الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي يوم الثلاثاء دخل سعد الدين باشا أخو أسعد باشا بن العظم إلى الشام بموكب عظيم، لأنه سردار الجردة وأميرها وقد سار بها في السنة الماضية.
سنة 1163
ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومئة وألف، وكان غرّة محرمها يوم الخميس. والبرد كثير والغلاء باقي لم يزل. وظل الخبز بخمسة مصاري، ورطل الأرز باثنتي عشر مصرية، ورطل اللحم بأربعة وعشرين مصرية، ورطل الفحم بثلاثة مصاري، ورطل الدبس بثمان مصاري، وأوقية السمن بخمسة مصاري. والجليد الذي صار في هذه السنة ما سمعنا بمثله. نسأله تعالى اللطف.
وفي منتصف محرم من هذه السنة توفي العالم العامل الشيخ محمد الديري، وكان يدرس بالجامع الأموي رحمه الله تعالى. وبعده بيومين توفي الشيخ العالم الزاهد منلا عباس الكردي خليفة شيخه منلا إلياس الكردي، وفي مكانه بجامع العداس رحمه الله ودفن بسفح جبل قاسيون. وفي ثامن وعشرين من المحرم توفي الشيخ عيسى إمام صلاة الأولى بجامع بني أمية في محراب السادة الشافعية.
كان رحمه الله رجلاً صالحاً حسن القراءة حسن الصوت، يلبس دائماً ثياباً بيضاء، وعمامته من صوف أبيض. وكانت جنازته حافلة لم يتخلف عنها إلا القليل، ودفن بتربة البرامكة قبلي المرجة، رحمه الله.
وفي ذلك اليوم كسفت الشمس، وبقيت مكسوفة نحو ثلاث ساعات، وصلى الناس صلاة الكسوف بجامع الأموي.
وكان دخول الحاج الشريف تلك السنة نهار الأربعاء خامس صفر. وثاني يوم الخميس دخل أمير الحاج أسعد باشا بموكب المحمل الشريف. وهذه السنة السابعة من حجاته المتواليات. وقد ذكرت الحجاج أن هذه السنة أيمن السنين وأحسنها وأرخصها ذهاباً وإيابا. ودخل حضرة سعد الدين باشا مع أخيه أسعد باشا وهما في غاية الصحة.
وفي خمسة وعشرين محرم شنق متسلم الشام موسى كيخية خمسة أنفار من الدروز الأشقياء. وفي تلك الأيام مات قاضي مكة ودفن بباب الصغير. ويوم الأحد ثالث وعشرين صفر توفي الولي الزاهد الشيخ محمد بن عبد الهادي العمري، وصلوا عليه في الأموي، ودفن في مرج الدحداح، وكانت جنازته غاصة بالرجال والنساء، رحمه الله. وفي الخامس والعشرين من صفر شنق الباشا ثلاثة رجال، جاؤوا بهم أهل دوما إلى الوالي أسعد باشا، وأخبروه أنهم وجدوا معهم خرج كذا فيه متاع لقفطجي السلطان، فأمر بصلبهم. وفي يوم السبت سلخ صفر سافر سعد الدين باشا لمحل مأموريته التي هي في طرابلس. وفي تلك الأيام توفي الشيخ مصطفى الكردي الذي كان قاطناً بمدرسة سليمان باشا بن العظم، وكان فقيهاً ديّناً. ودفن في سفح قاسيون رحمه الله. وبهذه الأيام أيضاً توفي نجيب أفندي السفرجلاني، وكان من صدور أكابر دمشق، وصار له مشهد عظيم ودفن بمقبرة باب الصغير. وتوفي أيضاً بتلك الأيام في أوائل ربيع الأول من هذه السنة توفي الشيخ الصالح العالم الشيخ مصطفى بن الشيخ شعيب من محلة باب السريجة، وصار له مشهد عظيم بالأعلام، وخرجت بجنازته جميع مشايخ الطرق، ودفن بباب الصغير، رحمه الله.
وفي تلك الأيام توفي أيضاً الولي الزاهد، من غلبت عليه الجذبة الإلهية، السيد مصطفى بن الشيخ مراد، وكانت الدولة والقبول في الشام وإسلامبول إلى ابن أخيه السيد علي أفندي، وخرجت جميع الأعيان بجنازته ودفن بباب الصغير رحمه الله. وفي ليلة الاثنين توفي الولي الكامل ذو الكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة، من قد خلع العذار وتساوى عنده الليل والنهار، وشرب من خمر شراب الجبار، وأعطى درجة القبول عند الكبار والصغار الشيخ محمد جبري، وقد كان أحياناً يغيب وأحياناً يحضر، وأحياناً يسكر، وقد كان له جماعة وتلامذة، وكان في درجة الشيخ أحمد النحلاوي، وقد كان يتردد عليه أيام حياته، ولما توفي النحلاوي لازمه جماعة من فقراء الشيخ صاروا يدوروا معه ويباتوا معه أين ما بات. وكانت وفاته بباب السريجة، وصار له مشهد عظيم.
وفي منتصف سعد الذابح جاء الثلج يومان وليلتان بلا انقطاع ولم يعقبه مطر، وبقي على الأساطيح وفي الأزقة أكثر من عشرين يوماً، حتى صار رطل الفحم بنصف قرش وبثلث، ورطل الخبز من أربعة مصاري إلى ثمانية، وأوقية السمن بخمسة مصاري، ورطل اللحم بثلاثين مصرية. والحاصل كل شيء غال، والخلق في تعب بال.
وفي تلك الأيام قتل قبقولي رجلاً شريفاً بعد العشاء، فاشتكت والدة القتيل للوزير أسعد باشا ولازمته، فأمر بإحضاره فقبضوا عليه بعد ما هرب، فأمر الوزير بخنقه، فخنق بالقلعة.
وفي تلك الأيام توفي الشاعر الأديب والفاضل اللبيب من لم ينسج في زمنه شاعر على منواله الشيخ عبد الرحمن البهلول رحمه الله تعالى، ودفن بباب الصغير قبالة بيوت النحّانة من جهة الشاغور. وهذا البهلول صاحب القبول هو صاحب القصيدة التي مدح بها الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي المحتوية على أكثر من مئة تاريخ في كل شطر منها تاريخ. ولما قدم القصيدة لأستاذه الممدوح ورأى حضرة الشيخ أنها فريدة في بابها بهذا النسق المدهش العجيب قال له: لقد استخرنا الله تعالى يا شيخ عبد الرحمن وعملناك شيخ الأدب في الشام.
ونهار الاثنين خامس عشر ربيع الأول وقع سقف السوق الضيق خلف الجامع الأموي الذي فيه القهوة. وكان وقوعه بعد صلاة الحنفي. وكان تحته جماعة مات منهم أربعة أشخاص وهشّم جماعة.
قال المؤرخ البديري: وفي يوم الخميس ثامن عشر ربيع الأول خرجنا إلى سيران بناحية الشرف المطل على المرجة مع بعض أحبابنا. وكان الوقت في مبادئ خروج الزهر، وجلسنا مطلين على المرجة والتكية السليمية، وإذا بالنساء أكثر من الرجال جالسين على شفير النهر، وهم على أكل وشرب وقهوة وتتن. كما تفعل الرجال، وهذا شيء ما سمعنا بأنه وقع نظيره حتى شاهدناه ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال المؤرخ: ثم لم نزل في سرور وانبساط، حتى أنشدت هذا المواليا فقلت:
مضى لنا يوم مثله ما سبق يا خال
…
في مرجة الشام ما تشوفون موضع خال
ملا خميس مضى ما صادفه أرزال
…
في ثامن عشر ربيع الآخر راح البرد
يا هل الأدب أرّخوه الضيق عنكم زال
وفي ذلك اليوم وقع رجل معماري من سطح سوق الخياطين ومات لوقته. وثاني يوم الجمعة تاسع عشر ربيع الآخر مر الشيخ محمد بن جقيجقه في العمارة وحامل بيده قرنبيط إذ سقط على الأرض بلا روح، وحمل لداره ميتاً، رحمه الله.
وفي تلك الأيام أخذ أسعد باشا دار معاوية رضي الله عنه وأخذ ما حولها من الخانات والدور والدكاكين وهدمهم كذا وشرع في عمارة داره السرايا المشهورة التي هي قبلى الجامع الأموي، وجدّ واجتهد في عمارتها ليلاً ونهارا، وقطع لها من جملة الخشب ألف خشب، وذلك ما عدا الذي أرسلوه له أكابر البلد والأعيان من الأخشاب وغيرها، ورسم على حمامات البلد أن لا يباع قصرمل لأحد، بل يرسل لعمارة السرايا، واشتغلت بها غالب معلمي البلد ونجاريها، وكذلك الدهانين، بل قل أن يوجد معلم متقن أو نجار أو دهان كذلك إلا والجميع مشتغلون بها، وجلب لها البلاط من غالب بيوت المدينة، أينما وجد بلاط أو رخام وغير ذلك، مثل عواميد وفساقي يرسل فيقلعهم القليل من ثمنهم. وكان في قرب تربة البرامكة قصر يقال له الزهرابية، قيل هو من عمارة الملك الظاهر وهو على ظهر بانياس مطل على المرجة، وكان مكان منتزه عظيم تهدم غالبه. وفي قربه مدفن وعليه قبة من حجر ورأس القبة مقلوع، وفيه وهدة قيل إنه كان في رأسها خبية قديمة فأخذت. قال المؤرخ: وقد بلغني عن سبب أخذها أنه كان مكتوباً على باب جدار القبة هذا المواليا:
داري زمانك وصحبك ثم داريها
…
وتجنب الناس عاليها وواطيها
وإن سألوك عن عيوب الناس غطّيها
…
العقل في الراس قاضيها وواليها
وكان كل من يقرؤه يتخيل شيئاً، إلى أن جاء صاحب النصيب ليلاً وصعد إلى أعلى القبة وحفرها وأخذ ما فيها، ولم تزل بلا رأس إلى زماننا هذا، إلى أن أخبروا حضرة الوزير أسعد باشا العظم صاحب العمارة عن هذه القبة وعن المدفن الذي بجانبها، وأن الأراذل والأشقياء يجتمعون عندها هناك ليلاً ونهاراً على فسق وفساد وغير ذلك، فأمر بهدمها حالاً ونقل حجارتها إلى داره.
وفي تلك الأيام بلغ حضرة الوزير أسعد باشا أن في دار ابن كيوان طاحونة قديمة، يقال لها طاحون الرهبان، قد تهدمت ولم يبق منها سوى رسوم أسفلها، وأنها مركبة على بانياس، فحالاً أمر حضرة الباشا بقطع نهر بانياس وأن يخرجوا جميع ما فيها من أعمدة وأحجار وينقلوهم إلى الدار. فاشتغلت الفعّالة والحجّارة والبساتنة، واستقاموا يقلعون الأحجار وينقلونها إلى دار الباشا اثنا عشر يوماً، والنهر مقطوع عن أصحابه.
وفي يوم الخميس سادس وعشرين ربيع الثاني من هذه السنة عمل حسن أفندي السفرجلاني وليمة لحضرة أسعد باشا والي الشام بالصالحية في قاعة ابن قرنق. وكانت ضيافة عظيمة، قيل تكلف عليه نحو إحدى عشر مئة غرش. فنظر حضرة الباشا إلى سروات شاهقات في داره، فطلب من صاحبهم علي آغا بن قرنق قطعهم لأجل عمارة داره، وعرض أسعد باشا صاحب العمارة عليه شيئاً من المال، فأبى أن يأخذ من ثمنهم شيئاً، وقطع له ثلاث سروات ليس لهم نظير في الشام ولا في غيرها. ونقل من قرية بصرى أحجاراً وأعمدة من الرخام شيئاً كثيراً، وأخذ من مدرسة الملك الناصر التي في الصالحية أعمدة غلاظاً جيء بهم محملين على عربات تجر بالبقر وهدم سوق الزنوظية الذي فوق حارة العمارة، وكان كله أقبية معقودة فأمر بفكه ونقله إلى داره المشار إليها. ونقل إليها أيضاً أعمدة من جامع يلبغا، وأنه مهما سمع ببلاط بديع أو أعمدة أو أحجاراً من أي محل كان يأتي بها شراءً وغير شراء.
قال المؤرخ أحمد البديري عفا الله عنه: وفي تلك الأيام قتل ابن خطاب الدالاتي في سوق البزورية وقت أذان العشاء، جاء ضرب سلاح على رأسه، أخذ نصف رقبته مع رأسه، فوقع قتيلاً كأنه ما كان. هذا ووزير الشام مشغول في عمارة داره، ولم يلتفت إلى رعاياه وأنصاره ويقول: ائتوني بحجارة المرمر والرخام والسرو، وتفننوا بالبناء والنقوش والتحلية بالذهب والفضة، وجلب عواميد الرخام على العجلات والبقر من بصرى، وخرب سوق مسجد الأقصاب، واستجلب جميع ما فيه من أحجار وأخشاب، وكل ما سمع بقطعة أو تحفة من رخام أو قيشاني أو غيرها يرسل فيأتي بها إن رضي صاحبها أو أبى. وإذا أراد الفقير أن يعمر أو يرمم لم يجد معمارياً ولا نجاراً ولا خشباً ولا مسماراً ولا تراباً ولا قصرمل ولا أحجار، وهذا مع غلاء الأسعار وحلول الأكدار. وقد أخذ حضرة الباشا قدراً وافياً من ماء قنوات، فما وصل إلى السرايا حتى تقطعت السبل ومياه غالب الجوامع والحمامات، وبقي مدة مقطوعاً حتى عن غالب البيوت.
وفي تلك الأيام عمل علي أفندي المرادي ضيافة لحضرة أسعد باشا في قرية ببيلة في طريق قبر الست، وكانت ضيافة حافلة في الغداء والعشاء.
وفي تلك الأيام أيضاً أمر حضرة الوزير أسعد باشا العظم متولي الجامع الأموي الشيخ إبراهيم الجباوي السعدي بأن يصلح أحوال الجامع المذكور ويتفقد مصالحه. فحالاً باشروا بترميم المئذنة الغربية، وأزالوا ما فيها من الأحجار العاطلة، وأزالوا ما به من الحصر والطنافس العتق، وفرشوه فرشاً جديداً بهمة حضرة الباشا.
وفي يوم الاثنين سادس جمادى الأولى خرج الحاج أسعد باشا وعمل سيراناً في أرض الغوطة، ومعه أكابر دمشق وأعيانها.
وفي يوم الجمعة عاشر يوم من جمادى الأولى والناس في صلاة الجمعة، ألقى رجل نفسه من قلعة دمشق إلى جهة قهوة المناخلية، فتكسرت يديه كذا ورجليه، وسبب حبسه أنه اتهم بافتضاض بنت.
وفي تلك الأيام بشهر آذار الرومي ثار ريح شديد عاصف ما سمع بمثله، تزلزلت فيه أقطار الشام، حتى ظن الناس أن القيامة قد قامت، وأعقبه برد ومطر شديد متراسل إلى آخر الليل. وفي تلك الأيام جاء رجل من الأتراك إلى دمشق، ومعه صحن من نحاس يضعه على عود ويفتله عليه، ويحذفه إلى أعلى قامتين، ويتلقاه على العود وهو يفتل، وينقله من إصبع وهو دائر يقتل، ويلمّ فلوساً من المتفرجين. ثم صارت أولاد الشام تفعل كفعله، فتعجب من ذلك وذكر أنه دار بلاداً كثيرة في الدنيا، وما قدر أحد أن يفعل كفعله، ثم سافر ولم ير بعد. وأغرب من ذلك أنه جاء رجل أيضاً من أبناء الترك قبل الذي ذكرناه يصفق بأصابعه، يضرب بالواحدة على الأخرى، ويدق برجله على الأرض دقاً محكماً، ويغني بالتركي والعربي، فتجمّع عليه الخلق ويعطونه فلوساً. فصارت أولاد الشام الصغار تفعل كفعله وأحسن. وذكر أنه دار في الدنيا مدناً كثيرة فلن يتعلم هذه الصنعة سوى أولاد دمشق، واندهش من ذكائهم.
وفي جمادى الآخرة قُتل رجل في محلة العقيبة، فسألت عن السبب، فقيل إنه رجل يشتغل بالفرن، فمضى إلى فرنه آخر الليل وسكّر باب داره وترك زوجته نائمة، فلما وصل إلى فرنه واستقر برهة، جاءه نذير، وأخبره أنه رأى رجالاً دخلوا داره، فجاء يعدو بالحال، فوجد السكرة، مفتوحة، فجسّ الباب فوجده مدربساً، فصاح على زوجته فأجابته، فقال لها من مَن عندك، فصاحت: واعرضاه من يكون عندي، فقال لها افتحي الباب، فتعللت بعدم قدرتها على فتح الباب، فصاح بشدة، وإذا قد فتح الباب وخرج منه رجال، فضربه أحدهم بطبنجة جاءت في صدره فقتلته حالاً، فلما طلع النهار أخبروا حضرة وزير الشام أسعد باشا، فأحضر المرأة بين يديه، وسألها فأنكرت فأمر بحبسها، فحبست وذهب دم زوجها هدرا.
وفي تلك الأيام أيضاً جيء لحضرة الوزير أسعد باشا بامرأة قتلت زوجها، فسألها عن السبب، فقالت له إنه تزوج عليّ، فلما كانت ليلتي نام وتركني، فقمت وقطعت ذكره، وقلت لا لي ولا لها، فمات من ذلك. فضحك حضرة الوزير، ولم يفعل بها شيئاً سوى أنه أمر بحبسها.
وفي اليوم الحادي والعشرين من جمادى الثانية من هذه السنة ذهب والي الشام إلى الدورة، ومتسلمه موسى آغا كيخية. فثاني يوم من ذهاب الباشا شنق متسلمه المذكور اثنين، قيل إنهم متاولة كانا يقطعان الطريق، ثم نادى أن لا أحد بعد صلاة العشاء يخرج لا بضوء ولا بلا ضوء. وهذا شيء ما سبق قط. ثم صار بنفسه يدور بالليل، وكان من الجبابرة. وبهذه السنة ثبت أول رجب السبت وليلة نصف شعبان كانت ليلة الاثنين، وأول رمضان كان الثلاثاء. وفي سادس عشر رمضان دخل ركب الصرّة أميني؛ ودخلت أيضاً خزنة مصر إلى الشام. وفي الحادي والعشرين منه دخلت البلطجية. وفي ليلة الرابعة والعشرين بعد صلاة التراويح قتل كردي يقال له كرا مصطفى في الحدرا، ولم يُعلم غريمه، فاتهموا فيه رجلاً بغدادياً، فتسلحت الأكراد، ونزلت حتى وصلت إلى الدرويشية وباب الجابية لعلهم يصادفون أحداً من البغّادة ليقتلوه فلم يجدوا، وكانت الخلائق في الدرويشية صفوفاً وألوفاً، فبهجوم الأكراد تفرقوا وهربوا، ودخل الخوف والرعب في قلوب الناس، وإلى الله المصير.
وبعد ثلاثة أيام حضر الباشا من الدورة، وكان دخوله مع أذان المغرب.
وفي سلخ رمضان يوم الوقفة قتل الأكراد اثنين من البغّادة لأخذ ثأر القتيل الكردي الذي قدمنا ذكره، فتسلحت البغادة والموصلية وساعدتهم التفكجية والقبقول، وطلبوا خان الأكراد، فرمى الأكراد عليهم طلقاً من الرصاص، فقتلوا جماعة وجرحوا، فرجعوا على الأكراد ونهبوا بعض قهواتهم، وأرادوا أن يعملوا جمهورية كذا ويقيموا فتنة في البلد. فنهاهم حضرة الوزير حفظه الله عن ذلك، بقيت الأمور مطوية. وكان عيد الفطر يوم الأربعاء، وقد صمنا رمضان تماماً، بعدما كنا صمناه أعواماً ناقصاً. وبعد أيام رحلت خزنة مصر إلى اصطنبول.
وفي سابع عشر شوال رحل أمير الحاج بالمحمل الشريف والموكب المنيف الحاج أسعد باشا العظم. وهذه السنة هي الثامنة من حجاته المتوالية. وثاني يوم جاء الحاج الحلبي. وفي الحادي والعشرين من شوال رحل الحاج الشامي والحلبي من الشام. وبعد خمسة أيام جاء حاج من العجم، وتبع الحاج إلى المزيريب من جهة اللجاة، ورحل الحاج من المزيريب يوم السابع والعشرين من شهر شوال.