الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(يَا نَبِي الْهدى أَغِثْنِي سَرِيعا
…
وأقلني من عثرتي بدعاكا)
(كن نصيري على الخطوب جَمِيعًا
…
وأجرني من جورد هرتشاكا)
(أَنْت سر الْوُجُود لولاك مَا
…
كَون الْكَوْن سَيِّدي لولاك)
(خصك الله بِالْبُرَاقِ وبالإسرا
…
ورؤياه جهرة قد حباكا)
(بت ترقى فِي لَيْلَة بفخار
…
طَابَ فِيهَا إِلَى العلى مسراكا)
(كَانَ جِبْرِيل خَادِمًا وسفيرا
…
ولسبع الطباق قد راقاكا)
(جزت حجبا وَكم عَلَوْت بساطا
…
مَا علاهُ من الْأَنَام سواكا)
(وصرير الأقلام من مستوى قد
…
سمعته حَقًا كَذَا أذناكا)
(وأتاك الندا من مَالك الْملك
…
أدن مني وسل تقز بمتاكا)
(وتجلى الْجَبَّار جلّ علاهُ
…
وتدلى إِلَيْك بل واصطفاكا)
(وتلذذت بِالْخِطَابِ عيَانًا
…
وَلَقَاب للقوس قد ادناكا)
(وتلاشيت فِي الغيوب بِلَا أبن
…
فَمن ثمَّ لم تزل قدماكا)
(وتولاك إِذْ هداك وولاك
…
عَطاء وَيَا لجمال كساكا)
(جمع الله فِيك كل فخار
…
بل وأعطاك كل مَا أرضاكا)
(خَاتم الرُّسُل سيد الْخلق طرا
…
كلهم فِي الْمعَاد تَحت لواكا)
(فَعَلَيْك الصَّلَاة تترى دواما
…
وعَلى الْآل وَالتَّابِعِينَ هداكا)
(وعَلى الصحب من حموك وآووا
…
بل وَفِي الله جاهدوا أعداكا)
(وعَلى كل تَابع وموال
…
مقتف أَثَرهم يُرِيد رضاكا)
(عد خلق الْإِلَه مني لترضى
…
وليرضى الْإِلَه عني بذاكا)
قَوْله متغزلا
(يَا هِنْد جودي بوصال وَلَو
…
مِقْدَار رد الطّرف إِذْ يطرف)
(وروحي روحي برؤياك يَا
…
سؤلي فَمَا غَيْرك بِي يلطف)
(فقد فني صبري وَطَالَ المدى
…
وحبذا وصل بِهِ تعطف)
(راقت ورقت فِي العلى
…
ونورها كالبرق قد يخطف)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي
(حرف الرَّاء)
ربيع النباطي نزيل مَكَّة كَانَ من عُظَمَاء الْعلمَاء السالكين مَنْهَج الرشاد وَهُوَ من
الْمَشَاهِير فِي ذَلِك الْقطر بعلو الْقدر فِي الْعلم وَالْعِبَادَة ومدحه كبار الْفُضَلَاء وأثنوا عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ وَكَانَ مَوْصُوفا بالسخاء والمكارم وَكَانَت وَفَاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف ورثاه جمَاعَة مِنْهُم الشهَاب أَحْمد الخفاجي فَإِنَّهُ رثاه مؤرخا وَفَاته بقوله
(صَاح هَل نَافِع وَهل عَاصِم من
…
نشر وجد أَمْسَى بطي الضلوع)
(غير صَبر قد مرا ذمر من كَانَ
…
ربيعا لكل غيث مربع)
(كَامِل وافر رمانا زمَان
…
فِيهِ بالبعد بعد فقد سريع)
(هُوَ بر وَفِي المكارم بَحر
…
من أصُول تزهو بِخلق بديع)
(قد فَقدنَا فِيهِ اصطبار فارخ
…
كل صَبر محرم فِي ربيع)
ورثاه الشَّيْخ حسن الشَّامي مؤرخا
(صبري تنَاقض لازدياد دموعي
…
مِمَّا حوته من الْفِرَاق ضلوعي)
(ذهب الَّذِي كُنَّا لَهُ جمعا بِهِ
…
وفراق جمعي قد أضرّ جميعي)
(يَا قلب إِن لم تستطع صبرا فنى
…
رفقا بِنَا حل جسمي الموجوع)
(وَإِذا ذكرت ربيع أَيَّام مَضَت
…
أرخ بشوال فِرَاق الرّبيع)
رَجَب بن حجازي الْحِمصِي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الْمَعْرُوف بالحريري الشَّاعِر الرِّجَال كَانَ صَحِيح التخيل فِي الْأَشْيَاء إِلَّا أَنه يغلب عَلَيْهِ جَانب الهجو فِي تخيله والأزراء حَتَّى بِنَفسِهِ جيد النَّقْد فِي الشّعْر مَعَ أَنه لَا يعرف الْعَرَبيَّة وزانا بالطبع وَإِن عرف شَيْئا من الْعرُوض وأميل مَا كَانَ فِي أَقسَام الشّعْر إِلَى الهجاء وَله فِيهِ نَوَادِر عَجِيبَة وَله كثير من الأزجال والرباعيات والمواليا والموشحات والتواريخ والأحاجي وكل ذَلِك كَانَ يَقع لَهُ من غير تكلّف روية بِحَيْثُ أَنه فِي سَاعَة وَاحِدَة ينظم مائَة بَيت وَمثلهَا قِطْعَة أَو قطعتين من الزجل والموشح وَقس على ذَلِك الْبَوَاقِي وَكَانَ قَلِيل الْحَظ كثير السياحة لم يَسعهُ مَكَان وَلم يقر لَهُ قَرَار وَكَانَت سياحته مَقْصُورَة على حلب ومصر ودائرة الشَّام وَحج وجاور بالحرمين سنتَيْن وَلم يزل شاكيا من دهره باكيا على سوء بخته وَرَأَيْت لَهُ أشعارا كَثِيرَة غالها شكاية وهجورا مَا غزله فقليل من أعذبه قَوْله من قصيدة مطْلعهَا
(فيض المدامع نَار وجدي مَا طفا
…
بل زِدْت مِنْهُ تلهبا وتلهقا)
(وجوى أذاب جوارحي وجوانحي
…
وَهوى على السلوان صال وألفا)
(وَمن النَّوَى بِي لوعة لَو بَعْضهَا
…
فِي يذبل أَمْسَى رغاماً أَو عَفا)
(زق الصِّبَا لصبابتي وَبكى على
…
حَالي الْحمام وَلِأَن لي قلب الصَّفَا)
(والسقم وأمل مهجتي لفراق من
…
أحببته لَو عادلي عَاد الشفا)
(من راحمي من مسعفي من مسعدي
…
أفديك مَالك مهجتي زر مدنفاً)
(يَا من بطلعته وسحر جفونه
…
بهر الغزالة والغزال إِلَّا وطفاً)
(بشمايل فَوق الشُّمُول لطاقة
…
مِنْهَا ثملت وَمَا شربت القرقفا)
(وبورد خد فَوق بانة قامة
…
يجميه نرجس نَاظر أَن يقطفا)
(وبراحة بَين العقيق ولؤلؤ
…
اسمح وَدعنِي كأسها أَن أرشفا)
(أرْفق بصب قد أذبت فُؤَاده
…
ودع التجنب والتجني والجفا)
(ونباكر الرَّوْض الأريض فقد حكى
…
طيب الْجنان نضارة وتزخرفا)
(والمزن أضحكه ونضر وَجهه
…
وكساه بردا بالزهور مفوفا)
وَقَوله من قصيدة أُخْرَى مستهلها
(أبي الْقلب الأغراما ووجدا
…
وطرفي الإبكاء وسهدا)
(فَلم يبرح الصب تبريحه
…
وَلَا الدمع راق وَلم يطف وقدا)
(فلولا النَّوَى مَا ألفت البكا
…
وَلَا كَانَ بِالسقمِ جمسي تردى)
(وَلَا بت أرعى نُجُوم الدجى
…
وَلَا كَانَ عني مَنَامِي تعدى)
(فأوّاه صبري مُضِيّ لم يعد
…
وَأما اشتياقي فَلم يحص عدا)
(وَمَالِي معي سوى أدمعي
…
وَقلت لصدا الْهوى مَا تصدا)
(فَلَو بالكواكب مَا بِي هوت
…
وَإِلَّا على يذبل كَانَ هدّا)
(يذكرنِي ساجعات الرياض
…
حبيبا وربعا ربيعا وودا)
(وَمَا كنت أنسى وَلَكِن تزيد
…
ولوعي قرباً وصبري بعدا)
(رعى الله ربعا نعمنا بِهِ
…
وعهداً ألفناه حَيَّاهُ عهدا)
(فَمَا راقني بعده منزل وَلَا
…
طَابَ عَيْشًا وَلَا راق وردا)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بحلب فِي صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف
رَجَب بن حُسَيْن بن علوان الْحَمَوِيّ الأَصْل الدِّمَشْقِي الميداني الشَّافِعِي الفرضي الفلكي أعجوبة الزَّمَان فِي الْعُلُوم الغربية وَكَانَ لَدَيْهِ مِنْهَا فنون عديدة وأمهر مَا كَانَ فِي الْعُلُوم الرياضية كالهيئة والحساب والفلك والموسيقى وَيعرف الْفَرَائِض حق
الْمعرفَة وَأما فِي الموسيقى عل إختلاف أَنْوَاعه فَهُوَ فِيهِ أعرف من أدركناه وَسَمعنَا بِهِ وَله فِيهِ أغان صنعها على طَريقَة أساتذة هَذَا الْفَنّ لكنه كَانَ ردي الصَّوْت جَريا على الْعَادة فِي الْغَالِب من أَنه لَا يجْتَمع حسن الصَّوْت مَعَ المهارة الْكُلية فِي فن الموسيقى كَمَا امتحناه كثيرا فِي أَرْبَاب هَذَا الْفَنّ وَكَانَ رَحل فِي أول أمره إِلَى الْقَاهِرَة واستفاد هَذِه المعارف من أَرْبَابهَا الْمَشْهُود لَهُم فِيهَا بالتفوق وَقدم دمشق وانتفع بِهِ خلق كثير من فضلاء دمشق فِي هَذِه الْفُنُون من أَجلهم الشَّيْخ عبد الْحَيّ ابْن الْعِمَاد العكاري الصَّالِحِي الْآتِي ذكره وَكَانَ لَهُ ثروة ويتجر وَله بعض ايثارات وَكَانَ حسن الذَّات خلوقا كَامِل الصِّفَات ملازم الْعِبَادَة منغزلا عَن النَّاس ودودا متواضعا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من الكملاء المعروفين والفضلاء الموصوفين وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف
رَجَب بن عماد الدّين المنلا العجمي الْكَاتِب ذكره النَّجْم فِي الذيل وَقَالَ فِي تَرْجَمته دخل دمشق فِي حُدُود الْألف وانتفع بِهِ خلق كثر فِي الْكِتَابَة عَلَيْهِ وَكَانَ حسن الْخط جدا وَله مُشَاركَة فِي بعض الْعُلُوم وَكَانَ يدعى معرفَة الموسيقى مَعَ أَنه لَا صَوت لَهُ وَيَزْعُم أَنه أحسن النَّاس صَوتا وَكَانَ يغلب على طبعه التغفل مَعَ دَعْوَى الفطانة وَكَانَت وَفَاته فِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشر ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف
رَحْمَة الله بن عُثْمَان قَاضِي الْقُضَاة الينكيشري المولد أحد فضلاء الزَّمَان المتمكنين من المعارف والعلوم قدم من بَلْدَة قسطنطينية واشتغل بهَا إِلَى أَن برع ولازم من الْمولى عبد الْعَزِيز بن الْمولى سعد الدّين ثمَّ وصل إِلَى خدمه الْمولى حُسَيْن ابْن أخي الْمُقدم ذكره فصيره نَائِبه وَهُوَ قَاضِي الْعَسْكَر بروم إيلي وَلما ولي الْإِفْتَاء وَجه إِلَيْهِ أَمَانَة الْفَتْوَى ودرس بمدارس الرّوم إِلَى أَن وصل إِلَى الْمدرسَة السليمانية وَولي مِنْهَا قَضَاء حلب ثمَّ قَضَاء مصر وَلم تطل مدَّته بهَا وَنقل إِلَى قَضَاء الشَّام فِي غَزَّة جُمَادَى الأولى سنة سبع وَخمسين وَألف ودخلها فِي ثَالِث عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَكَانَ فِي غَايَة من الإعتدال فِي حكومته متشرعاً مراعياً القانون السّلف فَفِيهَا متضلعاً حسن الْعبارَة وَكَانَ يكْتب إِمْضَاء الصكوك بإنشاء عَجِيب مستحسن وَلَقَد وقفت لَهُ من ذَلِك على إمضاآت كَثِيرَة فَمن ذَلِك قَوْله بذلت الوسع فِي إِيضَاح مَا تكنه صُدُور سطور الرّقّ وَلم آل جهدا فِي تَحْقِيق الْحق وفحصا عَن كل مَا جلّ مِنْهُ ودق حَتَّى أَسْفر فجر الْحَقِيقَة على مَا سطر فِيهِ من النسق فحكمت بِكَوْن
الْحمام والمزرعة وَقفا على الْمدرسَة وقضيت بذلك حكما جزما وَقَضَاء حتما لما ظهر الْحق ظُهُور الشَّمْس بالحجج القاطعة على مَا نطق بِهِ الْكتاب من الْأَحَادِيث الصِّحَاح القاطعة وَمن ذَلِك مُطَالبَة هَؤُلَاءِ بمراسم ظلم عَظِيم يجب على الْحُكَّام مَنعه ومنكر يجب على الْوُلَاة نَهْيه وَرَفعه يلْزم على كل من كَانَ نَافِذ الْأَمر جَائِز الحكم قصر الْأَيْدِي المتطاولة الجاذبة وَقطع الأطماع الْفَاسِدَة الكاذبة فمنعته عَن هَذَا ابْتِغَاء لمرضاة الله وطلبا لثوابه وهربا من عِقَابه وأليم عَذَابه وَمن ذَلِك مَا كتبه على صك إِعْتَاق جَارِيَة لَهُ مَا نسب إِلَى فِي هَذَا الرّقّ من إِعْتَاق جاريتي فُلَانَة حق وَصدق أعتقتها ابْتِغَاء لمرضاة الله تَعَالَى وثوابه وهربا من عَظِيم عِقَابه وأليم عَذَابه عَسى الله أَن يبدلنا خيرا مِنْهَا وجزانا رَبنَا خيرا الْجَزَاء عَنْهَا انْتهى قلت وَهَذَا أسلوب لطيف جرى عَلَيْهِ كثير من قُضَاة الرّوم وتكلفه بَعضهم مِمَّن لَا يعرف أساليب الْإِنْشَاء الْعَرَبِيّ فجَاء سمجا مضحكا وَالْعجب المعجب مِنْهُ إمضاآت الْمولى مُحَمَّد بن حسن الَّذِي كَانَ ولي قَضَاء حلب ودمشق وَقد رَأَيْت جدي القَاضِي رَحمَه الله تَعَالَى جمع مِنْهَا حِصَّة وافرة فِي مَجْمُوع لَهُ وتعقبها بِكَلِمَات أظهرت زيفها فَأَرَدْت إِيرَاد نبذة مِنْهَا ليعلم الْفرق بَين مَا أوردته أَولا وَبَينهَا فَمن ذَلِك مَا كتبه على صدَاق اسْتَقر الصَدَاق بوكالة من أَئِمَّة الْآفَاق فقررت الصَدَاق كتبه عبد الخلاق قَالَ الْجد سُبْحَانَ الخلاق وَمِنْه مَا كتبه على صدَاق أَيْضا لامس هَذَا الأطلس كف العَبْد الأنجس وَمِنْه مَا كتبه على نظارة وقف قررت النّظر وَسَأَلت الْأَبْيَض والأحمر فَشَهِدُوا بالمحضر رجال عدُول مِنْهُم الْمُفْتِي الْأَكْبَر قَالَ الله أكبر وَمِنْه مَا كتبه على كتاب وقف الْجَامِع الْأمَوِي هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ أَنا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ وَيَوْم نبعث من كل أمة بِشَهِيد وَجِئْنَا بك على هَؤُلَاءِ شَهِيدا مَا عرج حول الْكتاب مِمَّا يقوم فِي ذيل ذَلِك الْبَاب من الإنشاد وَالْإِشْهَاد صَادف مَحَله وحاد مخله ثمَّ أمله وأجله متشبثا بذيل ذَوي الْإِحْسَان أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان مُحَمَّد بن حسن القَاضِي بِدِمَشْق خير الْأَمَاكِن فِي اللِّسَان عَفا عَنْهُمَا رب الْإِحْسَان وَالله أعلم عودا على بَدْء وَوَقع لصَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ قَاضِي دمشق أَن بعض أَرْبَاب فن الزايرجا استخرج لَهُ الْعود إِلَى قَضَاء مصر بِهَذَا الْبَيْت وَهُوَ
(وَلَا بُد من عود إِلَى مصر ثَانِيًا
…
تنفذ أحكاما بِأَمْر مبجلا)
فاتفق لَهُ أَنه وَليهَا بعد ذَلِك فِي تَاسِع عشر شعْبَان سنة ثَمَان وَخمسين وَبعدهَا ولي قَضَاء قسطنطينية وَتُوفِّي بعد ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف والينكيشهري بِفَتْح الْمُثَنَّاة من تَحت وَسُكُون النُّون وَكسر الْكَاف الفارسية وياء أُخْرَى وَفتح الشين وَسُكُون الْهَاء وَالرَّاء نِسْبَة إِلَى بَلْدَة فِي بِلَاد الرّوم بِالْقربِ من سلانيك وَهِي بَلْدَة كَبِيرَة من مشاهير الْبِلَاد وَمعنى ينكي شهر الْبَلَد الْجَدِيد وَالله أعلم
مولَايَ رشيد بن عَليّ الْملك الْمُؤَيد الشريف الْحسنى ملك الْمغرب السُّلْطَان الْعَظِيم الْقدر السعيد الحركات المظفر الْكَامِل كَانَ من أمره أَنه تسلطن أَولا فِي بِلَاد تاقيلات ثمَّ وثب على مولَايَ مُحَمَّد الْحَاج ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر سُلْطَان فاس ومكناس وَالْقصر وَمَا والاها من أَرض الدلا وسلا وَغَيرهَا من أَرض الْمغرب وَكَانَ لَهُ فِي الْملك أَرْبَعُونَ سنة فانتزعه مِنْهُ وحبسه إِلَى أَن مَاتَ مسجونا وَخرب مدينتهم الْمَعْرُوفَة بالزاوية سميت بذلك لِأَن وَالِد مُحَمَّد الْحَاج وَهُوَ مُحَمَّد بن أبي بكر بنى بهَا زَاوِيَة عَظِيمَة وَكَانَت مأوى لمن يفد يطعم بهَا الطَّعَام للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين ورحل شيعَة الْحَاج خوفًا مِنْهُ إِلَى تلمسان وَهِي كَمَا تقدم من بِلَاد العثامنة سلاطين بِلَادنَا أعز الله تَعَالَى نَصرهم ثمَّ قويت شَوْكَة مولَايَ رشيد وَرغب النَّاس فِي خدمته وَكثر جمعه وعظمت دولته وساس الرّعية سياسة لم يروها فِي عهد سُلْطَان من سلاطينهم وَمَا زَالَ يتَمَلَّك بَلَدا بعد بلد حَتَّى دخل بِلَاد السودَان وتملك مِنْهَا جانبا عَظِيما وَلم يبْق بِجَمِيعِ أقطار الْمغرب من الْبَحْر الْمُحِيط إِلَى أَطْرَاف تلمسان إِلَّا مَا هُوَ فِي طَاعَته وداخل فِي ولَايَته إِلَى غير ذَلِك وَتقدم فِي تَرْجَمَة مولَايَ أَحْمد الْمَنْصُور أَنه كَانَ قسم الولايات بَين بنيه وَكَانَ بَقِي الْأَمر على ذَلِك حَتَّى ظهر مولَايَ رشيد فَجَعلهَا ملكا وَاحِدًا وَكَانَ ملكا معتدلا هاشميا محسنا محبا للْعُلَمَاء واستقام فِي السلطنة سبع سنوات وَتُوفِّي فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وَأَخْبرنِي بعض المغاربة فِي سَبَب مَوته أَنه أَصَابَهُ فِي مَا يَلِي أُذُنه عود من شَجَرَة فِي بُسْتَان لَهُ كَانَ يرْكض جَوَاده فِيهِ فنفذ الْعود وَوَقع مولَايَ رشيد مَيتا رَحمَه الله تَعَالَى
الْأَمِير رضوَان بن عبد الله الْغِفَارِيّ أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ الكرجي الأَصْل كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره من مماليك ذِي الفقار أحد أُمَرَاء مصر الْمَشْهُورين بالشأن الْعَظِيم والدولة الباهرة اشْتَرَاهُ صَغِيرا واعتنى بتربيته وَلما مَاتَ مَوْلَاهُ الْمَذْكُور رق حَاله
ثمَّ اسْتغنى وَنبهَ قدره وَكَانَ وقوراً مهيباً وَله سُكُون وديانة ورياسة واشتهر صيته وعظمت دائرته حَتَّى صَار أَرْبَعَة من مماليكه مثله أَصْحَاب لِوَاء وَعلم مَعَ مَا يتبعهُم من الْجند والكشاف والملتزمين وَله الْآثَار الْحَسَنَة فِي طَرِيق الْحَاج الْمصْرِيّ والحرمين وَكَانَ حسن السِّيرَة خُصُوصا فِي بر الْحجاز فَكَانَ معتنيا بأَهْله يُرْسل صرهم من حِين وُصُوله إِلَى يَنْبع إِلَى مَكَّة ويقسمه عَلَيْهِم قبل وُصُول الْحَاج وكل من لَهُ حَاجَة مِنْهُم بِمصْر قَضَاهَا لَهُ بأيسر حَال وَمكث نيفا وَعشْرين سنة أَمِير على الْحَاج وَفِي أثْنَاء ذَلِك وَقع لَهُ محنة فِي زمن مُحَمَّد باشا سبط رستم باشا الْآتِي ذكره وَكَانَ أذذاك محافظ مصر بِسَبَب أَمر افترى عَلَيْهِ فَعرض فِيهِ الْوَزير الْمَذْكُور إِلَى بَاب السُّلْطَان فجَاء الْأَمر الشريف بعزله عَن إِمَارَة الْحَاج فَلَمَّا بلغه توجه للأعتاب الْعَالِيَة هَارِبا وَاجْتمعَ بالسلطان مُرَاد فحبسه وَأمر بِبيع جَمِيع أملاكه وعقاراته فَبَقيَ مَحْبُوسًا مُدَّة وتكرر اجتماعه بالسلطان مُرَاد فَلم يَأْذَن الله تَعَالَى بإنطلاقه إِلَّا بعد موت السُّلْطَان الْمَذْكُور وتولية أَخِيه السُّلْطَان إِبْرَاهِيم السلطنة ثمَّ أطلق فَعَاد إِلَى مصر وَأخذ جَمِيع مَا ذهب لَهُ بعضه هبة وَبَعضه شِرَاء وانعقدت عَلَيْهِ رياسة مصر وَوَقع لَهُ محنة أُخْرَى فِي زمن أَحْمد باشا فَإِن الْأَمِير رضوَان سعى فِي نقص أَمر الْوَزير الْمَذْكُور وتغييره من مُحَافظَة مصر وفاوض جمَاعَة من الْأَعْيَان فِي ذَلِك فَلم يُوَافقهُ الْجند على ذَلِك وَتوجه الْأَمِير رضوَان إِلَى الْحَج والمنافرة وَاقعَة فراسل الْوَزير الْأَمِير على حَاكم جرجا وَأَلْقَتْ بَينه وَبَين الْأَمِير رضوَان الْعَدَاوَة ونصبه أَمِير الْحَاج مَكَانَهُ وَوجه جرجا لأحد مماليك الْأَمِير عَليّ وَقدم الْأَمِير عَليّ من جرجا إِلَى مصر وَلما قرب قدوم الْحَاج اسْتَشَارَ الْأَمِير على بعض أَصْحَابه فِي اسْتِقْبَال الْأَمِير رضوَان فأشاروا عَلَيْهِ بِأَن يفعل إِلَّا قَلِيلا من الأخصاء فَإِنَّهُم أنكروه فتبع رَأْي الأول وصمم على الإستقبال وَخرج بجمعية عَظِيمَة وَلما اجْتمع هُوَ والأمير رضوَان تسالما وَلم يبد من أَحدهمَا مَا يُغير خاطر الآخر وَكَانَ كل مِنْهُمَا يجل الآخر وَيعرف حَقه وَأَقَامَا يومهما والأمير رضوَان مفكر فِي أَمر الإجتماع بالوزير وَفِيمَا ينجر إِلَيْهِ حَاله فَقَامَ من الْمجْلس وَبَقِي جَمِيع الْأُمَرَاء والأعيان وطلع إِلَى جَانب وَوضع مجنا تَحت رَأسه وَأخذ يفكر فاتفق أَنه جَاءَ فِي ذَلِك الْوَقْت خبر عزل الْوَزير عَن مصر وَأَنه صَار مَكَانَهُ عبد الرَّحْمَن باشا الْخصي وَمر متسلمه على العادلية وَسَار إِلَى مصر فجَاء رجلَانِ إِلَى الْبركَة مَحل نزُول الْحَاج وهما فِي قصد الْأَمِير رضوَان ليبشراه فَلَمَّا أخبرا بمكانه أَسْرعَا إِلَيْهِ
وإيقظاه وأخبراه بذلك فَكَانَ ذَلِك لَهُ من بَاب الْفرج بعد الشدَّة فَأتى المخيم وَالْقَوْم كلهم جُلُوس وَلما اسْتَقر بِهِ الْجُلُوس الْتفت إِلَى الْأَمِير مصطفى الدفتري بِمصْر وَأخْبرهُ جهارا بِالْخَيرِ فتعجب الْجَمِيع من ذَلِك وظنوا أَنه رأى مناما ثمَّ أخْبرهُم بِحَقِيقَة الْأَمر فصدقوا وَدخل مصر فَلم يتَّفق لَهُ اجْتِمَاع بالوزير واصطلح هُوَ والأمير على صلحا لافساد بعده وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن هذَيْن الأميرين كَانَا من الْأَفْرَاد وهما زِينَة ملك آل عُثْمَان وَكَانَت وَفَاة الْأَمِير رضوَان فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف
رَضِي الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن الشهَاب أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حجر الهيثمي بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة نِسْبَة لمحلة أبي الْهَيْثَم من أقاليم مصر السَّعْدِيّ نِسْبَة لبني سعد الْمَوْجُودين بِمصْر وَسبب شهرة جسده بِحجر أَنه كَانَ ملازما للصمت فِي جَمِيع أَحْوَاله لَا ينْطق إِلَّا لضَرُورَة فَسُمي حجرا أحد أفاضل المكيين ووجوه الشَّافِعِيَّة وَكَانَ فَاضلا بارعا متقنا شَدِيدا فِي الدّين مشتغلا بِمَا يعنيه أَخذ عَن وَالِده وَعَن السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم الْبَصْرِيّ وَأحمد بن أبي الْفَتْح الْحكمِي وَعبد الْملك العصامي وَعبد الْعَزِيز الزمزمي وَأَجَازَهُ إجَازَة حافلة سَمَّاهَا لَهُ شَيْخه أَحْمد الْحكمِي فتح الرِّضَا فِي نشر الْعلم والإهتداء قَالَ فِيهَا لازمني زَاد الله فِي توفيقه وسلك بِهِ أقوم طَرِيقه من عَام ثَمَانِيَة عشر وَألف وَحضر دروسي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام الَّذِي هُوَ أجل الْمَسَاجِد وأشرف وَسمع على كتاب الصَّوْم وَالْحج من تحفة الْمُحْتَاج لشرح الْمِنْهَاج لجدي وجده وغالب الرّبع الأول من مُؤَلفه فتح الْجواد مَعَ مطالعته للتحفة والإمداد وَالرّبع الأول من شرح الرَّوْض وغالب شرح الْمنْهَج لشيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا وَقطعَة من شرح الْقطر لِابْنِ هِشَام وَقَرَأَ على قراء خَاصَّة من أول كتاب البيع إِلَى كتاب الْوَقْف من شرح الْمنْهَج مَعَ مطالعة التُّحْفَة وَلم يزل ملازما للْقِرَاءَة والحضور ويبدي من الْفَوَائِد العجيبة والدقائق الغريبة والأبحاث الدقيقة فِي حقائق الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم والإشكالات الْوَثِيقَة المستنبط لَهَا من مدارك الْعُلُوم مَا يدل على غزارة فَضله وَأَحْكَام علمه وَنَقله وَلَا غرواذ هُوَ فرع ذَلِك الأَصْل الزكي والعنصر الطّيب الرضى ويحق أَن ينشد لِسَان حَالَة ويبدي فَإِن المَاء مَاء أبي وحدي إِلَى آخر مَا ذكره وَأخذ عَن سيدنَا أَحْمد القشاشي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف وَأَجَازَهُ بمروياته ولقنه الذّكر وَلما قدم إِلَى مَكَّة يَوْم السبت تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة سنة أَرْبَعِينَ وَألف السَّيِّد الْجَلِيل الْعَارِف الراسخ مُحَمَّد بن علوي بن
عقيل قَرَأَ عَلَيْهِ طرفا من الشِّفَاء ثمَّ طلب مِنْهُ السَّيِّد عبد الرَّحِيم السمهودي وَأحمد ابْن عراق أَن يحضرا مَعَه فأجابهما السَّيِّد لذَلِك ثمَّ أخبرهُ أَن النَّبِي
حَاضر حَال قِرَاءَته وَهَذِه منحة عظمى وَألبسهُ الْخِرْقَة وأرخى لَهُ العذبة ولقنه الذّكر وَألبسهُ عمَامَته وَألف صَاحب التَّرْجَمَة مؤلفات مِنْهَا حَاشِيَة على التُّحْفَة لجده رد بهَا اعتراضات الْعَلامَة ابْن قَاسم الْعَبَّادِيّ وَاخْتصرَ أَسْنَى المطالب فِي صلَة الْأَقَارِب اختصارا عجيبا وَالْفَتْح الْمُبين فِي شرح الْأَرْبَعين وَالْقَوْل الْمُخْتَصر فِي عَلَامَات الْمهْدي المنتظر لجده أَيْضا وَله رِسَالَة فِي الشَّيْخ الْأَكْبَر محيي الدّين بن عَرَبِيّ سَمَّاهَا شذرة من ذهب من تَرْجَمَة سيد طي الْعَرَب وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بالمعلاة بِقرب تربة جده شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر رَحمَه الله تَعَالَى
رَمَضَان بن عبد الْحق الْمَعْرُوف بالعكاري الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ كَانَ عَالما بالفقه والعربية متجرا فيهمَا مقدما فِي معرفتهما وإتقانهما وَكَانَ النَّاس يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ ويقتبسون مِنْهُ وَكَانَ غَايَة فِي جودة التَّعْلِيم وَحسن التفهيم وَله إطلاع زَائِد على فروع الْمَذْهَب مَعَ إتقان أُصُوله وَهُوَ وَإِن اشْتهر بِهَذَيْنِ العلمين فشهرته فيهمَا شهرة تفرد وَهُوَ قيمًا عداهما من الْعُلُوم كَامِل الأدوات عديم القرين أَخذ الحَدِيث بِدِمَشْق عَن الْمُحدث الْكَبِير مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن دَاوُد الْمَقْدِسِي نزيل دمشق وَعَن الإِمَام الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَليّ الْمَقْدِسِي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بالعلمي شيخ الْحَنَفِيَّة فِي وقته وَقَرَأَ المعقولات والعربية على المنلا أبي بكر السندي نزيل دمشق وعَلى غَيره وبرع وَولي خطابة جَامع سِنَان باشا خَارج بَاب الْجَابِيَة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة الْكُبْرَى وَرَأس آخر أمره بِدِمَشْق فَكَانَ يُفْتِي فِي حَيَاة الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي وَلما مَاتَ الْعَلامَة مُحَمَّد ابْن قباد الْمَعْرُوف بالسكوتي وَكَانَ مفتي الشَّام أَرَادَ نَائِب دمشق أَن يعرض لَهُ بالفتوى فَمَا قبل القَاضِي الْقُضَاة الْمولى دَاوُد بن بايزيد وَعرض بهَا للشَّيْخ عماد الدّين ابْن الْعِمَادِيّ ووجهت لَهُ من طرف السلطنة أَيْضا وَأقَام صَاحب التَّرْجَمَة على وجاهته وتقيده بنشر المعارف والعلوم وَكَانَ يكْتب الْخط الْمَنْسُوب الْحسن وَيعرف اللُّغَة التركية معرفَة تَامَّة وَلَقَد سَمِعت كثيرا مِمَّن أدْركهُ تَرْجِيحه فِي الْفضل على أهل عصر فَلَمَّا اجْتمع فِيهِ مَا لم يجْتَمع فِي غَيره وحَدثني بعض الْعلمَاء نَاقِلا عَنهُ أَنه أخبرهُ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَنه لما حج اجْتمع بِرَجُل فِي الْحرم الْمَكِّيّ فَقَالَ لَهُ أَنْت إِمَام
الْعَصْر قَالَ ثمَّ غَابَ عني فِي مَحَله فَتبين لي أَنه الْخضر وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ بَين الْفضل مَشْهُور الْمعرفَة وَكَانَ لَهُ همة عالية وإقدام فِي الْأُمُور وَله إنْشَاء بِالْعَرَبِيَّةِ وَشعر قَلِيل لَا يحضرني مِنْهُ إِلَّا مَا قرأته بِخَط الإِمَام المتجر مُحَمَّد بن عَليّ الحرفوشي الحريري شَارِح الفاكهي فِي مَجْمُوع لَهُ قَالَ كتبت إِلَى الْأَخ الْعَلامَة رَمَضَان العكاري محاجيا فِي اسْمه وَنحن بقصر القرماني بالجسر الابيض من صالحية دمشق قولي
(يَا زاكيا نجاره
…
وَمن تسامى قدما)
(مَاذَا يُسَاوِي قَول من
…
حاجيته اقصد غنما)
فَأجَاب بقوله
(يَا فَاضلا مَا مثله
…
من مَا جد تكرما)
(أحجية تَضَمَّنت
…
شهر الصّيام وأسلما)
وَحج مرَّتَيْنِ ثَانِيهمَا فِي سنة خمس وَخمسين وَرجع متوعك المزاج وَمكث فِي دَاره يزار إِلَى لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة سِتّ وَخمسين وَألف فانتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَدفن بتربة بَاب الصَّغِير وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَذكر وَالِدي المرحوم فِي تَرْجَمته أَنه أخبرهُ الشَّيْخ الْفَاضِل تِلْمِيذه وسميه رَمَضَان بن مُوسَى بن عطيف الْآتِي ذكره بعده فِي منزله بِدِمَشْق أَنه رأى صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْمَنَام بعد وَفَاته جَالِسا بمحراب جَامع السنانية فَنظر إِلَيْهِ وَأنْشد بِلَفْظ عريض
(مضى عصر الصِّبَا لَا فِي انْشِرَاح
…
وَلَا وصل يلذ مَعَ الصَّباح)
(وَلَا فِي خدمَة الْمولى تَعَالَى
…
فَفِيهَا كل أَنْوَاع الْفَلاح)
(وَكنت أَظن يصلحني مشيبي
…
فشبت فَأَيْنَ آثَار الصّلاح)
قلت وَسَأَلت أَنا شَيخنَا العطيفي عَن هَذِه الأبيات هَل يعرف أَنَّهَا من نظمه أَو من نظم غَيره فتوقف ثمَّ بعد ذَلِك لَا زلت أفحص عَنْهَا حَتَّى وَجدتهَا منسوبة لبَعض بني السُّبْكِيّ وَأَظنهُ الشَّيْخ الإِمَام
رَمَضَان بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن عطيف الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ شَيخنَا الْأَجَل صَاحب الْفُنُون والآداب الْفَقِيه النَّحْوِيّ الْفَائِق البارع أحد أجلاء الْمَشَايِخ بِدِمَشْق فِي عصره كَانَ لطيف الطَّبْع حسن المعاشرة منطر حاوله منادمة تَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب يتَصَرَّف فِيهَا تَصرفا عجيبا وَله رِوَايَة فِي الشّعْر وَأَيَّام الْعَرَب
وأخبار الْمُلُوك وَالشعرَاء قل أَن تُوجد فِي أحد من أَبنَاء الْعَصْر قَرَأَ بِدِمَشْق عَن الجلة من الْمَشَايِخ مِنْهُم العكارى الْمَذْكُور قبله والعمادي الْمُفْتِي وَالشَّيْخ مصطفى بن محب الدّين وَغَيرهم وَأخذ الحَدِيث عَن النَّجْم الْغَزِّي وَالشَّيْخ غرس الدّين الخليلي الْمدنِي وَله مَشَايِخ كَثِيرُونَ غَيرهم وتصدر للأقراء مُدَّة حَيَاته فِي جَامع السنانية والدرويشية وانتفع بِهِ خلق كثير وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَجمع نفائس الْكتب من كل فن وَرَأَيْت لَهُ تعليقات ورسائل كَثِيرَة وَذكره شَيخنَا الخياري الْمدنِي فِي رحلته وَقَالَ فِي تَرْجَمته كَانَ بيني وَبَينه قبل اللِّقَاء مكاتبات فائقة ومراسلات شائقة تدل على غزارة علمه وفضله وتقضي للظمآن بورود نهله فَكنت أتعشقه على السماع ورؤيا الْآثَار وَأَرْجُو من الله حُصُول الإجتماع وتملى الْأَبْصَار حَتَّى كَانَ بِالشَّام وَكنت أتمناه بِمَدِينَة النَّبِي عليه السلام فأنشدني من لَفظه أول مَا لَقِيَنِي للسلام وَأخْبر أَنه بديهة قَالَه فِي ذَلِك الْمقَام
(أودّ زَمَانا أَن أَرَاكُم بمقلتي
…
وأقضي فروضاً قد تعلقن ذِمَّتِي)
(إِلَى أَن قضى الله اجتماعاً بوصلكم
…
وَقد كَانَ هَذَا الْوَصْل فِي يَوْم جُمُعَة)
قَالَ فأجبته بعد أَيَّام بِقَوْلِي
(أيا سيدا سرّ الْفُؤَاد بِأَنَّهُ
…
يُلَاحظ عبدا فِي حُضُور وغيبة)
(وَقد علم الْمولى تَأَكد شوقنا
…
فيسره بِالشَّام أنزه بقْعَة)
(على أَنَّهَا فاقت بِمَا انْفَرَدت بِهِ
…
من الْحسن من مَاء معِين وربوة)
قَالَ وَكَانَ كتب إِلَى الْمشَار إِلَيْهِ من الشَّام وَأَنا بِالْمَدِينَةِ يطْلب مني تَرْجَمَة السَّيِّد مُحَمَّد جمال الدّين الْمَشْهُور بكبريت الْمدنِي
(يَا خَطِيبًا بِأَرْض طيبَة أضحى
…
أفْصح الْعَرَب عِنْده سكيتاً)
(جد على العَبْد سَيِّدي بمناه
…
وَهُوَ مَا ترجموا بِهِ كبريتاً)
فأجبته وَقد رقمت لَهُ من تَرْجَمته مَا سمح بِهِ الخاطر
(عين أهل الشَّام يَا وَاحِد الْعَصْر
…
وَمن حَاز فِي الْمَعَالِي صيتًا)
(دمت فِينَا زناد فضلك وار
…
لست تحْتَاج للذكا كبريتاً)
قَالَ وَكتب إِلَيّ
(أشيخ الْوَقْت إِبْرَاهِيم يَا من
…
عَلَوْت على الورى هام الدراري)
(لأَنْت بِطيبَة من خير قوم
…
خِيَار من خِيَار من خِيَار)
وَلما رَأَيْت العطيفي تلاعب وتداعب باللقب أَجَبْته بذلك مراعيا فِي القافية لقبه أَيْضا غائصا بحره فَقلت
(أيا مولى سَمَّاهُ شهر صَوْم
…
يجل الْوَصْف عَن كم وَكَيف)
(عطفت بوصل أَسبَاب التداني
…
وَذَلِكَ لَيْسَ بدعا من عطيف)
انْتهى وَمِمَّا رَأَيْته من آثَار قلمه هَذِه الْقطعَة من الْإِنْشَاء والأبيات كتب بهَا إِلَى بعض الْفُضَلَاء جَوَابا عَن لغز كتبه إِلَيْهِ فِي قرنفل يَا من زين سَمَاء الدُّنْيَا بزهر النُّجُوم وزين الأَرْض بزهرها المنثور والمنظوم نحمدك على مَا أبدعت حكمتك فِي هَذِه الْأَعْصَار من زاهي الأزهار وَنُصَلِّي ونسلم على نبيك الْمُخْتَار وَآله الأخيرا مَا اخْتلف اللَّيْل والهار عدد تنوع النَّهَار أما بعد فَإِن رَقِيق الْكَلَام ورشيق النظام مِمَّا يسحر الْأَلْبَاب وينسج مَا بَين الأحباب وَلَا يدع فقد قَالَ سيد الْأَنَام عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام أَن من الْبَيَان سحر أَوَان من الشّعْر حِكْمَة هَذَا وَقد أَخذ رائق كلامكم وفائق نظامكم بِهَذَا الصب أَخذ الأحباب الْأَرْوَاح وَلعب بِهِ وَلَا كتلعاب الراح كَيفَ لَا وَقد كسى حلل إلبها وَالْجمال وانتظم وَلَا كانتظام اللآل رق فاسترق الْأَحْرَار وحلي فتحلي بِهِ أهل الشعار وراق مَعْنَاهُ فأشرق مغناه وَحسن أتساقه فحلا مذاقه وفاج أرج القرنفل من رياضه وهبت نسمات الْجنان من غياضه فَللَّه دَرك ودر مَا ألغزت وَمَا أحسن مَا أبعدت وَقربت فقد أبدعت فاعبدت وأغربت فأرغبت لغز كالغزل فِي نشر طيه حلل من طول فِي مدحه فقد قصر وَمَا عَسى أَن يمدح الْبَحْر والجوهر وَلَكِن نعتذر إِلَيْكُم من هَذِه الشقشقات الَّتِي أوردناها على سَبِيل البديه وكل ينْفق مِمَّا عِنْده ويبديه وَحين ملت طَربا من ميل تِلْكَ اللامات قلت هَذِه الأبيات
(أَتَانِي نظام مِنْك يزري بحسنه
…
فقانبك من ذكرى حبيب ومنزل)
(وأشممني مِنْهُ أريجا كَأَنَّهُ
…
نسيم الصِّبَا جَاءَت بريا القرنفل)
(فيا وَاحِد الدُّنْيَا وَلَيْسَ مدافع
…
وَيَا من غَدا مدحي لَهُ من تغزل)
(بعثت لنا عقدا ثميناً فَلَو رأى
…
جواهره النظام ولى بمعزل)
(وَلَو أَن رَآهُ امْرُؤ الْقَيْس لم يقل
…
أَلا أَيهَا اللَّيْل الطَّوِيل أَلا انجلى)
(فَمن بك نظاما فمثلك فَلْيَكُن
…
فصاحة أَلْفَاظ بِمَعْنى مكمل)
(رَقِيق لطيف رائق متحبب
…
إِلَى كل نفس وَهُوَ فِي الْعين كالحلي)
(يفوح عبير الْمسك من طي نشره
…
فَكيف وَقد ألغزته فِي القرنفل)
(فَلَا زلت تحبونا بِكُل فَضِيلَة
…
وَلَا زلت تحبينا بِعلم مفضل)
(وَلَا زلت للدنيا إِمَامًا وَسَيِّدًا
…
وعلمك يرْوى كالحديث المسلسل)
(فيا من غَدا جبرا لكل كسيرة
…
وَيَا من غَدا خيرا عَلَيْك معولي)
(وَيَا من غَدا حبرًا لكل دقيقة
…
وَيَا من غَدا بحرا لكل مُؤَمل)
(بقيت بِخَير سالما وممتعا
…
وقدرك فِي الدُّنْيَا يزِيد ويعتلي)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فِي شهر رَمَضَان سنة تسع عشرَة والف كَذَا سمعته من لَفظه وكتبته عَنهُ وَتُوفِّي نَهَار الْخَمِيس عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير فِي مَسْجِد النارنج رحمه الله
روح الله بن مُحَمَّد أَمِين بن صدر الدّين الشرواني الأَصْل قَاضِي الْقُضَاة الْفَاضِل البارع الأديب كَانَ أحد أجلاء الموَالِي لَهُ جاه عريض وحشمة وافرة وَتثبت فِي الْأُمُور ودأب فِي الإشتغال حَتَّى تنبل ولازم من شيخ الْإِسْلَام الْمولى أسعد ودرس بمدارس قسطنطينية إِلَى أَن وصل إِلَى أحدى الْمدَارِس السليمانية وَولي مِنْهَا قَضَاء الْقُدس ثمَّ ولب وحلب ومصر وأدرنة وقسطنطينية وَكَانَ ينظم الشّعْر بالتركية ومخلصه على طريقتهم روحي وَله التَّارِيخ الْمَشْهُور قَالَه لما تسلطن السُّلْطَان وَهُوَ قَوْله خلد الله ملك إِبْرَاهِيم وَكَانَ بَينه وَبَين وَالِدي المرحوم مَوَدَّة ومراسلات كَثِيرَة ويعجبني مِنْهَا مَا كتبه وَالِدي إِلَيْهِ فِي صدر كتاب متمثلا وَهُوَ بالقدس
(يَا نسمَة البان بل يَا نسمَة الرّيح
…
إِن رحت يَوْمًا إِلَى من عِنْدهم روحي)
(خذي لَهُم من ثنائي عنبرا عبقا
…
وأوقديه بِنَا من تباريحي)
أَقَامَ الله دعائم الْفضل وَشرح صدر الدّين بصدر الشَّرِيعَة وَالْعدْل بِبَقَاء روح الْقُدس وموطن الْأَمْن والأنس وحيد دهره وروح عصره وَمن آخر كتبه إِلَيْهِ وَهُوَ قَاض بحلب وَعِنْدِي من الأشواق مَا لَا تحمله متون الأوراق وَمن الغرام مَا لَا تشرحه أَلْسِنَة الأقلام فنسأله سُبْحَانَهُ أَن يمن علينا بمنة الاقتراب وَيحسن لشامنا بشريف ذَلِك الجناب لنرتع فِي روض دولته الوريفة ونتمتع بمشاهدة حَضرته الشَّرِيفَة وَتَكون أيامنا بجانبه أعياد الدَّهْر وليالينا بِهِ كلهَا لَيْلَة الْقدر ونعد ذَلِك مِنْهُ تَعَالَى نعْمَة وَأي نعمه لنؤدي بعض مَا يجب من أَدَاء