الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي نهار الثلاثاء، الثالث والعشرين من شوال توفي الشيخ العالم الفقيه الواعظ الشيخ أحمد الخطيب. الواعظ والإمام في جامع الدقاق في محلة القبيبات قبلي دمشق الشام، وهي الميدان التحتاني عند باب الله. قال المؤرخ: وتلك المحلة بها مولدي، ومسقط رأسي وبها منزلنا، وبعد وفاة والدنا انتقلنا منها إلى محلة التعديل. وكان الشيخ أحمد المذكور رجلاً فاضلاً، فقد أحيا تلك المحلة بالعلوم والدين، وانتفع به كثير من المسلمين.
وفي اليوم الثالث والعشرين من شوال من هذه السنة، قدم سلخور من جهة السلطان، بتحصيل مال سليمان باشا، وقدره اثنا عشر ألف كيس، ودخل الشام مثل شعلة النيران، وأخرج حرم سليمان باشا من ديارهم إخراجاً شنيعاً، وصاروا يفتشونهم كذا، واحدة واحدة، مع التفتيش في جيابهم وأعبابهم، وختم على جميع مخادع الدار، وأمر بالقبض على ابن عم المرحوم سليمان باشا، وهو السيد محمد، وعلى جماعة أخرى معه، وأمر بالترسيم الشديد عليهم، وسأل عن محمد آغا الديري، وكيل خرج سليمان باشا، فأخبروه أنه ذهب مع أسعد باشا إلى الحج، فأمر بجلبه، فجاؤوا به، وأمر بالترسيم عليه.
قال المؤرخ البديري: ثم أحضر السلخور القاضي والأعيان، واستجلب حرم سليمان الباشا، وأحضر الجلاد وآلة العذاب، وشدّد على الحريم بالطلب، وأن يعلموه عن المال أين مخبأ، فلما رأوا التشديد خافوا من العذاب وأقروا له عن بعض مخابئ تحت الأرض، فأرسل خلف المعمارية الذين عمروا السرايا، وكانوا نصارى، وكان المعلم نصرانياً يقال له ابن سياج، فأمر القبجي بتعذيبهم، وقطع رؤوسهم وأيديهم، فلما تحققوا عذابهم قالوا: نحن ندلك على كل ما عمل ثم أنهم حفروا له تحت الدرج، فبان عن سرداب، فرفعوا عنه التراب، ونزلوا في درج، فظهر مكان واسع وفيه صندوق مقفول وعليه غالات وقفول، فأخرجوه وفتحوه، فرأوه ملآن من الدراهم والريالات. ثم أخرجهم النصراني إلى مخدع، فحفر في دوائره، فإذا فيه سبع براني مملوءة من الذهب المحبوب السلطاني، فلما رأى الحاضرون ذلك الحال زاغت منهم الأبصار، ثم عدوه وضبطوه، فوجدوه ثمان مئة كيس وخمسين كيساً. فلما بلغ الناس ما خرج عنده من هذا المال، وكان في أيام شدة الغلاء، مع سوء الحال، لهجوا بالذم والنكال، وقالوا قد جوّع النساء والرجال والبهائم والأطفال حتى جمع هذا المال من أصحاب العيال، ولم يراقب الله ذا الجلال.
وقبلا جاء قبجي لضبط مال سليمان باشا، فضبط ألفين وخمسين كيساً، فلم يره بشيء كذا. وقد كان فتحي أفندي الدفتردار اشترى غالب متاعه والأغلال، فكان عنده من القمح ما بلغ ثمنه خمسة وعشرين كيساً، وبلغ الغرارة بخمسة وعشرين غرشا، والكيس بخمس مئة غرش، فانظر كم غرارة بخمسة وعشرين كيسا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وسيأتي الكلام على بطش الله، وغضبه بالدفتري المذكور، لأن الله تعالى يمهل ولا يهمل. ولا تحسبنّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون.
وفي اليوم الرابع والعشرين، وهو يوم السبت من شهر ذي القعدة، توفي الشيخ محمد المكتبي، هو وابنه، في الطاعون المشتد في هذه الأوقات. وكان إماماً في الجامع القلعي، وشيخ كتاب في محلة الخراطين، فتوفي هو في أول النهار، وابنه في آخره. وكان مبدأ هذا الطاعون أول الخريف، في أواخر الصيف، واستمر حتى دخل الشتاء وزاد كثيراً، وقد قيل بدخول السنة الجديدة يذهب.
وفي أوائل ذي الحجة، طلع نجم له ذنب، من جهة الغرب، ويستمر إلى ما بعد الشتاء بقليل واستقام إلى أن دخلت السنة الجديدة.
سنة 1157
وكان دخولها غرة محرم الحرام يوم السبت سنة سبع وخمسين ومئة وألف، 1157 فبقي النجم الذي له ذنب يطلع من جهة الغرب، ثم صار يطلع من جهة الشرق، وذنبه إلى الغرب.
وفي تلك الأيام قتل نفسه شيخ التكية. وفي تلك السنة كثرت بنات الخطا، ويتبهرجن بالليل والنهار، فخرج ليلة قاضي الشام بعد العصر إلى الصالحية، فصادف امرأة من بنات الخطا، تسمى سلمون، وهي تعربد في الطريق، وهي سكرى ومكشوفة الوجه، وبيدها سكين. فصاح جماعة القاضي عليها، أن ميلي عن الطريق، هذا القاضي مقبل، فضحكت وصاحت وهجمت على القاضي بالسكين، فأبعدوها كذا عنه أعوانه. ثم جمع القاضي الوالي والمتسلم، وذكر له ما وقع له مع هذه العاهرة، فقالوا له هذه من بنات الخطا واسمها سلمون، وافتتن بها غالب الناس، حتى صار ينسب إليها كل حاجة أو متاع، فيقولون هذا متاع سلموني، وهذا الثوب سلموني. فأخرج المفتي فتوى بقتلها، وإهدار دمها تسكيناً للفتنة، ففتشوا عليها وقتلوها. وأرسلوا منادياً ينادي في البلد، أن كل من رأى بنتاً من بنات الخطا والهوى، فليقتلها ودمها مهدور، فسافر عدد منهن وانزوى البقية. ومع ذلك فالطاعون مخيم في الشام وضواحيها، مع الغلاء ووقوف الأسعار.
وفي نهار الأربعاء تاسع عشر محرم من هذه السنة، ورد من الدولة العلية خط شريف إلى القبجي، الذي جاء لضبط مال سليمان باشا، بأن يجمع أعيان البلد ويقرأ عليهم الفرمان، ومضمونه بأن يفتش ويفحص على خلفات الباشا المذكور، وأن يعذب الرجال والنساء بلا معارض حتى يقروا بالمال. فأجابوا بالسمع والطاعة، فأول من أتى به، ابن عم الباشا السيد محمد وهدده، فحلف بالطلاق، بأن ما عنده علم وقيل ضربه، فأقرّ على مكان، وقال احفروا هنا، فحفروا في دار الباشا حول الوجاق. فبان عن أربع زلع ذهب، فيهم ستة عشر ألف ذهب. ثم ضربوا الطواشي، فأقرّ بأنه مودع عند رجل يقال له حسن الطرابلسي، مخلاة ملآنة ريالات. فسارت إليه الأعيان، وأتوا به وبالمال، فأخرجوه فوجدوا داخل المخلاة بين المال جوهرة ليس لها قيمة، ورأوا المال ناقصاً عن ما قال الطواشي، فأمر القبجي بحبس الذي خرج من عنده المال، وحبس أولاده ومن يلوذ به. وأمر بحضور نساء الباشا وحريمه، وقد ذكرنا أولاً أنه أخرجهم كذا من الدار عنفاً وتركهم تحت الترسيم، والآن أمر بإحضارهم فأحضروهم وصار يقررهم فأنكروا وجحدوا، فأمر بحبسهم، فحبسوا في باب البريد وشدد عليهم. وكان لسليمان باشا سرية مقدمة على جميع محاظيه تسمى زهرا، كأنها البدر في أفق السماء، وكان قد تركها القبجي عند سليمان بيك وكيل سليمان باشا على أملاكه تحت الترسيم. فلما جاءه الفرمان بعقوبة الرجال والنساء أمر بإحضارها، وسألها عن المال، فأنكرت وادعت أنها ما رأت شيئاً ولم تعرف شيئاً، فأمر بضربها، فضربت على وجهها ويديها وأجنابها، حتى عدمت صوابها فلم تقرّ بشيء، وهي تحلف أن ليس لها علم ولا خير ولا أطلعها سيدها سليمان باشا على أمر، فتركها تحت الترسيم، لأنه جبار لئيم وشيطان رجيم ليس له شفقة على الحريم، عذّبه الله بنار الجحيم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ثم بعد ذلك جمع القبجي جميع حريم الباشا الجوار والأحرار جملة واحدة، وأخذ جميع ما معهم كذا وما عندهم من ذهب وفضة ومتاع وحلي وألبسة وجميع ما تقتنيه النساء، وذلك بعد العذاب والإهانة والضرب الشديد. قاتله الله بجلود لا دباغ لها وعذبه بنار الخلود.
ثم إن سليمان باشا كانت له زوجة هي بنت الشيخ ياسين القادري، لما رأت ما حلّ بصحيباتها من الإهانة سألها القبجي عن مال زوجها الباشا، وهددها بالعذاب، فخافت وأعطت له شكلاً من الذهب يساوي عشرة أكياس، وأعطته تمسكات، وهي سندات كانت على بعض التجار بنحو مئة وخمسين كيساً. وكان جميع ذلك المال إرثاً عن أبيها الشيخ ياسين القادري، رحمه الله وقدّس سرّه.
وكل هذا الحال وأسعد باشا العظم في الحج. ولما جاء أسعد باشا من الحج عمل ديوانا، وحضر القبجي وأخرج خطاً شريفاً بأن أمره مفوض يفعل ما يشاء من تعذيب وقتل وحبس، ولا أحد يعترضه. وقد ظن الناس أن أسعد باشا يقوم ويقعد لذلك، فخرج الأمر بخلاف ذلك، وقام ولم يحرك ساكناً. وسيأتي قريباً أخذ ثأر سليمان من فتحي أفندي الدفتردار.
ثم بعد مدة جاء فرمان بالعفو نامه، وجمعوا محمد آغا بن الديري والسيد محمد بن عم سليمان باشا والسيد سليمان، فباعوا القمح والأملاك وما بقي من الأمتعة والزردخانة إلى أسعد باشا بأربع مئة كيس.