المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الخامسقوله صلى الله عليه وسلم (قوموا عني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني) - حديث رزية يوم الخميس في الصحيحين

[عبد القادر المحمدي]

الفصل: ‌المطلب الخامسقوله صلى الله عليه وسلم (قوموا عني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني)

‌المطلب الرابع

أما عن ادعائهم أن عمر رضي الله عنه أتلف حق الأمة لما منع الكتابة

.

فأقول: أين الدليل أن عمر رضي الله عنه منع النبي صلى الله عليه وسلم من الكتابة؟ وهل بمقدور عمر رضي الله عنه أو غيره منع النبي صلى الله عليه وسلم من كتابة أمر فيه تبليغ شرع الله؟ واين أنت من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} المائدة67.

ولا أرى في قول عمر رضي الله عنه (حسبكم كتاب الله) منعاً من الكتابة، وإنما هو حسم للخلاف الذي وقع -كما مر- فأين الإتلاف؟ ثم زعمتم أنّ علياً معصوم من الخطأ؟ فهل سكوته عن هذا الأمر نقض للعصمة أو لا؟

ثم لو سلمنا -جدلاً- أن الكتاب كان بالتنصيص على الوصية لعلي رضي الله عنه من بعده، ثم تزعمون أن الوصية ثبتت بالقرآن الكريم وقول النبي صلى الله عليه وسلم،وقد نقل إجماعكم على هذه العقيدة شيخكم المفيد في مقالاته حيث قال:"واتفقت الإمامية على أن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته، ونص عليه بالإمامة بعد وفاته، وأن من دفع ذلك دفع فرضاً من الدين "(1).

وزعمتم أنّ الأمة شهدت كلها في غدير خم فأين الإتلاف إذن؟ هذا إذا سلمنا جدلا أن عمر رضي الله عنه كان بمقدوره فعل ذلك -وحاشاه-.

ثم أنتم تقولون بوجوب كتمان الوصية فأين الإتلاف المزعوم؟ إذا كان الأصل عدم إعلان الوصية فما فعله عمر رضي الله عنه على ادعائكم- حق وشرع محضّ، إذ جاء في الكليني عن أبي عبد الله أنه قال:"يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله "(2).

وأظهر من ذلك ما روى عن أبي جعفر أنه قال:"ولاية الله أسرها إلى جبرئيل عليه السلام وأسرها جبرئيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأسرها محمد إلى علي عليه السلام وأسرها علي إلى من شاء الله، ثم أنتم تذيعون ذلك ". (3)

‌المطلب الخامس

قوله صلى الله عليه وسلم (قوموا عني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم قوموا عني: هو خطاب موجه لمن حوله في البيت لما اختلفوا وتنازعوا في أمر الكتابة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قوموا عني من شدة ما يصيب المريض من الانزعاج من أشياء قد لا تكون مزعجة له قبل المرض، وهذا أمر طبعي فأي إنسان قد يتأذى من أي شيء حتى لو كان هذا الشيء مباحاً وربما مسنوناً، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر فأخرج الشيخان من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله لا أكاد أدرك

(1) أوائل المقالات ص44.

(2)

الكافي 2/ 176كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان.

(3)

الكافي 2/ 178 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان.

ص: 39

الصلاة مما يطول بنا فلان فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا من يومئذ فقال:" أيها النّاس إنّكم منفّرون فمن صلى بالنّاس فليخفّف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة "(1).

وأحياناً تجد أحدنا ينفر من أحب الناس إليه، ومن أحب المجالس إليه بسبب ما يطرأ عليه من آلام المرض، فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوجع أشد مما يتوجع به رجلان؟ كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه:"إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك أن لك أجرين قال أجل ذلك"(2).

وهذا من باب ما يعرض للأنبياء من عوارض المرض بوصفهم بشراً وليس بوصف النبوة، وهذا أمر طبعي فالنبي صلى الله عليه وسلم جاع وعطش ومرض وجرح وكسرت رباعيته الشريفة، وسحر، وطرأت عليه ما يطرأ على غيره من البشر، وهذا من كمال نبوته فهو أسوة للناس صلى الله عليه وسلم يجوع كما يجوعون ويمرض كما يمرضون ولكنه مع هذا فهو لا يقول إلا حقاً ولا ينطق إلا صدقاً، وهذا كله في غير التبليغ فهو معصوم فيه:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم3 - 4.

قال النووي:" أعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الكذب ومن تغيير شيء من الأحكام الشرعية في حال صحته وحال مرضه، ومعصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه، وليس معصوماً من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها، مما لا نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته وقد سحر صلى الله عليه وسلم حتى صار يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله ولم يصدر منه صلى الله عليه وسلم في هذا الحال كلام في الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام التي قررها فإذا علمت ما ذكرناه فقد "(3).

وقال أيضاً:"معناه دعوني من النزاع واللغط الذي شرعتم فيه، فالذي أنا فيه من مراقبة الله تعالى والتأهب للقائه والفكر في ذلك ونحوه أفضل مما أنتم فيه"(4).

قال ابن الجوزي:"يحتمل أن يكون المعنى دعوني فالذي أعاينه من كرامة الله التي أعدها لي بعد فراق الدنيا خير مما أنا فيه في الحياة أو أن الذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله، والتفكر في ذلك ونحوه، أفضل من الذي تسألونني فيه من المباحثة عن المصلحة في الكتابة أو عدمها ويحتمل أن يكون المعنى فإن امتناعي من أن أكتب لكم خير مما تدعونني إليه من الكتابة"(5).

(1) أخرجه البخاري (90) وغيرها من المواضع ومسلم 3/ 12 (466).

(2)

قطعة من حديث أخرجه البخاري (5336)،ومسلم 8/ 14 (6724) وغيرهما.

(3)

شرح النووي 11/ 76.

(4)

المصدر نفسه.

(5)

فتح الباري 8/ 132.

ص: 40

وتعقبه الحافظ فقال:" ويحتمل عكسه، أي الذي أشرت عليكم به من الكتابة خير مما تدعونني إليه من عدمها بل هذا هو الظاهر وعلى الذي قبله كان ذلك الأمر اختبارا وامتحانا فهدى الله عمر لمراده وخفي ذلك على غيره"(1).

:"والنبي صلى الله عليه وسلم قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة، فلما رأى أن الشك قد وقع، علم أن الكتاب لا يرفع الشك، فلم يبق فيه فائدة، وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه، كما قال:" ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" (2).

أما عن تهمة بعض المرضى للصحابة كون النبي صلى الله عليه وسلم طردهم من بيته تشبثاً بظاهر هذا الحديث وأمثاله، فالذي يتهم الصحابة بهذا فإنه لزاماً يتهم علياً رضي الله عنه لأنه كان فيهم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن أحداً من الناس وإنما أطلق (قوموا عني).

ثم تأمل فيما أورده الكليني عن موسى بن جعفر رحمه الله تعالى قال:"قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أمير المؤمنين كاتب الوصية ورسول الله (ص) المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم السلام؟؟ قال: فأطرق طويلاً ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت ولكن حين نزل برسول الله (ص) الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلا ً نزل بها جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة فقال جبرائيل: يامحمد مُر بإخراج من عندك إلا وصيك ليقبضها منّا وتشهدنا ليقبضها منّا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامناً لها ـ يعني علياً (ع) - وفاطمة فيما بين الستر والباب

(الحديث)(3)!!

فهذا النص يعارض تهمتكم للصحابة ولعمر رضي الله عنهم، ويخالف أصل دعوتكم أن عمر منع النبي صلى الله عليه وسلم من الكتابة، فجبريل هو من طلب من النبي صلى الله عليه وسلم اخراج من عنده إلا علي بن أبي طالب لتبليغ الوصية.

ولا يفهم من قوله (قوموا عني) غضباً أو أنه طردهم! كما يظن بعض المرضى، وإنما هو حسم للخلاف، فقد صح في الحديث الذي أخرجه الشيخان من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه "(4).فهل قوله صلى الله عليه وسلم ههنا قوموا عنه يريد تركه أو مخالفته؟!

أم يريد ترك الخلاف وحسمه.

(1) المصدر نفسه.

(2)

منهاج السنة 1/ 395.

(3)

أصول الكافي 1/ 311.

(4)

أخرجه البخاري (4773) و (6930) وغيره.

ص: 41