشاف وأورد عليه أنه كان عليه أن يمثل باستحجر الطين واستنوق الجمل وأمّا تمثيله باستحال للدلالة على التحوّل فوهم لأنه ليس إفادته للتحوّل من صيغة الاستفعال بل من مادّته كما في تحوّل وحال فاستفعل فيه بمعنى فعل وهو أحد أقسامه وأن استكان وان أفاد انتقاله من كون إلى كون فليس حمله على أنه انتقال من كبر إلى خضوع بأولى من عكسه فلو كان من الكون كان مجملَا وأجيب بأنها بحسب الوضمع لكن العرف والاستعمال خصها بأحد الاحتمالين بالغلبة فيه وقال جدي إنها من قول العرب كنت لك إذا خضعت وهي لغة هذيلية كما ذكره أبو عبيد في الغريبين وهو أحسن الوجوه وأسلمها فاستفعل فيه بمعنى فعل كقرّ واستقرّ ولا يجوز كون استفعل فيه للمبالغة لأنّ نفي الأبلغ لا يقتضي نفي أصله وهو المراد وقيل إنه من الكين أي لحمة الفرج لذلته وردّ ما أورده أوّلاً في الكشف بان الحول والاستحالة وإن اتحدا في التغير إلا أنّ بينهما فرقا معنى واشتقاقا فالأوّل يلاحظ فيه معنى الانتقال وسبق حالة أخرى وإنما التغير فيه بمرور الحول المبلى لكل جدّة أو بالحول بمعنى الحركة والاستحالة تبذل! من حال إلى حال البتة وما قيل من أنه يدلّ لما في الانتصاف قول الأساس حال الشيء واستحال تغير وحال عن مكانه تحوّل إلا أنه يرد عليه أنه لا مانع من اعتبار كون استفعل من الحول للتحوّل والانتقال فيصح ذكره بهذا الاعتبار للمثال وعلى هذا ينبغي حمل كلام الكشف فلا يمنع قوله يلاحظ فيه معنى الانتقال كلام ناشئ من عدم الفهم. واعلم أنّ قوله في الانتصاف جدي المراد به ابن فارس كما صرّح به وكان رحمه الله دخل بغداد في زمن الناصر فجمعه بالعلماء وسألوه عما ذكر. قوله: (أو افتعل من السكون الخ) اعتر ضعليه بامرين أحدهما أنّ الإشباع كمنتزاج في منتزج مخصوص بضرورة الشعر وبانه لم يعهد أنه يكون في جميع تصاريف الكلمة واستكان كذلك جميع تصاريفه فهو يدلّ على أنه ليس كذلك. قوله: (وليس من عا تهم) معطوف على أقاموا على عتوّهم والأوّل تفسير لاستكانوا وهذا تفسير لقوله وما يتضرّعون والمعنى إنا محناهم بالعذاب الواقع بهم فلم يفد وضمنه الإشارة إلى وجه التعبير في الاستكانة بالماضي وفي التضرّع بالمضارع وأشار بقوله أقاموا الخ إلى أنه يفيد دوام النفي أيضا لأنه إذا لم يعقب المحنة استكانة لم تقع منهم أبدا فأريد به الإقامة على العتوّ بطريق الكناية فليس فيه إشارة إلى ترجيح

كونه من الكون كما توهم وقوله وليس من عادتهم التضرّع إشارة إلى أن العدول إلى المضارع للدلالة على الاستمرار وإذا نفى تضرّعهم المستمر ربما يتوهم ثبوته أحيانا فجعله لاستمرار النفي لا لنفي الاستمرار ولو حمل على ظاهره لقوله إذا هم يجأرون سابقاً كان له وجه لكن التضرّع يستعمل فيما إذا كان عن صميم القلب لا باللسان فقط ولذا عبر عن استغاثتهم أولاً بالجؤار الذي هو من أصوات الحيوان فلا منافاة بينهما كما توهم أو المراد نفيه بعده وذاك في أثنائه فسقط السؤال وما قيل إنه لبيان حال المقتولين وهذا لبيان

ص: 341

حال الباقين أو الجؤار من ألم القتل والعذاب لا يستلزم الاستكانة والتضرع لله فمع مخالفته لكلام المصنف رحمه الله سابقاً في أحد تفسيريه تكلف غير متوجه وقد جوّز فيه تأخر النفي فيدل على استمراره وقوله وهو استشهاد الخ إثبات للثبات على الطغيان والعمه وما قبله ولو رحمناهم الخ. قوله: (فإنه أشدّ من القتل والآسرا لو أبقاه على ظاهره من الدلالة على شدته في نفسه صح لكن ما ذكره يدلّ على ترتيب الحيرة عليه دون ما قبله وأشديته لعمومه واستمراره وفسر الإبلاس بالحيرة واليأس وقيل إنه الحزن الناشئ عن اليأس وهو قريب منه. قوله: (حتى جاءك أعتاهم) أي أشدهم عتوّا وهو أبو سفيان قبل إسلامه رضي الله عنه والاستعطاف ليزول بأسهم بدعائه وهو لا ينافي اليأس أو لأنّ المراد اليأس من غيره ولولاه لما أتوه وهو لا ينافي قوله للجوا وان فسر بالثبات ولو فسر العذاب بعذاب الآخرة لم يرد شيء ولذا رجحه بعضهم. قوله: (لتحسوا بها الخ (يعني المقصود من خلقها ذلك وقدم السمع لكثرة منافعه وافراده لأنه مصدر في الأصل ولم يجمعه الفصحاء في الأكثر وأشار بذكرهما وذكر الأفئدة إلى الدليل الحسيّ والعقليّ ولذا قدم الأوّل لتقدّمه وقوله فيها أي في الآيات. قوله: (تشكرونها شكراً قليلَا) أي تشكرون نعم الحواس قال في القاموس يقال شكرت نعم الله وبها فالشكر يضاف حقيقة إلى الله وإلى نعمه فلا حاجة إلى جعله من الحذف والإيصال أو التجوّز في النسبة وقوله شكرا قليلاً إشارة إلى أنه صفة مصدر مقدر وقوله لأنّ العمدة أي الأقوى فيه إشارة إلى أنه ليس شكراً لسانيا وأن القلة على ظاهرها لا بمعنى النفي بناء على أنّ الخطاب للمشركين التفاتا لا للناس بتغليب المؤمنين كما اختاره المصنف رحمه الله وما خلقت لأجله إدراك:

وفي كل شيء له آية تدلّ على أنه الواحد

والإذعان لمانحها الانقياد لمعطيها وقوله تجمعون الخ إشارة إلى أن فيه مع الذرء طباقا.

قوله: (ويختص به (هو معنى اللام أو تقديم الجار والمجرور أو هما والضمير دثه. واختلافهما تعاقبهمما أي مجيء أحدهما عقب الآخر من قولهم فلان يختلف إلى فلان أي يتردّد عليه بالمجيء والذهاب ولا يقدر عليه غيره تفسير للمراد بالاختصاص ونسبته إلى الشمس أي النهار بطلوعها والليل بذهابها. قوله: (لآمره وقضائه تعاقبهما) هو قريب من الأوّل والاختلاف والضمير فيهما سواء إلا أنّ فيه تقدير مضاف لا أنّ الضمير راجع للأمر وقيل اللام في هذا للتعليل وقوله أو انتقاص الخ فالاختلاف تخالفهما زيادة ونقصا وقوله بالنظر والتأمّل أي الاستدلال بما ذكر على البعث وقد مرّ تقريره. قوله: (على أق الخطاب السابق لتغليب المؤمنين (أي على الكافرين والغيبة في هذا لكونه للكفار فقط ولو كان الخطاب للكفرة كان التفاتا ومن دان بدينهم الذين كفروا وأنكروا البعث من أقوام غيرهم. وقوله: استبعاداً أي لإعادتهم بعد الفناء ولذا أعادوا الاستفهام مؤكدا بأن واللام والاسمية وهو أهون من البدء كما مرّ وهذا إشارة إلى البعث. قوله: (إلا كاذيبهم (فسر الأساطير بالأكاذيب وبينه بأنه جمع أسطورة ووزن أفعولة لا جمعه كما توهم يختص! بما يتلهى ويلعب به قولاً كان أو فعلاً ولذا لم يجوز في أحاديث النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يكون جمع أحدوثة كما صرّحوا به. والأعاجيب جمع أعجوبة والأضاحيك جمع أضحوكة وقوله جمع سطر أي بفتح الطاء كفرس وأفراس وسطر المفتوح كالمسكن بمعنى الصف فهو جمع الجمع ولذا مرضه لقلته ولأنه لا يدل حيحئذ على كذبها وهو المقصود. قوله: (إن كنتم من أهل العلم (ومن العقلاء فهو منزل منزلة اللازم وما بعده إشارة لمفعوله المقدر وقوله فيكون استهانة على الوجهين للشك في الأوّل في كونهم عقلاء وفي الثاني في علمهم بالضروريات وهذا لا ينافي كون السؤال عن البديهي استهانة أيضاً إن سلم لأنّ أصل وضعه للاستعلام حتى يقال إنّ الأولى أن يقول زيادة استهانة مع أنه أشار إليه بقوله وتقريرا الخ وزيادة الاستهانة استهانة والمسكة بالضبم القليل من مسكة الطعام والشراب وهو ما

يمسك الرمق وقوله: جهلوا مثل هذا الجليّ أي عدوّا جاهلين به على التنزيل وهذا ناظر إلى حذف مفعوله وقوله: إلزاما

ص: 342

جار على الوجهين وقوله: ولذلك أي لقوله لا يمكن الخ وقوله: لأنّ الخ تعليل لقولهم في الجواب وقوله: خالقها إشارة إلى أنّ لام لله للملك بالخلق وهو لا ينافي جهلهم السابق لأنه إلزاميّ فرضيّ كما مرّ وقوله ليس أهون أي الأمر بالعكس لسبق مثله ووجود مادّته. وقوله: أعظم من ذلك أي الأرض ومن فيها فهو ترق. قوله: (بغير لام) أي سيقولون الله وكذا في الآية الآتية وأمّا في الأولى فلم يقرأ بها أحد وقد وهم فيه أبو حيان في عدم الفرق كما قاله الفاضل المحشي والقراءة بترك اللام على الظاهر وباللام على المعنى لأنّ فولك من رب الدار بمعنى لمن هي وقد وردا في كلامهم كما قال الشاعر:

إذا قيل من رلث المزالف والقرى ورب الجياد الجرد قيل لخالد

وقال الآخر في عكسه:

وقال السائلون لمن حضرتم فقال المخبرون لهم وزير

قوله: (فلا تشركوا به بعض مخلوقاته) كالأصنام وهو مترتب على الاتقاء وللترقي في

عظم المخلوقات ترقي في التذييل لأنّ هذا أبلغ في الوعيد مما قبله وقوله: ولا يمنع منه قيل إنه جار على عادة عظماء العرب حيث كانوا لا يجير أحدهم جار أحدهم ولو أجاره لم يفد. وقوله: معنى النصرة أو الاستعلاء. قوله: (ملكه غاية ما يمكن) يعني أنّ صيغة الملكوت للمبالغة في الملك فهي ملك أقصى ما يمكن ملكه أو الملكوت بمعنى الخزينة وقيل هي المالكية والمدبرية وقوله: إن كنتم تعلمون تكرير لاستهانتهم وتجهيلهم لكمال ظهوره وقوله فمن أين تخدعون كون أني بمعنى من أين تقدّم في آل عمران وأشار بقوله: تخدعون إلى أنّ

السحر هنا مستعار للخديعة. قوله: (من التوحيد والوعد بالنشور) هو إضراب عن قولهم أساطير الأوّلين فكان الظاهر اقتصار على الثاني لكنه لا حظ فيه معنى ما بعده من التوحيد بنفي الولد أو ما فهم من سياق ما قبله لكون الكلام مع المشركين وهو أولى وقوله حيث أنكروا ذلك وقالوا إنه أساطير الأوّلين وهو تفسير لحاصل المعنى لا أنّ الكذب مجاز عن الإنكار فإنه لا حاجة إليه وقوله: لتقدسه الخ لأنه لو كان له ولدتا تأله ولزم مشاركته في الإلوهية وهو معنى قوله يساهمه أي يقاسمه وفي نسخة يشابهه. قوله: (جواب محاجتهم وجزاء الخ (هذا على مذهب الفراء من أنّ إذن جواب وجزاء دأئما لشرط ملفوظ أو مقدر وقد مرّ تحقيقه والمقدر هنا لو كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله أي لو كان معه آلهة الخ قال الفراء حيث وقعت اللام بعد إذن فقبلها لو مقدرة إن لم تكن ظاهرة والمحاجة على زعمهم والا فلا حجة لهم ولا دليل على زعمهم الفاسد. قوله: (واستبدّ به الخ) أي استقل به تصرّفا وملكاً وهو تفسير لقوله ذهب وقوله: وظهر بينهم التحارب وفي نسخة وتع وهو تفسير لقوله لعلا وقوله: كما هو حال ملوك الدنيا يعني أنه أمر عادي لا إلزامي قطعيّ ولذا قيل إنه دليل إقناعي لا قطعيّ وقوله وقيام البرهان صريح فيه لكن صاحب الكشف قدس سرّه خالف في هذا وقال لاج لي أنه برهان غير قطعي كما في قوله لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وأطال فيه هنا وقد مرّ تحقيقه وقوله فلم يكن الني متفرّع على قوله لظهر بينهم التحارب أو على جميع ما قبله لأنه نتيجته فلا وجه لما قيل إن الظاهر عطفه بالواو على ظهر فإنه يترتب على ما يترتب عليه وقوله: وحده قيل الأولى تركه وهو تأكيد لا ضرر فيه. قوله: (واللازم باطل بالإجماع والاستقراء) المراد بالإجماع إجماع المسلمين ومشركي العرب لأنّ المراد إلزامهم فلا يرد إنه إن أراد إجماع المسلمين لم يفد وان أراد إجماع جميع أهل الملل ورد عليه الثنوية والاستقراء لأنه لم يوجد ملكان في مملكة إلا وبينهما ذلك وإذا ان هذا الكلام خطابيا إقناعيا لا يرد عليه ما قيل إنّ الإجماع والاستقراء لا يناسب المقام لأنهما ليسا حجة عقلية مع أنهما غير تامين والبرهان إنما قام على انتهاء سلسلة الموجودات إلى واجب الوجود بالذات ولا يلزم منه عدم تعدده مع تعدد السلاسل وما ذكره إنما يرد على برهان التمانع والبرهان ليس منحصرا فيه وإليه أشار المصنف رحمه الله البرهان لا ما زعمه المعترض! فإنّ برهان الوحدة مقرّر منوّر في الكلام بطرق متعددة فلا وجه لما ذكره أصلا إلا أنّ العرب لا يدعون لآلهتهم الخلق والدليل المذكور لا يدل على نفيها

ص: 343

إلا بضم مقدمة

أخرى تثبت لزوم الخلق لمن كان إلها فتأمّل وقوله إلى واجب الوجود في نسخة واجب واحد بدله. قوله: (من الولد والشريك) إشارة إلى أن ما موصولة ويجوز كونها مصدرية وضمير فساده لما وسبحان للتنزيه وقد مرّ تفسيره وقوله على الصفة لأنه أريد به الثبوت والاستمرار فيتعرّف بالإضافة وقوله وهو دليل آخر أي بضم مقدمة وهي أنّ الإله لا بد أن يعلم كل شيء وليس غيره كذلك وقوله على توافقهم أي المشركين والمسلمين وقوله بالفاء أي التفريعية التي تدخل على النتيجة وقوله ولهذا أي لكونه دليلا. قوله: (إن كان لا بدّ من أن تريني) نزول ما وعدتهم من العذاب العاجل والآجل وكونه لا بد منه من زيادة التأكيد وقوله: قريناً لهم إشارة إلى معنى الظرفية وأنه من وضع الظاهر موضع المضمر لبيان سبب استحقاقهم للعذاب وهضم النفس التواضع بمقتضى مقام العبودية والمراد بمن وراءهم سواهم مجازا والمراد بأقته أمّة الدعوة لا أمّة الإجابة وقيل هو مطلق وقوله لم يطلعه الخ أي أهو في حياته أم بعدها وقوله وتصدير الخ الظاهر أنه تكرار كتكرير جؤار فتركه أولى خصوصا ما في لفظ الجؤار من الهجنة وما توعدون من الإيعاد ويصح أن يكون من الوعد العاتم. قوله: الكنا نؤخره) يعلم من التعبير بقادرون دون فاعلون وقوله لا نعذبهم وأنت فيهم اعترض عليه بأنه لا يلزم ما سبق لأنّ خبره تعالى لا يتخلف فليس العذاب المذكور ما في هذه الآية وإذا كان غيره يكفي لعدم تخلفه وقوعه بعده فتأمّل. قوله: (ولعله) أي ما ذكر في هذه الآية واستعجالهم بالجرّ معطوف على إنكارهم وضمير له للموعود والاستهزاء في قوله إنا لقادرون كما إذا قلت لمن توعدته بالضرب أنا قادر على ضربك وقوله قد أراه مفعوله مقدر أي ذلك وليس هذا وجهاً آخر بل تقرير لما ذكره. قوله: (وهو الصفح عنها والأحسان) الضمائر الثلاثة للتي وتذكير الأوّل والثالث باعتبار الخبر أو

لكونها عين الأحسن وتأنيث الثاني لمطابقته المرجع والخبر أو هما باعتبار لفظ أحسن ومعناه وتخصيص الثاني بالثاني لمناسبة الخبر. قوله: (لم يؤد (لو قال لا يؤذي كان أحسن فعلى هذا هي غير منسوخة والوهن الضعف وقوله كلمة التوحيد الخ فالمعنى اذهب شركهم بإعلاء دعوة الدين واعلاء اكمة الله وقوله: هو الأمر بالمعروف هذا هو المشهور وفي تقديم التي هي أحسن من الحسن ما لا يخفى. قوله: (من التنصيص على التفضيل) أي بقوله أحسن فإن دفع السيئة يكون بالصفح فإذا زيد معه الإحسان إلى المسيء كان دفعا بالأحسن وتقريرا بالإحسان كما هو عادة الكرام واليه أشار المصنف بتفسيره أولا وفي التعبير بالموصول وما فيه من الإبهام بلاغة أخرى كقوله يهدي للتي هي أقوم والتفضيل في هذا الوجه المختار على ظاهره لأنّ الصفح مع الإحسان أحسن من الصفح وحده وقيل المفاضلة بين الحسنة والسيئة والمراد أن الحسنة في بابها أزيد من السيئة في بابها وهذا شأن كل مفاضلة بين ضدين كالعسل أحلى من الخل أي هو في الأصناف الحلوة أميز من الخل في الأصناف الحامضة لا أن بينهما اشتراكا خاصا ومن هذا القبيل ما حكي عن أشعث الماجن أنه قال نشأت أنا والأعمش في حجر فلان فما زلنا يعلو وأسفل حتى استوينا يعني أنهما استويا في بلوغ كل منهما الغاية لكن أحدهما في غاية التعلّي والآخر في غاية التدني وهذه فائدة بديعة يعلم منها أن هذا لا يختص بباب التفضيل فاحفظه فإنه نفيس. قوله: (بما يصفونك به (فهو وعيد لهم وتسلية له ىلمجرو ولم يحمله على ما وصفوا الله به لسبقه والنخس بالنون والخاء المعجمة والسين المهملة الطعن والمهماز حديدة تربط على مؤخر رجل الفارس وتسمى مهموز الحث الدابة بنخسها ولذا قيل إن الهمزة بمعنى الحرفة لا تعرفها العرب قديما والراضة كالسادة جمع رائض وهو من يروض الخيل على الجري وذكر نكتة الجمع لدفع ما يقال لم لم يتعوّذ من الهمزة الواحدة وهو أبلغ بأنه في الواقع كذلك فيلزم التعؤذ من كل واحدة منها فتأمل. قوله: (يحوموا حولي) أي يقربوا مني للوسوسة وتخصيص حال الصلاة يعني أنه ورد في بعض الآثار والتفاسير كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما تخصيصها بهذه فلم جعلتها عامّة أجاب بأنهم ليس قصدهم التخصيص! بل ذكر محال يشتد فيها الخوف ويكثر حضور الشياطين فيها ولذا قيل اللهمّ إني أعوذ بك من النزغ

ص: 344

عند النزع وأحرى بالمهملة بمعنى أحق.

قوله: (متعلق بيصفون) أي الثانية كما في الكشاف أو الأولى كما جوّزه بعضهم وهي

ابتدائية كما مرّ والمعنى لا يزإلون على سوء الذكر إلى هذا الوقت وما بينهما اعتراض أو بقوله إنهم لكاذبون أو بمقدر يدل عليه ما قبله أي فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين وتحضرهم حتى إذا الخ وهذا أقرب عندي وقوله الإغضاء أي الصفح في قوله ادفع بالتي هي أحسن وأصله غض الجفن فجعله كناية عنه وهي مشهورة وما في نسخة من الاعتناء تحريف للنساخ وبالاستعاذة متعلق بالتأكيد وقوله أو بقوله معطوف على قوله بيصفون وما بينهما اعتراض أيضا تحقيقا لكذبهم أيضا. قوله: (تحسراً على ما فرط فيه) الضمير المجرور لما وقوله على الأمر أي في نفس الأمر أو حقيقة الأمر أو الأمر الحق وقوله والواو لتعظيم المخاطب وهو الله عز وجل وقد عرفت أنه يكون في ضمير المتكلم والمخاطب بل والغائب والاسم الظاهر ولا عبرة بمن أنكره اغترارا بكلام الرضي ومن فرّ منه فجعله خطاباً للملائكة بعد الاستغاثة بالله فقد تعسف وأقرب منه تقدير المضاف أي ملائكة ربي وأمّا اعتراض ابن مالك بأنه لا يعرف أحدا يقول رب ارحمون ونحوه لما فيه من إيهام التعدد فمدفوع بأنه لا يلزم من عدم صدوره عنا كذلك أن لا يطلقه الله تعالى على نفسه كما في ضمير المتكلم فتأمّل. قوله: (وقيل لتكرير قوله ارجعني الخ) هذا منقول عن المازني في قفا نبك وأطرقا ونحوه فأصله قف قف على التأكيد وبه فسر قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} لكنه مشكل جدّاً لأنه إذا كان أصل قفا قف قف مثلا لم يكن ضمير التثنية بل تركيبه الذي منه حقيقة فإذا كان مجازاً فمن أي أنواعه وكيف دلالته على المراد وما علاقته والا فهو مما لا وجه له. ومن غريبه أن ضميره كان مفرداً واجب الاستتار فصار غير مفرد واجب الإظهار ولم تزل هذه الشبهة قديما في خاطري والذي خطر لي أنّ لنا استعارة أخرى غير ما ذكر في المعاني ولكونها لا علاقة لها بالمعنى لم تذكر وهي استعارة لفظ مكان لفظ آخر لنكتة بقطع النظر عن معناه وهو كثير في الضمائر كاستعمال الضمير المجرور الظاهر مكان المرفوع المستتر في كفي به حتى لزم انتقاله عن صفة إلى صفة أخرى ومن لفظ إلى آخر وما نحن فيه من هذا القبيل فإنه غير الضميران المستتران إلى ضمير مثنى ظاهر فلزم الاكتفاء بأحد لفظي الفعل وجعل دلالة الضمير المثنى على تكرير الفعل قائما مقامه في التأكيد من غير تجوّز فيه ولابن جني في الخصائص كلام يدل على ما ذكرناه فتأمّل. قوله: (في الإيمان الذي تركتة) جعل الإيمان ظرفا للعمل الصالح لعدم انفكاكه عنه والترجي إما لهما لعلمه

بعدم الرجوع أو للعمل فقط لتحقق إيمانه إن أعيد فهو إمّا كقولك لعلي أربح في هذا المال أو كقولك لعلي أبني على أس أي " سس ثم أبني والمراد بالمال ما تركه وعلى الأخير جعل مفارقة الدنيا تركا لها وقوله: أنرجعك من رجعه أو أرجعه وقوله: إلى دار الهموم تقديره أأرجع إلى دار الخ وهو إنكار وقدوما بتقدير أختار قدوما وقوله للملائكة ارجعوني يدلّ على الوجه المرجوح في النظم. قوله: (والكلمة) يعني ليس المراد بها معناها المشهور لغة واصطلاحا بل هي هنا بمعنى الكلام كما يقال كلمة الشهادة وهي في هذا المعنى مجاز عند النحاة وأما عند أهل اللغة فقيل إنه حقيقة وقيل مجاز مشهور. قوله: (لا محالة الخ (يشير إلى التأكيد بالاسمية والتقوية بتقديم الضمير وترك ما في الكشاف من قوله هو قائلها لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها الاستيلاء الحسرة عليه وتسلط الندم أو هو قائلها وحده لا يجاب إليها ولا تسمع منه. وقوله أو هو قائلها وحده يعني به أن التقديم إقا للتقوى أو للاختصاص وقوله: لإيجاب الخ توجيه للقصر المستفاد منه فإن الظاهر منه أنّ المنفي قول غيره لهذه الكلمة وليس بمراد فأشار إلى أنه نزل فيه الإجابة والاعتداد والاستماع منزلة قولها حتى كان المعتذ بها شريك لقائلها وأفاد الشارح الطيبي أنه متداول مثله فمن قال إنه تركه لعدم صحة القصر فيه إلا بتكلف جعل ضمير قائلها لجنس الكلمة المتعلقة بالرجعة لم يصب. قوله: (إمامهم) يعني وراء هنا بمعنى إمام لأنه كل ما واراك أو من الأضداد والمراد بالجماعة الكفار وقوله وهو إقناط كليئ الخ ليس مراده أن الغاية داخلة في المغيا لأنه خلاف الاستعمال حتى أن بعض الأصوليين جعلها

ص: 345

من المنطوق وإنما المراد إنه علق رجعتهم بالمحال كما في قوله حتى يلج الجمل في سمّ الخياط وحتى يشيب الغراب فسقط ما قيل إنه لا يصلح غاية لعدم الرجوع المذكور والعلم بأنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا يفيد الإقناط ولكنه لا يصحح أمر الغاية. قوله: (لقيام الساعة (أي لوقت قيامها أو لأجله فاللام وقتية أو تعليلية وقيل إنها اختصاصية وقوله والقراءة بفتح الواو الخ يعني

أن قراءة العامّة بضم الصاد وسكون الواو وابن عباس والحسن بفتح الواو جمع صورة أيضا وهو شاذ عكس لحى بضم اللام جمع لحية بكسرها وهاتان القراءتان تدلان على أنّ القراءة المشهورة جمع صورة أيضاً حقيقة أو جمع اصطلاحيّ كتمر وتمرة لأنّ الأصل توافق معاني القرا آت فالمعنى إذا نفخت الأرواج في الأبدان لكن هذا التأييد ينافيه وصريح آيات أخر كنقر

في الناقور وسيأتي توفيقه. قوله: (تنفعهم الخ) يعني أنّ الأنساب بينهم محققة فنفيها لأنها لعدم نفعها نزلت منزلة العدم أو لأن افتخارهم بها في الدنيا فإذا لم يفتخروا بها ثمة فكأنها لم تكن كماقال:

لا نسب اليوم ولا خلة اتسع الخرق على الراقع

فهو استعارة وقيل تشبيه بليغ ويجوز أن يكون فيه صفة مقدرة أي لا أنساب نافعة أو يفتخر بها لأنّ الفخر بالدين والنجاة وقوله: من فرط الحيرة إشارة إلى أنه أمر طبيعيّ وإنما الحيرة أذهلتهم عنه وقوله لزوال التعاطف والتراحم علة لعدم النفع إمّا على ظنهم لقياسهم على أحوال الدنيا أو لأن المراد بالنفع ما يشمل التسلية ولو بالتألم كما قيل:

ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أويسليك أويتوجع

فلا يرد عليه ما قيل إنه يشعر بأن التعاطف لو وتع نفعهم وليس كذلك لأن النفع حينئذ

ليس بغير الأعمال فالظاهر تعليله به وما قيل من أن التراحم واقع بين الأطفال وأصولهم كما ورد وزواله لا يستلزم عدم النفع والفرار المذكور حذرا من المطالبة ردّ بأن رحمة الأطفال عند دخول الجنة لا عقب النفخة الثانية وبأن انتفاعهم بالأنساب ليس بسبب التراحم كما في الدنيا فانتفاؤه ويستلزم المراد وكون الفرار مما ذكر غير متعين كما سيأتي وأورد عليه أن قوله بحيث الخ ظرف لزوال التعاطف لا لفرط الحيرة فلا ينافي الحذر مما ذكر وأما عدم التعين فلا يفيد لأن السوق مقتض للجزم به وأمّا حديث الأطفال فغير وارد لأنهم أطفال المؤمنين وهذا في شأن الكفار بدليل سياقه وما ذكر تخصيص من غير مخصص. قوله: (او يفتخرون بها (معطوف على تنفعهم وفي الكشاف يحتمل أن التقاطع يقع بينهم حق يتفرّقون مثابين ومعاقبين ولم يذكره المصنف لأنه مبنيئ على عمومه وهو في شأن الكفرة وأمّا الفاء فلا تأباه إفا لأنها سببية أو لأنّ التعقيب عرفيّ. قوله: (وهو لا يناقض قوله الخ (قيل إن قوله لاشتغاله بنفسه يدل على أن المراد بالسؤال سؤال التعارف فلا تناقض لأن الواقع للتوبيخ والخصومة وجوابه لا يناسبه قوله يومئذ لإطلاقه وكذا ما في الكشاف من أنه في النفخة الأولى إذ السياق والسباق يأباه يعني أن تقديم قوله يومئذ عليه يقتضي إطلاقه وفيه نظر وقوله لأنه عند النفخة قيل عليه ليس هذا عقيب نفخة البعث بل بعده لقوله من بعثنا من مرقدنا لصراحته في التساؤل وقوله وأقبل الخ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه عند النفخة الثانية وفاء الجزاء لا تفيد تعقيبا وقيل عليه إن ما ذكره المصنف رحمه الله أقرب لتعاضد الأخبار على استيلاء الدهشة واشتغال كل بشأنه في بعث

القبور، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه عند القيام من القبور وهول المطلع شغل كل بنف4 ومن بعثنا من مرقدنا ولو سلم أنه عقب النفخة الثانية لا يدلّ على أنه بطريق التساؤل ثم المختار دلالة الفاء الجزائية على التعقيب وقال الإمام أن قوله لا يتساءلون في الكفار وقوله: فأقبل الآية في المؤمنين بعد دخول الجنة وردّ بأن النقض ليس بقوله فأقبل بالفاء بل بالواو وهي في الكفار بلا شبهة وكلاهما في الصافات ثم إن يوم القيامة ممتد وفيه مشاهد ومواقف فيقع في بعضها تساؤل وفي بعض دهشة تمنع منه هذا خلاصة ما هنا فاختر لنفسك ما يحلو. قوله: (موزونات عقائده الخ) فالموازين جمع موزون وقد مر في الأعراف جواز كونه جمع ميزان مع وحدته جمعه لتعدد الوزن وقوله لها وزن عند الله تعالى وقدر إشارة

ص: 346

إلى التفسيرين والمذهبين كما فصل في الكلام. قوله: (ومن لم يكن له ورّن وهم الكفار (قد مرّ في الأعراف تفصيله أيضا قال بعض المفسرين أي موازين أعماله أو أعماله التي لا وزن لها ولا اعتداد بها وهي أعماله السيئة انتهى يعني أنّ موازين أعماله الحسنة خفت بناء على أن أعمال الكفرة توزن لحكم الهية ولم يقيده بكونها حسنة لعلمه من تقييد الثاني المقابل له وبالجملة الحالية وهي قوله وهي أعماله السيئة وقوله أو أعماله الخ هذا هو القول الثاني وهو أنّ أعمال الكفار لا توزن بخلاف المسلمين لقوله لا نقيم لهم يوم القيامة وزنا وجعلناه هنا منثورا ونحوه وليس هذا مذهب المعتزلة لأن مذهبهم إنكار الوزن مطلقا وإنما بينا مراده مع وضوحه لأنّ بعض علماء العصر تردّد فيه واستشكله وأتى بما يتعجب منه حتى أنّ بعض الجهلة قال إن عبارته ليست السيئة بل السنية أي الحسنة وهذا ليس إلا لجهله وخفة ميزان عقله:

وما آفة الأخبار إلا رواتها

قوله: (غبنوها) يعني الخسارة والغبن وهو بيع متاعه بدون قيمته المراد به هنا على طريق الاستعارة التمثيلية تضييع زمانه في الضلال وترك ما أعطاه الله له من رأس المال وهو الاستعداد لأن يربح في تجارة الكمال بفطرة الإيمان وصالح الأعمال ولله در القائل كما تقدم مرارا.

إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب

قوله: (بدل من الصلة (ظاهره أنّ مجموعه بدل قال أبو حيان هذا بدل غريب وحقيقته أن

يكون البدل الذي يتعلق به في جهنم أي استقرّوا وكأنه من بدل الشيء من الشيء وهما لمسمى واحد على سبيل المجاز لأنّ من خسر نفسه استقرّ في جهنم قال الحلبي فجعل الجار والمجرور

بدلاً دون خالدون والزمخشري جعل جميعه بدلاً بدليل قوله أو خبرا بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف وهذان إنما يليقان بخالدون وأمّا في جهنم فمتعلق به فيحتاج كلام الزمخشري إلى جواب وأيضا يصير خالدون مفلتا انتهى) أقول (ما قاله أبو حيان أن لا وجه له فإن خلودهم في النار يشتمل على خسرانهم فهو بدل اشتمال لا غرابة فيه ولا تجوّز وجعل جميعه بدلأنظراً لأنه بمعنى يخلدون فيها بلا تقدير لوقوعه صلة فهو جملة ميلا مع المعنى على عادته كما أشار إليه بعض شرّاحه. قوله: (تحرقها) بيان لحاصل المعنى واللفح والنفح مس لهب النار ولكون النفح أشد استعمل في الريح الطيبة نفحة دون لفحة وهذه الجملة حال أو مستأنفة والتقلص التباعد من شبه الشيخ وكلحون جمع كلح كحذر وقوله تأنيب بالنون والباء الموحدة بمعنى اللوم والتوبيخ والاستفهام إنكارفي. قوله: (ملكتنا الخ) يعني أنه من غلب فلان على كذا إذا أخذه وتملكه فهو إقا تمثيل أو شبهت المشقوة كالفطنة وهي كالشقاوة بالفتح والكسر مصدر بمعنى سوء العاقبة بمتغلب جائر وأسند الملك إليها تخييلاً والمراد أن جميع أحوالهم مؤدّية إليها وأنه غلب علينا ما قدر من الشقاء فأطعناه فليس فيه جبر وقوله إلى التكذيب كأنه جعل العود إلى التكذيب عودا إلى النار فتأمّل. قوله: (اسكتوا سكوت هوان) يعني أنه استعير من خسأت الكلب إذا طردته لهذا وفيه تشبيه لهم بالكلاب في الدال والهوان باعتبار أنها مكنية قرينتها تصريحية كما في ينقضون عهد الله وضمير فإنها للنار وقوله: فخسأ إشارة إلى أنه يكون لازماً متعذياً وما في الآية من اللازم وعطفه بالفاء إشارة إلى أن الثاني مطاوع للأوّل وأنه قد يكون ثلاثيا مثل جبرته فجبر ورجعته فرجع كما في شرح الإيضاج لأبي عليّ وغيره وقوله في رفع العذاب تقديره بقرينة السياق وقوله: رأسا أي أبداً وأصلا وهو مجاز مشهور. قوله: (قيل إن أهل النار الخ) هذا تأييد للتفسير الثاني وقولهم أبصرنا وسمعنا يعني آمنا يرجون به انقطاع العذاب وقوله حق القول أي بالخلود وأنه لا يفيد إيمانكم اليوم وعواء بضم ومد صياج الكلب

ونباحه فالمراد التشبيه به. قوله: (أي لآئه (وهو تعليل على القراءتين لزجرهم باتخاذهم من ذكر سخرة وسخريا مفعول ثان لاتخذ وجعل عين السخرة مبالغة وقرئ بالضم والكسر واختلف أهل اللغة هل هما بمعنى واحد أو بينهما فرق بالمباينة أو الأعمية وأصله من التسخير وهو الإحضار قهراً فإن كان للهزؤ به فهو السخرية بالكسر ومنه المسخرة وان كان لعمل واستخدام من غير أجرة فبالضم وقيل غير ذلك وهو مصدر زيدت فيه ياء

ص: 347

النسبة للمبالغة كالخصوص والخصوصية كما زيدت في أحمريّ. قوله: (من فرط (من تعليلية والفرط الزيادة والتجاوز يعني أنكم لم تخافوا الله فيهم فذكر الله كناية عن خوفه لأن من خافه ذكره ونسيان ذكره لعدم المبالاة والخوف وإسناد الإنساء إليهم لأنهم سببه إذ بسبب التشاغل بهم نسوه كما أشار إليه المصنف رحمه الله وقوله في أوليائي أي في شأنهم والاستهزاء بهم. قوله: (فوزهم بمجامع مراداتهم الخ (بنصب فوزهم على أنه تفسير لأنهم هم الفائزون على قراءة الفتح وأنه مفعول ثان لجزي وهو متعد له بنفسه وبالباء يقال جزيته كذا وبكذا كما قاله الراغب وقوله: بمجامع مراداتهم أي بجميعها إشارة إلى أنّ مفعول فائزين حذف للعموم وقوله مخصوصين حال أي حال كونهم مخصوصين بذلك الفوز وفي نسخة مخصوصون أي وهم مخصوصون وهو بيان للاختصاص المفهوم من ضمير الفصل وقيل إنه على هذا بتقدير لام التعليل قال المعرب وهو الآظهر لموافقته القراءة الأخرى فإن الاستئناف يعلل به أيضا وتبعه القائل المعنى لأنهم هم الفائزون بالمراد من خلقهم وهو توحيده تعالى بالعبادة كقوله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وعدل عن المضيّ مع سبق ما ذكره لاستحضار صورة فوزهم أو لأنهم الذين يحق لهم الفوز لدلالة الاسم على أنه ثبت لهم ذلك فالمفعول الثاني محذوف على القراءتين وقيل إنه بعيد لاحتياجه إلى التقدير والتعليل على قراءة الكسر ليس بظاهر لأنه لا وجه للسؤال عن السبب المطلق وهو مذكور بقوله بما صبروا ولا عن السبب الخاص لفوزهم لأن السائلين هم القائلون ربنا أخرجنا الخ

- ا-5، 511ءاد، 6 / 5 " 3

وهم عارفون به فالظاهر أنّ السؤال عن كيفية الجزاء المبهم أي كيف جزاؤهم فأجيب بالفوز بجميع ما يريدون ثم أورد على قوله بالمراد من خلقهم الخ أنه مراد الله والفوز الظفر بمراد نفسه لا مراد الله وليس بشيء لأنّ التقدير إذا أريد العموم كثير بليغ لا ينكر وهو متعين في القراءة الثانية وكون توافق القرا آت أحسن مما لا شبهة فيه وأمّا أمر التعليل فعدم وروده ظاهر لأنّ العلل والأسباب تتعدد لأنها ليست علة تامة فإذا ذكر أنهم جزوا بسبب صبرهم على المكاره فلا مغ من أن يقال لم اختص الجزاء على الصبر بهم فيقال لأنهم فازوا بالتوحيد المؤدّي إلى كل سعادة نعم ما ذكره وجه آخر ولكل وجهة هو موليها فافهم. قوله: (قال الخ) جملة مستأنفة وقوله على الأمر الخ في الدر المصون الفعلان مرسومان بغير ألف في مصاحف الكوفة وبألف في مصاحف مكة والمدينة والشام والبصرة فحمزة والكسائيّ وافقا مصاحف الكوفة وخالفهما عاصم أو وافقهما على تقدير حذف الألف من الرسم الخ ومنه يعلم أنّ الرسم بدون ألف يحتمل حذفها من الماضي على خلاف القياس فلا وجه لما قيل إن مخالفة القراآت السبعة لما ثبت في رسم المصحف من الغرائب وكون الخطاب لبعض رؤساء أهل النار بعيد وهو جار في القراءة الأخرى والاستفهام إنكاري لتوبيخهم بإنكار الآخرة. قوله: (استقصار الخ (تقدم تحقيقه وقوله أو لأنها أي أيام الدنيا وقصر أيام السرور لسرعة مرورها وعلى هذا فالسؤال عن لبثهم في الدنيا. وقوله والمنقضي في حكم المعدوم أي فلا يدري مقداره طولاً وقصراً فيظن أنه كان قصيرا فلا يقال إن هذا يقتضي نفيه لا تقليله والعاديين بالتشديد جمع عادي نسبة إلى قوم عاد لأنهم كانوا يعمرون كثيراً. قوله: الو أنكم كنتم تعلمون الخ اليست لو وصلية لأنها بدون الواو نادرة أو غير موجودة فجوابها محذوف تقديره لو كنتم تعلمون قلة لبثكم في الأرض بالنسبة للآخرة ما اغتررتم بالدنيا وعصيتم لا لما أجبتم بهذه المدة كما قدره أبو البقاء لأنه لا يلائم ما ذكره المصنف رحمه الله من كونه تصديقا لهم فلعله يجعله رداً عليهم لا تصديقا فيصح ما قدره ويجوز أن تكون للتمني فلا تحتاج لجواب. قوله: (توبيخ على تغافلهم) كما أن تقليل مدتهم كذلك. وقوله حال أي من الفاعل وجمع لمشاكلة الضمير وقوله تلهياً بكم لا لتلهوا وتلعبوا

أنتم كما قيل لأنه يختلف فيه الفاعل فلا يكون مفعولا بدون لام إلا على قول ضمعيف وقوله كالدليل على البعث فهو توطئة لما بعده والعبث كاللعب ما خلا عن الفائدة مطلقا أو عن الفائدة المعتد بها أو عما يقاوم الفعل كما ذكره الأصوليون والظاهر أنّ المراد الأوّل. قوله: (أو عبثا (أي أو معطوف على قوله عبثاً والظاهر أنه على تقدير كونه مفعولاً له وأما على تقدير الحالية

ص: 348

فيحتاج إلى تأويل أي مقدرين أنكم لا ترجعون فهي حال مقدرة وقوله وقرأ الخ وغيرهم قرأه مبنيا للمفعول وقد تقدم أن رجع يكون متعديا ولازما. وفي قوله فتعالى الله التفات للتفخيم والتوصيف بما بعده. قوله: (الذي يحق له الملك مطلقا (فالحق بمعنى الحقيق بالمالكية كما يقال هو السلطان حقا وبحق أو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه ورجح بعضهم هذا لشهرته ولأنّ معنى الأوّل يفهم من الملك وفيه نظر وقوله مملوك أي لله بالذات لأنه مخلوق له أوجده بيده جميع أموره قادر على التصرّف فيه بكل ما يريد وفي كل حال مطلقا وهذا معنى المالكية الحقيقية وأمّا مالكية غيره فبالعرض لأنها بتمليك الله له ولو شاء لم يعطه ومتى شاء أخذ ما أعطاه منه فليس تملكه ذاتياً ولا يقدر على التصرف فيما يملكه بكل وجه أراد حسا أو شرعا كما هو شأن المملوك فإسناد المالكية له بحسب الظاهر المتعارف حقيقة لا مجازا لتصرّفه وكسبه في الجملة كالعبد المأذون فلا حاجة إلى حمله على المبالغة أو التشبيه لأن ما ذكره بالنظر لنفس الأمر لا للعرف والشرع فإنهما ناظران للظاهر فقوله من وجه كالوجه الشريئ مثلا وقوله وفي حال كالحياة مثلاً فلا غبار عليه كما توهم. قوله: (الذي يحيط بالإجرام الخ) هذا على قراءة الجرّ على أنه صفة العرس أو الرفع على أنه نعت له مقطوع لا صفة الرب والمعنى أنه لإحاطته بالموجودات وكون جميع الأمور والرحمة والبركة تتنزل منه وصف بأنه كريم على لاستعارة المكنية والتخييلية أو التصريحية وقوله أو لنسبته يعني أنه كريم ربه فالإسناد إليه مجازي أو هو كناية عن كرم مالكه ونسبته هنا لفظة صادفت محزها وقوله يعبده تفسير ليدعو. قوله: (أفرادا أو إشراكا) سقط من بعض النسخ والصحيح إثباته واعترض على قوله أفراداً بأنه لا يتأتى ذكره هنا مع المعية الواقعة في النظم في قوله مع الله فالوجه الاتتصار على الإشراك وقد دفع بوجوه منها أنهم ولو عبدوا إلها آخر أفراداً فإنهم يعبدونه مع المعبود بحق وهو تعسف وقيل أراد بالإفراد أن يكون الإله الأوّل مفردا مستقلاً ومن الإشراك الإشراك في خلق الأشياء بأن يكون شريكا لله في الخلق والإيجاد وهو لا محصل له وقيل إنّ قوله إفرادا داخل في النص

دلالة لا عبارة وهذا كله من ضيق العطن فإنّ الإفراد والإشراك في العبادة ومعنى مع الله مع وجوده وتحققه ولا خفاء في القول بأنه مع وجود الله من الكفرة من يعبد غيره وحده ومنهم من يعبده مع عبادة الله وهذا لا غبار عليه فإن لم يقدر هذا فالمشرك إذا أفرد معبوده بالعبادة تارة وأشركه مع الله أخرى صدق عليه أنه عبد مع الله غيره وذكر آخر قيل إنه للتصريح بألوهيته تعالى وللدلالة على الشريك فيها وهو المقصود فليس ذكره مع المعية مستدركا فتأمّل. قوله: (لازمة له (أيمما لا مقيدة ومخصصة بل مؤكدة وقوله وبناء الحكم عليه بالجرّ معطوف على التأكيد والحكم هو ما يستفاد من جزاء الشرط من الوعيد له بأنه مجازي بما يستحقه وهو وان بني على الشرط وما يفيده من الإشراك لكن ليس فيه التنبيه على ما ذكر فقوله تنبيها تعليل لبناء الحكم عليه فإنّ القيود والصفات مقصودة بالذات ويجوز أن يكون تعليلاً له وللتأكيد معا وقوله أو اعتراض معطوف على قوله صفة. وقوله لذلك أي للتأكيد لا للبناء تنبيها كما قيل لأن الاعتراض لا يفيد غير التوكيد. قوله: (مجاز له الخ (فالحساب كناية عما ذكر لأنه المقصود منه وقوله أو الخبر يعني عن قوله حسابه وقوله حسابه عدم الفلاج يعني أنه على هذا التقدير من

تحية بينهم ضرب وجيع

وهذا أبلغ مع عدم أحتياجه إلى مقدر من تقدير اللام ولذا اقتصر عليه الزمخشري وموافقته للقراءة الأخرى تكفي باعتبار حاصل المعنى وكون إحداهما عين الأخرى مرجحة لا لازمة ولذا قدم الوجه الأوّل والكافرون من وضع الظاهر موضع المضمر وجمع نظر المعنى من. قوله: (بدأ السورة بتقرير فلاح المؤمنين) يشير إلى ما مرّ فيها من قد وصيغة الماضي الدالين على التقرير والتحقيق وقوله وختمها الخ يعني أن فيه حسن المبدأ والختام لما بينهما من التناسب التام. قوله: (ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يستغفره الخ (ليس فيه تقييد الطلب بأنه له فيبقى على عمومه ولا حاجة إلى التأويل بالدوام على ذلك والمراد تعظيم أفته والحديث الأوّل موضوع والثاني وارد مرويّ في السنن لكنهم اختلفوا في صحته

ص: 349