المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وبعد رحيل الباشا نادى المتسلم على الفلوس الرملية كل إحدى - حوادث دمشق اليومية

[البديري الحلاق]

الفصل: وبعد رحيل الباشا نادى المتسلم على الفلوس الرملية كل إحدى

وبعد رحيل الباشا نادى المتسلم على الفلوس الرملية كل إحدى وعشرين فلساً بمصرية، وأطلق البغدادي الذي اتهم بقتل القرا مصطفى الكردي، وكانوا قد رفعوه للقلعة، وبعد إطلاقه بأيام سكر وعربد وضرب حمّارين فقتلهما، فاختبطت البلدة، وأرسل المتسلم في طلبه، فهرب ولم يظهر له أثر، ولا وقفوا له على خبر، فقبضوا على مملوك له فخنقوه.

وقبل خروج حضرة أسعد باشا إلى الحاج الشريف بثلاثة أيام انتهت عمارة دار الباشا، التي هي للحريم، وفرشت بأحسن المفروشات، ونقل حرمه إليها.

وفي تلك الأيام حصلت وقعة عظيمة بين الدروز والمتاولة، ومع المتاولة أيضاً أولاد الظاهر عمر حاكم طبرية، وقُتل من الفريقين، وحصروا قتلى الدروز، فكانوا نحواً من تسع مئة قتيل، وهي فتنة كبيرة. وفي يوم السبت خامس ذي القعدة ضربت مدافع فسألنا عن الخبر، فقيل جاء من السلطنة مقرر إبقاء أسعد باشا العظم والي الشام.

قال المؤرخ البديري: وفي ليلة الأربعاء لعشرين مضت من شهر ذي القعدة من هذه السنة توفي الشيخ إسماعيل بن شيخنا وأستاذنا الشيخ عبد الغني النابلسي، مات عن ثلاثين ولداً من بنيه وأولاد بنيه، وعمر سبعة وسبعين سنة، لأن مولده سنة خمس وثمانين بعد الألف ووالده الأستاذ مولده سنة خمسين بعد الألف ووفاته سنة ثلاث وأربعين ومئة بعد الألف فيكون عمر الأستاذ والده ثلاثاً وتسعين سنة، وكانت وفاته بالصالحية ودفن في دارهم التي في العنبرانية قبلى الجامع الأموي، وحُمل نعشه للصالحية، ودفن في دار أبيه بجانب ولده الشيخ طاهر، رحمهم الله تعالى ونفعنا ببركاتهم أجمعين.

‌سنة 1164

ثم دخلت سنة أربعة وستين ومئة وألف، كانت هلّة المحرم نهار الثلاثاء، جعلها الله سنة خير وبركة علينا وعلى المسلمين. وفي ستة وعشرين من المحرم جاء جوقدار الحج الشريف، وبشّر عن الحج بكل خير من كثرة الرخص والمياه وغير ذلك ولله الحمد. غير أن الغلاء لم يفارق الشام، فقد دخلت هذه السنة ورطل الخبز بخمسة وبستة مصاري، ورطل الأرز بعشرة مصاري، ورطل اللحم بثمانية وعشرين مصرية، ورطل الدبس بتسع مصاري، وأوقية السمن بستة مصاري، والعملة مغشوشة، والفلوس غير منقوشة، والنساء باحت والرجال ساحت، والحدود طاحت، والأكابر مشغولة ومروءة الرجال مغلولة، إلى آخر ما قال المؤرخ.

وفي تلك الأيام جاؤوا بأربع رؤوس من العرب قطاع الطريق، أتى بهم عيسى بشه الحبش، أحد الزرباوات الهاربين، فعُفي عنه لأجل ذلك.

وفي تاسع وعشرين محرم جاء كَتّاب الحج، وذكر أن هذه السنة هي أريح وأجود السنين في أيام الحاج أسعد باشا والي الشام حفظه الله. غير أنهم جاءهم سيل عظيم في عسفان أوقعهم أياماً، ثم أمر الباشا بأن يجدوا في المسير حتى ترك من العشرة اثنين، هكذا ذكر لي بعض الحجاج. ودخل الحاج يوم الأربعاء ثاني صفر. وثاني يوم الخميس دخل المحمل الشريف، وأسعد باشا وأخوه سعد الدين باشا سردار الجردة بالموكب العظيم. وثامن صفر دخل قاضي الشام عبد الله أفندي سعيد زاده ليلاً وعليه جلالة وهيبة ولم يتكلم بقال وقيل. وبلغنا أن عثمان باشا المحصل حاكم جدة مات ودفن بها.

وفي تلك الأيام من هذه السنة جاء منصب حلب إلى سعد الدين باشا أخو أسعد باشا، فتحوّل من طرابلس بعياله وذهب من دمشق إلى حلب، وقد أشاعوا أن سلفه حاكم حلب كان ظالماً غاشماً، وقد خرب قرايا كثيرة، وعمر عماير كثيرة، أخذ غالب مصارفها من أهل حلب، وبنى بها جامعاً يدهش الأبصار.

وبعد مجيء الحاج أسعد باشا من الحج الشريف وجدنا داره قد تمّت عمارتها، فلما دخلها زاد فرحاً وابتهاجاً وسروراً، فذبح الذبائح وأعطى المنائح، وأقام بها بلذة عيش، وبلغه مجيء تقريره في الشام، فازداد شكراً لمولى الأنام. غير أن أهل الشام في أكدار من غلاء الأسعار، وبخل التجار وانفساد الأحرار وضعف الصغار، وعدم زحمة الكبار، والحكم لله الواحد القهار. فلقد صار رطل اللحم الشامي بقرش، ورطل السمن بقرش ونصف، ورطل لحم الجاموس بأربعة وعشرين مصرية، والسمك مثل ذلك، ورطل لحم الجمل بثمانية عشر مصرية، وأوقية الرز بمصرية، والعسل الأوقية بشاهية. ورطل الخبز بستة مصاري، والناس في أسوأ الأحوال.

ص: 38

وفي تلك الأيام وقع بيت بباب السريجة على امرأة وصبي صغير. في تلك الأيام أيضاً قتل كردي وزوجته في محلة سوق ساروجا. وسبب ذلك أنه كان حاجاً، ولما جاء وجدها متغيرة في أحوالها، ثم تبين أنها عابت في غيبته، وكان ذو كذا حسن وجمال فذبحها ولم يبال بأحد. وفي تلك الأيام أيضاً قتل رجل ابنته في محلة سوق ساروجا، وهي ابنة أربع سنين، فبلغ حضرة أسعد باشا أمرها وأن تلك البنت أمها مطلقة وخالتها امرأة أبيها غير محبة لها، فدست لأبيها عليها بعض الكلام، وكان أبوها من الحمق والجنون على جانب عظيم، فضربها بالعصا ضرباً مؤلماً، ثم ربطها بشجرة داره وبقيت طول الليل مربوطة إلى الصباح، فجاء ليحلّها فوجدها قد ماتت، وكانت ليلة ذات برد شديد، فأحضره أسعد باشا وأمر أن يضرب ضرباً شديداً، فضرب ثم وضع بالحديد بعدما أخذ منه أموالاً كثيرة. وفي يوم الأربعاء ثامن صفر الخير من هذه السنة توفي الشيخ محمد أبو قميص الكردي شيخ مدرسة المرادية. وسمي بأبي قميص لكونه إذا لبس قميصاً لا ينزعه حتى يتقطع، وهذا غاية في الزهد، وقد كان صائماً متهجداً، خرجت في جنازته الأكابر والأعيان لاعتقادهم في صلاحه، ودفن في تربة مرج الدحداح، ولما فُتحت حجرته وجدوا عنده عشرين ثوباً من الكتان جدداً وخمسة عشر نصف مقطع وسبعة قناطير حطب وعشرة أرطال أرز وقدرة سمن وقدرة عسل، وغير ذلك من المؤن. ووجدوا قدرة بها أرباع ريال ومثلها مصاري، وفيها ذهب وأمتعة وحوائج وبدراويتين ملآنتين قمصان، ووجدوا مقدار مئة كتاب قدّورهم بثمن عظيم. فانظر إلى زهد مثل هذا، فقد ذهب الصالح بالطالح.

وفي يوم الجمعة عاشر صفر توفي الشيخ إبراهيم إمام القشماسية، وكان فقيهاً صالحاً، ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله. وفي يوم الجمعة اثنين وعشرين من ربيع الأول توفي العالم النحرير الشيخ أحمد الحرستي أمين الفتوى في بيت العمادي رحمه الله.

وفي تلك الأيام باع رجل جرة زيت إلى رجل آخر، فقبض ثمنها بعدما وزنها؛ ثم حملها إلى دار الرجل، وقال: أبقِ عندك هذه الجرة، فبعد ساعة آتيك وأفرغها لك، قال: لا بأس بل أنا أفرغها وأي وقت جئت تجد الجرة، ثم ذهب صاحب الزيت، وبعد ساعة فرغها المشتري، فوجد بها أربع أواقٍ من الزيت والباقي ماء صافياً، فطلب الرجل فلم يجده.

وفي يوم السبت سلخ ربيع الأول قتل قبقولي رجلاً من الأشراف في مأذنة الشحم، ضربه بخنجر في صدره أخرجه من ظهره، وترك الخنجر مغروزاً فيه، حتى أخرجه قاضي كشف عليه ثم ألقوا القبض على القاتل، وقامت الأشراف، وثبت عليه القتل فحبسوه في القلعة، وفي تلك الليلة خنقوه.

وفي يوم الأربعاء غرة جمادى الأولى توفي الشيخ محمد بن الشيخ شعيب الشهير بالشيخ جينة القاطن بحارة باب السريجة. كان رحمه الله ضحوك السن لطيفاً على غاية من الصلاح، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى. وفي ثامن جمادى الأولى اغتيل رجل شقي من الصالحية يعرف بالفستقي، كان كما قيل داهية دهماء ومصيبة عظماء، شجاع يرد مئة شجاع بعصا، سارق ما سمع بمثله بين اللصوص المشتهرين بالحيل، فمن حيله وشطارته التي ما سمع بنظيرها أنه متى وضع يده على أعلى حائط فمتى علق ظفره به صار أعلاه، والمدهش أن يكون ظهره للحائط، وإذا وضع في أي مكان وأغلق عليه الباب وقفل، خرج منه مهما كان، وهذا كله ولم يجاوز العشرين سنة من عمره، ثم إنه بغى على أهل الصالحية خصوصاً وعلى غيرهم فأعياهم أمره، فجعلوا لشخص جُعلا على قتله، فاغتاله بعد ما عمل معه صحبة، وقتله وراح وكأنه ما كان.

وفي يوم الثلاثاء جاء خبرٌ إلى دمشق بأن ليلة الاثنين قُتل حاكم بعلبك الأمير حسن، وقد كان خارجاً من الجامع، فاغتاله ثلاثة أشخاص، ورموه بثلاث بنادق وفروا هاربين وحمل إلى داره. وفي اليوم الثاني توفي، وقد قيل بأن القاتلين له إخوته، حيث أن له من الإخوة سبعة، والله أعلم.

وفي تلك الأيام فرض والي الشام أسعد باشا على الزعماء والأكابر والتجار بأن يأتوا له من مدينة حماة بقمح، ويكون أجرته منهم، فذهب بعضهم وأتى بقمح كثير، فبيعت الغرارة بإحدى وثلاثين غرشا، ولم نستفد غير وجوده، وأما الغلاء فإنه باق بجميع الأصناف كما قدّمنا تسعيره.

ص: 39

وفي ليلة السبت توفي موسى كيخية أسعد باشا والي الشام ودفن بباب الصغير قريباً من تلة الشاغور، وصار له مشهد عظيم. كان رحمه الله هضيم النفس، طلب علما في أول أمره، عنده شفقة ورأفة ويحب المسألة ومصالحة الخصوم، حتى صارت الشام وما حولها حتى من العربان طوع يده، وخلف ثلاثة من الولد أحدهم صار حاكم القدس، والثاني حاكم غزة، والثالث صغير من امرأته الشامية، واستقام في الكخوتية من حكم سليمان باشا إلى سابع سنة من حكم ابن أخيه أسعد باشا.

وفي يوم الاثنين ثاني وعشرين من جمادى الثانية قُتل اثنان من رعيان التركمان في أرض الغوطة في المحفرة، أحدهما عاش، فسئل عمن فعل بهما ذلك، فأخبر أن بعض المغاربة ظن أن معهما مال. فبعدما أوقعوا بهما ذلك الحال، وجدوا مع أحدهما ربع ريال، والثاني قليلاً من الفلوس، فرجعوا خاسرين الدنيا والآخرة.

وفي تلك الأيام كبَّر أسعد باشا داره الجديدة الذي ما صار نظيرها ولا عمل مثلها ولا وجد في الكون لها مثيل. وبينما النجارين كذا يرفعون السقائل لأجل رفع الطوان وقع ثمانية أنفار من النجارين فتهشموا، ولم يقتل ولله الحمد منهم أحد، فأمر حضرة الباشا بأن يرسلوا إلى بيوتهم، وأعطى كل واحد منهم نصف ذهب. وفي ذلك العام اشترى أسعد باشا والي الشام من الصالحية ومن أرض العنابة ومن غيرها أراضي وبساتين.

واشترى كذلك سوق الدق وما حوله من الدكاكين، ومراده أن يعملهم قيسارية ليس لها نظير في قيسارية الشام.

وفي يوم الجمعة توفي بقية السلف الصالح معتقد أهل الشام على الإطلاق الشيخ عبد اللطيف بن عبد الهادي، وقرئ نسبه عند إقامة الصلاة عليه في مقصورة الجامع الأموي، فوجد بينه وبين سيدنا عمر بن الخطاب ثلاثون جدّاً. وصار له مشهد عظيم ودفن بمقبرة مرج الدحداح، رحمه الله تعالى.

وفي يوم الاثنين سلخ جمادى الثانية دخلت أرطة القبقول يتمش إيكي، فخرجت لملتقاها كل من لف برمه مع مئتين تفكجي وجماعة من الدالاتية، كل ذلك بأمر الباشا، ودخلت بعراضة أي موكب ولا موكب الحج الشريف، وخرجت الناس للفرجة رجالاً ونساءاً كباراً وصغارا، وزينوا لهم حارة العمارة بالقناديل والمشاعل ودخلوا بكبر وجبر وعتوّ، نسأله تعالى العافية.

وفي تلك الأيام أرسلت الدولة العلية تطلب من حضرة أسعد باشا منافح النوق وشرش جنزبيل، فحالاً حضرة الباشا استجلب من عرب الجبلة ثلاثة نوق لم يأكلوا إلا حليب أمهم، فذبحوا كذا واستخرجت منافحهم، وأرسلهم حضرة أسعد باشا مع شرش الجنزبيل مع ثلاث نياق حبالى حاملات يصحبهم ثلاثة طواشية.

وفي تلك الأيام وصل خبر إلى دمشق الشام بأن سعد الدين باشا الذي هو أخو أسعد باشا جار على أهل حلب، فغلّى الأسعار، وطلب منهم مئتي كيس غرش، لكونه توجهت عليه سردارية جردة الحاج، فأبوا أن يعطوه، ووقع جدال عظيم، وبطلت صلاة الجمعة وقتل منهم جماعة. وثاني يوم كان رطل الخبز بعشرة مصاري، فنادى عليه بأربع مصاري، واللحم كان بثلاثين الرطل، نادى عليه باثني عشر مصرية، فأرسلت أعيان حلب عرض إلى الدولة العلية بما جرى. ولم ندر ماذا يكون بعده.

وفي أوائل شعبان من هذه السنة وصل خبر إلى دمشق بأن ابن الحرفوش حاكم بعلبك المتوالي الرافضي المشهور قبض على المفتي وعلى أخيه وأحرقهم بالنار، وهدم دارهم وقطع كرومهم. وقد كانت هذه العائلة الخبيثة الحرفشية لعنها الله قبل أعوام قتلت أيضاً الشيخ يحيى مفتي بعلبك المشهور بالعلم والكرم.

وفي تلك الأيام شنق رجل نفسه في جامع يلبغا بشجرة فيه ليلا، فأصبح الناس فوجدوه مشنوقا، ولم يعلم السبب. وفي تلك الأيام وقع باب بستان على رجل في الصالحية يقال له السيد إبراهيم الحلواني من حارة السويقة، فحملوه إلى داره، ومات في اليوم الثاني.

وكان أول رمضان من هذه السنة نهار السبت، أثبت في الساعة السادسة ليلا. ونهار الاثنين ثالث رمضان قُتل آغة القبقول في القلعة بعد العصر، والذي قتله أحد جماعته بتدبير من أحد الآغتين المعزولتين، لأن بدمشق ثلاثة أغاوات للقبقول، أحدهما كذا الموظف المقتول والاثنان المعزولين تبرحا عليه حسدا، فاغتالاه وذهب دمه هدرا. وقتل أيضاً محمد بشه بن شمس في وادي القرن ولم يعلم قاتله. وسادس رمضان دخل الصرة أميني إلى الشام. وكان العيد الاثنين والصوم تماماً.

ص: 40