المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أو استعارة ضدية أو للتقليل والمراد تقليل ما هم عليه - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٦

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: أو استعارة ضدية أو للتقليل والمراد تقليل ما هم عليه

أو استعارة ضدية أو للتقليل والمراد تقليل ما هم عليه بالنسبة لمعلوماته وعلى كل حال فلا يفيد ما ذكره. قوله: (ويوم يرجعون إليه الخ) هو إمّا مفعول به معطوف على ما أنتم وإذا كان الكلام مخصوصاً بالمنافقين جاز عطفه على مقدر أي ما أنتم عليه الآن ويوم الخ فإنّ الجملة تدل على الحال كما قيل والمراد بالحال ما في ضمن الدوام والثبوت فلا يرد عليه أنه لا دلالة لها على ذلك ويجوز تعلقه بمحذوف يعطف على ما قبله أي وسينبئهم يوم يرجعون إليه كما في الكشاف. قوله: (ويجورّ أن يكون الخطاب) أي في قوله: (ما انتم عليه) وقد كان عامّا لهم وللمؤمنين في الوجه السابق. وقوله: أيضاً أي كالغيبة في يرجعون. وقوله: على طريق الالتفات أي من الغيبة إلى الخطاب فيكون في يرجعون ال! كات من الخطاب إلى الغيبة ويجوز أيضاً كون كل منهما عاماً. قوله: (من سوء الأعماد الخ) بيان لما على أنها موصولة محذوفة العائد ويجوز كونها مصدرية وقوله بالتوبيخ متعلق بينبئهم وقوله: عن النبي الخ هو موضوع من حديث أبيّ بن كعب المشهور والظاهر أنّ قوله: من

الأجر عشر الخ مقدّم من تأخير أي أعطى بعدد كل مؤمن ومؤمنة عشر حسنات ومناسبته ظاهرة تذكر الأحكام المتعلقة بالمؤمنين والمؤمنات في هذه السورة تمت السورة اللهم كما يسرت هذا الإتمام يسر لنا حسن الاختتام، بجاه نبيك عليه أفضل صلاة وسلام وعلى آله وصحبه الكرام.

سورة‌

‌ الفرقان

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (مكية) وعن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة إلا ثلاث آيات من قوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله: (وكان الله غفورا رحيماً) فهي مدنية. وقال الضحاك السورة مدنية إلا أوّلها لقوله: نشورا فهو مكيّ وعدد الآيات متفق عليه كما ذكره الداني في كتاب العدد. قوله: (تكاثر خيره الخ) تفسير له باعتبار حاصل معناه لا إشارة إلى تقدير مضاف لأنّ البركة في الأصل مأخوذة من برك البعير وهو صدره ومنه برك البعير إذا ألقى بركه على الأرض واعتبر فيها معنى اللزوم فقيل براكاء الحرب لمكان يلزمه الابطال وسمي محبس الماء بركة. والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ثبوت الماء في البركة والمبارك ما فيه ذلك الخير ولما كان الخير الإلهيّ لا يحس ولا يحصى ولا يحصر قبل لكل ما يعرف فيه زيادة غير محسوسة مبارك وفيه بركة والتزأيد إما باعتبار كمال الذات في نفسها ولذا قيل: تباركت النخلة إذا تعالت أو باعتبار كمال الفعل وما نحن فيه يناسب المعنييز فلذا فسرها الزمخشري بالثاني وتبعه المصنف رحمه الله واقتصر على الثاني في الملك لمناسبة ما بعده كذا في الكشف (وفيه بحث) لأنّ قوله: ليكون للعالمين نذيرا يناسب تفسيره الثاني لأنه خص الإنذار ليكون براعة استهلال لذكر المشركين ويناسب الابتداء بأنه تعالى عما يقول: الظالمون كما ذكره الطيبي واختاره الفاضل اليمني وصيغة التفاعل للمبالغة. وقوله وتعالى تفسير لتزايد إشارة إلى أنّ المراد رفعته عما سواه وكماله وقوله: فإنّ البركة الخ مر وجهه. قوله: (وتوتيبه على إنزاله الخ) أي رتب وصفه بقوله: تبارك على إنزاله الفرقان ترتب المعلول على علتة لأنّ تعليق شيء بالمشتق يقتضي عليه مأخذه أما لما في الفرقان من الخير الكثير لأنه هداية ورحمة للعالمين وفيه ما ينتظم به أمر المعاس والمعاد أو لدلالة ما في حيز صلته على علوّه وعظمته كما يقتضيه النزول ووصفه بالعبودية أو لما فيه من وصف ذاته العلية ولا دخل للإعجاز هنا كما قيل وهذا لف ونشر على تفسيري تبارك. قوله: (وقيل دام) وقد مر وجهه والبركة كسدرة مجمع الماء الراكد وهي معروفة وضمير دام إن كان لله فتمريضه لقلة فائدته فإن دوامه ظاهر ولعدم مناسبته لما بعده كما قيل وإن كان للخير فلأنّ البركة لم تستعمل بهذا المعنى. قوله: (وهو لا يتصرف فيه) أي

لا يستعمل له مضارع واسم فاعل ونحوه ويرد عليه ما نقله في الكشف من أنه يقال تباركت النخلة إذا تعالت قال:

إلى الجذع جذع النخلة المتبارك

إلا أن يقال إنه أغلبي.

ص: 404

قوله: (ولا يستعمل إلا لله الخ) يرد عليه قول العرب تباركت النخلة وقراءة أبي رضي الله

عنه كما سيأتي في الكشاف تباركت الأرض ومن حولها ومثله تعالى. قوله: (والفرقان) كالغفران مصدر فرق الشيء من الشيء وعنه إذا فصله ويقال: أيضا فرقت بين الشيئين كما ذكره الراغب قال تعالى: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [سورة المائدة، الآية: 25] فمن قال إنه مصدر فرق الشيء إذا فصل بعضه عن بعض لا مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما كما قاله المصنف فقد أخطأ ولا فرق بين الفرق والتفريق بغير التكثير خلافا لمن فرق بينهما بأنّ الأوّل في المعاني والثاني في الأجسام وتقريره بمعنى بيانه. قوله: (أو لكونه مفصولاً) يعني أنه مصدر بمعنى الفاعلى أو بمعنى المفعول كما في هذا الوجه وقوله: في الإنزال يقتضي اختصاصه بالقرآن لأنه هو المفصل إنزاله وغيره أنزل دفعة واحدة كما صرحوا به ولذا قسره بعضهم بكونه مفصلاً إلى الآيات والسور فمن اعترض عليه بأنه لا اختصاص له بالقرآن وهذا يقتضيه فقد أخطا. وقوله: كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ} يعني أنّ الإنزال كما يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يضاف إلى امّته لأنه واصل إليهم ونزوله لأجلهم فكأنه منزل عليهم وان كان إنزاله حقيقة عليه وقد قيل إنه المراد بالجمع تعظيماً. قوله: (أو الفرقان) أو الله كقوله: {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} وقوله: للجن والإنس فصيغة جمع العقلاء باعتبار الأفراد على ظاهرها من غير تغليب وخرح الملك ولذا قدم للعالمين للحصر ولتشويف لا لمجرد الفاصلة. قوله: (منذرا) على أنّ فعيلاً صفة مشبهة بمعنى منذر أو مصدر كالنكير وجعل نفس الإنذار مبالغة كرجل عدل وليس هذا على طريق الل! والنشر المرتب لقوله: العبد أو الفرقان كما قيلى. قوله: (وهذه الجملة وإن لم تكن معلومة الخ) هذا بناء على أنّ جملة الصلة لا بد أن تكون معلومة قبل التكلم بها لأنّ تعريف الموصول بما في الصلة من العهد وفي شرح التسهيل أنه غير لازم وأنّ تعريف الموصول كتعريف الألف واللام يكون للعهد والجنس وأنه قد تكون صلتة مبهمة للتعظيم كقوله:

فإن أسنطع أغلب وأن يغلب الهوى فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه

وعلى تقدير تسليمه فهذه الجملة معلومة للرسول صلى الله عليه وسلم وهو المخاطب بها كقوله:

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [صورة الإسراء، الآية: ا] ولا يلزم أن تكون معلومة لكل أحد وما اختاره المصنف رحمه الله من تنزيلها منزلة المعلوم أبلغ لكونه كناية عما ذكر مناسبة للرد على من أنكر التوحيد والنبوّة وأما على إبدال الذي بعده فلا يجدي في دفع السؤال كما سيأتي. قوله: (بدل من الأوّل الخ) قيل هذا أوجه من القطع مدحاً لأنه لكونه حق الصلة أن تكون معلومة أبدل منه هذا بيانا وتفسيرا له ولا يخفى ما فيه أو هو نعت للأوّل أو في محل رفع أو نصب بمقدر وقوله: مرفوع أو منصوب يحتمل أنهما على المدح بتقدير هو أو أمدح أو أعني ويحتمل أنه لف ونشر فالرفع على البدلية والنصب على المدح. وزعم النصارى بمعنى مزعومهم. وقوله: كقول الثنوية فإنهم يقولون بتعدّد الإله فيثبتون للإله شريكاً. وقوله: مطلقا أي بجميع وجوهه أو لجميع الأشياء وما يقوم مقامه الولد وما يقاومه أي يساويه الشريك. وفوله: فيه تنازع فيه الفعلان وقوله: ما يدل عليه أي على ما ذكر أو على الملك خلقا وتصرفاً وفي قوله: خلق كل شيء ردّ على الثنوية القائلين بأن خالق الشر غير خالق الخير ولا يضر كونه مذكورا قبله وكون ما ذكر دليلا عليه لأنه يفيد فائدة جديدة لما فيه من الزيادة أو هو ردّ على المعتزلة وهو معطوف على إحدى الصلتين. قوله: (أحدثه إحداثاً) المراد كما في الكشاف وشرحه أنّ الخلق إيجاده مقدّرا بمقدار وتسوية من الصور والأشكال فالتقدير معتبر فيه فذكره بعده يكون تكرارا كأنه قيل قدّره فقدّره فأشار إلى أنّ التقدير المذكور ليس هو المعتبر في معنى الخلق بل بمعنى جعله مهيا لما خلق له من العلم والتكليف وهما غيران فلا حاجة إلى ادعاء القلب فيه لرعاية الفاصلة كما قيل مع أنّ المقلوب غير مقبول مطلقا مع أنه لا يدفع السؤال بدون الوجهين وقوله: من مواد مخصوصة وصور كقوله:

وزججن الحواجب والعيونا

والمعنى خلقه من مواد وعلى صور وأشكال وقوله: وهيأه إشارة إلى ما مر. قوله: (أو

فقدره الخ) إشارة إلى جواب ثان وهو أنه تجريد لاستعمال الخلق في مجرد الإيجاد

ص: 405

بدون تقدير

فلذا صرح به بعد. للدلالة على أنّ كل واحد منهما مقصود بالذات. فلا يرد أنه لا معنى للتجريد منه ثم ذكره والوجه الأوّل مختار الزجاج وهو أظهر. وقوله: من غير نظر إلى وجه الاشتقاق بحسب الوضع فإنّ اشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير كقوله:

ولانت تفري ما خلقت وب! ض القوم يخلق ثم لا يفري

أي يقطع ما قدره فمعنى التقدير ملاحظ في اشتقاقه وقوله: متفاوتا أي مختلف الخلقة كقوله: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقوله: للبقاء إشارة إلى أنه حينئذ مراعى فيه معنى إدامة ذلك ليصح عطفه بالفاء ومن لم يتنبه له اعترض وقال ما قال. وحتى لا يكون يجوز رفعه ونصبه. قوله: (إثبات التوحيد) هو من نفي الولد والشريك والنبوّة من قوله: (أنزل على عبده (وضمير اتخذوا للمشركين المفهوم من قوله: (ولم يكن له شريك في الملك) أو من المقايم وقوله: (نذيرا) وقوله: لأنّ عبدتهم الخ عبدة جمع عابد كخدمة جمع خادم. وقد قيل عليه إن المناسب لما قدّمه أن يقول لأنهم مخلوقون له تعالى ليشمل ما أشركته النصارى والثنوية لئلا يخلو الكلام من الردّ عليهم مع أنهم المقصودون به أيضا. والمضارع في قوله: يخلقون لاستحضار الحال الماضية ولا يخفى أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أتم فائدة وأنسب بالمقام لأنّ الذين أنذرهم نبينا عبدة الأصنام وأنّ عدم ملك الضر والنفع والافتراء بمعنى الاختلاق أوفق به ولا حصر فيما قدمه كما أشار إليه بكاف التشبيه ودفع ضر وجلب نفع إمّا إشارة لتقدير مضاف أو بيان لحاصل المعنى المراد منه بناء على أنّ ملكه كناية عن التصرف فيه بالدفع والجلب كما قيل وما قيل إنه معنى الملك لا كناية عنه غير مسلم إذ قد توجد القدرة المذكورة بدونه وكذا ما قيل من أنّ الكناية ذكر اللازم وإرادة الملزوم وهذا عكسه لما قرره أهل المعاني وقدم دفع الضرر لأنه أهم وقال لأنفسهم ليدل على غاية عجزهم لأنّ من لم ينفع نفسه لا ينفع غيره. قوله: (ولا يملكون إماتة أحد و0احياءه) قدم الموت لمناسبته للضر المتقنمم وفسر الموت والحياة بالإماتة والإحياء والإنشار إمّا بيانا لحاصل المعنى لأنّ ملك الموت القدرة على الإماتة أو إشارة إلى أنه بمعنى الأفعال كما في قوله أنبتكم من الأرض نباتا وقوله إحياءه أو لا

أي في الدنيا فسره به لثلا يتكرر مع قوله: نشوراً. ولذا قال وبعثه ثانياً وما ينافيها المخلوقية وعدم القدرة. قوله: (اختلقه) أي اخترعه لا أنه ينزل عليه والمراد بالذين كفروا المشركون بقرينة ادّعاء إعانة بعض أهل الكتاب له. وقوله: فإنهم الخ تفسير للإعانة على زعمهم الفاسد. وقوله: يعبر عنه أي عما يلقونه إليه والمعنى يترجمه بلغته وينقله بعبارة فصيحة. وجبر ويسار وعداس غلمة لأهل الكتاب سمع النبي صلى الله عليه وسلم قراءتهم للتوراة والإنجيل. قوله: (وأتى وجاء الخ) يعني أنهما يتعديان بنفسهما تارة كما هنا ويلزمان أخرى فلا حاجة إلى جعل المنصوبين حالين أو جعله من الحذف والإيصال المخالف للقياس باتفاق النحاة فالقول بأنه كفى بوقوعه في التنزيل هنا سماعا مصادرة لا تدفع الهجنة كما توهم. قوله: (ما سطره المتقدمون) مرّ تفسيره وإعرابه. وقد جوّز فيه هنا أن يكون تقديره هذا أساطير الأوّلين وجملة اكتتبها حال بتقدير قد وفيه أنّ عامل الحال إذا كان معنوياً لا يجوز حذفه كما في المغني وإن كان غير مسلم كما في شرحه وقوله: كتبها لنفسه وفي نسخة اكتتبها وهو إمّا افتراء عليه أيضاً لأنه لم يكتب قط أو لظنهم أنه يكتب أو مجاز بمعنى أمر بكتابتها كبنى الأمير المدينة لكنه يكون بمعنى الوجه الثاني والمغايرة بينهما أنه في الأوّل مجاز إسنادي وهذا على استعمال افتعل لهذا المعنى كاحتجم وافتصد إذا أمر بذلك. قوله: (لأنه أمئ) وبيان لوجه هذه القراءة واختيارها لأنّ القراآت غير قياسية وقوله: وبني الفعل للضمير فيه تسمع والمراد بني للمفعول وأسند للضمير. وهذا بناء على جواز إقامة المفعول الغير الصريح مع وجود الصريح كما جوّزه الرضي وغيره وإن منعه بعض النحاة وقوله: (بكرة وأصيلا) إن لم يرد بهما دائماً فالتخصيص لأنه وقت غفلة الناس عنه وهو يخفيها على زعمهم وقوله ليحفظها إشارة إلى أنّ المراد بالإملاء الإلقاء عليه للحفظ بعد الكتابة اسنعارة لا الإلقاء للكتابة كما هو المعروف حتى يقال إنّ الظاهر العكس وأن يقال أمليت فهو يكتبها وهذا على تفسير اكتتبها بكتبها. وقوله: أو ليكتب بيان لاحتمال أنه على ظاهره. وهذا إذا فسر

ص: 406

باستكتبها أي طلب كتابتها فأمليت عليه. قوله: (لأفه الخ) بيان لكونه كلام رب

العالمين لا بعض أساطير الأوّلين. وقوله: فلذلك الخ بيان لمطابقة الخاتمة للمعنى فإنه كان الظاهر إنه عليم ونحوه بأنّ ما تقدمه في معنى الوعيد فعقبه بما يدل على قدرته على الانتقام منهم كناية لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر أو هو تنبيه على استحقاقهم للعذاب ولكنهم لم يعاجلوا به لمغفرته ووحمته. قوله تعالى: ( {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} الخ) في الكشاف وقعت اللام مفصولة عن هذا في خط المصحف وهو سنة لا تغير وكذا هي في مواضع أخر ذكرت في شرح الرائية والاستهانة تؤخذ من الإشارة المفيدة للتحقير والتهكم من تسميته رسولاً لأنهم أرادوا ما لهذا الزاعم أنه رسول وقوله يأكل الطعام جملة حالية ويجوز فيها الاستئناف. وقوله: لطلب المعاس إشارة إلى أنّ مشيه في الأسواق كناية عن الاحتياج المنافي للرسالة بزعمهم والعمه في البصيرة كالعمى في البصر فقوله وقصور الخ تفسير له أو هو بمعنى الحيرة والضلال. وقوله فإنّ الخ تعليل لقصور النظر والعمه. والأحوال النفسانية ما جبله الله عليه من الكمال. وضمير فيكون للملك ومعه للرسول صلى الله عليه وسلم ويجوز عكسه وهو منصوب في جواب التحضيض. وقوله: لنعلم صدقه بيان لأنه ليس المرإد مجرد نزوله بل تصديقه له برؤيتهم له ومشاركته له في الإنذار وششظهر بمعنى يتقوّى وعدل إلى المضارع للدلالة على أنّ الكنز الملقى يبقى ويستمر عنده لعدم نفاده بخلاف الإنزال وكذا ما بعده. قوله: (هذا على سبيل التنزل) أي قوله أو تكون له جنة الخ وفي الكشاف إنّ أكل الطعام والمشي في الأسواق عنوا به أنه كان يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن اكل والتعيش وما بعده تنزل منهم عن ملكيته إلى صحبة ملك له يعينه ثم نزلوا عنه إلى كونه مرفودا يكنز ثم قنعوا بكونه له بستان فجعل الثلاثة تنزلاً والمصنف خصه بالأخير فخالفه لأنّ ما قبله استثناف في جواب سؤال هو أنه كيف يخالف حاله حالكم كما يشهد له قطعه عنه كما قيل وقيل إنه لا مخالفة بينهما وذكره التنزل هنا ليس لنفي التنزل فيا قبله بالكلية لأنّ ما قبله لا يدفع اعتراضهم بعدم مخالفتة لهم في ا! ل والمشي

إذ هي غير لازمة من الإنزال والإلقاء بل المعنى إن لم توجد المخالفة فهلا يكون معه من يخالف فيهما فإن لم توجد فهلا يخالفنا في إحداهما. وهو طلب المعاش برفع الاحتياج بالكلية فإن لم توجد فلا أقل من رفعه في الجملة بإيتاء ما يتعيش بريعه وهذا وإن احتمل فتصريحه بالتنزل في الأخير يفهم منه أنّ ما كبله بخلافه وأمّا القطع فيكفي فيه الاستئناف وان لم يقدر سؤال والريع ما يتحصل منه والدهاقين جمع دهقان وهو صاحب الصنعة والزراعة وهو معرب ده جان أي رئيس القرية وما في كما موصولة واقعة على البستان وهو معروف، والمياسير جمع موسر بمعنى غني وقراءة النون في نأكل. قوله:(وضع الظالمون الخ) يعني كان الظاهر أن يقول قالوا فوضع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أنّ قولهم: هذا لوضعه في غير موضعه ظلم عظيم ويحتمل أن يكون المراد الظالمون منهم وقوله: ما تتبعون يعني أنّ إن نافية. قوله: (سحر فغلب على عقله) يعني المراد بالسحر ما به اختلال العقل والسحر بفتح السين وسكون الحاء وقد تفتح الرئة يعني أنه للنسب كتامر ولابن ومفعول كفاعل يأتي للنسب. والمراد به أنه بشر لا ملك كما ذكره المصنف رحمه الله وأما كون المراد به أنه ساحر كقوله حجاباً مستورا فبعيد. قوله: (قالوا فيك الأقوال الشاذة) أي المستغربة المستبعدة لكون مثلها لا يصدر إلا عن جاهل أحمق لأنّ الشاذ النادر كذلك فهو مجاز لكون ما يضرب به المثل كذلك غالباً وقوله: عن الطريق الموصل الخ يعني أنهم أخطؤوا طرق الهداية والرشد إذ لم يعرفوا النبي صلى الله عليه وسلم الدال على ذلك فلم يصلوا إلى ما يرشدهم والمميز بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره هو المعجزة ولا يلزم تجرده عن صفات البشر وكونه ملكاً وخبطوا خبط عشواء مثل لسلوك ما لا يليق وأصل الخبط ضرب اليد أو الرجل على الأرض أو نحوها والعشواء الناقة التي لا تبصر ما أمامها. قوله: (إلى القدح في نبوّتك الخ) يعني أنهم يريدون القدج فيك بما ذكر فلا يأتون به ولا يفيد قدحهم قدحا إلا في عيونهم ولذا نفاه بطريق أبلغ لأنّ نفي سبيل الشيء الموصل إليه أبلغ من نفيه فهو كقوله: على لا حب لا يهتدى بمناره

ولا فرق بين هذا وبين كون الفاء تفسيرية والمراد بالسبيل ما يوصل إلى معرفة

ص: 407

خواص النبي صلى الله عليه وسلم فتأمل. قوله: (في الدنيا) قيده به لمناسبة ما ذكره الكفار ولأن ما في الآخرة محقق لا

يناسبه إن وكونها بمعنى قد تعسف وذلك إشارة إلى الكنز والجنة. وقوله: لأنه تعليل للتأخير والضمير لما في الآخرة وأبقى تفسير للخيرية. قوله: (عطف على محل الجزاء) وهو الجزم وهو يحتمل الرفع أيضا على أنّ التسكين للإدغام وقوله: والرفع لأنه لما لم يظهر أثره في الشرط الملاصق له لم يؤثر في الجزاء وليس على حذف الفاء كما ذهب إليه المبرد ولا الجواب محذوف وهذا على نية التقديم كما ذهب إليه سيبويه وينبني على الخلاف جواز جزم المعطوف وتفصيله مذكور في كتب العربية. وهل رفع الجواب لازم أو جائز قولان للنحاة أيضا. والبيت المذكور لزهير من قصيدة مدح بها هرم بن سنان. وقوله: خليل من الخلة بالفتح وهي الفقر والمسغبة مصدر ميمي من السغب وهو الجوع وحرم كحذر بمعنى فاعل للحرمان أي لا أتعللى على سائل ولا أحرمه فالتقدير ولا أنا حرم. وقيل: إنه صفة المال يقال مال حرم إذا كان لا يعطي منه شيء. قوله: (وبجوز أن يكون استئنافا) والواو استئنافية لا عاطفة وعدل عن المضيّ لأنه مستقبل في الآخرة والظاهر أنّ الاستئناف بالواو ليس جوابا لسؤال هو كيف حاله في الآخرة كما قيل. قوله: (وقوئ بالنصب على أنه جواب بالواو) هذه قراءة شاذة والنصب بعد الشرط والجزاء ذكره سيبويه. وقال إنه ضعيف قال السيرافي: لأنه لكون الشرط غير مجزوم أشبه الاستفهام وقيل إنه شبيه بالنفي وقد سمع من العرب كقول الأعشى:

ومن يغترب عن قومه لم يزل يرى مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا

وتدفن منه الصالحات وان يسيء يكن ما أساءالدهرفي رأس كوكبا. 0.

وتفصيله في شرح الكتاب والتسهيل. قوله تعالى: ( {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} الخ) إضراب انتقاليّ وهو إمّا عطف على ما حكي عنهم يقول بل أتوا بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة وجوز أن يتصل بما يليه كانه قيل بل كذبوا بالساعة فكيف يلتفتون إلى هذا الجوأب وكيف يصدقون بتعجيل ما وعدك الله في الآخرة وهم لا يؤمنون بها كما في الكشاف والى هذا أشار المصنف بقوله فقصرت أنظارهم الخ إشارة إلى الوجه الأوّل وأنه معطوف على مقولهم وقوله: تبارك كالمعترض وظنهم أنّ الشرف مقصور على الدنيوي والطعن بالفقر إشارة إلى ل، في كلامهم من إنكار مشيه في الأسواق لظنهم أنه لاحتياجه وتمنيهم أن يكون له كنز أو جنة والحطام بالضم كالحطامة ما يكسر من الشيء فاطلق على متاع الدنيا لكونه متغيراً فانيا ويحتمل أنه جمع حطامة فلذا أنث صفته وقوله أو فلذلك الخ أي لأجل نظرهم إلى الدنيا ناظر إليه أيضاً

وقوله أو فكيف الخ ناظر إلى الثاني. وقوله: أو فلا تعجب الخ ناظر إلى كونه إضرابا عن جميع ما قبله فهو وجه ثالث وقيل إنّ قوله فقصرت الخ على كونه معطوفا على قوله تبارك وقوله: أو فلذلك على عطفه على قوله: (وقال الذين كفروا) وقوله: أو فكيف على عطفه على تبارك وقوله: أو فلا تعجب على عطفه على قوله وقال إلى آخره وفيه نظر وقوله: (ويصدقونك الخ) الوعد في قوله إن شاء الخ كما مر وقوله: فإنه أي التكذيب بالساعة والأعجبية لأنهم أنكروا قدرة الله على الإعادة مع ما شاهدوه في الأنفس والآفاق وهو أهون عليه وليس ذلك لأنه تكذيب لله لعدم إيمانهم وسماعهم بذلك منهء قوله: (نارا شديدة الاستعار) أي التوقد والالتهاب فهو نكرة ولذا دخلت عليه الألف واللام. ولذا مرض كونه علما لجهنم والشدة من صيغة فعيل فإنها للمبالغة والتأنيث باعتبار النار فإذا كان علما كان فيه التأنيث والعلمية فالظاهر حينئذ منع صرفه لكنه صرف لتأويله بالمكان أو للتناسب ورعاية الفاصلة وتأنيثه بعده للتفنن. قوله: " ذا كانت بمرأى منهم) أي قريبا منهم وفي شرح الكتاب للسيرافي قول العرب أنت مرأ! ومسمع رفعوه لأنهم جعلوه هو الأوّل حتى صار بمنزلة قولهم أنت مني قريب وبعضهم كنصبه فيقول مرأى ومسمعاً فيجعله ظرفا لأنهم لما قالوا بمرأى ومسمع ضارعه الأوّل فلذا نصب على الظرفية وإنما أوّله بما ذكر لأنها لا تتصف بالرؤية ونحوها مما للحيوان ولذا قيل إنّ المراد رأتهم زبانيتها. ومنهم من قال لا حاجة إلى التأويل وانه يجوز أن يخلق الله

ص: 408

في النار حياة فيكون إسناد الرؤية والزفير والتغيظ إليها حقيقة لأنّ الحياة غير مشروطة بالبنية عند أهل السنة مع أنّ ذلك الشرط محل نظر ليس هذا محل تفصيله. قوله: (لا تتراءى ناراهما) هو نهي للنار والمراد نهي صاحبها. وفي النهاية معناه يجب على المسلم أن يباعد منزله عن منزل المشرك ولا ينزل بمنزل إذا أوقدت نار فيه يراها الآخر فإسناد الرؤية إلى النار فيه ليس على حقيقته كما في الآية ولذا استشهد به إشارة إلى أنه تجوّز معروف كنار على علم كما أشار إليه. وجهنم مؤنث سماعي باعتبار البقعة وقوله: على المجاز إمّا بأن يجعل استعارة بالكناية بتشبيه النار بشخص أو هو تمثيل أو مجاز مرسل. وقوله: لا تتقاربان بيان لحاصل المعنى المتجوّز عنه وقوله: لأنه بمعنى النار وهو لف ونشر على تفسيري السعير وأوّل الحديث إنّ المؤمن والكافر ويجوز أن تكون لا نافية. قوله: (هو أقصى ما يمكن أن يرى منه) هو معنى البعد مع الرؤية وقوله صوت تغيظ الغيظ أشد الغضب والتغيظ هو إظهار الغيظ وقد يكون مع صوت كما

في هذه الآية قاله الراغب وإليه أشار المصنف. وقيل إنه أراد بالسماع مطلق الإدراك أو هو من قبيل متقلدا سيفا ورمحا فيقدر وأدركوا تغيظاً وزفيرا. قوله: (شبه صوت غليانها) على أنّ الاستعارة تصريحية أو مكنية أو تمثيلية كما يظهر بأدنى تأمّل والبنية الجسد واشتراطها بذلك ممنوع وأمّا كون نار الآخرة ذات بنية فمكابرة وقوله: على حذف المضاف أو الإسناد المجازي. وقوله: في مكان إشارة إلى أنه منصوب على الظرفية. وقوله: تقدم فصار حالاً قاعدة كلية. وهي أنّ كل جار ومجرور بعد نكرة فهو صفة فإذا تقدمت صارت حالاً. وجوّز بعضهم تعلقه بالقوا وقوله: لزيادة العذاب بيان لوجه ضيقه. والروح بالفتح الراحة وقوله: يتمنون الخ يعني المراد بالدعاء هنا النداء والنداء مجاز عن التمني فانه قد يستعمل له كما صرحوا به في نحو:

يا نسيم الشمال بلغ سلامي

لكن إذا كان التمني على ظاهره بان تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل أشد

من الموت مما يتمنى معه الموت فظاهر. وان كان مجازا كما قرروه في قوله يا حسرتا على ما فرّطت فلا يخلو من إشكال غير كونه مجازا على المجاز فتأمّل. قوله: (فيقال) يعني أنه معمول لقول معطوف على ما قبله واضماره كثير جائز وقوله: لأنّ الخ يعني كثرته لتعداد أنواعه المتوالية وقوله: كل نوع الخ فالمراد بالثبور المهلك وان كان أصل معناه الهلاك فالحاصل أنّ كثرته بتوالي أنواعه وقوله: أو لأنه يتجدد إشارة إلى جواز اتحاده فكثرته باعتبار تجدد أفراده وقوله: أو لأنه لا ينقطع فكثرته كناية عن دوامه لأنّ الكثير شانه ذلك كما قيل في ضده وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة. وقيل المراد بكون كل نوع منها ثبوراً أنها محل وسبب للدعاء بالثبور أو الدعاء بألفاظ ثبور كثيرة كيالهفاه ويا حسرتاه. فوصف الثبور بالكثرة لكثرة الدعاء أو المدعوّ به وهو لا يناسب النظم ولا كلام المصنف رحمه الله لأنه كان الظاهر حينئذ أن يقال

دعاء كثيرا. قوله: (الإشارة) يعني بقوله. ذلك والمراد بالعذاب النار المذكورة قبله وإنما سماها عذابا لتذكير اسم الإشارة والدليل على إرادتها أنها هي التي تقابل جنة الخلد فلا وجه لما قيل إنّ الإشارة للسعير أو المكان الضيق مع أنّ المآل واحد والتفضيل في قوله خير ولا شك أنه لا خيرية في النار فكونه تهكماً وتوبيخا ظاهر. قوله: (أو إلى الكنز والجنة) في قولهم أو يلقي إليه كنز الخ بتأويل ما ذكر والعائد المحذوف تقديره وعدها لتعديه لمفعولين وقوله: واضافة الخ يعني مع أنّ نسبة الإضافة معلومة والمدح يكون بما هو معلوم فلا منافاة أو أنّ ذلك غير معلوم للكفرة فأضيف للدلالة عليه ولا يخدشه قوله خالدين بعده لأنه للدّلالة على خلود أهلها لا خلودها في نفسها وان تلازما أو هو لدفع احتمال أن يراد بها جنات الدنيا وقيل إنها علم كجنة عدن. قوله: (في علم الله الخ) تفسير للمضي بأنه باعتبار ما ذكر أو المراد أنها ستكون فهو وعد من أكوم اكرمين لكنه لتحققه فإنه لا يخلف الميعاد عبر عنه بالماضي على طريق الاستعارة ويجوز أن يكون هذا باعتبار تقدم وعده في كتبه وعلى لسان رسله عليهم الصلاة والسلام كقوله: {مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ} . قوله: (بالوعد) أي بمقتضاه لا بالإيجاب. وقوله: ولا يمنع الخ جواب عن استدلال المعتزلة بهذه الآية على مذهبهم من وجوب الثواب لمن اتقى والعذاب لغيره لما فيها من لام الاختصاص وتقديم الجار والمجرور وجعل ذلك لمن اتصف بالتقوى

ص: 409

فرده بأنه على تسليم ما ذكر فالمختص بهم كونه جزاء لهم بمقتضى وعده فلا ينافي كونه لغيرهم بفضله أو المراد بالمتقي المؤمن لاتقائه النار بإيمانه كما مر في مراتب التقوى ويدل عليه مقابلته بالكافر في النظم أو المختص بهم دخولهم ابتداء دون سبق عذاب وكلامه واضح إلا قوله برضاهم فإنه اعترض عليه بأنه مخالف للمذهب فإنه تعالى يتصرف كيف يشاء من غير اشتراط رضا أحد وقد يفسر رضاهم برضا الله عنهم فتأمّله.

قوله: (ما يشاؤونه) إشار إلى أنّ ما موصولة حذف عائدها. وقوله: يقصرهمّ أي ما يهتم

به ويريده وفي نسخة همم جمع همة وهو جواب عما يقال: إنّ عموم الموصول يقتضي أنه إذا شاء أحد رتبة من فوقه كالأصفياء والأنبياء عليهم الصلاة والسلام نالها وان يقبل شفاعتهم لأهل النار وقوله: شيئاً مما يدركه الكامل في نسخة شيئاً مما للكامل وهما بمعنى والتشهي تكلف شهوة ما لا يليق به. ووجه التنبيه تقديم الخبر وفيها المفيد للحصر وقوله: إذ الظاهر تعليل

لقصر همهم وذلك بصرف الله لهم عن ذلك ورؤية كل أحد أنّ ما هو فيه ألذ الأشياء. قوله: (حال من أحد ضمائرهم) أو من المتقين قيل جعله حالاً من الأوّل يقتضي كونها حالاً مقدّوة ومن الثالث يوهم تقييد المشيئة بها فخير الأمور أوسطها وقد رجح الثالث لقربه وما ذكره من التقييد غير مخل بل مهم. قوله: (الضمير في كان الخ) أو للخلود وقيل إنه ليحصل لهم فيها ما يشاؤون أوله ولكونه جنة الخلد جزاء ومصيرا والإفراد باعتبار ما ذكر. ولا يخفى أنه معنى رجوعه إلى الوعد أو الموعود المفهوم من الكلام وقوله: حقيقاً الخ فهو كناية عن كونه أمراً عظيما من شانه أن يطلب ويتناف! فيه وعلى الوجه الآخر فهو على ظاهره. وقوله ربنا الخ بدل من دعائهم أو مقول قول دل عليه الدعاء. ويحتمل أنه لم يقل لقولهم كما في الذي بعده لتوهم أنه دعاء منه. وهذا على كون وعدا خبرا بمعنى موعود فعلى ربك متعلق بكان أو بمقدّر لا بوعداً للمنع من تقديم معمول المصدر عليه عندهم وان كان خبرا فوعدا مصدر مؤكد. وقوله: أو الملائكة معطوف على الناس والمسؤول هنا وإن كان ما يشاؤونه لا الجنة نفسها كما في قوله: (ربنا وأدخلهم جنات عدن) فإنها معروفة بأنّ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فلا يرد عليه أنه كيف يصح التفسير به. قوله: (وما في على) مبتدأ خبره لامتناع الخلف يعني على للإيجاب وليس يجب على الله شيء عندنا لاستلزامه سلب الاختيار وأن لا يكون محمود التعلق الحمد والثناء والجميل الاختياري فاجاب بأنّ الممتنع على الله إيجاب الإلجاء والقسر من خارج لأنه هو السالب للاختيار. وأمّا ما أوجبه على نفسه بمقتضى وعده وكرمه فلا ضير فيه وحاصله أنّ الوجوب الناشىء من إرادته لا ينافي القدرة والاختيار وما قيل اللازم الوجوب على الله وما صححه المصنف رحمه الله هو الوجوب منه ففي كلامه إشارة إلى دفعه بأنّ الأوّل مستعار للثاني بجامع التأكيد واللزوم بقرينة الوعد والسؤال لأنّ سؤال الواجب عبث لتحتم وقوعه وأمّا دفعه بأن الأوّل يستلزم الثاني فلذا اهتم به فليس بشيء لظهور فساده. قوله: (فإنّ تعلق الإرادة بالموعود الخ) حاصله أنه إذا أراد خيرا ووعد به بعد ذلك وعد ألا يخلفه كانت إرادته سابقة على لىلجابه منه فلا يتصوّر الإلجاء فيه أصلا والوعد إن كان حادثاً فظاهر وان كان قديما بان كان بالكلام النفسيّ فالتقدم والتأخر بحسب الذات وهو لا يستلزم الحدوث أو يقال الحادث بالإرادة تعلقه بالموعود به وأمّا كون إراد الموعود تستلزم حصوله فلا معنى للوعد به فليس بشيء. قوله: (ويوم نحشرهم) متعلق باذكر مقدر معطوف على تل وكسر الشين قليل في

الاستعمال قويّ في القياس لأنه أكثر في المتعدي وما يعبدون معطوف على مفعول نحشرهم وليست الواو للمعية. وقوله يعم كل معبود الخ سواه معنى قوله: من دون الله وقوله: لأنّ وضعه أعم هذا على مذهب ولا ينافيه عدم ارتضائه له في موضحع آخر والوصف بناء على أنه إذا أريد به الذات اختص بغير العقلاء وإذا أريد الوصف لا يختص! كما في قوله: وما بناها فهو بمعنى المعبودين وقد مر تحقيقه. قوله: (أو لتنليب الأصنام) غير العقلاء على غيرهم من العقلا واعترض عليه بأنّ التحقير لا يليق بشأن المغلب عليهم وهم الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام وأجيب بأنّ المراد بالتحقير بعدهم عن استحقاق العبادة وتنزيلهم منزلة ما لا علم له ولا قدرة فلا نسلم أنه بهذا المعنى غير لائق وهو لا يدفع ما في عبارة التحقير وكون

ص: 410

التحقير للأصنام لا يناسب تغليبهم. قوله: (أو اعتبار الغلبة عبادها) يعني أنّ كثرة عبادها وعبادتها مستلزمة لكثرتها ومنزلة منزلتها والأكثر يغلب على الأقل وقوله: يخص معطوف على قوله: يعم فما أطلقت على العقلاء إمّا على أنها تطلق عليهم حقيقة أو مجازا أو باعتبار الوصف وقرينة السؤال والجواب لاختصاصها بالعقلاء عادة وان كان الجماد ينطق يومئذ فلا اعتراض عليه أو المراد بها الأصنام. وهي من غير العقلاء. وقوله: ينطقها الخ جواب عما ذكره من القرينة ويؤيده أنّ السياق فيهم وقوله: كما الخ تنظير لهما. قوله: (وهو على تلوين الخطاب (المرإد به الالتفات من التكلم إلى الغيبة وإن كان أعم منه وعلى قراءة ابن عامر وهو بالعكس وفيه نظر والنكتة أنّ الحشر أمر عظيم مناسب لنون العظمة بخلاف القول واضافة عبادي للترحم أو لتعظيم جرمهم لعبادة غير خالقهم وهؤلاء بدل منه والمرشد الرسول والكتاب. قوله: (لأنه لا شبهة فيه) أي في الفعل وهو الضلال والعتاب بالتاء المثناة الفوقية من الاستفهام التوبيخي وما يلي الهمزة هو المسؤول عنه حقيقة أو حكما والسؤال عن الفاعل يقتضي أنّ الفعل مسلم والمراد بالصلة صلة ضل وهي عن يعني لم يقل عن السبيل للمبالغة فإن ضله بمعنى فقده وضل عنه بمعنى خرح عنه والأوّل أبلغ لأنه يوهم أنه لا وجود له رأسا. قوله: (تعجباً مما قيل لهم)

قد مر تحقيق سبحان واستعماله للتعجب في الإسرأء. وقوله: قالوا جواب لقوله فيقول: أأنتم الخ وعدل إلى المضي للدلال على تحقق التبرئة والتنزيه وأنه حالهم في الدنيا وأمّا دلالته على الاهتمام بما به الإلزام فلا. وقوله: لأنهم إمّا ملائكة الخ هو على الوجه الأوّل من عموم ما وقوله أو إشعار الظاهر أنه على تخصيصه بالعقلاء كما سيأتي وقوله: لا تقدر بالمثناة الفوقية مسنداً إلى ضمير الجمادات أو بالتحتية مسندا إلى ضمير الجماد الذي في ضمنها ولا وجه لاستبعاد.. قوله: (أو إشعارا) مر أنه على تخصيصه بالعقلاء منهم كالمسيح وأما تعميمه بناء على أنّ المراد بالتسبيح ما مر في قوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} [سورة الإسراء، الآية: 44] فقوله: الموسومون يأباه وان لم يلاحظ فيه الحصر فإن لوحظ فيه فهو أشد إباء لا لكونه يجامع الإضلال كما في الشياطين الإنسية والجنية كما توهم. وأمّا منع إق الشياطين مسبحة مطلقا وهو ظاهر في منكر إلا له كالدهرية فليس بشيء. قوله: (أو تنزيهاً لله عن الأنداد) ذكر في سبحانك ثلاث معان الأوّل إنه تعجب لأنه كثيراً ما يستعمل فيه والثاني إنه كناية عن كونهم مسبحين موسومين بذلك فكيف يليق بهم أن يضلوا عباده. والثالث أنه مستعمل في التنزيه فهو على ظاهره والمراد تنزيهه تعالى عن الأنداد وعلى الوجوه يتم الجواب وقوله يصح لنا مر تفصيله في سورة النور. قوله: (للعصمة أو لعدم القدرة) متعلق بينبغي المنفي أو بالنفي ولو علل بأنه لا معبود سواه كان أنسب بالتسبيح والأوّل ناظر إلى الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والثاني إلى الأصنام والجمادات. وقوله: فكيف الخ لهما لأنّ العصمة وعدم القدرة مانعان عنها وقوله أن نتولى الخ مفعول ندعو والتقدير إلى أن الخ أي نحن لا نعبد غيرك فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا كما دعتهم الشياطين واتخذوهم أولياء أي عباداً فليس الظاهر فيه العطف كما توهم. قوله: (من اتخذ الذي له مفعولان) فمفعوله الأوّل ضمير المتكلم القائم مقام الفاعل والثاني من أولياء ومن تبعيضية لا زائدة أي لا تتخذونا بعض أولياء وتنكير أولياء من حيث إنهم أولياء مخصوصون وهم الجن والأصنام كما في الكشف ولم يجوّز زيادة من في المفعول الثاني كما أشار إليه المصنف لأنه مع كونه خلاف الظاهر فيه ما سيأتي ولذا قيل لأنه محمول على الأوّل فيثغ بشيوعه ويخص كذلك فجعل من تبعيضية وجاء الأشكال في تنكير أولياء فأجاب بأنه للذلالة على الخصوص وامتيازهم بما امتازوا به وهو للتنويع على الحقيقة وأورد عليه أنا لا نسلم انّ المحمول يخص بخصوص الموضوع فإنه في قولنا زيد حيوان وجسم باق على عمومه كما تقرر وأجيب بأنّ مراده أنه إذا كان محمولاً لا يراد صدقه على غيره فيشيع ويخص كذلك

في الإرادة وذلك لا ينافي عمومه في نفسه مع خصوص الموضوع وقيل إنه لا يناسب مع إمكان الاتحاد بخلاف ما ذكره من المثال وقوله: من أولياء من مقابلة المتعدد بالمتعدد كأنه قيل ما يصح لواحد منا أن يتخذ وليا من أولياء فلا يرد أنّ نفي المتعدد فيه بجامع ثبوت الواحد وهو خلاف الظاهر. وقال الطيبي رحمه الله: أجاز ابن جني أن تزاد

ص: 411

من المفعول الثاني وأبي الزجاج أن تزاد إلا في الأوّل وصاحب النظم أن تزاد إلا في مفعول واحد وبنى المصنف رحمه الله كلامه على كلام الزجاج فجعلها تبعيضية ولا حاجة إليه لعمومها وإذا كانت من تبعيضية فلم نكر أولياء لأنّ المعنى ما صح للكفار أن يتخذونا من دونك بعض أوليائهم لكن لما كان القائلون هم الملائكة والأنبياء تعين أن يكون الباقي الجن والأصنام لأنّ المعبودين محصورون في هؤلاء وقال السجاوندي مفعول نتخذ من أولياء أي حسبة من أصفياء. والمعنى ما ينبغي لنا أن نحسب من بعض! من يصلح للولاية فضلاً عن الكل فإنّ الوليّ قد يكون معبودا ومالكا ومخدوما ويجوز على هذه القراءة أن يكون مما له مفعول واحد ومن دونك صلة ومن أولياء حالاً كما أنه على القراءة الأولى يجوز أن يكون مما له مفعولان الأوّل هذا بزيادة من والثاني من دونك وعلى ما ذكره يكون حالاً ليحرّر. قوله: (وعلى الأول مزيدة لتكيد النفي (لأنها يحسن زيادتها بعد النفي والمنفي كان لكن هذا معمول معمولها فينسحب النفي عليه واتخذا ما متعدّ لواحد أو لاثنين وقوله وآباءهم ذكر لأنّ له مدخلاً في الغفلة ولكن استدراك على ما يفهم مما قبله من إنا لم نضلهم. وقوله: عن ذكرك فالألف واللام للعهد أو بدل من الإضافة والذكر بمعناه المعروف أو المراد به التوحيد وعلى الأوّل ما بعده بمعنى التذكير لنعم الله وآيات ألوهيته وفي نسخة أو التدبر ولها وجه. قوله: (وهو نسبة للضلال إليهم) أي هذا القول ممن عبدوه فيه نسب الضلال إليهم لكسبهم له. وقوله: واسناد له أي للضلال والحامل الذي فعله الله تمتيعهم وهو ردّ على الزمخشريّ وغيره من المعتزلة المستدلين بهذه الآية على أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم وانه لا يجوز إسناد خلق القبائح إليه تعالى ولذا لم يقولوا أنت أضللتهم وانه إذا أسند إليه فهو مجاز عن تمكينهم منه وخلق ما يحملهم عليه فيهم وأنّ تأثير هؤلاء من إسناده إليهم كيف يسند إليه تعالى وقد شنع الزمخشري عليهم بهذا فأشار إلى أنّ إسناده إليهم لكسبهم له. وخلق ما يحملهم عليه ليس مما لأهل السنة فيه نزاع ولم يتعرّض لردّ ما ذكره لأنه معلوم من مسألة الحسن والقبح وأنه فن حيث صدوره عنه ليس بقبيح فعلمه بالطريق الأولى ظاهرا البطلان فلا قصور في كلامه كما توهم وقوله فحملهم فاعله ضمير مستتر عائد على فعل. قوله: (وكانوا الخ) جملة حالية بتقدير قد أو معطوفة على مقدر أي كفروا وكانوا الخ أو على ما قبلها.

وقوله: في قضائك توجيه للمضي. وقوله: مصدر أي لبار بمعنى هلك توجيه لافراد. وهو خبر عن جمع ويؤيده راتق ما فتقت إذ أنابور والعوز بالعين المهملة والذال المعجمة جمع عائد وهي الحديث النتاح من الظباء والإبل والخيل. وقوله: التفات أي من الغيبة إلى الخطاب والفاء فجائية فصيحة أي فقلنا إن قلتم إنهم أضلونا إذ عبدناهم فقد كذبوكم الخ أو لا حاجة لتقدير القول إلا أنه لمجرّد التحسين كما قيل وتسيمة الفاء الفصيحة فجائية ذكره الزمخشريّ هنا ووجهه ظهر. قوله: (في قولكم الخ) إشارة إلى أنّ الباء ظرفية وما مصدرية والجار والمجرور متعلق بالفعل والقول بمعنى المقول ويجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف. وقوله: إنهم الخ مقول القول. وقوله: بدل من الضمير لأنّ كذب يتعدى بنفسه وبالباء أيضاً أو هي زائدة حينئذ وهو بدل اشتمال وقوله بقولهم الخ إشارة إلى أنّ ضمير يقولون على هذا للمعبودين وقد كان للعبد والباء على هذا للملابسة أو الاستعانة ثم إنه اعترض! ما قدره مقولاً للقول بأنه لا تعلق له بما بعده من عدم اسنطاعتهم الصرف والنصر ولا يخفى تعلقه به على القراءة الثانية لأنّ عدم استطاعتهم لذلك يتفرع على كذبهم وأمّا على الأولى فالتفريع على كونهم ليسوا بآلهة وعلى ما تضمنه وهو ظاهر فلا حاجة لتكثير السواد بمثله وقراءة ابن كثير في رواية عنه وجعل الضمير للمعبودين وقد جوّز فيه كونه للعابدين التفاتا. قوله: (دفعا) أصل الصرف رد الشيء من حالة إلى حالة أخرى فلذا اختار تفسيره الأوّل لأنه حقيقته وتسمية الحيلة به لأنها تؤذي إليه. وقيل: إنها تخصيص للمطلق دون قرينة فلذا ضعفه وقد تطلق على التوبة والفرية وبه فسر هنا أيضا. وقوله: فيعينكم الخ إشارة إلى أنّ الصرف قبل نزوله والنصر بعده وضمير يعينكم للناصر المفهوم منه أو للنصر على الإسناد المجازي وكونه جمع ناصر كصحب لا وجه له.

ص: 412

قوله ة (أيها المكلفون الم يجعل الضمير للكفار بقرينة السياق كما قيل لأنه يحتاج إلى تأويله بيدم على الظلم إن أريد به الكفر فإن أريد به غيره فذكر تعذيب الكفار لغيره تهديداً خلاف الظاهر وان ذهب إليه بعضهم وليس فيه إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بالظلم في شركهم وافترائهم على الرسول صلى الله عليه وسلم بناء على أنّ أصله ونذقه أو نذقكم على القراءتين كما قيل فتأمّل. قوله: (هي النار (الضمير للعذاب وأنث للخبر وقوله والشرط أي من يظلم وقال أو فسق وإن

كاق المناسب للعموم الواو لتقسيم على سبيل منع الخلوّ وفي قوله: إن إشارة إلى أنه يجوز تخصيصه بالفرد الكامل وهو الكفر فلا يحتاج إلى التقييد وأن يراد أنه يستحق ذوق العذاب فلا يلزم وقوعه. وقوله: وفاقا أي مناو من المعتزلة والتوبة شاملة للكفر والفسق وكان الأولى ترك فوله إجماعا وإن كان يمكن صرفه إلى ما اتفق عليه لأنّ إحباط الطاعة إذ زادت لغيرها من الكبائر إذا لم يتب عنها غير مسلم عند بعفى المعتزلة. وقوله: عندنا أي معاشر أهل السنة. قوله: (إلا رسلَا أنهم الخ) يعني أنّ جملة إنهم الخ صفة لموصوف محذوف وكسرت إن لوقوعها ابتداء ولوقوع اللام بعدها أيضا وقرىء شاذا بفتحها عن زيادة اللام وتقدير لأنهم. وقوله: رسلاً هو الموصوف المقدو وصفته جملة إنهم كما صرّج به. وفي الكشاف إنّ هذه الجملة صفة ثانية لموصوف مقدر قبل قوله من المرسلين. والمعنى ما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا آكلين وماشين ولم يقا- ر المصف قبل قوله: من المرسلين شيثا أمّا لأنه لا حاجة إليه أو لأنه يقدره كما قدره الزمخشريّ وعدل عما في الكشاف قيل: لأنّ فيه فصلاً بين الصفة والموصوف بالا وقد ردّه أكثر النحاة كما في المغني فجعله صفة لمحذوف بعد إلا هو بدل مما حذف قبله وأقيمت صفته مقامه فلم تفصل إلا بين الصفة والموصوف بل بين البدل والمبدل منه وهو جائز فلا يرد عليه أنه مخالف لما قدمه في سورة الحجر من عدم جواز التفريغ في الصفات وما وقع في شرح المفتاح من أنه لا خلاف في جر بأن الاستثناء المفرّغ في الصفة مثل ما جاءني رجل إلا كريم مردود كما صرّح به شارح المغني وتأويله تعسف وما قيل إنّ المصنف رحمه الله أشار إلى تقدير موصوف لقوله من المرسلين كما في الآية المستشهد بها لأنّ تقديرها ما أحد منا خبط وخلط فتدبر. قوله: (ويجوز أن تكون حالاً الغ) مستثنى من أعم الأحوال وهذا منقول عن ابن الأنباري لكنه قدر الواو معه والمصنف رحمه الله أشار إلى أنه قد يكتفي بالضمير وما مرّ في سورة الأعراف من أنّ الاكتفاء بالضمير غير فصيح قد مرّ ما فيه وقد يحمل ذلك على غير المقترن بالا لأنه في الحقيقة بدل فلا يرد عليه شيء. وقوله: وهو جواب لغوي حقيقي. قوله: (وقرىء يمشون) أي بتشديد الشين المفتوحة مع ضم الياء وهي قراءة عليّ كرّم الله وجهه وعبد الرحمن بن عبد الله رضي الله عنه وهو للتكثير كما قال الهذلي:

يمشي بيننا حانوت خمر

كما في المحتسب وقوله: حوائجهم الخ عن الإسناد المجازي هو إشارة إلى الفاعل المحذوف. قوله: (ابتلاء) أي اختباراً لمن يصبر وغيره وهو معنى الفتنة كما مرّ وقوله ومناصبتهم الخ المناصبة لهم العداوة من قولهم نصب له إذا عاداه وأصله من نصبت الشبكة للصيد وإيذائهم بمعنى أذاهم كما ذكره الراغب وغيره. وقوله: في القاموس لا يقال إيذاء خطأ. قوله: (وفيه دليل على القضاء والقدر) قال ابن السيد في مثلثاته قدر الله وقدره وقدره قضاؤه ومنهم من يفرق بينهما فيجعل القدر تقديره الأمور قبل أن تقع والقضاء إنفاذ ذلك القدر بخروجه من العدم وهو الصحيح لما في الحديث من أنه يك! ح مر بحائط مائل فأسرع مشيه حتى جاوزه فقيل له أتفر من قضاء الله فقال صلى الله عليه وسلم: أفر من قضائه إلى قدره ففرق بينهما انتهى. وقيل القضاء الإرادة الأزلية المقتضية لوقوع المراد على وفقها والقدر تعلق تلك الإرادة للإيجاد أو نفس الإيجاد وقيل المبرم قضاء وغيره قدر ووجه الدليل أنه جعل أفعال العباد كعداوة الكفار وايذائهم وما مرّ بجعل الله وأرادته والمعتزلة ينكرون ذلك فالآية حجة عليهم واعترض عليه بأنه لا دلالة فيها لأنّ قوله: أتصبرون علة للجعل لا للتقدير ولا وجه له لأنّ الجعل هو الإيجاد والفتنة بمعنى الابتلاء وإن لم تكن من أفعال العباد مفضية ومستلزمة لما هو منها كالعداوة والإيذاء وارتباط هذا بما قبله لأنّ جعلهم آكلين

ص: 413

ماشين لا ملائكة لابتلائهم فتأمّل. قوله: (علة للجعل الخ) أي جعلنا ذلك لنبتلي الصابر من غيره ولذا قيل إنّ معادله محذوف أي أم لا تصبرون وجملة الاستفهام معموله للعلم المقدر المعلق عنها أي لنعلم أيكم يصبر أي ليظهر لكم ما في علمنا وتنظيره بالآية المذكورة في دلالة ما هو بمعنى الفتنة وهو الابتلاء على إرادة العلم كما مرّ إلا أنه مضمن ثمة ومقدر هنا فالتشبيه ليس من كل وجه. قوله: (أوجب عليهم الصبر) أي أتصبرون المراد منه الإيجاب والأمر بالصبر أي اصبروا فإني ابتليت بعضكم ببعض الغني بالفقير والشريف بالوضيع لذلك وفي نسخة أو حث على الصمبر بالحاء المهملة والثاء المثلثة فهو معطوف على قوله: علة والاستفهام للترغيب والتحريض. وقوله: افتتنوا بصيمخة المجهول. قوله: (لا ياملون) من أمل بالتخفيف بمعنى أمّل بالتشديد فإنه ورد عنهم كقوله: المرء يأمل أن يعب سش وطول عيشه قديضرّه

خلافا لمن أنكره كما ذكره ابن هشام في قول كعب رضي الله عنه:

والعفو عند رسول الله مأمول

وفي المصباح الأمل ضدّ اليأس وأكثر ما يستعمل فيما يبعد حصوله والطمع يكون فيما

ترب حصوله والرجاء بين الأمل والطمع فإنّ الراجي يخاف أن لا يحصل مأموله ولذ استعمل بمعنى الخوف فإن قوي الخوف استعمل استعمال الأمل كما يستعمل الأمل بمعنى الطمع انتهى فقد علمت أنه كما فرقت العرب في الاستعمال بين الرجاء والأمل ولذا قال زهير:

أرجو وآمل أن تدنو مودّتها

استعملت كلا منهما بمعنى الآخر ولذا سوى بينهما في القاموس وفسر أحدهما بالآخر

كما هنا. وفرق بينهما كما في قول ابن هلال في فروقه الأمل رجاء يستمر ولذا قيل للنظر في الشيء إذا استمرّ وطال تأمّل فلا وجه للاعتراض على تفسيره به ولا وجه للاعتذار عنه بما لا طائل تحته. قوله: (بالخير) متعلق بلقاءنا أو بيرجون أو هما تنازعاه والباء للسببية أو الملابسة وقوله لكفرهم تعليل لعدم الرجاء وقوله أو لا يخافون فالرجاء بمعنى الخوف كما في قوله:

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها

لأنّ الراجي لأمر يخاف فواته فاستعمل مجازا فيه وكون هذا لغة تهامة كما نقله الزمخشريّ وهو ثقة إمّا لأنهم لا يخصونه بهذا المعنى أو على أنه حقيقة عندهم وقول الرضي وغيره إنّ الترجي الارتقاب لمكروه أو محبوب لا يقضى عليه مع أنّ الكلام هنا في لفظ رج وكلام النحاة فيما يدلّ عليه كلعل فتأمّلى قال المرزوقي وضعوا الخوف موضحع الرجاء كقوله: ولوخفت أني إن كففت مسبتي تنكب عني رمت إن تتنكبا..-

والرجاء موضع الخوف كقوله. إذا لسعته الخ فما وقع للمحشي هنا من الاعتراض بكلام

النحاة خبط غريب منه. قوله: (وأصل اللقاء الخ) يعني أن أصله مقابلة الشيء ومصادفته لا المماسة ومن الوصول أو اللقاء الرؤية فإنه يطلق عليها والمراد هنا على المعنيين لقاء جزائه بطريق الكناية أو بتقدير مضاف فيه سواء كان الجزاء خيرا أو شرّا ومن تبعيضية. وقوله: ويمكن أن يراد به الرؤية أي في الآخرة وهو الظاهر لا لما قيل لئلا يخالف قوله أو نرى ربنا لأنه مع كونه غير مخالف له لا يضرّ لدلالته على كذبهم ثم إنّ وجه تخصيصمه بالأوّل إنّ الرؤية لا معنى لكونها مخوف بخلاف ما إذا كان بمعنى يأملون فلا وجه للقول بأنه لا وجه للتخصيص فتأمّل. قوله: (فتخبرنا) وفي نسخة فيخبرونا فهو كقوله: {لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} فيكون معه نذيرا. وقوله: وقيل الخ لعله إنما ضعفه لأن السياق لتكذيبه والتعنت في طلب مصدق له لا لطلب

ملك مستقل بدله وتكراره مع قوله سابقاً لولا أنزل إليه ملك الخ. لا يضرّ مع الأوّل في طلب ملك ينذر بما أنذر به وهذا في طلب ملك يقول إنه صادق في مدعاه أو يأمرهم بالتوحيد والإسلام وأمّا كون العادة الإلهية على إرسال الرسل من البشر فهم لا يسلمونه ولو علم فمرادهم التعجيز والعناد. قوله: (أي في شأنها الخ) يعني أنهم لتكبرهم استكبروا أنفسهم أي عدوها كبيرة لشان وخصوصية لها فنزل فيه الفعل لمتعدي منزلة اللازم كما في قوله: تجرح في عراقيبها نصلي وأصله من استكبره إذا عذه كبيراً عظيماً وفي الكشاف معناه أنهم أصروا الاستكبار في أنفسهم كقوله: إن في صدورهم اكبر وهو وجه آخر

ص: 414

أظهر مما ذكره المصنف وعدل عنه لأنّ ما ذكره أبلغ منه والمراد بالإفراد عظماؤهم وأكمل أوقاتها هو الوحي بالملائكة لا بإلهام ومنام ونحوه أو المراد به رؤية الملك جهاراً معايناً على صورته لأنه هو الذي اقترحوه وضمير أوقاتها للأفراد وأنثه لظاهر الجمع ولو قال أوقاتهم. كان أظهر ويمكن أن يقال الضمير للنبوّة المفهوم منه وما هو أعظم رؤية الله عياناً وهو بالواو وفي نسخة بأو جريا على ظاهر النظم وعلى الأولى يصح كون ما استفهامية أي وأيّ شيء أعظم من ذلك فيكون ما يتفق شاملاً لهما معا فلا يرد عليه أنه يفوت بيان فساد طلبهم الرؤية وكوفه أعظم مع أنه بعيد.

قوله: (بالغاً الخ) تفسير لقوله كبيراً وعتوّاً مصدر جاء هنا على الأصل وأمّ عتيا في سورة

مريم فللفاصلة كما مرّ تحقيقه وما عدت الخ أي منعت وهو ما مرّ ويحتمل أن يكون استكبروا وعتو الفا ونشرا لقوله: لولا أنزل الخ. وقوله: واللام أي في قوله لقد والقسم لتأكيد ما ذكر وتحقيقه ووجه حسن الاستئناف هنا أنه لما ذكر قبله أمر عظيم يقتضي إنكاره والتعجب منه وعدل عن مقتضى الظاهر فيه حتى كأنه لم يتمالك بعده إن ذكر شناعة فعلهم مؤكدة بالقسم فأفاد التعجب لوقوعه في موقع يقع في مثله التعجب وهذا أمر ذوقي والإشعار بالتعجب من السياق كما بيناه وما ذكره من الشعر نظيره وفي الكشاف وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب ألا ترى أنّ المعنى ما أشد استكبارهم وما أكبر عتوّهم وما أغلى ناباً بواؤها كليب. وقال الشارح: ونحوه قوله: كبر مقتا (وفيه بحث) لأنّ ما ذكر في النظم مسلم لأنه كقوله: لمن جنى جناية فعلت كذا وكذا استعظاما وتعجباً منه ومثله كثير في سائر الألسنة لكن البيت وما مثل به الشارح ليس من هذا القبيل لأنّ الثلاثي المحوّل إلى فعل لفظاً أو تقديرا موضوع للتعجب كما صرّح به النحاة وقد مرّ تفصيله في أوّل الكهف وهذا مما يتعجب

منه. قوله: (وجارة جساس البيت) من قصيدة لمهلهل وجساس لقب مرّة بن ذهل الشيباني قاتل كليب وجارته هي البسوس بنت منقذ التميمية وهي خالة جساس وقصتها معروفة والناب الناقة المسنة وأبأت القاتل بالقتيل إذا قتلته به قصاصا من البواء وهو التساوي. وقوله: غلت بالمعجمة أي! اأغلا! اإذا قل فيها كليب فهو محل الاستشهاد كما مرّ. ووقل: أو العذاب أي في القيامة قيل وهو المناسب لقوله: وقدمنا الخ وفيه نظر. قوله: (ويوم نصب باذكر الخ) وعلى هذا فهو مفعول به لا ظرف إلا بتأويل كما مرّ منصوب لا مبني وان جاز في إضافته للجملة ولو مضارعية لأنّ أصل الفعل البناء واعرابه أمر عارضي وعلى الثاني متعلقه ما دلّ عليه لا بشرى كما ذكره المصنف أو نفسه مقدراً وفيه وجوه أخر. وقوله: يمنعون الخ إشارة إلى المقدّر قيل والأحسن أن يقدر لا يبشر لما فيه من التهويل لأنّ ما ذكره يقتضي أنّ ثمة بشرى لهم ولكن لا تقع وليس بشيء لأنّ ذكر البشرى المنفية فيها تحسير لهم على ترك الفطرة التي كانت تقتضي ذلك ومثله على طرف الثمام. قوله: (تكرير) فهو تأكيد للأوّل أو بدل منه متعلق بما يتعلق به، أو خبر لا واعترض أبو حيان على الأوّل بأنّ عامله حيئ! ذ عامل الأوّل فيلزم عمل ما قبل لا المبني معها اسمها فيما بعدها وهي لها الصدر لا لا مطلقاً وتخطي العامل مانع للصدارة. وردّه المعرب بأنّ الجملة المنفية معمولة لمقول مضمر وقع حالاً من الملائكة التي هي معمول يرون العامل في جملة يوم بالإضافة فلا وما في حيزها من تتمة الطرف لكونها معمولة لما في حيزه ومثله لا يعد محذوراً فتأمّل مع أنّ كون لا لها الصدر مطلقا أو إذا بنى معها اسمها ليس بمسلم عند النحاة لأنها لكثرة دورها خرجت عن الصدارة كما صرحوا به وأما عدم لزوم المحذور إذا قدّر يعدمون لأنه معنى النفي فمكابرة في المحسوس. قوله:(وللمجرمين تبيين) كسقيا له فهي متعلقة بمحذوف لا ببشرى حتى تكون معربة وعدم تنوينه لألف التأنيث فهو مقدر كما ذكره المصنف وليس بشرى معمولاً لفعل مقدر حينئذ لأنه لا يصح التبيين إلا بتكلف. وقوله: أو ظرف الخ معطوف على قوله تكرير وقوله فإنها أي لا المبني معها اسمها لأنها لو عمل اسمها طال وأشبه المضاف فينتصب وسكت عن تعلق الظرف المتقدم ببشرى وأشار إلى منعه لأنّ معمول المصدر الواقع بعدلا لا يجوز تقدمه مطلقاً وجوّزه بعضهم في الظرف لتوسعهم فيه لكنه لا حاجة إلى ارتكابه هنا من غير ضرورة.

ص: 415

قوله: (وللمجرمين إمّ عام الخ اللعصاة والكفار الذين لا يرجون لقاءه- وقوله: فتناول حكمه أي حكم العام أو حكم

المجرمين وهو سلب البشرى حكمهم أي حكم المعهودين وهم الذين لا يرجون لقاءنا وفي بعض النسخ كلهم- وقوله: من طريق البرهان بأن يقال: الذين لا يرجون لقاءنا مجرمون كاملون وكل المجرمين لا بشرى لهم فهم لا بشرى لهم بالطريق الأولى وهذا مراد من قال: لدلالة الكلام على أنّ المانع من حصول البشرى هو الإجرام ولا إجرام أعظم من إجرام الذين لا يرجون لقاءنا ويقولون ما يقولون فهم أولى به فلا وجه للردّ عليه وقوله: ولا يلزم الخ دفع لسؤال يرد على العموم وهو أنه يقتضي نفي العفو والشفاعة للعصاة كما تقوله المعتزلة بأنّ هذا في وقت مخصوص وذاك في آخر سواء أريد باليوم وقت الموت أو العذاب وقد قيل إنّ مدلوله نفي البثرى لهم بأعمالهم الحسنة ولا تعرّض فيه للشفاعة وهي ثابتة بالأحاديث الصمحيحة فلا تعارض بينهما فتأمّل. وتوله: حينئذ أي حين إرادة العموم أو حين الموت أو رؤية العذاب. قوله: (وإمّا خاص) أي بالكفرة السابق ذكرهم فيكون على خلاف مقتضى الظاهر للنكتة المذكورة التي تفوت بالإضمار ولذا رجح الأوّل لموافقته للظاهر واثباته للمدعي بطريق برهاني ولا تكلف فيه كما توهم. وقوله: ضميرهم بكسر الهاء ويجوز ضمها. قوله: (عطف على المدلول) يحتمل أن يريد المدلول المعهود في قوله ما دل عليه لا بشرى فيكون معطوفاً على يمنعون أو يعذبون وليس هو العطف على المعنى كما قيل ويحتمل أن يريد أنه معطوف على ما قبله باعتبار مدلوله لأنه في معنى يئاهدون القيامة وأهوالها ويقولون: الخ ولم يجعله معطوفا على يرون مع ظهوره لفصل لا بشرى بينهما ولاحتياجه على تعميم المجرمين إلى تكلف لا يخفى. قوله: (يقول الكفرة الخ) فالضمير للذين لا يرجون وهو الظاهر ولذا قدمه وحينئذ فالمراد به الاستعاذة من ملائكة العذاب طلباً من الله أن يمنع لقاءهم قال أبو علي الفارسي: مما كانت العرب تستعمله ثم ترك قولهم حجرا محجوراً وهذا كان عندهم لمعنيين أحدهما أن يقال عند الحرمان إذا سئل الإنسان فقال: حجراً محجوراً علم السامع أنه يريد أن يحرمه ومنه قوله: جثت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهارش!

والوجه الآخر الاستعادة كان الإنسان إذا سافر فرأى ما يخاف قال حجراً محجوراً أي

حرام عليك التعرّض لي انتهى وإلى هذين المعنيين أشار المصنف بقوله: أو تقولها الملائكة على أنّ الضمير لهم والمراد بها الحرمان كما كانوا يقولونه في الدنيا والظاهر أنه معطوف كما في الوجه الأوّل. وما قيل: من أنّ الظاهر حينئذ أنه حال من الملائكة كما أنه يجوز في الوجه الأوّل تأباه الواو وأنه يصير كقولهم قمت واصك وجهه د ان كان أقرب بحسب المعنى ولذا

اختاره الطيبي وجعله بتقدير وهم يقولون وجعله على الأوّل عطفا على يرون وأصل معنى الحجر المنع فأريد ما ذكر. قوله: (وقرئ حجرا بالضم الخ) هي قراءة الحسن والضحاك وأبو رجاء ومن عداهم بكسرها وقرى بالفتح أيضا كما حكاه أبو البقاء ففيه ثملاث لغات قرئ بها ورابعة وهي حجري بألف التأنيث. وقوله: لما اختص بموضع يعن لما خصوا استعماله بالاستعاذة أو الحرمان صاو كالمنقول فلما تغير معناه غير لفظه عما هو أصله وهو الفتح إلى الكسر أو الضم لإيهام أنه لفظ آخر كالمرتجل لكنه يرد عليه أنه استعمل مفتوحا على أصله كما مرّ إلا أن يقال إنه لا يعتد به لندوره. قوله: (كقعدك وعمرك) قعدك بفتح القاف وحكي كسرها عن المازني وأنكره الأزهري والعين ساكنة يقال: قعدك لله وقعيدك الله بنصب الاسم الشريف لا غير وقعدك منصوب على المصدرية والمراد رقيبك وحفيظك الله ثم نقل إلى القسم فقيل: قعدك الله لا تفعل كذا قال:

قعيدكما الله الذي أنتما له ألم تسمعا بالنعيتين المناديا.. ء

وأمّا عمرك الله فبفتح العين وضمها والراء مفتوحة لأنه منصوب على المصدرية ثم اختص

بالقسم كقوله:

أيها المنكح الثرياسهيلا عمرك الله كيف يلتقيان

والتمثيل إن كان للاختصاص فظاهر وان كان له وللتغيير فلأنّ أصله بإقعاد الله وتعميره

أي إدامته لك فغير معناه للقسم ولفظه إلى ما ذكر. قوله: (ولذلك لا يتصرف فيه) أي يلؤم النصب على المصدرية

ص: 416

بفعل لازم الإضمار كما في بعض كتب النحو لكنه اعترض عليه في الدر المصون بما أنشده الزمخشري:

قعالت وفيها حيدة وذعر عوذبربي منكم وحجر

فإنه وقع مرفوعاً وكذا سمع في غيره أيضاً فمن جوّز فيه النصب على المفعولية أي اجعل البشرى حجرا لنا لم يصب. قوله: (ووصفه الخ) يعني أنه اشتق له من لفظه صفة مؤكدة وهي تكهعون بفاعل كشعر شاعر وموت مائت بوزن مفعول كحجر محجور وغيره كليل أليل وهي للنسب أي ذو حجر ومفعول كفاعل يكون للنسب كما مرّ في الإسراء. وقيل إنه على الإسناد المجازي وما ذكر لا يلائم المعنى وفيه نظر. قوله تعالى: ( {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} ) قيل صحة البيان فيه باعتبار التنكير كصحة الاستثناء في أن نظن إلا ظناً إلا أن التنكير هناك للتحقير أي إلا ظناً حقيرا لا يعبأ به وهنا للتعظيم وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: من المكارم كقرى الضيف وإغاثة الملهوف أي المظلوم والإغاثة بالمعجمة والمثلثة أو بالمهملة

والنون ولو قيل إنه للتعميم ودفع ما يتوهم من العهد في الموصول أي كل عمل عملوه غير معتد به لكان وجهاً. قوله: (وعمدنا إلى ما عملوا الخ) هذا التفسير منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في شرح الكشاف فلهذا ابتدأ به أي كما هو دأبه في تقديم المأثور والعمد القصد ولما كان بين كلاميه كما في الكشاف تناف فإنّ ظاهره أنّ القدوم مجاز عن القصد فهو مجاز مرسل وقوله شبهت حالهم الخ يقتضي أنه استعارة تمثيلية فلا تجوّز في شيء من المفردات كما تقرّر في المعاني اعترض عليه بعضهم بأنه خلط. وشراح الكشاف تنبهوا له ونبهوا على أنّ المراد أنه اسنعارة تمثيلية ولا تجوز في شيء من مفرداته باعتبارها وهو لا ينافي أن يكون في بعض مفرداتها مجاز سابق عليها كالقدوم هنا فإنه استعمل للقصد الموصل إلى المقصد والإرادة وهو المراد هنا لأنّ الذي لا بد منه هو قصد السلطان إلى من صدر منه ذلك أمّا القدوم فلا حاجة إليه بل قد يكون وقد لا يكون كما قيل وفيه ما فيه ثم إنّ مجموع قصد مصنوعاتهم ليجعل هباء منثوراً مستعار لإبطال أعمالهم وافنائها لكونها لم تصادف محلها ولم تقع موقعها فما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى المراد منه فلا إشكال فيه على ما قالوا وكلامهم لا يخلو من الخلل والاضطراب فإنّ كلام المصنف والكشاف لا يناسب ما ذكروه لتصريحهما بتشبيه العمل المحبط بالهباء المنثور وقد ذكر الطرفان ولو كان تمثيلاً لم يجز التشبيه والتصرف في شيء من أجزائه وما قيل إنه تشبيه ضمني لازم ذكر لتكثير الفائدة وبيان مناسبة المفردات لا يجدي نفعاً وكذا ما ذكره في المفتاح من جعله استعارة تبعية تصريحية طرفاها والجامع بينهما عقلية فاستعير من قدوم المسافر بعد مدة إلى الأخذ في الجزاء بعد الإمهال وأورد عليه أنه إذا كان قدمنا بمعنى أخذنا في جزاء أعمالهم بعد الإمهال فلا معنى لتعديته بإلى وهو غير وارد لأنّ المجاز قد يعتبر أصله في تعديتة كنطقت الحال بكذا إذ لم يقل على كذا وهو كثير بل الوارد عليه أنه لا يكفي في بيان معنى النظم وما بعده لا يلائمه وما قيل: من أنه إذا أريد بقدمنا قصدنا فلا حاجة إلى التمثيل لصحة المعنى بدونه واقتضاء المقام ممنوع ثم إنّ قدوم السلطان القاهر بنفسه يكون لاشتعال غضبه فاعتباره أنسب بالحال فهو مع قلة مفاده فيه اختلال على اختلال واذ سردنا لك ما في هذا المقام من القيل والقال فاعلم إنّ هنا استعارة تمثيلية في قوله: قدمنا! الخ واللفظ المستعار وقع فيه استعمال قدم بمعنى عمد وقصد لاشتهاره فيه كما أشار إليه في الأساس والقول بأنه لا حاجة إلى التمثيل بعده من قلة التدبر فإنه لا بدّ منه. وأمّا تشبيه عملهم في تفرّقه بالهباء ففي اللفظ المنقول فلا ينافي ما ذكر كما إذا قلت أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى كالمهر في طوله ولاشتهار قدم المدى بإلى في هذا المعنى وعدم مناسبتة للغارة إذ لا يقال قدم الجيس على العدوّ بل يقال أغار ونحوه لم يتفق على حقيقته وبهذا علمت ما في الكشاف وترجيحه غلى ما ذهب إليه السكاكي وما في كلامهم برمّته. قوله: (لفقد ما هو شرط

اعتباره) يعني الإيمان. وقوله: وهو تشبيه الخ قد عرفت معناه فمن قال إنّ الواو فيه بمعنى أو فقد أخطأ. واستعصوا بما خالفوه. وقوله: فقدم إلى أشيائهم جمع شيء كما صحح في نسخ الكشاف وفي نسخة أسبابهم بمهملة وموحدتين والصحيح الأول لأنه استعمال عامي. قوله: (ومنثورا صفتة الخ) يشير إلى أنه تتميم إذ لم يكتف بجعله في تفرّقه كالهباء حتى جعله منثورا كقول الخنساء:

ص: 417

وان صخر التأتمّ الهداة به كأنه علم في رأسه نار 0..

فجعلها جامعة لحقارة الهباء وتناثره وقد علمت أنّ هذا التشبيه في ضمن التمثيل فلا يرد

أنه خلط لأنه حينئذ تشبيه لا استعارة كما توهم. وقوله: أو تفرقه معطوف على قوله انتثاره. وقوله: نحو أغراضهم تشبيه لتفرّقه بتفرّق أغراضهم في أعمالهم السيئة وعطفه بأو وان كاًن التفرّق والانتشار متقاربين لتباين ثمرته فإنها على الأوّل إنه لا يمكن جمعه والانتفاع به وعلى هذا هو جزاء له على حاله والجزاء من جنس العمل. فما قيل إنّ معناه جعلنا عملهم متفرّقا نحو أغراضهم من حيث الخلق وهو لا يناسب التمثيل غير متجه. قوله: (أو مفعول ثالث) يعني هو مفعول بعد مفعول كالخبر بعد الخبر لأنّ جعل لا يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل كما أشار إليه بقوله من حيث إنه الخ وهذا جواب عما اعترض به على الزمخشري بجعله كحلو حامض وهو ضعيف كما تقدم ولذا آخره. قوله: (مكاناً يستقرّ فيه الخ) يعني المراد بالمستقر محل التحادث وبالمقيل محل الاستراحة ولذا جمع بينهما والا فالجنة كلها مستقر لهم وإلاسترواح استفعال من الراحة. وقوله: والتمتع الخ تفسير له وقوله تجوّزا له أي نقل له من معناه الحقيقي وهو مكان القيلولة إلى مكان التمتع بالأزوإج لأنه يشبهه في كون كل منهما محل خلوة واستراحة فهو استعارة. وقال الأزهري المقيل الاستراحة في نصف النهار وان لم يكن معه نوم وهو على المصدرية وليس فيه ما يقتضي عدم التجوّز هنا كما قيل. قوله:) أو لأنه لا يخلو الخ) عطف على قوله على التشبيه فهو مجاز مرسل لاستعمال المقيد في المطلق ولا تغليب فيه بالمعنى المتعارف كما قيل وقوله إذ لا نوم في الجنة تعليل للتجوّز وعدم إرادة الحقيقة. قوله:) وفي أحسن رمز الخ) يعني أنه كناية عن أنّ لهم فيه ما يتزين به مما ذكر لأنّ حسن المنزل إن لم يكن

باعتبار ما يرجع لصاحبه لم تتم المسرّة به ولما فيه من الخفاء جعله رمزاً. والتحاسين جمع تحسين مصدر حسنه كالتضاعيف سمي به ما يحسن به الشيء وقوله: يحتمل الخ يعني إنّ كلا منهما أو هما يحتمل المصدرية والزمانية والمكانية فالوجوه تسعة. قوله: (والتفضيل الخ) يعني المراد أنه أحسن من كل شيء يتصوّر حسنه أو المراد خير وأحسن مما للمترفين في الدنيا ولا ياباه قوله يومئذ كما توهم لأنه لا يلزم وجود المفضل عليه يومئذ أو مما لهم في الآخرة على التقدير والتهكم بأهل النار أو هو على حد الصيف أحر من الشتاء. قوله: (روي الخ) في شرح الكشاف أنه يفهم منه وجه آخر ولذا عطفه الزمخشريّ على ما قبله إذ المراد بالمستقر موضع الحساب وبالمقيل محل الاستراحة بعد الفراغ منه. ومعنى يقيلون يتقلون إليها وقت القيلولة. وقوله: وأهل النار مشاكلة أو تهكم والحديث أخرجه الحاكم وصححه وله طرق أخرى. قوله تعالى: ( {يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ} ) العامل في يوم إمّا اذكر أو ينفرد الله بالملك لدلالة ما بعده عليه كما ذكره المعرب وقيل إنه معطوف على يومئذ أو يوم يرون وقرئ تشقق بتخفيف الشين وتشديدها بحذف إحدى التاءين وبادغامها في الشين لما بينهما من المقاربة كما في تظاهرون. قوله: (يسبب طلوع الغمام منها) يعني إنّ الباء للسببية كالسماء منفطر به والمراد بالغمام ضباب يخرج منها إذا تشققت وفيه ملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف الأعمال وهو المراد بقوله هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله الآية كما أشار إليه المصنف والمراد انفتاحها لذلك ولما كان تشقق السماء لأجل نزول ما فيه من الملائكة وبروز الخلق للحساب جعل سببا له وذكر التشقق للتهويل وقيل إنها للملابسة وهو أظهر وقيل إنها بمعنى عن أو للآلة. قوله: (وقرئ الخ) القراآت إمّا على الأصل بنونين على أنه مضارع معلوم من التفعيل أو الأفعال أو بنون واحدة وتاء تأنيث ماض مجهول من التفعيل أو أنزل مجهول الأفعال والرابعة نزل الملائكة بمجهول الثلاثي والخامسة بنون واحدة مضمومة والتشديد وضم اللام على أنه مضارع من التفعيل حذف فاء فعله وكلها ظاهرة إلا الرابعة فإن نزل الثلاثي لم يسمع تعديه. قال ابن جني فإمّا أن يكون لغة نادرة أو يكون أصله نزل نزول الملائكة فحذف المضاف فتأمّله. قوله:

(الثابت له) أي للرحمن فالحق بمعنى الثابت والجار والمجرور متعلق به ويومئذ متعلق بالملك. وقوله: لأنّ كل ملك الخ إشارة إلى ما يفيده تعريف الطرفين ولام الاختصاص

ص: 418

من قصر المسند إليه على المسند والملك بمعنى المالكية. وقوله: فهو أي الحق. وقوله: وللرحمن صلته أي صلة الحق لا الملك للفصل بينهما فهو مؤكد لما يفيده تعريف الطرفين فلا وجه لما قيل إنه حينئذ لا نكتة في تعريف المسند. وقوله: أو تبيين فهو متعلق بمحذوف لا صلة كما في مقياله وهو بيان لمن له الملك وقوله لأنه متأخر أي مصدر متأخر لا تتقدم عليه صلته ولو ظرفا والتوسع فيه لا يقتضي ارتكابه من غير ضرورة. وادعاء جواز تقديره بأن والفعل لا يقتضي أن يعطي جميع أحكامه أو أنّ الحق صفة ولذا فسره بالثابت خلاف ما صرّحوا به وما ذكره هنا بناء على المشهور يومئذ بمعنى يوم إذ تشقق السماء. قوله: (أو صفة) عطف على قوله فهو الخبر أي الحق صفة لكن فيه فصل بين الصفة والموصوف بالخبر وللرحمن حينئذ صلة الحق وإذا كان للرحمن خبرا فيومئذ متعلق بالملك لا بالحق لما مرّ. وقوله: شديدا أي ما فيه من الأهوال شديد وقيل معناه لا يتيسر فيه شيء. وقوله: من فرط الحسرة أي من زيادة تحسره وندامته على ما فرط فيه. قوله: (وعض اليدين وكل البنان الخ) حرق الأسنان بحاء وراء مهملتين كمصدر حرق حك بعضها على بعض بحيث يسمع لها صوت كما يفعل في شدّة الغضب وروادفها أي لوازمها التي تقع بعدها غالبا فهي لازمة لها في العادة والعرف. قوله: (وقيل عقبة بن أبي معيط) فتعريفه للعهد وفي الوجه السابق للجنس ومعيط مهمل مصغر. وقوله: صديقه أي صديق عقبة. وقوله: صبأت أي خرجت من دينك إلى دين آخر من صبأ إذا مال وكانوا يقولون لمن أسلم صبأ. وقوله: آلى بالمد أي أقسم ودار الندوة مجمع معروف بمكة. وضمير طعن أبيا للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم قتله بنفسه في أحد كما ذكره الثعلبي. وقوله: علوت رأسك بالسيف أي ضربتك به وقد برّ فيما ذكره لأنه فعل بأمره والآمر كالفاعل عرفا في بعض المواضع. ولذا قالوا إنه لو حلف ليضربنه فأمر بضربه برّ إن كان حاكما أو سيدا بخلاف غيره وكون لمأمور عليا كرّم الله وجهه رواية وفي الطبراني عن مجاهد إنه ثابت بن أبي الأفلح وقوله تعالى يقول شال من فاعل بعض أو جملة مستأنفة أو مبينة لما قبلها وياليتني الخ مقول القول وقصة عقبة أخرجها

ابن جرير من طرق مرسلة. قوله: (طريقاً إلى النجاة) أيّ طريق كان فالتنكير لشيوعه وعلى ما بعده التنكير والإفراد للوحدة وعدم تعريفه لادعائه تعينه وطريق الحق في نسخة طريق الجنة وقوله: تتشعب أي تختلف وتتفرّق فانّ طريق الحق واحدة وغيرها طرق متفرّقة. وقوله: على الأصل لأنها ياء المتكلم قلبت ألفا للتخفيف كما في صحارى. وقوله: يعني من أضله مطلقا أو أبيّ بن خلف. قوله: (وفلان كناية عن الإعلام الخ) إشارة إلى قول النحاة أنهم كنوأ بفلان وفلانة عن علم مذكر ومؤنث عاقلين وبهن وهنة عن اسم جنس مذكر ومؤنث غير علم سواء كان عاقلاً أو لا واشترط ابن الحاجب في فلان أن يكون محكياً بالقول كما في الآية وردّه في شرح التسهيل بأنه سمع خلافه كثيراً كقوله:

وإذا فلان مات عن أكرومة دفعوا معاوذ فقره بفلان

وقد يقال إنّ القول فيه مقدر فلا يرد قول ابن هشام أنه إذا قيل جاءني فلان معناه جاءني مسماه لا العلم وان أجيب عنه بأنه على تقدير جاءني مسمى فلان وكون هن المفتوج الهاء المخفف النون معنا. ما ذكر أكثريّ فإنه ورد خلافه في قوله:

والله أعطاك فضلاً من عطيته على هن وهن فيمامضى وهن

فإنه أراد عبد الله وإبراهيم وحسن والمراد بالكناية معناها اللغوي لا مصطلح أهل اإمعاني والمراد بالأجناس أسماء الأجناس أي ما ليس بعلم. قوله:) وتمكنت منه (إمّا عطف تفسير لقوله: جاءني وهو الظاهر أو المراد به الوصول إليه بعلمه وهذا بيان للواقع وليس في الآية دليل على إيمان عقبة ثم ارتداده لنزولها فيه ولعل قوله: وتمكنت منه إشارة إلى ذلك. وقوله: وكان الشيطان الخ إمّ من كلام الله أو كلام الظالم. وقوله: يعني الخليل فإنه يشبه الشيطان في الإضلال والإغواء. وقوله: لأنه حمل أي بوسوسته لأنه لم يضله ظاهراً. وقوله: يواليه أي يتخذه ولياً حقيقة أو حكما ثم يتركه وقت حاجته وتبريه منه

ص: 419

وقوله فعول من الخذلان أي خذول والخذلان ترك المعاونة والنصرة وقت الحاجة.

قوله: (محمد يومئذ) أي المراد من الرسول نبينا صلى الله عليه وسلم شرفه الله وعظمه وقوله: ذلك في الآخرة يوم يعض الظالم على يديه وأورد عليه إنه لو كان في الآخرة لما عدل عن سنن ما تقدّم وأجيب بأن القصد فيما تقدم إلى الاستمرار التجدّدي الذي اقتضاه المقام وليس مقصوداً هنا فعبر بالماضي الدال على تحقق الشهادة عليهم حينثذ ولا يخفى إن ما تقدم إخبار عما في الآخرة فهو مستقبل حقيقة ولا قرينة على إوادة الاستمرار قيه. واحتمال عطفه على قوله: وكان الشيطان على أنه من كلامه تعالى بعيد ولو قيل إنه عدل عنه لتحققه ومناسبته لما قبله لكفى فتامّل. قوله: (أو في الدفيا بثا إلى الله) وهو المناسب لما بعده من تسليته له وبنا هنا بمعنى شكو! ما يحزنه إلى الله أي يقوله للبث وهذا على الاحتمال الثاني ويحتمل أنه عليهما فالمقصود ذلك لعلم الله به. وقوله: وصدّوا عته أي تركوه من الصدود فهو من الهجر بالفتح لا من الصدّ والمعنى صدّوا الناس عنه لعدم مناسبته للسياق والظاهر أنهما وجه واحد لا اثنان والأوّل الترك بالكلية مع عدم القبول والثاني عدم الاشتغال مع القبول. وما ذكره من الحديث قال العراقي رحمه الله روي عن أبي هدية وهو كذاب. وقوله علق مصحفه أي طواه ورفعه على المعتاد وتعلقه به يحتمل إجراؤه على ظاهره لأنّ أحوال الآخرة لا يقاس عليها. ويحتمل إنه ئمثيل أو أنّ المراد الملائكة الموكلون به وهو أقرب. قوله: (أو هجروا الخ) يعني من الهجر بالضم على المشهور وهو الهذيان وفحش القول والدخل وهو على الحذف والإيصال أي مهجورا فيه وله معنيان لأنه إما بمعنى مدخولاً فيه كقولهم: إنه أساطير الأوّلين تعلمها من بعض أهل الكتاب أو أنهم كانوا إذا قرى رفعوا أصواتهم بالهذيان لثلا يسمع كقوله: لا تسمعوا لهذا القران وألغوا فيه كما هو مسطور في تفسيرها. أو هو مصدر بمعنى الهجر بالضم لا بالفتح كما ئوهم كالمعقول وأخره لقلته عند من أثبته وأقل منه كونه للنسبة كحجابا مستورا كما مر في سورة الإسراء فقوله: فيكون الخ أي على الاحتمالين الأخيرين وعلى الأوّل منهما الهاجر الكفار وعلى الثاني من أتى به على زعمهم الفاسد. قوله: (وفيه تخويف الخ) أي على القول الثاني وفي الاقتصار عليه هنا ما يشير إلى ترجيحه لما مر وكونه في الآخرة كما توهم لا وجه له وبه

يهندفع أنه ليس فيه فائدة الخبر ولا لازمها كما مر وكذا في القول الأوّل. قوله: (كما جعلناه) بيان لدخوله فيهم دخولاً أوّلياً وأنّ المراد تسليته صلى الله عليه وسلم وأمره بالصبر لأنّ البلية إذا عمت طابت وقوله: وفيه دليل الخ لأنّ المراد بجعلهم عدوّاً جعل عداوتهم وخلقها وما ينشؤ منها فيهم لأجعل ذواتهم كما لا يخفى فهو إبطال لمذهب المعتزلة ويدخل فيهم آدم عليه الصلاة والسلام لدخول الشياطين وقابيل في المجرمين فلا حاجة إلى جعل الكلية بمعنى الكثرة كما قيل. وقوله: والعدوّ الخ لأنّ لبعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعداء ولم يجعله مرادا لاحتمال تأويله فتأمّل. قوله: (إلى طريق قهرهم) قدّره لمناسبته لما بعده وما قبله وجعله بمعنى هادياً لمن آمن منهم ونصيرا على غيره كما قيل بعيد وقهرهم مصدر مضاف للمفعول وهاديا تمييز أو حال. قوله: (أنزل) فلا دلالة على التدريج وبهذه الآية استدل من قال نزل وأنزل بمعنى واعترض على قول المصنف رحمه الله بالفرق مينهما فيما مر وأنه معارض لما ذكره هنا وقد مر أنّ دلالته على ذلك عند الإطلاق ومقابلته بأفنرل وهو من القرائن الخارجية لا من الصيغة فلا تعارض بين كلاميه كما توهم. وجملة حال بمعنى دفعة وواحدة صفة عؤكدة له وقوله لئلا يناقض أي لو دل على التدريج. قوله: (كالكتب الثلانة) هي التوراة والإنجيل والزيور وهذا بناء على المشهور من أنها نزلت دفعة واحدة وقد قال في الإتقان إنه كاد أن يكون إجماعاً وذكر آثاراً وأحاديث مروية عن السلف كثيرة تد! ل عليه وقال رأيت بعض فضلاء العصر أنكره وقال إنه لا دليل عليه ثم بين خطأه فيه فلا عبرة بمن قال إنّ بعض العلماء ذكر في آخر سورة النساء إنّ التوراة أنزلت منجمة في ثماني عشرة سنة ويدل عليه نصوص التوراة ولا قاطع بخلافه من الكتاب والسنة والمراد بالذين كفروا أهل الكتاب وقيل المشركون. قوله: (وهو اعترأض الخ) أي قول الكفار لولا نزل الخ والطائل الفائدة وأورد على قوله: لأنّ الإعجاز

ص: 420

لا يختلف الخ بأنّ فيه غفلة عما تقرّر في المعاتي من إنّ إعجازه ببلاغته وهي بمطابقته لمقتضى الحال في كل جملة منه ولا يتيسر ذلك في نزوله دفعة واحدة وما ذكره من المقدم مسلم وأما قوله إنه لا يتيسر الخ فممنوع فإنه يجوز أن ينزل دفعة واحدة مع رعاية المطابقة المذكورة في كل جملة منها لما سجدث من الحوادث الموافقة لها الدالة على أحكامها وقد صح إنه فزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا فلو لم يكن هذا لزوم كونه غير معجز فيها ولا قائل به بل قد يقال إنّ هذا أقوى في إعجازه مع أنه قيل في بعض السور إنها نزلت دفعة واحدة كسورة الأنعام ولا شبهة

في إعجازها ويؤيده أنّ الشاعر البليغ يقول القصيدة الطويلة دفعة واحدة كما في المعلقات مع أتفاقهم محلى بلاغتها وإن لم تكن معجزة وأيضا لو سلم لكانت بلاغتها مختصة بمن علم سبب نزولها فاللازم إنما هو أن يفهم من سياقها مطابقتها لمقامها ولو كان قبل تحققه فافهم. قوله: (حيث كان أمّياً وكانوا يكتبون) أي ويقرؤون الخط للزومه للكتابة فيسهل عليهم حفظها من غير احتياج إلى غيره من البشر المورث لتعبه ونقص فيه لاحتياجه للغير. وأمّ جواز نزوله دفعة بخط سماوي وتعليم جبريل عليه الصلاة والسلام تدريجاً فلا ضير فيه إلا أنه إذا لزم تلقنه منه تدريجاً لا يكن في نزوله كذلك فائدة مع أنّ في خلافه فوائد جمة والتعني تفعل من العناء وهو التعب والمشقة. قوله: (ولعله لم يستتب له) أي يتم ويستقيم قال البحتري:

قليل احتجاب الوجه يغدو بمسمع من الأمرحتى يستتب وينظر

أي ربما لا يتم حفظه له لو نزل جملة كما أشار إلى وجهه بقوله فإنّ التلقف أي التلقي له وقواله: ولأنه إذ أنزل منجماً الخ يعني أنه صلى الله عليه وسلم تحداهم بكل جزء وهذا أقوى من التحدي يالجملة فإذا عجزوا عن ذلك فهم أعجز عن غيره فطلبه يدل على شدة حيرتهم ودهشتهم. وقوله: تثبت به أي في نزوله حالاً فحالاً ترويح لنفسه وتثبيت لفؤاده كما إن كتب المحبوب إذا سواصلت لمحبه جدّدت له محبة ونشاطا. قوله: (ومنها) أي من فوائد تفريقه معرفة الناسخ المتأخر نزوله من المنسوخ المتقدّم المخالف لحكمه كما في آية القتال وتحققهما فيه من البواعث المتقدمة ومعرفة ذلك من الفوائد المتأخرة. وقوله: فانه يعين على البلاغة أي على معرفه البلاغة لأنه بالنظر إلى الحال يتنبه السامع لما يطابقها ويوافقها وفيه إشارة إلى ما مر. قوله: (وكذلك صقة مصدر محذوف) هو وعامله أي أنزلنا إنزالاً كذلك الإنزال الذي عرفتموه وأنكرتموه. وهو المفرق الذي دل عليه ما ذكر فإنّ معناه لم أنزل مفرقاً ولم ينزل جملة فهو من كلام الله. وقوله: من تمام كلام الكفرة فهو من جملة مقول القول وبه يتم والإشارة إلى إنزال الكتب المتقدّمة دفعة واحدة كما مر تحقيقه وهو حال من القرآن لا صفة مصدر فعل مقدّر كما مر ولا مانع صن جعله صفة لجملة ولا من كونه صفة مصدر هذا الفعل المذكور أيضاً وقوله

تتعلق بمحذوف هو أنزلنا الذي كذلك صفة لمصدره في أحد الوجهين. قوله: (وقرأناه) أي أمرنا أو قدرنا أو أردنا قراءته عليك والتؤدة والتمهل بمعنى. وقوله: في عشرين الخ اختلاف في المحدثين مر بيانه وتفليج الأسنان عدم تلاصقها وهو ممدوح فيها وقوله: كانه مثل الخ إشارة إلى أنه مجاز وقوله في البطلان لأنّ أكثر الأمثال أمور مخيلة والقدح بمثل لولا أنزل إليه ملك لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة وغيره مما مر وقوله إلا جئناك استثناء مفرغ من أعم الأحوال فمحله النصب على الحالية وجعل مقارنا له وإن كان بعده للدلالة على المسارعة إلى إبطال ما أتوا به تثبيتاً لفؤاده صلى الله عليه وسلم وقوله: الدافع من الدفع وهو ظاهر وفي نسخة الدامغ بميم وغين معجمة وهو المهلك له بإخراح دماغه استعير للدّفع أيضاً. قوله: (وبما هو أحسن بياناً) إشارة إلى أن أحسن معطوف على الحق وإزة التفسير بمعناه المعروف وهو الكشف والبيان وهو منصوب على التمييز وقوله: أو معنى فالمراد بالتفسير المعنى والمراد أحسن معنى لأنه يقال تفسير هذا كذا وكذا أي معناه فهو مصدر بمعنى المفعول لأنّ المعنى مفسر كدرهم ضرب الأمير. وقيل إنه من إطلاق السبب على المسبب لأنّ التفسير سبب لظهور المعنى وقيل عليه فرق بين نفس المعنى وظهوره فلا يتم التقريب. ورد بأن المفسر هو الكلام لا المعنى لأنه يقال: فسرت الكلام لا معناه كما

ص: 421

في الكشاف فتجوز به عن بيان معنى الكلام وهو مجاز مشهور ملحق بالحقيقة فلذا تجوز به عن المعنى نفسه ولا يخفى ما فيه من التعسف وقوله من سؤالهم هو المفضل عليه المقدر وفي الفرائد المعنى إنه في غاية الحسن والكمال فلا حاجة لتقدير ما ذكر لكنه قيل إنه يفوت معنى التسلية إذ المراد لا يهمك ما اقترحوه وهو المراد بقوله: ولا يأتونك وفيه نظر. فوله: (أو لا يأتونك الخ) في نسخة ولا يأتونك الخ قيل وهي أولى لأنّ المآل واحد ولا وجه له فإنّ الفرق بينهما ظاهر فإنّ المثل في الأوّل بمعنى السؤال وفي هذا بمعنى حاله صلى الله عليه وسلم. ثم إنه قيل عليه أنه يأباه الاسنشاء المذكور لأنّ المتبادر منه أن يكون ما أعطاه الله من الحق مترتباً على ما أتوا به من الأباطيل وأفعالها ولا ريب في إنّ ما آتاه الله من الملكات السنية ليس لأجل ما حكي عنهم من الاقتراحات بل لأجل إبطالها ولا يخفى ضعفه فإنّ المراد بقوله: جئناك بالحق أظهر نافيك ما يكشف عن بطلان ما أتوا به نعم الوجه الأوّل أرجح وقد أشار إلى ترجيحه بتقديمه. وقوله: أحسن كشفا أي مما زعموه حسناً أو هو تهكم كما مر وفيه إشارة إلى أنّ تفسيرا بمعنى كشفا ولكنه كشف لما بعث به. قوله: (أي مقلويين) أي منكسين

يطؤون على رؤوسهم ووجوههم مع ارتفاع أقدامهم بقدرة الله وهذا يحتمل التضمين فعلى وجوههم وإلى جهنم صلته ويحتمل أنه يشير إلى أنهما حالان بتقدير ما ذكر وكذا قوله: أو مسحوبين أي مجرورين. قوله: (أو متعلقة قلوبهم الخ (أي هو كناية عما ذكر أو استعارة تمثيلية لأنّ من تعلق قلبه بشيء توجه إليه بوجهه والمراد بالسفليات الدنيا وزخارفها وما لهم فيها ولعل كون هذه الحال في الحشر باعتبار بقاء آثارها فتأمّل. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام الخ) رواه الترمذي وفيه قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم قال: " إنّ الذي أمشاهم على! دامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم) وعن المصنف الصنف الذي على الدواب هم المتقون والمراد أنهم يسرعون إلى الجنة كالركبان والمشاة هم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيثاً والذين يمشون على الوجوه الكفرة وقوله: وهو أي لفظ الذين يحشرون منصوب بتقديرم أذم أو أعني أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هم لا أنه بتقدير بئس كما توهم أو هو مبتدأ. قوله: (كأنه قيل إنّ حاملهم) أي الداعي والباعث على أسؤلتهم ما ذكر فكأنهم نسبوا إليه الشرّ والضلال فقيل لهم على وجه التسليم أنتم شرّ وأضل منه وإلا فلا شيء فيه من ذلك فإنه محض خير وهداية ويجوز أن لا يجعل هو مفضلاً عليه ويكل ن المعنى أنتم أقوى في ذلك من كل من اتصف به والمكان في كلامه إمّا بمعنى الشرف والمنزلة أو بمعنى المسكن كقوله: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [سورة مريم، الآية: 73] وقوله: إنه متصل الخ المراد 6لصال الشيء بقسيمه ومرضه لبعده وتقدم قسيمه أو ما يشبهه وهو في الوجه السابق متصل بما قبله وقوله من الإسناد المجازي لأنه وصف صاحبه وهو وان أسند إليهم فسبيلا تمييز محوّل من الفاعل ففيه جمع بين الحقيقة والمجاز لكنه جائز في المجاز الحكمي فتأمّل. قوله: (يوارّره في الدعوة) أي يعاونه فيها وهو إشارة إلى معنى الوزير واشتقاقه على اختلاف فيه. واعلاء الكلمة

إظهار التوحيد وهو مجاز معروف كما في الحديث من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. وقوله: ولا ينافي الخ إشارة إلى قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [سورة مريم، الآية: 53] وأنه لا ينافي هذا لأنه وان كان نبيا فالشريعة لموسى عليه الصلاة والسلام وهو تابع له فيها كما أنّ الوزير متبع لسلطانه. وفي قوله: وجعلنا إشارة إلى نبوّته أيضاً إلا أنّ في قوله: لأنّ المتشاركين الخ قصورا لأنه لو كانت الوزارة بمعنى الاشتراك صح جعل موسى وزيراً فلا بدّ من قيد التبعية ولذا قال ووهبنا له ثمة دون جعلناه نبياً لكنه اعتمد على فهمه من جعله معاونا له لظهوره فلا يرد عليه شيء. قوله: (بآياتنا (إمّا متعلق باذهبا وهي الآيات التسع فمعنى كذبوا فعلوا التكذيب قيل وهو ظاهر من صنيع المصنف وفصله منه أو بكذبوا لقربه منه فالآيات دلائل التوحيد أو الآيات التي جاءت بها الرسل الماضية أو التسع وحينئذ يحتاج إلى جعل صيغة الماضي بمعنى المستقبل لتحققه إن لم يكن ذهابا ثانيا لكنه قيل إنه لا يناسب المقام فالمضي بالنظر إلى زمن الحكاية للرسول لا إلى زمن المحكي كما قيل ولا يخفى أنه بناء على أنه يعتبر زمن الأخبار وهو مرجوح عندهم كما تقرر في الأصول إذ المعتبر زمن الحكم فتأمّل.

ص: 422

قوله: (فذهبا إليهم الخ) يشير إلى أنّ فيه إيجاز حذف وأن الفاء في قوله فدمرناهم فصيحة لأنّ أمره مستلزم لامتثالهما وتدميرهم للتكذيب فهو في قوّة المذكور ولذا اختصر وضمن قوله: اختصر معنى الاقتصار فعداه بعلى أو حمله عليه وحاشيتا القصة طرفا قصتهما في الدعوة وهي إلزام الحجة بالبعثة التي في قوله اذهبا فإنّ المقصود ادعواه وألزماه الخ وقال: استحقاق التدمير لأنه هو المتعقب على التكذيب ولذا قال والتعقيب باعتبار الحكم لأنّ حكمه الذي يعقب تكذيبهم لاسنحقاقهم فهذا إمّا توجيه آخر للتعقيب أو هما واحد لتلازمهما وتقاربهما وقد علم الجواب عن أنه وقع بعد أزمنة متطاولة فلا حاجة إلى جعل الفاء سببية أو لمجرد الترتيب أو باعتبار أنه نهاية التكذيب. وقوله: فقلنا معطوف على جعلنا المعطوف على آتينا بالواو التي لا تقتضي ترتيباً فيجوز تقدّمه مع ما يعقبه على إيتاء الكتاب. فلا يرد أن إيتاء موسى الكتاب وهو التوراة بعد هلاك فرعون وقومه فلا يصح الترتيب إلا أن يراد بالكتاب الحكم والنبوّة ولا يخفى بعده. قوله: (وقوم نوح) بالنصب بمقدر أي واذكر قوم نوح أو هو منصوب بمضمر يفسره أغرقناهم ويرجحه أنّ قبله جملة فعلية. وفي الدر المصون أنه إذا كان لما ظرف زمان وأمّا إذا كان حرف وجوب لوجوب فلا يتاتى هذا لأنّ جوابها لا يفسر وجوّز فيه تبعا للقرطبي وأبي حيان عطفه على مفعول دمرناهم وردّ بأن تدمير قوم نوح ليس مترتبا على تكذيب فرعون وقومه فلا يصح

عطفه عليه وقد تكلف في دفعه بأنّ المقصود من العطف التسوية والطير كأنه قيل دمرناهم كقوم نوح فتكون الضمائر لهم والرسل نوح وموسى وهرون وقد قيل إنه ليس من ضرورة ترتب تدميرهم على ما قبله ترتب تدمير هؤلاء عليه، لا سيما وقد بين سببه بقوله: لما كذبوا الرسل الخ وماكه إلى اعتبار العطف قبل الترتب فيكون المرتب مجموع المتعاطفين ومثله يكفي في ترتب بعضه وقد ذكر صاحب الكشف في صورة الصف ما يقاربه. قوله: (كذبوا نوحاً ومن قبله الخ) جواب عما يقال من أنّ الظاهر أن يقال: كذبوه وإذا كان المراد به هو ومن فبله فتعريفه عهدي أو هو للاستغراق إذ لم يوجد وقت تكذيبهم غيرهم وعلى الثاني فهي للاستغراق لكن على طريق المشابهة والادعاء وعلى الثالث فهي للجنس أو الاستغراق الحقيقي وتكذيب الرسل فيه عبارة عن إنكارهم وإرادة نوح عليه الصلاة والسلام بالرسل تعظيماً بعيد والبراهمة قوم قالوا: لا بعثة لا حدوا دعوا استحالتها عقلا وهم نسبة إلى رجل يسمى برهام، وهو صاحب مذهبهم كما في الملل والنحل وأعتدنا بمعنى جعلناه معداً لهم في البرزخ أو في الآخرة وعلى التخصيص المراد بالظالمين القوم الصذكورون فكان الظاهر لهم. قوله:(عطف على هم في جعلناهم) المعطوف على الجملة المتقدّمة المقيدة بالظرف وهو لما لا على المظروف وحده وأورد عليه أنه إن أراد بتلك الجملة أغرقناهم فلا تقيد له بالظرف بل الظرف كما قيل: قيد للمحذوف المفسر به وان أراد بها ذلك المحذوف فمع أنه لا حاجة إلى العطف عليه يخدشه إنّ الوجه حيئذ القطع للاحتياط كما قطع أراها في قوله:

وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلاً أراها في الضلال تهيم

وأجيب باختياو الشق الأوّل وحمل كلامه على التنزل والتسليم مبالغة في دفع ما يرى

بادى الرأي من أنّ قوله: وجعلناهم عطف على المقيد بالظرف وإذا عطف عاداً وثمود على هم لزم تقييد جعلهم آية أيضاً بالظرف المذكور ولا صحة له معنى ولا يخفى ضعفه وأنه لا يتعين نصب قوم نوح بمقدر كما مرّ ولو سلم فالظاهر عطفه على المذكور وانّ الظرف متعلق به وما ذكره من القطع استحساني قد يجوز خلافه اعتماداً على القرينة العقلية ولم يتعرض المصنف رحمه الله لاحتمال كونه معطوفاً على قوم نوح قيل لظهور. ولا يخفى ما فيه، وقيل لأنه منصوب بأغرقنا مقدراً فلا مجال للعطف عليه لأنّ عاداً وثموداً يغرقوا ولا يخفى أنّ المصنف رحمه الله لم يذكر له إعرابا وأنه يحتمل وجوهاً أخر كما مر. نعم عدم ذكره قد يقال إنه قرينة على إرادته إذ لا مانع له سواه فتأمّل. قوله:(لأن المعنى ووعدنا الظالمين) إشارة إلى أنه عطف

على محله لأنه في محل نصب وإنما ذكره تحقيقاً لمحله وليس وجهاً آخر كما قيل والوعد في كلامه بمعنى الوعيد وأعتدنا بمعنى هيأنا قريب منه فلا

ص: 423

وجه لما قيل إنه ليس بمعناه وقوله: على تأويل القبيلة فإذا صرف فباعتبار الحي أو أنهم سموا بالأب ا! بر وعدم تنوينه قراءة حمزة وعاصم قيل وقد خالف عادته فيهما فإنه يقول قرى مجهولاً في الشواذ. قوله: (وهي البئر الغير المطوية) أي المبية يقال طويت البئر إذا بنيتها بالحجارة قال:

وبئري ذو حفرت وذو طويت

وانهارت بمعنى انهدمت وغارت وقوله: بفلج اليمامة بسكون اللام وفتحها وفي آخره

جيم وهي قرية عظيمة بناحية اليمامة وموضع باليمن من مكان عاد واليمامة معروفة والأخدود الحفرة المستطيلة وإنطاكية بتخفيف الياء بلدة معروفة وقصة حبيب النار ستأتي في سورة يس وحنظلة قيل: إنه كان بفلج اليمامة وهو نبي اختلف في عصره وقيل: هو خالد بن سنان وطير اسم جنس جمعي يجوز تذكيره وتأنيثه فلذا قال عظيم وفيها. قوله: (يقال له فتح أو دمخ) فتح بالفاء والتاء المثناة من فوق والحاء المهملة وقيل إنها معجمة وقيل إنه بمثناة تحتية وجيم ودمخ بدال مهملة وميم ساكنة وخاء معجمة. وقوله: تنقض بمعنى تنزل وأعوزها بمعنى احتاجت إليه. قوله: (ولذلك سميت منرباً) إمّا لإتيانها بأمر غريب وهو اختطاف الصبيان وقيل إنها اختطفت عروساً أو لغروبها أي غيبتها وقد قيل أيضاً في وجه التسمية إن وكرها كان عند مغرب الشمس وقيل إنها طائر موجود الاسم معدوم الجسم ويقال عنقاء مغرب بالتوصيف والإضافة مع ضم الميم وفتحها وقوله أي دسوه في الغريبين رسه ودسه بمعنى أدخله والقرن تقدم الكلام فيه. قوله: " شارة إلى ما ذكر) من الأمم ولذا أضيف إليه بين وقوله لا يعلمها إلا الله فسره به لقوله: {وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [سورة غافر، الآية: 78] والإعذار بيان العذر وازالته.

وقوله: فتتنا أي مزقنا وأهلكنا. قوله: (والثاني بتبرنا لأنه فارغ) أي لا معمول له بخلاف ضربنا لذكر له وتقديمه للفاصلة لا لإفادة القصر على أنّ المعنى كلَا لا بعضاً كما قيل لإفادة لفظ كلا له والفرق بين النفي والانتفاء تكلف وقوله يعني قريشاً فالضمير لهم لا للمهلكين المار ذكرهم لعدم صحته معنى. قوله: (مروا مرارا) فسره به لأنّ أتى إمّا متعدّ بنفسه أو بإلى فتعديته بعلى لتضمته معنى المرور وأتى وان تعدى بعلى كما في القاموص لكنه بمعنى آخر يقال أتى عليه الدهر أي أهلكه فهو كقوله: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [سورة الصافات، الآية: 137] قيل وقوله: مرارا أخذه من هذه الآية لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً والأحسن إنه من قوله هنا أفلم يكونوا يرونها لأنّ كان والمضارع يدل على التجدّد والتكرر كما أضار إليه المصنف ولم يصرح به في أوّل الآية بأن يقول ولقد كانوا يأتون للإشارة إلى أنّ المرور ولو مرة كاف في العبرة ومتاجر جمع متجر بمعنى التجارة لا صيغة مفاعلة. قوله: (يمني سدوم) أي المراد بالقرينة سدوم وهي مدينة قوم لوط عليه الصلاة والسلام وهي بالسين والدال المهملتين وقيل إنه بذال معجمة والدال خطأ وصححه الأزهري وقال سذوم بالمعجمة اسم أعجمي وفي الصحاح إنه بالمهملة وفي الكشف الاعتماد على ما قاله الأزهري وهو اسم قاضيها في الأصل ولذا قيل أجور من سذوم ثم غلب على القرية وقوله: عظمى قر! قوم لوط بدل أو صفة لسدوم وهو إشارة إلى وجه إفراد القرية بالذكر مع تعدّد قراهم وقوله أمطرت الخ تفسير لمطر السوء. قوله: (في مرار مرورهم) إشارة إلى ما في المضارع من الاستمرار وفي كان من التكراو ولذا لم يقل أفلا يرونها وهو أخصر وأظهر. قوله: (بل كانوا كفرة الخ الما كان الرجاء في الأصل انتظار الخير ونشور الكفار لا خير فيه لهم فسره بوجو. منها أنه هنا بمعنى التوقع مجازا وهو يعم الخير والشر ومنها أنه على حقيقته وليس المراد بالنشور نشورهم بل نشور فيه خير كنشور المسلمين وهم لا يرجونه حتى يرجعوا عن كفرهم ومنها إنّ المراد بالرجاء الخوف على لغة تهامة كما مر تحقيقه وليس بمجاز كما توهم لأنّ جعله لغة يأباه بحسب الظاهر فالمراد بالنشور نشورهم والركاب الإبل المركوبة واحدها ركوبة أو لا واحد له من لفظه فواحده راحلة. قوله: (ما يتخذونك) إشارة إلى أنّ إن نافية وقوله موضع هزء أو مهزوأ* به يعني معنى تخاذه هزوا الاسنهزاء به فهزواً إمّا مصدر بمعنى المفعول مبالغة أو هو بتدير مضاف أي موضمع هزء ومعنى اتخاذه موضمع هزءانه مهزوء به وإنما أوّل ليصح حمله على

ضمير الرسول وجملة أن يتخذونك جواب إذا وهي تنفرد بوقوع جوابها المنفي بما ولا وان بدون فاء بخلاف غيرهما من أدوات الشرط وجملة أهذا حال بتقدير القول

ص: 424

أو مشتانفة " في جواب ماذا تقولون ويجوز أن يكون الجواب أهذا الذي الخ بتقدير يقولون وجملة إن يتخذونك معترضة.

قوله: (قول مضمر) أي محذوف وفرق بعضهم بينهما بأنّ المضمر يقال فيما كان له أثر ظاهر أو مقدر وهو هنا نصب المقول محلَا لأنه مفعوله والمحذوف بخلافه. وقزله:، والإشارة للاستح! قار لأنّ كلمة هذا تستعمل له وعائد الموصول محذوف أي بعثه ورسولاً حال منه هـ وقوله: بجعله صلة لأنّ الصلة يكون معناها معهوداً فيقتضي العلم باتصاف الموصوف بها والمقول له فلا يقال كيف أتى به كذا وهو منكر عندهم ولم يلتفت إلى تقدير في زعمه لأنّ هذا أبلغ مع سلامته من التقدير. وقوله: ولولاه أي لولا التهكم والاستهزاء وإفراد الضمير لأنهما كشيء واحد. وقوله: إنه كاد إشارة إلى أنها مخففة من الثقيلة لدخول اللام الفارقة في حيزها. فوله: (ليصرفنا الخ) يعنون إنه مع كثرة ما يورده في صورة المعجزات لم يصرفنا عما نحن عليه لصبرنا وتثبت أقدامنا وهذا مناسب لما قبله وربما يتوهم أنه مناقض لاستحقارهم واستهزائهم حتى يقال إنه ليس كذلك لأنّ الاستحقار من وجه لا ينافي الاستعظام من وجه آخر والقوّة لكثرة الإيراد والمورد لا ينافي ضعف المدعي من جهة أخرى كما قيل رداً على من قال إنما تناقض كلامهم لاضطرابهم وتحيرهم فإنّ الاستفهام السابق دال على الاستحقار وهذا دال على قوّة حجته وكمال عقله ففي ما حكاه الله عنهم تحميق لهم وتجهيل لاستهزائهم بما استعظموه وقد قيل عليه إنه ليس بصريح في اعترافهم بما ذكر بل الظاهر أنه أخرج في معرض التسليم تهكماً كما في قولهم بعث الله رسولاً وهو الأنسب بذكره في ضد الهزء من غير تعرض لاختلاف مقالتهم والحق ما ذكرناه أولاً لأنّ كاد ونسبة الإضلال إليه وتسليم إلهية ما عبدوه يدفع التناقض ويأبى الاسنهزاء كما لا يخفى واليه أشار المصنف فتدبر. قوله: (ولولا في مثله تقيد الحكم المطلق) يعني أنّ لولا في معنى الثرط الذي هو قيد للجزاء وما قبله لدلالته على الجزاء كما في معناه وهذا في معنى القيد له كقولك أنت طالق إن دخلت الدار وإنما قال دون اللفظ لأنّ الجزاء لا يتقدّم على الصحيح. قوله: (كالجواب لقولهم إن كاد الخ) من أمّا اسنفهامية خبرها

أضل والجملة سادة مسد مفعولي يعلمون أو موصولة وأضل خبر مبتدأ محذوف أي هو أضلى وانجملة صلته،! وحذف صدر الصلة لطولها بالتمييز والمراد بالجواب الجواب المعروف لا جواب الشرط وجعله كالجواب لا جوابا لعدم صراحته وقوله: فإنه الخ بيان لكونه كالجواب والمراد أنهم جعلوا دعوته صلى الله عليه وسلم إضلالاً والمضل لغيره لا بد أن يكون ضالاً وهذه الجملة تدل على نفي الضلال عنه لأنّ معناها أنهم يعلمون أنهم في غاية الضلال لا هو ونفي اللازم يقتضي نثي ملزومه فيلزمه أن يكون هاديا لا مضلا. وقوله: يكون عطف على قوله يلزمه والموجب بفتح الجيم وكسرها أي يفيد نفي ما يكون موجباً لقولهم هذا وهو كونهم على الهداية والرشاد قيل وكأنه جعل لفظ أضل في النظم بمعنى الضلال! ولذا قال: كالجواب ولو أريد به مطلق الزيادة بمعنى في غاية الضلال وهو الضال المضل كان أحسن والمعنى سوف تعلمون المضل فيفيد نفي ما صرحوا به من كونه مضلا فيكون جوابا لا كالجواب ولا يخفى ما فيه فإنه ليس بصريح في الجواب على كل حال فتأمّل. والوعيد في قوله: يرون العذاب. قوله: (بأن أطاعه) يعني إنّ الإله هنا استعارة للمطاع المتبع الذي هو عنده كالدين والمراد بالدليل ما في الافاق والأنفس ولذا جعله مبصرا. وفي نسخة يتبصر. وقوله: قدم المفعول الثاني وهو إلهه على لأوّل وهو هواه لأنّ المعنى جعل هواه إلها له والعناية الاهتمام به لأنه هو الذي نشا منه شدة الإنكار فكم في الناس من ذي هوى يعذر في هواه وأمّا هؤلاء فلجعلهم هواهم كالإله المعبود استحقوا الإنكار الشديد فمن علله بأنّ الإله يستحق التعظيم والتقديم لم يصب إذ الإله المراد به الهوى ليس كذلك وقد قيل إنّ تقديمه للحصر كأنه قيل أرأيت من لم يتخذ معبوده إلا هوا. فهو أبلغ في ذمّه وتوبيخه وفيه نظر. ثم إنه أورد عليه أنّ المبتدأ والخبر في الحال أو الأصل كما هنا إذا كانا معرفتين لا يجوز تقديم أحدهما على الآخر وليس هذا على إطلاقه فإنه إذا قامت القرينة صح ذلك كما صرحوا به والقرينة هنا قائمة عليه وهي عقلية لأنّ المعنى عليه كما عرفت فلا حاجة إلى القول بأنّ أهل المعاني لا يسلمون هذا فتدبر ورأى علمية فقوله أفأنت الخ في محل المفعول

ص: 425

الثاني أو بصرية فهو مستأنف. قوله: (تمنعه الخ) تفسير لقوله حفيظاً. وقوله: وحاله هذا أي جعله هواه إلها وهذه جملة حالية بيان لوجه الإنكار. وقوله: بل أتحسب إشارة إلى أنّ أم منقطعة وضمير أكثرهم لمن باعتبار معناه وقوله: عليه باعتبار لفظه واختير الجمع هنا لمناسبته إضافة اكثر لهم وأفرد فيما قبله لجعلهم في اتفاقهم على الهوى كشيء واحد وقيل إنه للكفار لا لمن لأنّ قوله: عليه يأباه وليس بشيء. قوله: (وهو أشد مذمة) أي ذمّا لسلب

الإحساس والشعور عنهم وجعلهم كالحيوان فالإضراب للانتقال من القبيح إلى الأقبح وقوله: منهم من آمن أي بعد اتخاذ إلهه هواه والمضيّ باعتبار الحكاية وقوله: إن هم إن كان الضمير لدمر فهو ظاهر وإلط كان لمن فاكتفى عن ذكر الأكثر بما قبله. وقوله لأنها تنقاد لمن يتعهدها أي تطيع من يقوم بعهدة مصالحها كأكلها وسقيها ولذا عداه وهو لازم. وقوله: غير متمكنة من طلب الكمال لعدم تكليفها وعقلها وما وقع في نسخة من على بدل من تحريف. قوله: (ألم تنظر إلى صنعه) وفي نسخة إلى صنيعه وهو إشارة إلى أنّ الرؤية هنا بصرية لأنها هي التي تتعدّى بإلى وإنّ فيه مضافاً مقدّرا لأنه ليس المقصود رؤية ذات الله هنا وكيف منصوب بمذ على الحالية وهي معلقة لتر إن لم تكن الجملة مستأنفة وقد تقدم تفصيله وهذا شروع في بعض أدلة التوحيد بعدما نعى على الكفر شركهم وكيف للاستفهام عن الحال وقد تجرّد عن الاستفهام وتكون بمعنى الحال نحو انظر إلى كيف تصحنع وقد جوّزه الدماميني في هذه الآية على أنه بدل اشتمال من المجرور وهو بعيد. وألم تنظر إلى الظل الخ يعني كان حق التعبير هذا فعدل عنه إلى ما ذكر لما ذكره لا أنّ فيه تقديماً وتأخيراً فإنه لا وجه له فبعدما كان متعلق الرؤية الظل جعله الرب إشعارا بأنّ المعقول وهو صنيع الرب تعالى وتقدّس المفهوم منه كالمحسوس لأنّ صنعه وهو مدّ الظل أمر معقول جعل كالمحسوس لإدخاله تحت الرؤية والظل أمر محسوس وقع التعبير عن رؤيته ممدودا برؤية الرب مادّاً له فجعل المعقول كالمحسوس لما ذكر وهو أظهر في الدلالة على ما ذكر ولا يخلو كلامه من إغلاق قيل والأولى أن يقول إنّ التعبير المذكور للإشعار بأنّ المقصود العلم بالرب علماً يشبه الرؤية وقوله برهانه الضمير المجرور عائد على المعقول أو للظل بجعله مضافاً للفاعل أو المفعول والبرهان بمعنى لدلالة لا المدلول فلا مسامحة في رجوع ضمير هو إلى البرهان لا إلى المعقول وضمير حدوثه وتصرفه للظل وقوله: لوضوح علة لقوله كالمشاهد والتصرف مصدر مجهول وهو زيادته وكماله ونقصانه

والأسباب الممكنة طلوع الشمس وحركتها والإجرام. وقوله: على أنّ ذلك متعلق بدلالة وكالمشاهد خبر أنّ. قوله: (فكيف بالمحسوس منه) وهو الظل نفسه أي فكيف يثتبه كون المحسوس وهو الظل شاهدا حتى يبين فلا يرد أنه من مراتب الضوء فكيف يصح تشبيهه بالمشاهد مع أنه يصح أيضا إذا أريد بالمشاهد الجرم وكذا لا يرد أنه لا يتعلق الغرض بالمحسوس منه حتى يقول فكيف الخ إذ لا خفاء في كون مد الظل مشاهدا مقصوداً فكذا هو نفسه في ضمته فتأمّل. قوله: (أو ألم ينتة علمك الخ) فرأى علمية لا بصرية كما في المعنيين الأوّلين وهذا لازم معناها كما قيل وتعديته بإلى لتضمين معنى الانتهاء وكون إلى اسماً واحدا لآلاء وهي النعم بعيد جداً وذلك مد الظل أو الظل الممدود وقوله فيما بين الخ هو على الوجه الأخير أو على جميع الوجوه وقوله وهو أي ما بين طلوع الفجر والشمس وهو زمان مد الظل وبسطه أو الظل الممدود ويؤيده قوله: ولذلك الخ وقوله: يبهر البصر أي يغلبه. قوله: (ثابتاً من السكنى الخ) أي دائماً غير زائل فإنّ السكنى الاستقرار وذلك بأن لا تطلع الشمس أو لا تذهب وهذا أنسب بما قبله من الامتنان بمد الظل وغير متقلص من قلص الظل إذا ارتفع وقوله: ة إنه لا يظهر فالدليل باعتبار ظهوره لا وجود. إذ هو موجود ما بين الفجر وطلوع الشمس وبعض الإجرام وهو ماله الظل. وقوله: أو لا يوجد لأنّ وجوده بحركة الشمس إلى الأفق وتفاوته بحركتها من الأفق إلى ما فوقه عادة لكنه قيل عليه إن ثم لا تناسب الوجود فإنه ليس بعد المد والدليل حينئذ بمعنى العلة وهو خلاف الظاهر أيضا. قوله: (لما عبر عن إحداثه يمعنى التسيير) في نسخة النشر وهو أنسب بالقبض إذ القبض إلى نفسه بمعنى جمعه وهو المراد بالكف من كف أطراف ثوبه إذا جمعها لا بمعنى الترك وقوله: قليلاً قليلا هو بقرينة

ص: 426

الواقع ولولاه لم يدل اللفظ على التدريج ولو قبضه دفعة واحدة لم تحصل به المصالح. قوله: (وثم في الموضعين الخ) يعني أنّ التراخي رتبي ففيه اسنعارة تبعية شبه تباعد الرتبة بالتباعد الزماني فاستعير له ما يدل عليه وهو إمّا من الأدنى إلى الأعلى فإن جعل الشمس دليلَا بطلوعها وهو

أنفع من الظل الصرف وارتفاعها الملزوم للقبض أنفعءمنه أو بالعكس فإنّ الظل أطيب الأحوال وأدنى منه وقت الطلوع وأدنى منه وقت الشعاع. قوله: (أو لتفا! ل مبادي أوقات ظهورها) فالتراخي رّماني لكنه باعتبار الابتداء فإنّ بيته وبين ابتداء ما بعده بعد زماني فبين ابتداء الفجر وطلوع الشمس بعد وكذا ما بعده. قوله: (وقيل مدّ الظل الخ) هذا ذكره الزمخشري وضعفه المصنف رحمه الله لتكلفه وقيل إنه لا يناسب قوله: ألم تر وقد منع إذا كان بمعنى ألم تعلم وقال بعض الصوفية المراد من الظل العالم ومن الشمس الله تعالى وقبضه إهلاكه وهو قريب مما ذكره المصنف. قوله: (فألقت عليه طلها) قيل عليه إذا لم يكن نير كيف يتحقق الظل إذ الواقع حينئذ هي الظلمة وهي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيكا ولا يتفاوت الحال بين إن تبنى السماء فوق الأرض أم لا في انتفاء الضوء وتحقيق الظلمة وأجيب بأنّ السماء شفافة لها نور ما ويكونه فوق الأرض يشتدّ ظهوره أو المراد بالنير الشمس لتبادره فلا يرد ما ذكر أو المراد أنّ الأرض كانت إذ ذاك مظلمة غير مضيئة وكونه ظلاً باعتبار ما ترى في بادئ النظر وقد ذكر نحوه في تفسير قوله: أغطش ليلها والمراد بتلك الحالة بناء السماء على الأرض دون إيجاد شيء آخر وهو تفسير لقوله: ولو شاء لجعله ساكناً على هذا الوجه وثم للتراخي الزماني على هذا. قوله: (ثم خلق) هو معنى جعل على هذا وعليه مفعول ثان له على هذا بتقدير مسلطاً عليه ودليلَا حال وهو بمعنى ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر والاستتباع في كلامه بمعنى اللزوم وضمير عليه واياه للظل يعني أنّ الشمس مسلطة على الظل بإيجاده واعدامه ودليل عليه لإظهاره وذكر مسلطاً وان كان صفة للشمس لتأويله بالكوكب ومن تقريره يظهر وجه تكلفه وتمريضه. قوله: (أو دليل طريق من يهدبه) في أكثر النسخ دليلا بالتنوين ولطريق جار ومجرور متعلق به وهو معطوف على مسلطا والدليل بمعناه العرفي ومن الموصولة قيل إنها عبارة عن الظل وضمير يهديه للشمس وفي بعضها دليل الطريق بالإضافة وهو معطوف على فاعل يستتبع ومن معطوف على مفعوله وقوله: يتفاوت بحركتها الخ اسنئناف-لبيان نسبة الاستتباع المذكور وتحوّله بتحوّلها وان اختلفت جهة التحوّل في الظل والدليل فإنّ الدليل يتبحه من يهديه في جهته والظل بخلات فتأمّل وقوله: شيئاً فشيئاً يعني أنّ يسيرا بمعنى التدريج لأنّ المعنى متدرجا إلينا أو بمعنى سهل فإنه يستعمل بهذا المعنى أيضاً وقوله: عند قيام الساعة بقرينة قوله: إلينا والتعبير بالماضي لتحققه ولمناسبة ما ذكر معه وقوله بقبض أسبابه فإعدامه بإعدام أسبابه كما أن إنشاءه بإنشائها. قوله تعالى: ( {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} ) قدم هنا جعل الليل لباساً على جعل النوم

سباتاً لتقدمه عليه ووقوع النوم في أثنائه ولمناسبة الليل للظل وعكس في سورة النبا ليتصل الليل بالنهار بعده والنوم بالأرواح التي هي راحة لهم. وقوله: شبه الخ إشارة إلى أنه تشبيه بليغ لا استعارة لذكر الطرفين وكذا ما بعده. قوله: (واحة للأبدان الم يرتض هذا في الكشاف لأن مقابلته بالنشور يرجح الثاني وأشار المصنف إلى جوابه بأن النشور بمعنى الانتشار للمعاش فهو مقابل لسكون الراحة لكن المتبادر منه الأوّل وهو يكفي مرجحاً كما أشار إليه في الكشف والسبات بالسين بتفسيربه من القطع لكنه على الأوّل قطع المشاغل وعلى الثاني قطع الإحساس أو الحياة. قوله: (ذا نشور) يعني أنه جعل النهار نشوراً مبالغة ومعناه ذو نشور والنشور الانتشار أو هو بمعنى ناشر على الإسناد المجازي لانتشار الناس فيه للمعاش فهو كقوله: {جَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [سورة النبأ، الآية: 11] وقوله: أو بعث معطوف على انتشار أو نشور وقوله بعث الأموات منصوب على المصدرية أي كبعث الأموات واليقظة بفتح القاف وتسكن لضرورة الشعر وأنموذج ويقال نموذج معرب نمونه وما ذكره عن لقمان إشارة إلى تشبيه النوم بالموت وأنه أخوه وأمّا قوله الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فمعنى آخر وفي كلامه لف ونشر لتفسيري السبات والنشور. قوله: (وقرأ ابن كثير على التوحيد) وقوله: على إرادة الجنس

ص: 427

بالألف واللام أو الاستغراق فهو في معنى الجمع موافقة لقراءة الجمهور ولا يعارضه ما ورد في الحديث من قوله: اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ولذا قيل إنّ الريح حيث أريد بها ما لا يضرّ جمعت وفي عكسه تفرد لأنه إمّا أكثريّ أو عند عدم القرينة أو في المنكر ويلائمه كلام المصنف رحمه الله. قوله: (ناشرات) أي هو حال وهو جمع نشور كرسول ورسل وبفتح النون وسكون الشين مصدر وقع حالاً أيضاً وقوله وصف به لأنها صفة معنى ومفعول مطلق من أرسل لأنه بمعنى نشر ومعنى نشرها للسحاب جمعها لها من النشر بمعنى البعث لأنها تجمعها كأنها تحييها لا من النشر بمعنى التفريق لأنه غير مناسب إلا أن يراد به السوق مجازاً وتخفيف نشر بضمتين بمعنى تسكينه وبشور بالباء الموحدة صيغة مبالغة أو مصدر بمعنى مبشر فهو كقوله: {أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [سورة الروم، الآية: 46] وقوله: قدام تفسير لبين يدي والمطر تفسير للرحمة لأنها استعيرت له ثم رشحت. كقوله: يبثرهم ربهم برحمة منه وجعلها بين يدبه تتمة لها لأنّ البشير يتقدّم المبشر به ويجوز أن تكون تمثيلية وبشرا من تتمة الاستعارة داخل في جملتها ومن قرأ

نشراً كان تجريداً لها لأنّ النشر يناسب السحاب. قوله: (مطهرا) تفسير للمراد منه وقوله: لقوله الخ دليل على أنّ المراد بالطهور المطهر لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً ثم شرع في بيان كيفية دلالته على التطهير مع أنّ فعولاً صيغة مبالغة من الثلاثي وهو لازم فكيف يفيد معنى التعدي فقال: وهو اسم لما يتطهر به يشير إلى قول الأزهريّ في كتاب الزاهر فعول له معان مختلفة منها إنه اسم اكة لما يفعل به الشيء كغسول ووضوء وفطور في أخوات كثيرة ويكون صفة بمعنى فاعل أو مفعول واسماً كذنوب ومصدراً لكنه قليل فالطهوو ما يتطهر به فيدلّ وضعا على أنه مطهر وليس صفة حتى يرد ما أوردو. ولا الإسناد فيه مجازي كما توهم وهو بدل أو عطف بيان لا صفة لماء وليست الواو في قوله: وهو الخ بمعنى أو كما توهم. وقوله: به تنازعه يتوضأ ويوقد ثم ذكر أحاديث دالة على وروده بهذا المعنى والحديث الأوّل في السنن والثاني في مسلم والتسبيع والتتريب مذكور في كتب الفقه مع الاختلاف فيه وليس هذا محله وولغ بمعنى أدخل لسانه فيه ليشرب مته. قوله: (وقيل بليغاً في الطهارة الخ) قائله الزمخشري قال بعده وعن أحمد بن يحى هو ما كان طاهرا في ففسه مطهر الغيرة فان كان ما قاله شرحاً لبلاغته في الطهارة كان سديداً والا فليس فعول من التفضيل في شيء وقال في الكشف فيه إيماء إلى أنّ الطهارة لما لم تكن في نفسها قابلة للزيادة لأنها شيء واحد رجعت المبالغة فيه إلى انضمام التطهير إليها إلا أنّ اللازم صار متعدياً الخ وقد اعترض عليه بأنّ إفادة المبالغة تعلقه بالغير لا يساعده لغة ولا عرف فانظر إلى قول جرير:

عذب الثنايا ريقهن طهور

انتهى. ومثل بيت جرير قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [سورة الإنسان، الآية:

21] وقد ردّ على من أورده الزجاجي بأنّ ما ذكره أهل اللغة في حقيقته ووصف الريق والشراب ابه ليس كذلك ويؤيده ما قيل إنّ المبالغة يجوز أن تكون في الكيفية باعتبار أنه لم يخالطه شيء آخر مما في مقرّه أو ممره كمياه الأرض فقوله رجعت المبالغة غير مسلم وقد علمت مما حققناه إنّ الطهور بمعنى المطهر عند أهل اللغة كما ذكره الأزهري وغيره من الثقات لا لأنه من التفعيل

كما ظنه الزمخشري بل لأنه ا-لة الطهارة كالفطور لما يفطر به وا-لة الطهارة هي المطهرة فلا حاجة إلى ما تكلفوه لتوجيهه ولا ورود لما أوردوه عليه فإنه ناشئ من عدم التحقيق ولبعض الفضلاء هنا كلام طويل تركناه لأنّ المقام لا يتحمله. قوله: (وإن غلب في المعنيين) أي كونه اسم آلة كطهور وكونه للمبالغة بمعنى فاعل كأكول والصبوب بصاد مهملة وباءين موحدتين بمعنى مصبوب وفي نسخة ضبوث بضاد معجمة وباء موحدة وثاء مثلثة من ضبثه إذا جسه بيده والمراد ناقة بحس باليد للشك في سمنها والمصدر بوزن فعول بالفتح نادر والمعروف فيه الضم والاسم بمعنى اسم الجنس الجامد والذنوب الدلو المملوءة ماء أو القربة من الماء ويطلق على النصيب. وقوله: وتوصيف الماء في نسخة يوصف الماء0 وقوله: للمنة فيه أي في نفسه لكونه طاهرا مطهرا وما بعده السقي به وتطهير ظواهرهم من تفسير طهور بمطهر والمقصود من التطهير التقرب إلى الله تعالى وتطهير الباطن أزيد في القرب فيعلم بالطريق الأولى وما قيل

ص: 428

من أنّ مدخول لام العلة يكون مقصوداً بما قبله لا وجه له فتأمّل. قوله: (بلدة ميتاً) المراد به مطلق الأرض أو معناه المعروف. وقوله: بالنبات تفسير للأحياء به بالأنبات فقوله: بالنبات بدل من قوله به أو متعلق بنحعص على أنّ الباء الأولى آلية أو سببية وهذه للملابسة أو على حدّ أكلت من بستانك من العنب وجعله تفسيراً على الاستخدام في ضمير به تعسف وقوله غير جار على فعله يعني أنه من أمثلة المبالغة التي لا تشبه المضارع في الحركات والسكنات حتى يعمل عمله في غير شذوذ كما ذكره النحاة ويزيد بدلالته على الثبوت فلذا أجريت مجرى الجوامد في عدم عملها والحيا بالقصر المطر. ولذلك نكر يعني أن تنكيره للتنويع فالمراد نوع من الإناسي والأنعام وهم سكان البوادي وكذا تنكير بلدة ومن تبعيضية أو بيانية وكثيرا صفة لهما لا على البدل والأنهار إن كانت من الأمطار فالمراد ما كان بلا عود منها وبهم وبما حولهم الجار والمجرور وما عطف عليه خير مقدم وغنية بمعنى استغناء مبتدأ مؤخر والسقيا بالضم بمعنى السقي وسائر الحيوانات يعني به ما عدا الأنعام وهو وجه لتخصيصها مع احتياج غيرها للسقي.

وقوله: مع أنّ الخ وجه آخر لشخصيصها بالذكر والقنية بكسر القاف وضمها ما يقتنيه لنفسه وعليته بعين مهملة ولام ساكنة جمع على كصبية وصبي والعلي الشريف لكنهم يقولون في الاستعمال عليه الناس بمعنى أكثرهم وهو المراد كما في شرح الكشاف. قوله: (وسقي وأسقي) بمعنى أي أوصله إلى ما يشربه وجعل السقيا له بمعنى تهيئتها واعدادها ويقال سقي وأسقي وسقى بمعنى واحد وقد فرق بينها وهي متقاربة وقوله وأناسي أي قرئ أناسي بحذف ياء أفاعيل فيكون بياء خفيفة ساكنة كما جمع أنعام على أناعم وظربان بكسر الظاء وسكون الراء المهملة وباء موحدة دويبة منتنة الريح ويجمع على ظرابيّ بتشديد الياء وأصله ظرابين فأبدلت نونه ياء وأدغمت وكون إناسي جمع إنسان وأصله أناسين مذهب سيبويه وكونه جمع إنسيئ مذهب الفراء والمبرد والزجاج وأورد عليه في الدر المصون إنّ فعالي إنما يكون جمعاً لما فيه ياء مشددة إذا لم يكن للنسب ككرسي وكراسي وما فيه ياء النسب يجمع على أفاعلة كازرقي وأزارقة وكون يا إنسي ليست للنسب بعيد فحقه أن يجمع على أناسية وقال: في التسهيل أنه أكثريّ فلا يرد ما ذكر. قوله: (صرّفنا هذا القول) المفهوم من السياق وهو ذكر إنشاء السحاب وانزال القطر وتصريفه وتكريره وذكره على وجوه ولغات مختلفة أو المطر فالضمير له لفهمه من قوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء} وتصريفه تحويل أحواله وأوقاته وانزاله على أنحاء مختلفة. وقوله: لم ما عام الخ ما نافية وأمطر أفعل تفضيل بمعنى أكثر مطراً يعني ليس تفاوت السنين فيه إلا لحكمة إلهية وهذا الحديث رواه الحاكم والطبراني. وقوله: أو في الأنهار والمنابع معطوف على قوله في البلدان فمعنى تصريفه تقسيمه عليها. وقوله: أو ليعتبروا وقع في نسخة بالواو. قوله: (إلا كفران النعمة) فالكفور بمعنى كفران النعمة بعدم الاكتراث والمبالاة بها أو الجحود والإنكار لها رأساً بماضافتها لغير. بأن يقولوا مطرنا بنوء كذا والنوء كما في أدب الكاتب سقوط النجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من ساعته في المشرق من ناء نهض لأنّ الطالع ينهض وبعضهم يجعل النوء السقوط فهو من الأضداد وكانوا إذا سقط نجم وطلع آخر فكان عنده مطر أو ريح أو برد أو حر نسبوه إلى الساقط إلى أن يسقط الذي بعده فإن سقط ولم يكن مطر قيل

خوي وأخوى انتهى. ثم إنه أشار إلى ما في الكشاف من أنه إن اعتقد أنّ النجوم فاعلة ومؤثره استقلالاً فهو كافر وان اعتقد أنها أسباب يسببها الله تعالى بفعله وخلقه أو أمارات نصبها لا يكفر وكذا سائر أحكام النجوم وظاهره أنه لا يأثم أيضا وقد صرّح الإمام بأنه خطأ. قوله: (نبياً ينذر أهلها الخ) ما ذكره المصنف أحسن من قول بعضهم يعني أنّ المقصود من البعثة إبلاغ الدعوة وإلزام الحجة لا الاهتمام في أمر الهداية والا لفعلنا ما هو أدعى لذلك من دعوة كل أهل قرية بنذير مستقل وقد كفينا بتركه مؤنته واعباء النبوّة أثقالها استعارة وتعظيمه وإجلاله بعدم نبيّ في عصره ظاهر وأورد على قوله: وتفضيلاً لك على سائر الرسل أنه لا يلزم من تخصيصه بالرسالة في زمانه تفضيله على سائر الرسل إلا إذا ثبت أنّ كل رسول معه نبيّ. كذلك

ص: 429

ويدفع بأنه تعليل لعموم رسالته المفهوم من السياق وهو مخصوص به كما تقرّر فتدبر.

قوله: (فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد الخ) أي قصر الرسالة عليه نعمة جليلة ينبغي شكرها

وهو بمقابلتها بذلك لأنّ إعلاء كلمة الله لازم وليس في الوجود غيره حتى يقوم له بذلك فيلزم ما ذكر وهذا بيان لمحصل المعنى وتوطئة لقوله: {فَلَا تُطِعِ} الخ وبيان لترتبه عليه واقترانه بالفاء وليس في الكلام حذف وتقدير كما قيل حتى يرد أنّ فيه حذف العاطف والمعطوف ويتكلف لتوجيهه ما تكلفوه. وقوله: فيما يريدونك عليه في الأساس أراده على كذا إذا حمله عليه. وقوله: وهو تهييج أي تحريك لغيرته والا فإطاعته لهم غير متصوّرة حتى ينهى عنها وإذا خوطب بشيء تضمن خطاب أمّته فلذا قال وللمؤمنين. قوله: (بالقرآن أو بترك طاعتهم الخ) يعني أنّ ضمير به إمّا للقرآن أو للترك المفهوم من النهي والباء للاستعانة أو للملابسة. وقوله: والمعنى أي على الثاني يعني إنا عظمناك بجعلك مستقلاً بمسك الختام ليدخر لك حسن الجزاء فعليك بالمجاهدة والمصابرة ولا تعبا بما قابلوا به من الإباء والمشاجرة ومدار السورة على عموم بعثته لكافة الناس ولذا جعل براعة استهلالها تبارك الذي الخ وجوّز في الكشاف رجوعه إلى كونه نذيراً أي جاهدهم بسبب كونك نذيراً للكافة. قوله: (لأن مجاهدة الخ) بيان لكون ما ذكر جهادا كبر لأنه أشق والا لم فيه أشد لكونه روحانيا. وقوله: (فيما بين أظهرهم) خبر أن

وهو بيان لكونه أكبر أيضا ولم يحمله على الجهاد بالسيف لأنّ السورة مكية. وقوله: إلى كافة القرى فهم من قوله: ولو شئنا الخ واستعمل كافة معرفة غير منصوبة على الحال وقد منعه بعضهم والجواب عنه مذكور في شرحنا للدرة. قوله: (خلاهما بالشديد) أي تركهما والمرج وإن كان مطلق الاختلاط ومنه الهرج والمرج لكن ما ذكره يفهم مما بعده إذ لو اختلطا لم تبق الحلاوة فيه والإشارة إلى كل منهما على حدة دالة على ذلك أيضا ومرح الدابة إرسالها لترعى. وقوله: هذا عذب فرات الخ إمّا استئناف أو حال بتقدير مقولاً فيه والفرات الشديد العذوبة من فرته وهو مقلوب من رفته إذا كسره لأنه يكسر سورة العطش ويقمعها كما أشار إليه المصنف والأجاح ضده وهو الشديد الملوحة، وقوله: قرئ سلح بوزن حذر هي قراءة شاذة لطلحة ابن مصرف والحامل على القول بأنّ أصله مالح فخفف إنه لم يسمع ملح بمعنى مالح ولذا أنكر هذه القراءة أبو حاتم. وقوله: كبرد في بارد يشير إلى ما سمع عن العرب في قوله:

أصبح قلبي صرداً وصلياناً بردا

الخ إلا أنه قيل عليه إنّ الأحسن جعله لغة أصلية أو مخفف مليح لأنه ورد بمعنى مالح

لأنّ مالحاً أنكره بعض أهل اللغة وقال إنه عامي وان كان الصحيح أنه مسموع من العرب كما أثبته أهل اللغة وأنشدوا لإثباته شواهد كثيرة. قوله: (حاجزا من قدرثه) فهو كقوله: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يريد لا عمد لها. وإنما هي مرفوعة بقدرته كما مرّ. قوله. (وتنافرا بليغاً) بيان للمعنى المراد منه وهو التمييز التام وعدم الاختلاط وقد مر أنّ حجرا محجوراً كلام يقوله المستعيذ لما يخافه كما فصلناه ثمة فأشار المصنف إلى أنه مراد هنا لكن مجازا كما في قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ} [سورة الرحمن، الآية: 20] فجعل كلا منهما في صورة الباغي على صاحبه المستعيذ منه وهي استعارة تمثيلية كما في تلك الآية وتقريرها كما في شروح الكشاف أنه شبه البحران بطائفتين متعاديتين يريد كل منهما البغي على الآخر لكنهما امتنعا من ذلك لمانع ق! ي مجبر فهي مصرّحة تمثيلية بولغ فيها هنا حيث جعل المعنى المستعار كاللفظ المقول لأنّ كلاً منهما يتعوّذ من صاحبه فانقلبت المصرحة مكنية ولذا كانت من أحسن الاستعارات فلما منعه لما فيه من الاختلاط شبه ذلك المنع بجعلهما قائلين هذا القول فعبر بأنه جعل بينهما هذه الكلمة عن ذلك وظاهر تقريرهم أنه لا تقدير فيه وقد جعل بعضهم على هذا حجراً محجورا منصوبا بقول مقدر ولا بعد فيه وجوّز فيه بعضهم أن يكون مجازاً مرسلاً فاطلق حجرا محجورا على ما يلزمه من التنافر البليغ وقال إنّ كلام المصنف يحتملهما. وقوله: كان الخ بيان للزوم أو للمشابهة وما قبله بيان لحاصل المعنى والمتعوّذ بصيغة الفاعل ولما فيه من معنى التباعد علق به قوله عنه أي عن الآخر فتدبر. قوله: (وقيل حدّا محدودا) فحجرا بمعنى منعا صار بمعنى مانع

فهو مجاز أيضاً والمعنى أنه منعهما عن الامتزاج حتى بعد دخول أحدهما في الآخر فقوله: وذلك إشارة إلى مزجهما

ص: 430

مع الحدّ بينهما وفيه نوع تساهل لا يخفى. قوله: (وقيل المراد الخ) إنما مرضه لأن البرزخ إذا كان بمعنى الأرض لا يدل على كمال القدرة كما في الوجه الأول لا لإطلاق البحر على النهر العظيم لشيوعه حتى جعل حقيقة وإن لم يجعل حقيقة ففيه تغليب لكنه أورد على الأوّل إنّ عدم التغير أصلاً مع بعده مخالف للمحسوس وحيلولة الأرضى إنما هي في مجاريه والا فهو ينتهي للبحر. وقوله: فتكون القدرة في الفصل بالأرض بينهما واختلاف الصفة هي العذوبة والملوحة والعنصر هنا الماء بجملته لأنه عنصر واحد. وقوله: إن تضامت خبر أن وأن فيه مصدرية. قوله: (يعني الذي خمر به طينة آئم) فالمراد بالما " الماء المعروف وتعريفه للجنس والمراد من البشر آدم أو هو وذريته ومن ابتدائية ويسلس بمعنى يلين وقوله: أو النطفة معطوف على قوله: الذي قيل ولم يقل إنسانا لأنه مجموع البدن والروح وهي غير مخلوقة من الماء وخدس بقوله: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ} [سورة النحل، الآية: 4] وقوله: قسمه قسمين إشارة إلى أنّ الواو للتقسيم، فإنها ترد له كما ذكروه وأنّ قوله نسباً وصهراً بتقدير مضاف حذف ليدل على المبالغة ظاهرا والمراد بذي النسب المذكور لأنّ النسب إلى الآباء والمصاهرة التزوّج بالإناث. وقوله: طباع متباعدة تقدم إن الطباع تكون جمع طبع ولذا قال متباعدة والقسمان المتقايلان الذكر والأنثى وقوله ة نطفة واحدة المراد الوحدة النوعية. قوله: (ما لا ينفعهم) أي إن عبدوه ولا يضرّهم إن لم يعبدوه. وقوله: إذ ما من مخلوق ما نافية ومن فيه زائدة واستقلاله بالنفع والضرّ أي من غير إرادة الله وتقديره. وقوله: يظاهر الشيطان إشارة إلى أنّ فعيلا بمعنى فاعل كنديم وجليس بمعنى منادم ومجالس والمظهارة المعاونة والمتابعة وإذا أريد بالكافر الجنس فهو إظهار في مقام الإضمار لنعي كفرهم عليهم. قوله: (وقيل هيناً مهيناً) ففعيل بمعنى

مفعول أي مرمياً به من قوله جعلته بظهر مني إذا نبذته وتركته ومرضه لأنّ المعروف ظهير بمعنى معين لا بمعنى مظهور به. وقوله: فيكون كقوله الخ أي بمعناه ويقرب منه أيضا لأنّ من وراء الظهر لا ينظر إليه ولا يكلم ومثله يواجه والظهير يطلق على الواحد والجماعة وهو على هذا مجاز عن عدم الالتفات وأمّا الآية المذكورة فمجاز أو كناية. قوله: (للمؤمنين والكافرين) أي ما أرسلناك في حال من الأحوال إلا حال كونك مبشراً ومنذراً فلا تحزن على عدم إيمانهم. وقوله: للمؤمنين والكافرين لف ونشر ويجوز تعميم الإنذار للعصاة أيضاً كما جوّزه المصنف في غير هذه الآية واقتصر على صيغة المبالغة في الإنذار لتخصيصه بالكافرين إذ الكلام فيهم والإنذار الكامل لهم وهذا هو الناسب لظاهر كلام المصنف ولو قيل إنّ المبالغة باعتباراً لكم لشموله للعصاة جاز. قوله: (على تبليغ الرسالة الخ) أو على المذكور من التبشير والإنذار. وقوله: إلا فعل من شاء يعني إنّ فيه مضافاً مقدّراً والاستثناء متصل على هذا كما صرّحوا به ولذا صرّح المصنف بالانقطاع في الوجه الثاني واسنثناؤه من الأجر كالاستثناء في قوله:

ولا عيب فيهم غيرأنّ نزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن

وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم كما أشار إليه المصنف بقوله فصوّر الخ وكونه متصلا

بناء على الادعاء وفيه تفصيل في شرح التلخيص لا حاجة لذكره هنا. وقوله: يتقرب الخ يعني أنّ اتخاذ السبيل إلى الله أي إلى رحمته أو جنابه والمراد به لازم معناه لأنّ من سلك طريق شيء قرب إليه بل وصل. وقوله: صوره بصورة الأجر لإدخاله فيه حتى استثنى وكونه مقصوداً بالفعل وذلك إشارة إلى فعل من شاء. وقوله: قلعا إمّا مفعول له أو مصدر أو حال بتأويل قالعا وكذا قوله: إظهاراً واشعاراً أي لما يعرض للعقول القاصرة من توهم أنّ اجتهاده في دعوته حبا للرياسة أو طمعا في المال وقوله: إظهار الخ أي لإظهار شفقة النبيّ صلى الله عليه وسلم على أمّته أو الله وضمير اعتد له أيضاً وضمير انفاعك لغير معين والمراد كل مؤمن مبلغ وقد مرّ إنّ الإنفاع لم يوجد في اللغة وبالتعرض متعلق به فهو كقول ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال ما أطلب منك ثوباً على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه. وقوله: أجراً منصوب باعتد لتضمنه معنى الجعل وكونه وافيا أي تامّا مرضياً لحصره فيه لعدم الاعتداد بغيره. وقوله به متعلق بمرضيا

ص: 431

لتضمنه معنى قانعاً أو الباء زائدة وضمير عليه للأجر. أو للرسول صلى الله عليه وسلم وكون طاعتهم تعود عليه من جعلها أجرا له. ولذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم لي أجري وأجر من يتبعني لأنّ الدال

على الخير كفاعله ولا منافاة بينه وبين الوجه الأوّل لأنّ الإشعار بناء على أن الأجر حقيقي والتصوير بناء على خلافه لأنّ الأول بالنظر إلى نفس فعلهم وهذا بالنظر إلى ما يلزمه ويترتب عليه فجاز اعتبار الأجر وعدمه. قوله: (متقطع الخ) قالا بمعنى لكن والاستدراك باعتبار أنّ المراد من شاء أن يتخذ سبيلا بالإنفاق القائم مقام الأجر كالصدقة والنفق! ة! في سبيل الله لا مطلقا ليناسب الاستدراك. قوله: (فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه دون الأحياء) فيه إشارة إلى أنه يفيد الحصر لأنّ أصله توكل على الله فلما عدل عنه إلى ما ذكر أفاد بفحواه أن من ليس كذلك لا يصح التوكل عليه أمّا غير الإحياء يهالأصنام فظاهر وأما من يموت فلأنهم إذا ماتوا ضاع من توكل عليهم ولذا قيل إنه لا يصح لذي عقل أن يثق بمخلوق بعد نزول هذه الآية أو لأنه لترتب الحكم على وصف مناسب وهو أن المتوكل عليه دائم باق معتمد عليه فصح الحصر. قوله: (ونزهه عن صفات النقصان) قدم التنزيه لأنه تخلية وقوله: مثنيا إشارة إلى أن قوله بحمد وحال والباء للملابسة والثناء بأوصاف الكمال معنى الحمد وهو إذا وقع في مقابلة الأنعام اتحد مع الشكر الموجب للمزيد لقوله: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [سورة إبراهيم، الآية: 7] وهو المراد كما أشار إليه المصنف. وسوابغه بالغين المعجمة بمعنى نعمه كما قال أسبغ عليكم نعمه. وفي نسخة سوابقه بالقاف بمعنى ما قدمه من النعم السابقة. قوله: (ما ظهر منها وما بطن) هو معنى خبير لأنّ الخبرة معرفة بواطن الأمور كما ذكره الراغب ومن علم البواطن علم الظواهر بالطريق الأولى فيدل عل! هما مطابقة والتزاما وقيل إنه من الجمع المضاف لأنه من صيغ العموم وهو المنايسب لتقديمه وخبيرا مفعول أو حال أو تمييز والمفعول محذوف وبذنوب صلة كفى أو خبيراً وباؤه زائدة وقوله فلا عليك إشارة إلى أن المقصود تسليته صلى الله عليه وسلم بهذه الجملة وقوله: وقد سبق أي في سورة الأعراف وانه بكسر الهمزة أو فتحها. قوله: (ولعل ذكره زيادة تقرير (هذا على وجوه الإعراب وقد قيل إنه على الثاني أظهر وهو على الأوّل مستأنف يحتمل أن يكون جواب سؤال تقديره لم أمهلهم مع علمه بذنوبهم. والتحريض على الثاني من القرينة وهي العلم بقدرته على إيجادها في أقل من لمح البصر. وهو مروي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه فلا

وجه لما قيل إنه بعيد لعدم القرينة الدالة عليه والتؤدة التمهل والتدرج إيجاده شيئاً فشيئاً. قوله: (إن جعلته صفة للحي) ويؤيده قراءة الجرّ في الرحمن ويحتمل نصب الذي على الاختصاص وكون الرحمن مبتدأ خبره فاسأل الخ كقوله:

وقائلة خولان فانكح فتاتهم

كما سيشير إليه. قوله: (فاسأل عما ذكر الخ) إشارة إلى أنّ الضمير واجع للخلق والاستواء وأفرد لتأويله بما ذكر ومثله كثير لا سيما في اسم الإشارة وما قيل إنه للرحمن والسؤال عن تفصيل رحمتة بعيد وذكر عن بيان لحاصل المعنى وانه صلة اسأل لا إشارة إلى أنّ الباء بمعنى عن لما سياتي ولو قيل إنّ فيه إيماء إليه لم يبعد. وقوله: عالما تفسير خبيراً ويخيرك جواب الأمر لا تفسير للخبير كما توهم وقيل إنه صفة لعالم وفائدة الأمر بالسؤال على الأخير تصديقه وتأييده وعلى ما قبله مع تقدم إخبار الله به أن ما تقدم يفيد علماً إجماليا والسؤال عن حقيقته وتفصيله وأما جعل السؤال مجازا عن الاعتناء وهو المراد بالتضمين وان كان المصنف يستعمله بهذا المعنى فمع بعده ينافيه أوّل كلامه فإنّ قوله بحقيقته يقتضي أن السؤال على حقيقته. وقوله ليصدقك في نسخة يصدقك بجزمه في جواب الأمر وهذا على الأخير لا على الوجوه كما قيل. قوله: (وقيل الضمير للرحمن) إنما قالط ما يرادفه لأنّ كتبهم ليست عربية ولم يرتضه لعدم مناسبته لما قبله ولأنّ فيه عود الضمير للفظ الرحمن دون معناه وهو خلاف الظاهر ولأنه كان الظاهر حينئذ أن يؤخر عن قوله ما الرحمن وكونه مبتدأ خبره ما بعده والفاء زائدة جار في الوجوه فلا وجه لتخصيصه. قوله: (كما يعدي بعن الخ) يعني أنه في الأصل متعدّ لاثنين بنفسه وقد يعدى بما ذكر لكون ما ذكر في ضمن معناه ويصح أن يراد التضمين الاصطلاحي وقد مر أنّ المصنف يستعمل التضمين بمعنى المجاز. وقوله: وقيل إنه

ص: 432

وفي نسخة به وخبيراً مفعول اسأل ويصح تنازعهما فيه وفيه حينئذ نوع من البديع غريب يسمى المتجاذب وهو كون لفظ واحد بين جملتين يصح جعله من الأولى والثانية وقد ذكره السعد في أواخر شرح المفتاح وهو كثير في الفارسية وهذا مما غفل عنه أصحاب البديعيات وقد نظمنا فيه أبياتا ليس هذا محلها وبقي في الكشاف وجه آخر وهو أنه تجريد كقولك: رأيت به أسداً أي برؤيته أي اسأل بسؤاله خبيراً والمعنى إن سألته وجدته خبيرا وباء التجريد سببية عنده قال في

الكشف وهو أوجه ليكون كالتتميم لقوله: الذي خلق الخ فإنه لإثبات القدرة مدمجاً فيه العلم. قوله تعالى: ( {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} الا يخفى موقع هذا الاسم الشريف هنا وفيه معنى أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فافهمه ووقع السؤال بما دون من لأنه عن معناه أو لأنه مجهول كما يقال للشيخ المرئي ما هو فإذا عرف قيل من هو. وقوله: ما كانوا يطلقونه على الله ولذا قيل إنه عبرانيّ وأصله رخماني بالخاء المعجمة ولذا أنكروه كما سيأتي وظنوا أنه غير الله وقوله ولذلك أي لأحد هذين الأمرين أو للثاني قيل وهو الأقرب لأنّ ما بعده ناظر له. قوله: (للذي تامرناه) إشارة إلى أنّ ما موصولة عائدها محذوف وقوله يعني تأمرنا بسجوده على الحذف والإيصال والأصل تأمرنا بالسجود له ثم بسجوده ثم تأمرنا سجوده كأمرتك الخير ثم تأمرناه بحذف المضاف ثم تأمرنا كما ذكره أبو البقاء وهل هذا الحذف تدريجي أولاً قولان. وقوله: أو لأمرك على أنّ ما مصدرية واللام تعليلية والمسجود له محذوف أو متروك ومرّض كونه معرّباً لبعده ولشهرة اشتقاقه وهو قول ثعلب وقولهم: رحمن اليمامة يأباه واستدل بهذه الآية وبتقديمه على الرحيم وجوابه ظاهر مما مر وعلى هذا فالمقصود من قولهم ما الرحمن التعريف اللفظي. وقوله: الأمر بالسجود للرحمن لعلمه مما مر والإسناد مجازي وجملة وزادهم معطوفة على قالوا لا على مقوله وفي اللباب أنّ الضمير للسجود لما روي أنه-لمجهيه وأصحابه رضي الله عنهم سجدوا فتباعدوا عنهم مستهزئين وعليه فليس معطوفاً على جواب إذا بل على مجموعه فلا يرد عليه أنه غير سديد معنى فتأمّل. قوله: (البروج الاثني عشر هي معروفة) وقوله: سميت به أي أطلق لفظ البروج عليها وهي في الأصل بمعنى القصور على طريق التشبيه. ثم شاع فصمار حقيقة فيها، وعن الزجاج أنّ البرج كل مرتفع فلا حاجة إلى التشبيه أو النقل. قوله:(واشتقاقه) أي البرح المفهوم من البروح. وقوله: لظهوره إشارة إلى أنّ التبرج بمعنى الظهور لا الإظهار وقد مر ما فيه وهذا كاشتقاق الوجه من المواجهة وهو اشتقاق كبير فلا يرد عليه أنّ الظاهر العكس لأنّ المزيد يؤخذ من المجرد إذ عادة الأدباء جعل الأشهر مشتقا منه وضمير فيها للبروج أو للسماء وهو أظهر. قوله: (وهي الشمس والكواكب الكبار) وقد جوّز فيه أن يكون من قبل إنّ إبراهيم كان أمّة قالتا لأنها لعظمها وكمال إضاءتها كأنها سرج كثيرة أو جمع باعتبار الأيام

والممطالع ومنهم من فسر السرج بالكواكب الكبار واعترض على المصنف بأنه يلزم تخصيص القمر بالذكر بعد دخوله في السرج والمناسب تخصيص الشمس لكمال مزيتها على ما سواها ورد بأنه بعد تسليم دخوله في السرج خص بالذكر لأن سنيهم قمرية ولذا قدم الليل على النهار أي اعتبر مقدماً عليه فالليلة لليوم الذي بعدها فهم أكثر عناية به مع أنه على ما ذكره يلزمه ترك ذكر الشمس وهي أحق بالذكر من غيرها والاعتذار عنه بأنها لشهرتها كأنها مذكورة. ولذا لم تنتظم مع غيرها في قرن لا يجدي ولبعض الناس هنا كلام تركه أولى من ذكره. قوله: (مضيئا) تقدم الكلام على الضوء والنور والفرق بينهما. وقوله: أي ذا قمر قدّر فيه ذا بمعنى صاحب لأنه جمع قمراء بمعنى منيرة وهي الليلة ذات القمر وصاحبها هو القمر نفسه فيتضح وصفه بقوله منيراً وكونه فيها ويوافق القراءة المشهورة في المعنى ومنيرا وصف للمضاف المقدر لأنّ المحذوف قد يعتبر بعد حذفه كما في فوله:

بردي يصفق بالرحيق السلسل

قوله: (أي ذوي خلفة) بفتح الواو وتثنية ذي والخلفة الاختلاف أو كونه خلفا عنه وهو مفعول ثان لجعل أو حال إن كان بمعنى خلف وان كان بمعنى مختلف كما في القاموس فلا حذف ولا تأويل والإفراد لكونه مصدراً في الأصل. وقوله: يقوم مقامه أي ما فات فيه يعمل في الآخر. قوله: (أن يتذكر الخ) يعني أنّ هذا أصله

ص: 433

فأبدل وأدغم والظاهر أن اللام صلة جعل ولما كان ظهور فائدة ذلك لمن يتذكر أو يشكر كانا كأنهما لم يجعلا خلفة لغيرهما ويجوز أن يكون للتعليل. وقوله: رحيم على العبادة بقرينة ما سبق من ذكر الرحمن وقوله: أو أراد أو فيه للتنويع أو للتخيير على معنى استقلاله بكل منهما ولم يؤت بالواو لئلا يتوهم إنّ جمعهما لازم وقد قيل إنّ قوله والشاكرين إشارة إلى أنّ أو بمعنى الواو. وقوله: أو ليكونا وقتين الخ ظاهره إنه مقدر وهو على كل من معنيي خلفة. والوود بكسر الواو الوظيفة من قراءة ونحو ذلك وجمعه أو راد كحمل وإحمال وهذا ناظر للتفسير الأوّل لخلفة. وقوله: من ذكر أي الثلاثي. قوله: (خبره الخ) أو خبره قوله: {الَّذِينَ يَمْشُونَ} [سورة الفرقان، الآية: 63] وهو أقرب.

وقوله: واضافتهم إلى الرحمن أي دون غيره من أسمائه وضمائره لتخصيصهم برحمته أو لتفضيلهم على من عداهم لكونه! م مرحومين منعما عليهم كما يفهم من فجوى الإضافة إلى مشتق. فما قيل إنهم أضيفوا إليه مع أنّ الكل عبيده وأورب هـ عليه إنه لا تخصيص حينئذ إذ ا! بادة تشمل الكل وغايتة أن يكون ما بعده ط! تصا فالظاهر أنّ مراده إنّ إضافته إلى الرصمن لا إلى اغيره من أسمائه تعالى للتخصيص عن عبدة الأصنام وفيه أنّ التخصيص والتفضيل يوجد في إضافته إلى لفظ الله مثلَا فلا بد من ضم قصد التعريض لمن قالوا وما الرحمن كما قيل تكلف لك غني عته بما قدمناه فتدبر. وقوله في عبادته أي أو عبوديته فل! يس اهذا مبنياً على كونه جمع عابد ثم التعريض في كلا الوجهين! لكته " في هذا أظهر. قوله: (على أن عباد جمع عابد) الظاهر! أئه بضم العين وتشديد الباء وهي قراءة كما في الدر المصون كتاجر وتجار وهي جمع عابد لا عبد والأول من العبادة وهي أن يظعل ما يرضاه الرب والثاني من العبودية وهي أن يرصى ما يفعله الرب فمن قال إفه عني بقوله على أنّ الخ أنّ الوجه الثاني! للإضافة مبنيّ على أنّ عباد بكسر العين وتخفيف الباء جمع عابد وغلط من زعم أنه بالضم والتشديد وتجار بكتسر المتا اء وتخفيف الجيم كرجلى. كما في وقل:

ولقدأروح على التجارمرجلا فقد خبط خبط عشواء

قوله: (هينين) يعني إنّ الهون مصدر بمعنى اللين والرفق ومنه حديث المؤمنيق هينون

لينون والمثل إذا عز أخوك فهق وهو إمّا مصدر مع تأويله بالوصف أي هيناً أو حال بمعنى هينين وقوله: مصدر وصف به بتأويله بالصفة هو على الوجه الثاني ويجوز أن يكون عليهما لأنّ الحال وصف لصاحبها معنى فالوصف بالمعنى اللغوي. وقوله: والمعنى الخ يعني أنه كناية عما ذكر. قوله: (تسليماً منكم ومتاركة) فهو منصوب عبى المصحدرية لأنه فصدر مؤكد لفعله الم! ضمر الذي قام- مقامه والتقدير نسلم منكم تسليماً والج! ملة قق! ول القول والسطلام للمتاركة وهذا المعنى كثير في- كلام اهلعرب كقوله:

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا وقت الزيارة فارجعي ب! سلام

وفي كتاب سيبويه قالوا سلاما أي براءة منكئم لأن! ها مكية والسلام في النساء وهى مدنية

ولم يؤمر المسلمون بمكة أن يسلموا على المشزكين وإنما هذا على براءة+ منكم وتسليما لا خير بيننا وبينكم ولا شر ا!. وإلى هذا أشار الزمخشريّ وتبعه المصنف رحمه الله. قوله: (أو سدادا من القول) بفتح السين أي صواباً وهو معطوف على قوله تسليماً- وفي الك! ش! ف في بعض

الحواشي هذا تفسير ليس يسديد لأنّ المراد هنا يقولون: هذه اللفظة لا أنهم يقولون قولاً ذا سداد بدليل قوله سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين (أقول) وتلك الآية لا تخالف هذا التفسير فإنّ قولهم سلام عليكم من سداد القول أيضاً كيف والظاهر أنّ خصوص اللفظ غير مقصود بل هو أو ما يؤدّي مؤداه مصا يدل على المتاركة وعدم الإثم واللغو اهـ. وهذا مما لا غبار عليه لما مر عن الكتاب فمن قال إنّ مراد القائل إنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً فإذا صرح في تلك الآية بهذه اللفظة لا ينبغي التأويل بغيرها إذ الظاهر القصد إلى خصوصها والله أعلم بحكمة تخصيصه وذلك كتخصيص هذه اللفظة بمن مر على آخر مثلَا ولا يخفى أنه غفلة عن مراد. وأمّا حكمة تخصيصها فما مرّ وهو أنهم لم يؤمروا بالسلام على الكفرة إذ ذاك كما صرحوا به وأمّا تخصيص هذه اللفظة بعد مشروعية السلام فظاهر وفي بعض الحوأشي هنا خبط عجيب تركناه لطوله بلا طائل. قوله: (يسلمون فيه من الإيذاء) استعمل الإيذاء كغيره وهو صحيح قياساً واستعمالاً كما ذكره الراغب في مفرداته وإنما تركه الجوهري وغيره على عادتهم في ترك المصادر القياسية

ص: 434

فقوله في القاموس ولا تقل إيذاء خطأ كما مر ولا حاجة إلى اعتذار بعضهم عنه بأنهم استعملوه قياساً وهم لا يتحاشون عن مثله بل عن استعمال الخطا المشهور.

قوله: (لنسخه) أي لنسخ ما في هذه الآية لأنها مكية وآية القتال مدنية وهو منفي لأنّ النفي متوجه للقيد ولأنّ قوله فإنّ الخ يدل على أنّ حكمها باق غير منسوخ وجعله جوابا آخر ياباه سياقه. وقوله: لربهم متعلق بما بعده وقدم للفاصلة والتخصيص واحمز بالحاء المهملة والزاي المعجمة بمعنى أشق لكونه زمان النوم والراحة. وقوله: وتأخير القيام الخ يحتمل أن التقديم لشرفه وإباء المستكبرين عنه في قوله وإذا قيل الخ وقوله أجرى مجراه أي لشموله للكثير بحسب أصله وإن كان مؤوّلاً بالوصف على هذا. قوله: (لازماً) وقيل معناه مهلكاً ولزومه إما للكفار أو المراد به الامتداد كما في لزوم الغريم وقوله: بأنهم أي المؤمنين ومخالطتهم وقع في نسخة بدله مخالقتهم بالقاف مفاعلة من الخلق كقوله صلى الله عليه وسلم: " خالف الناس بخلق حسن ". وما وقع في بعض النسخ من مخالفتهم بالفاء تحريف من الناسخ ووثوقهم معطوف على اعتدادهم.

قوله: (مستقرا ومقاماً) الظاهر أنه كقوله:

وألفي قولها كذا ومينا

وحسنه كونه فاصلة وقيل المستقر للعصاة والمقام للكفرة وقوله: يئست مستقرا ذكر في ساءت وجهين أحدهما أنها بمعنى بئس فتعطى حكمها والمخصوص محذوف تقديره هي وهو الرابط لهذه الجملة بما هي خبر عنه إن لم يكن ضمير القصة ومستقرّاً تمييز والضمير المبهم عائد عليه مفسر به وأنث لتأويل المستقر بجهنم أو مطابقة للمخصوص ومقاما قرئ بفتح الميم وضمها وجملة أنها الخ من مقول القول أو من كلامه تعالى كما سيأتي. قوله: (أو أحزنت) هذا هو الوجه الثاني فيها وهو معطوف على قوله بئست فهي فعل متصرف متعد ومفعوله محذوف أي أحزنت أهلها وأصحابها ومستقرا تمييز أو حال وهو مصحدر بمعنى الفاعل أو اسم مكان. قوله: (والجملة تعليل الخ) قال ابن هشام في التذكرة هذا ضعيف إذ لا مناسبة بين كون الشيء لزاما وكونه ساء مستقرا، ويجاب عنه بأنه بملاحظة اللزوم والمقام فإنّ المقام من شانه اللزوم وعلى الثاني ترك العاطف للإشارة إلى أنّ كلا منهما مستقل بالعلية وقوله: وكلاهما يحتملان ثني خبر كلا رعاية لمعناها ويجوز إفراده رعاية للفظها ومثله كلتا وتفصيله في كتب النحو. وقوله: والابتداء فيكون تعليلاً ليقولون ويحتمل المخالفة بجعل أحدهما مقولاً والآخر تعليلا ثم إنه يجري في كل منهما الوجهان. قوله: (وقرأ الكوفيون بفتح الياء وضم التاء الخ) كذا في النسخ المصححة ووقع في نسخة بضم التاء وهي سهو من الناسخ. وقد جرى على عادته في جعل قراءة الأكثر أصلاً وقوله وسطا بفتح السين والفرق بينه وبين المسكن مشهوو وعدلاً بمعنى معتدلاً. قوله: (سمي) أي الوسط به أي بالقوام واستقامة الطرفين تعادلهما كان كلا منهما يقاوم الآخر. وقوله: وهو أي قواما خبر ثان لكان مؤكد للأوّل وهو بين ذلك واسم كان ضمير مستتر يعود للإنفاق. ويجوز كون قواماً خبراً. وبين ذلك ظرف لغو متعلق بقواما أو بكان إن قلنا

بجواز تعلق الظرف بها. قوله: (لإضافته إلى غير متمكن) أي مبني وهو اسم الإشارة لأنّ المضاف قد يكتسب البناء مما أضيف إليه إذا كان ظرفا أو في حكمه كما ذكره النحاة. وقوله فيكون كالأخبار بالشيء عن نفسه لأنّ، ما بينهما هو القوام فيبهون كشد- الجارية مالكها وهو لا يصح ولا يخفى إنّ هذا غير وارد على قراءة الكسر وأمّا على الفتح فمتجه وما قيل من أنه من باب شعري شعري والمعنى كان قواماً معتبراً مقبولاً فهو مع بعده إنما ورد فيما اتحد لفظه وما نحن فيه ليس كذلك وكذا ما قيل إنّ بين ذلك أعم من القوام فإنّ ما بين الإقتار والإسراف لا يلزم أن يكون قواماً ووسطاً فقد يكون فوق الإقتار بقليل ودون الإسراف بقليل فتكلف أيضاً إذ معا بينهما شامل للوسط إلحاق وما عداه كالوسط من غير فرق ومثله لا يستعمل في المخاطبات لإلغازه وأما رده بأنه يلزمه الإخبار عن الأعم بالأخص وان في مراعاة حاق الوسط حرجاً لا يمدح به فليس لأنّ الأخبار عن الأعمّ بالأخص جائز كالذي جاءني زيد والقائل لم يرد إلحاق الحقيقيّ بل التقريبيّ كما يدل عليه. قوله: بقليل ومثله لا حرج فيه. وقوله: لا يدعون الخ أي لا يشركون به غيره. قوله: (بمعنى حرّم قتلها) لأنّ الحل والحرمة إنما يتعلقان بالأفعال

ص: 435

لا بالذوات. وقوله متعلق بالقتل المحذوف أي في توله: حرّم الله قتلها أي حرّم قتلها يسبب من الأسباب إلا بسبب حق فهو مفرغ في الإثبات لاستقامة المعنى لإرادة العموم أو لكون حرم نفي معنى وما قيل إنه لا وجه له لاقتضائه عدم جواز قتل النفس مطلقاً ولذا لم يتعلق بحرم مع ظهوره لا وجه له وكذا إذا تعلق بلا يقتلون لكنه نفي صريح وقد جوّز فيه أن يكون صفة مصدر محذوف أي قتلاً ملتبساً بالحق أو حالاً أي ملتبسين بالحق. قوله: (ننى عنهم أمّهات المعاصي) وهي الشرك والقتل والزنا وأصول الطاعة البدنية والمالية الإنفاق والأجر الموعود في قوله أولئك يجزون الخ. وقوله: ولذلك أي لقصد التعريض وقوله: أضداده أي النفي والثبوت. قوله: (جزاء آه3) على أنّ الآثام بمعنى الجزاء والعقاب كما ذكره بعض أهل اللغة. وقوله: أو إثماً على أنه بمعنى الإثم نفسه فيكون فيه مضاف مقدر أو هو مجاز بذكر السبب وارادة المسبب والأيام بمعنى الشدائد شائع ومنه أيام العرب لوقائعهم ومقاتلتهم وفي نسخة شديداً والجمع أصح. قوله: (لأنه في معناه) يشير إلى أنه بدل كل من كل ويحتمل أن يكون بدل اشتمال والبيت المذكور استشهد به النحاة على الإبدال من الشرط فتلمم بمعنى تنزل وبنا متعلق به بدل

من تاتنا والاستشهاد به لمجرّد الإبدال من المجزوم بالشرط وليس تلمم جواب الشرط لعدم الفائدة فيه. والحطب الجزل اليابس الكثير وتاججاً يحتمل أن يكون بضمير التثنية لتغليب الحطب أو الألف للإطلاق وفيه ضمير النار لتأويله بمذكر أو أصله تتأججن مضارع مؤكد بإلنون على خلاف القياس وإذا كان حالاً فهو من ناعل يلق والمعنى مضاعفاً له العذاب. وقوله: وابن كثير أي وقرأ ابن كثير. وقوله: مع التشديد متعلق بالقراءتين وفي يضعف متعلق بالتشديد. فوله: (مضاعفتة لانضمام المعصية) جواب عن أنّ هذه الآية مخالفة لقوله تعالى ة {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى، الآية: 40] فإن العقاب لا يضاعف بخلاف الثواب. وقد أجيب أيضاً بأن المضاعفة بالنسبة إلى ما دونه من المعاصي ولا بعد فيه لعدم ذكر ما دونه كما قيل وأمّا ما أورد على الأوّل من أن تكرّر لا النافية يفيد نفي كل من تلك الخصال بمعنى لا يوقعون شيئاً منها فمن يفعل ذلك بمعنى من يفعل شيئا من ذلك ليتحد مورد الإثبات والنفي فلا دلالة له على الانضمام فليس بشيء لأنه كما عرفت تعريض للكفرة ومن يفعل شيئا من ذلك منهم فقد ضمّ معصيتة إلى كفره ولو لم يلاحظ ذلك على ما اختاره لزم أنّ من ارتكب كبيرة يكون مخلدا ولا يخفى فساد. وتوارد النفي والاثبات على شيء ليس بلازم فما ذكر. تعسف وخيال لا حقيقة له. قوله: (ويدل عليه) أي على الانضمام المذكور لما مر وهو إشارة إلى ما ذكرناه لأنّ استثناء المؤمن يدل على اعتبار الكفر في المستثنى منه. وما قيل إنّ المستثنى من جمع بين ما ذكر فيكون المستثنى منه غير جامع لها فلا يدل على الانضمام ردّ بأنه وان كان كذلك لكن هنا قرينة على أنّ المستثنى منع جمع بين أضدادها كما مرّ ولذا جمع بين الإيمان والعمل مع أنّ العمل مشروط بالإيمان فذكره للإشارة إلى انتفائه عن المستثنى منه ولذا قدم التوبة عليه ويحتمل أنّ تقديمها لأنها تخلية. وقوله: فأولئك الخ احتراس لأنّ الاستثناء من مضاعفة العذاب ربما يوهم ثبوت أصله ومن لم يتنبه له اعترض به فتنبه. قوله: (بأن يمحو الخ) فالتبديل بإقامة شيء مقامها كبدلت الرديء بالجيد وقوله: أو يبدّل ملكة الخ فالمراد بهما ملكتهما لأنفسهما وأدخل الباء على الحاصل لأنه يجوز في التبديل دخولها على الذاهب منهما كما ذكره الأزهريّ وقد مرّ تفصيله في البقرة فمن قال إنّ الأولى إدخال الباء على ملكة المعصية فان المنصوب يكون الحاصل والمجرور بالباء الذاهب كما في قوله: {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سورة سبأ، الآية: 4 ا] لم يأت بشيء وان كان في قوله الأول إشارة إلى ما ذكر لكنه لم يتنبه إلى أنّ عدول

المصنف عنه لموافقته للنظم هنا فتدبر. قوله: (وقيل بأن يوفقه الخ) قيل إنه مرضه لأنّ مآله إلى أحد الوجهين السابقين وما قيل من أنه لأجل إنه يؤدّي إلى اشتراط الشيء بنفسه لا يرد على عبارته إلا إذا أريد بما سلف الكفر وليس بمتعين. وقوله: أو بأن يثبت الخ لإنابته واستغفاره وقد ورد في الحديث ليأتين ناس يوم القيامة ودّوا أنهم استكثروا من السيئات قيل من هم يا رسول الله قال: " الذين بدل الله سيئا-لهم حسنات ". ولذا قال أبو نواس:

ص: 436

تعض ندامة كفيك مما تركت مخافة الذنب السرورا

قوله: (فلذلك الف ونثر مرتب وقوله: عن المعاصي أي التي فعلها ويتلافى بالفاء بمعنى يتدارك وقوله: أو خرج عن المعاصي أي جنسها وان لم يفعله وهو الفرق بينهما. وقوله: يرجع إلى الله بذلك أي بالتوبة والعمل الصالح فهو رجوع مخصوص وبهذا تبين مغايرة الجزاء للشرط ووجه التخصيص مع أق الرجوع إلى الله عام كما قال وانكم إلينا لا ترجعون. قوله: (مرضياً الخ) هو مستفاد من تعظيم التنكير وبه يندفع ما مرّ أيضا. وقوله متابا إلى الله الذي الخ لاشتهار الله بذلك. ويصطنع بهم بمعنى يحسن إليهم وعدا. بالباء لتضمينه معنى الرفق. وقوله: تعميم الخ لأنه توبة عن جميع الذنوب وما قبله عن الأمهات ويشهدون على الأوّل من الشهادة والزور منصوب على المصدر أو بنزع الخافض أي شهادة الزور أو بالزور. وعلى الثاني من الشهود والحضور والزور مفعول به بتقدير مضاف أي محال الزور والشركة لإشعاره بالرضا. وقوله: يلقى بالقاف أو بالغين المعجمة. قوله: (مكرمين الخ) إشارة إلى أنّ

كراماً جمع كريم بمعنى مكرم لنفسه وغيره بالصمفح ونحوه ودخول الكناية إن كان في منطوقه لزم فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز إذ لا مروو فيه وهو جائز عنده وان كان بطريق القياس ونحوه فلا وقوله: بالوعظ على أنّ المراد بالآيات معناها اللغوي. وقوله: لم يقيموا عليها أي على سماعها. وقوله: كمن الخ إشارة إلى أنه تشبيه بليغ وراعية بمعنى مديمة للنظر. وقوله والمراد الخ أي خرّوا غير صم عمي لرجوع النفي إلى القيد. والهاء في قوله: عليها إذا كانت للمعاصي فالنفي لأصل الفعل ولبعد ما ذكر عن السياق لم يرتضه. قوله: (بتوفيقهم للطاعة الخ) حيازة الفضائل الدينية جمعها وتحصيلها والفضيلة مزية لا يلزم تعديها فتعم ولذا ذكرت بعد الطاعة. وقوله: فإنّ الخ تعليل لإرادة ما ذكر ولم يقل فإنّ سرور قلب المؤمن في أزواجه وذرّياته أن يشاركوه في طاعتة تعالى لعدم مطابقته للواقع فإنه كم من سرور له بغير ذلك مع أن الفرق يسير وقوله: سرّ بهم قلبه وقرّت بهم عينه لو قدمه ليكون عطفاً تفسيريا صح لكنه لا يحتاج إلى التفسير وقرّة العين أمّا من القرّ وهو البرد لأن دمعة السرور باردة ولذا قيل في ضدّ. أسخن الله عينه أو من القرار لعدم النظر لغيره. قوله: (ومن ابتدائية) متعلقة بهب أو بيانية متعلقة بمقدر وهذا بناء على جواز تقدم المبين على المبين. وقوله: رأيت منك أسداً تجريد ومن التجريدية تحتملهما كما مرّ تحقيقه. قوله: (وتنكير الأعين الخ) يعني أعين القائلين معينة ونكرت لقصد تنكير المضاف للتعظيم وهو لا يكون بدون تنكير المضاف إليه وقوله: وهي قليلة الخ قيل عليه إن الأحسن أن يقال إنه لأن المراد إن كل واحد يقول ذلك لا لما ذكر لأن المعتبر في جمع القلة قلة عدده في نفسه لا بالإضافة لغيره ورد بأنّ المراد أنه استعمل في معنى القلة مجرّداً عن العدد بقرينة كثرة القائلين وعيونهم وفيه نظر. قوله: (بإضافة الخ) متعلق باجعلنا إشارة إلى أنّ التقدم إنما هو بالعلم والعمل واعتذر عن عدم مطابقته للمفعول الأوّل وهي لازمة إما لأنه اسم جنس فيجوز إطلاقه على معنى الجمع مجازا بتجريده من قيد الوحدة أو هو في الأصل مصدر وهو لكونه موضوعا للماهية شامل للقليل والكثير وضعا فإذا نقل لغيره قد يراعي أصله. فما قيل إن الفرق بينهما قليل الجدوى قليل الجدوى وما ذكره مصحح وقوله:

أو لأنّ المراد أي مع رمحاية الفاصلة هو المرجح ولذا لم يجعنه وجهاً مستقلاً. وكونه جمع آمّ بعيد وأقرب منه أنه يستعمل للواحد والجمع كهجان، وما قيل من أن مدار التوجيه على أن هذا الدعاء صدر عن الكل على طريق المعية وهو غير واقع أو عن كل واحد بطريق تشريك غيره وليس بثابت فالظاهر اأنه صدر عن كل واحد قوله اجعلني إماما فعبر عنهم للإيجاز بضمير الجمع وأبقى إماما على حاله لا يخفى تكلفه وتعسفه مع مخالفته للعربية وأنه ليس مداره على ذلك بل أنهم شركوا في الحكاية في لفظ واحد لاقحاد ما صدر عنهم مع أنه يجوز اختيار الثاني لأنّ التشريك في الدعاء أدعى للإجابة فأعزفه. قوله:(ومعناه قاصدين) أي على الوجه الأخير وفيه إشارة إلى أنّ الإمام من الأم بمعنى القصد ومقتدين على صيغة الفاعل أو المفعول والأوّل أقرب وبهم! وفي نسخة لهم صلته. وقوله: وهي اسم مفرد أريد به الجمع بدليل

ص: 437

ما في الآية الأخرى وقد قرئ في تلك الآية في الغرفة والأصل توافق الآيات وإذا كانت بمعنى الجنة لا كحتاج إلى التأويل. وقوله: بصبرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية وأن مفعول الصبر محذوف. وقوله: من مضض بيان للمشاق وأصله الوجع والمراد به هنا ثقلها. قوله: (دعاء بالتعمير) أي! طول العمر والبقاء لأنّ التحية أصل معناها قول: حياك الله وأبقاك وهي مشتقة من الحياة كما أشار إليه، والسلامة تفسير للسلام وقوله: تحييهم بيان للداعي وفي نسخة أو تحييهم على أنّ الأول غير معين والمراد من الدعاء به التكريم والقاء السرور، والا فهو متحقق لهم. وقوله: أو تبقية تفسير له على أنه لم يرد الدعاء بل وصفهم بما ذكر وقوله وقرأ حمزة الخ وقراءة غيره بتشديد القاف. وقوله: مقابل سات " فهو إمّا بمعنى نعمت أو سرت وجميع ما مرّ جار هنا والتأفيث لتأويل المقام بالجنة مطابقة لئأنيث المختص فتذكر. قوله: (ما يصنع بكم) فما استفهامية ؤتجوله: من عبأت الخ فأريدا به لازم معناه وهو الصنع لأن الشيء إنما يهيأ ليصنع به صنع. وقوله: أو لا يعتد بكم فما نافية وهو من العبء بمعنى الحمل ولما كان ما لا يعتد به يرمى ولا يحمل أطلق على عدم الاعتداد بالشيء وعدى تعديته. وقد كان متعذيا بنفسه والخطاب لكفار قريش أو لجميع العباد كما ارتضاه في الكشاف على كلام فيه. قوله: (لولا

عبادتكم) قد مرّ أن الدعاء يطلق على العبادة وتوجيهه فالمس در مضاف للفاعل وقد جوّز فيه أن يكون مضافا إلى المفعول والمعنى لولا دعاؤه إياكم إلى التوحيد وأن يكون الدعاء بمعنى التضرّع وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه. قوله:) وقيل معناه ما يصنع بعذابكم (ففيه مضاف مقدر والدعاء بمعنى العبادة أيضاً والخطاب للكفار. وقوله: عبا بفتح الباء مصدر وقوله يعبؤكم إشارة إلى أنه متعد بنفسه في الأصل كما مر واضافة رب إلى ضحميره للإشارة إلى أن تبليغه بأمره وتربيته. قوله: (حيث خالفتموه) فالتكذيب استعير للمخالفة وما أخبرهم به إفا في قوله ما يعبأ الخ أو في غيره وقوله: كذب القتال الخ كما يقال في ضده حمل حملة صادقة. وقوله: بما وجد في جنسهم فلا يتوهم دخول الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيهم. وقوله: يكون جزاء التكذيب يعني أنّ الضمير لمصدر الفعل المتقدم بتقدير مضاف أو على التجوّز وإن اللزام مصدر مؤوّل باسم الفاعل وأتى به للمبالغة. وقوله: أو أثره وهو الأفعال الشنيعة المتفزعة عليه فصيغة المضارع للاستمرار وعلى الأوّل للاستقبال. وقوله: حتى يكبكم بالرفع أو النصب والياء مفتوحة من كب لا بالضم من أكب للزومه كذا قيل لكن صاحب القاموس والراموز قالا إنه يقال كبه وأكه فيجوز فيه الفتح والضم ومن خالف في تعديه فهو قاصر وليس هذا محله- وقوله: وإنما أضمر أي في يكون- وقوله: من غير ذكر أي صريحاً وإلا فهو في ضمن الفعل فلا إضمار قبل الذكر- وقوله: يكتنهه أي يحيط بكنهه وحقيقته. قال الأزهريّ رحمه الله تعالى: اكتنهت الأمر اكتناهاً إذا بلغت كنهه فلا وجه لقوله في شرح المفتاح في الفصل والوصل أنه مولد. وقوله: وقيل المراد أي باللزام هنا ما لزمهم من العذاب في الدنيا وقد كان ملزوماً لهم في الآخرة ولزاما بالفتح مصدر لزم. والحديث المذكور موضوع والنصب التعب ومناسبته ظاهرة تمت السورة الشريعة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه.

ص: 438