الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه الرذيلة، بل وأصبحت أيسر من كوب الماء ، فالرذيلة صارت في كل بيت ، صارت أقرب إلينا من حبل الوريد ، ولن ينجو منها إلا المتمسك بالسمت الصالح سمت السلف ، فها هو عبد الله بن مسعود يقول:
" أنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال أمور تكون من كبرائكم فأيما رجل
…
أو امرأة أدرك ذلك الزمان فالسمت الأول فالسمت الأول " (1).
منهج السيوطي
.
للإمام المحدث الفقيه الحافظ المفسر المؤرخ النحوي الأديب العالم الموسوعي الجليل العلامة جلال الدين السيوطي صاحب التصانيف الكثيرة والمؤلفات العديدة منهج التزم به في جٌل كتبه ، ألا وهو التحقق في كل كلمة يكتبها أو ينقلها عن غيره ، فالسيوطي قد عاش في عصر سادته الفوضى وساده الظلم الاجتماعي والحروب ، هذا ما يتعلق بالحياتين السياسية والاجتماعية ، أما ما يتعلق بالحياة العلمية فهي على النقيض تمامًا فقد ازدهرت في شتى العلوم والمعارف ، كما كان قبل ذلك في العصر العباسي الثاني والذي انتشر فيه الفساد والحروب وازدهرت الحياة العلمية ، ففي كثير من الأحيان يؤدي الفساد السياسي والاجتماعي إلى ازدهار الحياة العلمية ، ففي الفترة العباسية المتدهورة ظهر المتنبي وأبو فراس الحمداني وابن نباتة السعدي وغيرهم من الشعراء الذين شٌهد لهم بالنبوغ الشعري، كما ظهر في هذا العصر الفضل بن العميد والصاحب بن عباد وأبو حيان وغيرهم وفي عصر السيوطي ظهر العديد من العلماء أصحاب الفضل في ازدهار العلم ليس في عصرهم فقط بل امتد فضلهم حتى الآن ، من هؤلاء العلماء العالم الجليل محمد بن يعقوب الفيروزأبادي صاحب " القاموس المحيط " ، والقلقشندي أبو العباس صاحب أشهر
(1) انظر: " القواعد النورانية الفقهية " لشيخ الإسلام ابن تيمية: (69 - 70)، تحقيق: محمد حامد الفقي ، ط: مكتبة السنة المحمدية ، الطبعة الأولى ، 1370هـ - 1951 م.
موسوعة أدبية تاريخية وهو كتابه " صبح الأعشى في صناعة الإنشا " ، وكذلك إمام الأئمة الحبر ابن حجر العسقلاني. الذي توفى بعد مولد السيوطي بست سنوات صاحب أفضل كتب الرجال التي اعتمد عليها الناس إلى يومنا هذا ، فمن منا لا يعرف كتاب " تهذيب التهذيب " و " لسان الميزان " و " الإصابة " ، ومن منا لا يعرف أفضل الشروح لصحيح البخاري وهو كتابه " فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ومن العلماء الأجلاء أيضًا الذين عاشوا في هذا العصر ابن تغري بردي صاحب " النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة " ، وكذلك السخاوي عبد الرحمن صاحب " الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع".
فعصر عاش فيه السيوطي كهذا العصر المؤجج بالعلماء الأفذاذ والمحدثين الفقهاء أوجب عليه الدقة في كل ما يكتب ، خاصة وإن عرفنا أنه كان هناك من العلماء من يتصيد له الأخطاء والسقطات وهما معاصريه السخاوي وتلميذه الذي صار على نهجه في خصومته للسيوطي وهو القسطلاني أحمد بن محمد ، وتلميذه الآخر ابن الكركي إبراهيم بن
…
عبد الرحمن وكانا شديدي الخصام للسيوطي رحمهم الله.
وابن الكركي هذا خصه السيوطي برسائل مثل " طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة " ، و " الجواب الزكي عن قمامة ابن الكركي " ، و " الصارم الهندي في عنق ابن الكركي ".
ومن عموم منهجه أنه عندما يكتب في علم من العلوم يكتب في شتى موضوعاته غير تارك موضوع واحد منها ، فمثلًا مؤلفاته في علوم القرآن نجدها اشتملت على التفسير
…
(تفسير الجلالين) الذي أكمل فيه تفسير جلال الدين المحلي الذي توفي قبل أن يتمه والتفسير بالمأثور (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) ، والتفسير بمعرفة أسباب النزول (الدر المنثور في أسباب النزول) ، و (الإكليل في استنباط التنزيل) ، وتناول ما وقع في القرآن
من متشابه (متشابه القرآن) ، و (معترك الأقران في مشترك القرآن) ، وألّف في مبهمات القرآن (مفحمات الأقران في مبهمات القرآن) ، بل وتطرق إلى طبقات المفسرين (طبقات المفسرين).
وكذلك في علوم الحديث النبوي نجده فعل فيها مثل ما فعله مع علوم القرآن فقام بشرح كتب السنة ، وانتقى منها ، وتكلم عن رجال الحديث ، وألف مؤلفات خاصة بالأحاديث الموضوعة ، ووضع ألفية في الحديث ، وكما فعل في القرآن والحديث فعل في الفقه والنحو والأدب والتاريخ والتراجم والطبقات.
فالسيوطي قد التزم بمنهج علماء الحديث وهو التدقيق في التعامل مع كلام
…
النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الآثار الواردة عن الصحابة والسلف الصالح.
وفي الحقيقة أن السيوطي عندما يكتب في علوم التاريخ والطبقات والتفسير والأدب والفقه واللغة ، إنما يريد أن يخدم الدين وهذا هو أكثر ما يميز منهج السيوطي في كتبه وهو خدمة الدين.
ومن أهم ما يميز صاحبنا ذكره أماكن استشهاداته وإرجاع نقوله إلى الأصل الذي نقل منه. أما عن كتابنا " حسن السمت في الصمت " فقد التزم السيوطي فيه الأمانة حيث ذكر أن هذا الكتاب هو اختصار لكتاب " الصمت " الذي ألفه ابن أبي الدنيا ، ولم يكتفِ السيوطي باختصاره فقط بل أضاف عليه أحاديث كثيرة وأبيات شعرية تكاد تفوق عدد ما نقله من كتاب الصمت ، وفي الحقيقة اختصار السيوطي لهذا الكتاب لم يخل بمضمونه ولم يذهب برونق الكتاب ، بل أضاف إليه رونقًا على رونقه ، وفائدة على فائدته.