المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في فضل الخط وما قيل فيه - حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق - ط المدني

[مرتضى الزبيدي]

الفصل: ‌في فضل الخط وما قيل فيه

‌فصل

‌في فضل الخط وما قيل فيه

جاء في تفسير قوله تعالى: (يزيد في الخلقِ ما يشاء): انه الخط الحسن. وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (أو أثارةٍ منْ علمٍ) قال: الخط.

ويروى في الخبر المأثور: من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فجوده غفر الله له.

ص: 31

وفي الجامع الصغير من رواية سلمة: الخطّ الحسنُ يزيد الحقَّ وضحا وفيه أيضاً: قيِّدوا العلم بالكتاب، قال شارحه المناوي: العلم يعقل ثم يحفظ، والنسيان كامن في القلب، فلخوف ذهاب العلم قيد بالكتابة.

وجاء في حديث آخر: حق الوالد على ولدهِ أن يعلمه الكتابة والسِّباحة والرِّماية، وأن لا يرزقهُ إلا طيِّباً. وفي رواية أخرى: حقُّ الوالدِ على ولده أن يحسِّن اسمه، ويزوِّجه إذا أدرك، ويعلِّمه الكتاب. قال الشارح: يعني القرآن، ويحتمل إرادة الخط.

وفي الحديث أيضاً، قال صلى الله عليه وسلم لزيد بن ثابت - وهو أحد كتابه كما سيأتي -: إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبيِّن السِّين فيه.

وذكر صاحب الشرعة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية رضي الله عنه

ص: 32

وهو يكتب بين يديه. ألقِ الدَّواةَ، وحرِّف القلم، وانصب الباء، وفرِّق السين، ولا تعوِّرِ الميم، وحسِّن الله، ومدَّ الرَّحمن، وجوِّد الرحيم.

وقالوا: لما كانت الكتابة شريفة كان حسن الخط فيها فضيلة.

وقال المأمون: لو فاخرتنا الملوك الأعاجم بأمثالها لفخرناها بمالنا من أنواع. الخط يقرأ بكل مكان، ويترجم بكل لسان، ويوجد مع كل زمان.

وقال النظام: الخط أصل في الروح يظهر بآلة جسدانية.

وقال بعض الحكماء: الخط سمط الحكمة، بها يفصل شذوذها وينتظم منثورها.

ص: 33

ويقال: قريش أهل الله، لأنهم كتبة حسنة.

وكان يقال: حسن الخط أحد اللسانين، كما قيل العيال أحد اليسارين.

وقال بعض العلماء: الخط كالروح في الجسد، فإذا كان الإنسان جميلاً وسيماً حسن الهيئة كان في العيون أعظم، وفي النفوس أفخم، وبضد ذلك تسأمه النفوس. فكذلك الخط إذا كان حسن الوصف، مليح الرصف، مفتح العيون، أملس المتون، كثير الائتلاف، قليل الاختلاف، هشت إليه النفوس واشتهته الأرواح، حتى إن الإنسان ليقرؤه - وإن كان فيه كلام دنيء، ومعنى رديء - مستزيداً منه ولو كثر، من غير سأم يلحقه ولا ضجر. وإن كان الخط قبيحاً مجته الأفهام، ولفظته

العيون والأفكار، وسئمه قارئه وإن كان فيه من الحكمة عجائبها، ومن الألفاظ غرائبها.

وقيل: إن وزن الخط مثل وزن القراءة، فأجود الخط أبينه، كما أن أجود القراءة أبنيها.

فحرفة أصول الخط وهندسته، وكيفيته وحقيقته، أشرف من عمله تقليداً من غير تحقيق.

ص: 34

قيل ووصف أحمد بن إسماعيل خطاً فقال: لو كان نباتاً لكان زهراً، ولو كان معدناً لكان تبراً، ولو كان مذاقاً لكان حلواً، أو شراباً لكان صفواً.

وقال عمرو بن مسعدة: الخطوط رياض العلوم، وهي صورة روحها البيان، وبدنها السرعة، وقدمها التسوية، وجوارحها معرفة الفصول، وتصنيفها كتصنيف النغم واللحون.

وقيل: إن أحمد الخطوط رسماً ما اعتدلت أقسامه، وانتصبت ألفه ولامه، واستقامت سطوره، وضاهى صعوده وحدوره، وتفتحت عيونه، ولم تشقبه راؤه ونونه، وقدرت أصوله، واندمجت وصوله، وتناسب دقيقه وجليله.

ص: 35

ولا يجمع في سطر بين مدتين ولا ياءين مردودتين، ويراعى مواضع الفصول والوصول، ولا تقطع كلمة بحرف يفرد في غير سطره.

ص: 37