الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في الدواة وصفتها وآلاتها
قال الحسن بن وهب: سبيل الدواة أن تكون متوسطة في قدرها، لا باللطيفة
فتقصر أقلامها وتقبح، ولا بالكثيفة فيثقل محملها.
قال الفضل: ينبغي أن يتخذ من أجود العيدان وأرفعها ثمناً كالآبنوس والساسم والصندل.
وأما (الجونة) التي فيها حق المداد فينبغي أن يكون شكلاً مدور الرأس، تجتمع على زاويتين قائمتين، ولا يكون مربعاً على حال، لأنه إذا كان مربعاً يتكاثف المداد، فإذا كان مستيدراً كان أنقى للمداد وأسعد في الاستمداد. ويجتهد في تحسينها وتجويدها وتصوينها.
وأنشد المدائني:
جوِّدْ دواتك واجتهد في صونها
…
إنَّ الدُّويَّ خزائن الآدابِ
ومن آلاتها (الليقة) ويكون من الحرير والقطن والصوف. وسمت العرب كل ذلك كرسفا.
وقال بعضهم: من لم يحسن الاستمداد وبري القلم والشق والقط وإمساك الطومار، وقسمة حركة اليد حين الكتابة فليس هو من الكتابة في شيء.
وقال ابن العفيف: من لم يدر وجه القلم وصدره وعرضه فليسهو من الكتابة في شيء.
وقال آخر: على حسب تمكن الكاتب من إدارة قلمه وسرعة يده في الدوران يكون صفاء جوهر حروفه.
وإذا مد الكاتب فليكن القلم من أصابعه على صورة إمساكه له في حين الكتابة ولا يديره للاستمداد، لأن أحسن المذاهب فيه أن يكون
من يد الكاتب على وضعه في الكتاب. ويحرك رأس القلم من باطن يده إلى خارجها، فإنه يمكنه معه مقام القلم على نصبته في الأصابع. ومتى عدل عن هذا لحقته المشقة في نقل نصبه الأصابع في كل مدة. وهذا من أكبر ما يحتاج إليه الكاتب، لأن هذا هو الذي عليه
مدار جودة الخط، وقلما يدريك علم هذا إلا رؤيته من العالم الحاذق بهندسة الخط، مع ما يكون معه من الأناة وحسن التأدية.
قال بعض الكتاب: ويتعين على الكاتب أن يتفقد الليقة ويطيبها بأجود ما يكون، فإنها تتغير على طول المدى. وأنشد:
متظرِّف شهدت عليه دواته
…
إنَّ الفتى لا كان غيرَ ظريف
وكان بعض الكتاب دواته ببعض ما عنده من طيب نفسه، فسئل عن ذلك فقال: لأنا نكتب به اسم الله تعالى واسم نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال آخر: يتعين على الكاتب تجديد الليقة في كل شهر، وأن يطبق المحبرة حين فراغه لئلا يقع فيها ما يفسد الخط.
وقال آخر: ينبغي للكاتب أن لا يكثر الاستمداد، بل يمد مداً
معتدلاً، ولا يحرك الليقة من مكانها، ولا ينثر بالقلم ولا يرد القلم إلى الليقة حتى يستوعب ما فيه من المداد، ولا يدخل منه الدواة كثيراً بل إلى حد شقيه لا يجاوز ذلك إلى آخر الفتحة.
ومن آلاتها (السكين) وهي المدية. قالوا: لا يستعمل لغير بري القلم. ويستحب المبالغة في سقيها وحدها، ليتمكن من البري، فيصفو جوهر القلم ولا يتشظى قطته. وهي مسن الأقلام تشحذ بها إذا كلت، وتطلقها إذا وقفت وتلمها إذا تشعثت. وأحسنها ما عرض صدره، وأرهف حده، ولم يفصل عن القبضة نصابه، واستوى من غير اعوجاج. وكانوا يستحسنون العقابية، وهي التي صدرها أعرض من بطنها.
ومن آلاتها (الملواق) لأنه بن تلاق الدواة. وأحسن
ما يكون من الآبنوس، لئلا يغيره لون المداد، ويكون مستديراً مخروطاً، عريض الرأس نحيفه.