المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(حرف الدال المهملة) - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر - جـ ٢

[المحبي]

الفصل: ‌(حرف الدال المهملة)

سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بن سَيِّدي مُحَمَّد العياشي الْوَلِيّ الْمَشْهُور سُلْطَان الغرب وَغَيرهم وانتفع بهم نَاس فَألْحق الأصاغر بالأكابر والأحفاد بالأجداد وَكَانَ سَمحا بِالْإِجَازَةِ مَا طلبَهَا أحد مِنْهُ ورده بل كل من طلبَهَا مِنْهُ يُجِيزهُ أما بِالْكِتَابَةِ وَأما بِاللِّسَانِ حَتَّى أَنه أجَاز أهل عصره وَكَانَ حَرِيصًا على إِفَادَة النَّاس وجبر خواطرهم مكرم للْعُلَمَاء وطلبة الْعلم غيورا عَلَيْهِم ناصراً لَهُم دافعا عَنْهُم مَا اسْتَطَاعَ وَكَانَ معتدل الطول شثن الْأَعْضَاء والأنامل أَبيض بياضه مشرب بحمرة ذَا شيبَة حَسَنَة وهيئة مستحسنة لم ير النَّاظر أبهى مِنْهُ وَجها من اجْتمع بِهِ لَا يكَاد ينساه لِكَثْرَة تواضعه ولين جَانِبه وَحسن مصاحبته وَكَثْرَة فَوَائده وفصاحة مَنْطِقه وإكرامه للوارد عَلَيْهِ ومجلسه مَحْفُوظ من الْفُحْش والغيبة لَا يخلى أوقاته من الْكِتَابَة أَو الإفادة أة الْمُرَاجَعَة للمسائل وتحريرها صَادِق اللهجة ذَا فراسة إيمانية وَحِكْمَة لقمانية متين الدّين عَظِيم الهيبة تهابه الْحُكَّام من الْقُضَاة وَأهل السياسة وَكَانَت الرملة فِي زَمَنه أعدل الْبِلَاد وللشرع بهَا ناموس عَظِيم وَكَذَا فِي غَالب الْبِلَاد الْقَرِيبَة مِنْهَا فَإِنَّهُ كَانَ إِذا حكم على إِنْسَان بِغَيْر وَجه شَرْعِي جَاءَهُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِصُورَة حجَّة القَاضِي قيفتيه بِبُطْلَانِهِ فنتقذ فتواه وَقل أَن تقع وَاقعَة مشكلة فِي دمشق أَو فِي غَيرهَا من المدن الْكِبَار إِلَّا ويستفتي فِيهَا مَعَ كَثْرَة الْعلمَاء والمفتين وَكَانَت أَعْرَاب الْبَوَادِي إِذا وصلت إِلَيْهِم فتواه لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا مَعَ أَنهم لَا يعْملُونَ بِالشَّرْعِ فِي غَالب أُمُورهم وَالْحَاصِل أَنه حاتمة الْعلمَاء الْكِبَار وَمَا ذكر من أَحْوَاله بِالنِّسْبَةِ إِلَى جلالة قدره وعلو شَأْنه قَطْرَة من بَحر وشذرة من عقد وَكَانَت وِلَادَته فِي أَوَائِل شهر رَمَضَان الْمُعظم من شهور سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَحَد قريب الْفجْر السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمَكَان بمحلة الباشقردي قَرِيبا من مدفن الشَّيْخ ابْن عبد الله مُحَمَّد البطايحي رَحمَه الله تَعَالَى من جِهَة الْقبْلَة بِوَصِيَّة كَانَت صدرت مِنْهُ وَبني عَلَيْهِ وَلَده نجم الدّين قبَّة والعليمي بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَسُكُون الْيَاء وَكسر الْمِيم هَذِه النِّسْبَة إِلَى سَيِّدي عَليّ بن عليم الْوَلِيّ الْمَشْهُور والفاروقي نِسْبَة إِلَى الْفَارُوق أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ صَحَّ نِسْبَة ابْن عليم إِلَيْهِ والأيوبي نِسْبَة إِلَى بعض أجداده دون ابْن عليم رَحمَه الله تَعَالَى

(حرف الدَّال الْمُهْملَة)

ص: 139

السَّيِّد دَاوُد بن سُلَيْمَان بن علوان بن نور الدّين بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ولي بن عبد الْوَهَّاب بن عَليّ بن الْوَلِيّ الْعَارِف السَّيِّد نَفِيس الرحماني ابْن مُحَمَّد بن حيدر بن عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن مُحَمَّد الأشتر ابْن عبد الله الثَّالِث ابْن عَليّ أبي الْحسن الْأَكْبَر ابْن عبد الله الْأَصْغَر الثَّانِي ابْن عَليّ الصَّالح ابْن عبد الله الْأَعْرَج ابْن الْحُسَيْن بن زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِم الرحماني الشَّافِعِي الْمصْرِيّ السَّيِّد الْفَاضِل الْعلم الْعَامِل كَانَ من أجلاء الْمَشَايِخ الملازمين لإقراء الْعلم والإفتاء والتدريس بالجامع الْأَزْهَر وَمن الْمَشْهُورين بِالدّينِ المتين والورع وَالْعقل الرصين أَخذ عَن الشَّمْس مُحَمَّد الشَّوْبَرِيّ وعامر الشبراوي وسلطان المزاحي وَعلي الشبراملسي وَمُحَمّد البابلي وَغَيرهم وبرع فِي سَائِر الْفُنُون وَأَجَازَهُ شُيُوخه وَألف كتبا عديدة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْجلَال الْمحلي وحاشية على شرح التَّحْرِير وحاشية على شرح أبي شُجَاع لِابْنِ قَاسم الغزى وحاشية على شرح الشذور وحاشية على شرح الْقطر لِابْنِ هِشَام وحاشية على شرح السنوسية وَله كتاب تحفة أولي الْأَلْبَاب والجواهر السّنيَّة فِي أصُول طَريقَة الصُّوفِيَّة وتحفة السّمع وَالْبَصَر بصادق الْخَبَر ومناسك وَغير ذَلِك من الرسائل والكتب وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَدفن بتربة المجاورين والرحماني نِسْبَة إِلَى محلّة عبد الرَّحْمَن بالبحيرة من قرى مصر وَالله تَعَالَى أعلم

الْحَكِيم دَاوُد بن عمر البصيراد نطاكي نزيل الْقَاهِرَة الْحَكِيم الطَّبِيب الْمَشْهُور رَأس الْأَطِبَّاء فِي زَمَانه وَشَيخ الْعُلُوم الْحكمِيَّة وأعجوبة الدَّهْر ذكره أَبُو الْمَعَالِي الطالوي فِي سانحانه وَأطَال فِي توصيفه ثمَّ قَالَ وَقد سَأَلته عَن مسْقط رَأسه ومشتعل نبراسه فَأخْبر أَنه ولد بانطاكية بِهَذَا الْعَارِض وَلم يكن لَهُ بعد الْولادَة بِعَارِض قَالَ ثمَّ إِنِّي بلغت من السن عدد سيارة النُّجُوم وَأَنا لَا أقدر على أَن أنهض وَلَا أقوم لعارص ريح تحكم فِي الأعصاب منع قوائمي من حَرَكَة الإنتصاب وَكَانَ وَالِدي رَئِيس قَرْيَة سَيِّدي حبيب النجار لَهُ كرم وخيم وَطيب نجار فَاتخذ قرب مَزَار سَيِّدي حبيب رِبَاطًا للواردين وَبني فِيهِ حجرات للْفُقَرَاء والمجاورين ورتب لَهَا فِي كل صباج من الطَّعَام مَا يحملهُ إِلَيْهَا بعض الخدام وَكنت أحمل فِي كل يَوْم إِلَى صحن الرِّبَاط فأقيم فِيهِ سَحَابَة يويمي ويعاد بِي إِلَى منزل وَالِدي عِنْد نومي وَكنت أذذاك قد حفظت الْقُرْآن ولقنت مُقَدمَات تثقيف اللِّسَان

ص: 140

وَأَنا لَا أفتر فِي تِلْكَ الْحَال عَن مُنَاجَاة قيم الْعَالم فِي سري ومبدع الْكل فِيمَا إِلَيْهِ تؤول عَاقِبَة أَمْرِي فَبينا أَنا كَذَلِك إِذا بِرَجُل جَاءَ من أقْصَى الْمَدِينَة يسْعَى كَأَنَّهُ ينشد ضَالَّة أَو أضلّ الْمَسْعَى فَنزل من الرِّبَاط بساحته وَقضى فِيهِ أَثوَاب سياحته فَإِذا هُوَ من أفاضل الْعَجم ذُو قدر منيف يدعى بِمُحَمد شرِيف فَبعد أَن ألْقى فِيهِ عَصا التسيار وَكَانَ لَا يألف منزلا كَالْقَمَرِ السيار استأذنه بعض المجاورين فِي الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وابتدأ فِي بعض الْعُلُوم الإلهية فَكنت أسابقه إِلَيْهِ فَلَمَّا رأى مَا رأى مني استخبر مِمَّن هُنَالك عني فأجبته وَلم يَك غير الدمع سَائِلًا ومجيبا فَعِنْدَ ذَلِك اصْطنع لي دهنا مسدني بِهِ فِي حر الشَّمْس ولفني بلفافة من فرقي إِلَى قدمي حَتَّى كذت أفقد عَن الْحس وتكرر مِنْهُ ذَلِك مرَارًا من غير فَاضل فمشت الْحَرَارَة الغريزية فِي كالحميا فِي المفاصل فبعدها شدّ من وثاقي وفصدني من عضدي وساقي فَقُمْت بقدرة لوَاحِد الْأَحَد بنفسي لَا بمعونة أحد وَدخلت الْمنزل على وَالِدي فَلم يَتَمَالَك سُرُورًا وانقلب إِلَى أَهله فَرحا مَسْرُورا فضمني إِلَى صَدره وسألني عَن حَالي فَحَدَّثته بِحَقِيقَة مَا جرى لي فَمشى من وقته إِلَى الْأُسْتَاذ وَدخل حجرته وشكر سَعْيه وأجزل عطيته فَقبل مِنْهُ شكره واستعفاه بره وَقَالَ إِنَّمَا فعلت ذَلِك لما رَأَيْت فِيهِ من الْهَيْئَة الاستعدادية لقبُول مَا يلقى إِلَيْهِ من الْعُلُوم الْحَقِيقِيَّة فابتدأت عَلَيْهِ بِقِرَاءَة الْمنطق ثمَّ اتبعته بالرياضي فَلَمَّا تمّ شرعت فِي الطبيعي فَلَمَّا أكملت شَرّ أَبَت نَفسِي لتعلم اللُّغَة الفارسية فَقَالَ يَا بني إِنَّهَا سهلة لكل أحد وَلَكِنِّي أفيدك اللُّغَة اليوناينة فَإِنِّي لَا أعلم الْآن على وَجه الأَرْض من يعرفهَا أحد غَيْرِي فأخذتها عَنهُ وَأَنا بِحَمْد الله الْآن فِيهَا كَهُوَ إِذْ ذَاك ثمَّ مَا برح أَن سَار كالبدر يطوي الْمنَازل لدياره وانقطعت عَنى بعد ذَلِك سيارة أخباره ثمَّ جرت الأقدار بِمَا جرت وخلت الديار من أَهلهَا وأقفرت بتنكرها عَليّ لانتقال وَالِدي واعتقال مَا أحرزته من طريفي وتالدي فَكَانَ ذَلِك دَاعِيَة المهاجرة لديار مصر والقاهرة فَخرجت عَن الوطن فِي رفْقَة كرام لؤم بعض المدن من سواحل الشَّام حَتَّى إِذا صرت فِي بعض ثغورها المحمية دعتني همة علية أَو علوِيَّة أَن أصعد مِنْهُ جبل عَامله فصعدته مَنْصُوبًا على الْمَدْح وَكنت عَامله وَأخذت عَن مشايخها مَا أخذت وبحثت مَعَ فضلائها فِيمَا بحثت ثمَّ ساقتني الْعِنَايَة الإلهية إِلَى أَنِّي دخلت حمى دمشق المحمية فاجتمعت بِبَعْض علمائها من مَشَايِخ الْإِسْلَام كَأبي الْفَتْح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن

ص: 141

عبد السَّلَام وكشمس علومها الْبَدْر الْغَزِّي العامري ذَلِك الإِمَام وَالشَّيْخ عَلَاء الدّين الْعِمَادِيّ ثمَّ لم ألبث أَن هَبَطت مصر هبوط آدم من الْجنَّة لما وَجدتهَا كَمَا قَالَ أَبُو الطّيب ملاعب جنه فَكَأَنَّهَا مغاني الشّعب وَأَنا المعني فِيهَا بقوله

(وَلَكِن الْفَتى الْعَرَبِيّ فِيهَا

غَرِيب الْوَجْه وَالْيَد وَاللِّسَان)

تنبو عَن قبُول الْحِكْمَة فِيهَا طباع الرِّجَال نبو قيناتهم الحسان لحى شيب القذال ترى نفرة أحدهم عَن كمالهم السرمد نفرة الظلام رأى الظلام فجود ثمَّ تمثل بقول الْقَائِل

(مَا مقَامي بِأَرْض نحلة إِلَّا

كمقام الْمَسِيح بَين الْيَهُود)

(أَنا فِي أمة تداركها

الله غَرِيب كصالح فِي ثَمُود)

هَذَا مَا طارحني بِهِ فِي بعض مطارحاته وحَدثني فِي جملَة مسامراته وَكَانَ فِيهِ دعابة يؤنس بهَا جليسه كَيْلا يعرف الوحشة أنيسه إِلَى حسن سجايا كالرياض بكتها الأمطار فَضَحكت ثغور أقاحها عَن باسم الْأَنْوَار وكرم نجار وَطيب وخيم تعرف فِي وَجهه نَضرة النَّعيم وَأما فرقه من الْمعَاد وخشيته من رب الْعباد فَلم ير لغير من أهل هَذَا الطَّرِيق وَأَصْحَاب أُولَئِكَ الْفَرِيق وَكَثِيرًا مَا يتَمَثَّل بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وهما لعبد الله طَاهِر بن الْحُسَيْن

(الْأُم تطيلي العتب فِي كل سَاعَة

فَلم لَا تملين القطيعة والهجرا)

(رويدك إِن الدَّهْر فِيهِ كِفَايَة

لتفريق ذَات الْبَين فانتظري الدهرا)

وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن شَيْء من الْفُنُون الْحكمِيَّة والطبيعية والرياضية أمْلى السَّائِل فِي ذَلِك مَا يبلغ الكراسة والكراستين كَمَا هُوَ مَشْهُور مثل ذَلِك عَن الشَّيْخ الرئيس أبي عَليّ بن الْحُسَيْن فَمن ذَلِك مَا شاهدته وَهُوَ بحجرته الظَّاهِرِيَّة وَقد سَأَلَهُ رجل عَن حَقِيقَة النَّفس الإنسانية فأملى على السَّائِل رِسَالَة عَظِيمَة فِي ذَلِك وعرضها عَلَيْهِ وَله من التآليف والرسائل والإشعار المزرية بروض الخمائل مَا هُوَ بأيدي النَّاس مألوف عِنْد أربابه من الْفُضَلَاء مَعْرُوف فَمن ذَلِك الْكتاب الَّذِي صنفه وَسَماهُ بتذكرة أولي الْأَلْبَاب وَالْجَامِع للعجب العجاب جمع فِيهَا الطِّبّ وَالْحكمَة وَهِي بأيدي النَّاس شهيرة ثمَّ احتصرها لقُصُور الهمم فِي مُجَلد وَله كتاب الْبَهْجَة فِي جلد والدرة المنتخبة فِيمَا صَحَّ من الْأَدْوِيَة المجربة وَله رِسَالَة فِي الْحمام ألفها باسم الْأُسْتَاذ الْبكْرِيّ وَشرح قصيدة النَّفس الْمَشْهُورَة للشَّيْخ الرئيس ابْن سينا وَهُوَ

ص: 142

شرح فصل فِيهِ حَقِيقَة النَّفس وجوهرها النفيس يُرْضِي السَّائِل وان كَانَ هُوَ الشَّيْخ الرئيس وَله قِطْعَة منظومة فِي هَذَا الْمَعْنى تشعر باعتراض فِيهَا على الشَّيْخ وَهِي

(من بَحر أنوار الْيَقِين بحسنها

فلوصل اَوْ فصل تنوب كَمَا ادّعى)

(أَو للكمال فهيكل لَا ترتضى

للمطلق الثَّانِي يَصح لأَرْبَع)

(هبه يَصح فقدره من أوج مَا

قدست يكمل بالحضيض البلقع)

(تالله مَا هَبَطت وَلَكِن أهبطت

فبقسر أَو بِالِاخْتِيَارِ لمن يعي)

(وَعَلَيْهِمَا تتبدد الأحيان أَو

تفنى فَتدخل فِي الْمحل المفقع)

وَكَانَت قصيدة الْحَكِيم الْفَاضِل والفيلسوف الْكَامِل أبي عَليّ الْحُسَيْن ابْن سطر الْبَغْدَادِيّ الَّتِي خَاطب بهَا الْفلك وتشتمل على مبَاحث الْحِكْمَة وَأكْثر مسَائِل الفلسفة وَهِي أبدع الشّعْر وأعذبه وأبلغ النّظم ومستعذبه كثيرا مَا يلهج يإيرادها ويعتني فِي غَالب أوقاته بإنشادها وَهِي

(بِرَبِّك أَيهَا الْفلك الْمدَار

أتصد ذَا الْمسير أم اضطرار)

(مسيرك قل لنا فِي أَي شَيْء

فَفِي أفهامنا مِنْك انبهار)

(وفيك نرى الْقَضَاء فَهَل فضاء

سوى هَذَا الفضاء بِهِ تدار)

(وعندك ترتع الْأَرْوَاح أم هَل

مَعَ الأجساد يُدْرِكهَا الْبَوَار)

(وموج ذَا المجرة أم فرند

على لجج الدروع لَهُ أوار)

(وفيك الشَّمْس رَافِعَة شعاعا

بأجنحة قوادمها قصار)

(وطوق فِي النَّحْو من اللَّيَالِي

هِلَال أم يَد فِيهَا سوار)

(وشهب ذِي الخواطف أم ذبال

عَلَيْهَا المرخ يقْدَح والعفار)

(وترصيع نجومك أم حباب

تؤلف بَينه للحجيج الغزار)

(تمر بواديا لَيْلًا وتطوي

نَهَارا أمثل مَا طوى النَّهَار)

(فكم بصفائها صدأ البرايا

وَمَا يصد لَهَا أبدا غرار)

(تباري ثمَّ تحسر راجعات

وتكنس مثل مَا كنس الصوار)

(فَبينا الشرق يقذفها صعُودًا

تلقاها من الغرب انحدارا)

(عَليّ ذَا مَا مضى وَعَلِيهِ تمْضِي

طوال مني وآجال قصار)

(وَأَيَّام تعرفنا مداها

لَهَا أنفاسنا أبدا شفار)

(ودهر ينثر الْأَعْمَار نثرا

كَمَا للغصن بالورق انتثار)

ص: 143

(وَدُنْيا كلما وضعت جَنِينا

عداهُ من نوائبها ظؤار)

(هِيَ العشواء مَا خبطت هشيم

هِيَ العجماء مَا جرحت جَبَّار)

(فَمن يَوْم بِلَا أمس ليَوْم

بِغَيْر غَد إِلَيْهِ مَا يسَار)

(وَمن نفين فِي أخدُود

لروح الْمَرْء فِي الْجِسْم انتشار)

وَكَانَ كثير التمثل بقول الشَّيْخ الرئيس أبي عَليّ بن سينا

(عُطَارِد قد وَالله طَال ترددى

مسَاء وصبحاً كي أَرَاك فأغنما)

(فها أَنا فامدد لي قوى أدْرك المنى

بهَا والعلوم الغامضات تكرّماً)

(ووقني الْمَحْذُور والشركله

بِأَمْر مليك خَالق الأَرْض والسما)

قلت وَله فِي التَّذْكِرَة فصل عقده لدَعْوَة الْكَوَاكِب وَهُوَ الَّذِي فتح عَلَيْهِ بَاب الوقيعة حَتَّى استهدفه كثير من النَّاس بسهام الذَّم يذكر مُنَاجَاة الْكَوَاكِب وَالسُّجُود لَهَا فان وَقع فِي وهمك شَيْء من الْإِنْكَار فطالع ذَلِك الْفَصْل من أوّله تَجدهُ قد قَالَ وَمِنْهُم من يتَوَصَّل إِلَى خطاب الْأَرْوَاح بدعوات الْكَوَاكِب ودخنها وَفِيه إخلال بنواميس شرعنا لَا يملكهَا إِلَّا من يخرقه وحاشا أَن مثل هَذَا الْأُسْتَاذ يرضى لنَفسِهِ خرق الشَّرِيعَة وَإِنَّمَا ذكر مثل هَذَا فِي كِتَابه ليَكُون مُشْتَمِلًا على فنون شَتَّى نعم قد رَأَيْت مَدين القوصوني قد تَرْجمهُ وَجزم بِأَنَّهُ شيعي وَعبارَته فِي حَقه هَكَذَا وَكَانَ شِيعِيًّا مُخَالفا لعقيدة الأشعرية وهم الَّذين يثبتون لله صِفَات قديمَة ويثبتون الْإِمَامَة بالإتفاق وَالنَّص وموافقا لعقيدة الشِّيعَة وهم الَّذين بَايعُوا عليا وَقَالُوا بإمامته نصا وَوَصِيَّة وَالْحق أَحَق أَن يتبع فِي بَيَان مُعْتَقد الْإِنْسَان وَمَا هُوَ عَلَيْهِ كَانَ فقد قَالَ الإِمَام السُّبْكِيّ فِي أول طبقاته وَهَذَا شَيخنَا الذَّهَبِيّ من هَذَا الْقَبِيل لَهُ علم وديانة وَعِنْده على أهل السّنة تحمل مفرط فَلَا يجوز أَن يعْتَمد عَلَيْهِ وَهُوَ شَيخنَا ومعلمنا غير أَن الْحق أَحَق أَن يتبع وَقد وصل من التعصب المفرط إِلَى حد يستحيا مِنْهُ وَأَنا أخْشَى عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة من غَالب عُلَمَاء الْمُسلمين وأئمتهم الَّذين حملُوا لنا الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة فَإِن غالبهم أشاعرة وَهُوَ إِذا وَقع بأشعري لَا يبْقى وَلَا يذر وَالَّذِي أعتقده أَنهم خصماؤه يَوْم الْقِيَامَة فَالله الْمَسْئُول أَن يُخَفف عَنهُ وَأَن يشفعهم فِيهِ انْتهى وَصَاحب التَّرْجَمَة من هَذَا الْقَبِيل فكم لَهُ من إعتقادات فَاسِدَة وأقاويل كَاذِبَة بَاطِلَة مِنْهَا قَوْله فِي شرح منظومة الشَّيْخ ابْن سينا الَّتِي أَولهَا هَبَطت اليك من الْمحل الأرفع فِيمَا يتَعَلَّق بخرق الأفلاك مَا نَصه أَن جَوَاز الْخرق محَال لَا يُقَال يلْزم عَلَيْهِ تَكْذِيب صَاحب

ص: 144

الشَّرْع فِي دَعْوَى الْمِعْرَاج لعدم جَوَازه بِدُونِ ذَلِك لانا نقُول هَذَا شَيْء تَقول بِهِ سخفاء الْعُقُول من المتشرعين فَإِن الْمِعْرَاج إِن لم يكن مَشْرُوطًا بِعَدَمِ جَوَاز الْخرق لم يكن إعجاز إِذا المعجز الخارق للْعَادَة والصعود إِلَى السَّمَاء يسْتَلْزم الْخرق فَلَو كَانَ جَائِزا لم يكن لَهُ عليه السلام مزية على غَيره وَقد فرضناه مُنْفَردا عَن بني آدم كَافَّة بذلك هَذَا خلف انْتهى قلت قَالَ النَّسَفِيّ والمعراج برَسُول الله

فِي الْيَقَظَة بشخصه إِلَى السَّمَاء ثمَّ إِلَى مَا شَاءَ الله تَعَالَى من الْعلَا حَتَّى قَالَ السعد التَّفْتَازَانِيّ أَي ثَابت بالْخبر الْمَشْهُور حَتَّى إِن منكره يكون مبتدعا وإنكاره وإدعاء استحالته إِنَّمَا يتبنى على أصُول الفلاسفة وَإِلَّا فالخرق والالتئام على السَّمَوَات جَائِز والأجسام متماثلة يَصح على كل مَا يَصح على الآخر وَالله تَعَالَى قَادر على الممكنات كلهَا انْتهى هَذَا وَمَا يَقُوله هَذَا الزاعم فِي قَوْله تَعَالَى وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا بل رَفعه الله إِلَيْهِ فِي حق سيدنَا عِيسَى عليه الصلاة والسلام وَمَا يَقُول أَيْضا فِي الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي أخرجه القَاضِي عِيَاض فِي الشفا وَالْإِمَام مُسلم فِي صَحِيحه وَغَيرهمَا بالسند الْمُتَّصِل عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله

قَالَ ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل من قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا أَنا بِابْني الْخَالَة عِيسَى بن مَرْيَم وَيحيى بن زَكَرِيَّا فَعلم بِمَا ذكره فِي النَّص من كتاب الله تَعَالَى بِرَفْع سيدنَا عِيسَى وَالنَّص من حَدِيث رَسُول الله

إِنَّه وجده فِي السَّمَاء الثَّانِيَة فقد قَالَ الإِمَام النَّسَفِيّ ورد النُّصُوص كفر وَمِنْهَا قَوْله أَيْضا بعد مَا يطول ذكره نَاقِلا مَا فِي التَّنْزِيل عَن سيدنَا مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون فَقَالَ اخلفني فِي قومِي وَأصْلح وَهَذَا قَالَ يَعْنِي النَّبِي

لسيدنا عَليّ أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى فالمشاورة المشرفة للتَّخْيِير على مقامات النُّبُوَّة خلية عَن الْوَحْي الملكي لَا للتَّخْيِير فنبي أَمن من الْخَطَأ يحرض على الْإِصْلَاح ووصى لم ير عصمته إِلَّا الْخَواص يشاور على الرضى بأعمال الْأَنْبِيَاء هَل هَذَا الْأَمر الْأسر جلبته الْخلَافَة وحققته الألوهية إِذا كَانَ الْكفْر خِلَافه انْتهى فَانْظُر إِلَى هَذَا الِاعْتِقَاد الظَّاهِر الْفساد الَّذِي أوجب لَهُ مَا أوجبه لغيره الْمُخَالفين لَهُ وهم أهل السّنة مَعَ إِجْمَاع الصَّحَابَة على خلَافَة أبي بكر وَكَيف وَقد قَالَ السعد التَّفْتَازَانِيّ بعد قَول الإِمَام النَّسَفِيّ وخلافتهم ثَابِتَة على هَذَا التَّرْتِيب يَعْنِي أَن الْخلَافَة بعد رَسُول الله

لأبي بكر ثمَّ لعمر ثمَّ لعُثْمَان ثمَّ

ص: 145

لعَلي رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَذَلِكَ لِأَن الصَّحَابَة قد احجتوا يَوْم توفّي رَسُول الله

فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وَاسْتقر رَأْيهمْ بعد الْمُشَاورَة والمنازعة على خلَافَة أبي بكر واجمعوا على ذَلِك وَبَايَعَهُ على على رُؤْس الْإِشْهَاد بعد توقف كَانَ مِنْهُ وَلَو لم تكن الْخلَافَة حَقًا لما اتّفق عَلَيْهَا لبصحابة ولنازعه عَليّ كَمَا نَازع مُعَاوِيَة ولاحتج عَلَيْهِم لَو كَانَ فِي حَقه نَص كَمَا زعمت الشِّيعَة فَكيف يتَصَوَّر فِي حق أَصْحَاب رَسُول الله

الإتفاق على الْبَاطِل أَو ترك الْعَمَل بِالنَّصِّ الْوَارِد انْتهى كَلَام السعد هَذَا وَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة أَيْضا فِي الشَّرْح الْمَذْكُور لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار وَلَا فَتى إِلَّا على قَامَ الْحصْر دَلِيلا على الْقصر كَانَ قصر قلب فَصَارَ كشف كرب إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي فَقَالَ أخلفني فَلَا خلاف فِي الْخلَافَة إِثْبَاتًا والنبوة محوا وَقَالَ لعمَّار إِلَى كم تَأْكُل الْخَبَر وتشرب المَاء فَقَالَ أهوَ الْيَوْم فَقَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ فبرز فَكَانَ مَا كَانَ وَكَذَلِكَ خرج لَيْلَة ابْن ملجم فِي السحر ينظر إِلَى السَّمَاء تلذذا بِمَا خصص بِهِ وَطَاعَة وَإجَابَة فَأكْثر من ذَلِك ثمَّ نهى عَن ردع إِلَّا وزة وَقَالَ هِيَ صوايح يتلوهن النوايح كَيفَ يزْدَاد يَقِينا من جَمِيع المسئلة وَالْجَوَاب وأحاط بِكُل شَيْء علما فَهُوَ وَالله الْكتاب وَتَعيهَا إِذن وَاعِيَة فَآمن مَعَه وَصلى لَا ثَالِث لَهما فَجَاءَت الْخلَافَة عَن ثَلَاث فَكَانَ هُوَ الرَّابِع أخرج الْخَطِيب عَن عبد بن حميد فِي التوريريات يَا عَليّ من لم يقل أَنَّك رَابِع الْخُلَفَاء فَعَلَيهِ لعنة الله لِأَن الله قَالَ لآدَم إِنِّي جاعلك فِي الأَرْض خَليفَة يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون أخلفني فِي قومِي ثمَّ قَالَ لَهُ يَوْم تَبُوك كن على مَا أَنا عَلَيْهِ حَتَّى أرجع فَقَالَ أَعلَى الصّبيان وَالنِّسَاء فَقَالَ أما ترْضى أَن تكون منى بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى الحَدِيث وَفِيه طول انْتهى وَهَذَا بعض مَا ذكره من الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام وَالله أعلم وَالسَّلَام فَتَأمل مَا فِيهِ عَن الْفساد وَالله لطيف بالعباد وَله من المؤلفات الشَّرْح الْمَذْكُور سَمَّاهُ الْكحل النفيس لجلاء عين الرئيس وَله غَايَة المرام فِي تَحْرِير الْمنطق وَالْكَلَام وَهَذَا الإسم للْإِمَام الْآمِدِيّ لَهُ كتاب سَمَّاهُ غَايَة المرام فِي علم الْكَلَام وَله نزهة الأذهان فِي إصْلَاح الْأَبدَان وَله زِينَة الطروس فِي أَحْكَام الْعُقُول والنفوس وَله الفية فِي الطِّبّ وَله نظم قانونجك وَله شرح على النّظم الْمَذْكُور وَله شرع على أَبْيَات السهروردي الَّتِي أَولهَا

(خلعت هيا كلهَا بجرعاء الْحمى

وصبت لمغناها الْقَدِيم تشوّقاً)

ص: 146

وَله مُخْتَصر أسواق الأشواق للبقاعي سَمَّاهُ تَزْيِين الْأَسْوَاق وَله رِسَالَة فِي الْهَيْئَة وَله كِفَايَة الْمُحْتَاج فِي علم العلاج قلت وَهَذِه زِيَادَة على تأليفه الَّتِي ذكرهَا الطالوي وَقد ذكره البديعي فِي ذكرى حبيب فَقَالَ فِي وَصفه ضَرِير مَاله فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة نَظِير وطبيب مَاله فِي الْأَزْمِنَة الغابرة ضريب حَكِيم صفت من قذى الْخَطَأ موارد أنظاره وَصحت عَن غمام الأوهام آفَاق أفكاره حل عقد المشكلات بِمَا قَيده وبيض وَجه الْعُلُوم الرياضية بِمَا سوده بآثار تَقْتَضِي إِثْبَات محاسنه بالتخليد وَتَقْيِيد مآثره للتأبيد وَكَانَ ملازما لكتاب اخوان الصَّفَا وخلان الوفا للمجريطي ولكتابيه رُتْبَة الْحَكِيم وَغَايَة الْحَكِيم وَمن كتب الشَّيْخ القانون والشفا والنجاة وَالْحكمَة الشرقية والتعليقات ورسالة الأجرام السماوية والإشارات مَعَ شَرحه لنصير الدّين الطوسي وَللْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ والمحاكمات بَينهمَا لقطب الدّين الرَّازِيّ وحواشيه للسَّيِّد وَمن كتب السهروردي الْمَشَارِق والمطارحات وَكتاب التلويحات وَشَرحه لهبة الله الْبَغْدَادِيّ وَكَانَ شرِيف مَكَّة يلهج بتذكاره ويستهدي من الْحجَّاج تفاريق أخباره وهزه الشوق على أَن استقدمه عَلَيْهِ واستحضره إِلَيْهِ ليجعل السماع عيَانًا وَالْخَبَر برهانا فَلَمَّا مثل بساحته طامعا فِي تَقْبِيل رَاحَته أَمر أَن يعرض عَلَيْهِ أحد حاضري مجْلِس أنسه ليختبر بذلك قُوَّة حدسه فمذ صافحت يَده يَد ذَلِك الجليس قَالَ هَذِه يَد دعى خسيس لَا يضوع مِنْهَا أرج النُّبُوَّة وَلَا يستنشق عرف الفتوة ثمَّ أَمر بعرضه على الْقَوْم وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى وصل إِلَى الشريف فَقبل يَده تَقْبِيل الْمُحب الْوَاجِد وأعجب من ذَلِك مَا أَخْبرنِي بِهِ من أَثِق بِهِ بِالْقَاهِرَةِ المعزية قَالَ كَانَ لَهُ حجرَة بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة اتخذها لإجتماعه بِالنَّاسِ ومداواة أَصْحَاب الباس فورد عَلَيْهِ فِي بعض الْأَيَّام رجل من الِاجْتِهَاد مجهر بِالسَّلَامِ فمذ سمع سَلَامه عرف مرامه وَقَالَ اذْهَبْ فَلَا شفى الله لَك عِلّة وَلَا برد الله لَك غله تشرب الْخمر وَتفعل لَك الْأَمر حَتَّى يحدثا لَك هَذَا الدَّاء وَتَأْتِي الضَّرِير تروم مِنْهُ الأدواء ثمَّ استتابه وشفاه من دائه بعد مَا أشفاه وَمَا فهم كنه علته الْأَمْن تحرّك شفته وعجائبه فِي هَذَا الْبَاب لَا تحصى وغرائبه لَا تستقصى وَقَالَ الشلي فِي تَارِيخه العقد عِنْدَمَا ذكره أَنه استدعاه الشريف حسن لبَعض نِسَائِهِ فَلَمَّا دخل قادته جَارِيَة وَلما خرجت بِهِ قَالَ للشريف إِن الْجَارِيَة لما دخلت بِي كَانَت بكرا وَلما خرجت بِي صَارَت

ص: 147

ثَيِّبًا فَسَأَلَهَا الشريف وَأَعْطَاهَا الْأمان من المعاقبة فَأَخْبَرته أَن فلَانا استفضها قهرا فَسَأَلَهُ فاعترف بذلك وَحكى الشَّمْس البابلي الْمصْرِيّ أَن الْحَكِيم دَاوُد مر بِبَعْض الحارات الَّتِي يسكنهَا الضُّعَفَاء والفقراء فَسمع صَوت مَوْلُود حَال وِلَادَته فَقَالَ هَذَا صَوت بكري فتفحصوا عَن ذَلِك فوجدوه كَمَا قَالَ وَإِن بعض البكريين تزوج ببنت فَقير خُفْيَة وَوَافَقَ مُرُور صَاحب التَّرْجَمَة حَال وِلَادَتهَا بِالْوَلَدِ قلت وَمِمَّا ينْقل من غَرَائِبه وَلَا أَدعِي صِحَّته أَنه ورد إِلَى مَكَّة طَبِيب وَمَعَهُ حب قَابض فَرغب النَّاس فِيهِ واشتهر أمره فوصل خَبره إِلَى دَاوُد فجَاء إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن تركيب الْحبّ الْمَذْكُور فَأَجَابَهُ أَن شهرتك فِي الحذق تنبو عَن هَذَا السُّؤَال وَيَنْبَغِي لمثلك أَن يخبر بأجزائه إِذا أذاقه فَقَالَ لَهُ إِذا أَخْبَرتك هَل تصدقني وَلَا تخَالف على فِي شَيْء فأقسم لَهُ أَنه لايخالف عَلَيْهِ فِي شيئ فَقَالَ لَهُ كم عدد أَجْزَائِهِ فَقَالَ ثَلَاثُونَ فذاقه ثمَّ أَخذ يذكر الْأَجْزَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد والطبيب يصدقهُ على مَا يَقُول إِلَى أَن بَقِي جُزْء وَاحِد فاظهر الْعَجز عَن مَعْرفَته فَقَالَ لَهُ الطَّبِيب لَا بُد وَأَن تمعن النّظر فِيهِ وتظهره فذاق حَبَّة وَتوقف حِصَّة ثمَّ قَالَ لَهُ أَن كَانَ وَلَا بُد فَهَذَا الْجُزْء مِمَّا لَا طعم لَهُ وَلَا رَائِحَة وَهُوَ الكهربا وَهِي مُبَالغَة بَالِغَة إِلَى إفراط وَلَوْلَا شهرتها عَنهُ كثيرا فِي الْأَلْسِنَة مَا ذكرتها نعم حكوا عَنهُ مَا هُوَ ألطف موقعا من هَذِه وَهِي أَن رجلا دخل عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَي شَيْء يقوم مقَام اللَّحْم فَقَالَ الْبيض فَغَاب عَنهُ سنة وجاءه فَرَآهُ منهمكا فِي تركيب يجمع أجزاءه فَقَالَ لَهُ بِأَيّ شَيْء يقلى فَقَالَ بالسمن وَهَذِه شَبيهَة بِقصَّة أبي الْعَلَاء المعري مَعَ المنازي لما أنْشدهُ بِالشَّام أبياتا فَقَالَ أَنْت أشعر من بِالشَّام ثمَّ اتّفق اجْتِمَاعهمَا بالعراق بعد سبع سِنِين فَأَنْشد المنازي أبياتا أخر فَقَالَ لَهُ وَمن بالعراق قريب من هَذِه مَا يحْكى ى عَن أبي الْعَلَاء أَيْضا أَنه كَانَ سَافر مَعَ رَفِيق لَهُ إِلَى جِهَة فمرا فِي طريقهما بشجرة فَلَمَّا قربا مِنْهَا قَالَ لَهُ رَفِيقه إياك وشجرة أمامك فا نَحن حَتَّى تجاوزها فَلَمَّا رَجَعَ من ذَلِك الطَّرِيق أَيْضا انحنى أَبُو الْعَلَاء لما قرب من مَكَان الشَّجَرَة ورفيقه ينظر إِلَيْهِ وَقد تجاوزنا الْحَد فِي الإطالة فلنرجع إِلَى تَتِمَّة الشَّيْخ دَاوُد فَنَقُول وَله شعر كثير لَكِن لم يذكرله الَّذين ترجموه إِلَّا أبياته الْمَشْهُورَة وَهِي

(من طول أبعاد ودهر جَائِر

ومسيس حاجات وَقلة منصف)

(ومغيب ألف لَا اعتياض بِغَيْرِهِ

شط الزَّمَان بِهِ فَلَيْسَ بمسعف)

(أوّاه لَو حلت لي الصَّهْبَاء كي

أُنْثَى فأذهل عَن غرام متْلف)

ص: 148

وَقد فحصت لَهُ عَن غير هَذِه الأبيات العينية الْمُتَقَدّمَة فَلم أظفر بِشَيْء وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من نَوَادِر الزَّمَان وأعاجيب الدوران وَكَانَت إِقَامَته بِمَكَّة دون السّنة وَمَات بهَا فِي سنة ثَمَان بعد الْألف هَكَذَا ذكره الشلي وَكَانَ مرض مَوته الإسهال عَن تنَاول عِنَب وَبَعْضهمْ يزْعم أَنه سم وَالله أعلم

درويش مُحَمَّد بن أَحْمد وَقيل مُحَمَّد أَبُو الْمَعَالِي الطالوي الأرتقي الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ أحد أَفْرَاد الدَّهْر ومحاسن الْعَصْر وَكَانَ ماهرا فِي كل فن من الْفُنُون مفرط الذكاء فصيح الْعبارَة منشئا بليغا حسن التَّصَرُّف فِي النّظم والنثر وَله كتاب سانحات دمى الْقصر جمع فِيهَا أشعاره وترسلاته وَهُوَ كتاب حسن الْوَضع متداول فِي أَيدي النَّاس ووالده رومي المحتد قدم إِلَى دمشق فِي صُحْبَة السُّلْطَان سليم وَكَانَ خَادِمًا لبَعض أَتْبَاعه فَتزَوج أم درويش مُحَمَّد وَهِي عنقًا بنت الْأَمِير عَليّ بن طالو وقطن مَعهَا بمحلة التَّعْدِيل من دمشق ثمَّ إِنَّه انْكَسَرَ عَلَيْهِ بعض مَال من ضَمَان أَمَانَة أقطاع كَانَت عَلَيْهِ فسارعن دمشق فَنَشَأَ وَلَده درويش مُحَمَّد فريدا وَأعْطى من أقطاع وَالِده حِصَّة يسيرَة وَفرغ عَنْهَا الآخر وَلزِمَ صَنْعَة السُّرُوج وَلم يطلّ مكثه بهَا حَتَّى جذبه الشهَاب أَحْمد بن الْبَدْر الْعزي إِلَيْهِ وَكَانَ توسم فِيهِ قابلية الْعلم وحبب إِلَيْهِ الطّلب وَلما ذاق حلاوة الْعلم أَشَارَ إِلَيْهِ بترك زِيّ الْجند وَلبس زِيّ الْعلمَاء ثمَّ صحب الْعَلامَة أَبَا الْفَتْح مُحَمَّد الْمَالِكِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْأَدَب والرياضي والمنطق وَالْحكمَة والتصوف وَغَيرهَا وَلَزِمَه مُدَّة مديدة وَأخذ عَن جمَاعَة من فضلاء الْعَجم الواردين إِلَى دمشق مِنْهُم الْمولى مُحَمَّد بن حسن المغاني وَلما أنزلهُ فِي مدرسة جده لأمه الْأَمِير عَليّ الْمَذْكُور وَقَرَأَ عَلَيْهِ حَاشِيَة الْمطَالع ومنلا زَاده فِي الْحِكْمَة وَغير ذَلِك وَأخذ التصوف عَن منلا غياث الدّين الشهير بمير مخدوم اللألائي التبريزي قَرَأَ عَلَيْهِ بِدِمَشْق مُقَدمَات الفصوص للشَّيْخ دَاوُد القيصري وَشرح الرباعيات للْمولى عبد الرَّحْمَن الجامي وَأخذ عَن الشَّيْخ سراج الدّين التبريزي نزيل مَكَّة المشرفة وَصَحبه بُرْهَة لما قدم من مَكَّة إِلَى دمشق فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَأخذ فرقة التصوف عَن الشَّيْخ مُحَمَّد النَّاشِرِيّ نزيل الْمَدِينَة المنورة وَإِمَام مَسْجِد قبَاء ثمَّ قَرَأَ الْفِقْه بعد وَفَاة شَيْخه أبي الْفَتْح على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الشَّيْخ نجم الدّين مُحَمَّد البهنسي خطيب دمشق ومفتيها والمعاني وَالْبَيَان على الْعِمَاد الْحَنَفِيّ وَحضر مجَالِس التَّفْسِير عَليّ الْبَدْر الْعزي فِي تَفْسِيره بالتقوية وَالْجَامِع الْأمَوِي

ص: 149

مَعَ مُلَازمَة وَلَده الشهَاب ثمَّ ولي تدريس الْمدرسَة الخانوتية دَاخل دمشق ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة قَاضِي الْقُضَاة الْمولى مُحَمَّد بن بُسْتَان حِين كَانَ قَاضِيا بِدِمَشْق فلازم خدمته وناب عَنهُ وَله فِيهِ مدائح كَثِيرَة ثمَّ ارتحل مَعَه إِلَى الرّوم وناب عَنهُ بهَا حِين ولي قضاءها وَلما ولي قَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طولي بَعثه إِلَى الشَّام قاما ثمَّ رَجَعَ إِلَى الرّوم وَولي بهَا عدَّة مدارس ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فِي سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَصَحب بهَا جمَاعَة من أَصْحَابه القدماء وَكَانَ يجْرِي بَينه وَبينهمْ مطارحات وترسلات فَمَا دَار بَينه وَبَين الْحسن البوريني أَن الْحسن نقل عَن الشَّيْخ الطَّيِّبِيّ بَيته الْمَشْهُور وَهُوَ

(وَلَا تضف شهر اللَّفْظ شهر

إِلَّا الَّذِي أوّله رافادر)

فَمر بهم فِي المطالعة فِي حَوَاشِي الْكَشَّاف للسعد أَن إِضَافَة لفظ شهر إِلَى رَجَب مُمْتَنع فَقَالَ الطالوي يَنْبَغِي أَن يسْتَثْنى ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِيهِ كَلَام الطَّيِّبِيّ فَقَالَ لَهُ البوريني بَادرُوا إِلَى ذَلِك فَقَالَ إِلَّا الْأَصَم فَهُوَ فِيهِ مُمْتَنع فَقَالَ الْحسن مجيزا لِأَنَّهُ فِيمَا رَوَوْهُ مَا سمع وَبِهَذَا عالي السعد الْمَنْع وَكتب إِلَيْهِ البوريني عقب مقاطعة صدرت بَينهمَا قَوْله

(يَا نَاسِيا من لم يزل

فِي النَّاس يَتْلُو مننك)

(يَا حسنا أَفعاله

كَيفَ تسوء حسنك)

فَرَاجعه بقوله

(ماسؤب يَوْمًا حسنى

فِي النَّاس يَتْلُو منني)

(وَإِن تسؤ أَفعاله

قابلتها بالْحسنِ)

وَوَقع لَهُ فِي ذَلِك الْأَثْنَاء وَهُوَ بِدِمَشْق أَن ابْن خَالَته الْأَمِير إِبْرَاهِيم الطالوي تولى الْإِمَارَة بِولَايَة نابلس فَتوجه مَعَه وَأَعْطَاهُ الْأَمِير خيلاً وَمَا لَا وزوده وودعه فنوجه إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر بهَا نَحْو سنة وَأخذ بهَا عَن الْعَلامَة عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ وَالشَّمْس مُحَمَّد النحراوي الْبَصِير الْحَنَفِيّ وَشَيخ الشَّافِعِيَّة فِي عصره الشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ وَغَيرهم مِمَّن ذكره فِي كِتَابه السانحات وَعَاد من مصر إِلَى دمشق ثمَّ سَافر إِلَى الرّوم واتصل بالمولى سعد بن حسن جَان معلم السُّلْطَان مُحَمَّد فَأكْرم مثواه بِنَاء على معرفَة حُقُوق أَبنَاء النِّعْمَة وأغنياء الْأَصَالَة خُصُوصا الجامعين إِلَى شرف النّسَب شرف الْأَدَب وامتدحه وولديه مُحَمَّدًا وأسعد بقصائد كَثِيرَة وَولي بعنايته مدارس عديدة بالروم إِلَى أَن وصل إِلَى مدرسة خير الدّين باشا بِخَمْسِينَ عثمانيا ثمَّ أعْطى مِنْهَا الْمدرسَة السليمانية بِدِمَشْق والإفتاء بهَا فورد إِلَى دمشق وَاسْتقر بهَا إِلَى

ص: 150

أَن مَاتَ وَكَانَ على تماسك حَاله شاكيا لدهره مستزيدا الْقُدْرَة وَكَانَت أحلاقه متفاوته فَمَا مدح أحدا إِلَّا هجاه وَله فِي ذَلِك أَعَاجِيب كَثِيرَة وَهُوَ فِي كل أسلوب من أساليب الشّعْر كثير الْملح كَأَنَّمَا يصدر شعره عَن طباع المفلقين من الشُّعَرَاء وَله القصيدة الَّتِي سَارَتْ فِي الْبِلَاد وطارت فِي الْآفَاق لحسن ديباجتها وَكَثْرَة وفقها وَكَانَ أرسلها من الرّوم إِلَى أَصْحَابه الْعلمَاء والأمراء المقيمين بِدِمَشْق أَولهَا

(أنسيمة الرَّوْض المطير

بالعهد من زمن السرُور)

ولطولها وشهرتها لم اذْكُرْهَا وعَلى نمطها وَقعت قصائد كَثِيرَة جَاهِلِيَّة وإسلاما ومحدثة فَمِنْهَا للشريف الرضي الموسوي

(نطق اللِّسَان عَن الضَّمِير

والبشر عنوان الضَّمِير)

وَلأبي بكر الْخَوَارِزْمِيّ

(إِن الالئ خلف الْخُدُور

هم فِي الضمائر والصدرو)

وَمن هَذَا الْعرُوض قصيدة المنحل لمعظم بن الْحَارِث الْيَشْكُرِي كَمَا فِي حماسة أبي تَمام ومطلعها

(إِن كنت عاذلتي فَيرى

نَحْو الْحجاز وَلَا تجوري)

ولإبراهيم بن المدير قصيدة فِي مدح المتَوَكل على هَذَا المنوال مِنْهَا

(يَوْم أَتَانَا بالسرور

وَالْحَمْد لله الْكَبِير)

(أخلصت فِيهِ شكره

ووفيت فِيهِ بالنذور)

مِنْهَا

(الْبَدْر ينْطق بَيْننَا

أم جَعْفَر فَوق السريرد)

(فَإِذا تواردت العظائم

ثمَّ كنت مُنْقَطع النظير)

وللطالوي يَسْتَدْعِي بعض أصدقائه إِلَى منتزه فِي بعض الْأَيَّام

(قد غازل النسرين لحظ النرجس

فِي مجْلِس سقى الحيا من مجْلِس)

(يرنو إِلَيْهِ كَمَا رنت من خشيَة

المراقباء غيد عَن لحاظ نعس)

(والورد أخجله الحيا فَكَأَنَّهُ

خد تورد من لهيب تنفس)

(فِي فتية نشرت حدائق بردهَا

فزهت على زهر الْجَوَارِي الكنس)

(دارت سلاف الذّكر مِنْك عَلَيْهِم

فغدت تمايل كالغصون الميس)

(ترجو قدومك كي يتم سرورها

وتقر عينا يَا حَيَاة الْأَنْفس)

(لَا زَالَ وردك يانعا فِي رَوْضَة

وشبابك الفتان زاهي الملبس)

ص: 151

(مَا غرّدت ورق بِأَعْلَى أيكة

فِي رَوْضَة كُسِيت مطارق سندس)

وَله من قصيدة قَالَهَا وَهُوَ بالروم يتشوق فِيهَا لوطنه فِي قَوْله

(على الشَّام مني كلما هبت الصِّبَا

سَلام كنشر الرَّوْض طَابَ لَهُ نشر)

(بِلَاد كأنفاس الشُّمُول شمالها

وتربتها مسك وحصباؤها در)

(سَقَاهَا وحياها الْإِلَه معاهداً

سَحَاب دنوا الْعَهْد وافي بِهِ الْبشر)

(فيا حبها زِدْنِي جوي كل لَيْلَة

وَيَا سلوة الأحزان موعدك الْحَشْر)

وَله من قصيدة تشْتَمل على وصف السِّرّ والسفينة مطْلعهَا

(سرنا يَا سلامبول نبغي نزهة

دعت الْفُؤَاد إِلَى الفضاء الْمُطلق)

(ثمَّ امتطينا الْبَحْر فِي نوحية

تجْرِي بِنَا فِي لج موج مطبق)

(نشرت قوادم طَائِر ومشت بِهِ

فِيهِ كنسر فِي السَّمَاء محلق)

(بارت عِقَاب الجوّاذ طارت بِهِ

بمثال قادمتي جنَاح العقعق)

(فَكَأَنَّهَا باز وَنحن بمتنها

تهوي بِنَا طوراً وطوراً ترتقي)

(حَتَّى رست فِي شاطئ ورمت بِنَا

تِلْكَ المذانب وسط روض مونق)

(فَإِذا بِأَرْض فِي الصفاء كعسجد

والمندل الشحري فِي المتنشق)

(حفت بسرو كالقيان تلفعت

خضر الملا وكشفن عَن سَاق نقي)

هَذَا ينظر إِلَى قَول أَحْمد بن سُلَيْمَان بن وهب

(حفت بسرو كالقيان تلبست

خضر الْحَرِير على قوام معتدل)

(فَكَأَنَّهَا وَالرِّيح تخطر بَينهَا

تنوي التعانق ثمَّ يمْنَعهَا الخجل)

وَقَالَ الصنوبري من أَبْيَات مطْلعهَا

(يَا ريم قومِي الْآن وَيحك فانظري

مَا للحدائق أظهرت إعْجَابهَا)

(والسر وَشبه عرائس مجلوّة

قد شمرت عَن سوقها أثوابها)

وَقَالَ ابْن طَبَاطَبَا وَنقل عَن الصاحب أَنه كَانَ يعجب بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وينشدهما إِذا دخل بُسْتَان دَاره

(يَا حسن بُسْتَان دَاري

والورد يقطف طله)

(والسرو قد مدّفيه

على الرياحين ظله)

وَقَالَ ابْن المعتز

(والسرو مثل قضب الزبرجد

قد استمدّ المَاء من ترب ندى)

ص: 152

رَجَعَ إِلَى القصيدة مِنْهَا

(والغيم فِي وسط السَّمَاء كَأَنَّهُ

قطع اللجين على بِسَاط أَزْرَق)

أَخذه من قَول ابْن المعتز

(والبدر فِي أفق السَّمَاء كدهم

مقلى على ديباجة زرقاء)

وَذكره الخفاجي فِي كِتَابيه وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَذكر قصيدته الَّتِي راسله بهَا ومطلعها

(قبلت مصطجا شفَاه الاكؤس

وَالصُّبْح يبسم لي بثغر ألعس)

وَجَوَاب الطالوي عَنْهَا بقوله

(خد تورد من لهيب تنفس

أم قد معسول المراشف ألعس)

ثمَّ قَالَ فِي تَرْجَمته وَرَأى نبلوفرة صَارَت صد فاللآلئ السَّحَاب وحقة لدر الندى الْمُذَاب كَأَنَّهَا بوتقة أذاب فِيهَا الجو نضارة أَو كأس فِي يَد مصطج يداوي خماره أَو مقلة صب كئيب فاجأه على الْغَفْلَة الرَّقِيب بَعْدَمَا امْتَلَأت بدمع الجوي فتردد فِيهِ الدمع من صرة النَّوَى وَقد طفا المَاء الزلَال فَبلغ حافاتها وَمَا سَالَ بل تشبث بأهداب أوراقها خشيَة فراقها فَقَالَ

(ونوفرة كعين الصب سكرى

نجم المَاء خشيَة أَن يراقا)

(ذكرت لَهَا النَّوَى يَوْمًا فَفَاضَتْ

وَصَارَت كلهَا للدمع ماقا)

قلت ضمن فِيهِ قَول المتنبي

(نظرت إِلَيْهِم وَالْعين سكرى

فَصَارَت كلهَا للدمع ماقا)

وَمن غَرِيب مَا وَقع أَنه لما توجه من دمشق إِلَى الرّوم اجتاز بثغر صيدا وحاكمها إِذْ ذَاك الْأَمِير فَخر الدّين الْمَعْنى وَكَانَ مَعَه لَهُ مَكْتُوب بالتوصية فِيهِ من محافظ الديار الشامية الْوَزير شرِيف باشا فأوصله إِيَّاه مَعَ قصيدة مدحه بهَا مطْلعهَا

(قل لمجرى الْجِيَاد قب الْبُطُون

وأمير الْبِلَاد فَخر الدّين)

وَكَانَ مَعَه غُلَام كالبدر لَوْلَا أفوله والغصن لَوْلَا ذبوله لَو رَآهُ الفرزدق سلا نوار بأحداقه الَّتِي تستوقف الْأَبْصَار فاغتصبه مِنْهُ فأسف على يوسفه أَسف يَعْقُوب وأمل النُّصْرَة على الدَّهْر فَأصْبح المغلوب فَكتب إِلَى الشريف الْوَزير يستعديه على ذَلِك الْأَمِير قصيدة أَولهَا

(بِاللَّه يَا نشر العبير

سيرى بروضات العرى)

إِلَى أَن قَالَ

ص: 153

(إِن جِئْت ربع الشَّام فاقصد

ساحة الشّرف الْعلي)

(أَعنِي الشريف ابْن الشريف

ابْن الشريف الموسوي)

(متحملاً مني السَّلَام

كمسك دارين الذكى)

(لجنات مَوْلَانَا الْوَزير

وليّ مَوْلَانَا على)

(ثمَّ اشرحن من حَال مَوْلَاهُ

الْمُحب الطالوي)

(مَاذَا ألْقى فِي ثغر صيدا

من دروزي غوى)

(دين التناسخ دينه

لابل يدين بِكُل غي)

(وَيرى الطبائع أَنَّهَا

فعالة فِي كل شَيْء)

(وافي بمكتوب الشَّرّ بف

إِلَيْهِ من بلد قصى)

(بوصيه فِيهِ كَأَنَّمَا

يوصيه فِي أَخذ الصَّبِي)

(فَسَقَاهُ يَوْم فِرَاقه

لَا كَانَ بالكأس الروى)

(وغد الحشا من بعده

يبكي بدمع عِنْد مي)

(فِي غربَة لَا يشتكي

فِيهَا إِلَى خل وَفِي)

(لَا جَار يحميه وَلَا

يأوى إِلَى ركن قوى)

(إِلَّا إِلَى ركن الشريف

الطَّاهِر الشيم الزكي)

(حامي حمى الشَّام الشريف

بِكُل أَبيض مخذمي)

(مولَايَ سمعا أَن لي

حَقًا لديك بِغَيْر لي)

(بولاء حيدرة الْوَصِيّ

أخي النبيّ الْهَاشِمِي)

(لأتهملن فِي أَخذ ثاري

من كفور بِالنَّبِيِّ)

(وَابعث إليّ مقانباً

فِيهَا الكمى على الكمى)

(لَو حَارَبت جند القضا

ثنت سراه عَن مُضِيّ)

(جرافة لم تبْق فِي

أطلاله غير النؤى)

(وأشيعت ينعي الديار مَعَ

ابْن دأبة فِي النعى)

قلت والدروزية تقدم الْكَلَام فِي تَرْجَمَة حسن العيلبوني أننا سنتكام عَلَيْهَا فِي تَرْجَمَة الْأَمِير فَخر الدّين بن معن فِي حرف الْفَاء إِن شَاءَ الله تَعَالَى والنؤى فِي قَوْله جرافة إِلَى آخر الْبَيْت هُوَ الحفير حول الْخيام وأشبعت مُصَغرًا الوتد شج رَأسه وَابْن دَابَّة الْغُرَاب وَهُوَ علم جنس لَهُ مَمْنُوع من الصّرْف قيل سمي بِهِ لِأَن انثاه إِذا طارت من

ص: 154

بيضها حضنها الذّكر فَيكون كالداية للْأُنْثَى وَمن عُقُود جمان الطالوي فصل من نثره شوقي إِلَى لِقَاء سَيِّدي عمر الله يذكرهُ رباع الْفضل كَمَا عمر طلاب الْعُلُوم نائله الجزل شوق الوامق لعذراه وَعُرْوَة إِلَى عفراه فصل وَهَا أَنا مذ سرت عَن حَضرته الجليلة مَا نسيت أيادية الجميلة وَهل ينسى المدلج قمر لَيْلَة وَسَاكن الْيمن مطلع سهيلة فصل وَإِن أَفْوَاه الحمائم أَو بروق الغمائم لَا تقدر أَن تصف مَا أجنه من الأرتياح لقُرْبه والإنضمام إِلَى معاشره وَحزبه فقد شهِدت أَنَّهَا أبلغ من سحبان وأفصح من صعصعة بن صوحا فصل أما الشوق فقد اشتعل ضراما وَكَاد عَذَابه إِن يكون غراماً حَتَّى قَالَ فَم الجفن بِلِسَان الدمع يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا فَإِنِّي ألْقى إِلَيّ كتاب كريم فاح مِنْهُ شميم عرار نجد وَمَا بعد العشية من شميم فتمتعت بِمَا هُوَ أحلى من الْوَصْل بعد الهجر وَمن الْأَمْن بعد الْخَوْف وَمن الْبُرْء بعد السقم وَلم أدر أطيف مَنَام أَو زائر أَحْلَام أم قرب نوى بعد البعاد أم حبيب يَأْتِي بِلَا ميعاد وَمن آخر أسأَل الله وهاب الصُّور خلاق الْقوي وَالْقدر فياض المعارف ذراف العوارف أَن يهب اقترابا صافيا من الكدر مغنيا عَن ورد الْمُكَاتبَة والصدر انْتهى وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ كَمَا قَالَ البديعي فِي وَصفه مقضى الأرب من أدوات الْأَدَب وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمسين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي نَهَار الْأَرْبَعَاء ختام شهر رَمَضَان سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَذكر البوريني فِي تَرْجَمته أَنه كَانَ قبل مَوته بأيام عمر فِي دَاخل بَيته بمحلة التَّعْدِيل بَيْتا صَغِيرا وَكَانَ يَقُول هَذَا الْبَيْت بَيت الفتاوي وَمَوْضِع الْكتب وَمن الْعجب أَنه نقل كتبه إِلَى الْبَيْت الْمَذْكُور فَكَانَ يصفها ويرتبها وَينظر فِيهَا ويقلبها وَهُوَ ينشد هَذَا الْبَيْت وَأَظنهُ من نظمه ونتائج فهمه وَهُوَ

(أقلبها حفظا لَهَا وصيانة

فيا لَيْت شعري من يقلبها بعدِي)

فَمَاتَ بعد ذَلِك بِعشْرين يَوْمًا رَحمَه الله تَعَالَى درويش مُحَمَّد بن حُسَيْن بن مسيح الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن القاطر الْمُقدم ذكر وَالِده والموعود بِذكرِهِ وَهُوَ سبط أبي الْمَعَالِي الطالوي الْمَذْكُور قبله وَرُبمَا أطلق عَلَيْهِ الطالوي أَيْضا كَانَ فَاضلا كَامِلا جيد الْخط منسوبه بلغ الشُّهْرَة التَّامَّة فِي قبُول خطه والتنافس فِيهِ وَكتب الْكثير وَكَانَ حسن المطارحة لطيف المذاكرة حُلْو الشكل طوَالًا وَكَانَ يعرف الموسيقى حد الْمعرفَة وَله شهرة بِهَذِهِ

ص: 155

الْمعرفَة عِنْد أَرْبَاب هَذَا الْفَنّ الحاذقين فِيهِ فَإِذا حَضَرُوا مَعَه مَجْلِسا عظموه وتراخوا فِي الْعَمَل حَتَّى يُشِير إِلَيْهِم وَكَانَ يعرف اللُّغَة التركية وَأَظنهُ يعرف الفارسية أَيْضا وَله فِي حل المعميات والألغاز الْيَد الطولي وَكَانَ فَقِيرا متقنعا باليسير من الرزق وَلما توفّي أَخُوهُ زَكَرِيَّا الْآتِي ذكره اتحصر ارثه فِيهِ فأثرى واعتدل حَاله إِلَّا أَنه لم تطل مدَّته فَتوفي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى

درويش مُحَمَّد بن رَمَضَان سبط القَاضِي تَاج الدّين الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ كَانَ من الْفُضَلَاء الأذكياء لَهُ لطف طبع ومنادمة مَقْبُولَة وَكَانَ عطاردي الطَّبْع يحن غَالب الصناعات وَكَانَ يتقن اللُّغَة الفارسية والتركية وَله إنْشَاء بالتركية مستعذب ودراية فِي الْأَشْعَار وَاسِعَة قَرَأَ بِدِمَشْق على الشّرف الدِّمَشْقِي وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقي والعلامة فضل الله بن عِيسَى البوسنوي نزيل دمشق وسافر مَعَ أَبِيه إِلَى الرّوم ولازم من قَاضِي الْعَسْكَر الْمولى مُحَمَّد بن قره جلبي وَرجع إِلَى دمشق وناب فِي بعض محاكمها ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم فِي خدمَة شفيق أستاذه الْمَذْكُور الْمولى عبد الْعَزِيز وَأَرَادَ سلوك طَرِيق الْقَضَاء مثل وَالِده فَمَا تيَسّر لَهُ وَاتفقَ لَهُ أَنه كَانَ على أَبِيه دين لرجل من المتمولين فرغبه الدَّائِن فِي أَن يُعْطِيهِ مبلغا آخر ويضمه إِلَى الْمبلغ المستقر فِي ذمَّة وَالِده فَيكون المبلغان لازمين لَهُ فَرغب فِي ذَلِك وَلما أحضرهُ لَدَى القَاضِي لأجل صك الْإِقْرَار واعترف بالمبلغ السَّابِق ألزم بِهِ وَحبس وَبَقِي أَيَّامًا فِي الْحَبْس ثمَّ أطلق فَخلع عَنهُ اللبَاس واخذ طَرِيق المولوية وساح فِي بِلَاد الرّوم حَتَّى وصل إِلَى بَلْدَة كليبولي وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ قدم إِلَى دمشق وجاور مُدَّة فِي تكية المولوية ثمَّ انْتقل إِلَى دَاره وتغيرت أطواره وَولي تدريس البادرائية ونظارة وقف أجداده وَلبس الْعِمَامَة وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى مجَالِس الْقُضَاة بِدِمَشْق وينادمهم وَكَانَ حُلْو الحَدِيث عَارِفًا بطرِيق المنادمة ثمَّ بعد مُدَّة عزم على الْحَج وجاور بِالْمَدِينَةِ وَبهَا توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وقرأت بِخَط وَالِدي أَن وِلَادَته كَانَت فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى

الشَّيْخ درويش بن سُلَيْمَان بن الشَّيْخ الْكَبِير الْفَقِيه الثبت الرحلة مُحَمَّد ابْن القطب الْكَبِير أَحْمد الدجاني الشَّافِعِي الْمُقَدّس الشَّيْخ الصَّالح الزَّاهِد فِي الدُّنْيَا الْعَفِيف كَانَ يحفظ الْكتاب الْعَزِيز ويدارس بِهِ وتفقه على الشَّيْخ مَنْصُور بن عَليّ

ص: 156

الْمحلى نزيل الْقُدس ثمَّ دمشق الْمَعْرُوف فِي دمشق بالصابوني وَسَيَأْتِي ذكره وَعَلِيهِ اشْتغل بالتصوف ولازمه مُدَّة إِقَامَته بالقدس ثمَّ بعد ارتحاله إِلَى دمشق أرسل لَهُ إجَازَة بالمشيخة على الْفُقَرَاء لصلاحه وديانته وَكَانَت وَفَاته فِي عشر ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى

الْأَمِير درويش الْمَعْرُوف بدالي درويش الجركسي الأَصْل نزيل دمشق الشجاع البطل الْمَشْهُور قدم إِلَى دمشق فِي خدمَة الْوَزير الخناق وَلما عزل مخدومه عَن نِيَابَة دمشق أَقَامَ هُوَ بهَا وتديرها وَصَارَ من أجنادها وسافر إِلَى روان ومروان وَأسر بِبِلَاد الْعَجم وشاع خبر مَقْتَله فضبطت أملاكه وأسبابه لطرف بَيت المَال ثمَّ ظهر بعد مُدَّة واستخلص مَا كَانَ ضبط من أَمْوَاله وسافر إِلَى بَغْدَاد عَام فتحهَا وَبعد مَا عَاد كَبرت دولته واشتهر صيته وَولي حُكُومَة تدمر وَظَهَرت شجاعته وَكَانَ يُغير على العربان وينهبهم ويأسر مِنْهُم وَيدخل إِلَى دمشق بالمواكب الحافلة ثمَّ ولي حُكُومَة حمص وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عزل عَنْهَا وَولي لِوَاء عجلون وَتوجه إِلَيْهَا فثار بَينه وَبَين أَهلهَا حروب كَثِيرَة وكسره وَأخذُوا غَالب أَسبَابه وخيوله فَعَاد إِلَى دمشق واشتكى إِلَى السدة الْعلية فَجَاءَهُ أوَامِر شريفة بركوب نَائِب الشَّام عَلَيْهِم وَأخذ مَا ذهب لَهُ فَلم يُفْسِدهُ ذَلِك شَيْئا وَأقَام منزويا بداره وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف

درويش مُحَمَّد باشا الْوَزير الْأَعْظَم الْمَشْهُور هُوَ جركسي الأَصْل وَكَانَ أَولا من خدمَة المرحوم مصطفى أغا ضَابِط الْحرم السلطاني فِي عهد السُّلْطَان أَحْمد ثمَّ خدم الْوَزير الْأَعْظَم مُحَمَّد باشا الْمَعْرُوف بمنبسط الْقدَم وَكَانَ السُّلْطَان عُثْمَان يُحِبهُ لفروسيته وشجاعته وسافر فِي خدمَة الْوَزير الْمَذْكُور إِلَى مصر لما صَار محافظا بهَا وَكَانَ يقدمهُ على جَمِيع حفدته وولاه الخدمات السامية حَتَّى صيره كتخداله وَلما ولي الوزارة الْعُظْمَى قتل فِي زَمَنه أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بالكوحك وَكَانَ نَائِب الشَّام فولاه نيابتها وَكَانَ ذَلِك فِي أواسط سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وقدمها وَكَانَ ظَالِما جبارا ففتك فِي أَهلهَا وَتجَاوز فِي ظلمهم الْحَد وَفِي آخر أَيَّامه اجْتمع الْعَامَّة على القَاضِي واشتكوا من الظُّلم وبالغوا فِي التوسل بِهِ فَلَمَّا بلغه ركب وَكَانَ فِي الْوَادي الْأَخْضَر مخيما وأتى مغضبا وَسَفك فِي بَعضهم وَقتل رجلا صباغا من الصلحاء ثمَّ عزل وَصَارَ أَمِير الْأُمَرَاء بطرابلس الشَّام وَبعد ذَلِك ولي حُكُومَة بَغْدَاد

ص: 157