المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حث العلماء على التزام الصمت والتحلي بحسن السمت: - حسن السمت في الصمت

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌ حث العلماء على التزام الصمت والتحلي بحسن السمت:

والسمت الحسن والأخلاق الكريمة ـ تباين مقابلة كتباين النقيضين كالعدم والوجود، والنفي والإثبات. أو الضدين " (1).

*‌

‌ حث العلماء على التزام الصمت والتحلي بحسن السمت:

وقد حث كثير من العلماء على حسن السمت ، والتزام الصمت فإن ذلك من الآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم عامة وطالب العلم خاصة، فمن العلماء الذين حثوا على ذلك ابن عبد البر رحمه الله في كتابه " جامع بيان العلم وفضله " يقول:

" وأحسن ما رأيت في آداب التعلم والتفقه من النظم ما ينسب إلى اللؤلؤ من الرجز وبعضهم ينسبه إلى المأمون ، وقد رأيت إيراد ما ذكر من ذلك لحسنه ، ولما رجوت من النفع به لمن طالع كتابي هذا نفعنا الله وإياه به ، قال:

فالتمس العلم وأجمل في الطلب

والعلم لا يحسن إلا بالأدب

والأدب النافع حسن السمت

وفي كثير القول بعض المقت

فكن لحسن السمت ما حييتا

مقارفًا تحمد ما بقيتا

وإن بدت بين الناس مسألة

معروفة في العلم أو مفتعلة

فلا تكن إلى الجواب سابقًا

حتى ترى غيرك فيها ناطقًا

فكم رأيت من عجول سابق

من غير فهم بالخطأ ناطق

أزرى به ذلك في المجالس

عند ذوي الألباب والتنافس

والصمت فاعلم بك حقًا أزين

إن لم يكن عندك علم متقن

وقل إذا أعياك ذاك الأمر

مالي بما تسأل عنه خبر

فذاك شطر العلم عند العلما

كذاك ما زالت تقول الحكما

(1)" أضواء البيان " الشنقيطي (3/ 38) ط: دار الفكر - بيروت لبنان ، 1415 هـ/ 1995 م.

ص: 25

والصمت فاعلم بك حقا أزين

إن لم يكن عندك علم متقن

إياك والعجب بفضل رأيكا

واحذر جواب القول من خطائكا

كم من جواب أعقب الندامة

فاغتنم الصمت مع السلامة " (1)

ومن جميل ما قيل من أبيات في حسن السمت والتزام الصمت وفضله ، وما يضيفهما من وقار وهيبة على المتحلي بهما ، تلك الأبيات التي انتقيتها حتى تثري وتؤكد على ما ذكرت من فضيلة حسن السمت والصمت نفعني الله وإياكم بهذه الأبيات وجعلنا من متخذي السمت الجميل سمة لنا ، وممن يؤثرون الصمت على كثرة الكلام دون فائدة ودون علم آمين آمين ، يقول الشاعر عبد اللطيف بن علي فتح الله (2) مفتخرًا بأن حسن السمت من الصفات التي تحلى بها كل فرد في عائلته ، وذيوع ذلك بين الناس ، يقول:

حسن السمت شاع فينا

مثل مسك وعنبر ثم عود

* ويقول أيضًا خليل مطران مادحًا حسن السمت:

السجية في كل نبيل مرآتها الهندام

*ويقول الشافعي رحمه الله مرجحًا الصمت عن الجاهل والأحمق عن الدخول معهم في مشادة كلامية، وقديمًا قالوا: إذا أنت ناظرت العالم غلبته وإن ناظرت الجاهل غلبك ليس بعلمه وإنما بجهله ، أما العالم فمناظرته ستعتمد على المنطق والعلم فمن السهل إن كنت على حق أن تقنعه بما تعلم يقول الشافعي:

قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم

إن الجواب لباب الشر مفتاح

والصمت عن جاهل أو أحمق شرف

وفيه أيضًا لصون العرض إصلاح

أما ترى الأُُسُد تُخْشَى وهي صامتة؟

والكلب يخسى (3) لعمري وهو نبَّاح

(1)"جامع بيان العلم وفضله " ابن عبد البر القرطبي، (1/ 146 - 147)، ط: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ، د ت

(2)

أديب من بيروت تولى القضاء والإفتاء توفي سنة 1260هـ - 1844م وديوانه مطبوع.

(3)

يخسى: يرمى بالحجارة.

ص: 26

فالشافعي رحمه الله يقصد إن الصمت عن الجاهل يصون عرض وكرامة الإنسان ولا يوقعه في شماتة الشامتين ، ولا يوقعه في براثن التعلق بأخطائه والتي ينتظرها الناس الطامعين في النيل منه ، وشبه الشافعي السكوت عن الجاهل كالأسد الساكت فسكوته هذا يخيف الناس ويرعبهم ، أما من يتكلم مع الجاهل فهو كالكلب الذي يرجمه الناس بالحجارة عندما ينبح ، فيالروعة وجمال التشبيه الشافعي ، وشبه الشافعي سكوته بالتجارة الرابحة ، وألزم نفسه به ، فهو أكثر المتاجر ربحًا - للعالم بالطبع - يقول:

وجدت سكوتي متجرًا فلزمته

إذا لم أجد ربحًا فلست بخاسر

وما الصمت إلا في الرجال متاجر

وتاجره يعلو على كل تاجر

* ويحذر الشافعي الناس من حصائد ألسنتهم كما حذرنا النبي من ذلك عندما حذر معاذ رضي الله عنه من شر اللسان وقال إنه يكب الناس على مناخيرهم يوم القيامة في النار يقول الشافعي:

احفظ لسانك أيها الإنسان

لا يلدغنك إنه ثعبان

كم في المقابر من قتيل لسانه

كانت تهاب لقاءه الأقران

* وحسن السمت والتزام الصمت فيما لا ينفع من الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها من يحفظ كتاب الله ، فهو نبراس للآخرين فيجب أن يكون قدوة حسنة لغيره ، والتزام الصمت لا يعني عدم الإجابة أو الرد على من يسألني في مسألة أنا أعلم بها ، بل التزام الصمت عندما يكون جواب تلك المسألة ليس عندي ، في هذه الحالة يجب التزام الصمت وأما عن حسن السمت لحامل القرآن فيعني الاهتمام بالمظهر الخارجي وكذلك الداخلي فيجب أن يكون حسن السمت أمام الله وأمام الناس ، وكذلك التحلي بحسن السمت في

ص: 27

مشيته ومأكله ومشربه وكلامه وكل معاملاته مع الناس وفي ذلك يقول الآجري في كتابه "أخلاق حملة القرآن ":

" فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَاً لِقَلْبِهِ، يُعَمِّرَ بِهِ مَا خَرَبَ مِنْ قَلْبِهِ، وَيَتَأَدَّبَ بِآدَابِ الْقُرْآنِ، وَيَتَخَلَّقَ بِأَخْلاقٍ شَرِيفَةٍ، تَبِينُ بِهِ عَنْ سَائِرِ النَّاسِ مِمَّنْ لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.

فَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي لَهُ: أَنْ يَسْتَعْمِلَ تَقْوَى اللهِ عز وجل فِي السِّرِ وَالْعَلانِيَةِ، بِاسْتِعْمَالِ الْوَرَعِ فِي مَطْعَمِهِ، وَمَشْرَبِهِ، وَمَلْبَسِهِ، وَمَكْسَبِهِ، وَيَكُونَ بَصِيرَاً بِزَمَانِهِ وَفَسَادِ أَهْلِهِ، فَهُوَ يَحْذَرُهُمْ عَلَى دِينِهِ، مُقْبِلاً عَلَى شَأْنِهِ، مَهْمُومَاً بِإِصَلاحِ مَا فَسَدَ مِنْ أَمْرِهِ، حَافِظَاً لِلِسَانِهِ، مُمَيِّزَاً لِكَلامِهِ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِعِلْمٍ، إِذَا رَأَى الْكَلامَ صَوَابَاً، وَإِذَا سَكَتَ سَكَتَ بِعِلْمٍ، إِذَا كَانَ السُّكُوتُ صَوَابَاً، قَلِيلَ الْخَوْضِ فِيمَا لا يَعْنِيهِ، يَخَافُ مِنْ لِسَانِهِ أَشَدَّ مِمَّا يَخَافُ مِنْ عَدُوهِ، يَحْبِسُ لِسَانَهُ كَحَبْسِهِ لِعَدُوهِ، لِيَأْمَنَ مِنْ شَرِّهِ وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ، قَلِيلَ الضَّحِكِ فِيمَا يَضْحَكُ فِيهِ النَّاسُ، لِسُوءِ عَاقِبَةِ الضَّحِكِ، إِنْ سُرَّ بِشَيءٍ مِمَّا يُوَافِقُ الْحَقَّ تَبَسَّمَ، يَكْرَهُ الْمِزَاحَ خَوْفَاً مِنْ اللَّعِبِ، فَإِنْ مَزَحَ قَالَ حَقَّاً، بَاسِطَ الْوَجْهِ، طَيِّبَ الْكَلامِ.

لا يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِمَا فِيهِ، فَكَيْفَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، يَحْذَرُ مِنْ نَفْسَهُ أَنْ تَغْلِبَهُ عَلَى مَا تَهْوَى مِمَّا يُسْخِطُ مَوْلاهُ. لا يَغْتَابُ أَحَدَاً، وَلا يَحْقِرُ أَحَدَاً، وَلا يَسُبُّ أَحَدَاً، وَلا يَشْمَتُ بِمُصِيبَةٍ، وَلا يَبْغِي عَلَى أَحَدٍ، وَلا يَحْسِدُهُ، وَلا يُسِيءُ الظَّنَّ بِأَحَدٍ إِلا بِمَنْ يَسْتَحِقُ، يَحْسِدُ بِعِلْمٍ، وَيَظُنُ بِعِلْمٍ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَا فِي الإِنْسَانِ مِنْ عَيْبٍ بِعِلْمٍ، وَيَسْكُتُ عَنْ حَقِيقِةِ مَا فِيهِ بِعِلْمٍ) (1) ا. هـ

* هناك مسألة هامة في موضوع حسن السمت هذا ألا وهي: هل حسن السمت من الممكن أن نتعلمه؟ ، والإجابة: بالطبع نعم من السهل أن تكون حسن السمت ، فاتباعك لكلام النبي وهديه وسننه في الطعام والشراب وركوب الدابة والسفر والجماع والتعامل مع

(1) انظر: " أخلاق حملة القرآن " للآجري: (1/ 27)، تحقيق وتعليق: أبو محمد أحمد شحاتة السكندري ،

ط: دار الصفا والمروة بالأسكندرية ، الطبعة الأولى 1426 هـ / 20005 م.

ص: 28

الناس واللباس والكلام والمظهر الخارجي ، كل هذا سيؤدي بك إلى أن تكون حسن السمت

وكذلك فاتباع العلماء وملازمتهم والقرب منهم يجعلك تلتقط أشياء كثيرة تؤدي بك في النهاية إلى أن تكون ممن حسُن سمتهم ، ولعلك في التزامك لأبيك - إن كان ممن اشتهر بحسن السمت - ما يضفي عليك حلة جمال السمت ويلبسك عباءته ، من ذلك التزام الصحابة مثلًا لنبيهم صلى الله عليه وسلم ، فكانوا ينظرون لكل أفعاله ويقلدوها، بل وسكناته أيضًا ، ولعل التزامك بحسن المظهر يدفعك إلى تحسين ما بداخلك ، لذا حث العلماء على التحلي بالزي الإسلامي كارتداء الجلباب والسروال ، واستعمال السواك والتطيب وإعفاء اللحية وهي من أهم الأشياء التي تضفي على صاحبها حسن السمت وقام العلامة الشنقيطي في تفسيره لقوله تعالى:

{قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)} (طه: 94)، يقول:

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هارون قاله لأخيه موسى {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي

} وذلك يدل على أنه لشدة غضبه أراد أن يمسك برأسه ولحيته وقد بين تعالى في "الأعراف" أنه أخذ برأسه يجره إليه ، وذلك في قوله: {

أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ

} ،

وقوله: {

وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} من بقية كلام هارون.

أي: خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل، وأن تقول لي لم ترقب قولي أي لم تعمل بوصيتي وتمتثل لأمري. تنبيه:

هذه الآية الكريمة بضميمة آية "الأنعام" إليها تدل على لزوم إعفاء اللحية، فهي دليل قرآني على إعفاء اللحية وعدم حلقها ، وآية الأنعام المذكورة هي قوله تعالى: {

وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ

}.

ص: 29

ثم إنه تعالى قال بعد أن عد الأنبياء الكرام المذكورين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ

} ، فدل ذلك على أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك أمر لنا لأن أمر القدوة أمر لاتباعه كما بينا إيضاحه بالأدلة القرآنية في هذا الكتاب المبارك في سورة "المائدة"، وقد قدمنا هناك: أنه ثبت في صحيح البخاري: أن مجاهدًا سأل ابن عباس: من أين أخذت السجدة في "ص" قال: أو ما تقرأ {

وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ

} {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ

} فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا علمت بذلك أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم في سورة "الأنعام"، وعلمت أن أمره أمر لنا لأن لنا فيه الأسوة الحسنة، وعلمت أن هارون كان موفرًا شعر لحيته بدليل قوله لأخيه: {

لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي

} لأنه لو كان حالقاً لما أراد أخوه الأخذ بلحيته ـ تبين لك من ذلك بإيضاح: أن إعفاء اللحية من السمت الذي أُمرنا به في القرآن العظيم، وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم ، والعجب من الذين مضخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم، ويتشبهون بالنساء حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر والأنثى وهو اللحية ، وقد كان صلى الله عليه وسلم كثيف اللحية، وهو أجمل الخلق وأحسنهم صورة ، والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها: ليس فيهم حالق.

ص: 30

نرجو الله أن يرينا وإخواننا المؤمنين الحق حقًا، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلً ويرزقنا

اجتنابه " (1).

* وحب النبي صلى الله عليه وسلم لابد وأن يتبعه العمل بما جاء ، يقول محقق كتاب حقوق آل البيت لشيخ الإسلام ابن تيمية:

" وكان اجتماعه بهم، واقتداؤهم به في العمل عاملا رئيسيًّا في تحويل حبهم النفسي إلى حب عقلي وجداني بلغ قمته في قول الأنصار: " والله يا رسول الله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك". وكانت عهودهم معه تنص على: أن يحموه مما يحمون به أنفسهم وأهليهم

وبذلوا دماءهم تعبيرًا صادقًا عن حب الله ورسوله ، وطاعة الله ورسوله {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ

} (2) عبّروا عن حبهم بالعمل على مقتضى سنته ومقتضى القرآن لا يحيدون ولا يكسلون ، وعلموا: أن الحب هو الموافقة في القول والعمل والسمت والحلية وداسوا في سبيل العمل كل زينة وكل بهرج تهواه النفس بخداعها وضلالها ومحاولتها الحيدة بصاحبها عن المنهاج السوي (3).

* فالعمل والمظهر هما وجهان لعملة واحدة وهي حسن السمت ، وهما مقترنان لا يفترقان أبدًا ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن كيفية أن تقتضي الصراط المستقيم:

" الصراط المستقيم: أمور باطنة، وأمور ظاهرة، وبينهما مناسبة ،ثم إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب: من اعتقادات، وإرادات، وغير ذلك، وأمور ظاهرة: من أقوال، أو أفعال قد تكون عبادات، وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس، والنكاح والمسكن والاجتماع والافتراق، والسفر والإقامة، والركوب وغير ذلك؛ وهذه الأمور الباطنة

(1) أضواء البيان (4/ 161 - 162).

(2)

سورة النساء من الآية / 80.

(3)

انظر: " حقوق آل البيت " شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ، مقدمة المحقق: عبد القادر عطا ص: 7، (ط) دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ، د ت.

ص: 31

والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورًا وأحوالاً.

الأمر بمخالفة المغضوب عليهم والضالين في الهدي الظاهر لأمور منها: إن المشاركة في الظاهر تورث تناسبًا بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال وقد بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور منها:

* أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة - مثلاً - يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه متقاضيًا لذلك، إلا أن يمنعه مانع.

* أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب المفارقة وترك موجبات الغضب.

ومنها:-

* أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب، وأسباب الضلال والانعطاف على أهل الهدى، والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين " (1).

* قلت: واعلم أخي الحبيب أن التمسك بالسمت الحسن أي سمت النبي وسمت أصحابه والتابعين لهم هو الذي سينقذك في زمن زادت فيه الفواحش والمنكرات ، وعمت

(1)" اقتضاء الصراط المستقيم " لابن تيمية: (1/ 92 - 93)، دراسة وتحقيق: ناصر عبد الكريم العقل ، ط: دار عالم الكتب بيروت - لبنان ، الطبعة السابعة ، 1419 هـ / 1999م.

ص: 32