المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وبهذا الشهر في جامع الأموي جلس رجل يعدّ ذهباً معه، - حوادث دمشق اليومية

[البديري الحلاق]

الفصل: وبهذا الشهر في جامع الأموي جلس رجل يعدّ ذهباً معه،

وبهذا الشهر في جامع الأموي جلس رجل يعدّ ذهباً معه، جاء رجل وخطفهم أمام مئات من الناس، وأسرع في الجري فصاح صاحبهم، فأدركه بعض أعوان السياسة، فأعطاه شيئاً من الذهب فتركه. وبهذا الشهر أيضاً رجل حمل ولده وعلى رأسه شيء من الدنانير، فتبعه لص حتى دخل حامل الولد زقاقاً، فخطف الدنانير والطاقية وذهب. وفي ليلة السبت عاشر رمضان بعد ما سكّر بوّاب حرم الأموي الأبواب نام، فجاء المؤذنون وطرقوا باب الجامع، فقام ليفتح لهم فوجد ثيابه مفقودة، فأعلمهم بذلك، فدخلوا وسكّروا وفتّشوا الحرم جميعهم، فلم يجدوا أحداً والأغرب أن جميع الأبواب مسكّرة، ثم ذهبوا لجهة الضريح، فوجدوا ثمانية قناديل من فضة مفقودة وقنديل واحد من ذهب، ولم يعلم لهم غريم.

وفي سابع رمضان المبارك جاء ركب الصرة أميني من إصطنبول. وفي يوم الخميس في نصف رمضان دخل حضرة الوزير أسعد باشا إلى الشام حين كان غائباً في الدورة، وهو والحمد لله في غاية الصحة والسلامة. وفي يوم السبت سابع عشر رمضان جاءت البلطجية من إسلامبول ومعها اثنان وعشرون تخت أروام ومعها أيضاً ابن الوزير الأعظم المنفصل عن الوزارة في هذه السنة ومعه الملكة وطواشي كبير، وأخبروا أن الدولة العلية متضعضعة.

وفي يوم الجمعة كان يوم عيد الفطر، وصار في ذلك اليوم هزّة عظيمة، وهي فتنة صارت بين المغاربة وأولاد الشاغور، وسكنت ولله الحمد من غير قتل أحد. ونهار الاثنين رابع عيد الفطر غرق شاب في نقب الربوة وما ظهر له أثر. وفي ليلة الخميس خامس شوّال قُتِل إبراهيم آغا ابن قوسر، قوس في داره التي في قبر عاتكة، ولم يُعلَم قاتله.

ونهار الأحد سابع عشر شوّال رحل أسعد باشا العظم حفظه الله بموكب المحمل الشريف. وكانت السنة العاشرة من حجاته المتواليات بالركب الشامي أميراً ولدمشق الشام وزيراً. وبذلك اليوم جاء الركب الحلبي، وقبله بيومين جاءت قافلة العجم، وهي قليلة بالنسبة للعام الذي قبله، وقد نزلوا في الخراب والسويقة. وفي تاسع عشر شوال سار ركب الحج الشامي من دمشق بالسلامة قاصداً بيت الله الحرام. وبعد أيام نادى حضرة محمد آغا المتسلم على اللحم الرطل بثمانية عشر مصرية، وسمر جماعة من اللحامة، ولم يقبل رشوة ولا برطيلاً، وعدل في حكمه وفّقه الله تعالى حتى صارت الفقراء تدعو له جهاراً. وبعد مدة سعّر جميع البضائع وشدّد، وصار يأخذ بيد كل من يشتكي له، جزاه الله خيراً. وفي ذلك العام خزن الفحم، ففتش المتسلم وسعّر، فلم يفد ذلك شيئاً، ولم يصل أحد للفحم إلاّ من كان قويّاً مثل القبقولي والدالاتي.، ولم يجد المتسلم له بهذا الخصوص مساعد.

‌سنة 1166

ثم دخلت سنة ستة وستين ومئة وألف بنهار الثلاثاء أو الأربعاء جعلها الله سنة خير وبركة ورحمة علينا وعلى خلق الله أجمعين.

وفي غرتها أي غرة محرم دخل قاضياً للشام من أبناء الترك واسمه صالح ملاّ، فنزل من دار علي آغا بن الترجمان قريباً من باب القلعة وبطل الحكم من المحكمة القديمة المسماة بالكبرى.

وفي تلك الأيام وقع برج القلعة وأخذ البدن كله من بابها، وهكذا إلى آخر البرج من جهة القبلة، ولم يُقتل سوى رجل من القلعة. وفي تلك الأيام نزلت مطر كأفواه القرب ثلاثة أيام متوالية، أذهبت غالب مساطيح الزبيب وأتلفت البيادر. وبهذه الأيام في العشر الأول من المحرم شنق متسلم الشام ثلاثة أشخاص من اللصوص في شجرة الدالية التي في المرجة أمام باب التكية.

في منتصف محرم جاءت بشارة لدمشق: وهي مقرر لحضرة الحاج أسعد باشا والي الشام. وفي ليلة الاثنين ليلة عشرين من المحرم شنق المتسلم لصّاً في السويقة وقطع يد رجل نشّال. وفي سلخ محرم جاء كتّاب الجوقدار، وأخبر أن الحج في هذه السنة ذهب وآب من طريق الفرعي، وخرجت عليهم عرب وقضوا مشقة عظيمة، وصارت مقتلة جسيمة، ووقع نقص بالحاج وبالعسكر خصوصاً في المغاربة.

ص: 43

ومات في تلك السنة قبوجى لر أغاصي وشيخ الزبداني، وشنق الباشا السيد حسن شيخ شباب باب المصلى، وقتل أيضاً جماعة من الأشقياء، ودخل الحاج الشريف يوم الثلاثاء خامس صفر. ودخل أمير الحاج أسعد باشا بموكب المحمل يوم الأربعاء، وفي منتصف ربيع الأول نبّه الحاكم على أن لا يروج الفلوس المكسور منهم والرصاص. وثاني يوم نادى المنادي على الفلوس الصحيحة كل اثني عشر بمصرية بعد ما كانت كل أربعة وعشرين بمصرية، وأن لا يروّج منها إلاّ القسطنطيني، فحصل للناس ضيق عظيم، وسكّرت غالب البلد، ثم نادى منادي الحاكم كل أربعة وعشرين بمصرية. وأرجعهم على حالتهم الأولى. ولكن لله الحمد والمنّة، الناس في أمن وأمان ورخص ورخاء في جميع البضائع ما عدا اللحم، فإن رطله بثمانية وعشرين مصرية، وأما غيره فرطل الخبز بثلاثة مصاري وبمصريتين ونصف، وغرارة القمح بخمسة عشر قرشاً أو أقلّ. وعلى هذا فالحمد لله فليقس.

وفي ثالث ربيع الثاني توفي العبد الصالح الشيخ مصطفى الكردي من أبناء الترك والأغوان، فيتكلم بالتركي والكردي والأغواني، وكان على صلاح عجيب، وكان دائماً متسلّحاً بالسلاح الكامل متقلِّداً به ليلاً ونهاراً، ولا ينام إلاّ متقلِّداً به، وإذا دخل الحمّام دخل بالعدّة الكاملة، وكان قليل الكلام لا يتكلم مع أحد، وفي بعض الأوقات يتكلم ويسبّ بالتركي، ويوم وفاته صار له مشهد عظيم، ودفن بمرج الدحداح، رحمه الله تعالى.

وفي تلك الأيام من هذه السنة شرع حضرة أسعد باشا في عمارة القيسارية التي في البزورية التي عزَّ نظيرها في الدنيا، وذلك بعد ما هدم قيساريتين ودور ودكاكين وجعلها قيسارية واحدة بهذه الصفة التي لا نظير لها، وفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الثاني وقع حائط جامع الشيخ عارودك غربي الصالحية على إمام الجامع المذكور وعلى ثلاثة أشخاص معه، فماتوا جميعاً عفى الله عنهم. والعجب أن هؤلاء الأربعة كل واحد منهم اسمه محمد، وهو اتفاق عجيب، ودفنوا بيوم واحد. وفي سلخ ربيع الثاني ربط غلام مراهق رسن فرس في زنّاره، وجلس يتوضّأ على نهر قرية القدم عند قبة العسالي، فجفلت الفرس وصارت تعدو والغلام مربوط برسنها، وتكرّ وترفس الصبي حتى وصلت إلى باب الله، فمسكوا الفرس فوجدوا الغلام قد تهشّم وتطع ومات، والغلام ابن أحمد بشه السحار القبيباتي، والفرس لأبيه. فأعلموا حضرة أسعد باشا حفظه الله فأمر بدفنه، ولم يلحق بأحد ضرراً.

وفي تلك الأيام جاءت خزنة مصر وبقيت أياماً ثم سافرت، وفي تلك الأيام نهبت اللصوص ضرايح الصحابة والأولياء، ففي غرة رجب قلعوا شباك سيدي بلال الحبشي، وأخذوا حديده وثوباً مقصباً كان على تابوته وشدقتين من حرير وسجادتين وغير ذلك. وأخذوا شباك الشيخ عبد الجبار ابن سيدي عبد القادر الجيلاني، مزاره غربي باب الصغير، وأخذ ثوب تابوت سيدي أبي بقبلي مقبرة الشيخ رسلان.

وثاني رجب من هذه السنة توجّه حضرة الوزير الحاج أسعد باشا والي الشام يريد الغزو على عرب البلقاء، فأخذ معه من رجال القرى وهم الفلاحون ألف ومئة فلاح، واستجلب عساكر من حمص وحماة والمعرّة وجبل الدروز والمتاولة ومن نابلس والقدس وصفد ما عدا عرب السردية وغيرها. وخرج بمال عظيم. وسكّرت تلك الأيام الأسواق ومنعت النساء من الخروج وعظمت الأمور. ثم في أثناء هذا الشهر وردت الأخبار بأن حضرة الباشا سار بالعسكر إلى فوق البلقاء، ودخل بمكان يقال له الوكر، وهزم ابن عدوان هو وعربه ونهبوهم العسكر عن بكرة أبيهم. وذهب الباشا إلى الدورة من هناك. وبهذه السنة ثبت رمضان بالرؤيا، فصمنا الاثنين. وفي ليلة العاشر من رمضان جاء الباشا من الدورة، وجاء العسكر مع الكيخية بعد يومين. وفي هذا الشهر فُقد حاجي غريب في خان الحرمين بباب البريد، فاتهموا به رجل من أبناء الترك غلينجي، فقبضوه وعذّبوه وأخذوا ماله وأطلقوه. وبهذا الشهر ظهر قتلى كثيرة من رجال ونساء ولم يُسأل عنهم. وكل شيء موجود والغلاء يلعب في جميع البضائع، وقد شحنت الشام من سائر أصناف الخلق، وامتلأت غالب المواضع، وكان عيد الفطر يوم الأربعاء.

ص: 44