المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول في معنى التأويل - حقيقة التأويل - ط أطلس

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌الباب الأول في معنى التأويل

‌الباب الأول في معنى التأويل

التأويل في اللغة: مصدر أوّل يؤوّل، وأوّل فعّل - بتشديد أوسطه - ثلاثيه آل يؤول أولا.

قال أهل اللغة: الأوْل الرجوع. وهذا تفسير تقريبي.

وأغلب ما تستعمل في الرجوع الذي فيه معنى الصيرورة.

ومن أمثلة اللغويين: "طبخ الشراب؛ فآل إلى قدر كذاو كذا". ولذلك وضع بعض النحاة "آل" في الأفعال التي تجيء بمعنى "صار"، وتعمل عملها.

و"آل" قريب من معنى "حال"، أي: تحول من حال إلى حال،

ص: 41

وأكثر ما يقال: استحال. وفي الحديث: «فاستحالت غربا» . إلا أن "حال" و "استحال" يختص بما تحول إلى حالة غير ناشئة عن الحالة الأولى؛ و"آل" تكون حاله الثانية ناشئة عن الأولى، كقولك:"ربما تؤول البدعة إلى الكفر"، أو ناشئة عما جعل "آل" غاية له، كقولهم:"طبخ الشراب حتى آل إلى قدر كذا وكذا".

وفرق ثان، وهو أن "حال" و "استحال" قد يكون بسرعة، كما في الحديث:"فاستحالت غربا". و "آل" يقتضي أنه بعد مدة، كما في "طبخ الشراب"، أو ما هو كالمدة، وذلك يكون في رجوع الشيء إلى الشيء بغموض وخفاء، كقولك: إن إخراج النصوص الشرعية عن ظواهرها بمجرد الرأي والهوى يؤول إلى الكفر؛ تريد أنه كفر، إلا أن كونه كفرا إنما يعلم بعد ترو وتدبر؛ ولذلك لا يكفر كل من فعل ذلك؛ لأنه قد يكون معذورا.

ص: 42

والتأويل مأخوذ من هذا، فهو أن يجعل الكلام يؤول إلى معنى لم يكن ظاهرا منه، فآل الكلام إلى أن حمل على ذلك المعنى بعد أن كان غير ظاهر فيه.

والتأويل قد يكون للرؤيا، وقد يكون للفعل، وقد يكون للفظ.

فأما تأويل الرؤيا: فالأصل فيه أنه مصدر أوّل العابر الرؤيا تأويلا، أي: ذكر أنها تؤول إلى كذا، ويذكر ما يزعم أنه رمز بها إليه، وكثيرا ما يطلق على المعنى الذي تؤوّل به: ومنه - والله أعلم - قول الله عز وجل حكاية عن جلساء مَلك مصر: {وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} . ومواضع أخرى من سورة يوسف.

ويطلق على نفس الواقعة التي كانت الرؤيا رمزا إليها، ومنه - والله أعلم - قول الله عز وجل حكاية عن يوسف عليه السلام:{هذا تأويل رؤياي} . فجعل نفس سجود أبويه وإخوته له هو تأويل رؤياه التي ذكرها بقوله: {إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي سجدين} .

ص: 43

وأما تأويل الفعل: فهو توجيهه بذكر الباعث عليه والمقصود منه؛ فيتبين بذلك أنه على وفق الحكمة بعد أن كان متوهما فيه أنه مخالف لها. ومنه ما حكاه الله عز وجل عن الخضر: {سأنبئُك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} .

وقد يطلق على العاقبة التي يؤول إليها الفعل؛ وبه فسر قتادة وغيره قول الله عز وجل: {ذلك خير وأحسن تأويلا} .

وأما تأويل اللفظ: فالأصل فيه أن يحمل على معنى لم يكن ظاهرا منه، فالكلام الذي لا يظهر معناه غير ذلك الظاهر تأويلا. ويطلق على نفس المعنى الذي حمل عليه، ويطلق على نفس الحقيقة التي عبر عنها باللفظ.

فإذا قال المفسر في قوله تعالى: {وغدوا على حرد قادرين} ، {ويل يومئذ للمكذبين} ، {فسوف يلقون غيا} ، {ومن يفعل ذلك يلق أثاما} {سأرهقه صعودا} .

ص: 44

الحرد: المنع. ويل وغي وأثام: أودية في جهنم. صعود: جبل فيها

فحمله إياها على هذه المعاني هو التأويل بالإطلاق الأول، ونفس تلك المعاني هي التأويل بالإطلاق الثاني.

يقال: ما تأويل الحرد؟ فيقال: المنع. وما تأويل صعود؟ فيقال تأويله أنه جبل في جهنم.

ونفس المنع، وتلك الأودية، وذلك الجبل: هي التأويل بالإطلاق الثالث.

ويحتمل الأول والثاني دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» .

وفي رواية: «اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب» .

ص: 45

وقد ذكر الحافظ طرق الحديث في الفتح، في كتاب العلم، في شرح باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم علمه الكتاب".

ويحتمل أن يكون المراد: علمه كيف يؤول، فيكون من الإطلاق الأول، ويحتمل أن يكون المراد: علمه المعاني التي يؤول إليها ألفاظ الكتاب، فيكون الإطلاق الثاني، والله أعلم

ومن الثالث: قوله تبارك وتعالى: {ولقد جئناهم بكتاب فصلنه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق} ، وقوله عز وجل {وما كان هذا القرآن أن يفترى .... بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله}

ص: 46