الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في تأويل الإخبار عن الوقائع
أما الوقائع المتعلقة بالرب عز وجل من حيث تعلقها به من العقائد، فقد مر الكلام عليها.
وأما ما عدا ذلك؛ فإن كان يتعلق بما لا نحس به ولا هو من جنس ما نحس به، فحكمه حكم العقائد، وذلك كالملائكة والجن، والأرواح، والجنة والنار، ونحو ذلك، لا أن للملائكة مثلا صفات .. عليهم بالنظر إليها؛ لأنهم من جنس ما نحس به، ككونهم موجودين مخلوقين مربوبين، فمن هذه الجهة يكون حكمهم كحكم غيرهم مما نحس به، أو نحس بما هو من جنسه
والوقائع المتعلقة بما نحس به أو هو من جنس ما نحس به هي موضوع هذا الفصل، فنقول:
يزعم كثير من الناس أن في الكتاب والسنة أخبارا عن أشياء من هذا القبيل، والعقل أو الحس أو الخبر المتواتر يدل على خلاف ذلك الخبر، فغالبهم يذهبون إلى تأويل تلك الأخبار بحملها على معان خلاف ظاهرها، ولكنها موافقة للمعقول أو المحسوس أو المتواتر، وحجة هؤلاء أنهم إذا تركوا تلك الأخبار على ظاهرها يلزم من ذلك في حق الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم الكذب أو الجهل! وإذا كان من المعلوم امتناع ذلك، يجعل الخصم هذا حجة على بطلان دين الإسلام!
وأقول: هذا القول قد أرعب غالب المسلمين وزلزل قلوبهم، فخضعوا لوجوب التأويل، ولكن هذا لا يغنهم شيئا، فإن أهل الكفر والإلحاد قالوا: إن هذه التأويلات التي تبدونها خلاف ظاهر الكلام!
فإن قلت: إن الدليل العقلي، أو الحسي، أو التواتري قرينة تجعل ظاهر الكلام هو المعنى الذي حملناه عليه.
قيل لكم: هذا الدليل لم يكن معلوما للمخاطبين، بل لم يكن معلوما لأحد من أهل الأرض حينئذ، ولا يكفي أن يقال: كان الله
يعلمه، أو كان رسوله يعلمه؛ فإن الاعتماد على قرينة يعلمها المتكلم، ويعلم أن المخاطبين لا يعلمونها لا يجوز ولا يخرج الكلام بذلك عن الكذب؛ فظهر أن ما تبدونه من التأويل لا ينفي لزوم الكذب أو الجهل في قرآنكم ونبيكم!
لعل أكثر الناس ينكر علي تقرير هذا المعنى؛ فأقول له:
اعلم أن الكفار والملحدين يقررون ذلك، ويسيطرون به على علماء المسلمين فضلا عن غيرهم، ولا سيما الشباب الذين سيقوا إلى أن يكونوا في مدارس معلموها من هؤلاء الملحدين أو الكفار.
والدين الحق إنما يقر تقرير الشبه لإزالتها، وإنما يحظر على العلم أن يثير شبهة لا يزال أهل الكفر والضلال غافلين عنها، فأما مثل هذه الشبهة - مما قد أثاروه وأضلوا به - فلا بد للعالم من ذكره وإقامة البرهان بما يزيله.