المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في القلم، وما لهم فيه من الحكم - حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق - ط المدني

[مرتضى الزبيدي]

الفصل: ‌في القلم، وما لهم فيه من الحكم

‌فصل

‌في القلم، وما لهم فيه من الحكم

قيل: هو أول ما خلقه الله تعالى، وبذكره بدأ في القرآن، فقال تعالى:(الذي علَّمَ بالقلمِ. علَّمَ الإنسانَ ما لم يعلم). وقال تعالى:

ص: 39

(ن. والقلم وما يسطرون) فأبان سبحانه وتعالى أن صناعة القلم أفضل الصنايع، وأجل البضايع.

قيل: لا يسمى قلماً حتى يبرى، وإلا فهو قصبة. ولا يقال للرمح رمح إلا وعليه سنان، وإلا فهو قناة. ولا يقال مائدة إلا وعليها طعام، وإلا فهي خوان. ولا يقال كأس إلا إذا كان فيه شراب، وإلا فهو زجاجة.

وقال بعض ملوك اليونان: أمر الدنيا والدين واقع تحت شيئين: سيف وقلم، والسيف تحت القلم.

قال أبو الفتح البستي:

إذا أقسمَ الأبطالُ يوماً بسيفهم

وعدُّوه مما يكسبُ المجدَ والكرمْ

كفى قلمَ الكتاب عزَّا ورفعةً

مدى الدَّهرِ أنَّ اللهَ أقسمَ بالقلم

وقال الإسكندر: ما أقرته الأقلام، ولم تطمع في دروسه الأيام.

وقيل: القلم لسان البصر، ومطية الفكر.

ص: 40

وقال آخر: بالقلم تزف بنات العقول، إلى خدور الكتب.

وقال العتابي: ببكاء الأقلام تضحك الصحف.

وقال ابن المعتز: القلم يخدم الإرادة، ولا يمل الاستزادة، يسكت قائماً وينطق سائراً، في أرض بياضها مظلم، وسوادها مضيء.

وقال أرسططاليس: الكاتب العلة الفاعلية، والقلم العلة الآلية، والمداد العلة الهيولانية، والخط العلة الصورية، والبلاغة العلة الغائية.

وقال إبراهيم بن العباس الصولي لكاتب: أطل خرطوم قلمك. فقال: أله خرطوم؟ قال: نعم. وأنشد:

كأنَّ أنوفَ الطَّير في عرصاتها

خراطيم أقلامٍ تخطُّ وتعجمُ

ص: 41

وأما قدره وإمساكه وحالاته فقال الأستاذ ابن مقلة: أحسن قدود القلم أن لا يتجاوز به الشبر بأكثر من جلفته. قال الشاعر:

له ترجمانٌ أخرسُ اللَّفظ صامتٌ

على قابِ شبرٍ بل يزيدُ على الشِّبر

وقال الشيخ محمَّد بن العفيف رحمه الله تعالى: صنعة مسكه بالإبهام والوسطى، وتكون السبابة تمنعه من الميل والاضطراب، وتكون مبسوطة غير مقبوضة، لأن ببسط الأصابع يتمكن الكاتب من إدارة القلم. ولا يتكئ على القلم الاتكاء الشديد المضعف له، ولا يمسك الإمساك الضعيف فيضعف اقتداره في الخط، لكن يجعل الكاتب اعتماده في ذلك معتدلاً.

وقال إسحاق بن حماد: القلم للكاتب، كالسيف للشجاع.

ص: 42

وقال الضحاك بن عجلان: يا من تعاطى الكتاب، اجمع قلبك عند ضربك القلم، فإنما هو عقلك تظهره.

وأما حاله في الصلابة والرخاوة فإنه تابع لصحيفة، لأنها إذا كانت لينة احتاجت أن يكون في الأنبوب لين، وفي لحمه فضل، وفي قشره صلابة. وإن كانت صلبة احتاجت أن يكون في الأنبوب يبس وصلابة. قال: وعلة ذلك أن حاجته من المداد في الصحيفة الرخوة أكثر من حاجته إليه في الصحيفة الصلبة فرطوبته ولحمه يحفظان عليه غزارة الاستمداد، ويكون في الصحيفة الصلبة ما وصل إليها من القلم الصلب الخالي من المداد كافياً.

وقال الشيخ هذه الصناعة عماد الدين الشيرازي: أحمد الأقلام ما توسطت حالاته في الطول والقصر، والغلظ والرقة، فإن الرقيق الضئيل تجتمع عليه الأنامل فيبقى مائلاً إلى ما بين الثلاث، والغليظ المفرط لا تحمله الأنامل.

وقال بن الزيات: خير الأقلام ما استحكم نضجه وخف بزره، وبلغ أشده واستوى.

ص: 43