المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: أقوال العلماء - حقيقة التأويل - ط أطلس

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌المبحث الثاني: أقوال العلماء

‌المبحث الثاني: أقوال العلماء

رأيت كتابا لبعض الفضلاء يكذّب صاحبه أهل الطبيعة والفلك والجغرافية وغيرها في كل ما يقولونه مما يراه المؤلف الكتاب مخالفا لظاهر القرآن أو السنة، وفي كلامه مؤاخذات:

منها دعواه في مواضع ظهور دلالة القرآن، وليس كذلك؛ ومنها في السنة كذلك؛ ومنها الاستناد إلى أحاديث غير ثابتة، وغير ذلك. وغالب العلماء يذهبون إلى هذا التأويل كما قدمنا، وفيه ما عرفت من الإشكال.

وسمعت بعض العلماء يقول: إن القرآن لم ينزل لتعلم الطبيعة والفلك والتاريخ والتشريح والطب ونحو ذلك من العلوم الكونية، وإنما نزل لبيان الدين عقائد وأحكاما، وإنما يذكر بعض ما يتعلق بالطبيعة والفلك والتاريخ ونحوها لمغزى ديني، كالتنبيه على آيات الله وآلائه، والتذكير بالعبر والمثلات، هكذا السنة، فالأنبياء إنما بعثوا لتعليم الدين.

ص: 109

ومقصود هذا العالم - على ما فهمته - أنه لا يصح الاستناد إلى ظاهر آية من القرآن أو حديث من السنة في تقرير أمر من تلك العلوم الكونية، كما هو بالنسبة إلى غالب الناس غيب.

فأما قوله: إن الشريعة إنما جاءت لتعليم الدين عقائد وأحكاما، ولم تجئ لتعلم العلوم الكونية، فحق. والحكمة في ذلك أن العلوم الكونية منها ما لا فائدة في علمه، [ومنها ما فيه] فائدة، ولكن علمه لا يتوقف على الوحي، بل يعلم بالبحث والنظر. وقد قضى الله عز وجل أن يكون ظهور ذلك في أوقات متراخية، كما وقع من اكتشاف الكهرباء والهاتف والمذياع وغير ذلك.

على أن الناس محتاجون إلى كثرة الحكام، وليس كل حاكم

ص: 110

كاملا في العقل والفهم والنظر حتى يدرك جميع الأحكام بنظره، واجتماع جماعة من العقلاء لوضع القوانين لا يكفي، لقصر نظرهم واحتمال ميلهم وتعصبهم، ولأن غالب القوانين تختل الحكمة المقصودة منها في كثر من الجزئيات الداخلة فيها؛ فأما القوانين الشرعية فإنها تؤمن الغلط والميل والعصبية فيها، يمتثلها المتدينون تدينا ويقبلونها طيبة أنفسهم منشرحة صدورهم؛ لأنهم يرون القبول خيرا لهم في دينهم ودنياهم، ويلزمونها غالبا بدون إلزام حاكم؛ لا فرق في ذلك بين قويهم وضعيفهم، وافية منها على الغالب بحيث يمكن تخلف الحكمة في بعض الجزئيات، فإن الله عز وجل يجبره بقدره.

والمقصود أن الخلق مفتقرون إلى تلقي الأحكام من طريق الرب عز وجل وليسوا مفتقرين إلى تلقي العلوم الطبيعية ونحوها.

وقد قيل في تفسير قول الله عز وجل: {يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها} : "إن

ص: 111

القوم إنما سألوا عن الأهلة ما بالها تبدو صغارا ثم تكبر، ثم تعود فتصغر ثم تكبر، وهكذا؟ فنزل الجواب عن هذا المعنى الطبيعي، وأجيبوا بما يتعلق بالأهلة من الأحكام الدينية، ثم أمروا بأن يأتوا البيوت من أبوابها؛ فإذا سألوا النبي - المبعوث لتعليم الدين - فليسألوه عما يتعلق بالدين، ولا يأتوا البيوت من ظهورها بأن يسألوه عما لم يبعث من لأجله ولا تتعلق به ضرورة دينية.

ولما ورد النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ورآهم يؤبرون النخل، فظن أن لا حاجة لذلك؛ لأنه كان قد رأى كثيرا من الأشجار تؤتي ثمرها بدون تلقيح، فقال لهم:«ما أظن يغني ذلك شيئا» ، فتركوه، قال فخرج شيصا

فمر بهم فقال: "ما لنخلكم؟ "، قالوا: قلت كذا وكذا! قال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» .

وفي رواية: «إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل» .

وفي رواية: «إنما أنا بشر؛ إذا أمرتكم بشيء ن دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر» .

ص: 112

والحديث في صحيح مسلم وغيره من حديث أم المؤمنين عائشة، وطلحة بن عبيد الله، وثابت بن قيس، ورافع بن خديج رضي الله عنهم.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون لأولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا» .

ص: 113

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن ظهر فرسه» .

قال الطحاوي: "إن الحديث الثاني يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله أولا لما كان يظن أن الغيل يضر، ثم لما تبين له أنه لا يضر قال: لقد هممت .. إلخ.

والظاهر خلاف هذا؛ لوجوه:

الأول: أن قوله صلى الله عليه وسلم التي يبنيها على الظن بين أنه إنما قالها بناء على الظن، والحديث الثاني جزم.

ص: 114

الثاني: أن قوله: "إن الغيل يدرك الفارس فيدعثره" مما لا يظهر بناؤه على الظن.

الثالث: أن قوله - في الحديث الأول -: "لقد هممت .. " ظاهر في أنه لم يكن قد نهى، فالظاهر أنه أراد أن ينهى أولا بناء على ما كان مشهورا بين العرب من أن الغيل يضر ثم في حال فارس والروم فقال الحديث الأول، ثم أعلمه الله عز وجل بأن الغيل يضره، ولو بعد حين، فقال الحديث الثاني.

وقد يجيء في الشريعة ما يشير إلى مسائل طبيعية إذا دعت ضرورة، ولكنها تعرض بمعرض ديني أو ينبه عليها إجمالا.

فمن الأول: النهي عن الشرب قائما، وقوله: إن الشيطان يشرب معه.

ص: 115

ومن الثاني: النهي عن النفخ في الطعام والشراب، وغير ذلك.

والمقصود: أن قول ذلك العالم: إن الشريعة إنما جاءت لتعليم الدين عقائد وأحكاما، وأما ما جاء فيها مما يتعلق بشيء من العلوم الطبيعية والتاريخ ونحوها فليس المقصود من ذكره التعريف بكنهه وحقيقته وكيفيته مفصلا، وإنا يذكر تنبيها على الآيات والمثلات. كل هذا صحيح، ولكن هل يقتضي هذا جواز أن يكون الواقع في تلك الأمور خلاف ظاهر الخبر الشرعي؟

قد كنت أنكر هذا أشد الإنكار، وأقول إن الظاهر حجة قطعية، وإنه إذا كان الواقع خلاف ظاهر الخبر كان الخبر كذبا، وإن لم يكن المقصود من الخبر بيان ذلك الأمر.

ثم رأيت في أصول الفقه مسألة تعضد ما قاله ذلك العالم، وهو قول بعضهم: إن النص إذا سيق لمعنى غير بيان الحكم وكان عاما لا يحتج بعمومه في الحكم.

ص: 116

ويمكن أن يطّرد ذلك في سائر الدلالات الظاهرة. ووجه ذلك أن المتكلم إنما يعتني بالمعنى المقصود بالذات، وأما ما ذكر عرضا فإنه لا يعتني به، كأنه يكل تحقيق حكمه إلى موضعه.

ويقرب من هذا ما يقوله الفقهاء وغيرهم: إن المسألة إذا ذكرت في غير بابها استطرادا، ثم ذكرت في بابها مع مخالفة، فالمعتمد فيها ما في بابها.

وههنا معنى آخر يعضد ذك أيضا، وهو أن المتكلم في علم قد يذكر في أثناء كلامه مسألة من علم آخر، فربما ذكر قاعدة يكون ظاهر كلامه أنها كلية، ومع ذلك فلا يعتد بهذا الظاهر ولا ننسب إلى المتكلم أنه ادعى كليتها ولا يعترض عليه بذكرها على ذلك الوجه.

كأن يقول المفسر في قوله تعالى: {هدى للمتقين} أصل {هدى} هدي، والقاعدة الصرفية أنه إذا تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، والقاعدة الأخرى أنه إذا التقى الساكنان حذف الأول. وهاتان القاعدتان ليستا على إطلاقهما، بل لكل منهما قيود وشروط معروفة في علم الصرف؛ ومع ذلك لا ينسب إلى ذلك المفسر قصور ولا تقصير، ولا دعوى خلاف ما تقرر في علم

ص: 117

الصرف؛ لأنه يقال: ليس هو في صدد الكلام في علم الصرف حتى ينسب إليه ذلك، وإنما هو في صدد التفسير، ولكن انجر الكلام إلى هاتين القاعدتين فذكرهما على قدر ما دعا إليه الحال؛ وهكذا في القواعد النحوية والبيانية وغيرها.

وأبلغ من هذا: أن أصحاب الكتب المختصرة في العلوم يذكر أحدهم كثيرا من قواعد ذلك العلم، بحيث يكون ظاهر الكلام أنها كلية، ومع ذلك لا ينسب إليهم قصور ولا تقصير ولا دعوى كليتها، بل يقال: هذا المختصر وضع للحفظ ولتعليم المبتدئين، وكل يستدعي الإجمال وترك التفصيل بذكر القيود والشروط، بل يوكل ذلك إلى الشروح والمطولات.

وأبلغ من هذا: أن الكتب الموضوعة للمبتدئين قد يذكر فيها ما ليس بصحيح في نفسه، ولكن سلكه المؤلف لأنه أقرب إلى فهم المبتدئ، فيقول النحوي مثلا: الكلام قد يركب من كلمتين، من اسم وفعل، مثل: قام الرجل، والرجل قام، أو اسمين، مثل: زيد قائم، أو القائم زيد؛ مع أن "قام الرجل" ثلاث كلمات، والرجل قام أربع كلمات: فعل وحرف واسمان، و"زيد قائم" ثلاث أسماء، و"القائم زيد" أربعة أسماء.

ومن كان له ممارسة للنحو والصرف وجد فيها كثيرا من هذا.

ص: 118

ومن عالج التعليم يعلم يقينا أنه لا غنى به عن سلوك هذه الطريق في كثير من المسائل.

وكما أن المعلم الناصح يتجنب أن يخرج بالطالب في الدرس عن ذلك العلم، فهكذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يتجنب أن يشغل الناس بما لم يبعث لأجله، بل كثيرا ما يقرهم على ما يعلم أنه خطأ وغلط، لأن ذلك لا يضرهم في دينهم؛ فإذا دعت المصلحة إلى ذكر ما يتعلق بشيء من الأمور الطبيعية ذكره على وجه لا يجر إلى إيقاع السامعين في الخوض في أحوالها الطبيعية، فيشتغلوا بذلك عن المقصود. ومن ضرورة هذا المعنى أن لا يذكر لهم في الأمور الطبيعية خلاف ما يعرفون، أو يذكر لهم مما لا يعرفون شيئا فيه دقة وغرابة، فلا يذكر لهم مثلا: الأرض كروية، أو أنها تدور.

فإن قلت: فهل يجوز أن يخبر عن شيء من الطبيعيات بكلام ظاهره مخالف للحقيقة؟

هذا هو موضوع السؤال!

قلت: أما إذا ثبت أن الظاهر في مثل ذلك لا يعتد به، بل يحتمل أنه مراد، ويحتمل أنه ليس بمراد، فلا مانع من ذلك إذا لم يبق ذلك الظاهر ظاهرا، فتدبر!

ص: 119

وقد أجاز جمهور العلماء تأخير البيان إلى وقت الحاجة، فأجازوا أن يرد نص في الحج مثلا يكون وروده في شهر محرم، ولذلك غير عام، أو مطلقا وهو في علمه عز وجل مقيد، أو فيه كلمة مستعملة في علم الله عز وجل في غير ما وضعت له، ولم تصحب النص قرينة، ثم حين حضور الحج يبين الله عز وجل الخصوص والتقييد.

والوجه في ذلك: أن المخاطبين لما علموا من عادة الشريعة أنها قد يقع فيها صار ذلك الظاهر غير ظاهر عندهم، بل هو محتمل فقط، فإذا جاء وقت العمل، ولم يبين ما يخالف ذلك الظاهر علم حينئذ أنه مراد.

بل قد يقال: لا حاجة إلى علم المخاطبين بعادة الشريعة في ذلك، ويكفي أن ذلك جار في العادة مطلقا. فلو كان لرجل خمسة من الولد صغار، فقال لخادمه: اذهب بالأولاد يوم الخميس إلى المستشفى للتطعيم ضد الجدري وعندما تريد الذهاب أخبرني، فإن الخادم إذا تدبر هذا الكلام قال نفسه: كلمة "الأولاد" تشمل الخمسة كلهم، ويمكن أن يكون أراد الخمسة كلهم، ويمكن أن يكون

ص: 120

أراد ثلاثة أو أربعة منهم، على كل حال فحين أريد الذهاب أخبره فيظهر ما هو مراده.

وإنما أوردت في المثال: "وعندما تريد الذهاب أخبرني"؛ لأنه لو لم يقل ذلك لضعف احتمال الخصوص جدا؛ لأن الإنسان يعلم أنه ربما ينسى أو يغفل أو ينام أو يمرض أو يموت أو يغيب، وإذا عرض له شيء من ذلك عند حضور الوقت فإن الخادم يذهب بالأولاد الخمسة، فلو كان يريد الخصوص لاحتاط.

فأما الرب عز وجل فإنه منزه عن تلك العوارض، فأمره على الاحتمال حتى يحضر وقت العمل بدون حاجة إلى ما يقوم مقام قول الإنسان:"وعندما تريد الذهاب أخبرني". وكذلك أمر نبيه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه مبلغ عن الرب، والرب تعالى متكفل بحفظه أن يعرض له شيء من تلك العوارض يمنع من البيان قبل وقت الحاجة.

والحاصل: أن النص على الحكم - وقد بقيت مدة إلى حضور وقته - إذا كان لذلك النص ظاهر من جهة اللفظ، ولكنه غير ظاهر من جهة المعنى، بل هو محتمل فقط، فإذا جاء الوقت ولم يبين علم أن ما ظهر من اللفظ هو المراد من جهة المعنى أيضا.

ص: 121

فإذا أطلق الشارع نصا في حكم لم يحضر وقته، وللنص ظاهر لفظي، ثم بين عند الحاجة ما يرفع ذلك الظاهر، لم يلزم من إطلاق النص كذب ولا شبه كذب، فتدبر وأمعن النظر.

ثم نقول: معرفة صفات الأمور الطبيعية ليس لها حاجة في البيان عندما يطلع الإنسان على صفة فعل الشيء، فيتبين له حينئذ المعنى المراد من النص، ولا يلزم كذب ولا شبه كذب إذا تبين أن الواقع خلاف الظاهر اللفظي من النص.

فلو قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: اذهب إلى فلان فستجده يأكل لحم إنسان، فذهب إليه فلم يجده يأكل لحما، ولكن وجده يغتاب إنسانا، لقال: صدق الله ورسوله، إن اغتياب الإنسان كأكل لحمه.

ولو قال صلى الله عليه وسلم لرجل: أتحب فلانا؟ فقال: نعم! فقال: أما إنك ستقتله، فلما كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سقطت من الرجل كلمة كانت سببا لقتل صاحبه، لقال: صدق الله ورسوله، أنا قتلته بكلمتي.

وفي هذا نص واقع، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه - لما سألنه أيتهن أسرع لحوقا به -:«أسرعكن أطولكن يدا» .

قالت عائشة: "فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول

ص: 122

الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صانعة باليد، وكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله".

هذا لفظ رواية الحاكم في المستدرك، كما حكاها الحافظ في الفتح. والحديث في الصحيحين، ولكن وقع في رواية البخاري اختصار ووهم نبه عليه الحافظ في الفتح.

قال الحافظ: "وفي الحديث علم من أعلام النبوة ظاهر، وفيه جواز إطلاق اللفظ المشترك بين الحقيقة والمجاز بغير قرينة، وهو لفظ "أطولكن" إذا لم يكن محذورا. قال الزين بن المنير: "لما كان السؤال

ص: 123

عن آجال مقدرة لا تعلم إلا بوحي أجابهن بلفظ غير صريح، وأحالهن على ما لا يتبين إلا بأخرة، وساغ ذلك لكونه ليس من الأحكام التكليفية".

وقد يقال إن في الحديث قرينة، بل قريتين:

الأولى: قوله: "أطولكن يدا"، ولم يقل: أطولكن، مع أنه أخصر، ففي العدول إلى ذكر طول اليد إشارة إلى المعنى المراد.

الثاني: أن سرعة اللحوق به فضيلة، والفضيلة إنما تدرك بعمل صالح؛ والطول الحسي ليس بعمل صالح.

ويمكن أن يجاب بأن الأولى مبنية على أن الطول الحسي في اليد ملازم لطول القامة، وليس كذلك ولكنه الغالب. وأما الثانية فليست بظاهرة، لأن الموت عند تمام الأجل، فليس بمرتبط بالفضيلة ارتباطا ظاهرا، إذ لا مانع من طول عمر الفاضلة ارتباطا ظاهرا، إذ لا مانع من طول عمر الفاضلة وقصر عمر المفضولة.

وعلى كل حال، استنبط هذا بعد العلم بحقيقة الحال؛ وأما قبل ذلك فقد كان الظاهر هو طول اليد الطول الحسي، كما فهمته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ولم يكن على ذلك حتى تبين

ص: 124

خلاف ذلك بموت زينب.

فإن قيل: كيف هذا وقد تقدم في كلمات خليل الله إبراهيم عليه السلام تتعلق بوقائع عادية وقعت له، وليست متعلقة بما هو غيب عند عامة الناس أو غالبهم، والبحث المتقدم إنما هو فيما كان غيبا مطلقا، أو بالنظر إلى غالب الناس.

ص: 125